كورنثوس الثانية

الرسالة الثانية إلى كورنثوس | 13 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة الثانية إلى كورنثوس

للدكتور . وليم إدي

الأصحاح الثالث عشر

إنذار المعاندين غير التائبين وحثهم على امتحان أنفهسم وختام الرسالة

اعتماد الرسول بعد التنبيه والتحذير أن يظهر سلطته الرسولية بعقاب المذنبين (ع ١ و٢). وأن يريهم وهم طالبون برهان رسوليته أنه وإن كان ضعيفاً في الجسد أخذ قوة فائقة الطبيعة من المسيح. فالمسيح ظهر أنه ضعيف بموته ومع ذلك كان ذا قوة إلهية كما تبرهن بقيامته من الموت وكذا الرسول كان من جهة ضعيفاً ومن جهة أخرى قوياً (ع ٣ و٤) ونصح لهم أن يمتحنوا أنفسهم بدلاً من أن يعرضوها للقصاص (ع ٥) ورجأ أن يقبلوه رسولاً لأنه رغب في بنيانهم وأنه لم يأخذ السلطة ولا يمارسها إلا لإثبات الحق. وأنه سرّ بضعفه وبنجاح كنيسة كورنثوس. وغايته من هذا الإنذار تجنب ممارسة السلطة على التأديب التي أعطاه إياها المسيح (ع ٨ – ١٠) النصيحة الأخيرة والبركة الرسولية (ع ١١ – ١٣).

١ «هٰذِهِ ٱلْمَرَّةُ ٱلثَّالِثَةُ آتِي إِلَيْكُمْ. عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ وَثَلاَثَةٍ تَقُومُ كُلُّ كَلِمَةٍ».

ص ١٢: ١٤ عدد ٣٥: ٣٠ وتثنية ١٧: ٦ و١٩: ١٥ ومتّى ١٨: ١٦ ويوحنا ٨: ١٧ وعبرانيين ١٠: ٢٨

هٰذِهِ ٱلْمَرَّةُ ٱلثَّالِثَةُ آتِي إِلَيْكُمْ وكانت هذه سنة ٥٧ وكانت الأولى سنة ٥٣ في سفره الثاني للتبشير وذُكرت في (أعمال ١٨: ١ – ١٨). والمرة الثانية لم يذكرها لوقا في سفر الأعمال والمرجح أنها كانت قصيرة وكانت نحو سنة ٥٥ أو ٥٦ في أثناء إقامته بأفسس وأشار إليها بولس في (ص ١: ١ و١٢: ١٤). ولا عجب من أنها لم تُذكر في سفر الأعمال لأن لوقا لم يقصد أن يذكر كل ما يتعلق ببولس من الأسفار والأتعاب والآلام. وكان بولس لما كتب هذه الآية في إحدى مدن مكدونية.

عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ الخ هذا قانون العهد القديم (عدد ٣٥: ٣٠ وتثنية ١٧: ٦ و١٩: ٥). وذكره المسيح في الإنجيل قانوناً للمحاكمة الكنسية فقال «إِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضاً وَاحِداً أَوِ ٱثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ» (متّى ١٨: ١٦ انظر أيضاً يوحنا ٨: ١٧ و١تيموثاوس ٥: ١٩ وعبرانيين ١٠: ٢٨).

رضي الله بنجاة المذنب من القصاص لعدم وجود العدد الكافي من الشهود لكي لا يُعرض البريء لخطر المحاكمة بشهادة زور من شاهد واحد. (وهذا القانون ليس قانوناً كل المحاكمات السياسية في الأرض) وصرّح بولس أنه يتبع في المحاكمة التي اعتمدها في كنيسة كورنثوس القانون المعيّن في الكتاب وذلك أنه لا يؤدب المدعى عليه بشهادة الفرد بل بشهادة اثنين أو ثلاثة.

ذهب بعض المفسرين أنه أخذ كل زيارة من زياراته الثلاث بمنزلة شاهد ولكن يصعب تصور كون الزيارة شاهداً وكون زيارته مرتين أو ثلاث مرات تبرهن ذنبهم أو برائتهم. ومعنى قوله «تقوم» تثبت شرعً ويُقتنع بها. ومعنى «كلمة» هنا شكوى وقد وردت بهذا المعنى في (متى ٥: ١١ و١٨: ١٦ و٢٧: ١٤).

٢ «قَدْ سَبَقْتُ فَقُلْتُ، وَأَسْبِقُ فَأَقُولُ كَمَا وَأَنَا حَاضِرٌ ٱلْمَرَّةَ ٱلثَّانِيَةَ، وَأَنَا غَائِبٌ ٱلآنَ، أَكْتُبُ لِلَّذِينَ أَخْطَأُوا مِنْ قَبْلُ، وَلِجَمِيعِ ٱلْبَاقِينَ: أَنِّي إِذَا جِئْتُ أَيْضاً لاَ أُشْفِقُ».

ص ١٠: ٢ ص ١٢: ٢١ ص ١: ٢٣

قَدْ سَبَقْتُ فَقُلْتُ، وَأَسْبِقُ فَأَقُولُ كرر عليهم الرسول هنا الإنذار الذي أنذرهم إياه وهو عندهم في كورنثوس أيام زيارته الثانية. وهذا الإنذار موجه إلى العنيدين العصاة معروفين أو غير معروفين.

لِلَّذِينَ أَخْطَأُوا ظاهراً ولم يتوبوا وأصروا على العناد والمعصية.

لجَمِيعِ ٱلْبَاقِينَ أي الذين خطئوا ولكن لم يظهر إثمهم ولكنه سيتبيّن بالمحاكمة أو لم يخطأوا ولكنهم في خطر من ذلك فيحتاجون إلى الإنذار.

لاَ أُشْفِقُ أي أودّب لأني رأيت أنه لم ينفع الوعظ ولا النصح. والمرجّح أن ذلك التأديب هو التسليم للشيطان فضلاً عن القطع من شركة الكنيسة كما تبيّن من (١كورنثوس ٥: ٥ و١تيموثاوس ١: ٢٠) وذلك هو نوع من الآلام الجسدية.

ولنا من هذه الآية شيئان الأول وجوب أن تقطع الكنيسة من شركتها المذنبين حسب قول الرسول في (١كورنثوس ٥: ٥). والثاني أن بولس باعتبار كونه رسولاً كان يحق له أن يقطع المذنبين وأن يضربهم بمصائب جسدية بقوة خارقة العادة لكنه لم يدّعِ أنّ له قوة على معرفة ما في قلوب الناس بالوحي ولم يعتمد أن يحكم عليهم من تلقاء نفسه إذ ذلك ليس من مقتضيات الرسولية فكان الرسل عرضة لأن يخدعوا كما كان من أمر سيمون الساحر (أعمال ٨: ١٣ و٢١) فقصد أن تكون محاكمة قانونية ليُعرف بواسطة الشهادة الكافية المذنب من البريء ويُعاقب من ثبت الذنب عليه فلا يدين ويعاقب بمجرد حكمته.

٣ «إِذْ أَنْتُمْ تَطْلُبُونَ بُرْهَانَ ٱلْمَسِيحِ ٱلْمُتَكَلِّمِ فِيَّ، ٱلَّذِي لَيْسَ ضَعِيفاً لَكُمْ بَلْ قَوِيٌّ فِيكُمْ».

متّى ١٠: ٢ و١كورنثوس ٥: ٤ وص ٢: ١٠ و١كورنثوس ٩: ٢

إِذْ أَنْتُمْ تَطْلُبُونَ بُرْهَانَ هذا متعلق بقوله «لا أشفق» في الآية السابقة فإنهم طلبوا من بولس البرهان على كونه رسولاً فقال إنه مستعد أن يبيّنه بعقاب المذنبين دون شفقته المعتادة.

ٱلْمَسِيحِ ٱلْمُتَكَلِّمِ فِيَّ أنكر المعلمون الكاذبون أن المسيح تكلم بفم بولس أي نفوا أنه رسول المسيح وطلبوا منه البرهان على ادعائه ذلك فقال إنه يقيم لهم برهاناً لا يقدرون على إبطاله أو مقاومته.

ٱلَّذِي لَيْسَ ضَعِيفاً لَكُمْ هذا نعت للمسيح بدليل قوله على الأثر «قد صُلب» (ع ٤). والمعنى أنه لا يمكنهم أن يقاوموا رسول المسيح بلا خطر لأن مرسله قوي جداً كما ظهر من عمله فيهم أي هدايته لهم من عبادة الأوثان إلى عبادة الله الحق والمعجزات التي صُنعت بينهم ومواهب الروح القدس التي أعطوها وكل ذلك حجة قاطعة على أنه «ليس ضعيفاً… بل قوي».

٤ «لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ صُلِبَ مِنْ ضَعْفٍ لٰكِنَّهُ حَيٌّ بِقُوَّةِ ٱللّٰهِ. فَنَحْنُ أَيْضاً ضُعَفَاءُ فِيهِ، لٰكِنَّنَا سَنَحْيَا مَعَهُ بِقُوَّةِ ٱللّٰهِ مِنْ جِهَتِكُمْ».

فيلبي ٢: ٧ و٨ و١بطرس ٣: ١٨ رومية ٦: ٤ و٨: ١١ وأفسس ١: ٢٠ وفيلبي ٢: ٩ ص ١٠: ٣ و٤

معنى هذه الآية أن المسيح وإن كان قد مات لكونه إنساناً يحيا لكونه إلهاً. إنه كان ذا طبيعة بشرية اتخذها للقيام بفداء البشر وذا طبيعة إلهية قدر بها على كل شيء فكان رسله أيضاً من جهة ضعفاء ومن جهة أقوياء.

قَدْ صُلِبَ مِنْ ضَعْفٍ كان من مقتضيات صلب ابن الله الأزلي ليكفر خطايا البشر أن يتخذ طبيعة بشرية قابلة الصلب والموت فكان ضعيفاً بالنظر إلى كونه قابل الموت وموته برهان على حقيقة ذلك الضعف. ولكن ذلك الضعف كان اختيارياً كما يتبين من قول الرسول فيه «أخلى نفسه» (فيلبي ٢: ٧ و٨ انظر أيضاً عبرانيين ٢: ١٤ و١٥).

حَيٌّ بِقُوَّةِ ٱللّٰهِ أي ذاك الذي مات هو الآن حي لأن له طبيعتين بشرية وإلهية متحدتين بلا اختلاط في أقنوم واحد حي الآن ويحيا إلى الأبد وسيُظهر القوة الإلهية التي صرّح الرسول بها. وقيامة المسيح التي برهنت حياته الإلهية وقوته نُسبت أحياناً إلى الله (رومية ٦: ٤ وأفسس ١: ٢٠ وفيلبي ٢: ٩). ونُسبت أحياناً إلى المسيح نفسه (متّى ٢٦: ٦١ ومرقس ١٤: ٥٨ ويوحنا ٢: ١٩ و١٠: ١٨) فنُسبت إليهما كما نسب عمل الخليقة وعمل العناية أحياناً إلى الآب وأحياناً إلى الابن بناء على كونهما جوهراً واحداً وأقنومين فيجوز أن ننسب فعل أحدهما إلى الآخر. وليس غاية الرسول أن يعلن بقوة أي الأقنومين قام المسيح بل أن يصرح بالحقيقة التي هي أن المسيح حي الآن متسربل بالقوة غير المحدودة.

فَنَحْنُ أَيْضاً ضُعَفَاءُ فِيهِ أي نُظهر أننا كذلك باختيارنا لتوقفنا عن ممارسة قوتنا على العقاب. وليس من غرض الرسول هنا أن يشير إلى ضعفاته الحقيقية التي أوضحها في الأصحاح الحادي عشر بل يشير إلى الضعف الذي أظهره مع وجود القوة التي كتمها كما أن المسيح أظهر اختباراً أنه ضعيف وهو بين أيدي أعدائه وهم يقودونه إلى الصلب مع أنه كان ذا قوة مكتومة غير محدودة. اختار الرسول أن يكون بينهم وديعاً متواضعاً طويل الأناة وأن لا يستعمل القوة الفائقة الطبيعة التي أخذها من الذي قام من الأموات.

لٰكِنَّنَا سَنَحْيَا مَعَهُ إن حياة المسيح بعد القيامة أظهرت قوته باعتبار كونه ابن الله فصرّح بولس أنه متى رجع إلى كورنثوس تكون حياته كالحياة التي أظهرها المسيح بعد قيامته لا كالحياة التي أظهرها مدة اتضاعه فظنه الكورنثيون كميت لفرط تواضعه وحلمه لكنه أبان أنهم سيجدونه حياً قادراً على أن ينفذ أوامره ويعقاب المعاندين. ومعنى قوله «سنحيا معه» نحيا مثله متحدين به.

لم يشر الرسول هنا إلى القوة التي تكون له بحياته المستقبلة في السماء وإن كانت حقاً إذ لا داعي إلى ذكرها هنا.

بِقُوَّةِ ٱللّٰهِ هذه القوة هي مصدر قوة بولس فلم يدع أن له قوة ذاتية ولم يمارسها كأنها له فالقوة التي أظهرها كانت قوة الله العاملة بواسطته.

مِنْ جِهَتِكُمْ أي ممارسة قوتنا الرسولية فيكم أو بالنظر إليكم.

٥ «جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي ٱلإِيمَانِ؟ ٱمْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ فِيكُمْ، إِنْ لَمْ تَكُونُوا مَرْفُوضِينَ؟».

١كورنثوس ١١: ٢٨ رومية ٨: ١٠ وغلاطية ٤: ١٩ و١كورنثوس ٩: ٢٧

جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ العلاقة بين هذه الآية والتي قبلها غير واضحة فمن المحتمل أن المعنى صرتم تجربونني لكي تجاهدوا برهاناً على كون المسيح يتكلم فيّ لكنني أخبركم بما هو أولى من ذلك وهو أن تجربوا أنفسكم لتروا هل المسيح فيكم أي بدلاً من أن تجربوني جربوا أنفسكم. والأرجح أن المعنى أنكم ستجدون برهاناً قاطعاً على أن المسيح عامل فيّ إذا امتحنتم أنفسكم ووجدتم أن المسيح حي فيكم وأن أعضاء جسده وذلك برهان على صحة رسوليتي. وهذا على وفق قوله «أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ عَمَلِي فِي ٱلرَّبِّ» (١كورنثوس ٩: ١). وقوله «أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا… مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ» (٢كورنثوس ٣: ٢).

هَلْ أَنْتُمْ فِي ٱلإِيمَانِ أي أمؤمنون أنتم بالحق أم بالاسم فقط. يتضح من ذلك أن من له إيمان يقدر أن يتحققه بالفحص وهو يكون إما بالوجدان وإما بالأثمار. ويتضح أيضاً أن الإنسان قد يكون مؤمناً حقيقياً وهو في ريب من إيمانه إلا بعد الامتحان والمعنى أن تيقن الخلاص ليس من لوازم الإيمان الضرورية لأن ما لا يظهر إلا بالتجربة لا بد من أن يسبقه الشك.

ٱمْتَحِنُوا أي جربوا فكرر المعنى للتوكيد.

أَمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ أي ألستم تشعرون بما في أنفسكم بالوجدان.

هُوَ فِيكُمْ أي مقيم بقلوبكم بروحه القدوس وهذا مثل قوله في نفسه «أَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ ٱلْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية ٢: ٢٠ انظر ايضاً رومية ٨: ١٠ وغلاطية ٤: ١٩ وأفسس ٣: ١٧ وكولوسي ١: ٢٧). فوجود الروح القدس في الإنسان يستلزم وجود المسيح فيه فهو يسكن في الكنيسة كلها وفي كل من أعضائها حتى إذا كان أحدهم ليس للمسيح لم يكن منها (رومية ٨: ٩).

إِنْ لَمْ تَكُونُوا مَرْفُوضِينَ المرفوضون هم الذين وُجدوا بالامتحان ناقصين والمراد بهم هنا الذين وُجدوا بعد التجربة أن المسيح ليس فيهم وأنهم ليسوا مؤمنين بسوى الاسم.

٦ «لٰكِنَّنِي أَرْجُو أَنَّكُمْ سَتَعْرِفُونَ أَنَّنَا نَحْنُ لَسْنَا مَرْفُوضِينَ».

طلب أهل كنيسة كورنثوس البرهان على أن يسوع في بولس باعتبار أنه رسول فنصح لهم أن يمتحنوا أنفسهم ليروا هل المسيح فيهم باعتبار كونهم مؤمنين فإن كانوا قد وُجدوا عند الفحص مرفوضين فهو على يقين من أنهم لا يجدونه مرفوضاً أي غير قادر على احتمال الامتحان. فالبرهان الذي استعد لإقامته على أن المسيح يتكلم به هو إظهار سلطته الرسولية وهي حجة لا تدفع على حلول المسيح فيه لكنه ما أحب أن يورد تلك الحجة ولذلك قال ما في الآية الآتية.

٧ «وَأُصَلِّي إِلَى ٱللّٰهِ أَنَّكُمْ لاَ تَعْمَلُونَ شَيْئاً رَدِيّاً، لَيْسَ لِكَيْ نَظْهَرَ نَحْنُ مُزَكَّيْنَ، بَلْ لِكَيْ تَصْنَعُوا أَنْتُمْ حَسَناً، وَنَكُونَ نَحْنُ كَأَنَّنَا مَرْفُوضُونَ».

ص ٦: ٩

أُصَلِّي… أَنَّكُمْ لاَ تَعْمَلُونَ شَيْئاً رَدِيّاً أي أن تكونوا أتقياء. أبان الرسول علتين لتقديمه الصلاة الأولى سلبية وهي أنه لم يطلب قداستهم لغاية شخصية وهي أن يثبت بذلك أن المسيح فيه بموجب القياس الذي ذكره في الآية الخامسة.

مُزَكَّيْنَ المراد «بالمزكين» هنا ضد المرفوضين في الآية السابقة والمقصود أن بولس احتمل الامتحان فوُجد رسولاً حقاً للمسيح.

تَصْنَعُوا أَنْتُمْ حَسَناً هذا هو العلة الثانية وهي إيجابية لأنها رغبته في أن يعملوا حسناً لنفع أنفسهم «والحسن» هنا الجميل الواجب المستقيم المرضي لله.

وَنَكُونَ نَحْنُ كَأَنَّنَا مَرْفُوضُونَ أي يمنزلة المرفوضين. طلب قداستهم وإن كانت نتيجة طلبه إياها فوات الفرصة لبيان ما أشار إليه من البرهان على أن المسيح ساكن فيه.

إن إظهار بولس لسلطته الرسولية كان أمراً زهيداً في عينيه بالنسبة إلى تقواهم لفرط اهتمامه بها.

٨ «لأَنَّنَا لاَ نَسْتَطِيعُ شَيْئاً ضِدَّ ٱلْحَقِّ بَلْ لأَجْلِ ٱلْحَقِّ».

لاَ نَسْتَطِيعُ شَيْئاً ضِدَّ ٱلْحَقِّ أي إن فعلتم ما هو حق حسن فلا سبيل لي أن أظهر سلطتي الرسولية فيكم لأن الله لم يهب لي سلطة ضد الحق أو تابعيه.

بَلْ لأَجْلِ ٱلْحَقِّ أي أن سلطة الرسول الخارقة العادة مقيّدة بما رسمه الله لإثبات الحق وتوطيد الإنجيل وإقناع الناس به وقبولهم إياه وطاعتهم له. وينتج من ذلك إن وعد المسيح للكنيسة بما في قوله «كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء الخ» مقيّد بأن لا يكون حكمها إلا بموجب الحق.

٩ «لأَنَّنَا نَفْرَحُ حِينَمَا نَكُونُ نَحْنُ ضُعَفَاءَ وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ أَقْوِيَاءَ. وَهٰذَا أَيْضاً نَطْلُبُهُ كَمَا لَكُمْ».

١كورنثوس ٤: ١٠ وص ١١: ٣٠ و١٢: ٥ و٩ و١٠ و١تسالونيكي ٣: ١٠

هذه الآية متعلقة بالآية السابعة والمعنى نريد أن تعملوا حسناً وإن خسرنا برهان التزكية وهي إثبات للآية الثامنة.

نَفْرَحُ حِينَمَا نَكُونُ نَحْنُ ضُعَفَاءَ أي حين لا نجد فرصة لممارسة قوتنا بقصاص المذنبين بينكم ولتثبيت صحتها. فقوله «ضعفاء» هنا كقوله «مرفوضون» في الآيتين السادسة والسابعة.

وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ أَقْوِيَاءَ بأنكم تصنعون حسناً سالكين بالإيمان والحق حتى لا تعرضوا أنفسكم لقصاصي. رضي بولس أن يظهر لهم كأنه ضعيف ويفرح ناظراً ترتيبهم ومتانة إيمانهم في المسيح (كولوسي ٢: ٥).

وَهٰذَا أَيْضاً نَطْلُبُهُ كَمَا لَكُمْ أي نطلب أيضاً تمامكم. وفي قوله «أيضاً» إشارة إلى رغبته في زيادة كمالهم على نجاتهم من القصاص. والكمال المطلوب إصلاح كل ما فيهم من الخلل كالتحزب والتشويش والفجور على ما ذكر في الرسالتين حتى يكونوا بلا عيب قدام الله والناس.

١٠ «لِذٰلِكَ أَكْتُبُ بِهٰذَا وَأَنَا غَائِبٌ، لِكَيْ لاَ أَسْتَعْمِلَ جَزْماً وَأَنَا حَاضِرٌ، حَسَبَ ٱلسُّلْطَانِ ٱلَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهُ ٱلرَّبُّ لِلْبُنْيَانِ لاَ لِلْهَدْمِ».

١كورنثوس ٤: ٢١ وص ٢: ٣ و١٠: ٢ و١٢: ٢٠ و٢١ تيطس ١: ١٣ ص ١٠: ٨

لِذٰلِكَ أي لإرادتي كمالكم وتفضيلي إصلاحكم التام على تثبيت رسوليتي بإجراء القصاص بمقتضى قوتي على المذنبين منكم.

بِهٰذَا أي ما سبق من النصائح والتنبيهات والتحذيرات.

وَأَنَا غَائِبٌ كان الرسول في مكدونية حين كتابته هذه الرسالة.

لِكَيْ لاَ أَسْتَعْمِلَ جَزْماً بقصاص المذنبين المعاندين إما بالقطع من الشركة الكنسية وإما بالضرب بالمصائب الجسدية.

وَأَنَا حَاضِرٌ أي في أفسس.

حَسَبَ ٱلسُّلْطَانِ الرسولي المذكور في (ص ١٢: ١٢) وبعضه في (١كورنثوس ٥: ٥).

ٱلَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهُ ٱلرَّبُّ لم يدعِ بولس قط سلطاناً أو قوة من نفسه بل اعتقد أن ذلك هبة من الرب وهو يسوع المسيح الذي نسب إليه كل الصفات الإلهية والحضور في كل مكان وكمال المعرفة والسلطة وكونه مصدر كل نعمة وقوة وتعزية وأنه موضوع أشواقنا الروحية وعبادتنا.

لِلْبُنْيَانِ أي بنيان كنيسة المسيح ونشر ملكوته في العالم وهذا بيان الغاية التي لأجلها أعطى المسيح رسله السلطان وبيان حدود استعماله فإنه لم يكن للرسول أن يضرب قديساً بالعمى ولا أن يسلم أحداً من أولاد الله للشيطان.

لاَ لِلْهَدْمِ أي لا لخراب الكنيسة أو إضرار الصالحين فيها فلم يكن الرسول يريد استعمال قوته كذلك ولم يعطه المسيح اقتدراً على الهدم. وهذا موافق لقول بطرس «فَمَنْ يُؤْذِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِٱلْخَيْرِ» (١بطرس ٣: ١٣).

١١ «أَخِيراً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱفْرَحُوا. اِكْمَلُوا. تَعَزَّوْا. اِهْتَمُّوا ٱهْتِمَاماً وَاحِداً. عِيشُوا بِٱلسَّلاَمِ، وَإِلٰهُ ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلسَّلاَمِ سَيَكُونُ مَعَكُمْ».

رومية ١٢: ١٦ و١٨ و١٥: ٥ و١كورنثوس ١: ١٩ وفيلبي ٢: ٢ و٣: ١٦ و١بطرس ٣: ٨ رومية ١٥: ٣٣

كان الرسول قد اضطرّ أن يوبخ ويهدّد بشدّة في الفصول الأخيرة من هذه الرسالة ولكنه ختمها بعبارات الحنو واللطف والمحبة كما يليق به باعتبار كونه أباً روحياً لهم ورسولاً إليهم.

أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أي يا أهل بيت الله وأعضاء جسد المسيح معي.

ٱفْرَحُوا بالرب (فيلبي ٣: ١ و٤: ٤ و١تسالونيكي ٥: ١٦). فيجب على المسيحيين أن يفرحوا بالمسيح على فدائهم واتحادهم به واتحاد بعضهم ببعض وبرجائهم السماء. فلا يحسن بهم أن يقبلوا البركات التي لا تثمن بلا ابتهاج بها. إن أهل السماء كلهم يفرحون فكلما فرحنا فرحاً مقدساً نتمثل بالقديسين والملائكة ونجعل بذلك الأرض كالسماء.

اِكْمَلُوا أي اصلحوا كل الإصلاح الخلل الذي فيكم نظاماً وسيرة فالكمال كالكمال في الآية التاسعة.

تَعَزَّوْا لأنكم مفتقرون إلى التعزية لكثرة ضيقاتكم من أعدائكم (ص ١: ٥ – ٧) ولأنكم حزنتم بشديداً على خطاياكم (ص ٧: ١١). إن الإنجيل مملوء تعزية للحزانى والله إله كل تعزية (ص ١: ٣).

اِهْتَمُّوا ٱهْتِمَاماً وَاحِداً أي اتحدوا بالإيمان وبرئيسكم الوحيد الرب يسوع المسيح باعتبار أنكم إخوة.

عِيشُوا بِٱلسَّلاَمِ معتزلين التحزب والانقسام الذي حدث في كنيستكم فكان من أعظم موانع النمو (١كورنثوس ١: ١١ و٢كورنثوس ١٢: ٢٠). إنه كان من غايات الرسالتين الأولى والثانية إنشاء السلام في تلك الكنيسة المعرضة للانشقاق بكون بعضها من متنصري اليهود وبعضها من متنصري الأمم ولأن بينهم معلمين يحبون الرئاسة ولذلك اتخذوا أحزاباً فيها ولوجود المعلمين الكذبة فيهم فإن غايتهم كانت أن يردوهم إلى الرسوم ويفسدوا إيمانهم بالمسيح وثقتهم برسوله.

إِلٰهُ ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلسَّلاَمِ الخ هاتنا الصفتان من أسمى الصفات الإلهية فيحب الله أن يراهما في الناس فوجودهما في الكنيسة شرط ضروري لحضوره فيها فإنه يمكث في الذين حصلوا عليهما ويبتعد ممن قلوبهم مملؤة بغضاً وانتقاماً وممن ينشأ بينهم التحزب والخصومات الجدلية. فإن السلام يحل في بيت ابن السلام (لوقا ١٠: ٦). وإن الله يهب المحبة والسلام ويمكث حيث يُقبلان ويحفظان فعلينا أن نقبلهما ونجتهد في أن نحفظهما ونبذل المجهود في نشرهما بين أهل الأرض وبذلك نتمثل بالله ونُحسب من صانعي السلام وممن يدعون أبناء الله. فمن العبث أن نصلي لله ونسأله أن يسكن فينا وفي قلوبنا البغض والحسد والحقد.

١٢ «سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ».

رومية ٦: ١٦ و١كورنثوس ١٦: ٢٠ و١تسالونيكي ٥: ٢٦ و١بطرس ٥: ١٤

سَلِّمُوا الخ جرياً على عادة العصر والبلاد بإظهار المحبة الأخوية في الاجتماعات الدينية ولا سيما بعد تناول العشاء الرباني فكانت العادة أن يقبّل الرجال الرجال والنساء النساء. وبقيت تلك العادة في الكنيسة عموماً إلى قرب القرن الثالث عشر ولا تزال الآن في قليل من الكنائس. ووُصفت «القبلة» هنا «بالمقدسة» لأنها علامة الاتحاد المقدس. ولا يلزم من ذلك أنه واجب علينا أن نجري على تلك العادة بعد تغير العوائد ومرور الأزمنة إنما الضروري المحبة المدلول عليها سواء كانت الدلالة قبلة أو مصافحة أو حنو الرأس أو ابتساماً أو كلمة تحية.

١٣ «يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ جَمِيعُ ٱلْقِدِّيسِينَ».

المتعارف بين الناس اليوم أن القديسين هم الكاملوا القداسة في السماء ولكن الإنجيل يعني بهم المؤمنين على الأرض بالنظر إلى صفاتهم وامتيازهم عن سائر الناس. ولا يقصد بهم فريقاً من المؤمنين لأنهم أقدس من سائرهم بل يقصد بهم الجميع. ولا يصرّح بكونهم كاملين ما داموا أحياء هنا بل بكونهم بالنسبة إلى سائر الناس أطهاراً في الغايات والأشواق وممتازين عن غيرهم بمشتهياتهم وأعمالهم وقوانين حياتهم فهم قديسون لكونهم موقوفين لعبادة الله وخدمته ولكونهم له وكونهم مطهرين من جرم الخطيئة ومحررين من سلطتها وكل مسيحيي العالم مكلفون بأن يكونوا قديسين.

وأراد «بجميع القديسين» المؤمنين الذين كانوا معه في مكدونية حيث كتب هذه الرسالة. وقال في الرسالة الأولى «يسلم عليكم كنائس أسيا» لأنه كتبها في أفسس قصبة أسيا.

١٤ «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللّٰهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ».

رومية ١٦: ٢٤ فيلبي ٢: ١

ختم الرسالة بالبركة الرسولية وامتازت هذه البركة هنا عن البركة في سائر الرسائل بأن ذُكر فيها كل من أقانيم الثالوث ولذلك اتخذتها الكنائس المسيحية منذ سنيها الأولى إلى الآن خاتمة للعبادة الجمهورية وهي تشتمل على كل فوائد الفداء وهي طلبة إتيان النعم المذكورة على الكنيسة من الإله الواحد المثلث الأقانيم وهي من البراهين على صحة التثليث وتساوي الأقانيم الإلهية.

نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ يعبر الإنجيل بهذه الكلمات عن طبيعتي المسيح الإلهية والبشرية فهو بالنظر إلى الطبيعة الإلهية «ربنا» وبالنظر إلى الطبيعة البشرية «يسوع» وفي كلتيهما هو مسيح الله الفادي الموعود به. والمراد «بنعمته» هنا رضاه ومحبته المنقذة التي لا نستحقها ولكن نفتقر إليها لكوننا خطأة عاجزين هالكين فالمسيح باعتبار كونه وسيطنا وكفارتنا هو رأس الكنيسة وله كل سلطان في السماء والأرض وهو الآن شفيعنا في السماء. فمنح هذا الفادي العظيم ابن الله وابن الإنسان نعمته لنا يحقق الأمن الآن والخلاص أخيراً.

مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ إن الله الآب هو أصل عمل الفداء فأظهر محبته بإعطائه إيانا ابنه يسوع المسيح على وفق قول الرسول «ٱللّٰهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية ٥: ٨). وقول المسيح نفسه «هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ» الخ (يوحنا ٣: ١٦). وجعل الله إظهار محبته لنا بالمغفرة والتقديس والخلاص متوقفاً على عمل المسيح «فتصحالنا مع الله بموت ابنه» وموته على الصليب ضروري لمغفرة خطايانا ونيلنا محبته تعالى. وقدم الرسول نعمة المسيح بالذكر على محبة الله لكونها الشرط الذي بدونه لا سبيل إلى التمتع بمحبة الله.

وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ إن موت المسيح حصّل لنا موعد الروح (غلاطية ٣: ١٤). فالروح القدس يوصل إلينا كل فوائد الفداء ويقدرنا أن نؤمن بالفادي وأن تمسك به للخلاص. وعطية الروح القدس سُميت هنا وفي رسالة فيلبي (فيلبي ٢: ١) «شركة» لأنها أُعطيت كل شعب الله فكانت ملكاً مشتركاً وبها صاروا جسداً واحداً في المسيح واشترك فيها كل القديسين في كل عصر ومكان في السماء وعلى الأرض وتلك الشركة اتحاد عام كامل دائم.

إن استعمال هذه البركة في أكثر لغات العالم وفي قرون كثيرة من ألوف وربوات لا تُحصى من المسيحيين المجتمعين للعبادة تذكرهم دائماً أنهم اشتُروا بدم واحد ودُعوا من أبٍ واحد وقُدسوا بروح واحد فيجب أن يتحدوا بعضهم ببعض وبرأسهم الإلهي.

لا نعلم كيف كان تأثير هذه الرسالة وزيارة الرسول على أثرها في كورنثوس. لكننا نعلم أنه في أثناء كونه هناك كتب الرسالة إلى رومية. وليس فيها شيء من علامات اليأس والأسف من سوء أحوال مؤمنيها وهو بينهم. وأنه كان ضيفاً مكرماً فيها (رومية ١٦: ٢٣) وأنه سرّ بما جمعوا من مال الإحسان كما سرّ بما جُمع منه في مكدونية (رومية ١٥: ٢٦).

فوائد

  1. إن رسول المسيح وهو ملهم من الروح القدس حذّر خطأة كنيسة كورنثوس بعدما أنذرهم مراراً بالمحبة بأنه يؤدبهم شديداً إذا أصّروا على عنادهم ومعصيتهم كذلك يحذّرنا الله بأنه لا يحتملنا إلى الأبد إذا بقينا في الخطيئة بل ينتقم ممن لا يصغون إلى دعوة الرحمة على وفق قوله «اَلْكَثِيرُ ٱلتَّوَبُّخِ، ٱلْمُقَسِّي عُنُقَهُ، بَغْتَةً يُكَسَّرُ وَلاَ شِفَاءَ» (أمثال ٢٩: ١) (ع ٢).
  2. إن أحسن الواعظين هو من لا يطلب أن يظهر علمه وفصاحته في مواعظه بل يعتبر أنه آلة في يد الله للمناداة بكلمته وأن الشرف الأعظم له أن يتكلم المسيح فيه وبه (ع ٣).
  3. إن امتحان النفس أحد الواجبات المسيحية والقياس الذي يجب أن نمتحن به أنفسنا هو كتاب الله. وأحسن برهان على أن الإنسان مسيحي حقيقي لا مرفوض هو أن المسيح يحيا في قلبه ويتكلم بشفتيه ويسير بسيرته (ع ٥).
  4. إن أفضل الوقايات للناس هو أن يحفظهم الله من ارتكاب الأشياء الرديئة ولذلك طلبه بولس لمؤمني كورنثوس فيجب علينا أن نطلبه لأنفسنا. ولم يطلب الرسول أن يحفظهم الله من الاضطهاد والفقر والمرض والموت بل من الذي هو شر الشرور الزمنية. ونحن لا نقدر أن نحفظ أنفسنا من الخطيئة ولذلك يجب أن نطلب حفظ الله بلجاجة إكراماً للمسيح ونفعاً لأنفسنا (ع ٧).
  5. طلب الرسول لتلاميذه الكمال وكل الرعاة الأمناء يرغبون في ذلك لرعاياهم فيجب علينا أن نرغب فيه لأنفسنا وأن نجتهد في أن ننمو يوماً فيوماً في المعرفة والنعمة لكي نناله. ومن أعظم موانع الكمال توهمنا إنا حصلنا عليه فعدلنا عن طلبه. وسنشبع حين نستيقظ في شبه المسيح يوم القيامة ولا يحسن أن نشبع بشيء أقل من ذلك قبل ذلك الاستيقاظ (ع ٩).
  6. إننا اعتمدنا باسم كل أقنوم من أقانيم الثالوث الأقدس. فيجب أن نشتهي الحصول على بركة خاصة من كل أقنوم منهم أي أن ننال النعمة من المسيح فادينا وآيات محبة الآب الذي أرسله وتأثيرات الروح القدس التي هي نتائج تلك النعمة والمحبة ونشتهي أن يشاركنا في هذه البركات التي لا تُثمن كل المفديين في هذا العالم والعالم الآتي (ع ١٤).
  7. إن البركة الرسولية صلاة وهي موجهة إلى الابن والروح القدس كما هي موجهة إلى الآب. فلنا من ذلك وجوب أن نعبد الرب يسوع المسيح والروح القدس كما نعبد الآب. وأن هؤلاء الثلاثة في لاهوت واحد وإلا فما جُمعا كذلك. ولا يسلم العقل أن بولس الرسول الموحى إليه يطلب في صلاته بنفس واحد نعمة مخلوق إنسان أو ملاك ومحبة الله الآب. ولنا منه ايضاً أن الروح القدس أقنوم متميز لا صفة من صفات الله ولا مجرد تأثير إلهي وإلا فكيف نتوجه الصلاة إلى صفة أو تأثير. وأن للروح القدس بركات خاصة يهبها للذين يطلبونها وهي غير البركات التي نتوقعها من الابن والآب. والخلاصة أن هذه البركة دليل قاطع على أن في اللاهوت ثلاثة أقانيم ممتازة وأن الرب يسوع معادل للآب وأن الروح القدس كذلك وأنه ذات فاعل محيٍ.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى