الرسالة الأولى إلى كورنثوس | 11 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة الثانية إلى كورنثوس
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الحادي عشر
الأصحاح الحادي عشر من عدد ٢
فحوى هذا الأصحاح توبيخ على أمرين غير لائقين في الاجتماعات الدينية الأول ظهور النساء مكشوفة الروؤس (ع ٢ – ١٦) والثاني إساءة ممارسة العشاء الرباني (ع ١٧ – ٣٤).
أخذ الرسول في هذا الأصحاح في إصلاح أغلاط وقعت في عبادة الكورنثيين الجمهورية (١) إن النساء المؤمنات خالفن العادة التي كانت جارية في الشرق ولم تزل جارية في بلاد كثيرة منه وهي أن تغطي النساء روؤسهن في الاجتماعات العامة وكانت علامة حشمتهن الخضوع لرجالهن. وكانت المرأة في عصر بولس إذا خرجت من بيتها بلا قناع حُسبت بلا حياء ولا خضوع لزوجها. فابتدأ الرسول يمدح المؤمنين على إطاعتهم غالباً لأوامره (ع ٢) وذكرهم أن الله سن على المرأة الخضوع لزوجها (ع ٣). ولهذا لا يليق أن يلبس الرجل ما يكون علامة للخضوع ولا أن تطرحها المرأة (ع ٤ و٥) لأنها آية عفتها وحشمتها فوجب أن يمتاز الرجل عن المرأة بلبسه (ع ٧). وتبيّن من تاريخ الخليقة أن الله قصد أن تكون المرأة خاضعة للرجل (ع ٨ و٩). ولذلك يليق بالمرأة أن تتقنّع وهي في محافل الرجال بآية الخضوع المعهودة (ع ١٠) ولا شيء مما قيل ينفي أن المرأة تساوي الرجل في الجوهريات وأن كلا منهما يحتاج إلى الآخر (ع ١١ و١٢). وأن الطبيعة نفسها تحكم بأنه عار على الرجل أن يلبس لبس المرأة وعلى المرأة أن تلبس لبس الرجل (ع ١٣ – ١٥). وإن حكمه بهذا حكم رسولي وهو على وفق ما اتفق عليه كل الكنائس المسيحية (ع ١٦).
٢ «فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَحْفَظُونَ ٱلتَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ».
ص ٤: ١٧ ص ٧: ١٧ و٢تسالونيكي ٢: ١٥ و٣: ٦
فَأَمْدَحُكُمْ الفاء استئنافية أو علامة الانتقال من موضوع إلى آخر. أحب الرسول أن يمدح الكنائس التي كتب إليها بكل شيء تستحق المدح عليه توطئة للتكلم على أمور تستحق اللوم كما سيُذكر.
أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي باعتبار أني صديقكم وحبيبكم ومرشدكم النصوح ورسولكم فكتبتم إليّ رسالة إلى أفسس وسألتم إرشادي ونصحي وأطعتم أوامري كتابة ومشافهة. ولا ريب في أنه تحقق ذلك ممن أتوا من كورنثوس إليه وهو في أفسس.
ٱلتَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ مما يتعلق بسياسة الكنيسة ونظامها.
٣ «وَلٰكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ ٱلْمَسِيحُ. وَأَمَّا رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ فَهُوَ ٱلرَّجُلُ. وَرَأْسُ ٱلْمَسِيحِ هُوَ ٱللّٰهُ».
أفسس ٥: ٢٣ تكوين ٣: ١٦ و١تيموثاوس ٢: ١١ و١٢ و١بطرس ٣: ١ و٥ و٦ يوحنا ١٤: ٢٨ وص ٣: ٢٣ و١٥: ٢٧ و٢٨ وفيلبي ٢: ٧ – ٩
صرّح هنا بمبادئ جوهرية ليستنتج منها بعض النتائج التي لا يستطيع أحد الاعتراض عليها.
أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا خلاصة ما أراد الرسول أن يتحققوه من هذه الآية في أن الله بحكمته ومحبته للبشر سن نظاماً لخليقته فوجب بمقتضاه أن تخضع كل رتبة من خلائقه للتي فوقها وأن يكون سبحانه وتعالى فوق الكل. وأن سلوك الإنسان بموجب ذلك النظام واجب عليه ونافع له وأن تعديه وبال عليه.
رَأْسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ليس المعنى هنا بيان الحق أن المسيح رأس كل الجنس البشري (كما جاء في كولوسي ١: ١٦ و٢: ١٠) بل المراد أنه رأس كل مؤمن لأنه رأس الكنيسة التي هي جماعة المؤمنين (أفسس ١: ٢٢ وكولوسي ١: ١٦). وهذا يتضمن ثلاث قضايا:
- الأولى: إن المسيح للمؤمنين في النفع كالرأس للجسد وفي العناية كالراعي للرعية «لأنه قد صار لهم حِكْمَةً مِنَ ٱللّٰهِ وَبِرّاً وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً» (ص ١: ٣٠).
- الثانية: إنه يجب على المؤمن أن يخضع للمسيح خضوع العضو للرأس.
- الثالثة: إنه لا يحق لغير المسيح أن يحكم عليه في الروحيّات. فمراد الرسول أن ليس لأحد أن يتسلط على المؤمن السلطان المنسوب إليه هنا.
أَمَّا رَأْسُ ٱلْمَرْأَةِ فَهُوَ ٱلرَّجُلُ فيلزم من ذلك أن تخضع المرأة التقية لرجلها وتُظهر ذلك بلبسها وسيرتها وكلامها. ولا يلزم منه البتة أن المسيح ليس رأس المرأة المؤمنة إذ صرّح الرسول أنها في الروحيات مساوية للرجل بدليل قوله «لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية ٣: ٢٨). فمراده أن المرأة بمقتضى النظام الذي سنّه الله يجب أن تكون دون الرجل في الهيئة الاجتماعية لأنه معتمدها ونائبها وشرفه شرفها.
رَأْسُ ٱلْمَسِيحِ هُوَ ٱللّٰهُ إن المسيح خاضع لله وهذا لا يصدق عليه باعتبار كونه وسيطاً بين الله والإنسان لأنه رغبة في خلاص الإنسان «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ ٱلنَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي ٱلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ» (فيلبي ٢: ٧ و٨). وكان المسيح يذكر دائماً خضوعه للآب في الفداء وبذلك ترك لنا مثالاً للخضوع لمن هو فوقنا. وقد سبق بيان نسبة المسيح إلى الآب في تفسير (ص ٣: ٢٣ و٨: ٦).
قابل الرسول هنا خضوع الرجل للمسيح بخضوع المرأة للرجل وخضوع الرجل للمسيح بخضوع المسيح للآب ولكن هذه المقابلة غير تامة لأن خضوع الرجل للمسيح أعظم جداً من خضوع المرأة لرجلها وهو أعظم من خضوع المسيح للآب بما لا يقدّر.
إن خضوع المرأة للرجل لا يمنع مساواتها له في الطبيعة البشرية. وغاية الرسول من كل ما ذكره في تلك المقابلة تمهيد للكلام في ما يليق أن يأتيه كل من الرجال والنساء في مجتمعات العبادة العامة وإثبات أن الله رتب كل شيء بنظام وأوجب على الإنسان أن يسلك بمقتضى النظام في كل ما يتعلق به.
٤ «كُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ».
ص ١٢: ١٠ و٢٨ و١٤: ١ الخ
كُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ الصلاة والتنبوء من أهم الأمور في العبادة الجمهورية فالذي يصلي هو من يطلب البركات بصوت مسموع لنفسه ولسائر السامعين. والذي يتنبأ هو الذي يتكلم بكلمة الله بإلهام الروح القدس بغية تعليم السامعين وتعزيتهم وإنذارهم وتوبيخهم وحثهم على القيام بما يجب عليهم ويُعلن لهم بعض الأحيان أمور المستقبل.
وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ لأنه بتغطيه رأسه يخالف النظام المذكور في (ع ٣) ويظهر أمام الجمهور في زي المرأة وهيئة الخضوع الذي لم يكلف به. ولم يتبين جلياً المراد من قوله «يشين رأسه» أيشين المسيح الذي هو رأس كل مؤمن مجازاً أو رأسه حقيقة والمرجح الثاني لأن الرأس في الجملة من هذه الآية هو الرأس الحقيقي فهو طبعاً الذي يشينه بالتغطية ولأن ما قيل في الآية التالية من أن المرأة تشين رأسها نص على أنه رأسها الحقيقي وهذا ما يقتضيه العقل لأن القائد الذي يظهر أمام جيشه بزي أحد جنوده يشين نفسه لا ملكه.
٥ «وَأَمَّا كُلُّ ٱمْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغَطّىً، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَٱلْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ».
أعمال ٢١: ٩ تثنية ٢١: ١٢
كُلُّ ٱمْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ ذكر هذا بدون التفات إلى جوازه أو منعه في الكنيسة فإنه تكلم عليه في (ص ١٤: ١٤) وقصر الكلام هنا على زي المرأة في حضرة الجمهور وهي تصلي وتتنبأ.
فَتَشِينُ رَأْسَهَا لأن العادة يومئذ أوجبت على المرأة العفيفة الكريمة أن تغطي رأسها متى خرجت من بيتها وكان ذلك من العلامات المختصة بالنساء وكانت تظهر به حشمتها واعتبارها للمقام الائق بها.
لأَنَّهَا وَٱلْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ أي تجعل نفسها بتركها القناع بمنزلة من حلقت فرعها فإن طول الفرع زينة للمرأة ومجد لها بين اليهود واليونانيين وأكثر أهل الأرض. وهو أعظم العلامات التي تمتاز بها عن الرجال. وقد يكون حلقه أو قصه آية الحزن (تثنية ٢١: ١٢) لكنه كثيراً ما يكون قصاصاً للنساء على عدم عفتهن والعلامة التي تمتاز بها العفيفة من العاهرة. والأرجح أن الكاهنات اللواتي خدمن في هيكل الزهرة ووقفن أنفسهن للزنى إكراماً لها كانت شعورهم محلوقة أو مسدولة. فينتج من ذلك أن مؤمنات كورنثوس كن بتكلمهن أو صلاتهن في اجتماعات الكنيسة العامة يخالفن العادة واللياقة ويعرضن أنفسهن لظن الناس أنهن بلا حياء ولا عفة ويجلبن العار على كل جمهور المؤمنين أمام الوثنيين.
٦ «إِذِ ٱلْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعْرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحاً بِٱلْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ».
عدد ٥: ١٨ وتثنية ٢٢: ٥
فَلْيُقَصَّ شَعْرُهَا أي أنها إن أصرت على طرح الغطاء الذي هو آية الحشمة المعتادة وأحد آيات التمييز بين المرأة والرجل فلتطرح عنها كل آياته وإن لم تبال بصيتها بين الناس فلتفعل كامرأة بلا حياء.
وَإِنْ كَانَ قَبِيحاً بِٱلْمَرْأَةِ… فَلْتَتَغَطَّ فغاية الرسول من قوله «فليقص شعرها» غير طلب الفعل بل حملها على أن تستحيي من أن تكون بلا غطاء كما تستحيي من ان تقص شعرها أو تحلقه وأن تمتنع عن ذلك أدباً كما تمتنع عن هذا طبعاً.
٧ «فَإِنَّ ٱلرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ ٱللّٰهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ ٱلرَّجُلِ».
تكوين ١: ٢٦ و٢٧ و٥: ١ و٩: ٦
لعل هذا جواب لمن يقول إذا انبغى أن تتغطى المرأة في الاجتماعات العامة انبغى أن يتغطى الرجل كذلك وفيه بيان على وجوب ذلك على المرأة فقط.
فَإِنَّ ٱلرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لا دليل على أن احد الرجال أتى مثل ذلك إنما ذكر الرسول ذلك ليبين عدم لياقته.
لِكَوْنِهِ صُورَةَ ٱللّٰهِ وَمَجْدَهُ هذا يصدق على الرجل دون المرأة في أمر واحد فقط وهو ما أعطاه الله إياه من السلطة على الخليقة بدليل قول الكتاب «نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ ٱلْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلْبَهَائِمِ» (تكوين ١: ٢٦). وقوله «فَمَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ! وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ ٱلْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ عَلَى أَعْمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ» (مزمور ٨: ٤ – ٦). إن النساء خُلقت كالرجال على صورة الله في المعرفة والبر والقداسة بدليل قول الكتاب «فَخَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللّٰهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ» (تكوين ١: ٢٧) فإن تغطى الرجل بالقناع الذي هو علامة الخضوع أنكر سلطته على الخليقة ونيابته عن الله كما رسم تعالى. فإذاً الرجل صورة الله ومجده لأنه خلقه أولاً وجعله نائباً له في السلطة على الأرض وكل ما فيها فوجب عليه أن يعتزل ما لا يليق بمقامه من الملبوسات.
وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ ٱلرَّجُلِ إن الله خلق المرأة ثانية الرجل فلم تُظهر مجد الله للخليقة كلها كما أظهره الرجل بذلك. وهي مجد الرجل لأنها تُظهر ما له من المجد فإن كان ملكاً كانت ملكة وإن كان غنياً مكرماً أظهرت ذلك بمقامها وملبوساتها وهيئتها فوجب عليها أن تأتي من الملبوسات ما يدل على المنزلة التي عيّنها الله لها.
٨، ٩ «٨ لأَنَّ ٱلرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ ٱلْمَرْأَةِ، بَلِ ٱلْمَرْأَةُ مِنَ ٱلرَّجُلِ. ٩ وَلأَنَّ ٱلرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَرْأَةِ، بَلِ ٱلْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ ٱلرَّجُلِ».
تكوين ٢: ٢١ و٢٢ تكوين ٢: ١٨ و٢١ و٢٣
هذا على وفق ما في (تكوين ٢: ١٨ و٢٢ و٢٣) وفي أمران:
الأول: إن الله خلق الرجل أولاً وأصلاً للمرأة.
الثاني: إن المرأة خُلقت لأجل الرجل ولم يُخلق الرجل لأجلها. ذكر الرسول هاتين الآيتين ليثبت من كلمة الله ما قاله في (ع ٧) من أن الرجل أسمى من المرأة رتبة.
١٠ «لِهٰذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ».
تكوين ٢٤: ٦٥ وعدد ٥: ١٨ جامعة ٥: ٦ وإشعياء ٦: ٢ ومتّى ١٨: ١٠ وأفسس ٣: ١٠
سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا أي علامة سلطان رجلها عليها وهو القناع.
مِنْ أَجْلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ أي ملائكة الله الأطهار الذين كانوا يحضرون اجتماعات الكنيسة غير منظورين ويشاهدون بسرور ورضىً كل ما هو موافق للنظام واللياقة وبالحزن والكراهة لكل ما ينافيهما. فما قيل في شأن الملائكة يوافق قول الكتاب «إنهم يفرحون بتوبة خاطئ واحد» (لوقا ١٥: ١٠). وإنهم كانوا وسائل إلى إعطاء الناموس (أعمال ٧: ٥٣). وإنهم «أرواح لخدمة العتيدين أن يرثوا الحياة» (عبرانيين ١: ١٤). وقوله «إننا صرنا منظراً للعالم للملائكة والناس» (١كورنثوس ٤: ٩). ذهب بعضهم أن المراد بالملائكة هنا القسوس بناء على تسمية يوحنا إياهم ملائكة (رؤيا ١: ٢٠) لكن لا دليل قاطع على إثبات هذا الرأي لأنه لما أُريد القسوس بالملائكة أضيفوا إلى الكنائس بخلاف ما هنا.
١١ «غَيْرَ أَنَّ ٱلرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ ٱلْمَرْأَةِ، وَلاَ ٱلْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ ٱلرَّجُلِ فِي ٱلرَّبِّ».
غلاطية ٣: ٢٨ رومية ١٦: ٢ و٨ و١١ و١٢
جاء الرسول بهذه الآية والتي تليها دفعاً لافتخار الرجال بما نُسب إليه من السلطة ولتصغير المرأة نفسها أكثر مما ينبغي.
ٱلرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ ٱلْمَرْأَةِ، وَلاَ ٱلْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ ٱلرَّجُلِ أي لا يقدر أحدهما أن يستغني عن الآخر أو يستقل عنه.
فِي ٱلرَّبِّ أي كما عيّن الرب أو حسب سنة الدين المسيحي. فليس المراد أن أحدهما لا يكون في الرب دون الآخر لأنه لم يشر في كلامه هنا إلى النسبة بين الرجل والمرأة في الروحيات إذ صرّح في (غلاطية ٨: ٢٣) وغيرها أنه لا فرق بين الذكر والأنثى في الاشتراك في فوائد فداء المسيح. فتمام التسوية بين الرجل والمرأة في الأمور الروحية لا ينفي التمييزات بينه وبينها في الأمور المختصة بالهيئة الاجتماعية.
١٢ «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ ٱلرَّجُلِ، هٰكَذَا ٱلرَّجُلُ أَيْضاً هُوَ بِٱلْمَرْأَةِ. وَلٰكِنَّ جَمِيعَ ٱلأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ».
رومية ١١: ٣٦
ٱلْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ ٱلرَّجُلِ أي مصنوعة منه بدليل قول الكتاب «فَأَوْقَعَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلَأَ مَكَانَهَا لَحْماً. وَبَنَى ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلضِّلْعَ ٱلَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ ٱمْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ» الخ (تكوين ٢: ٢١ – ٢٤).
ٱلرَّجُلُ أَيْضاً هُوَ بِٱلْمَرْأَةِ اي مولود منها وهذا القول يصدق على كل رجل غير آدم. والعباراتان إثبات لما قيل في الآية السابقة من احتياج كل من الرجل والمرأة إلى الآخر.
إنه فضلاً عما قيل هنا من احتياج الرجل إلى المرأة للوجود كل منهما يحتاج إلى الآخر للحب والتعزية والعناية والمعونة في الجسديات والروحيات.
جَمِيعَ ٱلأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ فهو خالق كلاً من الرجل والمرأة وهما في رتبة واحدة أمامه ويحب كليهما محبة واحدة ويورثهما بركة واحدة.
١٣ «ٱحْكُمُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: هَلْ يَلِيقُ بِٱلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى ٱللّٰهِ وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ؟».
سألهم أن يحكموا في هذا الأمر بمقتضى إيجاب العقل السليم بما هو لائق بنفسه.
هَلْ يَلِيقُ بِٱلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ… وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ إن الله طبعنا على أن نستحسن بعض الأشياء ونعتبرها جميلة لائقة وأن نستنتج بعض الأشياء. فسألهم الرسول أن يحكموا في أمر تغطية المرأة رأسها بحكم الذوق السليم الذي غرسه الله فيهم.
١٤، ١٥ «١٤ أَمْ لَيْسَتِ ٱلطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا تُعَلِّمُكُمْ أَنَّ ٱلرَّجُلَ إِنْ كَانَ يُرْخِي شَعْرَهُ فَهُوَ عَيْبٌ لَهُ؟ ١٥ وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ تُرْخِي شَعْرَهَا فَهُوَ مَجْدٌ لَهَا، لأَنَّ ٱلشَّعْرَ قَدْ أُعْطِيَ لَهَا عِوَضَ بُرْقُعٍ».
أَمْ لَيْسَتِ ٱلطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا أي الشريعة المغروسة في الطبع البشري أو الذوق الطبيعي بأن يستحسن الإنسان بعض الأشياء ويستقبح البعض. ولا ريب في أن للتربية والعادة مدخلاً في ذلك.
تُعَلِّمُكُمْ أَنَّ ٱلرَّجُلَ الخ أجمع الناس في كل العالم المتمدن على أنه عيب على الرجل أن يربي شعر رأسه كالنساء ويُستثنى من ذلك الناذرون للدلالة إلى أن عليهم نذراً (عدد ٦: ٨ وحزقيال ٤٤: ٢٠).
أَمَّا ٱلْمَرْأَةُ… شَعْرَهَا فَهُوَ مَجْدٌ لَهَا أجمع الناس في كل الأمكنة والأزمنة على أن شعر المرأة زينة وجمال لها.
عِوَضَ بُرْقُعٍ أي هو كبرقع طبيعي ولذلك هو مجد لها. والنتيجة أن اتخاذ المرأة الغطاء في الاجتماعات العامة من الأمور اللائقة والموافقة.
١٦ «وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُحِبُّ ٱلْخِصَامَ، فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ عَادَةٌ مِثْلُ هٰذِهِ، وَلاَ لِكَنَائِسِ ٱللّٰهِ».
١تيموثاوس ٦: ٤ ص ٧: ١٧ و١٤: ٣٣
يُحِبُّ ٱلْخِصَامَ قدم الرسول في ما سبق من هذا الأصحاح الأدلة على وجوب تغطية المؤمنات رؤوسهن في الاجتماعات الدينية. وقال هنا إن كان أحد لا يقتنع من ذلك وأراد الجدال والعناد فإنه لا يجادله بل يخبره بأنه حكم الرسل والكنائس بوجوب التغطية وهو ملزوم بالتسليم بذلك الحكم.
ٱلْخِصَامَ في مسئلة القناع.
فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ أي الرسل الذين عيّنهم المسيح ليؤسسوا الكنائس المسيحية ويضعوا لها القوانين الواجبة لنظامها.
عَادَةٌ مِثْلُ هٰذِهِ أي أن النساء يتنبأنَ ويصلينَ في الاجتماعات العامة مكشوفات الرؤوس.
وَلاَ لِكَنَائِسِ ٱللّٰهِ الموعودة بسكنى الروح القدس فيها. وكان رأي تلك الكنائس كلها كرأي الرسل فلم يجز لأحد مخالفته.
توبيخات وإرشادات في ممارسة العشاء الرباني ع ١٧ إلى ٣٤
تكلم الرسول في هذا الفصل على الخلل في كنيسة كورنثوس في ممارسة عشاء الرب وبيّن لهم التصرف الواجب. ولعل سبب دخول ذلك الخلل في تناول ذلك السر هو أن المسيحيين الأولين اعتادوا أن يتناولوه على أثر تناولهم العشاء العادي لأن المسيح سن هذا السر على أثر أكلهم الفصح فاقتدى المسيحيون به فكانوا يجتمعون لوليمة حبية ويتناولون على أثرها العشاء الرباتي. جاء في سفر الأعمال ما نصه «وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ ٱلرُّسُلِ، وَٱلشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ ٱلْخُبْزِ، وَٱلصَّلَوَاتِ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ ٱلْخُبْزَ فِي ٱلْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ ٱلطَّعَامَ بِٱبْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ» (أعمال ٢: ٤٢ و٤٦ انظر أيضاً أعمال ٢٠: ٧). والقرينة تدل على أن مؤمني كورنثوس كانوا حين يجتمعون يتناولون العشاء العادي والعشاء الرباني. ولا عجب من جمعهم العشائين لأنه فضلاً عن تناول المسيح ورسله إياه بعد طعام الفصح كما ذُكر اعتاد اليهود والأمم أن يقرنوا تقديم ذبائحهم بالوليمة فجرى مسيحيو كورنثوس على عادتهم في أعيادهم قبل أن تنصروا فاجتمعوا إلى وليمة حبية وإلى العشاء الرباني على أثرها. وكان يأتي كل منهم بطعام يضعه على المائدة ليشاركه الجميع فيه. وكان الغني منهم يأتي بكثير والفقير بقليل أو بلا شيء. وكان القصد من تلك الوليمة الإشارة إلى المساواة والاتحاد والشركة في العشائين لكنه حدث في الكنيسة تحزب وانقسام ظهر تأثيرهما على مائدة المسيح فانفرد الأغنياء عن الفقراء وأكلوا ما أتوا به من الأطعمة الوافرة وتركوا إخوتهم الفقراء في جوع وخجل. فأخذ بولس في إصلاح هذا الخلل فقال إن اجتماعاتهم على هذا الاسلوب ليس للنفع بل للضرر (ع ٧). وقال أن انقسامهم ظهر في اجتماعاتهم الدينية وأن الله لم يمنع وقوعه لكي يتبين صالحهم من شريرهم (ع ١٨ و١٩). فإنهم استهانوا بالعشاء الرباني لإنزالهم إياه منزلة العشاء العادي بتناول بعضهم إياه بالشراهة وانصراف بعضهم وهو لم يذق منه شيئاً (ع ٢٠ و٢١) فارتكبوا بذلك خطأين (١) إنهم تناولوا العشاء الرباني سداً لجوعهم خلافاً لما قُصد من سنّه (٢) إنهم جعلوه وسيلة إلى إذلال إخوتهم الفقراء وإحزانهم. ولكي يبيّن الرسول مخالفتهم لسنّة المسيح رجع إلى بيان وضعه (ع ٢٣ – ٢٥) واستنتج منه ثلاثة أمور:
- الأول: إن العشاء الرباني ليس عشاء عادياً بل تذكاراً لموت المسيح.
- الثاني: إن تناوله بطريق غير لائقة هو إخطاء إلى جسد المسيح ودمه للاستخفاف بما يشير إليهما.
- الثالث: إنه لا يليق أن يتقرب أحد إلى مائدة الرب بدون استعداد (ع ٢٦ – ٢٩). وأبان أنهم إذا أصلحوا عملهم في ذلك نجوا من التأديبات التي وقعت على بعضهم (ع ٣٠ – ٣٢). وأوجب عليهم أن يأكلوا العشاء العادي في بيوتهم وأن يجعلوا عشاء الرب مجرد مشاركتهم للمسيح وبعضهم لبعض (ع ٣٣ و٣٤).
١٧ «وَلٰكِنَّنِي إِذْ أُوصِي بِهٰذَا، لَسْتُ أَمْدَحُ كَوْنَكُمْ تَجْتَمِعُونَ لَيْسَ لِلأَفْضَلِ، بَلْ لِلأَرْدَإِ».
ع ٢
إِذْ أُوصِي بِهٰذَا وهو ما في هذا الفصل والأصحاح الذي بعده.
لَسْتُ أَمْدَحُ مدحهم الرسول في بعض الأمور في (ع ٢) ولكن ذلك ما منعه من أن يلومهم على ما صدر منهم من الخلل في اجتماعاتهم الدينية.
تَجْتَمِعُونَ لَيْسَ لِلأَفْضَلِ، بَلْ لِلأَرْدَإِ الظاهر أنهم أخلّوا بثلاثة أمور:
- الأول: أن نساءهم لم تتقنع كما يجب وسبق الكلام على ذلك في أول الأصحاح.
- الثاني: أنهم استهانوا بالعشاء الرباني إذ تصرفوا في تناولهم إياه تصرفهم في العشاء العادي وعلى هذا بقية الأصحاح.
- الثالث: إنهم لم يمارسوا مواهبهم الروحية كما ينبغي وعلى هذا (ص ١٢: ١ – ٣٠) وصرّح الرسول بأنه لسبب ذلك الخلل كان الشر الناتج من اجتماعاتهم أكثر من الخير الناتج عنها.
١٨ «لأَنِّي أَوَّلاً حِينَ تَجْتَمِعُونَ فِي ٱلْكَنِيسَةِ، أَسْمَعُ أَنَّ بَيْنَكُمُ ٱنْشِقَاقَاتٍ، وَأُصَدِّقُ بَعْضَ ٱلتَّصْدِيقِ».
ص ١: ١٠ – ١٢ و٣: ٣
أَوَّلاً أي الأمر الأول مما بقي من الأمور التي وبخهم عليها وهو سوء تصرفهم في تناول العشاء الرباني. والثاني سوء استعمالهم المواهب الروحية وهذا ذكره في (ص ١٢ وص ١٤: ٢٣).
أَسْمَعُ الأرجح أنه سمع من أهل خلوي (ص ١: ١١) أنباء الانشقاق بينهم من أجل معلميهم الدينين (ص ١: ١٠). والانشقاقات المذكورة هنا غيره لأنها هي التي حدثت في بيت الله حين كان المؤمنون يجتمعون للعبادة ووليمة المحبة والعشاء الرباني فانفصل الغني عن الفقير والأرجح أنه انفصل أيضاً متنصرو اليهود عن متنصري الأمم والذين امتازوا بموهبة روحية عمن امتازوا بموهبة أخرى.
وَأُصَدِّقُ بَعْضَ ٱلتَّصْدِيقِ منع الرسول لطفه وحبه للكنيسة من تصديق كل ما سمعه من أنباء تلك الانشقاقات لكنه التزم أن يصدق بعضها.
١٩ «لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضاً، لِيَكُونَ ٱلْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ».
متّى ١٨: ٧ ولوقا ١٧: ١ وأعمال ٢٠: ٣٠ و١تيموثاوس ٤: ١ و٢بطرس ٢: ١ و٢ تثنية ١٣: ٣ ولوقا ٢: ٣٥ و١يوحنا ٢: ١٩
لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ معرفته ذلك جعلته يصدق خبر انشقاقهم بعض التصديق وعرف الرسول ذلك لقول المسيح «لا بد أن تأتي العثرات» (متّى ١٨: ٧) ولاختباره ميل الناس إلى البدع لنقصان معرفتهم الحق وطلبهم الشهرة باكتشافات أمور جديدة في الدين ومصيرهم رؤساء مذاهب ومحبتهم للجدال والمخالفة.
لا شيء في الدين المسيحي يقتضي وقوع البدع بين تابعيه ولا في قصد الله لأنه إله السلام والمسيح يرغب في أن تكون الكنيسة واحدة في التمسك بالحق والمقاومة للباطل وفي الاجتهاد في إرشاد الناس إلى الخلاص به. وأما البدع فهي من أعمال الجسد (غلاطية ٥: ٢٠) تغيظ الله وتفسد الكنيسة.
لِيَكُونَ ٱلْمُزَكَّوْنَ ظَاهِرِينَ بَيْنَكُمْ لم يختر الله أن يمنع وقوع البدع في الكنيسة لأنه يرى أنه قادر على تحويلها خيراً ومن ذلك الخير ما ذكره هنا وهو أن يتبيّن من هم محبو النطام والسلام والحق والطائعون لله المحبوبون إليه. وتأثير هذه البدع امتحان الذين يدعون أنهم مسيحيون وانفصال محبي الحق والنظام عن أهل التشويش والإقلاق وحب الرئاسة والخصومات فيها تتنقى الكنيسة تنقية الذهب بالنار. ولا ريب في أن المباحثات الناشئة عنها تُنشئ زيادة المطالعة لكتاب الله لإثبات الحق وإعلان سبب الرجاء الذي في المؤمنين. وغاية الرسول من هذه الآية توبيخ الذين ابتدعوا تلك البدع. ونصح الكورنثيين كنصحه الرومانيين بقوله «أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تُلاَحِظُوا ٱلَّذِينَ يَصْنَعُونَ ٱلشِّقَاقَاتِ وَٱلْعَثَرَاتِ، خِلاَفاً لِلتَّعْلِيمِ ٱلَّذِي تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ» (رومية ١٦: ١٧).
إنه لتعزية عظيمة للمحزونين والمضطربين من التحزّب في كنيسة المسيح تيقنهم أن الله قادر أن يأتي بالخير من ذلك الشر ويجعل الانشقاقات بمنزلة الزوابع التي وإن كانت مضرة تنقي الهواء وتجعله منعشاً.
٢٠ «فَحِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعاً لَيْسَ هُوَ لأَكْلِ عَشَاءِ ٱلرَّبِّ».
فَحِينَ تَجْتَمِعُونَ مَعاً اجتماعاً كنسياً لأن هذه الآية متعلقة بالآية الثامنة عشرة والآية التاسعة عشرة معترضة.
لَيْسَ هُوَ لأَكْلِ عَشَاءِ ٱلرَّبِّ أنتم تدعون أنكم تجتمعون لذلك وتظنون أنكم تتممون مقصدكم لكن أعمالكم تخالف دعواكم لأنها تظهر أن كل واحد يأكل عشاءه لا عشاء الرب. نُسب ذلك العشاء إلى الرب لأنه تذكار لموته ولأن الرب رسمه ولأنه يمارس إكراماً له. وسُمي «بالعشاء» لأنه أول تناوله كان مساء مقترناً بأكل الفصح الذي كان يؤكل بين العشائين. ودُعي «اشتراكاً» لإظهار متناوليه اتحاد بعضهم ببعض كإخوة لأكلهم خبزاً واحداً ولكن مسيحي كورنثوس اتخذوه وليمة عادية بلا ترتيب ولا إظهار محبة للإخوة ولم يذكروا به موت الرب. فإذاً لم يكن لهم أن يدعوا ذلك العشاء بالعشاء الرباني.
لا ريب أن ذلك الخلل نشأ عن أن المسيحيين الأولين اعتادوا أن يأكلوا ولائم المحبة قبل تناول العشاء الرباني اقتداء بالمسيح ورسله لأنهم أكلوه بعد أكل الفصح فكانوا يأتون تلك الولائم الحبية بما يقدرون عليه من الأطعمة ويضعونه على المائدة المشتركة فيتناول منها الأغنياء والفقراء والأحرار والعبيد بلا امتياز وكانت النية صالحة لكنهم لم يبقوا على تلك النية. وبعض علل ذلك هو التحزب المشار إليه في (ص ١) وبعضها الكبرياء وحب الذات والانهماك في اللذات. ولعل متنصري الأمم لم يفهموا المقصود من العشاء الرباني حق الفهم فظنوه كالولائم التي اعتادوها في هياكل الأوثان وأنه لا يفرق عنها إلا بكونه يُصنع إكراماً للمسيح بدلاً من الإكرام للوثن فأدخلوا في تناول العشاء الرباني بعض ما اعتادوه من الشراهة في الولائم الوثنية قبل أن تنصّروا.
٢١ « لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَسْبِقُ فَيَأْخُذُ عَشَاءَ نَفْسِهِ فِي ٱلأَكْلِ، فَٱلْوَاحِدُ يَجُوعُ وَٱلآخَرُ يَسْكَرُ».
٢بطرس ٢: ١٣ ويهوذا ١٢
أبان هنا علة قوله أن ما كانوا يتناولونه ليس بعشاء الرب إذ لا اشتراك فيه إذ لم يشتركوا في خبز واحد كما هو الواجب (ص ١٠: ١٧) ولم ينتظر أحدهم الآخر ليأكلوا معاً انظر (ع ٣٣).
عَشَاءَ نَفْسِهِ أي اطعام الذي أتى به.
فَٱلْوَاحِدُ يَجُوعُ أي الأخ الفقير الذي لم يستطع أن يأتي بسوى قليل من الطعام أو الذي لم يستطع أن يأتي بشيء منه.
وَٱلآخَرُ يَسْكَرُ أي الغني الذي كان يشرب كل ما أتى به من الخمر على وفرته. وقد أشار يهوذا الرسول إلى مثل هذا الخلل بين من كتب إليهم (يهوذا ١٢). فإذا كان مثل هذا الخلل وقع بعد عشرين سنة من رسم المسيح إياه وكان يومئذ أكثر الرسل في الحياة فلا عجب من أن يكون حدث تغييرات كثيرة في ممارسة ذلك السر في القرون الكثيرة بعد المسيح ورسله. فيجب على الكنيسة أن تلتفت دائماً إلى نص الإنجيل الذي يوضح لنا الغاية من ذلك السر وطريق ممارسته.
٢٢ «أَفَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ لِتَأْكُلُوا فِيهَا وَتَشْرَبُوا؟ أَمْ تَسْتَهِينُونَ بِكَنِيسَةِ ٱللّٰهِ وَتُخْجِلُونَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ؟ مَاذَا أَقُولُ لَكُمْ! أَأَمْدَحُكُمْ عَلَى هٰذَا؟ لَسْتُ أَمْدَحُكُمْ!».
ص ١٠: ٣٢ يعقوب ٢: ٦
أَفَلَيْسَ لَكُمْ بُيُوتٌ لِتَأْكُلُوا فِيهَا لامهم الرسول على استخفافهم بالسر المقدس لأمرين الأول اتخاذهم إياه عشاء عادياً يدفعون به الجوع مع أن لهم بيوتاً لذلك. إن الاجتماع في بيت الله هو لعبادة الله وممارسة السر الذي هو عيّنه فلا يليق أن يتخذوا في بيته ما يُتخذ في غيره من البيوت.
أَمْ تَسْتَهِينُونَ بِكَنِيسَةِ ٱللّٰهِ هذا الأمر الثاني الموجب للومهم وهو أنهم أتوا ما استهانوا به بإخوتهم المؤمنين إذ تناولوا عشاء الرب على طريق ظهر منه أن الأغنياء لم يحسبوا الفقراء أهلاً للأكل معهم مع كون هؤلاء الفقراء أعضاء كنيسة المسيح ومختاريه الذين جعلهم المسيح ملوكاً وكهنة لله أبيه فالذين أكرمهم الله في كنيسته أهانهم الرفيع والوضيع والغني والفقير. فالمراد بالكنيسة هنا جماعة المؤمنين لا محل العبادة.
وَتُخْجِلُونَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ أي الفقراء إذ تصرفكم أيها الأغنياء يشير إلى أنهم أدنياء ويُعلن فقرهم. وكثيراً ما يكون إعلان فقر الفقير أصعب عليه من الفقر نفسه.
أَأَمْدَحُكُمْ عَلَى هٰذَا الخ كان الرسول يميل إلى مدح مؤمني كورنثوس على كل شيء لكنه لم ير سبيلاً إلى مدحهم على تصرفهم المذكور. وكلامه هنا يشتمل على التعجب واللوم من أن المسيحيين يستخفون ببيت الله وبالسر المقدس ويظهرون الكبرياء وحب الذات والاستهانة بإخوتهم في المسيح.
٢٣ «لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ ٱلرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضاً: إِنَّ ٱلرَّبَّ يَسُوعَ فِي ٱللَّيْلَةِ ٱلَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزاً».
ص ١٥: ٣ وغلاطية ١: ١ و١١ و١٢ متّى ٢٦: ٢٦ ومرقس ١٤: ٢٢ ولوقا ٢٢: ١٩
لأَنَّنِي هذا تعليل لعدم مدحه إياهم فإن طريقهم في تناول العشاء الرباني على خلاف طريق تناوله حين رسمه المسيح. ولا عذر لهم في ذلك لأمرين الأول أن بولس أخذ صورة ممارسته عن المسيح. والثاني أنه سلمه لهم كما تسلمه فلم يبق لهم حجة على مخالفتهم.
كرّر لهم ما أخبرهم به سابقاً من الأحوال المهيبة المقترنة برسم هذا السر وغايته وهي ذكر موت الرب وكيفية ممارسته لكي يحملهم على إصلاح الخطإ والقيام بما يجب.
تَسَلَّمْتُ مِنَ ٱلرَّبِّ هذا تصريح بأنه لم يخترع هذا التعليم ولم يأخذه عن الرسل الذين كانوا مع المسيح ولا من التقاليد بل أخذه بإعلان خاص من الرب يسوع. وهذا موافق لقوله في شأن تعليمه «لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (غلاطية ١: ١٢). وقال ذلك ليؤكد لمسيحيي كورنثوس أن خبره صادق وأنه بسلطان إلهي. وفيه بيان أهمية هذا السر عند المسيح.
مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضاً إن بولس هو الذي أسس كنيسة كورنثوس فلا ريب في أنه علمها السرين وكل ما يتعلق بهما.
فِي ٱللَّيْلَةِ ٱلَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا حين كان يهوذا أحد تلاميذه يشرع في تسليمه إلى رؤساء الكهنة (متّى ٢٦: ٢٣ – ٢٥ و٤٨ – ٥٠) فيهمّ المسيحيين أن يعرفوا الأحوال المقترنة برسم ذلك العشاء وإلا لم يخبرنا المسيح بها. وتلك الأحوال المحزنة تمنع من يُمارس بعد ذلك بالبطر والشراهة كأنه وليمة عادية.
إن الاقتداء بالمسيح والرسل في تناول ذلك العشاء لا يلزم منه أن يتناوله المسيحيون ليلاً وبعد العشاء العادي بل يستلزم حفظ كل ما أمر به المسيح وكل ما هو ضروري من مفسرات هذا السر وما يزيده تأثيراً في نفوس المتناولين.
أَخَذَ خُبْزاً كان هو وتلاميذه يأكلون الفصح (متى ٢٦: ٢٦) فأخذ من الخبز الذي كان على المائدة أمامه ولا ريب في أن ذلك الخبز كان فطيراً بمقتضى أمر الله بحفظ الفصح. وكان للفطير في الفصح معنىً هو الإشارة إلى عجلة بني إسرائيل في خروجهم من مصر ولا معنى له في العشاء الرباني ولذلك لم نؤمر به فيجوز لنا أن نصنعه من الفطير أو من الخمير إذ ذاك من الأمور العرضية.
٢٤ «وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا هٰذَا هُوَ جَسَدِي ٱلْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. ٱصْنَعُوا هٰذَا لِذِكْرِي».
وَشَكَرَ هذا كتعبير لوقا عما أتاه المسيح (لوقا ٢٢: ١٩) وأما متى ومرقس فعبرّا عنه بقولهما «بارك» (متّى ٢٦: ٢٦ ومرقس ١٤: ٢٢) وكل منهما يشتمل على الآخر لأن بيان الشكر لله على موهبة من المواهب أفضل وسيلة إلى نيل بركته عليها وإظهار الرغبة فيها (انظر تفسير متّى ٢٦: ٢٦).
فَكَسَّرَ اتفق متّى ومرقس ولوقا مع بولس في هذا فدّل على أن المسيح قصد به معنىً مفيداً فلا يجوز للمسيحيين أن يعدلوا عنه. وسبق بيان هذا المعنى في تفسير (متّى ٢٦: ٢٦).
وَقَالَ خُذُوا كُلُوا في بشارة متّى «خذوا كلوا» وفي بشارة مرقس «خذوا» ولم يُذكر شيء منهما في بشارة لوقا وخلا بعض نسخ هذه الرسالة منهما. والذي يظهر من مقابلة كل هذه الأقوال أن المسيح تلفظ بهما واقتصر بعض الكتبة على أحدهما وتركهما البعض لأن مناولة المسيح الخبز لتلاميذه يتضمن معنييهما ضرورة وذكر العمل يغني عن ذكر القول.
إنه يجب على كل المؤمنين أن يأخذوا ويأكلوا وإلا فليس من اشتراك ولا يصح أن يتوب عنهم القسوس في ذلك.
هٰذَا هُوَ جَسَدِي كل كتبة العهد الجديد الذين ذكروا نبأ العشاء الرباني ذكروا هذا الكلام ومعناه أن الخبز إشارة إلى جسد المسيح وتذكاراً له. وسُمي بجسده كما سُميت الكأس بالعهد الجديد. وسبق الكلام على هذا بالتفصيل في تفسير (متى ٢٦: ٢٦).
ٱلْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ لم يذكر متى ومرقس هذا فالأرجح أنهما اكتفيا بإشارة كسر الخبز إليه. وأما لوقا فقال «الذي يُبذل عنكم» (لوقا ٢٢: ١٩). وقد تركت لفظة «المكسور» من بعض نسخ هذه الرسالة وتُرك للقارئ أن يعلق قوله «لأجلكم» بمقدر هو «المبذول» أو «المكسور» لإفادة المعنى الواحد المقصود وهو أن المسيح قد ذُبح من أجلنا لأنه من جوهريات تعاليم هذا السر أن موت المسيح موت كفارة لخطايانا فلم يمت لمجرد تعليمنا ولا لمجرد إحسانه إلينا ولا لمجرد الشهادة للحق.
ٱصْنَعُوا هٰذَا لم يذكره متى ومرقس وأما لوقا فذكره بلفظه ومعناه افعلوا كما فعلت أي خذوا خبزاً وباركوه واكسروه ووزعوه وكلوه.
لِذِكْرِي أي لكي تذكروا إني متّ عن خطاياكم. والمسيح اقتصر على هذا من كل فوائد ذلك السر. فنستنتج من ذلك أن من مهمات هذا السر أن نذكر محبة المسيح التي حملته على خلاصنا وعلى احتمال ما احتمله من الآلام والموت لحصوله على ذلك المقصود. وقد سبق الكلام على هذه العبارة في تفسير (لوقا ٢٢: ١٩).
٢٥ «كَذٰلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضاً بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي. ٱصْنَعُوا هٰذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي».
كَذٰلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضاً هذا مثل قول لوقا ويفيد أن المسيح صنع بالكأس ما صنعه بالخبز أي أنه أخذها وشكر. وعبّر عن هذا متّى ومرقس بقولهما «أخذ الكأس وشكر وأعطاهم».
بَعْدَمَا تَعَشَّوْا أي بعد فراغهم من أكل الفصح.
هٰذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي هذا على وفق قول لوقا (لوقا ٢٢: ٢٠). وعبّر عنهما متّى ومرقس بقولهما «هذا هو دمي الذي للعهد الجديد» المراد «بالكأس» الخمر فيها وهو إشارة إلى دم المسيح. والمراد «بدم العهد» الدم الذي ثبت العهد به وأكد نيل كل فوائده بدليل قوله «وَأَخَذَ مُوسَى ٱلدَّمَ وَرَشَّ عَلَى ٱلشَّعْبِ وَقَالَ: «هُوَذَا دَمُ ٱلْعَهْدِ ٱلَّذِي قَطَعَهُ ٱلرَّبُّ مَعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ هٰذِهِ ٱلأَقْوَالِ» (خروج ٢٤: ٨). فإنه اصطلح الأقدمون على تثبيت العهد بذبح ذبيحة ورش دمها على المتعاهدين (عبرانيين ٩: ١٩ و٢٠).
سمّي هذا العهد «بالعهد الجديد» تمييزاً له عن العهد الموسوي لأن ذاك تثبت بدم بهائم وأما هذا فبدم ابن الله الأزلي. ذاك تكفل للمتعاهدين بفوائد زمنية وبإزالة دنسهم الرمزي وأما هذا فتكفل لهم بالفداء الأبدي وبإزالة كل خطاياهم أمام الله والاتفاق التام بين العهدين قائم بأن الله قصد أن نتخذ العهد الموسوي رمزاً إلى العهد الجديد في المسيح وأن نتخذ كل البركات المقترنة بالأول رمزاً إلى البركات الروحية السماوية.
إن الإسرائيلي كان يدخل في معاهدة الله حين كان يرش على جسده دم العجل ويعد أنه يقوم بكل ما رُسم في شريعة موسى. وكان الله يعاهده على أن يمنحه كل البركات المتوقفة على تلك الطاعة. كذلك المؤمن على مائدة الرب يُعلن بقبوله الكأس أنه تمسك بعهد النعمة وأنه أوجب على نفسه الطاعة لكل أوامر الإنجيل والله يتعهد بأن يمنحه كل فوائد الفداء.
إن شرب تلك الكأس لا يتكفل لنا بتلك الفوائد ما لم يقترن بالإيمان فعلينا أن نؤمن بأن يسوع المسيح ابن الله وأنه بذل نفسه عنّا وأن دمه يطهرنا من كل خيطيئة وأنه قدّم لنا بجسده المكسور ودمه المسفوك عربون الحياة الأبدية.
ٱصْنَعُوا هٰذَا هذا القول لم يذكره لوقا ومرقس. ونقل متى أن المسيح قال «اشربوا منها كلكم». ويستفاد من كل ما كُتب في أمر الكأس أن المسيح ناولها كل التلاميذ وأنهم شربوا منها كلهم. ومعنى قوله «اصنعوا هذا» كما في (ع ٢٤) أي باركوا الكأس كما باركتها وليناولها بعضكم بعضاً كما ناولتها.
كُلَّمَا شَرِبْتُمْ الخ أي كلما اجتمعتم للعشاء الرباني لا كلما شربتم خمراً. فكان عليهم أن يشربوها متذكرين محبته لهم وموته لأجلهم.
٢٦ «فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هٰذَا ٱلْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ ٱلرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ».
يوحنا ١٤: ٣ و٢١: ٢٢ وأعمال ١: ١١ وص ٤: ٥ و١٥: ٢٣ و١تسالونيكي ٤: ١٦ و٢تسالونيكي ١: ١٠ ويهوذا ١٤ و رؤيا ١: ٧
فَإِنَّكُمْ الفاء هنا سببية تبين العلاقة بين قوله «اصنعوا هذا… لذكري» وقوله «تخبرون بموت الرب» لأن التذكار هنا يستلزم الإعلان طبعاً.
إِلَى أَنْ يَجِيءَ هذا دليل على أن هذا السر ليس وقتياً كعيد الفصح بل إنه يدوم إلى نهاية النظام الحاضر وأنه فوق كونه إعلاناً لموت المسيح عربون مجيئه ثانية «بلا خطية للخلاص» (عبرانيين ٩: ٢٨).
٢٧ «إِذاً أَيُّ مَنْ أَكَلَ هٰذَا ٱلْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ ٱلرَّبِّ، بِدُونِ ٱسْتِحْقَاقٍ، يَكُونُ مُجْرِماً فِي جَسَدِ ٱلرَّبِّ وَدَمِهِ».
عدد ٩: ١٠ و١٣ ويوحنا ٦: ٥١ و٦٣ و٦٤ و١٣: ٢٧ وص ١٠: ٢١
في هذه الآية نتيجة أخرى مما سبق بديل قوله «إذاً». إن كون العشاء الرباني إعلاناً لموت المسيح يستلزم أن الذي يتخذه عشاء عادياً أو يستخف به أو يأتيه في غير طريقه التي رُسم فيها «كان مجرماً في جسد الرب ودمه».
مَنْ أَكَلَ هٰذَا ٱلْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ ٱلرَّبِّ مما يستحق أن يُلتفت إليه هنا أن الرسول ظل يعبر عن العنصرين «بالخبز والكأس» بعد تخصيصهما بالصلاة والشكر وأن الذي يؤكل هو الخبز نفسه والذي يُشرب هو خمر الكأس عينها فلو صحّت الاستحالة لسماهما الجسد والدم. وإنه قال «من أكل … أو شرب» ولم يقل من أكل وشرب وهي دليل على أن من يستخف بأحد العنصرين أجرم كما ذُكر.
بِدُونِ ٱسْتِحْقَاقٍ كثيراً ما يشعر الآتون إلى مائدة الرب بأنهم غير مستحقين أن يأتوا إليها لكنهم لا يجرمون بذلك لأن شعورهم هذا من التواضع وهو علامة استعدادهم لتناول عشاء الرب في طريق الصواب. فغاية تحذير الرسول هنا ردع المستخف والمجدف لا منع الضعيف الإيمان والمتواضع القلب من الاقتراب إلى تلك المائدة. فالأكل أو الشرب «بدون استحقاق» هو إتيان الإنسان إلى مائدة الرب بلا اهتمام ولا وقار ولا إيمان ولا توبة ولا تواضع ولا قصد أن يذكر موت المسيح بواسطة ذلك السر ولا شكر له على موته كفارة عنه ولا نيّة القيام بما أوجب عليه هذا السر من العهود المتعلقة به. وما ذكرناه يصدق على كل الكنائس أبداً. وأما أعضاء كنيسة كورنثوس فأكلوا وشربوا بدون استحقاق لأنهم اتخذوا مائدة الرب مائدة لهم ولم يميزوا بين عشاء الرب والعشاء العادي وقصدوا به دفع جوعهم لا الاقتيات بالإيمان من جسد المسيح ودمه وأن أغنياءهم لم يشاركوا الفقراء في تناوله.
مُجْرِماً فِي جَسَدِ ٱلرَّبِّ وَدَمِه أي صائراً عرضة للعقاب الذي يستحقه من استهان بجسد الرب ودمه لأن عدم اعتبار الرموز عدم اعتبار للمرموز إليه. قيل قبلاً أن الذي يمارس ذلك السرّ بوجه الصواب يُعلن موت الرب فيكرم المسيح نفسه وهذا يستلزم أن الذي يخالف ذلك يستهين بالمسيح نفسه لأنه يُعلن بسوء تصرفه أن موت المسيح ليس إلا كموت سائر الناس لا كفارة به ولا فداء ولا ما يدعو إلى الشكر والمحبة. فكل من داس عمداً رأية مملكة ما أهان دولتها ومن استهان بسفير ملك استهان بملكه عينه كذلك من استخف بالإشارة إلى جسد المسيح ودمه استخف بالمسيح نفسه. ومن خطئ كذلك بجهل فهو أقل جرماً ممن خطئ عمداً. ولا ريب في أن الذين اتخذوا ذلك العشاء هزوءاً ليظهروا كفرهم بالمسيح وبغضهم له هم كالذين سمّروه على الصليب.
٢٨ «وَلٰكِنْ لِيَمْتَحِنِ ٱلإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهٰكَذَا يَأْكُلُ مِنَ ٱلْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ ٱلْكَأْسِ».
٢كورنثوس ١٣: ٥ وغلاطية ٦: ٤
في هذه الآية النتيجة الثالثة مما سبق (وسبقت الأولى في ع ٢٦ والثانية في ع ٢٧) وهي أنه يجب على الإنسان أن يمتحن نفسه قبل تناوله العشاء الرباني لئلا يرتكب الخطيئة المذكورة آنفاً.
لِيَمْتَحِنِ ٱلإِنْسَانُ نَفْسَهُ ليرى هل له معرفة لتمييز جسد الرب (ع ٢٩) وهل هو متذكر كل ما في موت المسيح الذي جعل هذا السر تذكاراً له وهل تاب حقيقة عن خطاياه وهل آمن بأن يسوع المسيح مخلصه وهل وقف نفسه لخدمته وهل قصد بتناوله ذلك العشاء اشتراكه في كل فوائد موته على الصليب وإعلانه أمام العالم أنه اتخذ المسيح نبياً وكاهناً وملكاً وأنه متحد بإخوته المؤمنين أعضاء كنيسة المسيح. ويحب أن يقترن ذلك الامتحان بالصلاة كما صلى داود بقوله «ٱخْتَبِرْنِي يَا اَللّٰهُ وَٱعْرِفْ قَلْبِي. ٱمْتَحِنِّي وَٱعْرِفْ أَفْكَارِي. وَٱنْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَٱهْدِنِي طَرِيقاً أَبَدِيّاً» (مزمور ١٣٩: ٢٣ و٢٤). وبمقابلة الأفكار والأعمال بما يطلبه كتاب الله.
وَهٰكَذَا يَأْكُلُ الخ أي بعد الامتحان والتيقن أنه مستعد الاستعداد التام وإلا فلا يأكل. وليس معنى الآية أنه يجوز تناول عشاء الرب إلا بعد التحقيق أننا لسنا بخطأة وأن إيماننا بلغ درجة الكمال بل علينا أن نتحقق أننا تبنا عن كل خطايانا وأننا تركناها وأننا اقتربنا إلى مائدة الرب بكل تواضع بغية أن يطعمنا منها لكي لا نجوع وأن يسقينا منها لكي لا نعطش أبداً.
٢٩ «لأَنَّ ٱلَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ ٱسْتِحْقَاقٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ ٱلرَّبِّ».
رومية ١٣: ٢
أبان في هذه الآية علة أن امتحان النفس استعداد ضروري لتناول العشاء الرباني وهي العقاب الذي يعرّض الإنسان نفسه له بسوء تناوله ذلك العشاء.
بِدُونِ ٱسْتِحْقَاقٍ سبق تفسير هذا في تفسير (ع ٢٧).
يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ أي يهيج غضب الله عليه ويعرض نفسه لعقابه. وأبان في الآية الآتية أن هذه الدينونة المرض أو الموت. فقوله هنا بمعنى قوله «يكون مجرماً في جسد الرب ودمه» (ع ٢١).
غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ ٱلرَّبِّ اقتصر على ذكر الجسد ومراده الجسد والدم معاً. وعدم تمييز جسد الرب هو أن لا يعتبر الإنسان الخبز والخمر إشارتين إلى جسد الرب ودمه وأن لا يتناولهما بالاعتبار الواجب والتواضع والشكر وذكر موت الرب بل يعتبرهما خبزاً وخمراً عاديين لدفع الجوع والعطش. وغاية الرسول من هذا منع المستخف والمستهزئ من الاقتراب إلى مائدة الرب لا إرهاب المؤمن المتواضع من الإتيان إليها.
٣٠ «مِنْ أَجْلِ هٰذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ».
مِنْ أَجْلِ هٰذَا أي من أجل أنكم تأكلون وتشربون بدون استحقاق غير مميزين جسد الرب وتغيظون الرب وتحملونه على عقابكم.
فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى أشار بذلك إلى مرض شائع بينهم مختص بهم صرّح بأنه اعتراهم عقاباً لهم على سوء ممارستهم العشاء الرباني. والظاهر أن هذا المرض كان مختلف الشدة فنشأ عنه في بعضهم انحطاط القوة المعتادة وهم الذي عبّر عنهم «بالضعفاء» وفي آخرين الضنى الشديد وهم الذين عبّر عنهم «بالمرضى» وقد نشأ عنه موت البعض فلا داعي إلى حمل ذلك على الضعف والمرض والموت الروحية. إن الله قد يعاقب الناس على خطاياهم بالمصائب والموت كما يتضح من (أعمال ٥: ١ – ١٠ و١٢: ٢٣ و١٣: ١١ و١تيموثاوس ١: ٢٠ انظر تفسير ص ٥: ٥).
وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ أي يموتون. واستعار الرقاد للموت المشابهة بينهما كما في (دانيال ١٢: ٢ ويوحنا ١١: ١١ و١٢ و١كورنثوس ١٥: ٥١ و١تسالونيكي ٤: ١٤ و٥: ١٠). ولا دليل مما قيل هنا على أنه اعتراهم الهلاك الأبدي فوق موتهم الجسدي بل المرجح أنهم لم يهلكوا هلاكاً أبدياً بدليل أن التعبير بالرقاد عن الموت إنما هو مختص بموت المؤمنين وأن ما في (ع ٣٢) يفيد أن عقابهم كان تأديباً لا هلاكاً مع أهل العالم.
٣١ «لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا».
مزمور ٣٢: ٥ و١يوحنا ١: ٩
لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا أي لو امتحنا أنفسنا بالخلوص والتدقيق لنرى هل نحن مستعدون للاقتراب من مائدة الرب وتحققنا أننا كذلك (ع ٢٨). فالرسول من لطفه وتواضعه ضم نفسه إلى الذين احتاجوا إلى هذه النصيحة.
لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا وما عوقبنا بشيء من الضعف والمرض والموت. فبعدم حكمهم على أنفسهم وإصلاح ما فسد حملوا الله على دينونتهم وعقابهم.
لا دليل على أن الله يعاقب اليوم الذين لا يمتحنون أنفسهم ويتناولون عشاء الرب بدون استحقاق كما عاقب المعتدين في كنيسة كورنثوس لكنه لا ريب في أن مثل هؤلاء يُحزنون قلب يسوع ويخسرون السرور والبركة والنمو التي قصد الله منحها لمتناولي ذلك السر بطريق الصواب ويهيجون غضب الله ويعرّضون أنفسهم للعقاب الذي يستحقونه.
٣٢ «وَلٰكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا نُؤَدَّبُ مِنَ ٱلرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ ٱلْعَالَمِ».
مزمور ٩٤: ١٢ و١٣ وعبرانيين ١٢: ٥ – ١١
حُكِمَ عَلَيْنَا لسوء التصرّف في تناول العشاء الرباني وبموجب هذا الحكم عوقبنا بالمصائب الزمنية.
نُؤَدَّبُ مِنَ ٱلرَّبِّ أي أن الرب هو الذي عاقبنا بتلك المصائب وأنها ليست بعلامات غضبه ورفضه إيانا كما لو عاقب بها أعداءه بل هي آيات محبته يجذبنا بها إلى التوبة والإصلاح فيؤدبنا بها كما يؤدب الأب ابنه (٢كورنثوس ٦: ٩ وعبرانيين ١٢: ٥ – ١٠).
لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ ٱلْعَالَمِ أي أهله الأشرار الذين لم يتوبوا عن خطاياهم بل ماتوا فيها ودينوا دينونة أبدية.
«العالم» اسم لكل الذين ليسوا من كنيسة المسيح بدليل قوله «ليسوا من العالم» (يوحنا ١٧: ١٦). فاستخفاف مسيحيي كورنثوس بالعشاء الرباني مع كونه خطيئة عظيمة لم توجب الهالك الأبدي على الذي تابوا عنها فلم تكن كالتجديف على الروح القدس.
٣٣، ٣٤ «٣٣ إِذاً يَا إِخْوَتِي حِينَ تَجْتَمِعُونَ لِلأَكْلِ، ٱنْتَظِرُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً. ٣٤ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَجُوعُ فَلْيَأْكُلْ فِي ٱلْبَيْتِ، كَيْ لاَ تَجْتَمِعُوا لِلدَّيْنُونَةِ. وَأَمَّا ٱلأُمُورُ ٱلْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا».
ع ٢١ ع ٢٢ ص ٤: ١٩ ص ٧: ١٧ وتيطس ١: ٥
أثبت الرسول على مسيحي كورنثوس خطأين في ممارسة العشاء الرباني الأول إنه كان كل منهم يأكل وحده فأبطلوا كونه اشتراكاً (ع ٢١) والثاني أنهم كانوا يأكلونه دفعاً للجوع كأنه عشاء عادي (ع ٢١ و٢٢) فأخطأوا بالأول إلى إخوتهم وبالثاني إلى المسيح. فختم الرسول كلامه بأمرين الأول أن ينتظر بعضهم بعضاً ليكون ذلك العشاء عشاء اشتراك والثاني أن يأكلوا في بيوتهم دفعاً لجوعهم قبل أن يأتوا إلى مائدة الرب. فالأمر واضح ٰن هذا ينافي قول البعض أنه لا يجوز لأحد أن يتناول إلا وهو صائم.
أَمَّا ٱلأُمُورُ ٱلْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا نستنتج من هذا إنه كان لهم مسائل جزئية غير ما ذُكر لم يستحسن الرسول أن يذكرها في رسالته لكنه قصد أن يجيبهم عليها متى رجع إلى كورنثوس والأرجح أن تلك المسائل كانت مختصة بالعشاء الرباني مثل أنه في أي ساعة من النهار يجب أن يُتناول وكم مرة في السنة وفي أي سن يجوز تناوله وما أشبه ذلك.
تكلم بولس هنا باعتبار كونه رسولاً وكّلَ إليه المسيح تعليم كنيسته ما يجب أن تعتقده وتعمله ويرتب لها النظام الموافق فأعطى المسيح بولس وسائر الرسل روحه القدوس لهذا القصد فعصمهم من الخطإ في التبليغ فلم تزل الكنيسة مكلفة بما أمروا به وبما رتبوه.
فوائد
- مدح بولس الكنائس على ما استحقت به المدح كما ذمها على ما استحقت به الذم. كذلك من متقضيات الحكمة واللياقة أن يمدح الراعي رعيته والمعلم تلاميذه والوالد أولاده على كا ما استحقوا به المدح لكي ينشطهم إلى الصلاح ويمهد الطريق إلى بيان ذنوبهم إن كانوا مذنبين (ع ٢).
- إن الله جعل نظام العالم مؤدياً إلى سعادة الإنسان ونفعه لغيره فعيّن للرجل مقاماً وللمرأة آخر وللولد آخر. وفرض على كل واجبات فإن حاول الولد التسلط على والده اتخذ الرجل محل المرأة والمرأة محل الرجل لم يحدث سوى التشويش والاضطراب. فيجب على كل إنسان أن يلاحظ ذلك النظام ويجري بمقتضاه. إن الملائكة الذين صاروا أبالسة سقطوا من مقامهم السامي بتعديهم النظام الذي جعله الله لهم فمن تعدى على الأرض نظام الله عرّض نفسه للضرر مثلهم (ع ٣).
- إن الدين المسيحي يمتاز عن سائر الأديان بأنه لا يسلب المرأة المقام التي تستحقه ويمكنها من النمو والتقدم جسداً وعقلاً وأدباً لارتقائها وسعادتها ونفعها لغيرها. ومن مجد هذا الدين أنه حيث انتشر يجعل المرأة رفيقة الرجل ومعينته وشريكته في كل الخيرات الدنيوية وكل البركات السماوية بدلاً من أن تكون أَمته لا تشاركه بالمساواة في شيء من خيرات العالمين (ع ٣ و٧ و٩).
- إنه لا يجوز للمسيحيين أن يحسبوا العوائد في الملبوسات والأزياء مما لا يلتفت إليه الدين أو يحكم فيه إذ لا يحل لهم أن يتخذوا الثياب من آيات الافتخار والزهو ولا أن يجاوزوا فيها قوانين اللياقة والعفاف ويشينون شرفهم ويعثر غيرهم (ع ٤ و٥ انظر أيضاً ١بطرس ٣: ٣ و٤).
- إن روح الله أثبت بتكلمه بفم بولس ما قاله بفم موسى فمن اعتقد أن الإنجيل كُتب بإلهام الله وجب عليه أن يعتقد أن أسفار موسى كذلك في تواريخها وتعاليمها (ع ٧ – ٩).
- إن المماثلة بين الكلمات التي ذكرها لوقا في إنجيله مما يتعلق بالعشاء الرباني والكلمات التي ذكرها بولس في رسالته مما يتعلق بذلك دليل على صحة قول القائلين بأن لوقا أخذ أكثر تعاليم إنجيله مما سمعه من مواعظ بولس وهو يجول معه للتبشير. ولا شيء في هذا يستلزم أن لوقا لم يكتب بإلهام الروح القدس ووحيه (ع ١١ – ٢٥).
- إن الشرائع الطبيعية موافقة للشرائع الأدبية التي في الإنجيل ومثبتة لها وهذه الموافقة تبيّن أنهما من مصدر واحد هو الله (ع ١٤).
- إن الاختلافات الضارة في الكنيسة التي أنشأها الشيطان بغية ملاشاتها يقدر الله بحكمته وعنايته أن يجعلها وسائل إلى نفع الكنيسة لأنه كثيراً ما ينتج منها زيادة الدرس لكتاب الله للوقوف على الحق وزيادة الصلاة لله بغية أن يؤيد الحق ويلاشي الباطل وكثيراً ما يُعرف بواسطتها المؤمن الحقيقي من المرائي فلولا الخلاف في كنيسة كورنثوس وسوء التصرف الذي نشأ عنه لم يكتب بولس ما عرفناه هنا من أمر العشاء الرباني إصلاحاً للخلل. وليس في هذا عذر لمنشئ الخلاف ولا تخفيف لقصاصهم.
- إنه يجب علينا أن نعلّم غيرنا كل ما علمناه في الإنجيل من العقائد والأعمال اقتدءا ببولس إذ قال «أني تسلمت من الرب ما سلمتكم» (ع ٢٣).
- إن المسيح قصد بالعشاء الرباني تذكير أتباعه ما احتمله من أجلهم وربطهم به بربط المحبة والشكر وربط بعضهم ببعض من كل رتبة في كل زمان ومكان ليكونوا كأهل بيت واحد لأكلهم من خبز واحد وأعضاء جسد واحد رأسه المسيح. إن مائدة الرب محل تجديد العهود وذكر المراحم ونيل زيادة النعمة ومحل الراحة والانتعاش وتجديد القوى للنفوس المتعبة. إنها قنة نقدر منها أن نرى بعين الإيمان جلياً شقاء الحال التي نجانا المسيح منها ومجد الميراث الذي اشتراه لنا (ع ٢٣ – ٢٦).
- إن كل ما قيل هنا في شأن ذلك السر تعظيم لاسم المسيح ففيه أن العشاء عشاء الرب (ع ٢٠) وأن المُعلن به هو الرب (ع ٢٣) وأن الجسد جسد الرب (ع ٢٩) وأن الدم دم الرب (ع ٢٧) والكأس كأسه (ع ٢٧) والموت موته (ع ٢٦) وهو المؤدب من يتناول عشاءه بدون استحقاق (ع ٣٢).
- إن الرسول أوجب على المؤمنين أمرين جوهريين في العشاء الرباني وهما ذكر موت الرب واتحاد المتناولين قلباً وعملاً. فكلما تأملنا في الأول وتكلمنا في وجوبه وجب أن لا نغفل عن الثاني (ع ٢١ و٣٣).
- إنه إذا نظرنا إلى استحقاقنا نرى أننا لسنا أهلاً للاقتراب من مائدة الرب إذ ليس للملائكة مثل تلك النعمة. وأما نعمة الرب يسوع المسيح فتجعل أقل المسيحيين أهلاً لذلك إذا اقترب إليها بالإيمان والتوبة والتواضع (ع ٢٨).
(١٤) إن قول الرسول «يجب على كل إنسان أن يمتحن نفسه وهكذا يأكل» الخ يستلزم أنه يجب على كل إنسان أن يشترك وأنه غير مخيّر في الاشتراك وتركه فمن تركه عصى أمر المسيح ونكث عهده الذي أعلنه يوم صار عضواً في الكنيسة. فلا يجوز أن يعتزل العشاء الرباني بحجة أنه غير مستحق لأنه غير مستعد إذ بقاؤه في تلك الحال خطيئة فوق خطيئة (ع ٢٨).
- إنه يستحيل أن يأتي أحد إلى مائدة الرب ويرجع كما أتى لأنه أما أن يأكل ويشرب بركة لنفسه ونموه في المحبة والإيمان والشكر أو يأكل ويشرب دينونة لنفسه (ع ٢٩). وما صدق في شأن العشاء الرباني يصدق أيضاً في شأن الصلاة وسمع كلمة الله والحصول على وسائط نعمة أخرى لأن ذلك من وسائط التقدم في التقوى أو علل دينونتنا. إن عزّة حين أتى بتابوت الله إلى مكانه أغاظ الله فأماته وعوبيد أدوم حفظ تابوت الله عنده فحصل على بركة الله هو وأهل بيته (٢صموئيل ٦: ٧ و١١).
- إن المسيحي بامتحانه نفسه كل يوم وبحكمه عليها بمقتضى قياس كتاب الله وبالتجائه كل يوم إلى المسيح للعفو عنه يأمن على أنه سالك مع الله الآن وأنه مستعد للوقوف أمام كرسي الدينونة بلا خوف (ع ٣١).
-
إنه إذا ذكرنا أن غاية المصائب هي أن لا ندان مع عالم الأشرار قبلناها علامات محبة الله لنا وفرحنا بها (ع ٣٢).
السابق |
التالي |