رومية

الرسالة إلى رومية | 01 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى رومية

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الأول

المقدمة ع ١ إلى ١٧

وفيها تعريف وسلام ع ١ إلى ٧ وبيان علّة كتابة هذه الرسالة وموضوعها ع ٨ إلى ١٧

١ «بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْمَدْعُوُّ رَسُولاً، ٱلْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ».

فيلبي ١: ١ وتيطس ١: ١ أعمال ٢٢: ٢١ وع ٦ و٧ و١كورنثوس ١: ١ وغلاطية ١: ١ و١تيموثاوس ١: ١١ و٢: ٧ و٢تيموثاوس ١: ١١ ويهوذا ١ أعمال ٩: ١٥ و١٣: ٢ وغلاطية ١: ١٥

بُولُس ابتدأ الكاتب رسالته بذكر اسمه وعمله جرياً على العادة القديمة في الرسائل واسمه العبراني شاول ومعناه مسؤول (أي من الله) (أعمال ١٣: ٩) ولكنه لما شرع في عمله رسولاً إلى الأمم تسمى ببولس اسمه اليوناني لأنه أخف على سمع اليونانيين والرومانيين وعلى ألسنتهم.

عَبْدٌ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ كأحد المسيحيين عبدته وخدمه الطائعين (أفسس ٦: ٦) أو كواحد من خدامه المخصوصين بالخدمة الرسولية. وعبّر عن ذلك «بالعبد» جرياً على عادة الأنبياء قديماً فإنهم كانوا يسمون «عبيد الله» (يشوع ١: ١ و٢٤: ٢٩ وإرميا ٢٩: ١٩ وإشعياء ٤٢: ١) وجرياً على سنن يعقوب في قوله «يَعْقُوبُ، عَبْدُ ٱللّٰهِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (يعقوب ١: ١) وبطرس في قوله «سِمْعَانُ بُطْرُسُ عَبْدُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَرَسُولُهُ» (٢بطرس ١: ١) وأشار بأنه عبد ليسوع إلى الطاعة الكاملة والخضوع باعتبار كون يسوع سيداً وإلهاً له لأنه صرّح بأنه يرفض كل الرفض أن يكون عبداً للناس في الأمور الروحية.

ٱلْمَدْعُوُّ رَسُولاً قال هذا بياناً للسلطان الذي كتب به الرسالة لأنه رسول بدعوة الله وقصد بذلك إيضاح أنه لم يدع نفسه ولم يدعه الناس إلى تلك الخدمة المقدسة. ومعنى «الرسول» لغة مرسل ولكن المسيح اتخذ هذا الاسم بمعنى خاص ليشير إلى الذي اختاره وعيّنه للتبشير باسمه وللشهادة بقيامته كما يظهر من (لوقا ٦: ١٣ ويوحنا ١٥: ٢٦ وأعمال ١: ٢١). ويقتضي كون الإنسان رسولاً أن يكون قد رأى يسوع بعد قيامته (١كورنثوس ٩: ٢) وعرفه وعرف أعماله وتعاليمه من يسوع نفسه. ولما دُعي بولس رسولاً قال له يسوع «ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ» (أعمال ٢٦: ١٦).

وقيام الرسل بتلك الشهادة اقتضى أن يكونوا ملهمين وأن يكونوا معصومين من الغلط في التعاليم الدينية (يوحنا ١٤: ٢٦ و١٦: ٣) وأن يكون لهم سلطان على عمل المعجزات إثباتاً لصحة شهادتهم (متّى ١٠: ٨) وكان لهم أن يعطوا ذلك السلطان لغيرهم بوضع الأيدي (أعمال ٩: ١٥ و١٧ و١٨ و١٩: ٦) وكان لهم سلطان تمييز الأرواح (١كورنثوس ١٢: ١٠) ورسم شيوخ في الكنائس (أعمال ١٤: ٢٣) وتنظيمها مطلقاً (١كورنثوس ٥: ٣ – ٥ و٢كورنثوس ١٠: ٦ و١٨).

ٱلْمُفْرَزُ لإِنْجِيلِ ٱللّٰهِ أي المميز عن غيره بالرسولية. وأُفرز بولس أولاً من بطن أمه (غلاطية ١: ١٥). وثانياً يوم إيمانه ففيه دعاه الرب من السماء رسولاً (أعمال ص ٩). وثالثاً في كنيسة أنطاكية حين قال الروح القدس «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ ٱلَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» (أعمال ١٣: ٢).

والمراد بقوله «إنجيل الله» التبشير بالإنجيل أي المناداة عن لسان الله بالأخبار السارة وهي الأنباء بمغفرة الخطايا والمصالحة وتجديد القلب وقيامة الأجساد والحياة الأبدية.

٢ «ٱلَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي ٱلْكُتُبِ ٱلْمُقَدَّسَةِ».

أعمال ١: ٤٣ و١٨: ٢٨ و٢٦: ٦ وص ٣: ٢١ و١٦: ٢٦ وغلاطية ٣: ٨ وتيطس ١: ٢ و١بطرس ١: ١٠ و٢بطرس ١: ١٠

صرّح بولس بأن الإنجيل الذي أُرسل هو للمناداة به ليس بديانة جديدة وأن الذين قبلوه لم يرفضوا موسى والأنبياء لأن موسى والأنبياء أنبأوا بحقائق الإنجيل وأعلنوه بعض الإعلان وكان إثبات ذلك موضوع كثير من خطب بولس ورسائله وأعظم تلك الحقائق يتعلق بالمسيح وصفاته وأعماله والملكوت الذي هو أنشأه وكانت النبوءات المتعلقة بذلك أقوالاً ورموزاً.

٣ «عَنِ ٱبْنِهِ. ٱلَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ».

متّى ١: ٦ و١٦ ولوقا ١: ٣٢ ويوحنا ١: ١٤ وأعمال ٢: ٣٠ وغلاطية ٤: ٤ و٢تيموثاوس ٢: ٨

عَنِ ٱبْنِهِ ذكر اسم هذا الابن في الآية الرابعة وهو جوهر مواعيد العهد القديم. والمراد «بالابن» هنا الكلمة المتجسدة في الطبيعتين الإلهية والإنسانية.

ٱلَّذِي صَارَ أي وُلد (وهذا كما قيل في متّى ١: ١) لأنه «أَرْسَلَ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ ٱمْرَأَةٍ» (غلاطية ٤: ٤). من بيت داود الملكي كما أنبأ به العهد القديم واثبت وقوعه العهد الجديد (إشعياء ٩: ٧ و١١: ١ و١٠ وإرميا ٢٣: ٥ ومتّى ٢٢: ٤٥ ويوحنا ٧: ٤٢ وأعمال ١٣: ٢٣).

إن النبوءة صرّحت بأن المسيح الموعود به يكون من نسل داود فاقتضى أن يوضح كتبة الإنجيل بأن يسوع الناصري من ذلك النسل وقد أوضح ذلك في (متّى ١: ٢٠ ولوقا ١: ٢٧ و٣٢ و٣٣ وأعمال ٢: ٣٠ – ٣٢ و١٣: ٢٢ و٢٣).

مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ أي الناسوت تمييزاً عن اللاهوت. ولو كان يسوع مجرد إنسان ما كان من حاجة إلى هذه العبارة وكفى أن يقال أنه من نسل داود فزيدت هذه العبارة ليقصر تناسله من داود على طبيعته البشرية. فمعنى «الجسد» هنا كمعناه في قول يوحنا «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ» (يوحنا ١: ١٤) وقول بولس «الله ظهر في الجسد» (١تيموثاوس ٣: ١٦). وكذا فُسر في قوله «إِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ» (فيلبي ٢: ٨). فاتضح أن معنى الجسد هنا الجسم البشري الحقيقي مع النفس الناطقة.

٤ «وَتَعَيَّنَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ، بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ: يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ رَبِّنَا».

أعمال ١٣: ٣٣ عبرانيين ٩: ١٤ ص ١٢: ٣ و١٦: ١٥ و١كورنثوس ١٥: ١٠ وغلاطية ١: ١٥ و٢: ٩ وأفسس ٣: ٨

تَعَيَّنَ أي أُعلن لنا بالدليل القاطع.

ٱبْنَ ٱللّٰهِ هذا هو الأمر المعلن ولم يقل أنه صار ابن الله كما قال صار جسداً لأن بنوته غير محدثة كتجسده فهو كان ابن الله منذ الأزل كما يتضح من (يوحنا ١: ١ – ١٤) حيث جاء الكلمة والابن بمعنى واحد وكما يتضح من (يوحنا ٥: ١٦ – ٣١ و١٠: ٢٩ – ٤٢).

بِقُوَّةٍ متعلّق بتعيّن والمعنى أنه تبين لنا بأدلة يقينية لم يبق معها محل لشيء من الريب.

مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ أي اللاهوت تمييزاً له عن الناسوت وأضاف الروح إلى القداسة لأنها من أسمى صفات اللاهوت. خلاصة الآية الثالثة أن الابن باعتبار أنه إنسان من نسل داود وباعتبار أنه إله هو ابن الله.

بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ أولاً بقيامته هو كما يتضح من (أعمال ١٧: ٣١ و١بطرس ١: ٣ وأعمال ١٣: ٣٥ و٢٦: ٢٣ و١كورنثوس ١٥: ٢٠). وثانياً بالقيامة العامة التي قيامة المسيح علتها وباكورتها. وكان الرسل يجمعون غالباً هاتين القيامتين في تبشيرهم (أعمال ٤: ٢ و٢٣: ٦). فإن قيل كيف تكون قيامة المسيح دليلاً على أنه ابن الله قلنا أنه قام بقوة نفسه لأن له «سُلْطَانٌ أَنْ يضَعَهَا وَلِه سُلْطَانٌ أَنْ يأخُذَهَا أَيْضاً» (يوحنا ١٠: ١٨). وأن يسوع كان لا يفتأ مصرّحاً بأنه ابن الله فإقامة الله إياه من الأموات تصديق لدعواه وإلا فلو بقي تحت سلطان الموت لكان ذلك بمنزلة نفي الله أنه ابنه فإقامته إياه إثبات لتلك الدعوى.

يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ رَبِّنَا يسوع هنا بيان «للابن» المذكور في الآية الثالثة. ولكل من هذه الأسماء معنى ثمين فمعنى يسوع مخلص ( متّى ١: ٢١) ومعنى المسيح الممسوح نبياً وكاهناً وملكاً الموعود به في العهد القديم ومعنى ربنا ذو السلطان المطلق علينا.

٥ «ٱلَّذِي بِهِ، لأَجْلِ ٱسْمِهِ، قَبِلْنَا نِعْمَةً وَرِسَالَةً، لإِطَاعَةِ ٱلإِيمَانِ فِي جَمِيعِ ٱلأُمَمِ».

ص ١٢: ٣ و١٥: ١٥ و١كورنثوس ١٥: ١٠ وغلاطية ١: ١٥ و٢: ٩ وأفسس ٣: ٨ أعمال ٦: ٧ وص ١٦: ٢٦ أعمال ٩: ١٥

جاء بولس بهذه الآية إثباتاً لسلطانه الرسولي وبياناً أنه يحق له أن يكتب بعض الرسائل لهم ولغيرهم من الكنائس التي أسسها والتي لم يؤسسها.

ٱلَّذِي بِهِ أي الرب يسوع الذي أثبت عظمته.

لأَجْلِ ٱسْمِهِ أي إكراماً وتمجيداً لهذا الاسم الذي هو فوق كل اسم.

قَبِلْنَا ما أراد الرسول بضمير المتكلمين غير نفسه جرياً على عادة الكتبة اليونانيين فإنهم عدلوا عن ضمير المفرد في التكلم لما فيه على اصطلاحهم من الإعجاب بالنفس.

نِعْمَةً وَرِسَالَةً كلتيهما في وقت واحد والأولى إعداد للثانية وهذه تشتمل على الوحي والسلطان الديني.

لإِطَاعَةِ ٱلإِيمَانِ أي أن يسوع أرسله مبشراً بالإنجيل لكي يؤمن الكل به ويطيعوه وأضاف الإطاعة إلى الإيمان لأنه أحد أعمالها وأعظمها. وهذا موافق لقول يوحنا الرسول «هٰذِهِ هِيَ وَصِيَّتُهُ: أَنْ نُؤْمِنَ بِٱسْمِ ٱبْنِهِ يَسُوعَ» (١يوحنا ٣: ٢٣). ولقول المسيح نفسه «هٰذَا هُوَ عَمَلُ ٱللّٰهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِٱلَّذِي هُوَ أَرْسَلَهُ» (يوحنا ٦: ٢٨ و٢٩ انظر أعمال ٦: ٧ و٢تسالونيكي ١: ٨ و١بطرس ١: ٢٢). أو أضافها إلى الإيمان لأنها من أثماره.

فِي جَمِيعِ ٱلأُمَمِ أي أن رسوليته لم تكن مقصورة على مدينة أو أمة بل كانت عامة كل أهل الأرض.

٦ «ٱلَّذِينَ بَيْنَهُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً مَدْعُوُّو يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

خاطب بولس بناء على كونه رسولاً إلى جميع الأمم الرومانيين وإن لم يكن منشئ كنيسة رومية.

مَدْعُوُّو يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي الذين دعاهم يسوع للشركة في كل فوائد الفداء فالمدعوون هنا بمعنى المختارين لأن المسيح دعاهم دعوة فعالة. وجاء مثل ذلك في رسالته إلى الكورنثيين حيث يقول «وَلٰكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِٱلْمَسِيحِ مَصْلُوباً: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ… قُوَّةِ ٱللّٰهِ وَحِكْمَةِ ٱللّٰهِ» (١كورنثوس ١: ٢٣ و٢٤ انظر أيضاً رومية ٨: ٢٨).

٧ «إِلَى جَمِيعِ ٱلْمَوْجُودِينَ فِي رُومِيَةَ، أَحِبَّاءَ ٱللّٰهِ، مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

ص ٩: ٢٤ و١كورنثوس ١: ٢ و١تسالونيكي ٤: ٧ و١كورنثوس ١: ٣ و٢كورنثوس ١: ٢ وغلاطية ١: ٣

في هذه الآية خطاب وسلام على أثر تبيينه ماهية رسوليته وعظمتها وهي تابعة للآية الأولى كأنه كتب «بولس عبد يسوع المسيح إلى جميع الموجودين في رومية» وما بين الجملتين معترض.

أَحِبَّاءَ ٱللّٰهِ هذا امتياز للمؤمنين وغبطة لهم «اَللّٰهُ ٱلَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي ٱلرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ ٱلْكَثِيرَةِ ٱلَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِٱلْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس ٢: ٤ و٥) «وهم مختارو الله المحبوبون» (كولوسي ٣: ١٢) «لأنهم تصالحوا مع الله بموت ابنه» (ص ٥: ٥ و٨: ٣٩).

مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ كما دُعي بولس رسولاً في الآية الأولى والذي دعاهم ودعاه هو الله فإنه تعالى قدوس فيدعو شعبه ليكونوا قديسين أي طاهرين (١بطرس ١: ١٥ و١٦) ويجيء القديس بمعنى المنفصل عن العالم الموقوف لخدمة الله (يوحنا ١٧: ١٩).

نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ هذه تحية رسولية فيها نوع من الصلاة. والنعمة علّة في الله والسلام معلولها فينا ومعنى النعمة الإحسان إلى غير المستحق وأعظم مظاهرها خلاص الخطأة وهي تعمّ كل مواهب الله بيسوع المسيح. ولا سيما موهبة الروح القدس. والسلام هنا الاطمئنان والسرور والراحة الناتجات لمن يشعر بالحصول على تلك النعمة.

مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ توجيه بولس الصلاة إلى الآب والابن واعتباره إياهما مصدر النعمة دليل قاطع على أنه اعتقد أن يسوع له حق مساوٍ للآب.

إن الله أبونا لأنه علّة وجودنا ومصدر كل بركة لنا ولأنه صالحنا بيسوع المسيح فيعتبرنا أولاده بالتبني (ص ٨: ١٥ وغلاطية ٤: ٥) وأن يسوع المسيح ربنا أي سيدنا لأنه يجب علينا أن نطيعه وهو الوسيط بيننا وبين الله وبواسطته ننال كل خير في هذه الحياة وفي الحياة الآتية.

٨ «أَوَّلاً، أَشْكُرُ إِلٰهِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، أَنَّ إِيمَانَكُمْ يُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ».

١كورنثوس ١: ٤ وفيلبي ١: ٣ وكولوسي ١: ٣ و٤ و١تسالونيكي ١: ٢ وفليمون ٤ ص ١٦: ١٩ و١تسالونيكي ١: ٨

أَوَّلاً، أَشْكُرُ أظهر بولس سروره بوجود كنيسة مسيحية في رومية مشهورة بإيمانها بتقديم الشكر لله الذي هو واهب ذلك الإيمان وكان له أن يقدم لله مثل هذا الشكر من أجل كنيسة تسالونيكي (١تسالونيكي ١: ٨ – ١٠).

إِلٰهِي الذي أنا له وإياه أعبد.

بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ متعلق بأشكر لأننا لا نستطيع أن ندنو من الآب إلا بيسوع وكل طلباتنا تقدم به ولذلك قال لكنيسة أفسس «شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي ٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، لِلّٰهِ وَٱلآبِ» (أفسس ٥: ٢٠ انظر أيضاً أفسس ٧: ٢٥ وكولوسي ٤: ١٧ وعبرانيين ٣: ١٧ وعبرانيين ١٣: ١٥).

أَنَّ إِيمَانَكُمْ… فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ انتشر من قصبة المملكة الرومانية إلى جميع الولايات الخبر بوجود كنيسة مسيحية في رومية وليس ذلك فقط بل أن إيمان تلك الكنيسة كان عظيماً أوجب السرور والمديح لكل من سمع به من المسيحيين وفي ذلك دليل على أن كنيسة رومية كانت قد مر على تأسيسها بضع سنين وعلى أن دين المسيح قد انتشر في أقطار الأرض كلها في ثلاثين سنة تقضت منذ صلب المسيح.

٩ «فَإِنَّ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي أَعْبُدُهُ بِرُوحِي، فِي إِنْجِيلِ ٱبْنِهِ، شَاهِدٌ لِي كَيْفَ بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ أَذْكُرُكُمْ».

يوحنا ٤: ٢٣ وأعمال ٢٧: ٢٣ وفيلبي ٣: ٣ و٢تيموثاوس ١: ٣ ص ٩: ١ و٢كورنثوس ١: ٢٣ وفيلبي ١: ٨ و١تسالونيكي ٢: ٥

ما جاء في هذه الآية والتي تليها إثبات لما قاله في سروره وشكره من أجلهم.

ٱلَّذِي أَعْبُدُهُ بِرُوحِي أي بالخلوص والقلب لا بالظاهر فقط وذكر ذلك إثباتاً لصدق كلامه.

فِي إِنْجِيلِ ٱبْنِهِ أشار بهذا إلى حقيقة عبادته ونوعها فإن اللاويين كانوا يعبدون الله في خيمة الاجتماع والهيكل لكن بولس عبده بتبشيره بالإنجيل.

شَاهِدٌ لِي استشهد الرسول بكل وقار الله الفاحص القلوب الموجود في كل مكان العالم كل شيء بصدق ما يقوله. وجاء مثل ذلك في (٢كورنثوس ١: ٢٣ وغلاطية ١: ٢٠ وفيلبي ١: ٨).

بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ أَذْكُرُكُمْ بالفكر واللسان كما يتبيّن من الآية التالية وهذا أوضح دليل على اهتمامه بهم وحبه إياهم. فذكر الإنسان غيره بالفكر أو باللسان في معرض الحديث لا يخلو من بيان الاهتمام بالمذكور ولكن ذكره إياه بالصلاة الدليل الأعظم على العناية والمحبة. وبولس صرّح بأنه لم يأت ذلك مرة أو مرتين بل بأنه أتاه دائماً.

١٠ «مُتَضَرِّعاً دَائِماً فِي صَلَوَاتِي عَسَى ٱلآنَ أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي مَرَّةً بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ».

١تسالونيكي ٣: ١٠ ص ١٥: ٢٣ و٣٢ و١تسالونيكي ٣: ١٠ ويعقوب ٤: ١٥

بيّن الرسول لهم في هذه الآية إحدى طلباته التي ما فتئ يطلبها في شأنهم. وعبارته هنا تدل على شدة رغبته في زيارتهم كأنها من أحسن المبتغيات وعلى أنه في ريب من إدراكها لعروض موانع ومصاعب تمنع منها وعلى تسليمه كل الأمر لله مع رجائه أنه ينال مراده بعد قليل.

١١ «لأَنِّي مُشْتَاقٌ أَنْ أَرَاكُمْ، لِكَيْ أَمْنَحَكُمْ هِبَةً رُوحِيَّةً لِثَبَاتِكُمْ».

ص ١٥: ٢٩ و٢كورنثوس ١٣: ١٠

أبان الرسول في هذه الآية علّة رغبته في زيارتهم وهي نفعهم لا لذته.

هِبَةً رُوحِيَّةً أي موهبة مصدرها الروح القدس والقرينة تدل على أنه لم يقصد بها هبة المعجزات والتكلم بالألسنة المذكورة في (١كورنثوس ص ١٢) إنما قصد بها ما ذُكر في (غلاطية ٥: ٢٢ و٢٣).

لِثَبَاتِكُمْ هذه القرينة الدالة على ما ذكرناه من مراده بالهبة لأن المعجزات ليست لثبات المؤمنين بل لإقناع غير المؤمنين. ومعنى ثبات المؤمنين زيادة ثقتهم بصدق الإنجيل ورغبتهم في التقوى وحب الله وإطاعتهم للحق.

١٢ «أَيْ لِنَتَعَزَّى بَيْنَكُمْ بِٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي فِينَا جَمِيعاً، إِيمَانِكُمْ وَإِيمَانِي».

تيطس ١: ٤ و٢بطرس ١: ١

هذه الآية إيضاح للآية التي قبلها وبيان أنه رغب في مشاهدتهم بغية نفعه ونفعهم.

لِنَتَعَزَّى هذا هو النفع المبتغى وهو مشترك. والمراد بالتعزية هنا التنشيط والتشجيع في الجهاد الروحي. وكثيراً ما جاءت التعزية في الإنجيل بمعنى تسكين الحزن في المصائب وهي ليست المقصودة هنا. والروح القدس هو المعزي ومواهبه تقدرنا على العمل بنشاط وسرور كما تقدرنا على احتمال الأرزاء بصبر.

قصد الله أن يعزّي كل من المسيحيين الأُخر لتخفيف الأحزان وتقوية الإيمان وللاجتهاد في الصلاة والنشاط في العمل الروحي حتى أن الرسول الذي علّمه المسيح وعزّاه يمكنه أيضاً أن يتعزى بمسيحيي رومية البسطاء.

١٣ «ثُمَّ لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنَّنِي مِرَاراً كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ، وَمُنِعْتُ حَتَّى ٱلآنَ، لِيَكُونَ لِي ثَمَرٌ فِيكُمْ أَيْضاً كَمَا فِي سَائِرِ ٱلأُمَمِ».

أعمال ١٩: ٢١ وص ١٥: ٢٣ و٢٤ أعمال ١٦: ٧ و١تسالونيكي ٢: ١٨ فيلبي ٤: ١٧

مِرَاراً كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ (انظر أعمال ١٩: ٢١ و٢٣: ١١). وقوله مراراً كثيرة يلزم منه أن كنيسة رومية كانت قد أُنشئت منذ زمن ليس بقصير.

مُنِعْتُ حَتَّى ٱلآنَ (ص ١٥: ٢٠ – ٢٥) لا نعلم ما هي الموانع ولكن لا نعجب من وقوعها لكثرة ما كان على بولس من الأعمال للكنائس التي أنشأها.

لِيَكُونَ لِي ثَمَرٌ فِيكُمْ هذا الثمر هو إرشاد الضالين وتثبيت المهتدين لخلاص النفوس ومجد المسيح.

كَمَا فِي سَائِرِ ٱلأُمَمِ هذا أوضح دليل على أنه كان أكثر كنيسة رومية من الأمم.

١٤ «إِنِّي مَدْيُونٌ لِلْيُونَانِيِّينَ وَٱلْبَرَابِرَةِ، لِلْحُكَمَاءِ وَٱلْجُهَلاَءِ».

١كورنثوس ٩: ١٦

إِنِّي مَدْيُونٌ هذا بيان علّة اشتياقه إلى أن يراهم ويمنحهم هبة روحية وهي أنه مضطر إلى ذلك وهذا على وفق قوله «ٱلضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» (١كورنثوس ٩: ١٦). وكان مضطراً أن يبشر الناس من كل صنف ولسان وعلّة هذا الاضطرار إنما هي أمر المسيح (ع ٥ وأعمال ٢٢: ٢١).

لِلْيُونَانِيِّينَ وَٱلْبَرَابِرَةِ أي جميع أهل الأرض باعتبار اللغة لأن بولس كتب هذه الرسالة في بلاد اليونان وجرى على سننهم في اصطلاح الكتابة. واليونانيون يسمون الذين لا يتكلمون بلغتهم برابرة (١كورنثوس ١٤: ١١).

لِلْحُكَمَاءِ وَٱلْجُهَلاَءِ أي جميع أهل العالم باعتبار مقدار معرفتهم. نعم إن أكثر الذين قبلوا الإنجيل من الجهلاء (١كورنثوس ١: ٢٠ و٢٦ – ٢٨) على أن الإنجيل عُرض على الحكماء أيضاً وقبله بعضهم ومن أولئك الحكماء بولس.

إن مدينة رومية كانت كأنها عالَم بنفسه فيه كثيرون من اليونانيين والبرابرة والحكماء والجهلاء الذي اعتقد بولس أنه مديون لأن يبشرهم.

١٥ «فَهٰكَذَا مَا هُوَ لِي مُسْتَعَدٌّ لِتَبْشِيرِكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ فِي رُومِيَةَ أَيْضاً».

فَهٰكَذَا أي بناء على ما سبق.

مَا هُوَ لِي مُسْتَعَدٌّ فإن امتنعت فالمانع ليس مني بل من الله.

١٦ «لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ ٱللّٰهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ».

مزمور ٤٠: ٩ و١٠ ومرقس ٨: ٣٨ و٢تيموثاوس ١: ٨ و١كورنثوس ١: ١٨ و١٥: ٢ لوقا ٢: ٣٠ – ٣٢ و٢٤: ٤٧ وأعمال ٣: ١٦ و١٣: ٢٦ و٤٦ وص ٢: ٩

لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ في هذا تلميح إلى أن البعض استحوا بالإنجيل لحقارة من جاء به باعتبار حاله على هذه الأرض ولقلة تابعيه وفقرهم وانخفاض منزلتهم ورفض رؤساء اليهود إيّاه وموته على الصليب كمجرم. والذهاب إلى رومية أم مدن العالم للمناداة بالتعليم الذي هو «لليهود عثرة ولليونانيين جهالة» يقتضي أن يكون المنادي على غاية الشجاعة.

لأَنَّهُ هذا علّة نفي الاستحياء بالإنجيل وهو على ما سيظهر تيقن الرسول قيمته ومجده. وأبان تلك القيمة بخمسة أمور:

  • الأول: مصدر الإنجيل وهو الله بدليل قوله «أنه قوة الله».
  • الثاني: «اسم الإنجيل» ومعناه الخبر السار.
  • الثالث: غايته وهي «خلاص» الهالكين.
  • الرابع: كونه «لكل إنسان» لأن البشر كلهم يحتاجون إليه وهو موافق للكل ومقدم للجميع.
  • الخامس: إن «قوة الله» مرافقة له ومقدّرة له على التأثير.

قُوَّةُ ٱللّٰهِ لِلْخَلاَصِ في هذه العبارة أمران الأول أن العامل في الإنجيل هو الله وهو يجعله فعالاً. والثاني أن مفعوله الخلاص أي النجاة من الخطيئة وعقابها ونيل الحياة الأبدية والسعادة. أن كل حكمة بشرية عاجزة عن اختراع طريق للخلاص وكل قوة بشرية عاجزة عن إصابته.

لِكُلِّ هذا نص في أن الإنجيل لكل إنسان بلا التفات إلى أُميّه أو حاله أو خطيئته. وهذا التعليم مما كرهه اليهود كثيراً واضطهدوا بولس على مناداته به لأنهم ظنوا الخلاص لليهود فقط.

مَنْ يُؤْمِن فقط. فالخلاص غير متوقف على الولادة أو المعمودية أو الإقرار باللسان بل على إيمان القلب. والإيمان الذي يؤدي إلى الخلاص يستلزم ثلاثة أمور:

  • الأول: معرفة حقائق الإنجيل التي يجب أن يؤمن بها.
  • الثاني: التسليم بصحتها.
  • الثالث: الاتكال على المخلص المعلن في الإنجيل.

لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً بالنظر إلى وقت التبشير. فليس المعنى أن الإنجيل يناسب اليهودي أكثر من غيره أو أن الله يقصد بالإنجيل اليهود أكثر مما يقصد غيرهم بل هو أن بداءة الإنجيل بين اليهود فإن المسيح وُلد منهم وبشرهم وصنع معجزاته فيهم ومات وقام بينهم وبُشر بالإنجيل اليهود أولاً. والذين بشروا الأمم أولاً هم من اليهود.

ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ المراد باليوناني هنا كل فرد من الأمم وخص اليوناني بالذكر لأن اليونان هم الذين خالطهم اليهود وعرفوهم أكثر من سواهم من الأمم.

١٧ «لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ ٱللّٰهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «أَمَّا ٱلْبَارُّ فَبِٱلإِيمَانِ يَحْيَا».

ص ٣: ٢١ و٢٤ و٢٨ و٣٠ و٤: ٥ و٥: ١ حبقوق ٢: ٤ ويوحنا ٣: ٣٦ وغلاطية ٣: ١١ وفيلبي ٣: ٩ وعبرانيين ١٠: ٣٨

لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ ٱللّٰهِ بِإِيمَانٍ ففاعلية الإنجيل متوقفة على إعلان هذا المبدإ العظيم. وهو موضوع الرسالة. ومعرفة المقصود ببر الله ضرورية للانتفاع منها.

ولنا في هذا البرّ أقوال:

  • أولاً: إنه ليس المراد به هنا صفة من صفات الله كعدله وقداسته كما في (ص ٣: ٥) لأنه متوقف على إيمان الإنسان بدليل قوله أنه برّ الله للإيمان.
  • ثانياً: إنه لا يمكن أن يكون معناه براً مخلوقاً أو مغروساً فينا حتى كأنه منا لأن هذا ينافي كل تعليم الرسالة لتصريحها أنه ليس برنا إنما نُسب إلينا لنيابة غيرنا عنا ولا يمكن أن يكون مكسوباً بأعمالنا لأنه ليس من أعمال الناموس (غلاطية ٣: ٢١ ورومية ٣: ٢٠).
  • ثالثا: إن معناه الجلي البرّ الذي يحسبه الله للإنسان بلا نظر إلى استحقاقه. وقد جاء تفسيره في قول الرسول «لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (٢كورنثوس ٥: ٢١).
  • رابعاً: أنه دعي برّ الله لأن الله أوجده وأعلنه للناس ووضع كل وسائطه ويتمجد به.

وأشار بقوله «معلن» إلى أن ذلك البرّ لا يعرفه الإنسان إلا من وحي الله لأن العقل البشري لا يتصور براً غير ما يستحقه الإنسان بأعماله الصالحة ولأن أصل برّ الله مجرد رحمته تعالى فيكون مما كُتم في قضاء الله إلى أن استحسن الله أن يظهره للإنسان وقد أعلنه له في إنجيله (ص ١٦: ٢٥).

كانت معلنات العهد القديم جزئيات تمهيدية لمعلنات الإنجيل الكاملة.

بِإِيمَانٍ لإِيمَانٍ هذا يعلمنا ما هي الوسيلة التي نحصل بها على ذلك البرّ وهي الإيمان وهذا الإيمان هو اليد التي بها نأخذ هبة الله. ومعنى قوله «بإيمان لإيمان» أي بالإيمان وحده دون غيره من سائر الوسائل فالمسيحي من أول دقيقة يؤمن فيها إلى آخر نسمة من حياته يُبرّر بالإيمان بيسوع المسيح مصلوباً.

كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ الخ هذا الكلام مقتبس من نبوءة حبقوق (حبقوق ٤: ٢) وهو تنبأ سنة ٦٢٠ ق. م وموضوع نبوءته المصائب التي تصيب اليهود في سبي بابل وصرّح لهم أن تلك المصائب لا تدوم لأن الذين يتكلون على الله منهم يحيون ويرجعون إلى بلادهم بالراحة والسعادة. والمبدأ الذي بنى عليه النبي كلامه هو أن الإسرائيلي ينجو ويحيا باتكاله على الله لا باستحقاقه وهو كالمبدإ الذي بنى عليه بولس الرسول كلامه وهو أن المسيحي باتكاله على الله (أي بالإيمان) يحيا إلى الأبد.

فوائد

  • الأولى: إن بعض ما قيل هنا على الرسل يصدق على القسوس وهو عدة أمور:
    1. إنهم خدَم يسوع وسلطان خدمتهم من المسيح لا من الشعب.
    2. إنهم مدعوون لينادوا بالإنجيل وما سوى ذلك من الخدمة الدينية ثانوي ووسيلة إليه.
    3. إن غاية دعوتهم أن يأتوا بالناس إلى طاعة الإيمان.
    4. إنهم عيُنوا لتبشير كل الأمم.
    5. إنه يجب أن تكون خدمتهم كلها إكراماً ليسوع المسيح وتمجيداً لاسمه (ع ١ – ٥).
  • الثانية: إن مبادئ العهد الجديد من مضمون العهد القديم بل هو جوهر تعليمه (ع ٢).
  • الثالثة: إن يسوع المسيح هو الألف والياء في الإنجيل بدليل قوله «عن ابنه» (ع ٣).
  • الرابعة: إن المسيح إله وإنسان معاً لأنه ابن الله وابن داود (ع ٣ و٤).
  • الخامسة: إن يسوع المسيح يستحق أن نوجه صلواتنا إليه وأنه هو مصدر بركاتنا الروحية (ع ٧ و٨).
  • السادسة: إنه على المسيحيين أن يذكروا أنهم «قديسون» منفصلون عن العالم مفروزون عنه فلا يقدرون أن يخدموا العالم وشهواتهم إلا بترك ما يجب عليهم وبإنكار دعوتهم (ع ٧).
  • السابعة: إن القسوس ليسوا بممتازين عن سائر المسيحيين حتى يستغنوا عن مساعدتهم في الروحيات فعليهم أن يتوقعوا الفائدة منهم كما يسعون في إفادتهم (ع ١١ و١٢).
  • الثامنة: إنه يجب على القسوس أن يبشروا الناس بالإنجيل على اختلاف صنوفهم أغنياء وفقراء علماء وجهلاء لأنه يحتاج الجميع إليه (ع ١٤ و١٥).
  • التاسعة: إن الواسطة الوحيدة لخلاص الناس المتضمن مغفرة الخطايا وإصلاح طبيعتهم الأدبي هو الإنجيل. وقد عجزت حكمة البشر مدة أربعة آلاف سنة قبل الميلاد عن استنباط وسيلة للحصول على تينك الغايتين وعجز مثلهم الذين قصدوهما بدون الإنجيل بعد مجيء المسيح (ع ١٦).
  • العاشرة: إن قوة الإنجيل هي في تعليمه بصليب يسوع المسيح أي أن الخاطئ يتبرّر بالإيمان بالفادي المصلوب. لا في جودة تعليمه صفات الله ولا بجودة شريعته الأدبية. فمنكر تعليم التبرير بالإيمان منكر للإنجيل (ع ١٧).

افتقار كل الناس إلى البرّ بالإيمان ص ١: ١٨ – ٣: ٢٠

افتقار جميع الأمم إلى ذلك البرّ ع ١٨ إلى ٣٢

١٨ «لأَنَّ غَضَبَ ٱللّٰهِ مُعْلَنٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ ٱلنَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، ٱلَّذِينَ يَحْجِزُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلإِثْمِ».

أعمال ١٧: ٣٠ وأفسس ٥: ٦ وكولوسي ٢: ٦

لأَنَّ أخذ الرسول هنا يبرهن افتقار الإنسان إلى برّ الله فإنه من البيّن محالية أن يكون غير طريقين للتبرير الأولى الطاعة الكاملة لناموس الله والثانية الإيمان يبسوع المسيح وبرهن الرسول افتقار الناس إلى الثانية باستحالة التبرير بالأولى لأن كل الناس قد خطئوا لتعديهم شريعة الله وتعريضهم أنفسهم لغضبه وعقابه.

والعلاقة بين هذه الآية والتي قبلها هي أنه من اللازم الضروري أن يتبرّر الإنسان بالإيمان لأنه عرضة لوقوع غضب الله عليه.

غَضَبَ ٱللّٰهِ أي إظهار عدله بالعقاب على الإثم. إن الخطيئة تستوجب غضبه لأنها تعد وعصيان وكما أنه تعالى يحب الطهارة لأنه قدوس يبغض الخطيئة لأنه عادل. وكون الله يغضب على الخطأة من أوضح تعاليم الكتاب المقدس وأهولها. وأعلنه الله قبل وقوعه ليحمل الخطأة على الهرب منه إلى الملجإ الذي هو أعدّه. وغاية الفداء إعداد ملجإ من ذلك الغضب بيسوع المسيح ابنه. وغضب الله ليس كغضب الإنسان لأن غضب الإنسان نتيجة حب الذات ولا يخلو من روح البغض والانتقام وهذا كله بعيد عن غضب الله تعالى.

مُعْلَنٌ بسياسته العالم وترتيبه الشقاء على الإثم وبإنذاراته المكتوبة في أسفاره وإنجازه بعضها في هذه الحياة وبحكم الضمير الذي هو نائب الله في الإنسان.

مِنَ ٱلسَّمَاءِ لأنها مسكن الله ومنها يُجري كل مقاصده. وكون ذلك الإعلان من السماء يقتضي أن يكون إلهياً واضحاً ومؤكداً.

فُجُورِ ٱلنَّاسِ هذه إحدى الطرق التي يظهر فيها إثم البشر وهي تعدي الإنسان على حقوق الله كعدم الاكتراث بوجوده تعالى وشرائعه وعيشه بلا محبة ولا خوف ولا شكر ولا عبادة ولا طاعة كأنه ليس من إله.

وَإِثْمِهِمِ هذه طريق ثانية يظهر بها الإنسان خاطئاً وهي تعديه على حقوق بني جنسه فكراً وقولاً وعملاً.

يَحْجِزُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلإِثْمِ المراد «بالحق» هنا كل ما هو صحيح وواجب مما علينا لله وللناس اعتقاداً وعملاً (يوحنا ٣: ٢١ و٨: ٣٢ و٢كورنثوس ٤: ٢ و٢تسالونيكي ٢: ١٢). ومعنى «حجز الحق» هنا منع تأثيره ومقاومته كمعناه في (٢تسالونيكي ٢: ٦ و٧) فالأثمة يصدون حق الله المعلن في ضمائرهم وفي أعماله تعالى وكلامه (قابل بهذا أمثال ٢٠: ٢٧ ومتّى ٦: ٢٢ و٢٣ وأفسس ٤: ١٧ و١٨ وتيطس ١: ١٥).

١٩ «إِذْ مَعْرِفَةُ ٱللّٰهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ ٱللّٰهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ».

أعمال ١٤: ١٧ مزمور ١٩: ١ – ٤

إذا لم يعرف الأمم وجود الله ولا إرادته ولا الواجبات عليهم فلهم عذر عن فعلهم وما قيل في هذه الآية يثبت أنهم بلا عذر.

إِذْ مَعْرِفَةُ ٱللّٰهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ أي معرفة وجوده وصفاته وما يرضيه وما يغيظه من الأعمال. وأراد الرسول بهذه المعرفة ما تستطيع الأمم أن تتوصل إليها بدون أسفار الوحي.

لأَنَّ ٱللّٰهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ بأدلة العقول والضمائر والغرائز الأدبية وبمخاطبته القلوب بروحه.

٢٠ «لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ».

أعمال ١٧: ٢٤ – ٢٨

لأَنَّ أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ أي وجوده وصفاته مثل كونه خالقاً حكيماً كريماً معاقباً على الإثم. وجمع الرسول هذه الصفات في هذه الآية في صفتين قدرته ولاهوته.

تُرَى لا منافاة بين قوله «غير المنظورة» وقوله «تُرى» لأن المراد بغير المنظورة الحقائق الروحية كما ذُكر وهذه لا تراها عين الجسد ولكنها تراها عين الروح. ولم يقل الرسول هنا أن كل الناس يرون تلك الحقائق الروحية بل أنهم يستطيعون ذلك إذا أرادوا. والحق أن أكثرهم لم يكترثوا بها ولم يدركوها لأنهم جسدانيون أغمضوا عيونهم عن نور الحق الروحي.

مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ أي منذ بدء الزمان ومنذ وجود المصنوعات الشاهدة لله ووجود أناس يشاهدونها ويدركون شهادتها.

بِٱلْمَصْنُوعَاتِ أي العالم المادي الذي يدركه الإنسان بالحواس الظاهرة وبالعقل ويتعلم منه الحقائق الروحية.

قُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ أول تأثيرات أعمال الله في الإنسان كالبرق والرعد والزلزلة واضطراب البحر والزوبعة تجعله يتيقن أن الله الذي صنعها ويسوسها قدير. ونعت «قدرته السرمدية» لأنه لا يمكن أن تكون قدرة كقدرة الله ما لم تكن أزليّة أبديّة.

لاَهُوتُهُ أي مجموع صفاته تعالى سوى أنه ذو ثلاثة أقانيم لأن هذا من معلنات الوحي وليس بيانه من غاية الرسول هنا.

حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ على عدم معرفتهم الله وعدم عبادتهم وإطاعتهم إياه لأن الله خلق العالم شاهداً له وخلق ضمير الإنسان كذلك فمن جهله فلا عذر له. وقوله هنا كقوله لأهل ليكأونية (أعمال ١٤: ١٦ و١٧) وقوله لأهل أثينا (أعمال ١٧: ٢٧).

وما أبانه الرسول هنا من إمكان الإنسان أن يدرك الله بالأدلة الطبيعية لا يستلزم أن الضال عنه تعالى يمكنه الرجوع إليه ويخلص بمجرد النور الطبيعي.

٢١ «لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا ٱللّٰهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلٰهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ ٱلْغَبِيُّ».

٢ملوك ١٧: ١٥ وإرميا ٢: ٥ وأفسس ٤: ١٧ و١٨

أقام الرسول هذه الآية دليلاً على أنه لا عذر للأمم على ما ارتكبوه من الآثام لأنهم خالفوا بذلك شهادة النور الطبيعي المنتشر من مصنوعات الله وعصوا ضمائرهم.

لَمَّا عَرَفُوا ٱللّٰهَ أي استطاعوا أن يعرفوا كما أبان في (ع ١٩ و٢٠).

لَمْ يُمَجِّدُوهُ أي لم يفعلوا بمقتضى معرفتهم لأن صفات الله توجب تمجيده على كل من عرضها لما فيها من الجلال والعظمة.

أَوْ يَشْكُرُوهُ على ما وهب لهم من البركات. وجمع الرسول بالتمجيد والشكر كل ما تشتمل عليه دائرة الواجبات الدينية.

بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ أي فعلوا كمن لا عقل له إذ جهلوا الله وأخطأوا في تصوّرهم إيّاه كما يظهر من تقاليد الوثنيين وخرافاتهم الدينية وتماثيلهم.

وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ ٱلْغَبِيُّ أي عميت أذهانهم بتأثير الخطيئة وارتكاب الفواحش وكانت تلك العماية تزيد فيهم تدرجاً فإنهم امتنعوا وهم يعرفون الله عن تأديتهم إياه ما يستحقه من التمجيد والشكر ثم جهلوه وصدقوا تصوراتهم الباطلة وتوغلوا في أودية الغباوة والضلال والخطيئة.

٢٢ «وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاَءَ».

إرميا ١٠: ١٤

يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ افتخر اليونانيون القدماء بحكمتهم وسمّى علماؤهم أنفسهم فلاسفة (أي محبي الحكمة) بدليل ما جاء في (١كورنثوس ١: ١٩ – ٢٢ و٣: ١٩ و٢كورنثوس ١١: ١٩) ولكن كل حكمتهم لم تكن كافية أن تمنحهم القداسة أو الغبطة وأن تحفظهم من الضلالة عن الله وعن طريق عبادته.

صَارُوا جُهَلاَءَ في وقت ادعائهم الحكمة عينه وما ذلك إلا لأن الخطيئة أعمت أذهانهم ولم يهتدوا بالنور الإلهي وأظهروا جهلهم بآرائهم وأعمالهم كما سيُذكر.

٢٣ «وَأَبْدَلُوا مَجْدَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَفْنَى، وَٱلطُّيُورِ، وَٱلدَّوَابِّ، وَٱلزَّحَّافَاتِ».

تثنية ٤: ١٦ الخ ومزمور ١٠٦: ٢٠ وإشعياء ٤٠: ١٨ و٢٥ وإرميا ٢: ١١ وحزقيال ٨: ١٠ وأعمال ١٧: ٢٩

هذه الآية من الأدلة على جهلهم.

أَبْدَلُوا في عبادتهم.

مَجْدَ ٱللّٰهِ أي الله المجيد.

ٱلَّذِي لاَ يَفْنَى أي لا يزول ولا يتغير.

بِشِبْهِ صُورَةِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَفْنَى لا ريب في أنه جهل تمثيلهم الروح الأزلي الذي لا يُرى بصورة مادية على أنهم لم يكتفوا في جهلهم بأن يبدلوا الإله الأبدي المجيد بالإنسان الزائل بل اتخذوا بدله شبه الإنسان أي تمثالاً على هيئته لا حس له ولا حياة. ولا ريب في أن الرسول ذكر وهو يكتب هذا كثرة التماثيل التي شاهدها في أثينا حيث كان يلتفت (أعمال ١٧: ٢٠).

وَٱلطُّيُورِ عبد المصريون صنفاً من اللقلق يسمى بالإبس (Ibis) والباشق وعبد الرومانيون النسر.

وَٱلدَّوَابِّ كان من معبودات المصريين الثور باسم أبيس (Apis) ومنها الكلب باسم (Canubis) والتمساح والخنفساء (Scarabaeus).

وَٱلزَّحَّافَاتِ منها الحية من معبودات المصريين.

كان أكثر تماثيل اليونانيين على هيئة الطيور والبهائم. وكانت تماثيل الرومانيين على هيئة ما عبده اليونانيون والمصريون.

اعتبر أكثر الوثنيين تماثيلهم آلهة فعبدوا التماثيل عينها. وادعى بعضهم أنها إشارات إلى الآلهة وأنهم لم يعبدوها وإنما عبدوا المشار إليهم بها. لكن الأسفار المقدسة لم تفرّق بين الفريقين ومنعت عبادة الأصنام على الاعتبارين.

اتخذ بولس تفشي العبادة الوثنية في العالم مع أن الله أظهر للناس وجوده وصفاته بأعماله دليلاً على فجورهم وكونهم عرضة لغضب الله. ثم برهن في سائر هذا الأصحاح إثمهم بارتكابهم أفظع الرذائل وأن ذلك كله عاقبة تركهم الإله الحق.

٢٤ «لِذٰلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى ٱلنَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ».

مزمور ٨١: ١٢ وأعمال ٧: ٤٢ وأفسس ٤: ١٨ و١٩ و٢تسالونيكي ٢: ١١ و١٢ لاويين ١٨: ٢٢ و١كورنثوس ٦: ١٨ و١تسالونيكي ٤: ٤ و١بطرس ٤: ٣

لِذٰلِكَ أي لأنهم تركوا الإله الحق وعبدوا الأصنام تركهم الله ليرتكبوا ما شاءوا من الرذائل عقاباً لهم على تركهم إياه وبيان ذلك في بقية هذا الأصحاح. ويتضح في ما يأتي أمران:

الأول: إن الإنسان يعمل باختياره وهو يفضّل الخطيئة على البرّ وعبادة الأوثان على عبادة الله بالروح والحق.

الثاني: إن الله يعاقب الإنسان على رفضه الحق بتركه إياه يتمرّغ في حمأة الإثم والرذيلة.

أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ أي لم يمنعهم عن ارتكاب الفظائع. وهذا لا يلزم منه البتة أن الله قادهم إلى الإثم أو أجازه لهم. وإسلامه أياهم لذلك ليس إلا عقاباً لهم على رفضهم الحق. وإمساك الله نعمته عن الإنسان من شر المصائب على الإنسان لأنه الله يتركه بذلك تحت سلطان شهواته. والطرق التي يمنع الله بها الإنسان عن الخطيئة هي أنه يجعل في قلبه الخوف من العواقب قبل أن يخطأ والندامة بعده. وقد يجعل حياءه من الناس وسيلة إلى منعه من الإثم وكثيراً ما يمنعه منه بفعل روحه القدوس. فترك الله استعمال هذه الوسائط هو «الإسلام» المذكور هنا.

فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ أي أميالهم الطبيعية دون كابح من العقل والضمير.

إِلَى ٱلنَّجَاسَةِ التي تقود إليها شهوات القلب بلا رادع من النفس. فترك الله إيّاهم هو فعله وأما النجاسة فهي ثمرة فعلهم. ولا عجب من أنهم صاروا كالبهائم في أعمالهم بعد ما اتخذوا البهائم آلهة لهم.

لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ إن الطهارة إكرام للجسد وسيادة العقل والضمير على الشهوات مما يليق بمن خُلق على صورة الله. وأما النجاسة فهي ذل وضعة وعبودية للأهواء التي يشارك الإنسان فيها البهائم.

ذكر بولس ما ارتكبه الأمم من أضداد الطهارة دون غيره من الآثام كالسرقة والقتل دليلاً على سقوطهم في الخطيئة واحتياجهم إلى الإنجيل والتبرير لثلاثة أسباب:

  • الأول: إن عبادة الأوثان في كل الأمكنة والأزمنة لم تنفك مقترنة بالزنى وكثيراً ما كان جزءاً من العبادة الوثنية وكثيراً ما كانت هياكل الأوثان بيوتاً للعواهر. وكان كثيرون من آلهتهم شهوات جسدية مشخصة. وأكثر تراجم آلهتهم قصص غرامية فيها كثير من تحيُّل أولئك الآلهة توصلاً إلى الفسق. وكل ما تُعّدي به الوصية الأولى والثانية من الوصايا العشر فلا بد من أن يُتعدى به الوصية السابعة.
  • الثاني: إن الخطايا التي هي ارتكاب أضداد الطهارة أشد إذلالاً لمرتكبيها.
  • الثالث: إن تلك الخطايا اشتهر بها الوثنيون وامتازوا بها أكثر مما بغيرها من الآثام بدليل ما قاله مؤرخوهم.

٢٥ «ٱلَّذِينَ ٱسْتَبْدَلُوا حَقَّ ٱللّٰهِ بِٱلْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا ٱلْمَخْلُوقَ دُونَ ٱلْخَالِقِ، ٱلَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى ٱلأَبَدِ. آمِينَ».

١تسالونيكي ١: ٩ و١يوحنا ٥: ٢٠ إشعياء ٤٤: ٢٠ وإرميا ١٠: ١٤ و١٣: ٢٥ وعاموس ٢: ٤

معنى هذه الآية كمعنى الآية الثالثة والعشرين بتغيير اللفظ.

حَقَّ ٱللّٰهِ أي الله الحق.

بِٱلْكَذِبِ أي الآلهة الكاذبة. ومبادئ الوثنية كلها كذب ومنها أنهم صوروا بتماثيلهم من لم يتصور لأنه روح أزلي وعدّدوا الآلهة والله واحد.

اتَّقَوْا وَعَبَدُوا أشار «بالتقوى» إلى خدمة النفس للمعبود في الباطن «وبالعبادة» إلى خدمته في الظاهر بالرسوم والذبائح والصلوات والترنيمات والركوع والسجود وأمثال ذلك.

ٱلْمَخْلُوقَ كالأجرام السماوية والحيوانات والأنهر والعناصر الخ.

دُونَ ٱلْخَالِقِ أي بلا التفات إليه.

ٱلَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ الخ أظهر الرسول بهذا احترامه لله وتنزيهه عن العبادة الوثنية التي يبغضها وما يتعلق بها حتى ذكرها. فكأن إهانة الوثنيين له تعالى دعت عبدته إلى تسبيحه جهاراً. وأتى الرسول مثل هذا في (ص ٩: ٥ و٢كورنثوس ١١: ٣١ وغلاطية ١: ٥).

٢٦، ٢٧ «٢٦ لِذٰلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ إِلَى أَهْوَاءِ ٱلْهَوَانِ، لأَنَّ إِنَاثَهُمُ ٱسْتَبْدَلْنَ ٱلٱسْتِعْمَالَ ٱلطَّبِيعِيَّ بِٱلَّذِي عَلَى خِلاَفِ ٱلطَّبِيعَةِ، ٢٧ وَكَذٰلِكَ ٱلذُّكُورُ أَيْضاً تَارِكِينَ ٱسْتِعْمَالَ ٱلأُنْثَى ٱلطَّبِيعِيَّ ٱشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ ٱلْفَحْشَاءَ ذُكُوراً بِذُكُورٍ، وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ ٱلْمُحِقَّ».

لاويين ١٨: ٢٢ و٢٣ وأفسس ٥: ١٢ ويهوذا ١٠

في هاتين الآيتين بيان ما في الآية الرابعة والعشرين من إهانة أجسادهم وتثبيت له وتكرار لقوله أن ذلك عقاب لهم على كفرهم بالله.

لِذٰلِكَ أي لاستبدالهم حق الله بالكذب.

أَسْلَمَهُمُ هذه مرة ثانية أبان الرسول أن ترك الله الوثنيين لشهواتهم عقاب لهم على تركهم إياه.

إِلَى أَهْوَاءِ ٱلْهَوَانِ أي أفظع الرذائل غير الطبيعية وذكرها الرسول بياناً لحاجة الأمم إلى وسائط التبرير التي ليست في الشرائع الطبيعية.

والبراهين على صحة ما قاله بولس على خطايا الأمم في عصره كثيرة في مؤرخي ذلك العصر ومنها الصور الباقية على جدران مساكنهم التي أُكتشفت حديثاً في آثار هركولانيوم وبمبي في إيطاليا وكانتا مردومتين بما قذف به جبل يزوف سنة ٧٩ ب. م.

لأَنَّ إِنَاثَهُمُ الخ ذكر رذائل النساء أولاً لأن العفة زينة المرأة الخاصة (١تيموثاوس ٢: ٩) ولأن خلوّ المرأة منها حُسب شراً من خلوّ الرجل منها ولأن دناءة المرأة أوضح برهان على الدناءة العامة لأنها هي آخر من تفسد أخلاقه ويفقد عفته.

وَكَذٰلِكَ ٱلذُّكُورُ… فَاعِلِينَ ٱلْفَحْشَاءَ كما فعل أهل سدوم وعمورة اللتين أمطر الله عليهما ناراً من السماء وأهلكهما. وحاكوا الكنعانيين في آثامهم التي قذفت الأرض بهم من أجلها.

نَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ ٱلْمُحِقَّ هذه مرة ثالثة صرّح الرسول بأن دناءتهم الأدبية نتيجة ابتعادهم عن الله. وكان بعض ذلك الجزاء جسدياً وبعضه عقلياً وبعضه أدبياً وكله ثمر خطيئتهم نفسها.

٢٨ «وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا ٱللّٰهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ».

أفسس ٥: ٤

لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أراد الرسول بذلك أنهم ضلوا وأثموا باختيارهم فلم يكن لهم من عذر.

أَنْ يُبْقُوا ٱللّٰهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ هذا يدل على أنهم كانوا يعرفون الله بمصنوعاته لكنهم أهملوا التأمل في تلك المصنوعات وقبول أدلتها ففقدوا تلك المعرفة باختيارهم وحسبوها بلا نفع ورأوا الدين فضلة وتركها خير من التمسك بها. فنتج من ذلك أن تسليم الله إياهم إلى العماية والعبودية لفواحش الشهوات لم يكن سوى عقاب عادل.

أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ كرّر هذا ثلاثاً وأبان أنهم أسلموا في كل منها إلى حال أدنأ من التي قبلها. ففي ع ٢٤ أن الله أسلمهم لسلطة شهواتهم الطبيعية بلا رادع من العقل. وفي ع ٢٦ أنه أسلمهم لعبودية شهوات غير طبيعية معيبة. وفي هذه الآية أنه أسلمهم إلى فساد العقل والأداب حتى لم يستطيعوا التمييز بين الخير والشر والحق والكذب والحلال والحرام وهذا مفاد قوله.

ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ كخبث المعدن الذي ينفيه الكير ولا منفعة منه.

لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ بالإنسان الذي خلقه الله على صورته. وأمور «ما لا يليق» ذكرها الرسول في الآيات الآتية.

٢٩ «مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِناً وَشَرٍّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَداً وَقَتْلاً وَخِصَاماً وَمَكْراً وَسُوءاً».

جمع في هذه الآية واللتين بعدها الخطايا التي أظهر الأمم بارتكابها عجزهم عن التبرّر بأعمالهم وافتقارهم إلى تبرير الله بالإيمان. ولم يقصد الرسول بنسبته هذه الخطايا إلى الأمم نفي ارتكاب غير الأمم إياها ولكنه إراد بيان توغلهم فيها وإكثارهم منها وارتكابهم إياها بلا خجل ولا عذر ثم افتخارهم بها ثم تبريرهم مرتكبيها. وما كتبه الرسول من آثامهم ليس إلا بعض ما كتبه المؤرخون اليونانيون والرومانيون منها في عصر بولس.

مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ هذا يدل على أنه لم يبقَ موضع للفضيلة في قلوبهم لأن رذائلهم شغلت كل أفكارهم وقواهم وأعمالهم.

إِثْمٍ هذا يعم كل الخطايا وما بعده تفصيل لها.

زِناً امتاز الأمم بارتكاب هذا الإثم ولم يحسبوه إثماً.

شَرٍّ ميل الإنسان إلى إضرار غيره.

طَمَعٍ اشتهاء الإنسان مال غيره. اشتهر الرومانيون بالطمع وهو علّة أكثر حروبهم استولوا به على أكثر العالم.

خُبْثٍ المسرّة بالشر لمجرد محبة الشر وهو ضد الفضيلة.

حَسَداً حزن الإنسان على خير غيره فيقوده إلى أن يبغضه ويفرح بضرره.

قَتْلاً هذا من نتائج الحسد وكان الرومانيون يستخفون بالحياة الإنسانية ولا يكترثون بمن يقتلون في الحرب ويذبحون من الأسرى. وكانوا يقتلون عبيدهم على أقل سبب. وكانوا يعرضون ربوات كثيرة من الشر في الملعب فيقتل بعضهم بعضاً وتقتل بعضهم الوحوش لمجرد اللهو والمشاهدة. وكانوا كثيراً ما يطرحون أطفالهم في البرية تخلصاً من تعب تربيتهم فيموتون جوعاً أو تأكلهم الوحوش.

خِصَاماً أي استعداداً للخصام في كل وقت وإتيانه لأقل علّة.

مَكْراً المكر هنا الخداع بكل أنواعه. دعا أحد الرومانيين صديقاً له إلى رومية فاعتذر له عن عدم مجيئه بقوله «لا أقدر أن أكذب فكيف يمكنني أن أحيا في رومية» كأن الخداع عام أهلها. ومثل هذا شهادة بأهل كريت (تيطس ١: ١٢).

سُوءاً فساد القلب الحامل على الشرّ.

٣٠ «نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ لِلّٰهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُوراً، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ».

نَمَّامِينَ متكلمين على غيرهم في غيبته بما يضره حين لا يستطيع أن يدفع عن نفسه.

مُفْتَرِينَ متكلمين كذباً على غيرهم في حضرته.

مُبْغِضِينَ لِلّٰهِ دليل بغض الأمم لله هو تركهم إياه وعبادتهم الأوثان واضطهادهم عبدته المسيحيين وحسب الناس ذلك أصغر الخطايا وهو أكبرها.

ثَالِبِينَ عائبين غيرهم بلا حق ولا حياء.

مُتَعَظِّمِينَ متكبرين محتقرين من سواهم. كان اليونانيون يتعظمون بما أدركوه من العلوم والرومانيون بما أصابوه من السلطان.

مُدَّعِينَ ناسبين إلى أنفسهم ما ليس لهم من الفضائل والصلاح.

مُبْتَدِعِينَ شُرُوراً أي مخترعين ما يلذ لهم من الرذائل وما يضر غيرهم وما يفسد التعاليم الصالحة.

غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ على خلاف النور الطبيعي الحامل الإنسان على طاعة والديه قبل أن يسمع الوحي. وإذا كان ما ذُكر خطايا الكبار فلا عجب من أن تكون هذه من جملة خطايا الصغار. فلم يرتكب صغار الأمم وحدهم تلك الخطيئة بل ارتكبها الكبار أيضاً بطرحهم الشيوخ والعجائز في البرية ليهلكوهم فيستريحوا من خدمتهم.

٣١ «بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضىً وَلاَ رَحْمَةٍ».

بِلاَ فَهْمٍ غير مستعملين عقولهم ليعرفوا الله وما يجب عليهم له.

وَلاَ عَهْدٍ هذا من أردإ أنواع الكذب وأكثرها إضراراً لما ينسخ من الأمن والسلام.

وَلاَ حُنُوٍّ المراد بالحنو هنا المودة الطبيعية بين الأقارب. وكان الكنعانيون بلا حنو بدليل قول النبي «ذَبَحُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ لِلأَوْثَانِ وَأَهْرَقُوا دَماً زَكِيّاً، دَمَ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمِ ٱلَّذِينَ ذَبَحُوهُمْ لأَصْنَامِ كَنْعَانَ» (مزمور ١٠٦: ٣٧ و٣٨) وتمثل بهم منسى (٢أيام ٣٣: ٦).

وَلاَ رِضىً أي كانوا شرسين.

وَلاَ رَحْمَةٍ للفقراء والمصابين والأسرى والعبيد بل إنهم لم يرحموا أطفالهم ولا شيوخهم كما ذُكر أنفاً.

٣٢ «ٱلَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ ٱللّٰهِ أَنَّ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هٰذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ ٱلْمَوْتَ، لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً يُسَرُّونَ بِٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ!».

ص ٢: ٢ ص ٦: ٢١ مزمور ٥٠: ١٨ وهوشع ٧: ٣

عَرَفُوا حُكْمَ ٱللّٰهِ بشهادة ضمائرهم وبيّنات سياسته للعالم واختبارهم أن الله يعاقب الخطأة على آثامهم. والمراد «بحكم الله» إثابة الأخيار ومعاقبة الأشرار.

يَسْتَوْجِبُونَ ٱلْمَوْتَ صرّح الرسول هنا أن الأمم عرفوا أنهم يستحقون العقاب على خطاياهم وأنهم عرضة لغضب الله عدلاً فلم يبق لهم عذر. والمراد «بالموت» هنا القصاص في الدنيا وفي الآخرة.

لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ حين تشتد التجربة ويهيج الغيظ والشهوة ولا يبقى للعقل من فرصة ليحكم بالصواب فيفعل الإنسان ما يندم عليه.

يُسَرُّونَ بِٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ أي يرتضون بمرتكبي الآثام المذكورة ولا يكتفون بذلك حتى أنهم يمدحونهم على آثامهم ويفرحون بهم وهذا أسفل دركات الشر لأن الشرير يعتذر غالباً عن ذنوبه ويبرّر نفسه لأن شهواته تعمي بصيرته ولكنه لا يزال يحكم بالصواب على غيره ممن فعل مثل فعله ويخطئه ويلومه. فإن بلغ الحد الذي لا يلوم عنده نفسه ولا غيره على شيء من تلك الآثام فقد أضاع كل الطبيعة الأدبية التي خلقها الله فيه فصار عنده الشر خيراً والظلمة نوراً.

فوائد

  1. إن الله لم يترك نفسه قط بلا شاهد للمخلوقات العاقلة بأمور طبيعته وإرادته وهو مصنوعاته والضمائر فلم يكن للوثنيين من عذر على عبادتهم الأوثان وتوغلهم في الرذائل (ع ١٩ و٢٠ و٣٢).
  2. إن أصل الضلال الديني فساد القلب فعلّة جهل الناس الله وواجباتهم عدم إرادتهم أن يُبقوا الله في معرفتهم (ع ٢١ و٢٨).
  3. إنه إن كان الوثنيون بلا عذر أمام الله وقد استوجبوا القصاص على خطاياهم لمخالفتهم الشريعة الطبيعية الضعيفة فكم يستوجب الذين يخالفون شريعة الوحي القوية الكاملة من الدينونة والعقاب (ع ٢٠).
  4. إنه قد تحقق أن النور الطبيعي غير كاف لإرشاد الوثنيين إلى معرفة الله وإلى القداسة فوجب أن نهتم كل الاهتمام بإرسالنا إليهم أسفار الوحي التي استؤمنا عليها (ع ٢٠ – ٢٣).
  5. إن الذي يقينا السقوط في أفظع الخطايا هو الله لا حكمتنا ولا قوتنا ولا عزمنا فيجب علينا أن نعتبر نزع الروح القدس منا من أعظم المصاب وأشد العقاب (ع ٢٤ – ٢٨).
  6. إنه كما أن السرور بالصالحين وأعمالهم يزيدنا قداسة كذلك السرور بالأشرار وأفعالهم يجعلنا مثلهم بل شراً منهم (ع ٣٢).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى