رومية

الرسالة إلى رومية | 13 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى رومية

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الثالث عشر

 

موضوع هذا الأصحاح واجبات المسيحيين لأرباب الحكومة وللهيئة الاجتماعية. فواجباتهم لأرباب الحكومة مبنية:

  1. على أن الحكام نواب الله فالمقاومة لهم مقاومة لله (ع ١ و٢).
  2. على منفعتهم للعالم لأنهم رهبة للأشرار وقوة للصالحين (ع ٣ و٤).
  3. على أن الدين يوجب الطاعة لهم (ع ٥).
  4. على أن تأديتهم الجزية توجب الخضوع لهم (ع ٦ و٧).

وواجباتهم للهيئة الاجتماعية:

  1. المحبة.
  2. الأعمال التي توجبها شريعة المحبة (ع ٨ – ١٠)
  3. وجوب السلوك في سنن التقوى نظراً لقصر زمن الضيق وقرب وقت الفرج (ع ١١ – ١٤).

١ «لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ ٱلْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ ٱللّٰهِ، وَٱلسَّلاَطِينُ ٱلْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ ٱللّٰهِ».

تيطس ٣: ١ و١بطرس ٢: ١٣ أمثال ٨: ١٥ و١٦ ودانيال ٢: ٢١ و٤: ٣٢ ويوحنا ١٩: ١١

لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ أي ليخضع كل إنسان طوعاً واختياراً للحكام. الذي دعا بولس إلى أن يأمر كنيسة رومية بذلك هو أن كثيرين من أعضاء الكنيسة كانوا من اليهود فعسر عليهم أن يخضعوا للحكام الرومانيين الوثنيين لقوله تعالى في التوراة «إِنَّكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكاً ٱلَّذِي يَخْتَارُهُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَلَيْكَ مَلِكاً. لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْكَ رَجُلاً أَجْنَبِيّاً لَيْسَ هُوَ أَخَاكَ» (تثنية ١٧: ١٥) فخشوا أن يحسب الله خضوعهم لأولئك عصياناً له. ولهذا سأل يهود أورشليم المسيح «أيجوز أن تُعطى جزية لقيصر أم لا» ومعظمهم يعتقد أنه لا يجوز. وما حمل كثيرين منهم على العصيان للدولة الرومانية اعتقادهم أن المسيح متى جاء ينقذهم من سلطة الرومانيين ويبيد جميع أعدائهم. فميلهم إلى الثورة والعصيان ألجأ الأمبراطور كلوديوس قيصر إلى نفي كل اليهود من رومية إلى حين (أعمال ١٨: ٢) وجعل يهود اليهودية يخاصمون ولاتهم حتى أفضى إلى دمار مدينتهم وتشتتهم في الممالك.

لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ ٱللّٰهِ أي أن الله مصدر كل سلطة في العالم فالوالدون ورؤساء الدين والحكام السياسيون هم نواب الله. وقول الرسول يصدق على كل المتسلطين بقطع النظر عن أسمائهم أو ألقابهم أو نوع حكمهم أو وسيلة تسلطهم وأن الله أقامهم جميعاً (مزمور ٧٥: ٧ وإرميا ٢٧: ٥ ودانيال ٤: ١٧). لم يقيّد الرسول ما أمر به من الخضوع للسلاطين بكونه في الدائرة التي أقامهم الله فيها لأن الكتاب أوضح ذلك بالتمييز بين الطاعة لله والطاعة للحكام.

٢ «حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ ٱلسُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ ٱللّٰهِ، وَٱلْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً».

يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ ٱللّٰهِ هذا نتيجة الآية الأولى. استحسن الله أن يجري حكمه في الناس بواسطة بعضهم فعيّن الحكام منهم فالذي يقاومهم في الأمور الشرعية يقاوم الله.

ٱلْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً من الله لأنهم خالفوا إرادته وعصوا أمره.

٣ «فَإِنَّ ٱلْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ ٱلصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ ٱلسُّلْطَانَ؟ ٱفْعَلِ ٱلصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ».

١بطرس ٢: ١٤ و٣: ١٣

هنا علّة أخرى لوجوب الطاعة للحكام وهي أن الله أقامهم بحكمته لغايات نافعة صالحة.

لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ ٱلصَّالِحَةِ لأنهم ينذرون الأشرار بالعقاب فيمنعون بذلك الشرور ويشددون سواعد الصالحين بمدح الصلاح والإثابة عليه فإخافة الأشرار تقوية للاخيار.

أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ ٱلسُّلْطَانَ؟ أي عقابه المعيّن من الله للعصاة.

ٱفْعَلِ ٱلصَّلاَحَ الخ أي أطع الشريعة تأمن العقاب واخضع للحاكم تنل رضاه والصيت الحسن بأنك مستقيم (١بطرس ٢: ١٤ و١٥). فعلى المسيحيين أن يستفرغوا المجهود في إدراك ذلك الصيت في الصدق والمسالمة والطاعة لشريعة البلاد والمحبة للوطن.

٤ «لأَنَّهُ خَادِمُ ٱللّٰهِ لِلصَّلاَحِ! وَلٰكِنْ إِنْ فَعَلْتَ ٱلشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ ٱلسَّيْفَ عَبَثاً، إِذْ هُوَ خَادِمُ ٱللّٰهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ ٱلَّذِي يَفْعَلُ ٱلشَّرَّ».

لأَنَّهُ خَادِمُ ٱللّٰهِ لِلصَّلاَحِ معنى قوله هنا كمعنى قوله في الآية الأولى بزيادة الغاية التي قصدها الله من إقامة الحكام هي حفظ أعراض الرعية وأموالها ودمائها.

إِنْ فَعَلْتَ ٱلشَّرَّ فَخَفْ العقاب.

لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ ٱلسَّيْفَ عَبَثاً لمجرد الزينة والجاه. والسيف آية سلطة الحاكم وآلة الانتقام غالباً وعبّر به هنا عن كل آلات العقاب.

إِذْ هُوَ خَادِمُ ٱللّٰهِ، مُنْتَقِمٌ قيل سابقاً أن «النقمة لله» (ص ١٢: ١٩) وقيل هنا أن سيف الحاكم إحدى آلات نقمته تعالى.

لِلْغَضَبِ مِنَ ٱلَّذِي يَفْعَلُ ٱلشَّرَّ أي للعقاب منه (ص ١: ٨). وهذا موافق لاختبارنا فإن الحكام لم يُعاقبوا أحداً لإطاعته للشرائع ولإحسانه إلى غيره بل لأضراره وعصيانه فإذاً تجب الطاعة للحاكم خوفاً منه إن لم تكن لما هو أعظم من ذلك.

٥ «لِذٰلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ ٱلْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً بِسَبَبِ ٱلضَّمِيرِ».

جامعة ٨: ٢ و١بطرس ٢: ١٩

ذكر في هذه الآية علّة لإطاعة الحاكم أعظم من خشية عقابه وهو ما يوجبه الضمير نائب الله في نفس الإنسان وذلك كون الطاعة من الواجبات الدينية لأن الله هو الذي أقام الحكام بدليل قول الحكيم «أَنَا أَقُولُ: ٱحْفَظْ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ، وَذَاكَ بِسَبَبِ يَمِينِ ٱللّٰهِ» (جامعة ٨: ٢). ويجب بمقتضى هذا المبدإ أن «يطيع الأولاد والديهم والخدم سادتهم» (أفسس ٦: ١ و٥ و٦).

٦ «فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هٰذَا تُوفُونَ ٱلْجِزْيَةَ أَيْضاً، إِذْ هُمْ خُدَّامُ ٱللّٰهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذٰلِكَ بِعَيْنِهِ».

تُوفُونَ ٱلْجِزْيَةَ الجزية ما تؤديه الرعية نفقات للحاكم ذكر بولس هنا علّة وجوب تأديتها وهي أن الحكام عيّنهم الله لنفع الشعب بمنع الشر وتقوية الخير ولا يمكن بقاء الحكام إلا بأن تؤديهم الرعية ما ينفقون. ضرب الرومانيون الجزية على كل الأمم التي استولوا عليها وثقلت على اليهود فأبى بعضهم تأديتها فحكم هنا بولس بوجوب التأدية.

إِذْ هُمْ خُدَّامُ ٱللّٰهِ الخ كما في (ع ١ و٤) فإقامة الله الحكام تستلزم وجوب تأدية نفقاتهم ديناً وأدباً.

٧ «فَأَعْطُوا ٱلْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: ٱلْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ ٱلْجِزْيَةُ. ٱلْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ ٱلْجِبَايَةُ. وَٱلْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ ٱلْخَوْفُ. وَٱلإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ ٱلإِكْرَامُ».

متّى ٢٢: ٢١ ومرقس ١٢: ١٧ ولوقا ٢٠: ٢٥

فَأَعْطُوا ٱلْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ هذا كقول المسيح «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ للهِ» (متّى ٢٢: ٢١). وقول بطرس الرسول في (١بطرس ٢: ١٣ – ١٧). فالدين المسيحي يوجب على أتباعه محبة السلام والنظام وإطاعة الحكام وحب الوطن وبذل الوسع في نجاحه طوعاً لإرادة الله ونفعاً للبشر.

ٱلْجِزْيَةَ تفسير لفظة يونانية معناها ما يأخذه الحاكم على النفوس والعقار.

ٱلْجِبَايَةَ هي في الأصل اليوناني ما يأخذه الحاكم على بضائع التجارة.

لِمَنْ لَهُ ٱلْخَوْفُ أي الحاكم باعتبار أن له قوة على العقاب.

لِمَنْ لَهُ ٱلإِكْرَامُ أي أرباب المناصب العالية باعتبار كونهم نوّاب الله.

٨ «لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ ٱلنَّامُوسَ».

ع ١٠ وغلاطية ٥: ١٤ وكولوسي ٣: ١٤ و١تيموثاوس ١: ٥ ويعقوب ٢: ٨

بعد أن ذكر الرسول ما يجب على المسيحيين للحكام رجع إلى ذكر ما كان يتكلم عليه في (ص ١٢: ٩ – ١٤) مما يجب عليهم لجميع الناس.

لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ أو أوفوا كل ما عليكم من الدّين في وقته وأوفوا الحكام دفعاً للخوف المذكور وقياماً بما يحق لهم وأوفوا سائر الناس امتثالاً لشريعة العدل وشريعة المحبة ولأن إباء إيفاء الدّين كالسرقة لأنه إضرارٌ للناس مثلها وإن كان أقل منها عاراً.

إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً استثنى المحبة لأنّا مهما أوفينا منها لم نستطع أن نوفي كل ما علينا فكأنه قال أحبوا دائماً.

لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ ٱلنَّامُوسَ بمقتضى حكم المسيح (متّى ٢٢: ٣٧ – ٤٠ ولوقا ١٠: ٢٧ – ٣٧) لأن غاية الناموس كلها المحبة لله وللناس لأن من أحب الله قام بكل ما يجب عليه له طوعاً واختياراً وكذا من أحب قريبه.

٩ «لأَنَّ «لاَ تَزْنِ، لاَ تَقْتُلْ، لاَ تَسْرِقْ، لاَ تَشْهَدْ بِٱلزُّورِ، لاَ تَشْتَهِ» وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى، هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةِ: أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ».

خروج ٢٠: ١٣ الخ وتثنية ٥: ١٧ الخ ومتّى ١٩: ١٨ لاويين ١٩: ١٨ ومتّى ٢٢: ٣٩ ومرقس ١٢: ٣١ وغلاطية ٥: ١٤ ويعقوب ٢: ٨

هذه الآية إيضاح وتقرير للآية الثامنة وتوكيد أن محبة القريب تشتمل على كل ما يتعلق به من الواجبات في وصايا الله العشر لأن ما تنهي عنه أو تأمر به الوصية تنهي عنه أو تأمر به المحبة. ذكر بولس خمساً من الوصايا العشر واقتصر على «لا تشته» من العاشرة ولم يذكر ما يجب علينا لله وللوالدين لأن موضوع كلامه ما يجب علينا للناس عموماً.

فِي هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةِ أي في هذه الجملة.

تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ إن من يحب غيره كنفسه لا ريب في أنه يعامله كما يريد أن غيره يعامله فلا بد من أن يقوم بكل ما أوجبته له وصايا الله عليه.

١٠ «اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرّاً لِلْقَرِيبِ، فَٱلْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ ٱلنَّامُوسِ».

متّى ٢٢: ٤٠ وع ٨

هذه الآية دليل على صحة الجزء الأخير من الآية التاسعة.

اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرّاً مما نهت عنه الوصايا المذكورة في (ع ٨). وعلّة أن المحبة لا تصنع شراً هي أنه من طبيعتها أنها تلجئ المحب أن يسعى في نفع القريب وخيره فيمتنع بالضرورة عن كل ما يؤذيه.

فَٱلْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ ٱلنَّامُوسِ هذا نتيجة البرهان على صحة المطلوب في (ع ٨) وهو قوله «من أحب غيره فقد أكمل الناموس».

١١ «هٰذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ ٱلْوَقْتَ، أَنَّهَا ٱلآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ ٱلنَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا ٱلآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا».

١كورنثوس ١٥: ٣٤ وأفسس ٥: ١٤ و١تسالونيكي ٥: ٥ و٦

في هذه الآية وما بعدها إلى نهاية الأصحاح الأسباب الموجبة للاجتهاد في القيام بالواجبات المذكورة وبالحياة التقويّة.

عَارِفُونَ ٱلْوَقْتَ أي كون الوقت الباقي لكل منا على الأرض قصيراً بالنظر إلى كثرة ما علينا من الواجبات. وذهب البعض إلى أن المراد بالوقت هنا عصر الإنجيل الذي ابتدأ النور السماوي يشرق فيه على الناس.

سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ كل المسيحيين عرضة للتواني في الروحيات وللاهتمام بالدنيويات وهما ما عبّر الرسول عنهما بالنوم مجازاً ونسبه إلى كنيسة رومية لكنه تلطف بأن جعل نفسه شريكاً لهم فيه بقوله «لنستيقظ» لا لتستيقظوا وأبان وجوب الانتباه للواجبات واستفراغ المجهود في القيام بها (قابل هذا بما في أفسس ٥: ١٤ و١تسالونيكي ٥: ٦).

فَإِنَّ خَلاَصَنَا ٱلآنَ أَقْرَبُ إن كل مسيحي يقترب كل يوم من أجَله الذي ينجو فيه من الخطيئة والحزن والتجربة وتبتدئ حياته الأبدية. والخلاص هنا الخلاص أفراداً لا إجمالاً.

حِينَ آمَنَّا أي تنصّرنا (أعمال ١٩: ٢) إن اقتراب المسيحي من أجَله اقترابه من السماء وكلما اقترب من ذلك وجب أن يقل اهتمامه بالدنيويات ويزيد بالسماويات.

١٢ «قَدْ تَنَاهَى ٱللَّيْلُ وَتَقَارَبَ ٱلنَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ ٱلظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ ٱلنُّورِ».

أفسس ٥: ١١ وكولوسي ٣: ٨ أفسس ٦: ١٣ و١تسالونيكي ٥: ٨

قَدْ تَنَاهَى ٱللَّيْلُ أي قرب من النهاية. استعار الليل لوقت الجهل والضلال والإثم والشقاء. وحياة المؤمن في هذه الدنيا ليست إلا كليل بالنسبة إلى نهار السماء الأبدي.

وَتَقَارَبَ ٱلنَّهَارُ أي وقت إدراك المسيحي تمام المعرفة والهدى والبر والسعادة وهذا كله إيضاح لقوله «الآن ساعة لنستيقظ من النوم». ذهب بعضهم أن المراد بالنهار هنا هو وقت مجيء المسيح ثانية. وأن المراد بالليل المدة بين يوم صعوده ويوم رجوعه بالجسد فإن صح هذا كان موافقاً لتعليم المسيح والرسل أن نتوقع استعلانه ونستعد له لكن ليس من دليل على أن هذا ما قصده الرسول ولو قصد ذلك لصرّح به كما صرّح في غير هذا الموضع. هذا فضلاً عن أن مجيء المسيح لم يكن قد قرب من زمانه وقتئذ.

فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ ٱلظُّلْمَةِ أي الأعمال المناسبة لملكوت الشيطان الذي هو ملكوت الظلمة وما يرتكبه الناس خفية حياء من أن يرتكبوه في ضوء النهار. وتلك الأعمال ذُكرت في (أفسس ٥: ١١ – ١٤) وأمر الرسول بخلعها كأنها ثوب مكروه.

نَلْبَسْ أَسْلِحَةَ ٱلنُّورِ كما يليق بأبناء النور (١تسالونيكي ٥: ٧) وأخص هذه الأسلحة الإيمان والرجاء والمحبة. وقال «نلبس أسلحة النور» ولم يقل أعمال النور كما قال «أعمال الظلمة» بيانا لكونه حياة المسيحي حياة جهاد روحي وأنه جندي للرب يسوع المسيح. وعلى هذا قال «فَٱثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِٱلْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ ٱلْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِٱسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ ٱلسَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ ٱلْكُلِّ تُرْسَ ٱلإِيمَانِ وَخُذُوا خُوذَةَ ٱلْخَلاَصِ، وَسَيْفَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي هُوَ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ» (أفسس ٦: ١٣ – ١٧).

١٣ «لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي ٱلنَّهَارِ، لاَ بِٱلْبَطَرِ وَٱلسُّكْرِ، لاَ بِٱلْمَضَاجِعِ وَٱلْعَهَرِ، لاَ بِٱلْخِصَامِ وَٱلْحَسَدِ».

فيلبي ٤: ٨ و١تسالونيكي ٤: ١٢ و١بطرس ٢: ١٢ أمثال ٢٣: ٢٠ ولوقا ٢١: ٣٤ و١بطرس ٤: ٣ و١كورنثوس ٦: ٩ وأفسس ٥: ٥ يعقوب ٣: ١٤

هذه الآية تفسير للآية الثانية عشرة مع ذكر بعض أعمال الظلمة التي يجب أن تُخلع.

لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كما يفعل أبناء النور أتباع يسوع المسيح.

كَمَا فِي ٱلنَّهَارِ كالذين يريدون أن يرى الجميع أعمالهم في الضوء الكامل فهذه الأعمال خلاف الأعمال الشريرة التي يبذل مرتكبوها الجهد في إخفائها.

لاَ بِٱلْبَطَرِ وَٱلسُّكْرِ أي سوء استعمال ما أنعم الله به من المأكولات والمشروبات كما يفعل الشرهون والسكارى في ولائم الليل.

لاَ بِٱلْمَضَاجِعِ وَٱلْعَهَرِ الخطايا التي تنهي الوصية السابعة عنها.

لاَ بِٱلْخِصَامِ وَٱلْحَسَدِ مما يخالف شريعة المحبة التي أمر المسيح تلاميذه بها وهذه الخطايا الست في هذه الآية متصلة بالعليّة والمعلولية كحلقات سلسلة وكلها من أعمال الظلمة (غلاطية ٥: ٢١ و١بطرس ٤: ٣).

١٤ «بَلِ ٱلْبَسُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيراً لِلْجَسَدِ لأَجْلِ ٱلشَّهَوَاتِ».

غلاطية ٣: ٢٧ وأفسس ٤: ٢٤ وكولوسي ٣: ١٠ غلاطية ٥: ١٦ و١بطرس ٢: ١١

ٱلْبَسُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ هذا يشير إلى شدة اتحاد المؤمن بالمسيح وهو أمر بالتمثّل والاقتداء به وإلى أن سيرة المسيحي شهادة أمام العالم بصفات سيده فكأنه قال أظهروا بسلوككم سلوك المسيح. وهذا لا يمكن إلا بأن يسكن المسيح القلب (إشعياء ٦١: ١٠ وغلاطية ٣: ٢٧ وأفسس ٤: ٢٤ وعبرانيين ٤: ١٥ و٧: ٢٦ و١بطرس ٢: ٢٢).

وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيراً لِلْجَسَدِ الخ المراد بالجسد هنا الطبيعة البشرية الفاسدة المائلة إلى كل الشهوات المحرمة. لم ينههم الرسول عن التدبير للحصول على ما يحتاج إليه الجسد من الضروريات لأن غايته أن يحثهم على إماتة الشهوات المحاربة للنفس فمنعهم عن كل ما يؤدي إلى تهييج تلك الشهوات كالأغاني المجونية والرقص وبعض الكتب والصور والاشعار المنافية للعفة ومعاشرة الفجار وسمع أحاديثهم. وأخص ما حمل الرسول على هذا النهي أن أكثر الوثنيين في رومية كانت غايتهم العظمى أن يصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات كما يظهر من التاريخ وآثار مساكنهم القديمة. لا شك في أن وجود الشهوات الردية في طبيعتنا مصيبة ولكن الانقياد لها خطيئة وصنع التدبير لأجلها توغل في الإثم (متّى ٥: ٢٨ وغلاطية ٥: ٢٤ وكولوسي ٢: ١١).

فوائد

  1. إن السياسة المدنية من الله فهو يريد أن تُكرم وتطاع والقيام بما يجب علينا لأرباب الحكومة من فروض الدين (ع ٢).
  2. إن تلك السياسة وإن كانت من الله نوعها من الناس فإنه تعالى لم يعيّن نوعها من جمهورية أو ملكية لكنه وضع القوانين والمبادئ التي تبيّن واجبات الحكام والرعايا في كل نوع من أنواع الحكم (ع ١ – ٧).
  3. إن الدين المسيحي موافق لكل أنواع الحكم فإنه أين دخل يوصي الناس بالطاعة لحكامهم فإذا وُجد في مملكة من الممالك ما هو ضار لحقوق الرعية كما كان العبيد في المملكة الرومانية لم يأمر ذلك الدين بتغيير ذلك بواسطة الفتن بل بتعليم تلك المملكة شريعة المحبة التي من شأنها إزالة كل ظلم (ع ١ – ١٤).
  4. إنه يجب أن نرى يد الله في كل التغيّرات السياسية في العالم لأنه هو الذي «يعزل ملوكاً وينصب ملوكاً» (دانيال ٢: ٢١) «به تملك الملوك فتقضي العظماء عدلاً» (أمثال ٨: ١٥).
  5. إن قصر الحياة الدنيا وقرب الحياة الأخرى توجبان على كل المسيحيين قداسة السيرة وإرشاد الضالين وأن يذكروا دائماً أنه «قد تناهى الليل وتقارب النهار» (ع ١٣ و١٤).
  6. إن لبس الرب يسوع المسيح يشمل القيام بكل الواجبات المسيحية أي التمثل به باطناً وظاهراً وهذا نتيجة الاتحاد به وتأثير الروح القدس في القلوب (ع ١٤).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى