غلاطية

الرسالة إلى غلاطيّة| 01 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى غلاطيّة

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

مخاطبة الرسول وتسليمه الرسولي (ع ١ – ٥). وبيان تعجبه من ارتداد الغلاطيين واحتجاجه على التعليم الفاسد المخالف للإنجيل (ع ٦ – ١٠). ودعوته وسلطته الرسوليتان (ع ١١ – ٢٤)

مخاطبة الرسول وتسليمه ع ١ إلى ٥

١ «بُولُسُ، رَسُولٌ لاَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ بِإِنْسَانٍ، بَلْ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَٱللّٰهِ ٱلآبِ ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ».

بُولُسُ هو اسم الرسول اليوناني واسمه العبراني شاول.

رَسُولٌ بأسمى معانيه وأخصها على ما ورد في تفسير (رومية ١: ١) وذكره بولس بياناً لكونه مساوياً لكل من الاثني عشر الذين اختارهم المسيح لمرافقته والتعلم منه.

لاَ مِنَ ٱلنَّاسِ هذا بيان أن أصل سلطانه الرسولي لم يكن من الناس والمرجّح أن المعلمين الكاذبين ادعوا أنه ليس كسائر الرسل وأنه أخذ رسوليته من مصدر بشري ولهذا نفى كونه رسولاً باختيار الناس.

وَلاَ بِإِنْسَانٍ أي يتوسط أحد الناس من الرسل والمشايخ في أورشليم أو غيرهم بين الله وبينه توصلاً إلى الرسولية كما أخذ هرون سلطاته بواسطة موسى (لاويين ص ٨) وتيموثاوس بواسطة بولس (٢تيموثاوس ١: ٦). وليس في ذلك ما يمنع أن الله يستخدم وسائط بشرية لإثبات دعوته لرسوله. ومن ذلك فعله حنانيا في دمشق وهو وضع يديه على بولس إشارة إلى دعوته الإلهية (أعمال ٩: ١٧). وما فعل شيوخ كنيسة أنطاكية بأمر الروح القدس وهو أنهم أفرزوه وبرنابا لخدمتهما المخصوصة بين الأمم وهذا ليس بدعوته رسولاً لأنه كان قد دُعي كذلك آنفاً.

بَلْ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أشار بهذا إلى ما حدث له على طريق دمشق يوم ظهر له بأسلوب خارق العادة ودعاه المسيح رسولاً باعتبار كونه «الكلمة» الأزلي الذي به منح الله للناس نعمة كالخلق والفداء والوحي (يوحنا ١: ٣ و١كورنثوس ٨: ٦ وعبرانيين ١: ٢).

إن أعداء بولس حقروه بدعوى أنه دون الرسل الذين اختارهم المسيح وعلمهم شفاهاً فصرّح بولس أنه معادل لهم بأن المسيح دعاه كما دعاهم وعلمه كما علمهم. وقول الرسول أنه «لم يدع رسولاً من إنسان بل بيسوع المسيح» أوضح دليل على أنه اعتبر المسيح إلهاً.

ٱللّٰهِ ٱلآبِ إن الآب كان العلة الأولى والمسيح العلة الثانية لكل ما عمله باعتبار كونه فادياً ووسيطاً ورأساً للكنيسة لأنه «لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ. لَهُ ٱلْمَجْدُ إِلَى ٱلأَبَدِ» (رومية ١١: ٣٦). وهو الآب بنسبته الأزلية إلى المسيح وأب لمن صاروا أولاداً لله بالولادة الجديدة والإيمان بالمسيح (ص ٤: ٦ ويوحنا ١: ١٣ ورومية ٨: ١٥).

ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ علة ذكره إقامة الله للمسيح من الأموات في نبإ دعوته إياه رسولاً كونها من العطايا التي اقترنت بقيامة المسيح وصعوده على وفق قوله «صَعِدَ إِلَى ٱلْعَلاَءِ سَبَى سَبْياً وَأَعْطَى ٱلنَّاسَ عَطَايَا»َ أَيْضاً فَوْقَ جَمِيعِ… وَهُوَ أَعْطَى ٱلْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً» (أفسس ٤: ٨ و١١ انظر أيضاً رومية ١: ٤ و٥). أو كون إقامته تكميلاً لارتفاعه واشتراكه في مجد أبيه مع دعوته إياه بياناً أن المسيح دعاه في وقت تمجده في السماء لا في وقت اتضاعه على الأرض.

٢ «وَجَمِيعُ ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ مَعِي، إِلَى كَنَائِسِ غَلاَطِيَّةَ».

١كورنثوس ١: ١ و٢كورنثوس ١: ١ وفيلبي ١: ١ و٢: ٢٢ و٤: ٢١ وكولوسي ١: ١ و١كورنثوس ١٦: ١

وَجَمِيعُ ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ مَعِي وهم رفقاؤه في السفر ومعاونوه في التبشير. ولا نعلم يقيناً من هم والمرجّح أن بعضهم هم الذين ذُكروا في (أعمال ٢٠: ٤) ورافقوه في سفره الأخير إلى أورشليم الذي شرع فيه على أثر كتابة هذه الرسالة من كورنثوس وهم سوباترس البيري وأرستخرس وسكوندس التسالونيكيان وغايوس الدربي وتيموثاوس وتيخيكس وتروفيمس وربما كان منهم تيطس. وعلة مشاركتهم له في التسليم ليست إثبات رسوليته بل الإكرام لهم وبيان أنهم موافقون له في ما كتبه على المعلمين الكاذبين الذين غايتهم أن يمزجوا الدين المسيحي بالرسوم الموسوية.

إِلَى كَنَائِسِ غَلاَطِيَّةَ أي كنائس مدنها الكبيرة أنسيرا وتافيوم وبسينوس وضواحيها (انظر المقدمة في ٢ صغفحة ٣٨٢).

والتحية في هذه الرسالة أخصر تحيات الرسول في سائر رسائله وهي خالية من عبارات المدح التي أتاها في غيرها لمن يستحق المدح (١كورنثوس ١: ٢ و٤ و٧). وخالية من نعوت الاعتبار والمحبة كنعت الرومانيين بأنهم أحباء الله وأهل كورنثوس «بالقديسين» وأهل أفسس «بالقديسين» وأهل أفسس «بالقديسين والمؤمنين». وعدل عن ذلك لأنه رأى الغلاطيين مستحقين اللوم أكثر من المدح أو لانحصار نفسه بما امتلأ قلبه به من دواعي الملامة لهم لارتداهم عن الإنجيل.

٣ «نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ ٱلآبِ، وَمِنْ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

رومية ١: ٧ و١كورنثوس ١: ٣ و٢كورنثوس ١: ٢ وأفسس ١: ٢ وفيلبي ١: ٢ وكولوسي ١: ٢ و١تسالونيكي ١: ١ و٢تسالونيكي ١: ٢ و٢يوحنا ٣

هذه الآية هي البركة الرسولية وسبق تفسيرها في تفسير الرسالة إلى رومية (رومية ١: ٧).

٤ «ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِ خَطَايَانَا، لِيُنْقِذَنَا مِنَ ٱلْعَالَمِ ٱلْحَاضِرِ ٱلشِّرِّيرِ حَسَبَ إِرَادَةِ ٱللّٰهِ وَأَبِينَا».

متّى ٢٠: ٢٨ ورومية ٤: ٢٥ وص ٢: ٢٠ وتيطس ٢: ١٤ إشعياء ٦٥: ١٧ ويوحنا ١٥: ١٩ و١٧: ١٤ وعبرانيين ٢: ٥ و٦: ٥ و١يوحنا ٥: ١٩

ذكّر الرسول بهذه الآية الذين أرادوا الرجوع إلى عبودية الناموس غاية الكفارة التي يظهر أنهم نسوها.

ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ أي سلمها للموت اختياراً بلفظ ما في (تيطس ٢: ١٤). وبمعنى قول المسيح «إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً» (متّى ٢٠: ٢٨). وقول الرسول «ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ» (١تيموثاوس ٢: ٦). وكون كفارة المسيح كانت باختياره مما يجب أن ننتبه له أبداً لأنه من المحال أن يجبر الله ابنه البار على أن يتألم عن الخاطئ. وبذل المسيح نفسه باحتمال العناء والحزن والفقر والهوان والموت من أجلنا.

لأَجْلِ خَطَايَانَا أي بسبب خطايا البشر ليكفر عنهم ويحررهم من قصاص الخطيئة وسلطتها. فخطايا الناس سبب الكفارة بمعنى أنه لولاها لم يكن من داع لعمل الفداء من أوله إلى آخره. فموت المسيح كان ذبيحة لأجل الخطايا لكي لا يموت الخطأة بها إلى الأبد. ومات لأجلها ليرفعها عن المؤمنين باعتبار كونها علة دينونتهم ولكي لا تتسلط عليهم وتستعبدهم. والمسيح كفّر عنا كل خطايانا صغيرة وكبيرة خفية وظاهرة ماضية وحاضرة. فلو اعتبر الغلاطيون حقيقة هذه الكفارة وغايتها لرأوا أنها تغنيهم عن الرجوع إلى النظام الاستعدادي الذي نادى به موسى والرسوم والذبائح اليهودية التي كانت تشير إلى الذبيحة العظيمة الواحدة التي قدمت وأكملت إلى الأبد المقدسين.

لِيُنْقِذَنَا هذا مثل إنباء المسيح لبولس بما يعمل فيه وبواسطته (أعمال ٢٦: ١٧). ومعنى «الإنقاذ» التنجية وغاية الإنجيل المناداة بالتنجية من عبودية هائلة.

مِنَ ٱلْعَالَمِ ٱلْحَاضِرِ ٱلشِّرِّيرِ المراد بهذا «العالم» ما يُشاهد من النظام الأدبي وقد وصفه يوحنا بقوله إن «كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي ٱلشِّرِّيرِ» (١يوحنا ٥: ١٩). فوصفه كما وصفه بولس هنا لأنه فيه يكمل الشيطان والخطيئة والموت والشهوات الرديئة والكذب والغايات الفاسدة وهو عالم لا يحب الله ولا يطيعه. ووصفه «بالشر» مقابلة للعالم العلوي المستقبل حيث تملك القداسة والسعادة الأبدية. والمسيح لم يقصد بإنقاذنا من هذا العالم نقلنا منه باعتبار كونه مسكناً بل تخليصنا من سلطته علينا حتى لا نخضع لشرائعه وعوائده ونشترك في لذاته المحرمة وأباطيله ونُدان بدينونته ونهلك بهلاكه. والعالم الحاضر يبقى عالم التجربة والضيقات والمصائب إلى أن يجيء المسيح المجيء الثاني المجيد (رومية ١٢: ٢ وأفسس ٢: ٢٢ و١تيموثاوس ٦: ١٧ وعبرانيين ٦: ٥).

إن الغلاطيين برغبتهم في الرجوع إلى عبودية الناموس رفضوا إنقاذ المسيح (ص ٣: ١٣).

حَسَبَ إِرَادَةِ ٱللّٰهِ وَأَبِينَا مصدر هذه الإرادة برهان على جودتها فهو خالقنا وأبونا أيضاً (يوحنا ٦: ٣٨ و٣٩ و١٠: ١٨). وكون إنقاذنا حسب إرادته دليل قاطع على أنه ليس من أفكارنا ولا إرادتنا ولا أعمالنا وعلى أن عمل الفداء ليس من حكمة إنسان أو تدبير بشر بل إنه بجلمته من الله. إن الله أراد أن يبذل المسيح نفسه من أجلنا. ونسبة الغلاطيين إلى الله باعتبار كونه خالقهم وكونهم خليقة يده ورعية ملكوته ونسبتهم إليه باعتبار كونه أباهم وكونهم أولاده تُوجب عليهم أن يؤثروا إرادته على إراداتتهم وأن يعدلوا عن رفض الخلاص بالإيمان الذي عيّنته إرادته واستبدلوا به الخلاص بأعمال اناموس.

٥ «ٱلَّذِي لَهُ ٱلْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ».

هذه الآية تمجيد لله أو ثناء عليه اعتاد الرسول إيراده عند ذكره تعالى وذكر أعماله المجيدة (رومية ١: ٢٥ و٩: ٥ و٢كورنثوس ١١: ٣١).

تعجب الرسول من ارتداد الغلاطيين واحتجاجه على التعليم الفاسد ع ٦ إلى ١٠

٦ «إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هٰكَذَا سَرِيعاً عَنِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ ٱلْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيلٍ آخَرَ».

رومية ٨: ٣٠ و٩: ٢٤ و٢٥ و١كورنثوس ٧: ١٥ و١٧ وع ١٥ وص ٥: ٨ و١بطرس ١: ١٥ و٢بطرس ١: ٣

بعدما ذكر الرسول الغلاطيين بأعظم ما بشرهم به وآمنوا به من حقائق الإنجيل وهو الخلاص بالنعمة أظهر تعجبه من انصرافهم عنه.

إِنِّي أَتَعَجَّبُ توقع الرسول أن يرى منهم أفضل مما أتوه أي أن يكونوا ثابتين في الإيمان نامين في كل الفضائل معلمين غيرهم ما علمهم هو من أن الخلاص بالإيمان. واكتفى الرسول بقوله «أتعجب» تلطفاً لأنهم استحقوا بما فعلوا أشد التوبيخ وحمله تصرفهم على الأسف والموجدة.

تَنْتَقِلُونَ هٰكَذَا سَرِيعاً لا نعلم متى أخذوا يرتدون عن الحق الإنجيلي لكننا نستنتج من قوله «سريعاً» أن ارتدادهم كان قبل أن كتب إليهم بوقت وجيز. وهذا يمنع من أنهم ارتدوا على أثر تنصرهم لأنهم تنصروا منذ ست سنين قبل كتابة هذه الرسالة ويضعف أنهم ارتدوا على أثر زيارته الثانية لأنها كانت قبل ذلك بثلاث سنين فالأرجح أن ذلك الارتداد كان على أثر دخول المعلمين المفسدين فتعجب من أنهم بقليل من مخالطتهم انقلبوا في وقت وجيز عن تعليم الإنجيل الحق إلى تعليمهم الباطل. فالأثقال في الآية انتقال عقلي في عقائدهم وآرائهم الدينية. وشهادة المؤرخين الرومانيين على الغلاطيين موافقة لقول بولس هنا فإنهم اشتهروا بسرعة الأنتقال من رأي إلى آخر.

عَنِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ أي الله لأنه دعاهم إلى نعمة المسيح كما قيل في (رومية ١: ٦ و١تسالونيكي ٢: ١٢ و٢تسالونيكي ٢: ١٤ و٢تيموثاوس ١: ١٩).

بِنِعْمَةِ ٱلْمَسِيحِ أظهر المسيح نعمته ببذل نفسه اختياراً وتسليمها للإهانة والموت بمجرد محبته للخطأة. فالمناداة بمحبة المسيح المجانية غير المحدودة هي الواسطة التي بها يدعو الله الناس إلى الإنجيل الحق.

إِنْجِيلٍ آخَرَ وصفه بأنه آخر لأنه ينفي نعمة المسيح وينادي بطريق خلاص غير طريق الاتكال على استحقاق المسيح وموته ويجعل حفظ الرسوم الموسوية ضرورياً للخلاص. وسماه «إنجيلاً» لأن المعلمين الكاذبين ادّعوا أنه كذلك وأنه هو الذي بشّر به الرسل.

٧ «لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ ٱلْمَسِيحِ».

٢كورنثوس ١١: ٤ أعمال ١٥: ١ و٢٤ و٢كورنثوس ٢: ١٧ و١١: ١٣ وص ٥: ١٠ و١٢

لَيْسَ هُوَ آخَرَ قال هذا احتراساً من أن يفهموا مما قاله قبلاً أنه يوجد أناجيل كثيرة فصرّح بأنه ليس في الوجود سوى إنجيل واحد حق وأن لا إمكان لوجود غيره. فالذي نادوا به لا يستحق أن يسمى إنجيلاً لنقصانه بخلوه من المبدإ الجوهري ومناداته بطريق آخر للتبرير أمام الله. إن الإنجيل الحق علّم أن الخلاص بمجرد الإيمان بالمسيح وإنجيلهم علّم أن الخلاص بالرسوم الموسوية أيضاً أي أننا نخلص بالمسيح وبالختان معاً.

قَوْمٌ أي أناس يمزجون الإنجيل بالرسوم اليهودية.

يُزْعِجُونَكُمْ أي يقلقونكم بدعواهم أن لهم إنجيلاً غير الذي أنادي به وأحسن منه ويزرعون الشكوك في قلوبكم فينشأ عنها التعصب والخصومات والانشقاقات في الكنيسة.

يُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا أي يغيروا ويبدلوا فيجعلوا التبرير بالأعمال بدلاً من التبرير بالإيمان والعبودية لرسوم الشريعة الموسوية بدلاً من الحرية التي اشتراها لنا المسيح بقيامه بكل مطاليب الناموس عنا. وليس مراد بولس أن المعلمين المفسدين يعلنون أن غايتهم تحويل إنجيل المسيح بل أن تحويله نتيجة تعليمهم.

إِنْجِيلَ ٱلْمَسِيحِ نُسب الإنجيل إلى المسيح لأنه منه ولأنه هو موضوعه ولأن الإنجيل البشارة بالمصالحة لله بواسطة دم المسيح وحده.

٨ «وَلٰكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا».

١كورنثوس ١٦: ٢٢

نَحْنُ أي بولس وحده أو هو والإخوة الذين معه (ع ٢) الموافقون له على تعليمه. ودفع في هذه الآية التهمة التي اتهمه بها المعلمون الكاذبون وهي أنه بعد ما بشرّهم وذهب عنهم غيّر اعتقاده فبشر بإنجيل غير الإنجيل الذي بشرهم به أولاً وأنه علمهم أولاً أنهم غير مكلفين بالرسوم الموسوية وأنه اقتنع بعد ذلك بأنهم مكلفون بتلك الرسوم وأنه وافق أولئك المعلمين على آرائهم.

إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ على فرض صحة ما اتهموني به من تغيير الاعتقاد والمناداة بإنجيل آخر فإني أحكم على نفسي بأني مذنب خائن مستوجب القطع من الكنيسة ومن المسيح.

أَوْ مَلاَكٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ على فرض المحال وهو أن ملاكاً مقدساً من السماء وهو يزيد كل المخلوقات حكمة يأتي إلى الأرض ويبشر بما ينافي الإنجيل. ولعل أولئك المفسدين سندوا تعليمهم بقولهم أننا اتبعنا في تعليمنا الرسل بطرس ويوحنا ويعقوب فرد عليهم بولس ما ذُكر فكأنه قال هل تسندون تعليمكم على الرسل فإني لا أبالي بمن يعلم ما ينافي الإنجيل ولو كان ملاكاً من السماء. وغاية الرسول من كلا الفرضين أن يؤكد لهم صدق الإنجيل كما بشرهم به وأظهر بذلك إيمانه بصحته وغيرته على طهارته ونفوره من تحويله.

أَنَاثِيمَا سبق الكلام على هذه الكلمة في تفسير (١كورنثوس ١٢: ٣ و١٦: ٢٢) فارجع إليه. ووضع الملاك المفروض مخالفته للإنجيل تحت قوله «أناثيما» يمتنع من أنها مقصورة على القطع من الكنيسة. وأتى بولس هذا التوكيد الشديد لصحة الإنجيل الذي بشر به لتيقنه محالية أن ينقض الله كلامه. فقول بولس هنا كقول موسى في (تثنية ١٣: ١ – ٣) و قول المسيح في (متّى ٢٤: ٢٣ – ٢٥) وقول يوحنا الرسول في (رؤيا ٢٢: ١٨ و١٩).

إن كان أحد يلوم بولس على كون كلامه مثل لعنة لمخالفي الإنجيل فليذكر أنه رسول تكلم عن وحي الله ومما يخفف شدته أنه أدخل فيه نفسه ورفقاءه على فرض المخالفة. وقول المسيح على الفريسيين الذين أبطلوا شريعة الله بتقاليدهم يشبه قول بولس هنا على المخالفين للإنجيل.

٩ «كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا أَقُولُ ٱلآنَ أَيْضاً: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا».

تثنية ٤: ٢ و١٢: ٣٢ و١٣: ١ – ١١ وأمثال ٣٠: ٦ ورؤيا ٢٢: ١٨

كَمَا سَبَقْنَا فَقُلْنَا يمكن أن الرسول أشار بهذا إلى ما قاله للغلاطيين في زيارته لهم قبلاً والمرجح أنه أشار إلى ما قاله في الآية الثامنة وكرره توكيداً. ولا برهان على أنهم احتاجوا إلى هذا التحذير يوم كان عندهم وإلا لم يقل أنه يتعجب من انتقالهم.

بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ قال في الآية الثامنة «بغير ما بشرناكم» وقال هنا «بغير ما قتلم» ليبين زيادة إثمهم بارتدادهم عن الإنجيل بعد ما سمعوه بل بعد ما قبلوه واعترفوا بإيمانهم به وسلكوا بموجبه فإذاً ما علمه المعلمون الكاذبون مناف لما اعترف به الغلاطيون أولاً.

١٠ «أَفَأَسْتَعْطِفُ ٱلآنَ ٱلنَّاسَ أَمِ ٱللّٰهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ ٱلنَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي ٱلنَّاسَ لَمْ أَكُنْ عَبْداً لِلْمَسِيحِ».

١تسالونيكي ٢: ٤ ويعقوب ٤: ٤

أتى بهذه الآية جواباً على الذين اتهموه أنه غيّر آراءه الأولى وتبشيره الأول لكي يستميل الناس إليه وينشئ حزباً يتبعه وبياناً لعلة ما أتاه من الشدة في كلامه.

أَفَأَسْتَعْطِفُ ٱلآنَ ٱلنَّاسَ أشار بقوله «الآن» إلى ما قاله في الآيتين الثامنة والتاسعة فكأنه قال أفهذا كلام من يريد استعطاف الناس. والاستفهام إنكاري يفيد أنه لم يشأ أن يرضي الناس وإلا لكان كلامه على غير هذا الأسلوب.

أَمِ ٱللّٰهَ أي بل أستعطف الله لأنه يجب أن أستعطفه وأنا في الحقيقة باذل جهدي في استعطافه بعملي وتعليمي.

أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ ٱلنَّاسَ منذ آمنت بالمسيح ودُعيت رسولاً والاستفهام هنا إنكاري. والمعنى إن كان أحد يظن أني قبل أن تنصرت طلبت إرضاء مشائخ اليهود بمقاومتي المسيح وكنيسته فإن أعمالي منذ تنصرت إلى الآن تشهد أني عدلت عن ذلك.

دعاهم الرسول بسؤاله إياهم الحكم بأنه هل طلب إرضاء الناس أو طلب إرضاء الله إلى أن يشهدوا له من اختبارهم إياه بأنه طلب أن يرضي الله وأن يفحموا المشتكين عليه كذباً بأنه طلب أن يرضي الناس.

فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي ٱلنَّاسَ أي بعد إيماني بالمسيح وقد تقضى على ذلك مدة عشرين سنة. يريد أنه عدل عن إرضاء الناس منذ آمن بالمسيح إلى إرضاء الله واستمر على ذلك كل تلك المدة أفيُعقل أنه يرجع عن ذلك. ولو كان بعد إيمانه يحب أن يرضي الناس لم يكن ما يأتي.

لَمْ أَكُنْ عَبْداً لِلْمَسِيحِ رأى الرسول من المحال أن يرضي الإنسان الناس لأغراض شخصية ويكون مع ذلك عبداً للمسيح. نعم إنه يجب على المسيحي أن يرضي الناس بشرط ابتغاء بنيانهم في الإيمان الإنجيلي وتمجيد الله (رومية ١٥: ١ – ٣) لا لتلك الأغراض. ورغبة بولس في أن يكون عبداً للمسيح ظاهرة مما فعله واحتمله على ما ذُكر في (١كورنثوس ٤: ٩ – ١٣ و٢كورنثوس ١١: ٢٣ – ٣٣).

بيان دعوته وسلطته الرسوليتين ومحاماته عنهما من أعدائه ع ١١ إلى ٢٤

شغل الرسول بقية هذا الأصحاح وأربع عشرة آية مما يليه بهذا الموضوع فبرهن أن تعليمه إلهي لا بشري بأنه لم يتعلم ما علمه قبل تنصره (ع ١٣ و١٤). ولم يتعلمه من بشر في وقت اهتدائه لأنه ذهب على أثره إلى العربية لكي ينفرد بالله (ع ١٥ – ١٧). ولم يتعلمه من الرسل في أورشليم حين أتى إليها أول مرة بعد تنصره لأنه لم يجتمع إلا ببطرس ويعقوب وقتاً قصيراً جداً (ع ١٨ – ٢٤).

١١، ١٢ «١١ وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱلإِنْجِيلَ ٱلَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. ١٢ لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

١كورنثوس ١٥: ١ و١كورنثوس ١٥: ١ و٣ وع ١ و١كورنثوس ١١: ٢٣ وأفسس ٣: ٣ و١تسالونيكي ٤: ١٥

أبان في هاتين الآيتين ما شرع في بيانه وهو أن تعليمه من الله لا من بشر.

أُعَرِّفُكُمْ اعتاد الرسول استعمال هذه العبارة مقدمة لأمر ذي شأن (١كورنثوس ١٥: ١ و٢كورنثوس ٨: ١).

أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ خاطبهم كذلك بغية أن يستميلهم من ضلالهم ليتحدوا معاً في إيمان واحد.

ٱلإِنْجِيلَ ٱلَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ هذا متعلق بقوله «ما بشرناكم» و «ما قبلتم» (ع ٨ و٩) وهو الإنجيل الذي قال فيه من بشّر بغيره من إنسان أو ملاك فليكن أناثيما.

إِنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ أي ليس بشرياً لا في أصله ولا في حقيقته.

لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ أي لم آخذه عن بشر لا كتابة ولا سمعاً ولم يعلمني إياه إنسان ولم أمزجه بآرائي ولم أتعلمه وأنا في مدرسة ولا وأنا جالس عند قدمي غمالائيل. نعم إن بولس تعلم من الناس العلوم والفنون وشريعة موسى وتقليدات الشيوخ لكنه لم يتعلم الإنجيل. ولا ريب في أنه قال ذلك دفعاً لدعوى البعض أنه دون الرسل الذين علمهم المسيح بنفسه وأن كل ما علمه هو أخذه عمن أخذوه عن المسيح.

بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي إعلان مخصوص كما قال في (١كورنثوس ١١: ٢٣ و١٥: ٣ و١تسالونيكي ٤: ١٥) وحصل على هذا الإعلان وهو ذاهب إلى دمشق (أعمال ص ٩) وفي هيكل أورشليم (أعمال ٢٢: ١٧ – ٢١). والأرجح أنه حصل على أكثره وهو في العربية مدة ثلاث سنين كمدة تعليم المسيح لسائر الرسل (أعمال ٩: ١٧ و١٨) وإلا فليس من سبب ظاهر لبقائه فيها كل تلك المدة ولا لذكره إياه أمراً ذات شأن في أنبائه بأمور نفسه. والمرجح أن الإعلان لم ينقطع عنه كما ذُكر في (٢كورنثوس ١٢: ١).

والذي تعلمه وهو ذاهب إلى دمشق أخصه أمران الأول أن يسوع هو المسيح والثاني وجوب الإيمان به. ولكن الذي يظهر من سعة معرفته المسيحية في رسائله هو أنه توالت عليه الإعلانات كثيراً. ولا ريب في أن معرفته الناموس على ما هو في العهد القديم واختباره استحالة التبرير به مهد له الطريق إلى أن يفهم الحقائق الإنجيلية أحسن فهم ويتحقق مناسبته وكفايته للقيام بما يحتاج إليه البشر الخطأة وهبة السلام لضمائرهم المتعبة.

١٣ «فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلاً فِي ٱلدِّيَانَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ ٱللّٰهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا».

أعمال ٨: ٣ و٩: ١ و٢١ و٢٢: ٤ و٢٦: ١١ و١تيموثاوس ١: ١٣

فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ كان نبأ بولس قد انتشر في كل مكان فيه يهود لأهمية أمره ولأنه كان يقصه على الناس حيث نادى بالإنجيل بياناً لأسباب تركه المذهب اليهودي (أعمال ٢٢: ٣ – ٢١ و٢٦: ٤ – ٢٠ و١كورنثوس ١٥: ٨ – ١٠).

بِسِيرَتِي قَبْلاً فِي ٱلدِّيَانَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ أي تصرفي وأنا يهودي.

أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ الخ كما أخبر لوقا (أعمال ٨: ٣ و٩: ١ و٢). وأراد بقوله «أتلفها» أنه قصد استئصالها فهو كقوله «ٱضْطَهَدْتُ هٰذَا ٱلطَّرِيقَ حَتَّى ٱلْمَوْتِ» (أعمال ٢٢: ٤). وذكره أن الذي اضطهده «كنيسة» يدل على أنه اعتبر كل كنائس المؤمنين حتى أفرادهم كنيسة واحدة. ونسب الكنيسة إلى الله مع أنها مؤلقة من المؤمنين بالمسيح إشارة إلى أنه اعتقد أن المسيح الله وأن الله نفسه هو منشئ الكنيسة وأنه هو الذي أرسل المسيح ليفديها والروح القدس لينيرها. ومحصل احتجاجه أنه يستحيل أن مضطهداً للدين المسيحي مثله يصير من أتباعه ما لم تؤثر فيه قوة إلهية.

١٤ «وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي ٱلدِّيَانَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي».

أعمال ٢٣: ٣ و٢٦: ٩ و فيلبي ٣: ٦ إرميا ٩: ١٤ ومتّى ١٥: ٢ ومرقس ٧: ٥ وأعمال ٢٣: ٦ و٢٦: ٥

أَتَقَدَّمُ… عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي في معرفة الشريعة المكتوبة وما تواتر من تقاليد الشيوخ وكان يحامي شديد المحاماة عن الديانة اليهودية بغيرة تزيد على غيره أترابه أي المساوين له في السن من اليهود. ويوافق ذلك قوله «وَكُنْتُ غَيُوراً لِلّٰهِ كَمَا أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ ٱلْيَوْمَ. وَٱضْطَهَدْتُ هٰذَا ٱلطَّرِيقَ حَتَّى ٱلْمَوْتِ، مُقَيِّداً وَمُسَلِّماً إِلَى ٱلسُّجُونِ رِجَالاً وَنِسَاءً» (أعمال ٢٢: ٣ و٤) وقوله أيضاً «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ، أَنَا فَرِّيسِيٌّ ٱبْنُ فَرِّيسِيٍّ» (أعمال ٢٣: ٦). وقوله «مِنْ جِهَةِ ٱلْخِتَانِ مَخْتُونٌ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ، مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِيٌّ مِنَ ٱلْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ ٱلنَّامُوسِ فَرِّيسِيٌّ. مِنْ جِهَةِ ٱلْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ ٱلْكَنِيسَةِ» (فيلبي ٣: ٥ و٦).

أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي أراد بآبائه الفريسيين لأنه ابن فريسي. وذكر المسيح تلك التقليدات في (متّى ١٥: ٢ – ٦ وفي مرقس ٧: ٣ – ١٣) وقال إن الفريسيين أبطلوا ناموس الله به.

١٥، ١٦ «١٥ وَلٰكِنْ لَمَّا سَرَّ ٱللّٰهَ ٱلَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ ١٦ أَنْ يُعْلِنَ ٱبْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، لِلْوَقْتِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْماً وَدَماً».

إشعياء ٤٩: ١ و٥ وإرميا ١: ٥ وأعمال ٩: ١٥ و١٣: ٢ و٢٢: ١٤ و١٥ ورومية ١: ١ و٢كورنثوس ٤: ٦ أعمال ٩: ١٥ و٢٢: ٢١ و٢٦: ١٧ و١٨ ورومية ١١: ١٣ وأفسس ٣: ٨ متّى ١٦: ١٧ و١كورنثوس ١٥: ٥٠ وأفسس ٦: ١٢

أخذ بولس يبين بالإيضاح الوافي كيف تغير بمجرد فعل الله بدون قصد أو عمل من نفسه فتحول من فريسي متحمس ومضطهد كنيسة المسيح إلى مسيحي ورسول للمسيح.

لَمَّا سَرَّ ٱللّٰهَ بمقتضى اختياره بلا سبب خارجي.

ٱلَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي أي اختارني وخصصني من سائر الناس لأكون رسولاً (رومية ١: ١) منذ أبدأني. وقوله هنا كقول إشعياء على نفسه «ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلْبَطْنِ دَعَانِي. مِنْ أَحْشَاءِ أُمِّي ذَكَرَ ٱسْمِي» (إشعياء ٤٩: ١). وقيل مثله في إرميا (إرميا ١: ٥) ويوحنا المعمدان (لوقا ١: ١٥). وقضاء الله أزلي ولكن إجراءه في وقت معين كما أجراه في تعيين بولس فكان بعضه يوم ميلاده الطبيعي وبعضه يوم ميلاده الروحي. وإفرازه من بطن أمه يمنع من أن يكون اختياره متوقفاً على استحقاقه.

وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ كانت هذه الدعوة يوم كان سائراً إلى دمشق وكانت بمجرد النعمة لأنه كان يومئذ مقاوماً لله ولمقاصده أشد المقاومة.

أَنْ يُعْلِنَ ٱبْنَهُ «أن» وصلتها في تأويل مصدر هو فاعل «سر». وإعلان ابنه لبولس تبيينه له أن يسوع هو المسيح وتحقيقه له سمو مقام المسيح وحقوقه وتأهيله إياه لأن يكون مبشراً به. وطريق هذا الإعلان مفصّل في (أعمال ٩: ١ و٢).

فِيَّ أي في قلبي ووجداني بواسطة الروح القدس. هذا فضلاً عن ظهور المسيح حقيقة أمام عينيه (٢كورنثوس ٤: ٦). وهذا الإعلان حمله على أن يؤمن به وأن يتيقن كل التيقن أن يسوع هو المسيح وهذا الذي قدره أن يحتمل كل أتعابه وبلاياه بلا اكتراث إلى آخر حياته وأن يختم إيمانه بدمه.

لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ ٱلأُمَمِ لهذا دعي أن يكون رسولاً في ساعة إيمانه كما يتبين من (أعمال ٢٤: ١٦ – ١٨). وأُثبتت هذه الدعوة برؤيا رآها في أورشليم (أعمال ٢٢: ٧) فأناره الله ليكون منيراً وأعلن له ابنه ليعلنه لغيره (أعمال ٩: ١٥). وتعيينه مبشراً للأمم لم يمنعه من تبشير اليهود أولاً وكان ذلك أحسن وسيلة لتبشير الأمم. وكان أكثر المؤمنين الأولين في كل مدينة من متنصري اليهود والدخلاء وكان هؤلاء يساعدونه على التعليم للخارجين وتدبير الكنائس وجذب الأمم إلى المسيح.

لِلْوَقْتِ أي لم يصعد على أثر تنصره إلى أورشليم.

لَحْماً وَدَماً أي أحداً من البشر شاباً أو شيخاً ضعيفاً أو رفيعاً جاهلاً أو عالماً. وكثيراً ما يعبر «باللحم والدم» عن الضعف الإنساني أو التعرض للضلال (متّى ١٦: ١٧ وأفسس ٦: ١٢ وعبرانيين ٢: ١٤). وقد يعبر به عن الطبيعة الخاطئة. والمعنى به هنا ما ذكرنا أولاً وهو بيان لاستقلاله عن البشر واستغنائه عن إرشادهم له. أما حنانيا فلم يكن منه سوى أن عمده ووضع يديه عليه (أعمال ٩: ١٥ – ١٩).

١٧ «وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى ٱلرُّسُلِ ٱلَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ ٱنْطَلَقْتُ إِلَى ٱلْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضاً إِلَى دِمَشْقَ».

وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى ٱلرُّسُلِ أي إنه لم يذهب حال تنصره إلى تلك المدينة ليستشير الرسل ويتعلم منهم مبادئ الديانة المسيحية.

كانت أورشليم مركز دين الأمة اليهودية كما كانت مركزهم السياسي وكذا كانت أول مراكز الدين المسيحي فكانت كنيستها أم الكنائس وبقيت زماناً طويلاً مقاماً لأكثر الرسل.

ٱلَّذِينَ قَبْلِ في الرسولية ويظهر من هذا أنه اعتبر نفسه وقتئذ رسولاً مثله مساوياً لهم في كل شيء سوى وقت الدعوة.

بَلِ ٱنْطَلَقْتُ إِلَى ٱلْعَرَبِيَّة نستنتج مما كتبه لوقا في سفر الأعمال أن بولس أقام أياماً في دمشق بعد إيمانه وأنه بشّر اليهود في المجمع هنالك بأن يسوع هو المسيح وأنه بعد رجوعه إلى دمشق بشرهم بأكثر مجاهرة حتى اضطهدوه وأجبروه على الهرب (أعمال ٩: ٢٣ و٢كورنثوس ١١: ٣٢ و٣٣). والمراد «بالعربية» هنا البادية الممتدة من جنوب دمشق أو اليهودية إلى جبل حوريب. والله لم يلهم لوقا بأن يكتب كل أمور سائر الرسل فلم يذكر هذا السفر ولعل علة ذلك كونه متعلقاً بحياته الروحية الشخصية فلا أهمية له في بيان أعماله. والقصد من ذهابه إلى هنالك أن يخلو بالله ويتقوى للأخذ في عمله ويتعلم منه.

ولم نخبر في أي جزء من العربية سافر بولس ولكن بعضهم ظن أنه ذهب إلى حوريب مكان إعطاء الشريعة متمثلاً بموسى وإيليا اللذين انفردا هناك (خروج ٣: ١ و١ملوك ١٩: ٨). وحيثما كان منها فالأرجح أنه شغل الوقت بالصلاة والتأمل ومراجعة أسفار العهد القديم بإرشاد الروح القدس ليرى كيف تمت رموزه ونبواته بيسوع الناصري. وأنه أظهر المسيح له هنالك نفسه وتكلم معه (انظر ع ١٢) وكان الرسل الذين قبله يتعلمون من المسيح مدة ثلاث سنين ونصف سنة وهم يجولون معه في اليهودية والجليل وكذلك بولس كان في مدرسة المسيح يتعلم منه في السنين الثلاث التي تقضت عليه في العربية.

رَجَعْتُ أَيْضاً إِلَى دِمَشْقَ هي مدينة من أقدم مدن العالم عُرفت منذ أيام إبراهيم (تكوين ١٤: ١٥) أخذها داود (٢صموئيل ٨: ٥ و٦) واستولى عليها الرومانيون سنة ٦٠ ق. م. والأرجح أنها كانت في أيام بولس هذه (أي سنة ٤٠ ب. م) تحت سطلة الحارث الغساني (أعمال ٩: ٢ و٢كورنثوس ١١: ٣٢).

١٨ «ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً».

أعمال ٩: ٢٦ أعمال ٩: ٢٨ و٢٢: ١٧ إلى ٢٢

بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ من يوم تنصره لا رجوعه من العربية ولا نعلم كم تقضى عليه من تلك المدة في دمشق. وذكر صعوده منها إلى أورشليم في سفر الأعمال (أعمال ٩: ٢٥) وكان ذلك في نحو ٤٠ سنة للميلاد.

لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ حمله اضطهاد اليهود على أن يترك دمشق وحملته رغبته في التعرف ببطرس على أن يذهب إلى أورشليم دون غيرها. ولا عجب من هذه الرغبة لأن بطرس كان مشهوراً وكان من الرسل وتلاميذ المسيح الأولين الممتازين. وهذه الأسباب كافية فلا شيء مما يستلزم أنه ذهب إليه ليتعلم منه ولا مما يستلزم أن المسيح أقامه رأساً على الكنيسة لأن بولس نفسه قال بعد قليل أنه اضطر أن يوبخه (ص ٢: ١١) وهذا دليل قاطع على أنه اعتبره مساوياً له ولو اعتقد أنه رأس الكنيسة لكان توبيخه له عصياناً وتعدياً.

فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً وشغل كثيراً من هذه المدة بمناظرة اليهود واليونانيين (أعمال ٩: ٢٩). وقصر تلك المدة مع ما أتى فيها من الأعمال يمنع أنه تعلم حينئذ من بطرس دين المسيح. وعلى أنه لم يبق هنالك سوى هذا الوقت الوجيز طلب اليهود اليونانيين أن يقتلوه (أعمال ٩: ٢٨ و٢٩) وأمر المسيح إياه أن ينطلق ويبشّر الأمم (أعمال ٢٢: ١٧ – ٢١).

١٩ «وَلٰكِنَّنِي لَمْ أَرَ غَيْرَهُ مِنَ ٱلرُّسُلِ إِلاَّ يَعْقُوبَ أَخَا ٱلرَّبِّ».

متّى ١٣: ٥٥ ومرقس ٦: ٣ و١كورنثوس ٨: ٥

لَمْ أَرَ غَيْرَهُ مِنَ ٱلرُّسُلِ الأرجح أنهم كانوا يبشرون في بلاد اليهود خارج أورشليم ويزورون الكنائس التي أُنشئت هناك (أعمال ٩: ٣١).

يَعْقُوبَ أَخَا ٱلرَّبِّ انظر تفسير (متّى ١٢: ٤٦ و١٣: ٥٥ وأعمال ١٥: ١٣). والظاهر أنه حُسب من الرسل كما حُسب برنابا منهم لأن المسيح حين اختار الاثني عشر لم يكن أحد من إخوته قد آمن به (يوحنا ٧: ٣ و٥).

٢٠ «وَٱلَّذِي أَكْتُبُ بِهِ إِلَيْكُمْ هُوَذَا قُدَّامَ ٱللّٰهِ أَنِّي لَسْتُ أَكْذِبُ فِيهِ».

رومية ٩: ١

المرجّح أن الذي حمله على هذا القول أنه شاع في غلاطية أن بولس بعد ما آمن بالمسيح شغل وقتاً طويلاً في أورشليم وتعلم من الرسل ولا سيما بطرس فلكي يؤكد لهم أنه لم يتعلم من بشر استشهد الله إذ لم يكن في طاقته أن يأتيهم بشهود من الناس.

٢١ «وَبَعْدَ ذٰلِكَ جِئْتُ إِلَى أَقَالِيمِ سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ».

أعمال ٩: ٣٠ و١٥: ٢٣ و٤١

المراد بسورية هنا البلاد التي كانت أنطاكية عاصمتها وبكيليكية البلاد التي كانت طرسوس قاعدتها. والمرجّح أنه شغل الوقت حينئذ بالتبشير بالإنجيل وتأسيس الكنائس التي زارها بعد ذلك (أعمال ١٥: ٤٣ و٤٤). وقال هذا بياناً لبعده وقتئذ عن الرسل وعدم إمكانه أن يتعلم منهم. وليس من غاية الرسول ذكر سورية وكيليكية على ترتيب أوقات الزيارة إذ لنا مما قال لوقا أنه أرسله الرسل خفية من أورشليم إلى قيصرية وأنه ذهب من هنالك في البحر إلى طرسوس وأن برنابا بعد ذلك أتى وأخذه إلى أنطاكية فمكث فيها سنة يبشر (أعمال ٩: ٣٠ و١١: ٢٥ و٢٦).

٢٢، ٢٣ «٢٢ وَلٰكِنَّنِي كُنْتُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِٱلْوَجْهِ عِنْدَ كَنَائِسِ ٱلْيَهُودِيَّةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ. ٢٣ غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ ٱلَّذِي كَانَ يَضْطَهِدُنَا قَبْلاً، يُبَشِّرُ ٱلآنَ بِٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي كَانَ قَبْلاً يُتْلِفُهُ.

رومية ١٦: ٧ و١تسالونيكي ٢: ١٤

كَنَائِسِ ٱلْيَهُودِيَّةِ أي التي هي خارج أورشليم. كان ما ذكره هنا بعد نحو عشر سنين من صعود المسيح إلى السماء ونستنتج من ذلك أنه في المدة القصيرة انتشر الدين المسيحي كثيراً حتى أنه أُنشئت عدة كنائس في اليهودية.

ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ ذكر هنا العلاقة العامة التي ربطت بعض الكنائس ببعض وهذا يدل على وحدة إيمانهم وعقائدهم فوق دلالته على أنها كانت متحدة بالمسيح باعتبار كونه رأسها وكونه حاضراً بروحه في كل منها. وقال إنه كان غير معروف بالوجه عند تلك الكنائس لاعتباره أنه رسول الأمم ولا رسولهم ولذلك شغل وقته بالتبشير في كيليكية وسورية. وأتى بهاتين الآيتين ليبرهن محالية أنه تعلم الدين المسيحي ممن علمهم الرسل في اليهودية ودليله أنه لم يخالطهم قط.

كَانُوا يَسْمَعُونَ نبإي ولم يبصروني.

يَضْطَهِدُنَا أي مؤمني تلك الكنائس. فاعتبروا أن مضطهد الكنيسة في موضع ما مضطهد لها في كل مكان وإن كان لم يأت إليهم ويضطهدهم.

بِٱلإِيمَانِ أي موضوع الإيمان. وعبّر عن الدين المسيحي بالإيمان لكونه الأمر الجوهري فيه.

٢٤ «فَكَانُوا يُمَجِّدُونَ ٱللّٰهَ فِيَّ».

إن اهتداء الخاطئ إلى المسيح يحق أن يكون علة سرور المسيحيين على الأرض كما أنه علة سرور الملائكة في السماء ولا سيما إن كان ذلك الخاطئ ممن اشتهروا بمقاومة المسيح ودينه ورُجي أن يكون مقتدراً على التبشير بالمسيح والشهادة بإنجيله. فتلك الكنائس لم تقتصر على المسرة باهتداء بولس بل جعلته موضوع التمجيد لله الذي غيره فجعله رسولاً بعد أن كان مضهداً. وذكر بولس إحساسات كنائس اليهودية من جهته وهي مؤلفة من متنصري اليهود ليبين الفرق بين إحساساتهم وإحساسات المعلمين من اليهود الذين أتوا إلى غلاطية وأتباعهم فإنهم حقدوا وافتروا عليه.

فوائد

  • إن كل السلطة على التبشير بالإنجيل والقدرة عليه من الرب يسوع المسيح ومن الله الآب الذي أقامه من الأموات. فالذي يستحسن الرب أن يكون مبشراً ويراه أهلاً لذلك يدعوه بعنايته (ع ١)
  • إنه يجب علينا في الأمور الدينية أن نصغي إلى الله وحده وإلى المسيح الذي عيّنه الله معلماً لنا فالذي يرغب في أن يكون معلماً في الكنيسة يجب أن يعلم كلمات الوحي باسم الله والمسيح (ع ).
  • إن المسيح لما أسلم نفسه للموت لكي ينقذنا من خطايانا أفلا يجب علينا نحن أن نبذل كل شيء لكي ننجو من سلطتها. وأن ننكر شهواتنا الجسدية ونقاومها ونحترس منها لئلا نجعل نعمة المسيح باطلة (ع ٤).
  • إنه يسهل علينا تصديق أن المسيح مات من أجل خطايانا وخطايا بولس وخطايا سائر القديسين ولكن يعسر علينا تصديق أن المسيح مات من أجلنا أفراداً نحن الخطأة العصاة الذين لا استحقاق لنا. إن الشيطان يجبرنا بقوله لنا إنكم خطأة ولا بد أن تهلكوا بخطاياكم فيجب أن نرد عليه بقولنا إذا نحن الذين مات المسيح من أجلهم لأنه مات عن الخطأة (ع ٤).
  • إننا إذا نظرنا إلى موت المسيح على الصليب باعتبار أنه واسطة إنقاذنا من العالم الحاضر الشرير رأينا الإنقاذ قد تم لأنه بموته كفّر عنا خطايانا وصالحنا مع الله ولكن إذا نظرنا إلى غاية المسيح وهي إنقاذنا من تأثيرات العالم الشريرة وتأهيلنا لدخول عالم القداسة رأينا أنه لا يزال يفعل ذلك دائماً بمنحه إيانا الروح القدس وإنشائه فينا الإيمان والرغبة لنخلع الخطيئة ونلبس المسيح (ع ٤).
  • إنه يجب علينا أن نصلي من أجل الذين يدّعون أنهم مسيحيون والذين ضلوا عن الحق وأن نبذل جهدنا في سبيل ردهم إلى سبيل الاستقامة (ع ٦).
  • إن الذي يضيف شيئاً إلى الإنجيل يضعف قوته فإضافة وجوب الأعمال الصالحة إلى إنجيل النعمة كأنها علة الخلاص تجعله «إنجيلاً آخر» وتعرّض المضيف لأشد الدينونة (ع ٧).
  • إن الدينونة التي طلبها بولس على نفسه أن نادى بإنجيل آخر برهان على عظمة الإنجيل وسلطانه وهو برهان على تواضعه لأنه لم يعتبر نفسه سوى آلة لتبليغ الناس كلام سيده. فالذي حرمه بولس على نفسه وعلى ملاك من السماء من إضافة شيء إلى الإنجيل لا يسلم العقل أنه يحوز لإنسان في رومية أو للمجامع (ع ٧).
  • إنه لا يحق لنا أن نرضي الناس مهما كثروا وعظموا إذا أغظنا بذلك الله فإننا نخطأ إذا رغبنا في أن نرضيهم بعدولنا عن القيام بما أوجبه الله علينا وأمرنا المسيح به. ونخطأ كذلك إذا خالفنا ضمائرنا بغية إرضائهم وارتكبنا المحظورات أو سكتنا عما ارتكبوه من الخطايا أو مدحناهم وهم مستحقون اللوم. فلو اجتهد يوحنا المعمدان في أن يرضي هيرودس بسكوته عن خطاياه لسلم رأسه ولكنه لم يستحسن حينئذ ما مدحه المسيح به بقوله «بين المولودين من النساء ليس… أعظم من يوحنا المعمدان» (ع ١٠).
  • إن الغاية الحسنة لا تضمن جودة العمل أمام الله فيمكن الإنسان أن يرتكب أفظع الخطايا ويهدم كنيسة المسيح وهو يقصد أن يقدم خدمة لله. فالغيرة التي ترضي الله وتبني الكنيسة يجب أن تكون بمقتضى كلمته تعالى (ع ١٤).
  • إن الله يعين لشعبه العمل الخاص ويرتب الحوادث بعنايته ورحمته والتعليم الروحي حتى أنه يكون مستعداً لذلك العمل (ع ١٥ – ١٨).
  • إن تجديد كل خاطئ من أسباب الفرح وتمجيد الله وشكره ولا سيما إن رُفع بواسطة ذلك مانع من تقدم الحق وقام محام عنه. فلنا أن نفرح بتجديد بولس وما نتج عنه من الخدمة للمسيح وكنيسته والعالم ونفوسنا من الجملة. فيجب أن نرغب في تجديد كل كافر ومقاوم ونصلي من أجله وأن نؤمن بأنه لم تزل لله القوة التي كانت له حين جدد بولس وأن ليس على الأرض اليوم شرير لا يقدر أن يجعله صالحاً ولا مجدف لا يستطيع أن يجعله مسبحاً له ولا مبغض للمسيح ومضطهد لشعبه يعجز أن يجعله واعظاً أميناً ومحامياً عن الإنجيل (ع ٢٤).
السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى