رومية

الرسالة إلى رومية | 10 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى رومية

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح العاشر

 

غاية هذا الأصحاح كغاية الذي قبله والذي بعده وهي بيان عدل الله في رفضه اليهود ودعوته الأمم.

إظهار الرسول محبته لشعبه وغفلتهم عن إدراك البرّ بالإيمان مع أنه أُعلن في كتبهم ع ١ إلى ١٠

١ «أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ، إِنَّ مَسَرَّةَ قَلْبِي وَطِلْبَتِي إِلَى ٱللّٰهِ لأَجْلِ إِسْرَائِيلَ هِيَ لِلْخَلاَصِ».

أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ دعا اليهود إخوة لأنه منهم ومحبٌّ لهم.

إِنَّ مَسَرَّةَ قَلْبِي وَطِلْبَتِي الخ غاية الرسول من هذه الآية دفع وهمهم أن ما قاله في رفض الله إيّاهم حمله عليه عدم محبته لهم فأظهر رقة قلبه عليهم وأسفه الشديد على مصائبهم وشدة رغبته في خلاصهم وأنه يتضرع إلى الله من أجلهم.

٢ «لأَنِّي أَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ غَيْرَةً لِلّٰهِ، وَلٰكِنْ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَعْرِفَةِ».

أعمال ٢١: ٢٠ و٢٢: ٣ وغلاطية ١: ١٤ و٤: ١٧ ص ٩: ٣١ و٣٢

لأَنِّي أَشْهَدُ لَهُمْ مدحهم بكل ما يمكنه من مدحهم لكي يجذب قلوبهم إلى الحق كما مدح الأثينيين لما أراد أن يرشدهم إلى الإله الحق (أعمال ١٧: ٢٢).

أَنَّ لَهُمْ غَيْرَةً لِلّٰهِ أي غيرة دينية أظهروها بحفظ الأعياد والأصوام وتقدمة العشور وتقديس السبوت وكره الأوثان ورغبتهم في أن يسفكوا دماءهم دفعاً عن هيكلهم وديانتهم (انظر أعمال ٢١: ٢٢ و٢٢: ٣ و٢٦: ٩ – ١١ وغلاطية ١: ١٣ و١٤).

لَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَعْرِفَةِ لأنهم جهلوا أن الله يسّر بالعبادة الروحية أكثر من العبادة الظاهرة وأنه يفضل الطاعة على الذبائح وأبطلوا ناموس الله بتقاليدهم وغفلوا عن أن الدين الحق يمنع من الكبرياء والاتكال على الأعمال الصالحة لنيل الخلاص وعن بغض من خالفهم في الدين وعن اضطهاده. وهذا كقول المسيح لكتبتهم وفريسيهم «تُعَشِّرُونَ ٱلنَّعْنَعَ وَٱلشِّبِثَّ وَٱلْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ ٱلنَّامُوسِ: ٱلْحَقَّ وَٱلرَّحْمَةَ وَٱلإِيمَانَ» (متّى ٢٣: ٢٣).

٣ «لأَنَّهُمْ إِذْ كَانُوا يَجْهَلُونَ بِرَّ ٱللّٰهِ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يُثْبِتُوا بِرَّ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُخْضَعُوا لِبِرِّ ٱللّٰهِ».

ص ١: ١٧ و٩: ٣٠ فيلبي ٣: ٩

لأَنَّهُمْ تعليل لكون غيرتهم على غير مقتضى المعرفة.

بِرَّ ٱللّٰهِ البرّ الذي الله مصدره وواهبه وقابله ومعده بيسوع المسيح وناسبه إلى الخاطئ عند إيمانه.

يَطْلُبُونَ أَنْ يُثْبِتُوا بِرَّ أَنْفُسِهِمْ طلبوا ذلك بأعمالهم الصالحة (ص ٩: ٣٢) وبالجد والجهد فلم يحظوا بطائل إذ ليس في ما أتوه كفارة عن الخطايا وليست عبادتهم الخدمة الروحية الكاملة التي يطلبها الله.

لَمْ يُخْضَعُوا لِبِرِّ ٱللّٰهِ أي الذي أعده الله وهو المذكور في (ص ١: ١٧) الموصوف بأنه «بدون أعمال الناموس» (ص ٤: ٦) وبأن الواجب على كل إنسان أن يخضع له. فإنهم أرادوا أن يشتروه بأعمالهم وأبوا أن يقبلوه هبة.

٤ «لأَنَّ غَايَةَ ٱلنَّامُوسِ هِيَ: ٱلْمَسِيحُ لِلْبِرِّ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ».

متّى ٥: ١٧ وغلاطية ٣: ٢٤ و١تيموثاوس ١: ٥

في هذا برهان على أن عدم إيمان اليهود بيسوع المسيح هو عدم الخضوع لبر الله.

لأَنَّ غَايَةَ ٱلنَّامُوسِ هِيَ: ٱلْمَسِيحُ أي أن المسيح ناب عنا بإيفاء الناموس كل مطاليبه بدليل قول المسيح نفسه «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ ٱلنَّامُوسَ أَوِ ٱلأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ» (متّى ٥: ١٧). وأن المسيح هو المشار إليه بكل الرموز والرسوم الموسوية بدليل قول الرسول فيها إنها «ظِلُّ ٱلأُمُورِ ٱلْعَتِيدَةِ، وَأَمَّا ٱلْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ» (كولوسي ٢: ١٧ انظر أيضاً عبرانيين ٩: ١١). فالمؤمن بالمسيح يحصل به على البرّ الذي يطلبه الناموس ولكن الناموس يعجز عن منحه إياه فمن رفض المسيح رفض البرّ الذي أعده الله بالمسيح. فغاية الناموس ليس أن يبرّر الخاطئ بل أن يريه ماذا يطلب الله منه وأن يقنعه بأنه خاطئ عاجز عن إيفاء مطاليب الناموس وأن يجبره على الالتجاء إلى المسيح للتبرير والخلاص.

لِلْبِرِّ أي لتحصيل البرّ فإن المسيح هو الذي حصّله لنا بطاعته للموت ونناله بالإيمان فنُعتبر أبراراً أمام الله.

لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ بالمسيح من اليهود والأمم ويرجع عن طلب البرّ بأعماله.

٥ «لأَنَّ مُوسَى يَكْتُبُ فِي ٱلْبِرِّ ٱلَّذِي بِٱلنَّامُوسِ: إِنَّ ٱلإِنْسَانَ ٱلَّذِي يَفْعَلُهَا سَيَحْيَا بِهَا.

لاويين ١٨: ٥ ونحميا ٩: ٢٩ وحزقيال ٢٠: ١١ و١٣ و٢١ وغلاطية ٣: ١٢

هذه الآية وما بعدها إلى العاشرة براهين من أقوال موسى على أنّ المسيح غاية الناموس أي أنّ الخلاص بالإيمان به لا بالأعمال الصالحة.

ٱلْبِرِّ ٱلَّذِي بِٱلنَّامُوسِ هذا مثل «برّ أنفهسم» في (ع ٣).

إِنَّ ٱلإِنْسَانَ ٱلَّذِي يَفْعَلُهَا أي الأمور المأمور بها في الناموس وهذا الفعل لا ينفع شيئاً ما لم يكن تاماً بدليل قوله «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ ٱلنَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ» (غلاطية ٣: ١٠). وقوله «لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ ٱلنَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي ٱلْكُلِّ» (يعقوب ٢: ١٠).

سَيَحْيَا بِهَا أي سينال الحياة الأبدية جزاء على الطاعة الكاملة لإرادة الله فكراً أو قولاً أو عملاً. وهذه العبارة مقتبسة من (لاويين ١٨: ٥).

٦ «وَأَمَّا ٱلْبِرُّ ٱلَّذِي بِٱلإِيمَانِ فَيَقُولُ هٰكَذَا: لاَ تَقُلْ فِي قَلْبِكَ مَنْ يَصْعَدُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ؟ (أَيْ لِيُحْدِرَ ٱلْمَسِيحَ)».

تثنية ٣٠: ١٢ و١٣

هذا مقتبس من كلام موسى في سفر التثينة (تثنية ٣٠: ١١ – ١٤). لكن الرسول استعمله في مقابلة برّ الإيمان ببر الناموس. إن موسى وصف بكلامه التعليم الإلهي إجمالاً فوجد بولس كلامه موافقاً لإيضاحه التبرير بالإيمان فزاد بعض الكلام تمكناً من بيان المراد به.

أَمَّا ٱلْبِرُّ ٱلَّذِي بِٱلإِيمَانِ فَيَقُولُ مثّل البرّ هنا بمتكلم كما مثّل سليمان الحكمة (أمثال ١: ٢٠). وغاية الرسول هنا بيان أن تحصيل البرّ بالإيمان لا يقتضي اجتهاداً طويلاً شاقاً وإن التمسك بذلك البرّ سهل قريب من كل إنسان.

لاَ تَقُلْ فِي قَلْبِكَ مَنْ يَصْعَدُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ؟ أي لا تتوهم أن البرّ الذي بالإيمان يطلب منك أمراً عسيراً كهذا.

أَيْ لِيُحْدِرَ ٱلْمَسِيحَ أضاف الرسول هذا إلى المقتبس إيضاحاً لما أراد. والمعنى أن الخاطئ غير مكلف لأجل التبرير بالصعود إلى السماء لكي يجد من يبرّره فإن هذا مما يستحيل عليه ولا حاجة له إليه لأن المسيح انحدر.

٧ «أَوْ «مَنْ يَهْبِطُ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ؟» (أَيْ لِيُصْعِدَ ٱلْمَسِيحَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ)».

تكوين ٤٢: ٣٨ وأعمال ٢: ٢٥ و٢٧

فرض الرسول في هذه الآية أمراً آخر لا يمكن الخاطئ إتيانه ولا حاجة له إليه لأن الله أتاه وفرض ذلك لبيان أن التبرير بالإيمان لا يكلف الخاطئ مثل هذا الأمر. ولعل الصعود إلى السماء والانحدار إلى الهاوية هنا من مصطلحات الناس وقتئذ في بيان الأمور المتعسرة أو المتعذرة (مزمور ١٣٩: ٨ و٩ وعاموس ٩: ٢) فهما «كنقل الجبال» في الإنجيل (متّى ١٧: ٢٠ و٢١ و١كورنثوس ١٣: ٢).

مَنْ يَهْبِطُ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ؟ أخذ بولس هذا عن ترجمة السبعين وهو في الأصل العبراني «من يعبر لأجلنا البحر ويأخذها لنا» الظاهر أن الأقدمين اعتادوا التعبير عن البحر بالهاوية بالنظر إلى عمقه كما جاء في (تكوين ١: ٢ و٧: ١١) فالغمر أي البحر في الموضعين ترجمة السبعون «بالهاوية» وظنهم أن الهاوية مخرج كل ماء البحر. وكان عندهم عبر البحر من المستحيلات كالهبوط إلى الهاوية فاستعملا العبارتين بمعنى واحد. ولعله كان في بال بولس حين كتب هذا قول عاموس «إِنْ نَقَبُوا إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ فَمِنْ هُنَاكَ تَأْخُذُهُمْ يَدِي، وَإِنْ صَعِدُوا إِلَى ٱلسَّمَاءِ فَمِنْ هُنَاكَ أُنْزِلُهُمْ» (عاموس ٩: ٢) فوجده أوفق لبيان ما قصده من قول موسى في سفر التثنية لإفادتهما المراد الواحد.

لِيُصْعِدَ ٱلْمَسِيحَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ زاد هذا على ما اقتبسه إيضاحاً لمراده وهو أن المؤمن غير مضطر لكي يتبرّر بالإيمان إلى إتيان ما لا يمكنه كإقامة المسيح من الموت على أن المسيح قد أُقيم.

٨ «لٰكِنْ مَاذَا يَقُولُ؟ اَلْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ (أَيْ كَلِمَةُ ٱلإِيمَانِ ٱلَّتِي نَكْرِزُ بِهَا)».

تثنية ٣٠: ١٤

اقتبس الرسول هذا من كلام موسى لموافقته بيان مراده وهو أن طريق الخلاص المعلن في الإنجيل (وهو الإيمان والاعتراف) واضح موافق للإنسان لا متعذّر كالعروج إلى السماء أو التفتيش عنه في الهاوية كما مرّ في (ع ٦ و٧).

اَلْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ أي أقرب الأشياء إليك يسهل عليك أن تفهمها وأن تعمل بمقتضاها. وهذا قريب مما قيل في (يشوع ١: ٨ وخروج ١٣: ٩ ومزمور ٣٧: ٣١ و٤٠: ٨).

أَيْ كَلِمَةُ ٱلإِيمَانِ زاده على المقتبس لموافقته المقصود. فالذي يطلبه الإنجيل للتبرير مجرّد الإيمان بالمسيح.

ٱلَّتِي نَكْرِزُ بِهَا أي أنا وسائر الرسل والمبشرين.

٩ «لأَنَّكَ إِنِ ٱعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ ٱللّٰهَ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ».

متّى ١٠: ٣٢ ولوقا ١٢: ٨ وأعمال ٨: ٣٧

في هذه الآية تفسير الرسول لما سبق من «كلمة الإيمان» في (ع ٨).

لأَنَّكَ إِنِ ٱعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ أي يصدق كل دعواه التي خلاصتها أنه إله متجسد مخلص العالم فاعتراف لسانك دليل على إيمان قلبك. وقدّم الرسول الاعتراف على الإيمان اتباعاً لموسى في (تثنية ٣٠: ١٤) فإنه ذكر كون الكلمة في الفم قبل كونها في القلب. وما قيل في هذه الآية موافق لما في (ص ١٤: ٩ و١كورنثوس ١٢: ٣ وفيلبي ٢: ١١).

وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ الخ كما في (١كورنثوس ١٥: ١٤ – ١٧ وص ٤: ٢٥ وأعمال ١٣: ٣٢ و٢٣ و١بطرس ١: ٣ – ٥). فالإيمان بقيامة المسيح يقتضي الإيمان بكل حقائق الفداء. وقيّد الإيمان بالقلب لأنه ليس مجرّد التصديق العقلي فهو يعمّ كل قوى النفس وعواطفها.

١٠ «لأَنَّ ٱلْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَٱلْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ».

هذه الآية مكرّر الآية التاسعة للأهمية والتقرير وفيها يذكر الإيمان بالقلب قبل الاعتراف باللسان على وفق الطبع لأن اللسان ترجمان الجنان وعلى وفق قول المسيح «من فضلة القلب يتكلم الفم» (متّى ١٢: ٣٤ انظر أيضاً ٢كورنثوس ٤: ١٣).

يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ أي لنيل البرّ وهو برّ يسوع الكامل يُنسب إلينا بالإيمان (ص ٣: ٢١).

وَٱلْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ أي لنيل الخلاص على وفق قول المسيح «كَلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضاً بِهِ قُدَّامَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٠: ٣٢) فكلام الرسول تصريح بأنه لا يحتاج للتبرير والخلاص إلى سوى هذين الأمرين. فالمؤمن بالحق لا يكتفي بإيمان القلب بل يزيد عليه الاعتراف باللسان إكراماً للمسيح وشهادة للحق وإفادة لغيره. فالذي يستحي أن يعترف بالإيمان بالمسيح يُشك في صحة إيمانه.

فوائد

  1. إنّا لا نرغب في خلاص الناس حق الرغبة ما لم نصلِّ من أجلهم (ع ١).
  2. إن الغيرة الدينية لا تكون مقبولة عند الله ونافعة للناس ما لم تكن بحسب المعرفة فلا يكفي أن تكون غيرتنا لله إن لم تظهرها بطريق ترضيه. ظنّ الفريسيون أنهم خدموا الله بغيرتهم على تقاليد آبائهم واضطهدوا المسيحيين الأولين فلم يرضوا الله. وتمتاز الغيرة الصالحة عن الغيرة الفاسدة بالنتيجة فإن كانت النتيجة صالحة كانت الغيرة صالحة وإن كانت النتيجة فاسدة كانت الغيرة مثلها. فالغيرة الصالحة تحمل على التواضع ومحبة القريب وتمجيد الله والصلاة وعمل الخير. ونتيجة الغيرة الفاسدة الكبرياء والإعجاب بالنفس واحتقار القريب وبغضه (ع ٢).
  3. إن تعليم التبرير من جوهريات الدين فإن جعلنا علته أعمالنا كان الدين كله مبنياً على الرمل وإن جعلناها برّ المسيح كان مبنياً على صخر متين (ع ٣).
  4. إنه من أول واجبات الخاطئ أن يخضع لبرّ الله أي أن يعدل عن كل اتكال على استحقاقه ويقبل شروط المصالحة المعروضة عليه في الإنجيل (ع ٣).
  5. إن علّة هلاك الهالكين رفضهم الخلاص الذي أعدّه الله لهم (ع ٣).
  6. إن المسيح هو الكل وفي الكل للمسيحي الحقيقي فإنه هو أوفى كل مطاليب الناموس عنه بما احتمله وحقق له التبرير بطاعته (ع ٤).
  7. إنه يستحيل على الخطأة أن يحصلوا على التبرير بأعمالهم كاستحالة الحصول عليه بالصعود إلى السماء أو الهبوط إلى الهاوية (٥ – ٧).
  8. إن مطاليب الإنجيل سهلة الإدراك وهينٌ القيام بها فهي ليست إلا قبول برّ الله المعروض علينا مجاناً والاعتراف بأن يسوع ربنا (ع ٦ – ٩).
  9. إن كلًّا من الإيمان والاعتراف من الواجبات لكنهما ليستا في مقام واحد لأن الإيمان علّة الخلاص فلا يمكن بدونه وبه نشترك في برّ المسيح وأما الاعتراف فليس بعلّة للخلاص لكنه ضروري إن أمكن لأن المسيح أمر به وإن لم يكن فعدم إمكانه لا يمنع من الحياة الأبدية كذا قال المسيح في شأن المعمودية (مرقس ١٦: ١٦). واللص الذي آمن على الصليب خلص ولم يعتمد. ومع أن الإعتراف ليس علّة الخلاص فمن استطاع أن يعترف بالمسيح وأبى ذلك خوفاً أو خجلاً عرّض نفسه للهلاك لعدم إطاعته أمر المسيح (ع ٩ و١٠).
  10. إن الإيمان ليس مجرّد تسليم العقل ببعض الحقائق بل هو قبول المسيح نفسه أيضاً والاتكال عليه والمحبة له فإن لم يشترك قلب الإنسان مع عقله في الإيمان لم يكن ذلك الإيمان كافياً لتبريره (ع ١٠).

وجوب التبشير بالإنجيل لكل الناس من أمم ويهود لكونه موافقاً للكل ع ١١ إلى ٢١

١١ «لأَنَّ ٱلْكِتَابَ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى».

إشعياء ٢٨: ١٦ و٤٩: ٢٣ وإرميا ١٧: ٧ و٨ وص ٩: ٣٣

اقتبس هذا من (إشعياء ٢٨: ١٦) على ما في ترجمة السبعين واقتبسه قبلاً في (ص ٩: ٣٣) وأثبت به أمرين الأول إن دعوة الخلاص عامة بدليل قوله «كل من» والثاني إن شرط الخلاص هو الإيمان.

١٢ «لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ ٱلْيَهُودِيِّ وَٱلْيُونَانِيِّ، لأَنَّ رَبّاً وَاحِداً لِلْجَمِيعِ، غَنِيّاً لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ».

أعمال ١٥: ٩ وص ٣: ٢٢ وغلاطية ٣: ٢٨ أعمال ١٠: ٣٦ وص ٣: ٢٩ و١تيموثاوس ٢: ٥ أفسس ١: ٧ و٢: ٤ و٧

هذا شرح لقوله «كل من» وإثبات له بالدليل القاطع.

لاَ فَرْقَ بين اليهودي واليوناني بالنظر إلى الله وشريعته واعتبار أنهم خطأة وعرضة للدينونة من أجل خطاياهم ولا فرق في طريق نيلهم الخلاص فإنه الإيمان وهذا مثل قوله في (ص ٣: ٢٢).

رَبّاً وَاحِداً لِلْجَمِيعِ الأرجح أن المراد «بالرب» هنا هو يسوع المسيح وأنه يسود على اليهود والأمم معاً وأنه مات عن الكل ومستعد أن يخلّص الفريقين ويصح أن يكون المراد به الله الآب لأنه خالق الجميع وهو الذي أرسل الابن فادياً.

غَنِيّاً كثير النعمة.

ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ أي يعبدونه كما يظهر من (تكوين ٤: ٢٦ و١٢: ٨ وإشعياء ٦٤: ٦ وأعمال ٢: ٤ و٩: ١٤ و٢٢: ١٦) ويؤمنون به ويتكلون عليه للخلاص.

١٣ «لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَخْلُصُ».

يوئيل ٢: ٣٢ وأعمال ٢: ٢١ و٩: ١٤

اقتبس بولس هذه الآية من (يوئيل ٢: ٢٨ و٢٩) واقتبسها بطرس في وعظه يوم الخمسين (أعمال ٢: ٢١) وأنبأ يوئيل فيها بما يحدث في أيام المسيح وهو أن كل من يسأل المسيح النجاة من أي أمة كان ينجو. وينتج من ذلك أنه من الجهالة والخطإ أن يقصر التبشير بالخلاص على اليهود وبذلك وصل إلى غايته في هذه الفصل وهي دعوة الأمم ووجوب إرسال مبشرين إليهم ينادون لهم بالخلاص. وكان اليهود يكرهون هذا التعليم وأبغضوا بولس واضطهدوه لأنه نادى به.

١٤، ١٥ «١٤ فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ. وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ ١٥ وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ ٱلْمُبَشِّرِينَ بِٱلسَّلاَمِ، ٱلْمُبَشِّرِينَ بِٱلْخَيْرَاتِ».

تيطس ١: ٣ إشعياء ٥٢: ٧ وناحوم ١: ١٥

أثبت الرسول من أقوال الأنبياء أن الله يريد أن الناس كلهم يدعون المسيح لنيل الخلاص وهذا يستلزم إرادته تعالى أن يُنادى بالإنجيل للكل. ووصل الرسول إلى هذا المبدإ وهو «من رغب في غاية رغب في وسائل نيلها» وأورد أربع مسائل مفادها.

  1. إنه لا يمكن الناس أن يدعوا المسيح رباً ومخلصاً إن لم يؤمنوا به.
  2. إنه لا يمكنهم أن يؤمنوا به ما لم يسمعوا أنباءه.
  3. إنهم لا يستطيعون أن يسمعوا أنباء المسيح بلا مبشر.
  4. إنه لا يستطيع واحد أن يبشر تبشيراً مؤثراً ما لم يكن مرسلاً من الله. ونتيجة ذلك كله أن الله قصد أن يرسل مبشرين إلى الأمم لينادوا لهم برحمة الله لكي يسمعوا ويؤمنوا ويخلصوا.

كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ في نبؤءة إشعياء (إشعياء ٥٣: ٧) وموضوعه نجاة اليهود من سبي بابل وهو أنباء بمسرّة اليهود بسمعهم البشرى بتلك النجاة. وكانت تلك النجاة رمزاً إلى نجاة أعظم منها وهي النجاة بواسطة المسيح من عبودية الخطيئة وإلى ابتهاج كل خطأة العالم بسمعهم بشارة المسيح. فالمبشرون بالنجاة من عبودية زمنية رمز إلى المبشرين بالإنجيل المنادين بالخلاص الأبدي.

مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ ٱلْمُبَشِّرِينَ أي ما أعظم الفرح بقدومهم لجودة مناداتهم.

بِٱلسَّلاَمِ… بِٱلْخَيْرَاتِ هي بركات الإنجيل. فهذا المقتبس يشير إلى أهمية المبشرين وبركة قدومهم والسرور الذي يجب على الناس أن يستقبلوهم به فإذاً لا حق لليهود أن يلوموا بولس وسائر الرسل بتبشيرهم الأمم طوعاً للرؤيا السماوية (أعمال ٢٦: ١٦ – ١٩).

١٦ «لٰكِنْ لَيْسَ ٱلْجَمِيعُ قَدْ أَطَاعُوا ٱلإِنْجِيلَ، لأَنَّ إِشَعْيَاءَ يَقُولُ: يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟».

ص ٣: ٣ وعبرانيين ٤: ٢ إشعياء ٥٣: ١ ويوحنا ١٢: ٣٨

أثبت الرسول في ما مرّ وجوب تبشير كل الناس بالإنجيل وصرّح هنا أنه لا يقبله كل الناس ولكن هذا لا ينافي ذلك الوجوب لأنه مما يتوقع ومما أنبأ به إشعياء.

لَيْسَ ٱلْجَمِيعُ قَدْ أَطَاعُوا ٱلإِنْجِيلَ أي لم يقبلوا المخلّص المنادى به في الإنجيل ولم يسلّموا بشرط الخلاص وهو الإيمان به.

مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟ (إشعياء ٥٣: ١) المراد بهذا الخبر تبشير إشعياء بالمسيح الآتي وبما يعمله وبما يحتمله من الآلام. وفي هذا السؤال إشارة إلى قلة المصدقين وكثرة المكذبين. وما وقع في أيام إشعياء وقع في أيام المسيح يوم كان على الأرض لأنه أتى إلى خاصته وخاصته لم تقبله ووقع في أيام الرسول أيضاً.

١٧ «إِذاً ٱلإِيمَانُ بِٱلْخَبَرِ، وَٱلْخَبَرُ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ».

هذا تقرير لما في (ع ١٤ – ١٧) وهو أن قبول الإنجيل في القلب للخلاص يقتضي معرفة الحقائق الإنجيلية وهذه المعرفة متوقفة على التبشير بمقتضى أمر الله وأنه تعالى يريد أن يسمع الناس كلهم الإنجيل ويطيعوه ويخلصوا ولا يزال كذلك وإن كان الكثيرون يرفضون بشارة الخلاص.

إِذاً ٱلإِيمَانُ بِٱلْخَبَرِ هذا نتيجة ما اقتبسه من نبوءة إشعياء لأن النبي تكلّم على الخبر الذي أراد الله أن يصدقه الناس إذ لا وسيلة إلى الإيمان إلا الخبر والمراد «بالخبر» هنا المناداة بالإنجيل.

وَٱلْخَبَرُ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ كون هذا الخبر بكلمة الله يثبت أنه حق وأن المناداة به لكل الناس مما أمر الله به وذلك موافق لما في (متّى ٢٨: ٩ وأعمال ١: ٨ وأفسس ٤: ٨ و١١).

١٨ «لٰكِنَّنِي أَقُولُ: أَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا؟ بَلَى! إِلَى جَمِيعِ ٱلأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُمْ وَإِلَى أَقَاصِي ٱلْمَسْكُونَةِ أَقْوَالُهُمْ».

مزمور ١٩: ٤ ومتّى ٢٤: ١٤ و٢٨: ١٩ ومرقس ١٦: ١٥ وكولوسي ١: ٦ و٢٣ و١ملوك ١٨: ١٠ ومتّى ٤: ٨

أَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا؟ أي لم ينادَ بالإنجيل في كل الأرض كما أمر الله. قصد الرسول بهذا بيان أن بشارة الإنجيل لم تنحصر في اليهودية ولم تقصر على اليهود بل إنها انتشرت في سائر المسكونة حسب قصد المسيح وأمره.

بَلَى! أي أن الناس سمعوا الإنجيل يهوداً وأمماً.

إِلَى جَمِيعِ ٱلأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُمْ الخ هذا مقتبس من (مزمور ١٩: ٤) على ما في ترجمة السبعين قاله داود في شهادة السماوات المنظورة بوجود الله فاستعاره بولس لتبشير التلاميذ بالمسيح. ولم يقصد بولس أن الإنجيل بُشر به في كل الخليقة في أيامه بل أن التبشير بالإنجيل لم ينحصر في مملكة أو شعب إذ كان «حائط السياج المتوسط قد نُقض» (أفسس ٢: ١٤). وأخذ المبشرون يذهبون من بلاد إلى بلاد بدليل قوله لأهل كولوسي في شأن الإنجيل «ٱلَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ… ٰلإِنْجِيلِ، ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ، ٱلْمَكْرُوزِ بِهِ فِي كُلِّ ٱلْخَلِيقَةِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ» (كولوسي ١: ٦ و٢٣). ومثل ما اقتُبس من المزامير هنا بتشبيه المسيح والمبشرين به بالأجرام السماوية قول النبي ملاخي : «وَلَكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُتَّقُونَ ٱسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ ٱلْبِرِّ وَٱلشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا» (ملاخي ٤: ٢). وقول زكريا «بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلٰهِنَا ٱلَّتِي بِهَا ٱفْتَقَدَنَا ٱلْمُشْرَقُ مِنَ ٱلْعَلاَءِ. لِيُضِيءَ عَلَى ٱلْجَالِسِينَ فِي ٱلظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ ٱلْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ ٱلسَّلاَمِ» (لوقا ١: ٧٨ و٧٩).

ولعل بولس أراد بما اقتبسه من المزامير بيان أن الله كان يبشر الأمم في كل عصر بواسطة خليقته المنظورة ويُعلن لهم وجوده وبعض صفاته وإن كانوا لم يسمعوا وحيه. فإعلان نفسه للأمم ليس بأمر جديد أو غريب ومخاطبته إياهم من بعيد بلسان السموات استعداد لمخاطبتهم على القرب بالإنجيل وعربون ذلك.

١٩ «لٰكِنِّي أَقُولُ: أَلَعَلَّ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْلَمْ؟ أَوَّلاً مُوسَى يَقُولُ: أَنَا أُغِيرُكُمْ بِمَا لَيْسَ أُمَّةً. بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُكُمْ».

تثنية ٣٢: ٢١ وص ١١: ١١ تيطس ٣: ٣

أَلَعَلَّ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْلَمْ؟ أنّ قصد الله المناداة بالإنجيل في كل العالم وإن هذا يستلزم تبشير الأمم ودعوتهم إلى الخلاص ورفضه أن يبقوا هم شعبه الخاص.

أَوَّلاً أي قبل غيره من الأنبياء. استشهد موسى أولاً ثم إشعياء ليبرهن بقولهما إنّ الله قصد دعوة الأمم ورفض اليهود فكان على إسرائيل أن يعلم ذلك.

أَنَا أُغِيرُكُمْ الخ هذا مقتبس من (تثنية ٣٢: ٢١) على ما هو في ترجمة السبعين وهو أنباء موسى بمستقبل بني إسرائيل وهو أنهم في ما يأتي من الأزمنة يهيجون غيرة الله وغيظه برفضهم إياه واتخاذهم الأوثان (التي ليست بآلهة) آلهة فلذلك هو يغيرهم برفضه إياهم واتخاذه من ليسوا شعباً شعباً.

٢٠ «ثُمَّ إِشَعْيَاءُ يَتَجَاسَرُ وَيَقُولُ: وُجِدْتُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي، وَصِرْتُ ظَاهِراً لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي».

إشعياء ٦٥: ١ وص ٩: ٣٠

يَتَجَاسَرُ وَيَقُولُ أي يتكلم بكل وضوح وحق بخلاف تكلم الجبان.

وُجِدْتُ هذا قول الله بلسان النبي ومعناه عُرفت أني الله وعُبدت على أني الله (إشعياء ٦٥: ١).

مِنَ ٱلَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي أي الأمم الذين لم يطلبوه قبل أن دعاهم.

صِرْتُ ظَاهِراً لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي أي أعلنت نفسي للأمم الذين لم يسألوا عني قبل ذلك الإعلان.

٢١ «أَمَّا مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ فَيَقُولُ: طُولَ ٱلنَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ».

إشعياء ٦٥: ٢

هذا مقتبس من (إشعياء ٦٥: ١) وفيه ما هو كاف لتحذير اليهود بأن الله قصد أن يأخذ امتيازاتهم منهم ويهبها للأمم وعلى خسارتهم هم أنفسهم.

طُولَ ٱلنَّهَارِ بَسَطْتُ يَدَيَّ هذا علامة المحبة والدعوة والرغبة والصبر بدليل ما في (أمثال ١: ٢٤ وحزقيال ١٨: ٣١ و٣٢ وهوشع ١١: ٨). والمعنى أن الله دعا اليهود ليرجعوا إليه بالطاعة والمحبة لينالوا رضاه فلم يلتفتوا إليه.

إِلَى شَعْبٍ مُعَانِدٍ وَمُقَاوِمٍ أي رفضوا المسيح واضطهدوه واضطهدوا المبشرين به كما قال المسيح «يَا أُورُشَلِيمُ يَا أُورُشَلِيمُ، يَا قَاتِلَةَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا» (متّى ٢٣: ٣٧).

فوائد

  1. إن الديانة المسيحية يوافق أن تكون ديانة العالم إذ ليست محصورة في أمة واحدة وبلاد واحدة كديانة اليهود ويمكن كل أهل العالم أن يقوموا بمطاليبها ويتمتعوا بفوائدها (ع ١١ – ١٣).
  2. إنه يجب على المسيحيين أن يسلكوا بموجب روح الإنجيل الذي يعلّم أن كل الناس إخوة أولاد أب واحد وهو إله الكل وأنه فتح باب السماء للجميع بشروط واحدة.
  3. إن الله لا بد من أن يغتاظ إذا رأى بعض الناس يدّعي أنه أفضل من غيره ويحتقر الذين يختلفون عنه في المقام وألوان الوجوه والأحوال الخارجية ولا سيما الدين (أعمال ١٢).
  4. إن الله مستعد أن يخلّص جميع الذين يدعونه بقطع النظر عن جنسهم أو ملتهم فشروط الخلاص هي هي لكل إنسان فمن أراد فليأخذ من ماء الحياة مجاناً (ع ١٢ و١٣).
  5. إن الله عيّن أن يكون التبشير بالإنجيل من أعظم الوسائل إلى خلاص الناس وأعلن إرادته أن يُنادى به في كل العالم فلذلك كان من أول واجبات المسيحيين أن يستفرغوا المجهود في إقامة مبشرين قد استعدوا كل الاستعداد للتبشير وأن يرسلوهم للمناداة بملكوت الله فإن وجوب تبشير من جهلوا الإنجيل ليس بأقل من وجوب قبوله عند سمعهم إياه (ع ١٤ و١٥).
  6. إن كون الإيمان بالخبر يوجب أن يكون في الكنيسة رعاة دارسين كتاب الله محكمين معرفته صالحين للتعليم مرسومين للرعاية وأن تقوم الكنيسة بنفقاتهم وتواظب على سمع تعاليمهم (ع ١٧).
  7. إنّه كثيراً ما يحدث أن الذين يحصلون على كل وسائط النعمة لا يستفيدون منها شيئاً ويبقون بعيدين عن الله وإن الذين وسائطهم قليلة يستفيدون منها ويقربون إليه تعالى فيقبلهم ع ٢٠ و٢١ (انظر أيضاً متّى ٨: ١١ و١٢ و١٩: ٣٠).
  8. إن الله يعامل الخطأة المعاندين بكل رقة وشفقة فيبسط إليهم يدي رحمته اليوم كله فالذين ينحدرون إلى هاوية الهلاك يحدرون أنفسهم إليها على رغم دعوة الآب السماوي ودموع المسيح ودمه وتأثيرات الروح القدس. ويضطرون في الآخرة إلى أن يدينوا أنفسهم لأنهم هم علّة لهلاكهم ويبرّرون الله بذلك (ع ٢١).
  9. إن الذي يسد أذنيه عن دعوة الرحمة ويقسّي قلبه يعرّض نفسه للخطر الذي وقع على الأمة اليهودية وهو رفض الله إيّاه وإغلاقه باب السماء دونه.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى