رومية

الرسالة إلى رومية | 12 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى رومية

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الثاني عشر

 

موضوع هذا الأصحاح وص ١٣ و١٤ و١٥ واجبات المؤمنين بناء على ما سبق من تعليم هذه الرسالة وهي وقف الإنسان نفسه لله ووقف مواهبه لنفع غيره (ع ١ – ٨) ووجوب أن يحب جميع الناس على اختلاف رتبهم وإظهار حبه لهم بأعماله (ع ٩ – ١٢).

وجوب وقف المؤمن نفسه ومواهبه لله ع ١ إلى ٨

١ «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ ٱللّٰهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ ٱللّٰهِ، عِبَادَتَكُمُ ٱلْعَقْلِيَّةَ».

٢كورنثوس ١٠: ١ مزمور ٥٠: ١٣ و١٤ وص ٦: ١٣ و١٦ و١٩ و١كورنثوس ٦: ١٣ و٢٠ وعبرانيين ١٠: ٢٠ و١بطرس ٢: ٥ يوحنا ٤: ٢٣ و٢٤

فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ كان لبولس حق باعتبار كونه رسولاً أن يأمر الإخوة بما يجب أن يعملوه لكنه استحسن أن يجذبهم بربط المحبة فطلب إليهم أن يقبلوا نصائحه.

بِرَأْفَةِ ٱللّٰهِ المعلنة في ما سبق في هذه الرسالة من تبرير وتقديس وخلاص أبدي وهي كلها نتيجة نعمة الله الرؤوف المنعم لا إستحقاق الإنسان فتوجب علينا الشكر لله ووقف أنفسنا له. ولا شيء يوجب على المؤمن الطاعة لله مثل ذكره مراحمه التي اختبرها (ص ١٥: ٣٠ و١كورنثوس ١: ١٠).

أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً جرت العادة في أيام الشريعة الموسوية أن يقدموا لله البهائم الطاهرة ذبائح على مذبح هيكله فسأل بولس المسيحيين أن يقدموا لله الذبائح كالإسرائيليين لكنه أعلن أن ذبائح اليهود مادّية وذبائح المسيحيين روحية وأن تقدمة أولئك من البهائم وتقدمة هؤلاء أنفسهم وهي تقدمة اختيارية سارة.

ومعنى «الجسد» هنا الإنسان كله كما سبق في (ص ٦: ١٢ و١٣) وإلا لم تكن التقدمة عقلية ومثل هذا قوله لأهل كورنثوس «لأَنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللّٰهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلّٰهِ» (١كورنثوس ٦: ٢٠). ولعله اختار الأجساد هنا للمقابلة بين تقدمة المسيحي وتقدمة اليهودي التي كانت جسدية بالضرورة أو لعله ذكر الجسد لأنه هو الآلة التي يظهر بها المؤمن وقفه نفسه لخدمة المسيح ولا يستطيع أن يظهر إلا بها. ولعله أراد الإشارة إلى أن الاجساد يجب أن تقدم لله لأنه ذكر سابقاً إنها علّة السقوط في الخطية (ص ٦: ١٢).

حَيَّةً قال هذا تمييزاً لها عن التقدمات التي كان يجب على اليهود أن يقدموها في هيكل أورشليم التي لم تُقبل ما لم تُقتل. لأن موت المسيح حمل الله على الصليب أزال إلى الأبد تقديم الذبائح الدموية كفارة للخطيئة فلا يُطلب من المؤمن إلا ذبائح الشكر والحمد (عبرانيين ١٣: ١٥ و١٦). وسميت «حية» أيضاً لأنها باقية كما سُمي المسيح «الخبز الحي» لأنه دائم الفائدة وعلى ذلك شبّه نعمته بماء حي.

كان اليهودي يقدم في الهيكل بهيمة مقتولة تُحرق وتفنى بعد بضع دقائق ولكن ذبيحة المسيحي لا تفتأ تقدم.

مُقَدَّسَةً شُرط في الكتاب أن تكون البهائم التي تقدم في الهيكل طاهرة بلا عيب كذلك شُرط على المسيحي أن تكون تقدمته كذلك بدليل قوله «َلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلّٰهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرٍّ لِلّٰهِ» (ص ٦: ١٣ انظر أيضاً يوحنا ١٦: ١٩).

مَرْضِيَّةً عِنْدَ ٱللّٰهِ لأن تلك التقدمة روحية فهي مما يسر الله به بدليل قوله «اَللّٰهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا وٱلآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هٰؤُلاَءِ ٱلسَّاجِدِينَ لَهُ» (يوحنا ٤: ٢٣ و٢٤). ومما يجعلها مرضية أن المؤمنين يقدمونها باسم يسوع المسيح وهي مما يطلبه بدليل قوله «لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ: قَدَاسَتُكُمْ» (١تسالونيكي ٤: ٣). ومن مواضيع الفرح أن يكون للإنسان شيء يقدر أن يقدمه لله ويرضيه به. وكتابه تعالى أعلن لنا التقدمات التي يسر بها.

عِبَادَتَكُمُ ٱلْعَقْلِيَّةَ العبادة العقلية هي التي تشغل عقول العابدين لا جوراحهم بخلاف الرمزية الخارجية فهي تتضمن العفاف والصحو والنزاهة والقداسة (١بطرس ٢: ٥).

٢ «وَلاَ تُشَاكِلُوا هٰذَا ٱلدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ ٱلصَّالِحَةُ ٱلْمَرْضِيَّةُ ٱلْكَامِلَةُ».

١بطرس ١: ١٤ و١يوحنا ٢: ١٥ و٢كورنثوس ٣: ١٨ وأفسس ١: ١٨ و٤: ٢٣ وكولوسي ١: ٢١ و٢٢ و٣: ١٠ أفسس ٥: ١٠ و١٧ و١تسالونيكي ٤: ٣

وَلاَ تُشَاكِلُوا هٰذَا ٱلدَّهْرَ أي لا تماثلوا أهل هذا الدهر الذين لا يعرفون الله (١كورنثوس ٢: ٨ و٢كورنثوس ٤: ٤ وأفسس ٢: ٢). وكثيراً ما جاء «الدهر» في الإنجيل بمعنى أهل العالم الحاضر الذين أكثرهم دنيويون متكبرون شهوانيون غافلون عن الله عابدون للأوثان وهؤلاء الذين حذّر بولس المؤمنين من مشاكلتهم في مبادئهم ومقاصدهم وسجايهم وأعمالهم.

بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ كما يليق بأولاد ملكوت المسيح الروحي. وأمره لهم «بالتغيّر عن شكلهم» يستلزم أنهم كانوا في أول أمرهم من أهل هذا الدهر المحتاجين إلى كل التغيّر الباطن الذي لا بد أن يظهر بالأعمال.

بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ أي قلوبكم أو نفوسكم (ص ١: ٢٨ وأفسس ٤: ١٧ و٢٣ وكولوسي ٢: ١٨). وكل تغيّر ينشأ عن اقتناع العقل دون تجديد القلب هو جزئي وقتي والكلي الدائم هو ما ينشئه روح الله فيجعل الإنسان خليقة جديدة على صورة الرب يسوع المسيح. وهذا التجديد أمرنا به الله بقوله «اِطْرَحُوا عَنْكُمْ كُلَّ مَعَاصِيكُمُ ٱلَّتِي عَصَيْتُمْ بِهَا، وَٱعْمَلُوا لأَنْفُسِكُمْ قَلْباً جَدِيداً وَرُوحاً جَدِيدَةً» (حزقيال ١٨: ٣١). ووعد أنه يعطينا إياه بقوله «وَأُعْطِيكُمْ قَلْباً جَدِيداً، وَأَجْعَلُ رُوحاً جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ ٱلْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي» (حزقيال ٣٦: ٢٦ و٢٧). فلا بد من أن يكون على الدوام تمييز كلي بين أهل هذا الدهر وأبناء النور فإنه لا يكون في الظاهر دائماً كما كان بين الوثينين والمسيحيين في رومية.

لِتَخْتَبِرُوا أي لتشعروا في قلوبكم وتعرفوا حق المعرفة.

مَا هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ ٱلصَّالِحَةُ ٱلْمَرْضِيَّةُ ٱلْكَامِلَةُ فالذين تجددوا بروح الله على ما سبق وتعلموا من كلامه وسألوا الله الإرشاد في الصلاة لا يعسر عليهم أن يختبروا ما هي إرادة الله بدليل قوله «لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ: قَدَاسَتُكُمْ» (١تسالونيكي ٤: ٣). وقوله «كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (متّى ٥: ٤٨). إن غاية التغير المذكور ونتيجة التجديد معرفة إرادة الله الصالحة واختبارها والسرور بها والعلم بموجبها وكلما زاد الإنسان قداسة زاد معرفة لما يرضي الله. فالنمو في القداسة نمو في المعرفة الروحية (أفسس ٥: ١٠ و١٧ وفيلبي ٤: ٨).

٣ «فَإِنِّي أَقُولُ بِٱلنِّعْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لِي لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى ٱلتَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ ٱللّٰهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَاراً مِنَ ٱلإِيمَانِ».

ص ١: ٥ و١٥: ١٥ و١كورنثوس ٣: ١٠ و١٥: ١٠ وغلاطية ٢: ٩ وأفسس ٣: ٢ و٧ و٨ أمثال ٢٥: ٢٧ وجامعة ٧: ١٦ وص ١١: ٢٠ و١كورنثوس ١٢: ٧ و١١ وأفسس ٤: ٧

بعد ما أمر الرسول بالقداسة عموماً ذكر بعض الفضائل خصوصاً وأوجب على المؤمنين ممارستها ومنها التواضع وطلبه خاصة من رؤساء الكنيسة الذين نالوا المواهب الروحية.

فَإِنِّي أَقُولُ بِٱلنِّعْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لِي باعتبار كوني رسول يسوع المسيح وقد نلت وفرة من مواهب الروح لإفادة الناس وبنيان الكنيسة (ص ١: ٥ و١٥: ١٥ و١كورنثوس ١٥: ٩ و١٠ وغلاطية ١: ١٥ و١٦ وأفسس ٣: ٧ و٨ و١تيموثاوس ١: ١٢).

لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ قصد أن كل إنسان يقرأ هذه الآية يأخذها لنفسه أي يعتبر أنه هو المخاطب بها لا الكنيسة إجمالاً ولا غيره.

لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ أي لا يعجب بنفسه فيحسب أنه أعظم من غيره أو أفضل منه.

بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى ٱلتَّعَقُّلِ أي يحكم حكماً عادلاً من جهة نفسه فإن هذا يقوده سريعاً إلى التواضع لأن كل الامتيازات والفضائل عطية الله. والرب نفسه أمر تلاميذه أن يماثلوه في التواضع (متّى ١١: ٢٩ و١٨: ٢ – ٤).

كَمَا قَسَمَ ٱللّٰهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَاراً مِنَ ٱلإِيمَانِ جعل الرسول إيمان الإنسان بالمسيح مقياس مواهبه وفضائله فقليل الإيمان قليل المواهب وكثير الإيمان كثيرها فمتى عرفنا مقدار إيمان الإنسان عرفنا مقدار اقتدراه على التنبيه والتعليم والسياسة إلى غير ذلك من المواهب. وكون الإيمان هبة الله كسائر الفضائل يوجب على المؤمن أن لا يعجب بنفسه.

٤، ٥ «٤ فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلٰكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ ٱلأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، ٥ هٰكَذَا نَحْنُ ٱلْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضاً لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ».

١كورنثوس ١٢: ١٢ وأفسس ٤: ١٦ و١كورنثوس ١٠: ١٧ و١٢: ٢٠ و٢٧ وأفسس ١: ٢٣ و٤: ٢٥

التشبيه الذي أتى به الرسول هنا أتى به أيضاً في (١كورنثوس ١٢: ١٢) الخ وغايته منه بيان أن تنوع المواهب والمراتب بين المؤمنين مما يؤول إلى كمال كنيسة المسيح ومنفعتها ولا ينافي كون الكنيسة واحدة وبيان أن لا أحد من المسيحيين يجوز له أن يستقل عن إخوته ويكتفي بأنه مؤمن بالمسيح لا يساعد غيره على القيام بواجباته ولا يطلب مساعدته. فشبه الكنيسة بجسد الإنسان في أنه مركب من أعضاء كثيرة لكل منها عمل خاص تجعل باجتماعها الجسد جميلاً قوياً نافعاً وأبان أن اتحاد المسيحيين في الكنيسة نتيجة سكن روح المسيح فيهم كما أن اتحاد الأعضاء في الإنسان نتيجة وجود النفس الحية فيها.

لَيْسَ جَمِيعُ ٱلأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ كما يظهر من أعمال العين والأذن واليد الخ.

نَحْنُ ٱلْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ إن المؤمنين باعتبار كونهم أشخاصاً كثيرون وباعتبار اتحاد بعضهم ببعض وكلهم برأسهم الروحي المسيح الإله كنيسة واحدة.

وَأَعْضَاءٌ بَعْضاً لِبَعْضٍ الخ اتحاد المسيحيين بالمسيح هو الذي يجعلهم كنيسة واحدة حيّة لا نظامهم الظاهر ولا اتخادهم قانوناً واحداً للإيمان ولا سياسة واحدة ولا ممارسة الأسرار على أسلوب واحد ولا معاهدة بعضهم لبعض. إن اتحادهم بالمسيح يستلزم سكنى روحه القدوس فيهم فإذا ليس من اتحاد مثله سياسياً كان أم أدبياً.

٦ «وَلٰكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِٱلنِّسْبَةِ إِلَى ٱلإِيمَانِ».

١كورنثوس ١٢: ٤ و١بطرس ٤: ١٠ و١١ ع ٣ أعمال ١١: ٢٧ و١كورنثوس ١٢: ١٠ و٢٨ و١٣: ٢ و١٤: ١ و٦ و٢٩ و٣١

هذه الآية وما بعدها إلى الثامنة بسط ما قيل في الآيتين الرابعة والخامسة في مشابهة الكنيسة للجسد بياناً لوجوب أن يستعمل أصحاب المواهب من أعضائها مواهبهم باجتهاد وتواضع لنفع الجميع وأن لا يفتخروا بها وأن لا يحسد صاحب هذه الموهبة صاحب تلك.

لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ ذُكرت بعد وهي مختصة بالمؤمنين وناتجة عن إيمانهم بالمسيح وحلول الروح القدس عليهم.

ِبِحَسَبِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لَنَا كل موهبة من الروح القدس وهو يعطي كل مؤمن ما يشاء كقوله لأهل كورنثوس «وَلٰكِنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا ٱلرُّوحُ ٱلْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ» (١كورنثوس ١٢: ١١).

أَنُبُوَّةٌ هذه أول المواهب المذكورة هنا وأصل معناها في الكتاب المقدس الأنباء بإرادة الله بقطع النظر عن كون الأمر المعلن من الواجبات في حينها أو من الحوادث المستقبلة والغالب أن بيان الحوادث المستقبلة جزء صغير من أعمال الأنبياء. وبهذا المعنى سميّ إبراهيم نبياً (تكوين ٢٠: ٧) وموسى (تثنية ١٨: ١٨). وجاء النبي بهذا المعنى في كتاب العهد الجديد (متّى ١٠: ٤١ و١٣: ٥٧ ولوقا ٤: ٢٤ و٧: ٢٦ – ٢٩ ويوحنا ٤: ١٩ وأعمال ١٥: ٣٢ و١كورنثوس ١٢: ٢٨ و١٤: ٢٩ – ٣٢). فمن هذه الآية وأمثالها نتعلم أن الأنبياء في كنيسة المسيح في أول عهدها هم الذين تكلموا بإلهام روح الله ونادوا بحقائق روحية لبنيان الكنيسة وبيّنوا الواجبات والحوادث المستقبلة. وذُكر الأنبياء في الكتاب بعد الرسل (١كورنثوس ١٢: ٢٨ وأفسس ٢: ٢٠). والفرق بينهما أن إلهام الرسل دائم وإلهام الأنبياء وقتي. والفرق بين الأنبياء والمعلمين أن المعلمين لا يلزم أن يكونوا ملهمين بل أن يتكلموا بما تعلموه من الكتاب أو من الرسل أو الأنيباء.

فَبِٱلنِّسْبَةِ إِلَى ٱلإِيمَانِ أي يتبنأ بمقياس ما يشعر به من الإيمان والإيمان هبة ولذلك يمتنع عن أن يتنبأ للافتخار.

٧ «أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي ٱلْخِدْمَةِ، أَمِ ٱلْمُعَلِّمُ فَفِي ٱلتَّعْلِيمِ».

أعمال ١٣: ١ وغلاطية ٦: ٦ وأفسس ٤: ١١ و١تيموثاوس ٥: ١٧

أَمْ خِدْمَةٌ أُطلقت الخدمة في العهد الجديد على عمل كل أرباب الرتب الكنسية زمنياً وروحياً حتى على عمل الرسل (١كورنثوس ٣: ٥ و٢كورنثوس ٦: ٤ وأفسس ٣: ٧ و٦: ٢١ وكولوسي ١: ٧) وأحياناً على عمل المعتنين بفقراء الكنيسة ومرضاها (أعمال ٦: ١ – ٣ وفيلبي ١: ١ و١تيموثاوس ٣: ٨ – ١٣) والأرجح أن هذا هو المراد هنا.

فَفِي ٱلْخِدْمَةِ أي فليعتن العامل بالعمل الذي عيّنه الله له بلا مداخلة في عمل غيره أو حسد له. فليعتن الشمامسة مثلاً بالفقراء والمرضى ولا يدّعوا أنهم معلّمون ولا يتعرضوا للتلعيم ما لم يدعهم الله إلى ذلك.

أَمِ ٱلْمُعَلِّمُ فَفِي ٱلتَّعْلِيمِ عمل المعلمين غير عمل الأنبياء كما يدل عليه قوله «وَضَعَ ٱللّٰهُ أُنَاساً فِي ٱلْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً، ثَانِياً أَنْبِيَاءَ، ثَالِثاً مُعَلِّمِينَ الخ» (١كورنثوس ١٢: ٢٨ و٢٩). والأرجح أن الفرق بين المعلمين والأنبياء أن المعلمين ليسوا ملهمين كالأنبياء وأن عملهم مرتب دائم بخلاف عمل الأنبياء فمن واجباتهم المواظبة على التعليم والاكتفاء بما وهبه الله لهم من الخدمة.

٨ «أَمِ ٱلْوَاعِظُ فَفِي ٱلْوَعْظِ، ٱلْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، ٱلْمُدَبِّرُ فَبِٱجْتِهَادٍ، ٱلرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ».

أعمال ١٥: ٣٢ و١كورنثوس ١٤: ٣ متّى ٦: ١ – ٣ و٢كورنثوس ٨: ٢ الخ أعمال ٢٠: ٢٨ وع ١١ و١تيموثاوس ٥: ١٧ وعبرانيين ١٣: ٧ و٢٤ و١بطرس ٥: ٢ و٢كورنثوس ٩: ٧

أَمِ ٱلْوَاعِظُ فَفِي ٱلْوَعْظِ القانون في ممارسة هذه الموهبة كالقانون في غيرها. والأرجح أن الفرق بينها وبين موهبة التعليم قليل وهو أن التعليم لإقناع العقل والوعظ لتنبيه الضمير والعواطف القلبية. ولعل الوعظ كان مبنياً على آية من الكتاب المقدس (كما جاء في أعمال ١٣: ١٥) بخلاف التعليم فإنه غير مقيّد بموضوع واحد.

ٱلْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ هذا موجّه إلى موزعي الإحسان والقانون فيه هنا كالقانون فيه في (متّى ٦: ٢ و٤ ولوقا ٣: ١١ و٢كورنثوس ٨: ٢ و٩: ١١ و١٣ وأفسس ٤: ٢٨) وهو مناسب لقول المسيح «مَغْبُوطٌ هُوَ ٱلْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ ٱلأَخْذِ» (أعمال ٢٠: ٣٥).

ٱلْمُدَبِّرُ فَبِٱجْتِهَادٍ المدبّر هنا هو من أقامه الله في الكنيسة أو في البيت للعناية والترتيب ومن واجباته بذل الجهد في القيام بما عليه.

ٱلرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ الراحم هنا كل من ابتغى تعزية المرضى والمصابين والحزانى وإعانتهم من واجباته أن يأتي ذلك بلا تكلف ولا عبوس بل بمحبة وفرح فقيمة العطية بسرور أضعاف قيمتها بدونه. والعطاء والرحمة على ما ذُكر من واجبات الشمامسة.

فوائد

  1. إن شدة الارتباط بين العقائد والأعمال ظاهرة كل الظهور في هذا الأصحاح لأن الرسول جعل كل ما مرّ من أقواله في العقائد كالتبرير والنعمة والاختيار والخلاص أساساً لوجوب الأعمال التي ذكرها هنا (ع ١).
  2. إن من أول واجبات المفديين وقف أنفسهم لله وقفاً تاماً أبدياً ع (١).
  3. إن تأثير مراحم الله فينا مقياس سجيتنا الروحية فإن حملتنا على الاجتهاد في خدمته نستنتج أنها أثرت فينا التأثير الذي قصده الله وأننا من جملة أولاده. وإن حملتنا على الأفتخار بكوننا ممتازين على غيرنا حتى نخطأ بلا خوف ولا نكترث بواجباتنا كان ذلك دليلاً على أن قلوبنا ليست بصالحة أمام الله (ع ١).
  4. إن كون العبادة المسيحية عقلية لا يستلزم أن تقام بمجرد إحساسات القلب الخفية كما زعم بعضهم لأن تلك العبادة تطلب وقف كل قوى الإنسان لله سواء كانت جسدية أم عقلية أم روحية (ع ١).
  5. تجديد الذهن علّة تغيّر كلي في سجايا الإنسان حتى يرغب في معرفة إرادة الله الصالحة والعمل بموجبها (ع ٢).
  6. إنّ الله علّة كل خير فهو الذي يقسم للناس المواهب والمراتب كما يشاء (ع ٣).
  7. إن أرباب المراتب السامية والمواهب الفضلى عرضة للإعجاب بالنفس والكبرياء وأن أهل المراتب الواطئة والمواهب الصغرى عرضة للتذمر والحسد الذي يقي الفئتين من تلك الرذائل هو تذكر أن كل الامتيازات من الله بمجرد مشيئته وأن المقصود بها مجد الله ونفع كنيسته لا شرف الذي يحصل عليها وأنه يحتمل أن الخدمة التّي هي أقل اعتباراً عند الناس تكون أكثر اعتباراً عند الله فحال الكنيسة كحال الجسد البشري في أن بعض أعضائه الذي هو ذو الأهمية العظمى غير ظاهر للعين ولا موضوع افتخار صاحبه أو مدح غيره (ع ٣).
  8. إن المسيحيين جسد واحد في المسيح فعليهم أن يشعروا باحتياجهم إلى رأسهم إذ منه حياتهم ومعرفتهم ومسرتهم وسائر خيراتهم وأن يشارك بعضهم بعضاً في الأفراح والأحزان فلا يجوز أن تحسد اليد العين ولا أن تحتقر العين الرجل (ع ٤ و٥).
  9. إن رُتب الكنيسة من وضع الله وغايتها نفع الكنيسة كلها لا منفعة أربابها (ع ٦ – ٨).
  10. إن شرف الإنسان متوقف على قيامه بما فرضه الله عليه من الواجبات لا على سمو رتبته ولا على كثرة مواهبه (ع ٦ – ٨).
  11. إنه كثيراً ما يغلظ الذين يظنون تغيير مهنتهم يزيدهم نفعاً لغيرهم. نعم إن في بعض المهن فرصاً لعمل الخير أكثر مما في غيره ولكن ليس كل إنسان قادراً على أن يفيد في كل مهنة. فخير الشخص العامل ونفعه للعالم متوقفان على قيامه بالأمانة بالعمل الذي عيّنه الله له فإن صارت كل الأعضاء عضواً واحداً فأين الجسد. «لأَنَّ ٱللّٰهَ لَيْسَ إِلٰهَ تَشْوِيشٍ بَلْ إِلٰهُ سَلاَمٍ، كَمَا فِي جَمِيعِ كَنَائِسِ ٱلْقِدِّيسِينَ» (١كورنثوس ١٤: ٣٣).

واجبات المؤمنين وبالأخص واجبات بعضهم لبعض ع ٩ إلى ٢١

٩ «اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ ٱلشَّرَّ مُلْتَصِقِينَ بِٱلْخَيْرِ».

١تيموثاوس ١: ٥ و١بطرس ١: ٢٢ مزمور ٣٤: ١٤ و٣٦: ٤ و٩٧: ١٠ وعاموس ٥: ١٥

اَلْمَحَبَّةُ التي علينا لجميع الناس لا التي علينا لله ولا الأخوية التي ستُذكر في (ع ١٠). وذُكرت هذه الفضيلة قبل غيرها لأنها أعظم الفضائل وأساسها جميعاً بدليل قوله «فالمحبة هي تكميل الناموس» (ص ١٣: ١٠).

بِلاَ رِيَاءٍ أي قلبية خالصة متعلمة من الله الذي هو محبة «فمن يحب الله يحب أخاه» (١يوحنا ٤: ٧ و٨).

كَارِهِينَ ٱلشَّرَّ أي الخطيئة. إن الإنسان على قدر كونه مقدساً وقدر كونه يحب القداسة يكره ضدها أي كل نوع من أنواع الخطيئة (مزمور ٩٧: ١٠) فلا يكفينا أن نمتنع عن ارتكابها دون أن نكرهها. إن الإنسان يكره الخطايا التي تضره ويستخف بما لا يضره من خطائه إلى الله والناس ويستكبر خطايا الفقراء ويستصغر خطايا الأغنياء والعظماء ويلوم غيره على الإثم ويعتذر لنفسه عنه وكل ذلك خلاف نص الآية.

مُلْتَصِقِينَ بِٱلْخَيْرِ أي محبين للصلاح طالبين إياه مسرورين به مواظبين عليه بين محبيه ومبغضيه. أعلّة إكرام كان التصاقكم به أم علّة إهانة.

١٠ «وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِٱلْمَحَبَّةِ ٱلأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فِي ٱلْكَرَامَةِ».

عبرانيين ١٣: ١ و١بطرس ١: ٢٢ و٢: ١٧ و٣: ٨ و٢بطرس ١: ٧ فيلبي ٢: ٣ و١بطرس ٥: ٥

بِٱلْمَحَبَّةِ ٱلأَخَوِيَّةِ هذه المحبة هي التي تجب علينا للمؤمنين بالمسيح خاصة وهي كالمحبة الطبيعية بين أولاد بيت واحد. وكثيراً ما ذُكرت في الإنجيل ومن مواضع ذكرها فيه (١تسالونيكي ٤: ٩ وعبرانيين ١٣: ١ و١بطرس ١: ٢٢ و٢بطرس ١: ٧).

مُقَدِّمِينَ الخ أي سابقين الخ والمعنى أنه يجب على كل مسيحي أن يسبق أخاه إلى الإكرام ولا يتوقع أن يكرمه أخوه أولاً وهذا خلاف ما فعله الكتبة (لوقا ٢٠: ٤٦). وهذا كالأمر بالتواضع وبأن نكون أمثالاً لغيرنا باللطف والوداعة. وإطاعة هذا الأمر تنزع من العالم معظم البغض والخصام وتنشئ الاتفاق والمحبة والسلام.

١١ «غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي ٱلاجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي ٱلرُّوحِ، عَابِدِينَ ٱلرَّبَّ».

غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي ٱلاجْتِهَادِ أي اجتهدوا في إتمام الواجبات المسيحية كالنمو في النعمة وطلب مجد الله وخير الكنيسة والمحاماة عن الحق غير ملتفتين إلى الكسل أو الملل. وهذا على وفق قول الجامعة «كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَٱفْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ الخ» (جامعة ٩: ١٠).

حَارِّينَ فِي ٱلرُّوحِ كما كان أبلّوس (أعمال ١٨: ٢٥) ويسوع المسيح (يوحنا ٢: ١٧) وخلاف ما كانت كنيسة لاودكية (رؤيا ٣: ١٥ و١٦). ومن المعلوم أن تلك الحرارة من منشآت الروح القدس وإن لم يُذكر هنا. و «الروح» في الآية الإحساس أو العواطف.

عَابِدِينَ ٱلرَّبَّ أي يسوع المسيح. وعبادة الرب هي غاية كل خدمة المسيحي للكنيسة وللإخوة. فيجب أن يحسب نفسه عبداً للمسيح السيّد الذي يستحق خدمته وأن يسر بذلك محبة وإكراماً له. وهذا يجعله مجتهداً حاراً بخلاف ما لو أتيناه بغية مدح الناس أو ربح خاص (أفسس ٦: ٥ – ٨ وكولوسي ٣: ٢٢ و٢٣).

١٢ «فَرِحِينَ فِي ٱلرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي ٱلضِّيقِ، مُواظِبِينَ عَلَى ٱلصَّلاَةِ».

لوقا ١٠: ٢٠ وص ٥: ٢ و١٥: ١٣ وفيلبي ٣: ١ و٤: ٤ و١تسالونيكي ٥: ١٦ وعبرانيين ٣: ٦ و١بطرس ٤: ١٣ لوقا ٢١: ١٩ و١تيموثاوس ٦: ١١ وعبرانيين ١٠: ٣٦ و١٢: ١ ويعقوب ١: ٤ و٥: ٧ و١بطرس ٢: ١٩ و٢٠ لوقا ١٨: ١ وأعمال ٢: ٤٢ و١٢: ٥ وأفسس ٦: ١٨ وكولوسي ٤: ٢ و١تسالونيكي ٥: ١٧

فَرِحِينَ فِي ٱلرَّجَاءِ أي مسرورين بتوقع الخير المستقبل وهو «المجد العتيد أن يُستعلن فينا» (ص ٨: ١٨). وعلّة ذلك الرجاء مواعيد الكتاب الإلهي المنبية على موت المسيح وشفاعته فينا. فإن قلّت أسباب فرح المؤمنين في هذه الأرض من الأموال والمقتنيات كثرت أسباب فرحهم بانتظار الكنوز المحفوظة لهم على يمين الله.

صَابِرِينَ فِي ٱلضِّيقِ إن رجاء المؤمن الحياة الأبدية يُقدّره على احتمال ضيقات الزمان الحاضر (انظر تفسير ص ٣: ٥) وكذلك معرفة أن تلك الضيقات تعدّه للسعادة المستقبلة بدليل قوله «لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا ٱلْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيّاً» (٢كورنثوس ٤: ١٧). المسيحيون عرضة للمصائب في كل حين وكانت مصائبهم أشد المصائب في عصر الرسول وغيره من القرون الأولى المسيحية.

مُواظِبِينَ عَلَى ٱلصَّلاَةِ لا يمكن المسيحيين أن يحتملوا الضيقات بصبر ويحفظوا الإيمان والرجاء حيّين في قلوبهم إلا بمداومتهم طلب النعمة والقوة من الله. وهذه الصلاة التي دعاهم إليها هي الجمهورية والإفرادية والارتجالية أي هي الصلاة في الجماعة والصلاة في المخدع والصلاة عند الحاجة الباغتة (لوقا ١٨: ٧ وأعمال ١: ١٤ وأفسس ٦: ١٨ وكولوسي ٤: ٢ و١تسالونيكي ٥: ١٧). والفضائل الثلاث المذكورة في هذه الآية متعلق بعضها ببعض تعلقاً شديداً.

١٣ «مُشْتَرِكِينَ فِي ٱحْتِيَاجَاتِ ٱلْقِدِّيسِينَ، عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ ٱلْغُرَبَاء».

١كورنثوس ١٦: ١ و٢كورنثوس ٩: ١ و١٢ وعبرانيين ٦: ١٠ و١٣: ١٦ و١يوحنا ٣: ١٧ و١تيموثاوس ١: ٨ وعبرانيين ١٣: ٢ و١بطرس ٤: ٩

مُشْتَرِكِينَ فِي ٱحْتِيَاجَاتِ ٱلْقِدِّيسِينَ كلٌ على قدر طاقته معتبرين احتياج البعض احتياج الكل لأن المؤمنين أعضاء جسد واحد وفرح الواحد فرح الكل وحزن الواحد حزن الكل. ودُعي المؤمنون قديسين لكونهم مفروزين لخدمة المسيح ومطهرين بالروح القدس.

عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ ٱلْغُرَبَاءِ كثيراً ما أُمر المؤمنون بهذه الفضيلة ومن ذلك ما في (١تيموثاوس ٥: ١٠ وتيطس ١: ٨ وعبرانيين ١٣: ٢ و١بطرس ٤: ٩). وكانت الحاجة إليها في عصر الرسل شديدة لأن كثيرين من المؤمنين خسروا لأجل المسيح أموالهم وقُطعت أسباب معاشهم وتركهم أصحابهم واضطهدهم أعداؤهم فضلاً عمن كانوا يجولون للتبشير بالإنجيل.

١٤ «بَارِكُوا عَلَى ٱلَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا».

متّى ٥: ٤٤ ولوقا ٦: ٢٨ و٣٣ و٣٤ وأعمال ٧: ٦٠ و١كورنثوس ٤: ١٢ و١بطرس ٢: ٢٣ و٣: ٩

ذكر الرسول في هذه الآية واجبات المسيحيين لغيرهم.

بَارِكُوا عَلَى ٱلَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ كما علّم المسيح بوعظه على الجبل (متّى ٥: ٤٤ ولوقا ٦: ٢٨) ولا شك في أن المسيحيين الأولين كانوا يذكرون كثيراً من أقوال المسيح ويكررونه. ومعنى العبارة اشتهوا الخير للمضطهدين لكم وأسألوا الله أن يهبه لهم. وهذا يقتضي أن لا يغتاظوا عليهم ولا أن يبغضوهم مهما عظمت أضرارهم وكثرت.

لاَ تَلْعَنُوا أي جازوا اللاعنين بأن تسألوا الله أن يباركهم.

١٥ «فَرَحاً مَعَ ٱلْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ ٱلْبَاكِين».

١كورنثوس ١٢: ٢٦

فَرَحاً أي افرحوا.

وَبُكَاءً أي ابكوا. والبكاء مع الباكين أسهل من الفرح مع الفرحين لأن الطبيعة تحملنا على ذلك والباكون يحتاجون إلى من يرثي لهم والفرحون مكتفون بفرحهم وكثيراً ما يمنع الحسد الفرح مع الفرحين. وديانة المسيح توجب علينا أن نعتبر سائر الناس إخوة وأولاد أبٍ واحدٍ هو الله فحزنهم حزننا وفرحهم فرحنا متمثلين بالمسيح الذي أخذ طبيعتنا ليكون رئيس كهنة لنا رحيماً قادراً أن يرثي لضعفاتنا.

١٦ «مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ ٱهْتِمَاماً وَاحِداً، غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِٱلأُمُورِ ٱلْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى ٱلْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ».

ص ١٥: ٥ و١كورثنوس ١: ١٠ وفيلبي ٢: ٢ و٣: ١٦ و١بطرس ٣: ٨ مزمور ٣٤: ١٨ و١٣١: ١ وإشعياء ٦٦: ٢ وإرميا ٤٥: ٥ أمثال ٣: ٧ و٢٦: ١٢ وإشعياء ٥: ٢١ وص ١١: ٢٥

مُهْتَمِّين…َ ٱهْتِمَاماً وَاحِداً أي مشتركين في الآراء والشعور معتنين لغيركم بما يعتني هو به من المقاصد والأعمال وغيرها كالدرس والصناعة والتجارة والربح والخسارة والآمال والأحزان. والخلاصة أنه يجب علينا أن نريد لغيرنا ما نريده لأنفسنا وأن نمتنع عن عدم الاكتراث به وعن احتقاره ومقاومته. وجاء مثل هذا في (ص ١٥: ٥ و٢كورنثوس ١٣: ١١ وفيلبي ٢: ٢).

غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِٱلأُمُورِ ٱلْعَالِيَةِ وهي الغنى وسموّ المقام والمجد العالمي وابتغاء معاشرة العظماء. وخلاصة العبارة وجوب التواضع فهي كقول النبي «هَلْ تَطْلُبُ لِنَفْسِكَ أُمُوراً عَظِيمَةً؟ لاَ تَطْلُبُ» (إرميا ٤٥: ٥).

بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى ٱلْمُتَّضِعِينَ كان أكثر المسيحيين الأولين من المتضعين فكان بعضهم عرضة للتجربة وهي أن يعتزلوا معاشرة إخوتهم الفقراء ويطلبون صداقة الأغنياء والعظماء الخارجين عن الكنيسة. إن المسيح وهو على الأرض اختار أكثر أصحابه من الفقراء ولم يزل أكثر أتباع المسيح مثل هؤلاء فمن رغب النمو في التقوى والقداسة رأى موانع كثيرة عن ذلك في معاشرة الأغنياء والعظماء لا يراها في معاشرة فقراء هذا العالم الأغنياء في الإيمان.

لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ هذا يتضمن النهي عن الكبرياء والإعجاب بالنفس كأن للإنسان ما ليس لغيره من المعرفة والحكمة والاختبار حتى يقدر أن يستغني عن نصح غيره وتعليمه والأمر هنا بأن نكون متواضعين كصغار الأولاد (انظر ص ١١: ٢٥ وأمثال ٣: ٧ وإشعياء ٥: ٢١).

١٧ «لاَ تُجَازُوا أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ ٱلنَّاس».

أمثال ٢٠: ٢٢ ومتّى ٥: ٣٩ و١تسالونيكي ٥: ١٥ و١بطرس ٣: ٩ ص ١٤: ١٦ و٢كورنثوس ٨: ٢١

لاَ تُجَازُوا أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أوصى الرسول بما مرّ بالمحبة واللطف والتنازل لغيرنا ونهانا هنا عن عكس ذلك أي البغض والانتقام. وهذه الوصية أصعب الوصايا على الطبع البشري ولكن إطاعتها واجبة ضرورية بدليل قول المسيح (متّى ٥: ٣٩) وقول بولس (١تسالونيكي ٥: ٥) وقول بطرس (١بطرس ٢: ٢٣ و٣: ٩).

مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ الخ لعل معنى العبارة كونوا صانعين ما يليق باسم المسيح ودينه إذا تُعدي عليكم لا مجازين عن شر بشر لأن هذا يشين اسم المسيح ودينه أو لعل المعنى عام وهو أن تكون سيرتهم حسنة دائماً لكي يمدحهم الصالحون ويقتدي بهم الجميع.

١٨ «إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ ٱلنَّاسِ».

مرقس ٩: ٥٠ وص ١٤: ١٩ وعبرانيين ١٢: ١٤

سَالِمُوا جَمِيعَ ٱلنَّاسِ المقصود من هذا كالمقصود من قوله «لا تجازوا أحداً عن شر بشر» فكأنه قال سامحوا المسيء بدلاً من أن تنتقموا منه فإن ذلك علّة المسالمة فهو يأمرنا باعتزال الخصام وبطلب السلام مع جميع الناس على قدر ما يمكننا بدون ارتكاب إثم أو إنكار حق أو مخالفة الضمير وبالحذر من أن نكون علّة نشوء شر أو علّة إبقائه بعد نشوئه. وقوله «إن كان ممكناً» يستلزم أنه لا يمكن المسيحي أن يسالم جميع الناس دائماً لأنه كثيراً ما تتعذر المسالمة بين المسيحيين أتباع الحق والأشرار مبغضيه (مزمور ٣٤: ١٤ ومتّى ٥: ٩ و٣٩ – ٤١ وعبرانيين ١٢: ١٤).

١٩ «لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِيَ ٱلنَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ».

لاويين ١٩: ١٨ وأمثال ٢٤: ٢٩ وع ١٧ تثنية ٣٢: ٣٥ وعبرانيين ١٠: ٣٠

لاَ تَنْتَقِمُوا هذا تقرير لقوله «لا تجازوا أحداً شر بشر» (ع ١٧) وهذا دليل واضح على أن الديانة المسيحية لا تجيز للمسيحي أن يقتض لنفسه بيده ولا يمنعه من أن يطلب إلى أرباب الحكومة المحاماة عن حقوقه.

أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ إن كان مراد الرسول بالغضب غضب الناس كان معنى العبارة احتملوا غضبه بالصبر أو اعتزلوا طريقه كقول المسيح «لاَ تُقَاوِمُوا ٱلشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ ٱلأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ ٱلآخَرَ أَيْضاً الخ» (متّى ٥: ٣٩ – ٤١). وإن كان مراده بالغضب غضب الله كان معنى العبارة دعوا الله ينتقم لكم وقفوا جانباً وانظروا ما يفعله متحققين أنه يثبت حقكم ويعاقب أعداءكم. وإن كان مراده به غضب المخاطبين كان معنى العبارة لا تتكلموا بشيء ولا تفعلوا شيئاً ما دمتم غضاباً أو ما لم يسكن غضبكم. ولا نعلم أي الثلاثة أراد الرسول وكلها حسنة لكن الثاني يوافق القرينة أكثر مما يوافقها سواه.

لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ في (تثنية ٣٢: ٣٥ و٣٦) معنىً لا لفظاً واقتُبس ذلك في (عبرانيين ١٠: ٣٠).

لِيَ ٱلنَّقْمَةُ الخ كون النقمة لله يمنع أن يقتص الإنسان لنفسه بنفسه فمتى غضبنا على المسيء وانتقمنا منه بأنفسنا نخطأ لا محالة. فيجب أن نكتفي بوعده تعالى أنه هو ينتقم لنا لكي نترك له حفظ حقوقنا (تثنية ٣٢: ٤٠ – ٤٣ و٢تسالونيكي ١: ٦ – ١٠ ورؤيا ٦: ٩ – ١١) وليس في هذه الآية شيء يجيز للإنسان أن يسأل الله الانتقام له من الأعداء.

٢٠ «فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَٱسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هٰذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ».

خروج ٢٣: ٤ و٥ وأمثال ٢٥: ٢١ و٢٢ ومتّى ٥: ٤٤

هذه الآية من سفر الأمثال (ص ٢٥: ٢١ و ٢٢) ومعناها وجوب أن نجازي المسيء عن الشر بالخير لا عن الشر بالشر وهذا كأمر المسيح لنا بقوله «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ» (متّى ٥: ٤٤). وأراد «بالإطعام والسقي» الإحسان بكل ما يحتاج إليه من ضروريات الحياة الجسدية والمعاملة باللطف.

تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ إذا أتينا ذلك حقيقة آلمناه أشد الإيلام فلم يقصد الرسول أن نُحسن إلى العدو بغية أن نعذب نفسه ونؤلمه ذلك الإيلام إنما قصد أن يعلمنا أن شأن المجازاة عن الشر بالخير أن تنشئ للعدو خجلاً وأسفاً على ما أساء به.

قد اعتاد الناس أنهم إذا أرادوا ملاشاة شيء جمعوا النار عليه وأحرقوه كذلك قال الرسول إن نتيجة الإحسان إلى العدو المسيء ملاشاة البغض من قلبه ولكن مجازاة الشر بالشر منشأ البغض الدائم والخصومات التي يرثها الأولاد عن الوالدين وكثيراً ما تكون علّة خسارة المال والراحة والحياة.

٢١ «لاَ يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ بَلِ ٱغْلِبِ ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ».

لاَ يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ الذي ينشئه غيرك عليك. لا تدعه يهيّج غضبك فتخطأ بالقول أو الفعل أو ترتكب شيئاً يخالف الدين المسيحي أو يمنعك من المحبة لجميع الناس والإحسان إليهم ويحملك على الانتقام. فمن حلم وصبر على الأذى غلب الشر باطناً وظاهراً بدليل قول الحكيم «اَلْبَطِيءُ ٱلْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ ٱلْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً» (أمثال ١٦: ٣٢).

ٱغْلِبِ ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ من غلب عدّوه بالسلاح وقى نفسه من اصراره لكنه لم يزل عدّوه وأما من غلبه بالمعروف نجا من أذاه وجعله صاحباً. وليس مثل هذا القانون في غير الإنجيل. ولا تعليم كتعليم الإنجيل في قوته على تليين القلوب القاسية لأنه فيه أن المسيح أتى ليغلب الشر بالخير لأنه أحسن إلى مبغضيه وصلّى من أجل قاتليه ومات لكي ينعم على أعدائه بالخلاص.

فوائد

  1. إن المحبة تتميم الناموس لأن المحب يعتزل كل ما يضر بقريبه ويسعى في كل ما يؤول إلى نفعه (ع ٩).
  2. نسبة بعض المسيحيين إلى بعض كنسبة بعض أهل البيت الواحد إلى بعض ورباط ذلك أمر المسيح بالاتحاد وأنهم كانوا عرضة لخطر واحد هو الهلاك ونجوا نجاة واحدة بدم المسيح وأن أعداء الواحد منهم أعداء لجميعهم وأنهم كلهم يقصدون وطناً واحداً وأن روحاً واحداً يسكن فيهم ويجدّدهم وهو الروح القدس. وأعظم علامة أنهم مسيحيون محبة بعضهم لبعض بدليل قوله «نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ ٱنْتَقَلْنَا مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ» (ع ١٠).
  3. إن الدين أساس كل الفضائل وأنه يجب أن تكون غاية ممارستنا إياها عبادة الرب (ع ١١).
  4. إن الإيمان بلا أعمال ميت فكما وجب علينا أن نؤمن بما قاله الرب يجب علينا أن نعمل ما أمر به فإذاً الإيمان الذي لا يثمر محبة ولطفاً ومواساة وتواضعاً ومغفرة وأمثال ذلك قليل النفع (ع ٩ – ٢١).
  5. إن الله مصدر حياتنا فبدون الاقتراب إليه لا نستطيع الحصول على النعمة التي ننمو بها في التقوى ولا نقدر على إتمام واجباتنا الدينية فمن الضرورة أن نواظب على الصلاة (ع ١٢).
  6. إن الله جعل من دم واحد كل أمة تسكن على وجه الأرض فكل الناس من أصل واحد وذوو طبيعة واحدة وهذا علّة أن نواسي جميع الناس فرحاً مع الفرحين وبكاء مع الباكين (ع ١٥).
  7. إن زيادة اعتبارنا لأنفسنا خطأ فظيع وشر عظيم فيجب علينا أن نقابل أنفسنا بالله فنعلم حقارتنا ولا نتكبر ولا نحتقر سوانا (ع ١٦).
  8. الامتناع عن الشر ليس سوى جزء من واجباتنا فيجب علينا أن نجازي الشر بالخير فعدولنا عن لعن أعدائنا غير كاف ما لم نرغب مع ذلك في نفعهم ونصلّ من أجلهم (ع ١٧ – ٢١).
  9. إن الدينونة والانتقام مما يختص بالله وحده فلا حق لإنسان أن يدين وينتقم ما لم يكن قد أقامه الله لذلك كالملوك والحكام فمن أتى ذلك شفاء لغيظه خطئ (ع ١١ – ٢١).
  10. إن خير مثال نجري عليه زمن الاضطهاد سيرة يسوع المسيح فإنه كان «كشاة تساق إلى الذبح» «شُتم ولم يكن يشتم عوضاً» و«تألم ولم يكن يهدد».

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى