أفسس

الرسالة إلى أفسس | 06 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى أفسس

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

واجبات الوالدين والأولاد والسادة والعبيد (ع ١ – ٩). نصائح في شأن المحاربة الروحية (ع ١٠: ٢٠). خاتمة الرسالة (ع ٢١ – ٤٢).

واجبات الأولاد لوالديهم والوالدين للأولاد والعبيد للسادة والسادة للعبيد ع ١ إلى ٩

إنه على الأولاد أن يطيعوا والديهم إكراماً للمسيح لأنه واجب طبعاً وحق في نفسه ولأن الله أثبته في وصاياه ووعد بإثابة القائمين به (ع ١ – ٣). وإنه على الوالدين أن يعتزلوا كل ما يمنع أولادهم من محبتهم وأن يربوهم تربية مسيحية (ع ٤). وإنه على العبيد أن يطيعوا سادتهم وأن تكون طاعتهم مقترنة بالنشاط والإخلاص وبكونها كجزء من خدمتهم للمسيح لكي يرضوا الله ويقفوا أمام منبر المسيح بلا خوف (ع ٥ – ٨). وإنه على السادة أن يلتفتوا إلى واجباتهم للمسيح في معاملتهم عبيدهم وأن يتجنبوا القساوة لأن للسادة وللعبيد سيد واحد في السماء وليس عنده محاباة (ع ٩).

١ «أَيُّهَا ٱلأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي ٱلرَّبِّ لأَنَّ هٰذَا حَقٌّ».

أمثال ٢٣: ٢٢ و كولوسي ٣: ٢٠

أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ هذا أول ما أوجبه الله على الأولاد ولعل علة ذلك أنه أول ما يستطيعون فهمه والقيام به وهو أساس الطاعة لله وللحكام الذين عينهم. وهذه الشريعة المكتوبة على الورق هي عين الشريعة التي كتبها الله على صفحات ضمائر البشر في كل زمان ومكان.

فِي ٱلرَّبِّ هذا قيد لطاعة الأولاد لوالديهم ومعنى «الرب» هنا يسوع المسيح كما يتبين من القرينة وعلى ذلك يجب أن يعتبر الأولاد أن الطاعة لوالديهم هي طاعة للمسيح. وكون هذه الطاعة له يستلزم أن لا تكون ناشئة عن الخوف ولا عن المودة الطبيعية بل ناشئة عن الدين والضمير ويجب أن تكون اختيارية قلبية دائمة.

وهذا القيد يحظر على الولد أن يخالف شريعة الله لكي يطيع والديه فهو غير مكلف أن يسرق أو يقتل أو يكذب أو يجدّف أو يدنّس يوم الرب إرضاء لهما ولكن يجب عليه قبل إباء الطاعة أن يتحقق ويتأكد أن ما أمراه به مخالف لمشيئة الله ويجب عليه أن يصلي لله لئلا يخدع نفسه في ذلك.

لأَنَّ هٰذَا حَقٌّ أي إن النسبة الطبيعية بين الأولاد والوالدين توجب طاعة الولد الأبوية كما توجبها شريعة الله وهذا يصدقه ضمير كل إنسان. وليس هذا الحق مبنياً على حكمة الوالدين ولا على إحسانهم إلى أولادهم ولا علة عنايتهم بهم في قصورهم ولا على حسن أخلاقهم وسيرتهم ولا على أنه أولى أن الولد يطيع والده من أن الوالد يطيع ولده. وهذا ركن نجاح الأولاد في الحياة. فالولد الذي اعتاد إطاعة والديه في البيت كان على استعداد لإطاعة أستاذه في المدرسة ورؤسائه الروحيين وإكرام شريعة الله والخضوع للأحكام السياسية. وأما الولد الذي لم يتدرب على الإطاعة البيتية يعسر عليه أن يقوم بالطاعة لله وللغيره ممن تجب لهم ويغلب أن العاصي لأبيه الذي يراه يعصي أباه السماوي الذي لا يراه. والمتدرب عليها يسهل عليه أن يطيع الله ويحبه ويترجح أنه يرث سماءه.

ومما يجب الالتفات إليه هنا أن الله أمر بإكرام الأم كما أمر بإكرام الأب فإن كليهما يستحقان الطاعة والإكرام سواء.

٢، ٣ «٢ أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، ٱلَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ، ٣ لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ ٱلأَعْمَارِ عَلَى ٱلأَرْضِ».

خروج ٢٠: ١٢ وتثنية ٥: ١٦ و٢٧: ١٦ وإرميا ٣٥: ١٨ وحزقيال ٢٢: ٧ وملاخي ١: ٦ ومتّى ١٥: ٤ ومرقس ٧: ١٠

أثبت الرسول هنا وجوب الطاعة للوالدين بإيراد الوصية الخامسة من الوصايا العشر التي أنزلها الله على جبل سينا وكتبها بإصبعه على لوحين من حجر (خروج ٢٠: ١٢ وتثنية ٥: ١٦ انظر أيضاً تفسير متّى ١٥: ٤). فالإكرام للوالدين لا يكون بمجرد قيام الولد بالواجبات ظاهراً فيجب عليه مع ذلك احترامهما ومحبتهما.

ٱلَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ أي وعد البركة للمطيع والحق أنها هي الوصية الوحيدة المقترنة بوعد. وما جاء في الوصية الثانية من قوله «اصنع إحساناً إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي» فليس بوعد نصاً بل بيان لصفة الله من أنه حافظ العهد لمطيعيه. ولعله أراد أنها أول وصية بعهد من وصايا اللوح الثاني أو أن تلك الوصية دُعيت الأولى لكونها أهم الوصايا المفصحة عما يجب على كل من الناس للآخر. وجاء «الأول» في هذا المعنى في (مرقس ١٢: ٢٨ و٣٠). وهذا الوعد الذي في الوصية يتضمن الوعد لبني إسرائيل بالنجاح وطول الأيام في أرض كنعان التي أعطاهم إياها ونص ذلك الوعد على ما في الكتاب «لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك» فهو يتضمن نجاح بني إسرائيل وطول بقائهم في أرض كنعان التي أعطاهم الله إياها ميراثاً. والرسول لم يذكر كلمات الوعد المختصة ببني إسرائيل أي قوله تعالى «على الأرض التي يعطيك الرب إلهك» فجعله عاماً لكل من يطيع والديه من كل شعب وأمة. وفيه بيان قصد الله الذي يجريه بعنايته الشاملة وذلك أن الولد الذي يرغب في طول الحياة ووفرة النجاح يجب أن يطلبها بالسعي في إرضاء الله بإطاعة تلك الوصية. وهذا لا يمنع من أن بعض أولاد الطاعة يكونون قصار الأعمار وقليلي النجاح كما أن قوله «أما يد المجتهدين فتغنى» لا يستلزم أن كل مجتهد غني. ولا تستلزم أن كل عاص لوالديه قصير العمر. فالوعد مقيد ضرورة بشرط أن يكون إنجازه لمجد الله ونفع الموعود. وقد تحققنا بالاختبار إن من الخطايا التي تقصر الحياة إباء الأولاد أن يسمعوا نصح والديهم وإطاعة أوامرهم التي يأتونها لنفع نفوس الأولاد وأجسادهم. فولدا عالي الكاهن لم يكترثا بنصح والدهما فماتا في الشبيبة وأبيشالوم مات حدثاً لعصيانه إباه.

٤ «وَأَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبَّوْهُمْ بِتَأْدِيبِ ٱلرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ».

كولوسي ٣: ٢١ تكوين ١٨: ١٩ وتثنية ٤: ٩ و٦: ٧ و٢٠ و٢١ و١١: ١٩ ومزمور ٧٨: ٤ وأمثال ١٩: ١٨ و٢٢: ٦ و٢٩: ١٧

أبان الرسول في هذه الآية ما يجب على الوالدين للأولاد وأتى بذلك على طريق السلب أولاً وعلى طريق الإيجاب ثانياً. وخاطب الآباء دون الأمهات لأنهم نواب عن نسائهم إذ هم رؤوس البيوت.

لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ بأن تقسوا عليهم لغير ضرورة أو أن تظلموهم أو أن تظهروا المحاباة بينهم أو أن تطلبوا منهم أكثر مما يحق لكم من طاعتهم أو بأن تظهروا الغضب بإعلان الأوامر أو بإجراء التأديب للعاصي منهم.

ولا شيء يهيج الغيظ في قلوب الأولاد مثل إظهار الغيظ عليهم ويندر أن يستفيد الولد شيئاً من القصاص الذي يأتيه الوالد وهو مغتاظ.

رَبَّوْهُمْ هذا يقتضي أن يأخذ الوالدون في تهذيب أولادهم في أول إدراكهم أو أول قبولهم التعليم بالكلام والسيرة والنصح والتوبيخ لكي يفعلوا المستقيم وما يرضي الله ويمتنعوا عن كل ما لا يريده. وهو يمنع الوالدين من أن يتركوا الأولاد بلا تعليم ولا حراسة وتأديب ومن أن يضعوهم حيث يكونون عرضة للتجارب القائدة إلى الإثم أو الاستخفاف بالدين من مدارس أو معامل.

بِتَأْدِيبِ ٱلرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ أي بالتأديب الذي أمر به الرب والإنذار الذي أوجبه. والمعنى أنه يجب أن يربى الأولاد بمقتضى مبادئ الدين المسيحي على ما هي في كتاب الله ولا سيما المعلنة من سيرة يسوع المسيح وتعليمه بغية أن يكونوا نافعين وسعداء في هذا العالم وورثة الحياة الأبدية في العالم الآتي. على الوالدين أن يعلّموا الأولاد بأفعالهم لا بمجرد أقوالهم وأن يبنوا كل وصاياهم على واجبات الأولاد لله لا على مجرد واجباتهم لهم. وهذا يستلزم أن يؤثروا تهذيبهم بالدين على كل ما سواه من التعاليم وأن يعوّدهم عبادة الله في البيت والكنيسة وأن يعلّموهم الكتاب المقدس ويصلوا معهم ويعلّموهم منذ الحداثة أن يصلوا من أجل أنفسهم فيليق أن تكون الكلمات التي أول ما تعلمه أمه النطق بها كلمات الصلاة.

٥، ٦ «٥ أَيُّهَا ٱلْعَبِيدُ، أَطِيعُوا سَادَتَكُمْ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ، فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ كَمَا لِلْمَسِيحِ ٦ لاَ بِخِدْمَةِ ٱلْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي ٱلنَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ ٱلْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ ٱللّٰهِ مِنَ ٱلْقَلْبِ».

كولوسي ٣: ٢٢ و١تيموثاوس ٦: ١ وتيطس ٢: ٩ و١بطرس ٢: ١٨ و٢كورنثوس ٧: ١٥ وفيلبي ٢: ١٢ و١أيام ٢٩: ١٧ وكولوسي ٣: ٢٢ و٢٣

في هاتين الآيتين بيان ما يجب على العبيد لسادتهم. من المعلوم أن العبيد في عصر بولس كانوا كثيرين في كل البلاد ولا سيما البلاد الرومانية. والمسيح والرسل لم يقاوموا الاسترقاق نصاً ولكنهم علموا أن كل الناس إخوة وهذا ينافي الاسترقاق ويحمل على إبطاله في العالم كما علمنا من تاريخ كل بلاد أثر الدين الإنجيلي فيها. والأرجح إن أكثر العبيد الذين خاطبهم بولس هنا كان سادتهم وثنيين. وهذا مع أنه خوطب به العبيد أولاً مناسب للذين يدخلون اختياراً في الخدمة لغيرهم من الناس.

سَادَتَكُمْ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ قيد طاعة العبيد لسادتهم بكونها جسدية دفعاً لتوهم أنها روحية لأن ليسوع المسيح وحده السيادة على الروح.

بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ أمام الله لا أمام سادتهم الأرضيين وحدهم لكي لا يغيظوهم. وهذا على وفق قول بولس في نفسه «أَنَا كُنْتُ عِنْدَكُمْ فِي ضَعْفٍ وَخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ كَثِيرَةٍ» (١كورنثوس ٢: ٣). وما أمر به الفيلبيين (فيلبي ٢: ١٢). والمعنى أنه يجب على العبيد أن يهتموا كل الاهتمام بأن يفعلوا ما يجب عليهم لسادتهم لكي يرضوا الله بذلك.

فِي بَسَاطَةِ قُلُوبِكُمْ إي بإخلاص لا برياء او خداع أو احتيال.

كَمَا لِلْمَسِيحِ أي معتبرين خدمتكم لسادتكم قسماً من الخدمة للمسيح أي خدمة دينية فهذا مما يجعل خدمتكم أشرف وأسهل. وعلى نيل العبد إثابة المسيح كونه أميناً لسيده السماوي.

لاَ بِخِدْمَةِ ٱلْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي ٱلنَّاسَ حذّرهم بهذا من الرياء في الخدمة وهو أن يظهر العبد الغيرة في أعماله لمجرد كون سيده مراقباً إياه فيجتهد في أن يرضيه خوفاً من العقاب وطمعاً في الثواب. فإن تلك الغيرة تزول بزوال مراقبة السيّاد إياه. وقال الرسول مثل ذلك في (كولوسي ٣: ٢٢).

كَعَبِيدِ ٱلْمَسِيحِ معتبرين أنه يراقبكم أبداً ويجازيكم على قدر أعمالكم. فسيرة المسيح مثال لكل الخدم لأنه مع كونه رب المجد «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ» (فيلبي ٢: ٧) لكي يفدي الناس من عبودية الخطيئة والموت. فالذين خدموا سادتهم لأنهم عبيد المسيح ليرضوا سيدهم السماوي هم الذين «يعملون مشيئة الله من القلب» بدلاً من «خدمة العين» فلا تكون خدمتهم بمقتضى الظاهر فقط بل تكون بالأمانة والغيرة والتواضع أيضاً.

٧ «خَادِمِينَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَمَا لِلرَّبِّ، لَيْسَ لِلنَّاسِ».

في هذه الآية والتي بعدها تفسير لقوله «بساطة قلوبكم».

بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ هذا يتضمن النهي عن الخدمة المقترنة بالحق على السادة وبالتذمر على الله الذي أنزلهم تلك المنزلة.

كَمَا لِلرَّبِّ الخ الذي قسم لهم نصيبهم بحكمته ومحبته. وهذا يحملهم على الأمانة في أعمالهم والصبر على العناء والظلم والاكتفاء بقسمتهم الدينية وتذكر ذلك الذي أتى «لا ليُخدم بل ليخدُم» (متّى ٢٠: ٢٨).

٨ «عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ ٱلْخَيْرِ فَذٰلِكَ يَنَالُهُ مِنَ ٱلرَّبِّ، عَبْداً كَانَ أَمْ حُرّاً».

رومية ٢: ٦ و٢كورنثوس ٥: ١٠ وكولوسي ٣: ٢٤ غلاطية ٣: ٢٨ وكولوسي ٣: ١١

في هذه الآية تعزية للعبيد وما يجعلهم يرضون بعبوديتهم وخلاصتها أن كل الناس سواء أمام منبر المسيح والامتيازات المعهودة في الأرض تبطل أخيراً. فإنه بالمسيح وعنده «لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية ٣: ٢٨).

مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ الخ لأن السؤال في اليوم الأخير هو «من عمل الصالحات بمقتضى إرادة الله» لا «من العبد ومن السيّد» فتعليم الرسول هنا كتعليمه في (٢كورنثوس ٥: ١٠).

٩ «وَأَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلسَّادَةُ، ٱفْعَلُوا لَـهُمْ هٰذِهِ ٱلأُمُورَ، تَارِكِينَ ٱلتَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ».

كولوسي ٤: ١ لاويين ٢٥: ٤٣ يوحنا ١٣: ١٣ و١كورنثوس ٧: ٢٢ رومية ٢: ١١ وكولوسي ٣: ٢٥

أَيُّهَا ٱلسَّادَةُ أبان الرسول بعد بيانه ما يجب على العبيد لسادتهم ما يجب على السادة لعبيدهم.

ٱفْعَلُوا لَهُمْ هٰذِهِ ٱلأُمُورَ أمر السادة هنا بكل ما أمر به العبيد من العمل بمقتضى الضمير والمبادئ الدينية المتعلقة بإتمام إرادة الله وبساطة القلب. فعلى السادة أن يعتبروا أنهم تحت سيادة الله كالعبيد وأنهم تحت المسؤولية لله في كل أعمالهم.

تَارِكِينَ ٱلتَّهْدِيدَ الذي يعتاده غالباً السادة في مخاطبتهم عبيدهم. وهذا يمنع من شراسة الأخلاق وإظهار الاحتقار والقساوة ويوجب على السادة المسيحيين أن يظهروا الرقة والحنو على عبيدهم ويرغبوا في أن يسوسوهم باللطف والرفق لا بالغلاظة والشدة.

عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي ٱلسَّمَاوَاتِ كون الرب سيدهم وسيد عبيدهم يستلزم أن الفريقين سواء عنده. وكونه «في السماوات» يستلزم أنه على كل شيء قدير وأنهم تحت المسؤولية له وأنه لا يبالي بالسلطة البشرية الأرضية وإنه سوف يأتي من السماء دياناً للعالمين (١تسالونيكي ٤: ١٦ و٢تسالونيكي ١: ٧). فإنه يدينهم إذا ظلموا عبيده ويثيبهم إذا عاملوهم بمقتضى القاعدة الذهبية وهو أن يفعلوا بعبيدهم كل ما يريدون أن يفعل العبيد بهم.

لَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ جاء هذا نصاً في (رومية ٢: ١١) ومعنىً في (أعمال ١٠: ٣٤ كولوسي ٣: ٢٥ ويعقوب ٢: ١ و٩) ومعناه أن الله يدين في اليوم الأخير كل إنسان حسب أعماله بقطع النظر عن أنه كان على الأرض سيداً أو عبداً غنياً أو فقيراً.

ومن الواضح أن هذا التعليم مما يعزي العبد ويحقق له أن كونه عبداً لا ينقص رجاءه الخلاص. ومما يُعلم السيد المسيحي أن لا يتكل على مقامه السامي للقبول عند المسيح وأن يعتبر عبده المسيحي أخاً له لأن الله فدى ذلك العبد كما فداه وغفر خطاياه كما غفر له وجعله مثله في كونه شريكاً له في الميراث السماوي.

النصائح الأخيرة

نصائح من جهة المحاربة وأسلحتها الضرورية (ع ١٠ – ١٧) أبان الرسول أنه يجب على المسيحيين أن يطلبوا المعونة من المسيح (ع ١٠) لأن أعداءهم روحيون وهم الشيطان وكل قوات الظلمة فيحتاجون إلى قوة أسمى من القوة البشرية وإلى أسلحة إلهية فعليهم أن يلبسوا كل سلاح الله لكي يثبتوا في اليوم الشرير (ع ١١ – ١٣) وأشار إلى أن هذه الأسلحة ستة:

الأول: معرفة الحق وقبوله.

الثاني: بر المسيح.

الثالث: النشاط الناشئ عن سلام الإنجيل.

الرابع: رجاء الخلاص.

الخامس: الإيمان.

السادس: كلمة الله التي هي سيف الروح (ع ١٤ – ١٧).

وإنهم يحتاجون إلى الصلاة لكي ينتصروا في تلك الحرب الروحية. وإنه يجب أن تكون صلواتهم بلا انقطاع مقترنة بمعونة الروح القدس وأن يصلوا من أجل كل القديسين (ع ١٨). وأن يصلوا من أجله هو أيضاً لكي ينجح في مناداته بالإنجيل (ع ١٩ و٢٠). وإنه قد أرسل تيخيكس ليخبرهم بكل أحواله (ع ٢١ و٢٢). وإنه يطلب لهم إلى الآب والمسيح سلاماً ومحبة وإيماناً وختم كلامه بالبركة على كل الذين يحبون الرب يسوع المسيح بإخلاص (ع ٢٣ و٢٤).

نصائح في الحرب الروحية وأسلحتها الضرورية ع ١٠ إلى ١٧

عبّر الرسول في هذا الفصل عن الحياة الروحية بكلام المجاز فمثلها بحرب بين الله والشيطان والسماء وجهنم فيحتاج المسيحي إلى قوة سماوية للانتصار فيها والاقتدار على الأعداء القوية غير المنظورة وإلى أسلحة روحية. وقد أشار إلى هذه الحرب في (١تسالونيكي ٥: ٨ و٩ ورومية ١٣: ١٢). وخاطب في الموضعين المؤمنين كأنهم نيام دُعوا بغتة عند بزوغ الفجر إلى أن يلبسوا أسلحتهم ويخرجوا للقتال.

ولا يخفى على القارئ ما حمل الرسول على هذا التمثيل من أمور حياته وقتئذ فإنه كان أسيراً يحرسه عسكري روماني ولا يفارقه أبداً وهو في اللباس العسكري الكامل.

١٠ «أَخِيراً يَا إِخْوَتِي تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ».

ص ١: ١٩ و٣: ١٦ وكولوسي ١: ١١

كان الرسول قد وصف الفداء الذي اشتراه المسيح بأنه تام مجاني لكن ذلك لا يمنع من أن يبقى على المؤمن جهاد طويل شديد قبل أن ينال فوائد الفداء. وذلك الجهاد ليس مجرد حرب بين الروح والجسد وليست القوى الطبيعية بقادرة على تمكين المجاهد من الظفر لأنه فيه يقاومه كل قوات الظلمة وتبذل جهدها في أن تأسر نفسه للخطيئة والموت.

تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ لأن الجهاد في سبيل الرب وبأمره وهو مستعد لإعانة جنوده (فيلبي ٤: ١٣ و١تيموثاوس ١: ١٣ و٢تيموثاوس ٤: ١٧). ولأن الإنسان في الطبيعة بلا قوة روحية. وينال القوة التي يفتقر إليها باتكاله على المسيح والاتحاد به كما أن الغصن ينال قوته من اتحاده بالكرمة وذراع الإنسان باتحادها بسائر الجسد.

وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ إن أعضاء جسد المسيح لا حياة لها ولا قوة بدونه ولكنه بحياة ابن الله فيها تقدر على كل جهادها ولذلك قال الرسول «أَفْتَخِرُ بِٱلْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحُلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ ٱلْمَسِيحِ» (٢كورنثوس ١٢: ٩). وقوة المسيح هي قوة الآب كما في قوله في (ص ١: ١٩).

١١ «ٱلْبَسُوا سِلاَحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ».

رومية ١٣: ١٢ و٢كورنثوس ٦: ٧ وع ١٣ و١تسالونيكي ٥: ٨

سِلاَحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ يشتمل على أدوات الهجوم والدفاع كشأن سلاح كل جندي فإن الجندي الذي كانت يد بولس مربوطة إلى يده كان تام السلاح. فلا يكفي المؤمن أن يكون مستعداً لأن يدفع عن نفسه الذين يهجمون عليه بل يجب عليه أيضاً أن يجتهد في أن يغلبهم ويخضعهم. وسلاح الله يقدر المسيحي على وقاية نفسه ومقاومة الشر ووصف «بالكامل» بياناً أنه لا يترك شيئاً للإنسان عرضة للخطر من قواه العقلية وضميره وانفعالاته. وسمي «سلاح الله» تمييزاً له عن السلاح البشري الناقص ولأن الله هو الذي أعده وهو الذي يعطيه كل مؤمن عند الحاجة. وسمى أيضاً «أسلحة النور» (رومية ١٣: ١٢) و «سلاح البر» (٢كورنثوس ٦: ٧). وقد أشار إليه الرسول بقوله «ٱلْبَسُوا ٱلرَّبَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ» (رومية ١٣: ١٤).

إن الإنسان يميل إلى الاتكال على الحكمة البشرية لمقاومة الشر بدلاً من أن يتكل على المسيح وعلى الأسلحة الإلهية. ومن هذا الاستنادات الباطلة كالاتكال على القديسين والملائكة وعلى إماتة الجسد بالأصوام والخضوع لسنن الناس والامتناع عن الجائزات الحسنة ومن ممارسة رسوم لم يأمر الله بها كحفظ أشهر وأيام عينها الناس ونذور وزيارة ما يُعتبر مقدساً من الأماكن. ويحسن أن يقابل ما قيل هنا بما في (إشعياء ٥٩: ١٦ و١٧).

ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ كون إبليس خصمهم ليس ببشر يستلزم أن نلبس الأسلحة الإلهية لمقاومته وكونه ذا قوة شديدة وحيلة عجيبة يستلزم أن نكون منتبهين أبداً ومستعدين بقوة سماوية لأن نغلب ولا نُغلب لأنه رئيس قوات الظلمة وإله هذا الدهر ومنشئ الشر الجسدي والأدبي وأنه عدو لله وللمسيح وللمؤمنين وإنه على غاية المكر والبغض يطلب دائماً من يفترسه ويهلكه وأنه خبير بتجريب الناس وإضلالهم بأن يعمي قلوبهم ويجعل فيها الشكوك ويهيج الأفكار الشريرة وإنه حاضر ليلاً ونهاراً وهو لا يُرى ويكمن للنفوس لكي يخدعها ويأسرها ويهلكها. ولإبليس جنود لا تُحصى قال واحد منهم «إننا لجئون» ولهم معرفة واسعة وخبث لا حد له فقد قتلوا كثيرين من جبابرة الناس فلم يكن لنا من رجاء للنجاة منه لو لم يأت المسيح لينقض أعماله ويعن الروح القدس ضعفاتنا ويعد الله لنا الأسلحة السماوية وينبهنا على أن نسهر على الدوام.

١٢ «فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ ٱلْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ ٱلرُّوحِيَّةِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ».

متّى ١٦: ١٧ و١كورنثوس ١٥: ٥٠ رومية ٨: ٣٨ وص ١: ٢١ وكولوسي ٢: ١٥ لوقا ٢٢: ٥٣ ويوحنا ١٢: ٣١ و١٤: ٣٠ وص ٢: ٢ وكولوسي ١: ١٣ ص ١: ٣

غاية الرسول من هذه الآية أن يبين لهم ما عليهم من الخطر الذي لا يشعر به وعظمة قوة العدو.

فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ أي المصارعة الروحية التي يُدعى إليها المؤمنون ليست مع بشر كما يتضح من قوله «لم أستشر لحماً ودماً» (غلاطية ١: ١٦). وهو لم ينف أن لهم أعداء بشريين من مضطهدي اليهود والأمم لكنه لم يعتبرهم شيئاً بالنسبة إلى أعدائهم الروحيين الذي هم أشد بأساً وخطراً وهم الأرواح النجسة. والحق أن هؤلاء هم الذين هيجوا عليهم أعداءهم من الناس. وعبر عن هذه المحاربة «بالمصارعة» إشارة إلى شدتها وقربهم إليها لأن المصارعين يطلب كل منهم أن يصرع الآخر يداً بيد ورجل برجل.

مَعَ ٱلرُّؤَسَاءِ، مَعَ ٱلسَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ ٱلْعَالَمِ، (انظر تفسير ص ١: ٢١) وسموا «أراوحاً نجسة» (متّى ١٢: ٤٣). وكانوا ملائكة وسقطوا (٢بطرس ٢: ٤ ويهوذا ٦). والظاهر أن لهم رئيساً اسمه إبليس. ولُقبوا «برؤساء وسلاطين» نظراً لسمو مقامهم واختلاف بعضهم عن بعض في زيادة القوة. ودُعوا «ولاة العالم» نظراً لسلطتهم على الناس. وقد دُعي الشيطان «إله هذا الدهر» و «رئيس هذا العالم» (يوحنا ١٦: ١١) لأن أكثر أهل العالم خاضع له اختياراً.

عَلَى ظُلْمَةِ هٰذَا ٱلدَّهْرِ نُسبت «الظلمة» إلى هذا العالم نظراً لجهل الناس الله وانفصالهم عنه ولأن الإثم حجز نوره تعالى عن أذهانهم. واستعار «الظلمة» لمن هم من مملكة الظلمة طوعاً وهم يمتازون عن شعب الله الذين هم «أولاد نور» (ص ٥: ٨) ورعية ملكوت النور باختيارهم.

مَعَ أَجْنَادِ ٱلشَّرِّ سمى الشيطان «أجناد الشر» بياناً لطبيعتهم الخبيثة كما سماهم «رؤساء وسلاطين» بياناً لقوتهم. وهم أشرار بالذات والغاية لأنهم يبذلون الجهد في أن يحملوا الناس على فعل الشر.

فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ ذكر هذا إشارة إلى كونهم ليسوا من الأرض ولهذا نُسبوا إلى الهواء (ص ٢: ٢) لأن الأرض ليست مسكنهم الخاص وقوتهم ليست محدودة بحدود قوة أهل الأرض. ولا نظن أنه ذكر ذلك إشارة إلى أنهم كانوا من سكان السماء أصلاً بل نرى أنه وصفهم بذلك لأنه هو ما كانوا عليه يوم كتب هذه الرسالة. وهم يشبهون ملائكة السماء في القوة وبعض غيرها من الصفات. ووصفهم الرسول بذلك لزيادة التحذير منهم والحذر من حيلهم ولكي يطلب المسيحيون أن يتقووا بقوة أعظم من القوة البشرية ليقاوموا أولئك الأرواح النجسة وأن يتسلحوا بالأسلحة الإلهية. ولبيان أن هجومهم غير مقصور على أجساد البشر التي هي من الأرض بمجرد التجارب الأرضية بل هو أيضاً على نفوس الناس الخالدة التي صنعها الله لتسكن السماء فالتجارب التي تأتي بها تلك الأرواح توجهها إلى طبيعة الناس الروحية.

١٣ «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ ٱحْمِلُوا سِلاَحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا».

٢كورنثوس ١٠: ٤ وع ١١ ص ٥: ١٦

مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أي بسبب أنكم ضعفاء وإن أعداءكم كثيرة وقوية إلى هذا الحد لا يكفون عن محاربتكم.

ٱحْمِلُوا سِلاَحَ ٱللّٰهِ لأن غيره ليس بكاف.

فِي ٱلْيَوْمِ ٱلشِّرِّيرِ أي زمن التجارب التي يأتي بها أولئك الأعداء. ويصح أن نسمي كل زمن الحياة بالزمن الشرير لأننا عرضة للتجربة فيه كله ولكن لا بد من أن تكون التجربة في بعض الأحيان أشد مما في غيرها ولذلك قال المسيح لرؤساء الكهنة وشيوخ الشعب الذين طلبوا قتله حين قبضوا عليه ليسلموه لبيلاطس «هٰذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ ٱلظُّلْمَةِ» (لوقا ٢٢: ٥٣).

وفي الإنجيل كثير من الأدلة على أنه قُبيل مجيء المسيح ثانية تكون حرب شديدة خاصة بين جنود السماء وجنود الجحيم ولكن لا دليل على أن الرسول أشار إلى ذلك هنا.

وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا أي بعد أن تأتوا كل الاستعداد المذكور وتحتملوا ما يصيبكم من هجمات أعدائكم الأشرار أن تبقوا راسخين غير متزعزعين شجعاناً معلنين للناس أنكم جنود الله وأتباع المسيح رئيس خلاصكم.

١٤ « فَٱثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِٱلْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ ٱلْبِرِّ».

إشعياء ١١: ٥ ولوقا ١٢: ٣٥ و١بطرس ١: ١٣ إشعياء ٥٩: ١٧ و٢كورنثوس ٦: ٧ و١تسالونيكي ٥: ٨

فَٱثْبُتُوا أمام أعدائكم في الحرب.

مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ كانت منطقة الجندي الروماني من جلد عليها صفائح صغيرة من الحديد أو الفولاذ. وشد المنطقة فوق الثياب أول استعداد للنزال لأن المنطقة تقي سائر الأسلحة في مواضعها وتقي بعض أجزاء الجسد المعرّضة للخطر.

بِٱلْحَقّ هذا الحق الذي أخذه الرسول بمنزلة المنطقة للجندي الروحي ليس بكلمة الله لأنه استعار لها سيف الروح كما سيأتي فالمراد به معرفة تلك الكلمة وتيقنها وهذا مما يليق بالمسيحي لكونه «مؤمناً» و «في المسيح». لأن من الواضح أن الذي يدخل المحاربة الروحية وهو جاهل الكلمة وشاك فيها يكون كالجندي الأعمى العاجز وأما التيقن في الروحيات فيقوي كل قوى نفس المؤمن كما أن المنطقة تقوي جسده. وأما من ذهنه مملوء من الحكمة البشرية والآراء الفلسفية العالمية وتقاليد الناس فلا يستطيع أن يثبت في محاربة جنود الظلمة.

دِرْعَ ٱلْبِرِّ (إشعياء ٥٩: ١٧) كان درع العسكري الروماني يمتد من عنقه إلى وركيه كانت من زرد أو حراشف معدنية يتصل بعضها ببعض اتصالاً يسمح للابسها بالحركة وهي تقيه من ضرب السيف وطعن الحربة والسهم. وليس المراد هنا أن تكون تقوى المسيحي بمنزلة الدرع له لأن تلك التقوى عجزت أن تحميه من توبيخات الضمير واليأس وقوة التجربة ودينونة الناموس وهجمات الشيطان. وقد قال الرسول إنه «لَيْسَ له بِرّه ٱلَّذِي مِنَ ٱلنَّامُوسِ، بَلِ ٱلَّذِي بِإِيمَانِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْبِرُّ ٱلَّذِي مِنَ ٱللّٰهِ بِٱلإِيمَانِ» (فيلبي ٣: ٨ و٩). فالذي قصد أن يتخذه الأفسسيون درعاً وهو بر المسيح الكامل المعد لنا ليكون موضوع اتكالنا وهذا يقينا من كل مطاليب الناموس والعدل وكل الهجمات الداخلية والخارجية. وهذا يبرر المؤمن ويقدسه فإن المسيح لا ينسب بره إلى أحد ما لم يعطه أيضاً براً في الباطن.

١٥ «وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِٱسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ ٱلسَّلاَمِ».

إشعياء ٥٢: ٧ ورومية ١٠: ١٥

كانت سرعة الجري في الميدان ضرورية للجندي في الحروب القديمة لأنها كانت تقتضي أن يلتقي الأقران بالأقران. ولما قال الرسول إنه يجب على المؤمنين أن «يحذوا أرجلهم باستعداد إنجيل السلام» عنى بذلك أن يكونوا ذوي غيرة سريعين مسرورين بالمناداة بالإنجيل الذي موضوعه سلام من الله. وهذا السلام شرط ضروري للجراءة والنجاح في الجهاد الروحي. كان في نعال العساكر يومئذ مسامير بارزة الكرات لإثبات خطوات الجندي ووقايته من الزلق حين يصارع قرنه أو يصعد الأنجاد والحُزون. والمسيحي بواسطة اتخاذه استعداد إنجيل السلام يوقى من الشكوك والسقوط بها وتيقن محبة الله ويقدر على الصعود في طريق السماء فالأحذية الإنجيلية قوية باقية غير ثقيلة على لابسها تقدره على أن يكون سريعاً مسروراً في جريه. ولا يجوز أن نفسر هذا بقول إشعياء «مَا أَجْمَلَ عَلَى ٱلْجِبَالِ قَدَمَيِ ٱلْمُبَشِّرِ، ٱلْمُخْبِرِ بِٱلسَّلاَمِ» (إشعياء ٥٢: ٧) لأن ذلك مختص بالمبشرين وما قيل هنا عام لكل المؤمنين.

١٦ «حَامِلِينَ فَوْقَ ٱلْكُلِّ تُرْسَ ٱلإِيمَانِ، ٱلَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْمُلْتَهِبَةِ».

١يوحنا ٥: ٤

فَوْقَ ٱلْكُلِّ أي زيادة على كل ما ذُكر من الأسلحة. أو ما يمكن أن يوضع فوقه ليقي كل الجسد ولم يُرد أن ذلك أهم الكل. وكان الترس قديماً بيضي الشكل مصنوعاً من نحاس أو من جلد مدهون بالزيت مغطى بصفائح من النحاس (إشعياء ٢١: ٥) وغلب أن يكون طوله أربع أقدام وعرضه قدمين ونصف قدم. وكان الجندي يربطه بيده اليسرى. وهو ضروري لوقاية الجسد من الحراب والسهام. وأما المجن المذكور مع الترس في الكتاب المقدس فالمرجح أنه الصغير من الأتراس (مزمور ٤٥: ٢ و٩١: ٤). والإيمان في الجهاد المسيحي بمنزلة ترس لأنه بواسطة الإيمان نتبرر ونتصالح مع الله بدم المسيح. وغاية هذا الإيمان يسوع ابن الله مخلص البشر فبه نقترب إلى الله (ص ٣: ١٢) وبه ننال موهبة الروح القدس وندرك الأمور المعلنة به (ص ١: ١٣) وبه نغلب العالم (٢يوحنا ٥: ٤) ونقتدر كثيراً كما يظهر من الأمثلة الوافرة في الاصحاح الحادي عشر من الرسالة إلى العبرانيين.

أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْمُلْتَهِبَةِ اعتاد الناس قديماً أن يربطوا بالسهام مواد قابلة الاشتعال كالزفت ونحوه يرمون العدو والقلاع بها وهي مشتعلة وإلى ذلك أشار المرنم بقوله «يجعل سهامه ملتهبة» (مزمور ٧: ١٣). والمراد «بالشرير» في عبارة الوحي الشيطان بدليل ما في (متّى ١٣: ١٩ و٣٨ و١يوحنا ٢: ١٣ و٣: ١٢ و٥: ١٨). والسهام الملتهبة أضر من غيرها لأنها تحرق حيث تدخل إلا إذا رُدعت بالترس فتقع عنه وتنطفئ. ويحسن أن تستعار لتجارب الشيطان وجنوده التي يرمون بها نفس المؤمن فلولا ترس الإيمان الذي يحميها هلكت لا محالة لأن المؤمنين جميعاً يشهدون عن خبرة بأنه تدخل قلوبهم شكوك وأهوال وأفكار كفرية وتجديف وعصيان تؤلم النفس كسهام ملتهبة ولا يرون من مصدر لها سوى الشيطان. وبعض تلك السهام الملتهبة الشيطانية يهيج في المؤمنين الشهوات الرديئة والتذمر والحسد والبخل والطمع والكبرياء والانتقام ولا وافي منها إلا الإيمان والثقة بالمواعيد الإلهية والنظر إلى المسيح بالصبر والخضوع لإرادته وتوقع النجاة منها به لأن الإنسان في ذاته عاجز عن دفع تلك السهام لكنه بالإيمان أطفأها ضعفاء المسيحيين بدليل قوله «أَطْفَأُوا قُوَّةَ ٱلنَّارِ، نَجَوْا مِنْ حَدِّ ٱلسَّيْفِ، تَقَوَّوْا مِنْ ضَعْفٍ، صَارُوا أَشِدَّاءَ فِي ٱلْحَرْبِ» (عبرانيين ١١: ٣٤ (انظر أيضاً سياحة المسيحي صفحة ١١٢ و١١٣).

١٧ «وَخُذُوا خُوذَةَ ٱلْخَلاَصِ، وَسَيْفَ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي هُوَ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ».

إشعياء ٥٩: ١٧ و١تسالونيكي ٥: ٨ عبرانيين ٤: ١٢ ورؤيا ١: ١٦ و٢: ١٦ و ١٩: ١٥

خُوذَةَ ٱلْخَلاَصِ كانت الخوذة زينة العسكري ووقاية له من الخطر كذلك الخلاص الذي يحصل عليه المؤمن بالإيمان يزين رأسه ويقيه من الخطر حتى يستطيع أن يرفع رأسه بالرجاء والمسرّة في ساحة الحرب. ورجاءه الخلاص يحقق له أنه انتقل من مملكة الظلمة إلى ملكوت ابن الله لأنه صار ابناً لله ووراثاً مع القديسين الميراث الأبدي وعظم انتصاره بالذي أحبه (رومية ٨: ٣٧).

والخلاص المذكور هنا الذي يرجوه المؤمن يتضمن كل ما كسبه المسيح له بواسطة كفارته ونعمته وهو عربون كل ما سوف يناله. فرجاء المجد الذي سيُعلن يعزيه ويشجعه في كل حروبه كما يقوبه ذكر ما سلف من المعونة والنعمة. ونُسب إلى الرجاء في موضع آخر (نظراً لقوة تأثيره) ما نُسب إلى الخلاص هنا بدليل قوله «نحن الذين من النهار فلنصح لابسين… خوذة هي رجاء الخلاص».

وَسَيْفَ ٱلرُّوحِ كل ما ذُكر آنفاً من أسلحة المسيحي هو لحمايته ولكن «سيف الروح» هو للوقاية والهجوم معاً فلا جندي في الزمان القديم يحسب أنه استعد للحرب ما لم يكن ناقلاً السيف. ونُسب «السيف» هنا إلى الروح القدس لأن الروح هو الذي صنعه وهو الذي يقدر المؤمن على استعماله ويجعله ذا فاعلية ليقتل آثام قلبه وينتصر على عداوة العالم والشيطان.

ٱلَّذِي هُوَ كَلِمَةُ ٱللّٰهِ نُسبت الكلمة إلى الله لأن الذي أوحى بها روحه القدوس وهو الذي يجعلها ذات فاعلية لتجديد القلب وتقديسه. وهذه الكلمات تشتمل على كتب العهدين القديم والجديد كلها من أول آية من سفر التكوين إلى آخر آية من سفر الرؤيا وقد أُعطيناها للدفاع والهجوم. وما قيل هنا مثل قوله «إِنَّ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ ٱلنَّفْسِ وَٱلرُّوحِ وَٱلْمَفَاصِلِ وَٱلْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ ٱلْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ» (عبرانيين ٤: ١٢). وقوله «لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ ٱللّٰهِ لِلْخَلاَصِ» (رومية ١: ١٦). وقد استعمل المسيح هذا السيف في دفع تجربة الشيطان فكان لنا مثالاً في ذلك (متّى ٤: ٣ – ١٠) ففي كلمة الله يجد المؤمنون حكمة الله والقوة الإلهية القادرة على أن تنصرهم على كل أنواع الضلال من الفلسفة الكاذبة والمبادئ السفسطية والوساوس الشيطانية وكل تجارب الأشرار فيها تتبدد قوات الظلمة وتتلاشى شكوك المسيحي ومخاوفه فإنه بها انتصرت الكنيسة على العالم وعلى ممالك الشيطان ولم تحصل على ذلك إلا بها ولكنها لما اتكلت على القوة السياسية وعلى الثروة وعلى الفلسفة العالمية والتقاليد ووصايا الناس وهنت وعجزت.

١٨ « مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي ٱلرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهٰذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ».

لوقا ١٨: ١ ورومية ١٢: ١٢ وكولوسي ٤: ٢ و١تسالونيكي ٥: ١٧ متّى ٢٦: ٤١ ومرقس ١٣: ٣٣ ص ١: ١٦ وفيلبي ١: ٤ و١تيموثاوس ٢: ١

لا شيء من هذه الأسلحة ولا كلها معاً يقدر المسيحي على الانتصار في الجهاد الروحي ما لم تأته المعونة من فوق. ويجب عليه ليحصل على تلك المعونة أن يطلبها بالصلاة وذُكر هنا خمسة من أمورها:

الأول: أن تكون مشتملة على كل أنواعها.

الثاني: أن تكون في كل وقت مناسب.

الثالث: أن تكون في الروح أي الروح القدس.

الرابع: أن تكون حارة دائمة.

الخامس: أن تكون من أجل جميع الإخوة القديسين الذين منهم بولس نفسه.

مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ هذا من قيود قوله «فاثبتوا» في الآية السابعة عشرة. والفرق بين الصلاة والطلبة أن الأولى أعم من الثانية ولكنها لا تتقدم إلا لله. وأما الثانية فيمكن أن توجّه إلى الإنسان أيضاً. والأولى تشتمل على الحمد والشكر والدعاء وأما الطلبة فليست سوى الدعاء. والمراد «بكل صلاة» أنواع الصلاة من جمهورية أو انفرادية وشفوية أو قلبية ورسمية أو ارتجالية ومقدمة من أجل أنفسنا أو من أجل غيرنا.

كُلَّ وَقْتٍ هذا الثاني من أمور الصلاة والمعنى يجب أن يصلي الإنسان في كل وقت يحتاج فيه إلى المعونة. وهذا ما أراده المسيح في قوله «يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ» (لوقا ١٨: ١). وما أراده الرسول بقوله «صلوا بلا انقطاع» (١تسالونيكي ٥: ١٧). إن الصلاة هي تقديم أشواقنا لله فإذا أحببنا الله وشعرنا بوجوده معنا دائماً ملنا طبعاً إلى مخاطبته دائماً كما يخاطب الرفيق رفيقه حتى لا يبقى من غلو في قوله «صلوا بلا انقطاع».

فِي ٱلرُّوحِ أي بإرشاد الروح القدس وبفعله في القلب وهذا موافق لما في قوله «ٱلرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا» (رومية ٨: ٢٦).

ومما يجب أن نذكره دائماً أننا لا نستطيع أن نقدم من قلوبنا صلوات حارة مقبولة فعالة ما لم يكن الروح القدس قد أنشأ فيها الأشواق والأفكار التي نعبر عنها.

سَاهِرِينَ لِهٰذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ هذا الرابع من أمور الصلاة يدعونا فيه الرسول إلى الحرارة في الصلاة وطلب معونة الروح القدس والاستمرار على الصلاة بلا ملل ولا غفلة. وهذا كقوله «مواظبين على الصلاة» (رومية ١٢: ١٢).

لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ الصلاة لأجل جميع الإخوة القديسين فرض على كل مسيحي لأن الجهاد الروحي ليس بين الشيطان والشخص وحده بل هو أيضاً بين كل قوات الظلمة وشعب الله. إن المؤمنين جيش واحد ونجاح كل منهم نجاح الكل فإذاً يجب أن لا يقتصر على الصلاة من أجل نفسه بل يصلي من أجل جميع إخوته أيضاً. فإن كان كل من المسيحيين لا يكترث بغيره فلا يصلي من أجله كانت حال الكنيسة كحال الجسد الذي لا يهتم فيه اليد بالعين.

١٩ «وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ ٱفْتِتَاحِ فَمِي، لِأُعْلِمَ جِهَاراً بِسِرِّ ٱلإِنْجِيلِ».

أعمال ٤: ٢٩ وكولوسي ٤: ٣ و٢تسالونيكي ٣: ١ و٢كورنثوس ٣: ١٢

وَلأَجْلِي مما يبين أهمية الصلاة الشفاعية وتيقن الرسول منفعتها سؤاله إخوته الذين كتب إليهم هذه الرسالة أن يصلوا لأجله.

لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ ٱفْتِتَاحِ فَمِي لم يسألهم أن يطلبوا له من الله النفع الجسدي أو النجاة من قيوده بل أن تزيد حريته بالمناداة بالإنجيل أو أن الله يهب له الشجاعة والقوة في تلك المناداة وهو في ما كان عليه من الأحوال. فكانت غاية مطلوبه أن يبارك الله على تبشيره وأن يتفقوا معه على الصلاة لتلك الغاية عينها.

لِأُعْلِمَ جِهَاراً بِسِرِّ ٱلإِنْجِيلِ أي لكي أوضح كل الإيضاح حقائق السر الإلهي الذي كان مكتوماً في الأزمنة الماضية ولكنه أُعلن الآن «لمجدنا» (١كورنثوس ٢: ٧).

٢٠ «ٱلَّذِي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ».

٢كورنثوس ٥: ٢٠ أعمال ٢٦: ٢٩ و٢٨: ٢٠ وص ٣: ١ وفيلبي ١: ٧ و١٣ و١٤ و٢تيموثاوس ١: ١٦ و٢: ٩ وفليمون ١٠ أعمال ٢٨: ٣١ وفيلبي ١: ٢٠ و١تسالونيكي ٢: ٢

ٱلَّذِي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ السفير نائب الملك في الكلام وهذا مثل قوله «نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا» (٢كورنثوس ٥: ٢٠). وكان الرسل سفراء المسيح بمعنى خاص لأنه هو أرسلهم ليتكلموا بالنيابة عنه وأن يسألوا الناس أن يصالحوا الله بالتوبة والإيمان اللذين أعلنهما. ولنا أن نعتبر أن كل المبشرين بالإنجيل سفراء المسيح لأنهم أُرسلوا لينادوا بشروط الخلاص. وقد جرت العادة في ممالك الأرض أن يكرم السفير الإكرام الذي يليق بملكه وكان بولس سفير ملك الملوك ولكنه مع ذلك كان مقيداً بسلاسل. وهذا لم يمنعه من أن ينادي بما وُكل إليه بكل شجاعة.

لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ هذا بيان أنه يشعر بأهمية مرسليته وأنه عالم بصعوبات القيام بعمله وأنه عالم بالتجارب التي كان عرضة لها مثل أن يسكت أو أن يكتم بعض مناداته ولذلك طلب صلوات إخوته المسيحيين لكي يتكلم كما يليق بالسفير السماوي بما يتعلق بإكرام ملكه وخير نفوس مخاطبيه الأبدي.

٢١، ٢٢ «٢١ وَلٰكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ أَيْضاً أَحْوَالِي، مَاذَا أَفْعَلُ، يُعَرِّفُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ تِيخِيكُسُ ٱلأَخُ ٱلْحَبِيبُ وَٱلْخَادِمُ ٱلأَمِينُ فِي ٱلرَّبِّ، ٢٢ ٱلَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهٰذَا بِعَيْنِهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَحْوَالَنَا، وَلِكَيْ يُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ».

كولوسي ٤: ٧ أعمال ٢٠: ٤ و٢تيموثاوس ٤: ١٢ وتيطس ٣: ١٢ كولوسي ٤: ٨

رأى الرسول قبل ختام رسالته أن يخبرهم أنه أرسل تيخيكس ليصف لهم أحواله لئلا تضطرب أفكارهم من أمره كثيراً. إنهم علموا أنه مسجون لكنهم لم يكونوا يعملون شيئاً من أمور صحته ولا مقدار ما كان له من الراحة وما له من الفرصة لمواجهة أصدقائه والحاجات الجسدية وما له من فرص التبشير بالإنجيل.

ٱلأَخُ ٱلْحَبِيبُ وَٱلْخَادِمُ ٱلأَمِينُ فِي ٱلرَّبِّ كان تيخيكس أخاً لبولس في الإيمان وخادماً معه للإنجيل ولعله خدمه أيضاً في الجسديات. وذُكر أيضاً في غير هذا الموضع (أعمال ٢٠: ٤ وكولوسي ٤: ٧ و٢تيموثاوس ٤: ١٢ وتيطس ٣: ١٢). وبيّن مما ذُكر هنالك أنه كان من رفقاء بولس الأمناء المحبوبين. ويتبين مما قيل في ع ٢٢ أنه كان مبشراً أيضاً وقادراً أن يعزيهم بتعزيات الإنجيل فضلاً عن أن يخبرهم بأمور بولس.

٢٣ «سَلاَمٌ عَلَى ٱلإِخْوَةِ، وَمَحَبَّةٌ بِإِيمَانٍ مِنَ ٱللّٰهِ ٱلآبِ وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

١بطرس ٥: ١٤

سَلاَمٌ عَلَى ٱلإِخْوَةِ هذه تحية الرسول العادية وهي بركة أيضاً. و «السلام» يتضمن كل فوائد النعمة الإلهية.

وَمَحَبَّةٌ بِإِيمَانٍ الخ أي محبة مع ما لهم من الإيمان. وطلب ذلك من الله الآب ومن ابنه يسوع المسيح معتبراً كليهما معبودين ومصدري البركة الروحية المنقذة فالذين يطلبون السلام والمحبة فوق ما لهم من الإيمان من هذين المصدرين يجدونهما لا محالة.

٢٤ «اَلنِّعْمَةُ مَعَ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ رَبَّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. آمِينَ».

تيطس ٢: ٧

ختم الرسالة بالبركة الرسولية فطلب فيها نعمة المسيح الخاصة للذين يحبونه بمحبة خالصة فائقة الوصف دائمة.

ختم رسالته لأهل كورنثوس بقوله «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ ٱلرَّبَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا». والختام هنا بمعناه وإن اختلف لفظاً لأن محبة المسيح هي الشرط الضروري للخلاص ونيل كل بركة. وذلك يستلزم أن يسوع هو الله لأن المحبة له تستلزم الإعجاب بصفاته والشوق إلى حضوره والرغبة في تمجيده بغيرة ووقف النفس لخدمته. فوجود هذه المحبة فينا دليل على استعدادنا للسماء. نعم إننا لا نستطيع أن نحبه الحب الذي يستحقه لكن طوبى لنا على أن شرط الخلاص ليس عظمة محبتنا بل إخلاصها. ومن الباطل بناء رجاء الخلاص على عبادة الله الخالق بلا محبة ذاك الذي أعلن نفسه لنا أوضح إعلان وبيّن سمو صفاته وأنه أخذ طبيعتنا ومات على الصليب ليفدينا وهو الآن يشفع فينا في السماء.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى