كورنثوس الأولى

الرسالة الأولى إلى كورنثوس | 16 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة الثانية إلى كورنثوس

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح السادس عشر

كان المؤمنون في أورشليم لعلة غير محققة في ضيقة لم يكن فيها غيرهم من المسيحيين ولذلك كثيراً ما طلب بولس جمع الإحسان لكنيسة أورشليم وهنا سأل مسيحي كورنثوس ذلك. ظن بعضهم علة تلك الضيقة اشتراكهم في المقتنيات الذي أتوه في أول أمرهم (أعمال ٢: ٤٤ و٤٥) ثم جعلوه مبدأ لهم (أعمال ٤: ٣٢ – ٣٥). واستمرارهم على ذلك نحو ثلاثين سنة أدى بهم إلى الفقر لأنه يتعذر نجاح هذا الاتفاق إلا بشرط أن يكون كل أعضاء الكنيسة خالين من الطمع وحب الطمع وحب الذات والكسل وقصة حنانيا وسفيرة دليل على أن لم يكن كل أولئك الأعضاء خالصين من الغايات النفسانية ولكن هل ذلك على فقرهم الحقة لا نعلم. إنما نعلم أن العلة كانت مرة المجاعة التي حدثت في أيام كلوديوس قيصر وأنبأ بها قبل حدوثها أغابيوس النبي فجمع كنائس سورية الإحسان دفعاً لها وأن مقاومة شيوخ اليهود ورؤساء كهنتهم للمسيحيين كانت شديدة جداً في أورشليم. ولا ريب في أن ذلك منعهم من النجاح في الدنيويات ولا سيما أن رجالهم طرحوا في السجون كثيراً ولا يخفى ما ينتج عن ذلك من الفقر. ومما علمناه كثرة الخصومات بين اليهود والرومانيين التي أدت إلى الحرب بعد عشر سنين من كتابة هذه الرسالة وذلك في سنة ٦٧ للميلاد ثم إلى حصار أورشليم وخرابها في سنة ٧٠ ب. م ولا ريب في أن مثل هذه الأحوال علة للمنع من النجاح في أمور الدنيا. ومهما كانت العلة فإن كنيسة أورشليم حين كتب بولس هذه الرسالة كانت في حاجة إلى المساعدة المالية فاجتهد أن يجمع لها ما تحتاج إليه من متنصري الأمم مع متنصري اليهود في أورشليم لم يكونوا يحبون بولس لإدخاله مؤمني الأمم الكنيسة المسيحية قبل أن يتهودوا.

وسأل مؤمني كورنثوس أن يجمعوا كل يوم من أيام الرب ما يستطيعونه ليكون معداً عند مجيئه إليهم (ع ١ و٢).

ووعد أن يرسل الإحسان إلى أورشليم مع من يختارونهم وأنه يرافقهم إذا استحسنوا (ع ٣ و٤).

وأخبرهم بقصد الذهاب إلى مكدونية بعد قليل وأنه يشتّي عندهم وأنه يرجح أن عمل الرب في أفسس يعيقه هناك فيبقى فيها إلى عيد الخمسين (ع ٥ – ٩).

وذكر تيموثاوس وأبلوس فسألهم في شأن الأول الثقة به ومعاملتهم إياه على طريق يكون فيها بلا خوف بينهم (ع ١٠ و١١).

وقال في شأن الثاني أنه ألح عليه الذهاب إلى كورنثوس وأنه أبى ذلك في أول الأمر ثم عزم على أن يذهب إليه في وقت مناسب (ع ١٢ – ١٤).

ثم أوصاهم أن يخضعوا لبيت استفانوس وأمثالهم في خدمة الرب (ع ١٥ و١٦).

وأبان سروره بمواجهة الإخوة الذين أتوا إلى أفسس من كورنثوس وأرسل تحياته وتحيات من معه إلى مؤمني أخائية (ع ١٧ – ٢٠).

ثم ختم الرسالة بخط يده إثباتاً أنها منه وحثهم على محبة المسيح ببيان اللعنة التي عرض من لا يحبونه نفوسهم لها (ع ٢١ – ٢٤).

١ «وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ ٱلْجَمْعِ لأَجْلِ ٱلْقِدِّيسِينَ فَكَمَا أَوْصَيْتُ كَنَائِسَ غَلاَطِيَّةَ هٰكَذَا ٱفْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضاً».

أعمال ١١: ٢٩ و٢٤: ١٧ ورومية ١٥: ٢٦ و٢كورنثوس ٦٨: ٤ و٩: ١ و١٢ وغلاطية ٢: ١٠

ٱلْجَمْعِ لأَجْلِ ٱلْقِدِّيسِينَ هذا يدل على أنه خاطبهم قبلاً في ذلك إما برقيم وإما بواسطة رسول ويتضح الواقع مما كتبه بعد هذا الوقت بقليل (سنة ٥٨). إلى أهل رومية وهو قوله «الآن أنا ذاهب إلى أورشليم لأخدم القديسين لأن أهل مكدونية وأخائية استحسنوا أن يصنعوا توزيعاً لفقراء القديسين الذين في أورشليم». والمراد «بالقديسين» هنا مؤمنو كنيسة أورشليم وكانت تلك الكنيسة أم الكنائس المسيحية وفي حاجة إلى المساعدة فمشاركة متنصري الأمم لها في البركات الروحية أوجب عليهم أنهم يشاركونها في بركاتهم الجسدية. ورغب بولس في جمع الإحسان منهم لثلاث غايات:

  • الاولى: أنه كان من أسباب فقرهم بما أتاه من اضطهادهم قبل إيمانه.
  • الثانية: أنه رأى ذلك وسيلة إلى إزالة ريب مسيحي أورشليم في متنصري الأمم وجذب قلوبهم إليهم.
  • الثالثة: إجابة طلب الرسل في أورشليم «أن نذكر الفقراء» (غلاطية ٢: ١٠).

كَمَا أَوْصَيْتُ كَنَائِسَ غَلاَطِيَّةَ الأرجح أنه أوصاهم بذلك يوم زارهم (أعمال ١٨: ٣) وهذا لم يذكره في رسالته إليهم. ونعلم مما نذكر في مواضع أُخر من رسائله أنه ترك لهم مقدار ما يتبرعون به وأنه طلب أن يكون «العطاء بسرور» (٢كورنثوس ٩: ٧). ومع ذلك أوجب عليهم أن لا يغفلوا عن ذلك وأبان لهم أفضل الطرق للجمع. وكان إنكار الذات والسخاء من جملة الفضائل التي امتاز بها المسيحيون الأولون.

هٰكَذَا ٱفْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضاً أي اجمعوا الإحسان كما جمعه أهل كنائس غلاطية وأبان طريق ذلك في الآية التالية.

٢ «فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ، خَازِناً مَا تَيَسَّرَ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ لاَ يَكُونُ جَمْعٌ حِينَئِذٍ».

أعمال ١٠: ٧ ورؤيا ١: ١٠

في هذه الآية طريق الجمع التي أشار بها وهي تشتمل على ثلاثة أمور:

  1. أن يكون ذلك الجمع في كل يوم من أيام الرب.
  2. أن يشترك كل منهم فيه.
  3. أن يكون العطاء بقدر استطاعة المعطي.

فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ في هذا بعض الأدلة على أن الكنيسة حفظت أول يوم من الأسبوع مقدساً بدلاً من السابع وفيها دليل على أنهم اتخذوا الأحد يوم اجتماع للعبادة كما صنع مسيحيو ترواس (أعمال ٢٠: ٧). وأشار إليه يوحنا الرسول بتسميته يوم رأى رؤياه «يوم الرب» (رؤيا ١: ١٠) وأكرمه المسيح نفسه بقيامته وظهوره للتلاميذ فيه (ص ٢٠: ١٩ و٢٦). و أهمية قيامة المسيح جعلته أنسب ما يخصص من الأيام لتذكارها. وابتدأت الكنيسة تقدسه حالما قام المسيح واستمرت على ذلك والرسل موجودون بينها وكانت مع الرسل تُقاد بالروح القدس وما ذُكر يحقق لنا أن حفظ الكنيسة له منذ القيامة إلى اليوم كان بأمر إلهي.

لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ رغب الرسول في أن الجمع لا يكون من الأغنياء القليليين وحدهم بل في أن يكون من كل عضو من أعضاء الكنيسة واعتبر ذلك من وسائل النفع الروحي للمعطي وتوثيق عرى المودة بينه وبين المعطي ومن الأدلة على قدرة الإنجيل أن يجعل الناس ينكرون أنفسهم لينفعوا غيرهم والمسببات الشكر والحمد لله كما ذُكر في (٢كورنثوس ٩: ١٢ – ١٤). وتعويد الأولاد منذ الطفولة على تقديم القرابين للرب من أفضل الوسائل إلى جعلهم كرماء ورحماء ومنكري نفوسهم كل أيام حياتهم. ومعنى قوله «ليضع عنده» أنه يقف بعض ماله للرب للنفقة على فقرائه. ولم يقل أين يخزنه ولكن طلبه أن يكون الجمع قد تم عند وصوله وأن يكون المجموع حاضراً يدل على أن الجمع كان في الكنيسة وأن المال كان يُخزن في خزينتها لأنه إذا فرضنا أن كل مؤمن بعد وصوله على خلاف ما طلبه.

وجمع قليل كل أسبوع أفضل طريق لجمع مال الإحسان لأن ذلك القليل يكثر بعد بضعة أشهر والمعطي يقدر على إعطاء ما يعسر عليه أن يعطيه دفعة وبذلك يعتاد الإنسان أن يقرن السخاء بالعبادة كقوله تعالى في الإسرائيليين «لا يظهروا أمامي فارغين» (خروج ٢٣: ١٥).

مَا تَيَسَّرَ أي على قدر نجاحه في الدنيويات فإنه عليه أن يحسن إلى غيره كما أحسن الله إليه فقدرته مقياس هبته لإعطاء غيره. وهذا يمنع المعطي من الافتخار إن أكثر ومن الحياء إن أقل. وما جعله بولس في ذلك قانوناً لمؤمني كورنثوس يجب أن يكون قانوناً لكل مسيحي في كل مكان وزمان.

إِذَا جِئْتُ لاَ يَكُونُ جَمْعٌ حِينَئِذٍ أراد أن يشغل كل وقته بينهم بالروحيات لنفع نفوسهم لا بالماليات.

٣ «وَمَتَى حَضَرْتُ، فَٱلَّذِينَ تَسْتَحْسِنُونَهُمْ أُرْسِلُهُمْ بِرَسَائِلَ لِيَحْمِلُوا إِحْسَانَكُمْ إِلَى أُورُشَلِيمَ».

٢كورنثوس ٨: ٤ و٦ و١٩

لم يرد بولس أن يأخذ ذلك المال إلى أورشليم ولا أن يختار من يحمله إليها بل ترك للكنيسة أن تختار الذين تستحسنهم فيرسلهم به ووعد أن يصحبهم برسائل منه. وحسن أن يرسلهم بولس لأنه هو الذي كان سبب جمع الإحسان وأول من فكر فيه وبذل جهده في تحصيله. وعلة امتناعه عن أن يتسلم المال دفع أن يظن أحد أنه يختلس شيئاً منه (٢كورنثوس ٨: ٢٠ و٢١).

٤ «وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ أَنْ أَذْهَبَ أَنَا أَيْضاً، فَسَيَذْهَبُونَ مَعِي».

٢كورنثوس ٨: ٤ و١٩

مراده بهذا أنه مستعد أن يرافق الرسل إذا كان ما جمعوه كثيراً يستحق أن يعتني به معهم. أنه قصد أن يذهب إلى أورشليم بعدما جال في مكدونية وأخائية (أعمال ١٩: ٢١ و٢٠: ٣). وكان يمكنه أن يسرع أو يبطئ ليرافق أولئك إذا دعا إلى ذلك داع كافٍ.

٥ «وَسَأَجِيءُ إِلَيْكُمْ مَتَى ٱجْتَزْتُ بِمَكِدُونِيَّةَ، لأَنِّي أَجْتَازُ بِمَكِدُونِيَّةَ».

أعمال ١٩: ٢١ و٢كورنثوس ١: ١٦

هذا خلاف قصده الأول الذي ذكره في (١كورنثوس ١: ١٥ – ١٧). فإنه قصد وقتئذ أن يأتي من أفسس إلى كورنثوس رأساً ثم يذهب إلى مدن مكدونية شمالي كورنثوس ويرجع إلى كورنثوس ويذهب منها إلى اليهودية لكنه غيّر قصده وذهب إلى مكدونية أولاً وعلة ذلك شفقته عليهم لكي لا يأتيهم حزيناً موبخاً وهذا التغير جعل اعداءه يعيرونه بالتقلب والخفة كأنه ممن لا يوثق بهم (٢كورنثوس ١: ٢٣ و٢: ١).

٦ «وَرُبَّمَا أَمْكُثُ عِنْدَكُمْ أَوْ أُشَتِّي أَيْضاً لِكَيْ تُشَيِّعُونِي إِلَى حَيْثُمَا أَذْهَبُ».

أعمال ١٥: ٣ و١٧: ١٥ و٢١: ٥ ورومية ١٥: ٢٤ و٢كورنثوس ١: ١٦

وَرُبَّمَا أَمْكُثُ… أَوْ أُشَتِّي قصد أن يشغل وقتاً قصيراً في مكدونية ويمكث مدة عندهم. ونعلم من سفر الأعمال أنه ترك أفسس بعد سجس فيها وذهب إلى مكدونية ثم إلى أخائية (أي إلى كورنثوس قصبتها) ومكث هنالك ثلاثة أشهر (أعمال ٢٠: ٢ و٣) وترك كورنثوس في الربيع (أعمال ٢٠: ٦) فتم ما أراد من تشتيه هناك.

لِكَيْ تُشَيِّعُونِي إلخ أي تسيروا معي بعض الطريق كما اعتاد الإخوة في كل مدينة بشر فيها. وكانوا يأتون ذلك حباً وكرامة (أعمال ١٥: ٣ و٢٠: ٣٨ و٢١: ٥ ورومية ١٥: ٢٤ و٢كورنثوس ١: ١٦).

٧ « لأَنِّي لَسْتُ أُرِيدُ ٱلآنَ أَنْ أَرَاكُمْ فِي ٱلْعُبُورِ، لأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَمْكُثَ عِنْدَكُمْ زَمَاناً إِنْ أَذِنَ ٱلرَّبُّ».

أعمال ١٨: ٢١ وص ٤: ١٩ ويعقوب ٤: ١٥

يظهر مما ذُكر في الرسالتين أن ما بلغ بولس من نبإ الخلل في كنيسة كورنثوس حمله على كتابة هذه الرسالة بدلاً من أن يزورهم يسيراً في طريق سفره إلى مكدونية وعلى أن يؤخر سفره إليهم إلى أن يأتيه نبأ تأثير رسالته فيهم وعلى أن يمكث عندهم بعد إتيانه إليهم مدة لإصلاح ذلك الخلل. وأظهر في رسالته شدة اهتمامه بهم ووفرة فرحه لما سمع من تيطس أن رسالته أثرت فيهم تأثيراً حسناً فأخلصوا التوبة (٢كورنثوس ٧: ٧ – ١٣).

٨، ٩ «٨ وَلٰكِنَّنِي أَمْكُثُ فِي أَفَسُسَ إِلَى يَوْمِ ٱلْخَمْسِينَ، ٩ لأَنَّهُ قَدِ ٱنْفَتَحَ لِي بَابٌ عَظِيمٌ فَعَّالٌ، وَيُوجَدُ مُعَانِدُونَ كَثِيرُونَ».

أعمال ٢: ١ أعمال ١٤: ٢٧ و٢كورنثوس ٤: ٢ ورؤيا ٢: ٨ أعمال ١٩: ٩ و٢٣ الخ

هذا دليل على أنه كتب هذه الرسالة من أفسس. وذكر لمكثه فيها مدة علتين الأولى الوسائل الوافرة إلى نفع الناس ببشرى الخلاص. والثانية وجوب أن يدفع عن الكنيسة هجمات أعداء الإنجيل فقصد أن يربّع تلك السنة (أي سنة ٥٧) في أفسس ويصيّف في مكدونية ويشتّي في كورنثوس وأن يصل إلى أورشليم قبل عيد الخمسين في السنة القادمة (أعمال ٢٠: ١٧).

يَوْمِ ٱلْخَمْسِينَ هو من أعياد اليهود يقع بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح الذي يقع في نصف نيسان. ومع أن أكثر مؤمني كورنثوس وثنيون أصلاً خاطبهم كأنهم يعرفون أعياد اليهود وأوقاتها.

بَابٌ عَظِيمٌ فَعَّالٌ أي فرصة مناسبة لتأثير البشارة يسمع فيها الحق كثيرون ويقتنعون ويقبلونه عقلاً وقلباً. وهذا على وفق قول لوقا في نجاح الكلمة في أفسس «هٰكَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ تَنْمُو وَتَقْوَى بِشِدَّةٍ» (أعمال ١٩: ٢٠).

مُعَانِدُونَ كَثِيرُونَ بعضهم يهود وأكثرهم من الأمم وهم عبدة الإلاهة أرطميس. وعلة مقاومتهم لبولس نجاجه في إرشاد اليهود والوثنيين إلى المسيح كما جاء في أعمال (ص ١٩) فكان وجوده في أفسس ضرورياً عند تلك المقاومة لتقوية إيمان التلاميذ الحديثين ولدفع تهم الأعداء وأكاذيبهم.

١٠ «ثُمَّ إِنْ أَتَى تِيمُوثَاوُسُ فَٱنْظُرُوا أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ بِلاَ خَوْفٍ. لأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ ٱلرَّبِّ كَمَا أَنَا أَيْضاً».

أعمال ١٩: ٢٢ وص ٤: ١٧ رومية ١٦: ٢١ وفيلبي ٢: ٢٠ و٢٢ و١تسالونيكي ٣: ٢

إِنْ أَتَى تِيمُوثَاوُسُ جاء في أعمال ١٩: ٢٢ أنه «فَأَرْسَلَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ ٱثْنَيْنِ مِنَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَهُ: تِيمُوثَاوُسَ وَأَرَسْطُوسَ، وَلَبِثَ هُوَ زَمَاناً فِي أَسِيَّا» فإذاً كان تيموثاوس في مكدونية حين كتابة هذه الرسالة ليتوجه إلى كورنثوس حسب أمر الرسول (ص ٤: ١٧). وكان بولس عازماً على إرسال هذه الرسالة إليهم رأساً فتسبق تيموثاوس.

يَكُونَ عِنْدَكُمْ بِلاَ خَوْفٍ لم يخش أن يُضر جسده بل أن لا يظهروا له الاحترام والثقة الواجبة وأن المعلمين الكذبة الذين بينهم يهيجون بعض الناس عليه لذلك سألهم أن يسندوه في جهاده المسيحي.

لأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ ٱلرَّبِّ أي الذي أمر به الرب ومن شأنه أن يؤول لمجده (انظر نفسر ص ١٥: ٥٨).

كَمَا أَنَا أَيْضاً أي التبشير الذي يبشره كالتبشير الذي أبشره أنا وهو يجتهد في ذلك اجتهادي. لو لم يكن تيموثاوس خادماً أميناً غيوراً للإنجيل ما مدحه بولس هذا المدح العظيم إذ لا مدح أعظم من أن يوصف أحد كبولس في الغيرة والأمانة والاجتهاد في الخدمة الإنجيلية.

١١ «فَلاَ يَحْتَقِرْهُ أَحَدٌ، بَلْ شَيِّعُوهُ بِسَلاَمٍ لِيَأْتِيَ إِلَيَّ، لأَنِّي أَنْتَظِرُهُ مَعَ ٱلإِخْوَةِ».

١تيموثاوس ٤: ١٢ أعمال ١٥: ٣٣

فَلاَ يَحْتَقِرْهُ أَحَدٌ لم يوص الرسول مثل هذا الإيصاء في رسالة من رسائله بشأن أحد ممن أرسلهم من المبشرين ولعل الذي دعاه إلى تخصيص تيموثاوس بذلك حداثة تيموثاوس وقلة اختباره في التبشير بدليل ما قيل في (١تيموثاوس ٤: ١٢). أو لعله خاف أن بعض أعضاء الكنيسة الذين من حزب أبلوس أو صفا يحتقره لأنه هو أرسله لأنهم كانوا يحتقرون بولس فبالأولى أنهم يحتقرون مساعده.

بَلْ شَيِّعُوهُ بِسَلاَمٍ (انظر ع ٦). لم يرد بولس أن يبقى تيموثاوس في كورنثوس بعد إتمام العمل الذي أرسله لأجله (ص ٤: ١٧) بل أن يرجع إليه وهو في أفسس وكذا فعل فكان مع بولس لما كتب الرسالة الثانية إليهم (٢كورنثوس ١: ١).

مَعَ ٱلإِخْوَةِ الذين أرسلهم بولس رفقاء لتيموثاوس ولم يذكر لوقا سوى واحد منهم (أعمال ١٩: ٢٢). ندر على مع عرفناه من الإنجيل أن أحداً من المبشرين جال وحده للتبشير.

١٢ «وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ أَبُلُّوسَ ٱلأَخِ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهِ كَثِيراً أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكُمْ مَعَ ٱلإِخْوَةِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ ٱلْبَتَّةَ أَنْ يَأْتِيَ ٱلآنَ. وَلٰكِنَّهُ سَيَأْتِي مَتَى تَوَفَّقَ ٱلْوَقْتُ».

ص ١: ١٢ و٣: ٥

وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ أَبُلُّوسَ (أعمال ١٨: ٢٤ – ٢٧). كان أبلوس في كورنثوس ونجح فيها كثيراً يحاج اليهود بدليل في (أعمال ١٨: ١٨ و٢٦: ٢٧). وبدليل قول الرسول «أنه غرس وأبلوس سقى» (ص ٣: ٦). ولا نعلم علة تركه إياها.

فَطَلَبْتُ إِلَيْهِ كَثِيراً أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكُمْ مع الإخوة الذين حملوا هذه الرسالة (ع ١٧). ولعل بولس أراد أن يرسل إلى كورنثوس لأن الكنيسة ألحت عليه بسؤالها ذلك ولأن بولس رآه أهلاً لخدمة تلك الكنيسة وهي في حال الاضطراب والتحزّب. ويتبيّن من العبارة أن أبلوس لم يكن تحت أمر بولس كتيموثاوس ورفقائه.

وَلَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ لعلة لم تُذكر ولا يبعد عن الظن أنها إرادته تجنب الخصومات بين ما فيها من الأحزاب القائل بعضها «أنا لبولس وآخر أنا لأبلوس وآخر أنا لصفا» (ص ١: ١٢) ويحتمل أنها كثرة أعماله ذات الشأن في التبشير حيث كان.

لٰكِنَّهُ سَيَأْتِي مَتَى تَوَفَّقَ ٱلْوَقْتُ ببيّن من ذلك أن أبلوس كان مستعداً لإجابة بولس متى زالت الموانع في كورنثوس وتمّ العمل الضروري في أفسس.

١٣ «اِسْهَرُوا. ٱثْبُتُوا فِي ٱلإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا».

متّى ٢٤: ٤٢ و٢٥: ١٣ و١تسالونيكي ٥: ٦ و١بطرس ٥: ٨ ص ١٥: ١ و فيلبي ١: ٢٧ و٤: ١ و١تسالونيكي ٣: ٨ و٢تسالونيكي ٢: ١٥ تثنية ١١: ٨ وإشعياء ٣٥: ٤ وأفسس ٦: ١٠ وكولوسي ١: ١١ و٢تيموثاوس ٢: ١

في هذه الآية أربعة أوامر موافقة لأحوال كنيسة كورنثوس.

اِسْهَرُوا كالحراس خوفاً من اللصوص وكجيش محاط بالأعداء المستعدة للهجوم فإن بولس رأى نفوسهم وكنيستهم في خطر. وكثيراً ما كان مثل هذا التنبيه في الإنجيل (متّى ٢٤: ٤١ و٤٢ و٢٥: ١٣ ومرقس ١٣: ٣٥ ولوقا ٢١: ٣٦ وأعمال ٢٠: ٣١ و١تسالونيكي ٥: ٦ و٢تيموثاوس ٤: ٥). وكان على الكنيسة أن تسهر دائماً حذراً من هجوم الشيطان وفساد القلب. وأن تحذّر فوق ذلك من الشرور التي ذُكرت في هذه الرسالة من التحزب والخصومات والخلل في التصرف والمعلمين الكاذبين المفسدين.

ٱثْبُتُوا فِي ٱلإِيمَانِ أي الحق المعلن في كتاب الله الذي سمعوه منه باعتبار كونه رسول المسيح وقبلوه واعترفوا به. وأشار خاصة إلى التمسك باعتقاد القيامة التي أنكرها بعضهم.

وكتب إليهم سابقاً ما يناسب هذا المعنى وهو قوله «من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط» (ص ١٠: ١٢).

كُونُوا رِجَالاً أي شجعاناً لأن أعداء الحق الذين حذرتكم منهم كثيرون أقوياء وحكماء لإبطال حجج علماء اليهود وفلاسفة الأمم الذين حسبوا تعاليم الإنجيل عثرة وجهالة.

تَقَوَّوْا لمقاومة المعلمين الكذبة ولاحتمال المشقات والاضطهادات كقوله لأهل أفسس «أَخِيراً يَا إِخْوَتِي تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ» (أفسس ٦: ١٠).

١٤ «لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِي مَحَبَّةٍ».

ص ١٤: ١ و١بطرس ٤: ٨

لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِي مَحَبَّةٍ في بيوتكم واجتماعاتكم الروحية. إن حاجتهم إلى هذا النصح واضحة مما ذُكر في الأصحاح الأول من نبإ الخصومات في الكنيسة ومما ذُكر في الأصحاح الحادي عشر من سوء تصرفهم في تناول العشاء الرباني ومن وصفه فضيلة المحبة في الأصحاح الثالث عشر ومن تكرير الأمر بها هنا باعتبار أنها من جوهريات الدين المسيحي وأن الأمر بها خلاصة كل كلامه في هذه الرسالة وقد سماها في موضع آخر «رباط الكمال» (كولوسي ٣: ١٤).

١٥ «وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ: أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ بَيْتَ ٱسْتِفَانَاسَ أَنَّهُمْ بَاكُورَةُ أَخَائِيَةَ، وَقَدْ رَتَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِخِدْمَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ».

ص ١: ١٦ رومية ١٦: ٥ و٢كورنثوس ٨: ٤ و٩: ١ وعبرانيين ٦: ١٠

بَيْتَ ٱسْتِفَانَاسَ أَنَّهُمْ بَاكُورَةُ أَخَائِيَةَ أخائية القسم الجنوبي من قسمي بلاد اليونان الذي كورنثوس قاعدته. ومعنى أن «بيت استفانوس باكورة أخائية» أنهم أول من قبلوا الإنجيل في تلك البلاد. وهم من جملة القليلين الذين عمدهم بولس بيده (ص ١: ١٦) وكان أبينتوس واحداً منهم (رومية ١٦: ٥).

وَقَدْ رَتَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِخِدْمَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ أي وقفوا أموالهم وأتعابهم لنفع المؤمنين (لوقا ٨: ٣). وكما كانوا الأولين في قبول الإنجيل كانوا كذلك في إظهار محبتهم للمسيح بنفعهم لشعبه. والأرجح أنهم كانوا يعتنون بالفقراء والمرضى والمضطهدين ويضيفون الغرباء من كنائس أخر وكانوا مستعدين لكل عمل صالح لإفادة الكنيسة كإتيانهم من كورنثوس إلى أفسس لمشاهدة بولس وإعطائهم إياه ما حملوه من رسائل الكنيسة.

١٦ «كَيْ تَخْضَعُوا أَنْتُمْ أَيْضاً لِمِثْلِ هٰؤُلاَءِ، وَكُلِّ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيَتْعَبُ».

عبرانيين ١٣: ١٧ عبرانيين ٦: ١٠

كَيْ تَخْضَعُوا أَنْتُمْ أَيْضاً لِمِثْلِ هٰؤُلاَءِ أي اخدموهم كما يخدمونكم. فالمراد بالخضوع هنا الإكرام والاحترام اللذين يستحقونهما باعتبار كونهم خدم المسيح الأمناء المحبوبين والإصغاء إلى نصائحهم.

وَكُلِّ مَنْ الخ أي كما تعتبرون بيت استفانوس لتقواهم وأعمالهم النافعة اعتبروا الذين مثلهم في الصفات والأعمال. إن الذين يخضعون لغيرهم بغية نفعه يستحقون أن هذا الغير يخضع لهم ويكرمهم ويقتدي بهم ويصغي إلى أقوالهم.

١٧ «ثُمَّ إِنِّي أَفْرَحُ بِمَجِيءِ ٱسْتِفَانَاسَ وَفُرْتُونَاتُوسَ وَأَخَائِيكُوسَ، لأَنَّ نُقْصَانَكُمْ هٰؤُلاَءِ قَدْ جَبَرُوهُ».

٢كورنثوس ١١: ٩ وفيلبي ٢: ٣٠ وفليمون ١٣

هؤلاء الثلاثة من أعضاء كنيسة كورنثوس أتوا أفسس لمواجهة بولس وتأديته الرسائل المذكورة في (ص ٧: ١) ومشاورته في أمور يتوقف عليها صلاح الكنيسة.

لأَنَّ نُقْصَانَكُمْ هٰؤُلاَءِ قَدْ جَبَرُوهُ المراد بنقصانهم عدم حضورهم فجبروا هذا النقص بمجيئهم نيابة عنهم.

١٨ «إِذْ أَرَاحُوا رُوحِي وَرُوحَكُمْ. فَٱعْرِفُوا مِثْلَ هٰؤُلاَءِ».

كولوسي ٤: ٨ فيلبي ٢: ٢٩ و١تسالونيكي ٥: ١٢

أَرَاحُوا رُوحِي وَرُوحَكُمْ اي أنا انتعشت بمشاهدتهم كما كنت أنتعش لو رأيتكم وبسمعي منهم أنباءكم وبوصول رسائلكم وبإعلان محبتي لكم وسروري بقبولي إياهم باعتبار أنهم رسلكم ابهجوا قلوبكم. وأشار بجمعه بين روحه وروحهم إلى شدة الاتحاد بينهم حتى أن ما يسرّهم يسرّه وما يحزنهم يحزنه. وهذا كقوله «إِنَّكُمْ فِي قُلُوبِنَا لِنَمُوتَ مَعَكُمْ وَنَعِيشَ مَعَكُمْ» (٢كورنثوس ٧: ٣).

فَٱعْرِفُوا مِثْلَ هٰؤُلاَءِ أي احترموهم كما يستحقون باعتبار أمانتهم على ما وكلتموه إليهم وكونهم علّة مسرّتي ومسرّتكم في الذهاب والإياب.

١٩ «تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ كَنَائِسُ أَسِيَّا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي ٱلرَّبِّ كَثِيراً أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِلاَّ مَعَ ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي بَيْتِهِمَا».

رومية ١٦: ٥ و١٥ وفليمون ٢

تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ كَنَائِسُ أَسِيَّا المراد بآسيا هنا الجزء الغربي من آسيا الصغرى أي الأناضول وهو الذي قاعدته أفسس ومن مدنها المدن السبع التي كتب يوحنا الرسول إلى كنائسها سفر رؤياه. وسلم بولس عليهم بالنيابة عن تلك الكنائس كما سلم على كنيسة رومية بالنيابة عن كنائس كورنثوس وما حولها (رومية ١٦: ١٦).

يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أي يسأل الله أن يهب لكم السلام.

فِي ٱلرَّبِّ أي باعتبار كونهم وكونكم مسيحيين. وغايته من ذلك إظهار الاحترام والمحبة الأخوية.

أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِلاَّ هما رجل وامرأته من متنصري اليهود نُفيا من رومية وسكنا كورنثوس (أعمال ١٨: ٢). ولما سافر بولس من كورنثوس رافقاه إلى أفسس وبقيا هنالك زماناً (أعمال ١٨: ١٨). وكانا بعذ ذلك في رومية (رومية ١٦: ٣ – ٥).

مَعَ ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي بَيْتِهِمَا أي جماعة المؤمنين الذين أتوا بيتهما للعبادة. فإنهما كما فتحا بيتهما للعبادة في أفسس فتحاه لذلك في رومية (رومية ١٦: ٥).

٢٠ «يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلإِخْوَةُ أَجْمَعُونَ. سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ».

رومية ١٦: ١٦

يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلإِخْوَةُ أَجْمَعُونَ هم المؤمنون غير الذين عبدوا الله في بيت أكيلا وبريسكلا وهذا دليل على أنه كان غير بيتهما مجتمعاً للعبادة فالكنيسة في بيتهما جزء من المسيحيين هنالك.

بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ (انظر تفسير رومية ١٦: ١٦). القبلة آية المودة بين المتساوين في الرتبة وآية الاحترام والخضوع من الأدنى إلى الأعلى. فالوثنيون يقبلون أصنامهم والرعايا أيدي ملوكهم. واعتاد المسيحيون الأولون التقبيل في اجتماعاتهم الروحية ولا سيما في نهاية العشاء الرباني لكن كان الرجال لا يقبّلون سوى الرجال والنساء لا تقبّل سوى النساء. ومراد بولس من ذلك أن يجتمع الإخوة وتتلى رسالته على مسامعهم ثم يقبّل بعضهم بعضاً آية لترك التحزب واعتزال الانقسام ومسامحة بعضهم بعضاً وتجديد رباط المحبة الأخوية.

٢١ «اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ».

كولوسي ٤: ١٨ و٢تسالونيكي ٣: ١٧

كان الرسول يملي أكثر رسائله على كتبة ووقعها بيده أو كتب كلمات دلالة على أن الرسالة منه (كولوسي ٤: ١٨ و٢تسالونيكي ٣: ١٧ وفليمون ١٩). والمرجح أن كاتب هذه الرسالة سوستانيس (ص ١: ١).

٢٢ «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ ٱلرَّبَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا. مَارَانْ أَثَا».

أفسس ٦: ٢٤ غلاطية ١: ٨ و٩ يهوذا ١٤ و١٥

هذه الآية وما يليها إلى نهاية الأصحاح كُتب بخط بولس.

إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ ٱلرَّبَّ يَسُوعَ اعتبر الرسول محبة المسيح أول الواجبات والصفة التي بها يمتاز المسيحي عن غيره وحكم بأن عدمها أكبر الخطايا وأنها توجب أشد العقاب. وذلك لسمو شأن المسيح لأنه «ٱلْكَائِنُ عَلَى ٱلْكُلِّ إِلٰهاً مُبَارَكاً إِلَى ٱلأَبَدِ» (رومية ٩: ٥) ولأنه «ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (لخلاصنا) (١تيموثاوس ٣: ١٦). ولأنه الحاوي كل الفضائل الإلهية والبشرية ولأنه أحبنا حتى الصليب لكي لا نهلك بل تكون لنا الحياة الأبدية. فإباءة محبته دليل على الكفر بالنعم والخلو من الذوق الأدبي وهي تدل بالطبع على محبة الأشرار فمن لم يحب المسيح فهو عدو له ومثل هذا يستوجب أن يكرهه كل صالح.

فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا هذه كلمة يونانية معناها «مسلّمٌ إلى الهلاك» اعتاد اليهود أن يقولوها لمن حرمه المجمع وقد سبق تفسيرها في (ص ١٢: ٣ ورومية ٩: ٣). والذي لا يحب الرب يسوع مستوجب تلك اللعنة لأنه حرم المسيح ما يستحقه وحرم نفسه كل فوائد الفداء فيبقى عرضة للدينونة التي توجبها خطاياه فيكون كأن المسيح لم يمت عنه.

مَارَانْ أَثَا كلمتان سريانيتان معناهما الرب يأتي وفيه إنذار لمن لا يحبون المسيح بأنهم إن لم يعاقبهم الناس على هذه الخطيئة فلا بد من أن يأتي الرب ويفحص عنهم وينتقم منهم فيستحيل أن ينجو أحد من نقمته. ويكون ذلك «عِنْدَ ٱسْتِعْلاَنِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ وَٱلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (٢تسالونيكي ١: ٧ و٨). وهذا كقول المسيح «وَمَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ… ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ ٱلْيَسَارِ: ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ» (متّى ٢٥: ١٣ و١٤).

ليس من آية في كتاب الله أهول من هذه الآية ولا إنذار على إثم مثل الإنذار على عدم حب المسيح ولا عقاب مؤكد كتأكيد العقاب المنذر به فيها. فمهما كان مقام الإنسان واعتباره على الأرض ومهما كانت صفاته محمودة بين الناس وأعمال لطفه مشهورة فإن خلا من المحبة للمسيح ما أمكنه أن يخلص بل «يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ ٱللّٰهِ» (يوحنا ٣: ٣٦).

إن بولس لتيقنه أن يسوع هو الله ظهر في الجسد وإن المحبة له أعظم الواجبات اعتبر عدم المحبة له آية الرذل منه. فلم يستتر عن أحد أن المسيح مستحق المحبة لو لم يكن من «الهالكين الذين كُتم عليهم الإنجيل وأعمى إله هذا الدهر أذهانهم» (٢كورنثوس ٤: ٣ – ٦). وهذه شهادة من كان أشد أعداء المسيح وكان يضطهد الذين يدعون باسمه فيستحيل أن يتغير كل إحساسه من جهته ما لم يكن قد اقتنع بأوضح الأدلة بصحة دعاوي المسيح.

٢٣ «نِعْمَةُ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَكُمْ».

رومية ١٦: ٢٠

إن المحروم من المسيح هو ابن الهلاك والمنعم عليه منه ابن الحياة الأبدية فطلبة الرسول هذه البركة للكنيسة تشتمل على طلب كل بركة زمنية وأبدية.

٢٤ «مَحَبَّتِي مَعَ جَمِيعِكُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. آمِينَ».

أي أنا مسيحي أحبكم باعتبار كونكم مسحييين لأن ذلك مما أوجبته هذه النسبة عليّ. فأراد أن يتحقق الكورنثيون شدة محبته وإخلاصها لهم مع أنه مضطر أن يوبخهم على بعض أعمالهم.

آمِينَ إن كان هذا من كلام الرسول فمعناه ليثبت الله كل ما قلته في هذه الرسالة باسم المسيح. وإن كان كلام الكنيسة فهو اعتراف منها بصحة التعاليم المعلنة فيها وإن ما فيها هو موضوع إيمانهم ورجائهم.

فوائد

  1. إن السخاء من الفضائل المسيحية أصله محبة الله التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس التي تحملنا على أن نقتدي بذاك الذي بذل نفسه عنا وقال «مجاناً أخذتم مجاناً اعطوا». فعلينا أن نظهر السخاء لكل المحتاجين بدون التفات إلى كونهم من الأقرباء أو الجيران أو الوطنيين. والذي أظهره متنصرو الأمم في بلاد اليونان من السخاء على متنصري يهود أورشليم كان بداءة عمل الخير الذي اشتهرت الكنيسة به من ذلك الوقت إلى هذا اليوم ولا سيما في هذا القرن فبإحسانها انتفع محتاجو أقاصي الأرض في الزمنيات والروحيات (ع ١).
  2. إن حسبان المسيح من يفعل الخير لإخوته يفعله له (متى ٢٥: ٣٥) مما يرغبنا في إنكار أنفسنا لنخدم فقراء المؤمنين (ع ١).
  3. إن الله لو شاء لقام بكل حاجات الفقراء من أولاده لكنه استحسن أن يمنحهم ما يحتاجون إليه على أيدي إخوتهم المسيحيين ليزيد محبة بعضهم لبعض ويعلم الناس الشفقة والإحسان كما أنه هو شفوق محسن. ولم يعف أحداً من أن يعطي بحجة فقره لأنه يندر أن لا يرى الفقير من هو أفقر منه ومحتاج إلى إحسانه. وكانت كنيسة كورنثوس مضطهدة ولا ريب في أن أكثر أهلها كانوا فقراء (ص ١: ١٦) ولكن مع ذلك كانوا مكلفين أن يساعدوا إخوتهم في أورشليم لأنهم كانوا أفقر منهم لينالوا مدحاً مثل مدح المسيح الأرملة المسكينة التي أعطت كل معيشتها خزينة الرب (مرقس ١٢: ٤٢) (ع ٢).
  4. إن العطاء يجب أن يكون بترتيب ليكون وافراً متصلاًً مقترناً بالعبادة في بيت الله كالصلاة والتسبيح ومقياسه أن ينعم المستطيع على إخوته المحتاجين كما أنعم الله عليه (ع ٢).
  5. إنه يجب علينا أن ندبر كل أمورنا بالتسليم والخضوع لإرادة الله وأن لا نحزن ولا نغضب إن منعتنا العناية الإلهية من إتمام مقاصدنا (ع ٧).
  6. إنه لا يستطيع فتح الباب لدخول الإنجيل في مكان على الأرض إلا روح الله فإذا فتحه فلا ريب في أن الشيطان يجتهد في أن يوصده وأن يهيج المقاومين لصد الخطأة عن الهرب من فخاخه ونيل الحياة الأبدية (ع ٩).
  7. إنه يجب على المبشر أن لا ييأس بسبب وجود مقاومين كثيرين له بل يأخذ ذلك دليلاً على نجاح الإنجيل على يده. وكثرتهم ليس بحجة كافية لتركه مكان تبشيره فكثيراً ما يكون بقاؤه حيث الصعوبات والأخطار ضرورياً لإفحام الكفرة وتقوية قلوب المؤمنين (ع ٩).
  8. إن خدَم المسيح الأمناء يستحقون الإكرام وإن كانوا حديثي السن قليلي الاختبار. والذين يحتقرونهم يحتقرون من أرسلهم. ويستحقون الإكرام لأن العمل الذي يعملونه ليس عملهم بل عمل الرب (ع ١٠ و١١).
  9. إن الأمر بأن نكون رجالاً في المحاماة عن الإنجيل لا يستلزم أن نوبخ أعداء الحق بشدة ونغضب عليهم لأن «لأَنَّ غَضَبَ ٱلإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ ٱللّٰهِ» (يعقوب ١: ٢٠). إنما يستلزم أن نُظهر في كل أقوالنا وأعمالنا المحبة للمسيح ولنفوس المقاومين (ع ١٤).
  10. إن نجاح الكنيسة يقتضي أن تكون الكنيسة منتبهة مجتهدة في الأمور الروحية شديدة التمسك بالحق في أوقات التجارب والمقاومات وأن تكون شجيعة في اعترافها بالمسيح ودعوة الناس إلى الإنجيل متقوية بتمسكها بيمين المسيح ودرس كتابه والصلاة مظهرة المحبة للمسيح والناس في كل أعمالها (ع ١٣ و١٤).
  11. إن أهل بيت استفانوس حصلوا على مدح الناس والذكر الحسن في الإنجيل إلى حد أن أكرمهم الناس في كل عصر لأنهم اعترفوا بالمسيح قبل أن اعترف غيرهم به في بلادهم ولأنهم وقفوا أنفسهم وأموالهم لخدمة المسيح وكنيتسه فعلى الذي يشتهي مثل إكرامهم أن يتمثل بهم ذاكراً قول المسيح «من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً» (ع ١٥).
  12. إن المسيحيين مع انفصال بعضهم عن بعض بالبحار والقارات واختلاف الصنوف واللغات يحب بعضهم بعضاً كالإخوة ويطلب كل منهم بركة الله على الآخر بالصلاة وينشط بعضهم بعضاً بما آمن به من تعاليم الرسائل والرسل (ع ١٩ و٢٠).
  13. إن المسيحي الذي اعتاد أن يقول «سيدي يبطئ قدومه» عرضة لأن يكون دنيوياً فاتراً متوانياً وأما الذي يقول «الرب يأتي» فيكون مستيقظاً نشيطاً مستعداً دائماً أن يعطي حساباً عن وكالته (ع ٢١).
  14. إنه لا يحق لأحد أن يتحقق خلاصه بمجرد أنه لم يخالف شريعة الله والناس علناً وأنه لم يترك لأحد سبيلاً أن يلومه على قول أو فعل مخالف للعدل والحق لأن كلا من خلاصه وهلاكه متوقف على جوابه على هذا السؤال هل تحب الرب يسوع المسيح حباً قلبياً فوق كل شيء حتى الحياة نفسها (ع ٢٢).
  15. إن المسيحيين يتوقعون مجيء الرب بالمجد بأعظم الرجاء والمسرة فالذي يكون علة فرح للمسيحي قد يكون لغيره علة حزن وويل وهول وندم (ع ٢٢).
  16. إن هذا الأصحاح مفتتح بطلب أعمال المحبة (ع ١ – ٤) وفي وسطه أمر الرسول لهم بقوله «لتصر كل أموركم في محبة». وفي ع ٢٠ إعلان اللعنة المشرفة على الذين هم بدون محبة. وختم الأصحاح بكلام المحبة لجميع الكنيسة التي أظهر بعض أعضائها بغضهم له. فإذا المحبة أول الفضائل المسيحية وأعظمها فيجب أن يمتاز المسيحي بها كما امتاز الله بها.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى