الرسالة الأولى إلى كورنثوس | 08 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة الثانية إلى كورنثوس
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الثامن
أكل ما ذُبح للأوثان
هذا الموضوع الخامس من مواضيع هذه الرسالة والموضوع الثاني مما سُئل الرسول عنه وهو أن كل ما ذُبح للأوثان ليس بمحرم بالذات (ع ١ – ٧) لكن يجب على الإنسان أن يعتزله إذا كان علة عثرة لغيره (ع ٨ – ١٣).
وهذا الموضوع يشغل أكثر الكلام في (ص ٨ و٢ ٩ و٢ ١٠). حكم مجمع أورشليم أنه يجب على المؤمنين من الأمم أن يمتنعوا عما ذُبح للأصنام (أعمال ١٥: ٢٨). وكان بولس في ذلك المجمع وفي هذه الرسالة رجع إلى ذلك الحكم لكنه قال في ص ١٠ «يجوز أن يأكلوا كل ما عُرض من اللحم في السوق وفي ولائم أصحابهم بدون فحص». ولا يلزم من ذلك أن رأي بولس مناف لرأي المجمع الأورشليمي وأنه لم يعتبر أن الكنيسة مكلفة به لكنه اعتبر أنه وقتي بالنظر إلى الأحوال لأنه أوجب على الذين سكنوا بين اليهود وكان اليهود يحسبون أكل مثل هذا اللحم محرماً ولم يوجب على الساكنين بين غيرهم. وافتتح بولس كلامه في هذا الأمر بالتسليم أنهم عالمون بهذا الأمر لكن يجب أن لا يقتصروا على الجري بمقتضى علمهم بل يلتفتوا إلى ما توجبه المحبة (ع ١ – ٣) فإن الأوثان ليست سوى أباطيل وأكاذيب وأن الله هو الإله الواحد الحي الحقيقي (ع ٤). والوثنيون عبدوا آلهة كثيرة في السماء والأرض والمسيحيون يعبدون إلهاً واحداً (ع ٥ – ٦). على أن كثيرين من المسيحيين الذين لا يؤمنون إلا بإله واحد وليس لهم كمال المعرفة بهذا الموضوع كانوا لا يزالون يخافون من الأوثان ويحسبون أكل ذبائحها عبادة لها فهو من المحرمات (ع ٧). وسلم الرسول أيضاً بأن أكل اللحم لا يضر ولا ينفع أمام الله ولا يؤثر في أحوال المؤمن الروحية (ع ٨). وقال إن كون أكل تلك الذبائح مباحاً ليس بعلة كافية لأن نأكلها في كل الأحوال لأنه إذا كان الأكل علة خطيئة لغيرنا كان خطيئة علينا (ع ٩). وإنه إذا أكل الأخ الضعيف على خلاف حكم ضميره اقتداء بالأخ القوي سقط في خطيئة مخالفة الضمير فلحق إثمه من كان سبب سقوطه (ع ١٠ – ١٢) . قال الرسول إنه «خير له أن لا يأكل لحماً أبداً من أن يعثر أخاه الضعيف» لأن الامتناع عن اللحم أمر زهيد جداً بالنسبة إلى أضرار النفس الخالدة (ع ١٣).
١ «وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ فَنَعْلَمُ أَنَّ لِجَمِيعِنَا عِلْماً. ٱلْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلٰكِنَّ ٱلْمَحَبَّةَ تَبْنِي».
أعمال ١٥: ١٩ و٢٠ وص ١٠: ١٩ رومية ١٤: ١٤ و٢٢ رومية ١٤: ٣ و١٠
مِنْ جِهَةِ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ الذي سألتموني عنه في كتابكم. اختلفت آراء المؤمنين الذين سكنوا بين عبدة الأوثان من اليونانيين والرومانيين في جواز أكل ما ذُبح للأوثان ومنعه. وكانوا ينتظرون في ذلك كل يوم فاضطروا إلى حَكَم يفصل بينهم.
غلب أن تكون الذبائح الوثنية ثلاث أقسام يُحرق قسم منها على المذبح ويُعطى قسم للكاهن ويبقى قسم لمقدم الذبيحة. فكان للكاهن المستغني عن أكل قسمه أن يبيعه في السوق والقسم الباقي المقدم الذبيحة يأكله هو إما في الهيكل (ع ١٠) وإما في بيته (ص ١٠: ٢٧). وكان المسيحيون عرضة لأكل لحم هذه الذبائح سواء اشتروا لحماً من الأسواق أو دعاهم أصحابهم الوثنيون إلى تناول الطعام معهم في البيوت أو إلى الولائم في الهياكل.
أباح مؤمنوا الأمم لأنفسهم أكل تلك الذبائح لأمرين الأول إن الأوثان ليست آلهة. والثاني أن أكل اللحم لا يقدم ولا يؤخر أمام الله ولا يؤثر في تقوى الإنسان لأن الدين أمر مختص بالقلب. والرسول سلم لهم بالوجهين ولكنه لم يسلم بما استنتجوا منهما وهو أنه يجوز لهم أن يأكلوا ما شاءوا في كل الأحوال بدون نظر إلى تأثير ذلك في المشاهدين.
وحرم متنصرو اليهود أكل تلك الذبائح وكرهوه جداً بناء على ما كُتب في العهد القديم (عدد ٢٥: ٢ ومزمور ١٠٦: ٢٨) ولاموا متنصري الأمم على أكلهم إياها.
نظر الرسول والمشائخ في هذا الأمر واتفقوا بعد البحث على ما كُتب في (أعمال ١٥: ٢٣) ولم يشر الرسول إلى ذلك. رأى بعضهم أن علة سكوته عن حكم المجمع بغية تأكيد أنه رسول المسيح يوحي إليه الروح القدس وأنه غير مفتقر إلى إرشاد الناس. ورأى غيره أن بولس فضّل أن يمتنع متنصرو الأمم عن أكل تلك الذبائح حباً للإخوة وإكراماً للمسيح على أن يمتنعوا عنه لحكم المجمع.
فَنَعْلَمُ أَنَّ لِجَمِيعِنَا عِلْماً إن أقوياء الإيمان منهم ادعوا ذلك وبنوا على علمهم حق أن يأكلوا من تلك الذبائح. وجعل بولس نفسه واحداً منهم بقوله «لجميعنا» بناء على أن رأيهم رأيه. وأما الإخوة الضعفاء فقال في الآية السابعة ليس لهم العلم الكامل بهذا الموضوع كما للأقوياء. أو لعله قصد في هذه الآية نوعاً من العلم بقوله «جميعنا نعمل» وقصد بقوله «ليس العلم للجميع» (ع ٧) نوعاً آخر منه فأراد في هذه الآية العلم النظري بأن الوثن ليس بشيء وهذا العلم للأقوياء والضعفاء معاً. وأراد في الآية السابعة العلم العملي الذي لم يبلغه الضعفاء ولذلك يعتريهم الشك في جواز أكل ما ذُبح للأوثان وعلى مثل هذا قال في موضع أن الوثنيين عرفوا الله (رومية ١: ٢١) وقال في موضع آخر إنهم لم يعرفوه (١كورنثوس ١: ٢١).
ٱلْعِلْمُ يَنْفُخُ إذا لم يقترن العلم بالمحبة جعل الإنسان متكبراً معجباً بنفسه وعرضة للسقوط فإذاً العلم غير كاف لجعل الإنسان كاملاً أمام الله والناس فلا يحسن أن يتكل عليه الإنسان في أعماله.
ٱلْمَحَبَّةَ تَبْنِي أي المحبة لله وللناس فهي تقودنا إلى طلب مجد الله ونفع الغريب. وقد أبان سموّ هذه الفضيلة في (ص ١٣) وبرهن أنها أعظم من العلم وبيّن وجوب اقتران العلم بها. وكما كان في أيام بولس هو اليوم وهو أن من خواص العلم غير المقترن بالمحبة أن يجعل الإنسان متكبراً غير قادر على إرشاد نفسه ولا على إرشاد غيره فيجب أن تقترن إنارة العقل بصلاح القلب.
٢ «فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْرِفُ شَيْئاً، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئاً بَعْدُ كَمَا يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ!».
ص ١٣: ٨ و٩ و١٢ وغلاطية ٦: ٣ و١تيموثاوس ٦: ٤
يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْرِفُ شَيْئاً معرفة عقلية. وصاحب هذه المعرفة يتوهم أنها تامة فينتفخ تكبراً بها حتى يستهين بغيره ويعمل بلا التفات إلى نفعه.
لَمْ يَعْرِفْ شَيْئاً بَعْدُ كَمَا يَجِبُ الخ إن انتفاخه دليل على نقص علمه لأن العالِم حقيقة يشعر دائماً بنقص معرفته ويقر بأن عقله لا يدرك مواضيع البحث حق الإدراك ولا سيما المواضيع الدينية. وبأنه يجب على عواطف قلبه أن تشارك عقله في تمييز عظمة تلك المواضيع وفضل بعضها على بعض ونسبة أحدها إلى الآخر. فلا قيمة للعلم الذي لا ينفع غير صاحبه وهو علم بلا محبة.
٣ «وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُحِبُّ ٱللّٰهَ، فَهٰذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ».
خروج ٢٣: ١٢ و١٧ وناحوم ١: ٧ ومتّى ٧: ٢٣ وغلاطية ٤: ٩ و٢تيموثاوس ٢: ١٩
مضمون هذه الآية أن المحبة ضرورية لجعل العلم حقاً وكاملاً فالذي يحب الله يعرف الله وهو يعرفه كما أبان يوحنا بقوله «كُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ ٱللّٰهِ وَيَعْرِفُ ٱللّٰهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ ٱللّٰهَ، لأَنَّ ٱللّٰهَ مَحَبَّةٌ» (١يوحنا ٤: ٧ و٨) وهذا برهان على أن مجرد العلم غير كاف لإرشاد الإنسان في طريقه.
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُحِبُّ ٱللّٰهَ محبة الله أعظم أنواع الحب والقرينة تدل على أنها تتضمن محبة الإخوة لأنه يُستدل بمحبتنا لله على محبتنا للإخوة وهي علتها أيضاً (١يوحنا ٤: ٢٠ و٥: ٢).
فَهٰذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ يتوقع القارئ من سياق الكلام أن يقول الرسول «إن كان أحد يحب أخاه فهو يعرفه كما يجب» لكنه قال «فهذا معروف عنده» ومعناه إن الله اختاره وسر به وأحبه كما جاء المعنى في (خروج ٣٣: ١٢ و١٧ وناحوم ١: ٧ ومتّى ٧: ٢٣). وإن الله أصل كل نور وعلم فكون الإنسان معروفاً عنده بالمعنى المذكور برهان على أنه متعلم منه تعالى وأنه حصل على العلم الحقيقي بواسطة روحه القدوس وصار بمنزلة تلميذ وابن له. وكون الإنسان معروفاً عند الله يستلزم أنه يعرف الله بدليل قول الرسول «وَأَمَّا ٱلآنَ إِذْ عَرَفْتُمُ ٱللّٰهَ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ ٱللّٰهِ» (غلاطية ٤: ٩).
٤ «فَمِنْ جِهَةِ أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ، نَعْلَمُ أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي ٱلْعَالَمِ، وَأَنْ لَيْسَ إِلٰهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحِداً».
إشعياء ٤١: ٢٤ وص ١٠: ١٩ تثنية ٤: ٣٩ وإشعياء ٤٤: ٨ ومرقس ١٢: ٢٩ وع ٦ وأفسس ٤: ٦ و١تيموثاوس ٢: ٥
الجملة الثانية من الآية الأولى إلى بدء هذه الآية كلام معترض وبمنزلة مقدمة لما بعده.
أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ هذا تفسير لما ذُكر في (ع ١) لأن هذا الأكل هو المسؤول عنه أمحلل هو أم محرم والجواب على هذا السؤال متوقف على سؤالين الأول «ما هو الوثن» والجواب في هذه الآية أنه لا شيء. والسؤال الثاني «ما تأثير هذا الأكل في حال المؤمن الروحية» والجواب في الآية الثامنة وهو أنه لا ينفع ولا يضر على أنه يجب الامتناع عنه إذا كان عثرة لغير الآكل (ع ٩).
نَعْلَمُ أنا وأنتم. الأرجح أن مسيحي كورنثوس ادعوا هذا العلم وبنوا عليه أنه يحق لهم أن يأكلوا ما ذُبح للأوثان فسلم بولس بما أدعوه لكنه لم يسلم بأن علمهم يستلزم ما استنتجوه منه.
أَنْ لَيْسَ وَثَنٌ فِي ٱلْعَالَمِ أي لا شيء من الأوثان بإله. فالمشتري وزحل والزهرة والمريخ كواكب لا آلهة ولا تستحق أن تسمى بالآلهة وتماثيلهم التي في هياكلهم خشب وحجارة ونحاس وغيره من المنطرقات لا حياة لها ولا سلطان على أمور الناس وليست سوى صور خيالية وهذا مثل ما قيل في (مزمور ١١٥: ٤ و٨ وإشعياء ٤١: ٢٤ و٤٤: ٨ و٩ وإرميا ١٠: ١٤). ادّعى مؤمنو كورنثوس أنه لا خطيئة في أكل ما ذُبح لها إذ لا توجد حقيقة.
لَيْسَ إِلٰهٌ آخَرُ إِلاَّ وَاحِداً أي لا إله حي حقيقي سوى الله. هذه الحقيقة هي التي نادت بها الديانة اليهودية منذ أيام إبراهيم وامتازت بها عن سائر الأديان (خروج ٢٠: ٣ وتثنية ٦: ٤ و٥ ومرقس ١٢: ٢٩).
٥ «لأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً، سَوَاءٌ كَانَ فِي ٱلسَّمَاءِ أَوْ عَلَى ٱلأَرْضِ، كَمَا يُوجَدُ آلِهَةٌ كَثِيرُونَ وَأَرْبَابٌ كَثِيرُونَ».
يوحنا ١٠: ٣٤
لأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً أهم هذه العبارة لفظة «يُسمّى» ففي ع ٤ نفى الرسول الأوثان وهنا سلم أنه يوجد ما سماه الوثنيون آلهة وهي ألوف وربوات مما في البر والبحر من الحي والجماد لكن تسمية المخلوق إلهاً لا يثبت ألوهيته فهي موجودة باعتبار كونها مواد ومعدومة باعتبار كونها آلهة. مثال ذلك أن الوثنين تخيلوا إلاهة للعشق والجمال سموها الزهرة وأطلقوا اسمها على تمثالها والكوكب المعروف. فالتمثال والكوكب وجوديان ولكن الإلاهة المتخيلة عدميّة.
فِي ٱلسَّمَاءِ أَوْ عَلَى ٱلأَرْضِ كالشمس وغيرها من الأجرام السماوية والأشجار والحيوانات والأنهر وأمثالها من الأرضيات مما اعتبروها آلهة وعبدوها. ويحتمل أن الرسول أراد «بما في السماء» الآلهة التي مسكنها السماء «وبما في الأرض» الآلهة التي مسكنها الأرض. فتخيل الوثنيين تلك الآلهة لا فعل له في الذين يعلمون أن الله واحد فقط.
كَمَا يُوجَدُ آلِهَةٌ كَثِيرُونَ الخ ظن بعض المفسرين أن الآلهة المذكورة هنا هي ما تخيلها الوثنيون وأشار الرسول إليها في الجزء الأول من هذه الآية «بما يُسمى آلهة» وصرّح هنا بكثرتها. وذهب آخرون أن المراد بهذه الآلهة كائنات أسمى من الإنسان قوة وحكمة كالملائكة والشياطين لها بعض السلطان على قلوب الناس وهذ هو الأرجح. ومع كونها ليست سوى مخلوقات سميت في العهد القديم آلهة كقوله «إِنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ» (تثنية ١٠: ١٧). وقوله «إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ ٱلرَّبُّ، إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ ٱلرَّبُّ هُوَ يَعْلَمُ» (يشوع ٢٢: ٢٢ انظر أيضاً مزمور ٩٧: ٩ و١٣٥: ٥ و١٣٨: ١ ودانيال ٢: ٤٧).
وقصد الرسول في هذه الآية أمرين الأول نفي الآلهة التي تخيلها الوثنيون. والثاني التسليم بأرواح مخلوقة يسمح الناس أنها تستولي عليهم وبكثرتهم وصرّح بهذا أيضاً في (أفسس ٦: ١٢).
٦ «لٰكِنْ لَنَا إِلٰهٌ وَاحِدٌ: ٱلآبُ ٱلَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ ٱلأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ، ٱلَّذِي بِهِ جَمِيعُ ٱلأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ».
ملاخي ٢: ١٠ وأفسس ٤: ٦ أعمال ١٧: ٢٨ ورومية ١١: ٣٦ يوحنا ١٣: ١٣ وأعمال ٢: ٣٦ وص ١٢: ٣ وأفسس ٤: ٥ وفيلبي ٢: ١١ يوحنا ١: ٣ وكولوسي ١: ١٦ وعبرانيين ١: ٢
لٰكِنْ لَنَا نحن المسيحيين خلاف ما للوثنيين من الآلهة والأرباب الكثيرة.
إِلٰهٌ وَاحِدٌ واجب الوجود أبدي قادر على كل شيء. هذا خلاف اعتقاد الوثنيين كثرة الآلهة وأن كلا منها مختص بمكان وله قدرة محدودة.
ٱلآبُ أي الله. لأن نسبته إلينا كنسبة الآب إلى الأولاد باعتبار أنه يحبنا ويعتني بنا ويترأف علينا ويعزينا في أحزاننا وبهذا المعنى نخاطبه قائلين «أبانا الذي في السماوات». فليس المراد «بالآب» هنا الأقنوم الأول من أقانيم اللاهوت الثلاثة. وهذا موافق لما في (مزمور ١٠٣: ١٣ وإرميا ٣١: ٩ وملاخي ١: ٦ و٢: ١٠). وأعظم ما يمتاز به الإله الحق عن آلهة الوثنيين أبوته للناس. إن عبّاد الله يعبدونه حباً لإحسانه إليهم وعبدة الأوثان يعبدون آلهتهم خوفاً من أضرارهم.
مِنْهُ جَمِيعُ ٱلأَشْيَاءِ أي هو مصدر كل الموجودات تصورتها حكمته وأوجدتها مشيئته فكل ما سواه خلقه (تكوين ١: ١).
وَنَحْنُ لَهُ أي نحن المؤمنين له خاصة وأن نحبه ونعبده ونخدمه لأنه هو خلقنا وحفظنا وفدانا وأنعم علينا بمعرفته ومحبته وطاعته.
رَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ابن الله المتجسد المولود في بيت لحم المصلوب في أورشليم الذي مات وقام وصعد إلى السماء ملكاً غالباً ممجداً فله الآن كل سلطان في السماء وعلى الأرض وهو الوسيط الوحيد بين الناس والرب لأن الله يسوس العالم بواسطته والشريعة المكلف بها المسيحيون هي شريعته. ووُصف بكونه واحداً تمييزاً له عن أرباب الوثنيين الكثيرين. ومن الواضح أن الذي يسوس العالم ويسن الشريعة للضمير والسيرة هو الله.
بِهِ جَمِيعُ ٱلأَشْيَاءِ وصف الرسول الرب يسوع بعدة صفات الأولى «الوحدانية» وقد تقدمت. والثانية «الخالقية» وهي هنا وهذا مثل قول يوحنا «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا ١: ٣ انظر أيضاً أفسس ٣: ٩ وكولوسي ١: ١٦ وعبرانيين ١: ٢). ومما لا يحتاج إلى تأمل أن خالق جميع الأشياء هو الله.
نَحْنُ بِهِ هذه الصفة الثالثة ومعناها أننا نحن المؤمنين مفديون به فآمالنا في العالم الآتي مبنية عليه.
٧ «وَلٰكِنْ لَيْسَ ٱلْعِلْمُ فِي ٱلْجَمِيعِ. بَلْ أُنَاسٌ بِٱلضَّمِيرِ نَحْوَ ٱلْوَثَنِ إِلَى ٱلآنَ يَأْكُلُونَ كَأَنَّهُ مِمَّا ذُبِحَ لِوَثَنٍ. فَضَمِيرُهُمْ إِذْ هُوَ ضَعِيفٌ يَتَنَجَّسُ».
ص ١٠: ٢٨ و٢٩ ورمية ١٤: ١٤ و٢٣
صرّح الرسول في ما بقي من هذا الأصحاح أنه لا يجوز للقوي بالإيمان أن يتصرف بمقتضى علمه بدون التفات إلى تأثير عمله في أخيه الضعيف.
لَيْسَ ٱلْعِلْمُ فِي ٱلْجَمِيعِ قال الرسول في الآية الأولى أن لجميع المؤمنين نوعاً من العلم بأن الأوثان ليست شيئاً وصرّح هنا بأن بعض المؤمنين ليس لهم المعرفة التامة بذلك ليقدروا أن يأكلوا ما ذُبح للأوثان بدون إضرار ضمائرهم. وهؤلاء الضعفاء بالإيمان إما بعض متنصري اليهود الذين يكرهون الأوثان كل الكراهة ويحسبون أكل ما ذُبح لها منجساً لهم وإما بعض متنصري اليهود الذين كانوا قد اعتادوا أن يحسبوا الأوثان حقيقة ويعبدوها ويعتقدوا أن كل ما ذُبح لها جزء من عبادتها ولم يستطيعوا أن ينزعوا هذه الأفكار من عقولهم.
بِٱلضَّمِيرِ نَحْوَ ٱلْوَثَن لم يزالوا يتوهمون أنه ربما كان للأوثان وجود وأنها أصغر من الآلهة وأعظم من الناس مع إيمانهم بوجود إله واحد فوق الجميع.
إِلَى ٱلآنَ أي بعدما تنصروا واستناروا إلى حد رفضوا عنده عبادة الأوثان وعبدوا الإله الحق لكن عوائدهم القديمة وأوهامهم السابقة لم تزل تؤثر فيهم بعض التأثير.
يَأْكُلُونَ كَأَنَّهُ مِمَّا ذُبِحَ لِوَثَنٍ أي كأنه مذبوح لمعبود موجود ونختص بذلك المعبود وأن أكله عبادة للوثن الذي ذُبح له فلم يستطيعوا أن يحسبوه لحماً عادياً.
فَضَمِيرُهُمْ إِذْ هُوَ ضَعِيفٌ يَتَنَجَّسُ يكون ضمير الإنسان ضعيفاً حين يحسب الحلال حراماً أو يشك في التحليل أو التحريم. وقد صرّح الرسول بأن «كل مَا لَيْسَ مِنَ ٱلإِيمَانِ فَهُوَ خَطِيَّةٌ» (رومية ١٤: ٢٣). فإذاً من يأكل ما ظنه محرماً أو شك في كونه حلالاً ينجس ضميره ويخطأ أمام الله وكذا يتنجس ضمير كل من أتى أمراً شعر بأنه حرام أو توهم أنه كذلك وحكم على نفسه بأنه مذنب فكل من فعل ذلك ضرّ نفسه وإذا استمر عليه أهلكها.
وينتج من هذا ما في (ع ٩ و١٠) وهو أنه لا يجوز للقوي أن يكون في ذلك علة ضرر لأخيه الضعيف.
٨ «وَلٰكِنَّ ٱلطَّعَامَ لاَ يُقَدِّمُنَا إِلَى ٱللّٰهِ، لأَنَّنَا إِنْ أَكَلْنَا لاَ نَزِيدُ وَإِنْ لَمْ نَأْكُلْ لاَ نَنْقُصُ».
رومية ١٤: ١٧
هه حجة ثانية لإجازة أكل ما ذُبح للأوثان استند عليها أقوياء الإيمان في تحليلهم إياه. فسلم الرسول بصدق تلك الحجة كما سلم بحجتهم الأولى وهو «أن ليس من وثن في العالم» (ع ٤). ومعنى هذا أن الديانة لا تقوم بالأكل والشرب بل بإحساسات القلب فالأكل لا يقربنا إليه ولا يبعدنا عنه.
لاَ نَزِيدُ… لاَ نَنْقُصُ تقوى أو قبولاً عند الله. والنتيجة أنه لكل إنسان حرية في ما لا يخالف الدين فلا خوف من أن يخطأ أكل أم لم يأكل.
٩ «وَلٰكِنِ ٱنْظُرُوا لِئَلاَّ يَصِيرَ سُلْطَانُكُمْ هٰذَا مَعْثَرَةً لِلضُّعَفَاءِ».
رومية ١٤: ١٣ و٢٠ وغلاطية ٥: ١٣
ما في هذه الآية موجه إلى الأقوياء وخلاصته أن لكم حقاً أن تأكلوا من تلك الذبائح على المبدإ المذكور (ع ٨ وع ٤) ولكن عليكم أن تحترسوا من أن يكون أكلكم عثرة لإخوتكم الضعفاء الذين لا يعرفون كما تعرفون من أن الأوثان ليست شيئاً وأن الأكل لا يقدم ولا يؤخر في الدين. وهذا موافق لقوله «كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لٰكِنْ لَيْسَ كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تُوافِقُ» (ص ٦: ١٢). وقوله «كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، وَلٰكِنْ لَيْسَ كُلُّ ٱلأَشْيَاءِ تَبْنِي» (ص ١٠: ٢٣).
سُلْطَانُكُمْ هٰذَا أي حريتكم أن تأكلوا ما ذُبح للأوثان.
مَعْثَرَةً أي علة سقوط للضعفاء لأنهم باقتدائهم بالأقوياء يأكلون ما يتوهمون أنه محرم فينجسون ضمائرهم.
المبدأ الذي ذكره الرسول هنا مكلّف به كل مسيحي في الجائزات وهو أنه يجب عليه أن يمتنع عن كل شيء يُعثر أخاه ويجعله يسقط في الخطيئة.
١٠ «لأَنَّهُ إِنْ رَآكَ أَحَدٌ يَا مَنْ لَهُ عِلْمٌ، مُتَّكِئاً فِي هَيْكَلِ وَثَنٍ، أَفَلاَ يَتَقَوَّى ضَمِيرُهُ، إِذْ هُوَ ضَعِيفٌ، حَتَّى يَأْكُلَ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ؟».
ص ١٠: ١٨ و٣٢
غاية هذه الآية بيان أنه كيف يكون أكل بعض المؤمنين مما ذُبح للأوثان معثرة لبعض.
إِنْ رَآكَ أَحَدٌ مؤمن مستنير بعض الاستنارة ولم يزل ضعيف الإيمان.
يَا مَنْ لَهُ عِلْمٌ أي يا أيها الأخ القوي المتيقن إن الوثن ليس شيئاً وإن لحم ما ذُبح للأوثان لا يفرق عن غيره من اللحوم.
مُتَّكِئاً فِي هَيْكَلِ وَثَنٍ كعادة الناس وقتئذ في الولائم فإنهم كانوا يتكئون على أسرّة أمام المائدة. فإذا رآك الأخ الضعيف متكئاً تأكل استنتج أنك فعلت هذا إكراماً لوثن ذلك الهيكل.
أَفَلاَ يَتَقَوَّى ضَمِيرُهُ الخ أي تحمله بذلك على أن يتجاسر أن يأكل ما يحسبه محرماً اقتداء بك أيها القوي فيخالف ضميره إذ يأكل إكراماً للوثن فيقوي توهمه أن الوثن شيء.
١١ «فَيَهْلِكَ بِسَبَبِ عِلْمِكَ ٱلأَخُ ٱلضَّعِيفُ ٱلَّذِي مَاتَ ٱلْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ».
رومية ١٤: ١٥ و٢٠
بِسَبَبِ عِلْمِكَ أي بفعلك بمقتضى علمك أن الوثن ليس شيئاً وأن أكلك في هيكله ليس عبادة له.
فَيَهْلِكَ… ٱلأَخُ ٱلضَّعِيفُ وصفه بالإخاء يدل على أنه مؤمن حقاً ووصفه بالضعف يدل على أنه قليل العلم ومخدوع أو مخطئ بجهله على اتكاء القوي في الهيكل فظن أنه قصد إكرام الوثن واستنتج من ذلك جواز إكرامه فيأكل بغية العبادة. وذكر أول عواقب ذلك في (ع ٧) وهو تنجيس الضمير وذكر هنا منها الهلاك.
قال الرسول «ٱلَّذِي يَرْتَابُ فَإِنْ أَكَلَ يُدَانُ» (رومية ١٤: ٢٣). فأبان أن لذلك الأكل ثلاث عواقب وهي تنجيس الضمير والدينونة والهلاك وكل من هذه العواقب يستلزم الآخر فما ينجس ضمير الإنسان يعرّضه للدينونة والدينونة تُفضي إلى الهلاك.
كون المسيحي الحقيقي عرضة لخطر السقوط لا يستلزم إمكان أنه يهلك. كتب الرسول هذه التحذيرات لكي ينتبهوا جميعاً للخطر ويفروا منه. فالقول هنا مجرد فرض أي لو حدث من القوي كذا لاحتمل أن يحدث للضعيف ما ذُكر. فقوله هنا كقوله لقائد المئة والعسكر «إِنْ لَمْ يَبْقَ هٰؤُلاَءِ فِي ٱلسَّفِينَةِ فَأَنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا» (أعمال ٢٧: ٣١) مع أن الله قد أخبره سابقاً بأنهم ينجون جميعاً (أعمال ٢٧: ٢٤).
ٱلَّذِي مَاتَ ٱلْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ هذا أوضح دليل على عظمة قيمة نفس الإنسان وعلة أن لا يضع المؤمن القوي معثرة أمام أخيه الضعيف ويعرّض نفسه الثمينة للهلاك. إن المسيح رضي أن يموت عن ذلك الضعيف لكي لا يهلك فبالأولى أن يمتنع الأخ القوي عن أكل ما ذُبح للأوثان إذا كان علة هلاكه. وهذا موافق لما في (رومية ١٤: ١٥) فانظر التفسير هنالك.
١٢ «وَهٰكَذَا إِذْ تُخْطِئُونَ إِلَى ٱلإِخْوَةِ وَتَجْرَحُونَ ضَمِيرَهُمُ ٱلضَّعِيفَ، تُخْطِئُونَ إِلَى ٱلْمَسِيحِ».
متّى ٢٥: ٣٠ و٤٥
تُخْطِئُونَ إِلَى ٱلإِخْوَةِ وَتَجْرَحُونَ ضَمِيرَهُمُ الجملة الثانية تفسير للجملة الأولى والمعنى أنكم تخطئون إليهم كلما حملتموهم بسيرتكم على مخالفة ضميرهم الضعيف. إن جرم من يجرح الضمير شر من جرم من يجرح الجسد لأن جارح الضمير علة شعور مجروحه بالذنب والندم فيفصل جرح الضمير بين الإنسان والله ويسلمه لسلطة الشيطان ويعرضه لارتكاب عدة خطايا.
كل مؤمن مكلف بأن يساعد أخاه في طريقه إلى السماء بدلاً من أن يضع معثرة أمامه. فضعف الأخ يوجب علينا زيادة مساعدته واعتزال ما يضره.
تُخْطِئُونَ إِلَى ٱلْمَسِيحِ الخطيئة إلى المسيح أفظع منها إلى الأخ الضعيف. ويدل على أن الخطيئة إلى الأخ الضعيف على ما تقدم خطيئة إلى المسيح ما يأتي:
- الأول: إنها تنافي قصد المسيح تخليص ذلك الأخ فإنه يجب أن يكون كل من شعبه مقدساً وجرح ضمير الضعيف يعرضه لضد ذلك ويجلب العار على اسم المسيح وديانته.
- الثاني: إن المسيح والمؤمن متحدان فالذي يجرح أحدهما يجرح الآخر.
- الثالث: إن من يجرح ضمير أخيه يظهر أنه لا يلتفت إليه ولا يحبه كما يجب. وهذا مناف لأمر المسيح لتلاميذه بأن يحب بعضهم بعضاً «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هٰؤُلاَءِ ٱلأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ» (متّى ٢٥: ٤٠).
اقتصر الرسول هنا على واحدة من علل المنع عن الأكل في هياكل الأوثان وهي ما ينتج عنه من الأضرار للأخ الضعيف وذكر غيرها في (ص ١٠: ١٤ – ٢٢).
١٣ «لِذٰلِكَ إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْماً إِلَى ٱلأَبَدِ، لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي».
رومية ١٤: ٢١ و٢كورنثوس ١١: ٢٩
ذكر هنا ما كان يفعله لو كان في مثل تلك الأحوال تنبيهاً لهم على ما يجب عليهم فيها.
إِنْ كَانَ طَعَامٌ أي أكل طعام ما.
يُعْثِرُ أَخِي أي يوقفه في الخطيئة.
فَلَنْ آكُلَ لَحْماً مما ذُبح للأوثان. قال هذا بناء على هذه القاعدة وهي أن كل لذة من لذات الجسد لا توازي إيقاع أخ بها في الخطيئة. وهذه القاعدة متفرعة على وجوب أن يحب الإنسان أخاه ويهتم بنفع نفسه وخلاصها وعلى محبته للمسيح الذي أعز تلك النفس ومات عنها وعلى الخوف من الدينونة التي ذكرها المسيح بقوله «مَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هٰؤُلاَءِ ٱلصِّغَارِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ ٱلرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ ٱلْبَحْرِ» (متى ١٨: ٦). والنتيجة أنه يجب على المسيحيين أن يمتنعوا عن كل ما ليس بضروري متى كان التمتع به على سقوط أحد. إن قول قايين «أحارس أنا لأخي» مخالف لتعليم الإنجيل كل المخالفة فعلى كل إنسان أن يحكم على نفسه بما يجب أن يفعله أو يمتنع عنه لئلا يطالب يوم الدين بدم النفوس التي هلكت بواسطته. لا يمكن الأحوال إن تحلل ما هو حرام بنفسه ولكنها كثيراً ما تحرم ما هو حلال بالذات.
فوائد
- إنه يجب علينا أن نحكم في أمر غيرنا ونعامله بمقتضى المحبة لا بمقتضى مجرد العلم (ع ١).
- يجب علينا أن نحذر من الثقة بحكمتنا لأن الحكيم بالحق متواضع وأما المتوهم أنه حكيم فهو متكبر مفتخر (ع ٢).
- إن على كل المؤمنين بالمسيح إعلان تعليم أن الله واحد فإن أكثر سكان الأرض لا يزالون يجهلون هذه الحقيقة العظيمة (ع ٤ – ٦).
- إنه لا يكفي أن نعتقد وجود الله وإن نعبده دون أن يؤثر هذا الاعتقاد في سيرتنا فيجب أن نتخذ الله رباً وشريعته قانوناً ونخضع بسرور لكل ما فرضه علينا بعنايته (ع ٦).
- إنه يمكن أن يجهل الإنسان كثيراً من أمور ديانته ويغلط في ما يجب أن يعتقده ويشعر به ومع ذلك يكون مؤمناً حقيقياً لأنه يصعب على من تربى في ديانة فاسدة أن ينزع عنه كل عوائده القديمة وأضاليل تعاليمه الأولى وأوهامه. فيحب على من تربى في نور الإنجيل أن يكون رفيقاً بغيره لا شديداً عليه وأن يحترس من أن يعرضه للتجربة (ع ٦).
- على المسيحيين أن يحترسوا من أن يكون تصرفهم بالأمور الجائزة علة خطيئة لغيرهم فيمكن أن لا يلحق المؤمن البالغ ضرر من حضور أماكن لو حضرها حديث الإيمان عرض نفسه لخطر عظيم. ويمكن البالغ أن يعاشر بعض غير المؤمنين بلا خطر ولو عاشرهم حديث الإيمان لكان في أشد الخطر فإذاً على البالغ أن يحذر من أن يقود حديث الإيمان إلى الخطيئة بشيء من أعماله (ع ٩).
- إن للإنسان ميلاً عظيماً إلى الاقتداء بغيره فعلى كل واحد أن يُحسن سيرته حتى إذا اقتدى غيره به لا يسقط. وهذا أولى بالوالدَين والمعلمين والملوك والقسوس لأن المقتدين بهم كثيرون (ع ١٠).
- إننا نرى خطر مخالفة الضمير في أقل شيء لإمكان أن تكون علة لهلاك النفس فعلينا أن ننظر في صلاح الأمر قبل إتيانه وإن صوت الضمير لنا هو صوت الله (ع ١١).
-
إن سيرة بولس قدوة لنا في بيان أنه كيف يجب على الإنسان أن ينكر نفسه لنفع غيره. فإنه رضي أن يحرم نفسه اللذة الجائزة لكي لا يكون علة خطئه لغيره. فعلينا جميعاً أن نقتدي به فلا نحضر الملاهي والملاعب ولا نشارك في الألعاب الجائزة ولا نتأنق في المأكولات والملبوسات إذا كانت مما يتخذه البعض حجة للمشاركة في الملاهي والألعاب المحرمة أو وسيلة لإدخال غيرنا في تجربة الإسراف وما يؤدي إليه من المحظورات ولا سيما ما يحمله على المقامرة والسكر (ع ١٣).
السابق |
التالي |