الرسالة الأولى إلى تيموثاوس | 06 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة الأولى إلى تيموثاوس
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ
في هذا الأصحاح خمسة مواضيع:
- الأول: ما يجب أن يُعلّمه العبيد وتحذير تيموثاوس من المعلمين الذين يهيجونهم على الفتنة والتذمر والتعنت (ع ١ – ٥).
- الثاني: بيان منافع التقوى والقناعة وأضرار الرغبة في الغنى (ع ٦ – ١٠).
- الثالث: حثّ تيموثاوس على ما يجب أن يعتزله وما يجب أن يأتيه وتأكيده له أن الله يثيبه أخيراً (ع ١١ – ١٦).
- الرابع: ما يجب أن ينصح للأغنياء به (ع ١٦ – ١٩).
- الخامس: التشديد على تيموثاوس بأن يحفظ كل ما أوصاه به وأن لا ينحرف عن الحق مع المنحرفين (ع ٢٠ – ٢٢).
بيان ما يجب أن يعلمه العبيد وتحذير من الذين يعلمونهم تعليماً آخر ع ١ إلى ٥
١ «جَمِيعُ ٱلَّذِينَ هُمْ عَبِيدٌ تَحْتَ نِيرٍ فَلْيَحْسِبُوا سَادَتَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ كُلَّ إِكْرَامٍ، لِئَلاَّ يُفْتَرَى عَلَى ٱسْمِ ٱللّٰهِ وَتَعْلِيمِهِ».
أفسس ٦: ٥ وكولوسي ٣: ٢٢ وتيطس ٢: ٩ و١بطرس ٢: ١٨ وإشعياء ٥٢: ٥ ورومية ٢: ٢٤ وتيطس ٢: ٥ و٨
بعد أن أوصى بولس تيموثاوس بما يتعلّق بخدم الكنيسة أخذ يوصيه بما يتعلق بأعضاء الكنيسة وابتدأ الكلام في أمور العبيد المؤمنين الذين لا ريب في أنهم كانوا كثيرين فيها. وقد سبق الكلام في ما يجب على كل من العبيد وسادتهم في تفسير (أفسس ٦: ٥).
تَحْتَ نِيرٍ أي نير العبودية والمقصود هنا المؤمنون من الأرقاء لأن غير المؤمنين منهم لا يعتبرون نصح تيموثاوس ولا نصح بولس.
فَلْيَحْسِبُوا سَادَتَهُمْ مُسْتَحِقِّينَ كُلَّ إِكْرَامٍ أي ليعتبرهم ويطيعوهم على قدر النسبة بينهم.
لِئَلاَّ يُفْتَرَى عَلَى ٱسْمِ ٱللّٰهِ الخ إذا كان العبيد يأبون الخدمة ويعصون ويعاندون نُسب ذلك إلى دينهم فطُعن فيه. وإذا كانوا حين آمنوا أكثر غيرة وأمانة في الخدمة مما كانوا قبلاً أُكرم اسم معبودهم ومدح دينهم. ومن الواضح أن السادة المذكورين هنا ليسوا بمؤمنين فلا يعلمون من أمر المسيح إلا أنه معبود عبيدهم ولا من أمر دينه إلا أنه دين أولئك العبيد. والكلام في واجبات السادة المؤمنين في الآية التالية. ولعل كثيرين من الرومانين كانوا يومئذ يخافون من أن تكون نتيجة دخول الدين المسيحي بين عبيدهم هياجهم عليهم لأن عدد العبيد في تلك الأيام كان يزيد على عدد السادة كثيراً. ولا شيء في هذه الآية يمنع العبد من اتخاذ الوسائل إلى أن يتحرر شرعاً (١كورنثوس ٧: ٢١).
٢ «وَٱلَّذِينَ لَـهُمْ سَادَةٌ مُؤْمِنُونَ لاَ يَسْتَهِينُوا بِهِمْ لأَنَّهُمْ إِخْوَةٌ، بَلْ لِيَخْدِمُوهُمْ أَكْثَرَ، لأَنَّ ٱلَّذِينَ يَتَشَارَكُونَ فِي ٱلْفَائِدَةِ هُمْ مُؤْمِنُونَ وَمَحْبُوبُونَ. عَلِّمْ وَعِظْ بِهٰذَا».
كولوسي ٤: ١ ص ٤: ١١
ٱلَّذِينَ لَـهُمْ سَادَةٌ مُؤْمِنُونَ لا ريب في أن هؤلاء كانوا قليلين جداً بالنسبة إلى من سادتهم وثنيون.
لاَ يَسْتَهِينُوا بِهِمْ لأَنَّهُمْ إِخْوَةٌ أي لا يأبوا أن يكرموهم ويطيعوهم إطاعة العبيد للسادة عموماً. نعم كونهم مؤمنين جعلهم إخوة لسادتهم المؤمنين وشركاءهم في الحياة الأبدية بمقتضى تعليم المسيح والإنجيل لأنه بالإيمان اتحدوا معاً بالمسيح واتحد كل منهم بالآخر كأهل بيت واحد لكن ذلك لا يستلزم أنهم مساوون لسادتهم في كل شيء. وربما قال عبد مؤمن له سيّد مؤمن إذا كان سيدي أخي لماذا أخدمه بمنزلة رقيق فأغراه بعض الناس وهيجه على العصيان. فنهى بولس العبيد عن الاستهانة بسادتهم دفعاً لأمثال ما ذكر. وقول الكتاب أن «لَيْسَ عِنْدَ ٱللّٰهِ مُحَابَاةٌ» (رومية ٢: ١١). يختص بنسبتنا إلى الله لا نسبة بعض الناس إلى بعض. وليس ما يصح في السماء من المساواة يصح على الأرض دائماً وليس الناس مكلفين بإجرائه في الوقت الذي يختارونه والطريق التي يستحسنونها.
بَلْ لِيَخْدِمُوهُمْ أَكْثَرَ أي يجب عليهم بدلاً من أن يستهينوا بسادتهم أن يجتهدوا أن يرضوهم وينفعونهم لكونهم إخوة علاوة على إتيانهم ذلك لكونهم سادة. فعليهم أن يعتبروا خدمتهم لإخوتهم خدمة للمسيح سيد الفريقين.
ٱلَّذِينَ يَتَشَارَكُونَ فِي ٱلْفَائِدَةِ أي ينتفعون بخدمتكم واجتهادكم الدائم فيهم ليسوا بغرباء وثنيين.
هُمْ مُؤْمِنُونَ وَمَحْبُوبُونَ إن الله وهب لهم نعمة الإيمان فصاروا أحباء لله بالمسيح والذين أحبهم الله يجب عليهم أن يحبوه ويكرموه.
٣ «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱلصَّحِيحَةَ، وَٱلتَّعْلِيمَ ٱلَّذِي هُوَ حَسَبَ ٱلتَّقْوَى».
ص ١: ٣ وص ١: ١٠ و٢تيموثاوس ١: ١٣ و٤: ٣ وتيطس ١: ٩ تيطس ١: ١
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ استطرد بولس من الكلام في ما يتعلق بالعبيد إلى الكلام على المعلمين المفسدين الذين قلقت أفكار العبيد بتعليمهم إياهم إباءة إرضاء سادتهم. والمراد «بالتعليم الآخر» غير تعليمه أنه يجب على العبيد أن يكرموا السادة ويطيعوهم.
لاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ التي في البشائر. ولم يقصد «بكلمات ربنا» كلمات معيّنة بل كل جواهر تعليمه. ومما يوافق هذا من أقوال المسيح قوله «أعطوا ما لقيصر لقيصر» وقوله «طوبى للودعاء» وقوله «لا تقاوموا الشر» وكل مضمون وعظ المسيح على الجبل (متّى ص ٥ و٦ و٧).
ٱلصَّحِيحَةَ المؤدية إلى بنيان الكنيسة وصلاحها وإرشاد أهلها إلى القناعة والصبر والاجتهاد. ويمكن أن الرسول أشار إلى تعليم المسيح في ما يتعلق بالعبيد مما لم يُكتب وبقي مشهوراً بين الناس كالذي ذكره في (ص ٥: ١٨ وأعمال ٢٠: ٣٥).
حَسَبَ ٱلتَّقْوَى أي حسب الدين الحق اعتقاداً وعملاً وهذا نتيجة سمع كلمات ربنا يسوع المسيح.
٤ «فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئاً، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ ٱلْحَسَدُ وَٱلْخِصَامُ وَٱلافْتِرَاءُ وَٱلظُّنُونُ ٱلرَّدِيَّةُ».
١كورنثوس ٨: ٢ وص ١: ٧ وص ١: ٤ و٢تيموثاوس ٢: ٢٣ وتيطس ٣: ٩
تَصَلَّفَ أي ادعى فوق ما عنده إعجاباً وتكبراً فأعمته الكبرياء (أفسس ٤: ١٨).
وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئاً أي توهم أنه يعرف كل أمور الإنجيل وتعاليمه في واجبات السادة والعبيد خصوصاً والواقع خلاف ذلك.
بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ ٱلْكَلاَمِ أي لا يعلم أنه جاهل فيسكت لكنه يجب أن يسأل ويجادل في أمور لا طائل تحتها ولا تُعلم وأن عُلمت فلا فائدة من علمها. والمرجّح أن هذا موجه إلى أحد معلمي اليهود لأن المدارس اليهودية تسر بالمماحكات. وما حدث في كنيسة أفسس يحدث في كنائس كثيرة اليوم فلا يفتأ الناس الآن يسألون كيف يكون الله وهو واحد ثلاثة أقانيم وكيف دخلت الخطيئة إلى العالم وكيف تتفق حرية الإنسان مع القضاء الأزلي وغير ذلك من مسائل الاختيار والوحي والقيامة وما شكالها. والدليل على أن هذه المماحكات باطلة ومضرة ما يأتي.
ٱلَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ ٱلْحَسَدُ أي حسد الإنسان غيره على أنه يعرف أكثر منه أو لأنه لم يستطع أن يغلبه في الجدال.
وَٱلْخِصَامُ لمن لا يلم بآرائه وأحكامه (رومية ١: ٢٩).
وَٱلافْتِرَاءُ أي الطعن في الذين يغلبونه.
وَٱلظُّنُونُ ٱلرَّدِيَّةُ في مقاصد المخالفين فنسب إليهم الهوى وبغض الحق والحسد لمن يخالفهم والخوف من الخسارة واللوم والاضطهاد.
٥ «وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ فَاسِدِي ٱلذِّهْنِ وَعَادِمِي ٱلْحَقِّ، يَظُنُّونَ أَنَّ ٱلتَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هٰؤُلاَءِ».
١كورنثوس ١١: ١٦ وص ١: ٦ و٢تيموثاوس ٣: ٨ وتيطس ١: ١١ و٢بطرس ٢: ٣ رومية ١٦: ١٧ و٢تيموثاوس ٣: ٥
وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ مخاصماتهم الطويلة فإن موضوع النزاع وإن كان طفيفاً نتائجه عظيمة ينشأ عنها البغض وانشقاق الكنيسة وانفصال بعض الأصدقاء عن بعض.
فَاسِدِي ٱلذِّهْنِ في هذا سبب المنازعات وهو شر قلوب المعلمين الكاذبين فضلاً عن جهلهم.
عَادِمِي ٱلْحَقِّ إن الناس إذا أحبوا الحق طلبوه وإذا وجدوه رحبوا به وأكرموه ونموا في معرفته وإذا لم يحبوا هذا الكنز ولم يسلموا لأهله أُخذ منهم ما لهم منه عقاباً وصاروا «عادمي الحق» وعبيداً للضلال على اختلاف أنواعه فأشبهوا البيت الذي ذكر المسيح أنه خرج منه الشيطان ثم رجع ووجده فارغاً مكنوساً مزيناً فذهب وأخذ معه سبعة أرواح أُخر شراً منه ودخلوه وسكنوه (متّى ١٢: ٤٤ و٤٥).
والمرجح أن الرسول عنى «بالحق» هنا تعليم الإنجيل وسمى جاهليه «عادمي الحق».
يَظُنُّونَ أَنَّ ٱلتَّقْوَى تِجَارَةٌ هذا دليل على أنهم «فاسدوا الذهن» و «عادمو الحق» فيحسبون التقوى ما يفيدهم ربحاً عالمياً وما ليس كذلك ليس بتقوى. ومنهم من «يَقْلِبُونَ بُيُوتاً بِجُمْلَتِهَا، مُعَلِّمِينَ مَا لاَ يَجِبُ، مِنْ أَجْلِ ٱلرِّبْحِ ٱلْقَبِيحِ» (تيطس ١: ١١) فلا يمكن أن المتعلم من الروح يظن ظنهم. وهو ظن الذين قاوموا بولس قديماً وحذر تيموثاوس منهم يومئذ فهؤلاء لا يأتون شيئاً من أعمال التقى إلا للتظاهر بأنهم أتقياء ولحمل الناس على الثقة بهم. ولهذه الغاية أطال الفريسيون الصلاة كما أبان المسيح (متّى ٢٣: ١٤). ولا خطيئة أفظع من أن نتخذ الدين المسيحي وسيلة إلى الربح الدنيوي مع أن المسيح لم يكن له «أين يسند رأسه» (متّى ٨: ٢٠) «فافتقر لأجلنا وهو الغني». فالذين تقواهم تجارة إلههم المال وهم يقبلون الدين المسيحي وينادون به كما قبله سيمون الساحر (أعمال ٨: ١٩ و٢٠).
لا شك أنه في سبيل التقوى ربح حقيقي بدليل قوله «التقوى لها موعد الحياة الحاضرة» (ص ٤: ٨) لكنها ليست كذلك لمن لا يتخذونها إلا وسيلة إلى الربح الدنيوي. قال المسيح في هذا المعنى «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ ٱلإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ» (متّى ١٦: ٢٥ و٢٦).
تَجَنَّبْ مِثْلَ هٰؤُلاَءِ كره بولس هذا التعليم لمنافاته لتعليم الإنجيل الآمر بإنكار النفس وحذّر تيموثاوس منه ومن مصاحبة أتباعه وهذه العبارة ليست في بعض النسخ القديمة.
منافع القناعة وأضرار الطمع ع ٦ إلى ١٠
٦ «وَأَمَّا ٱلتَّقْوَى مَعَ ٱلْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ».
مزمور ٣٧: ١٦ وأمثال ١٥: ١٦ و١٦: ٨ وعبرانيين ١٣: ٥
ذكر الرسول القاعدة الصحيحة في ربح التقوى بعدما أبطل الرأي الفاسد فيه دفعاً لتوهم أن التقوى بمنع صاحبها من كل ربح فإنها تحمل صاحبها على القناعة بما له فهو غني حقيقة ومسرور بغناه إذ لا يشتهي سوى ما حصل عليه وكل غنى العالم لا يسر شيئاً بلا قناعة. قال بعض الحكماء «القناعة غنى» وقال الشاعر:
جزى الله القناعة كل خير فلا شيء أعزّ من القناعة
فصيّرها لنفسك رأس مالٍ ومعها صيّر التقوى بضاعة
٧ «لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ ٱلْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ».
أيوب ١: ٢١ ومزمور ٤٩: ١٧ وأمثال ٢٧: ٢٤ وجامعة ٥: ١٥
هذه الآية كقول أيوب «عُرْيَاناً خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَاناً أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ» (أيوب ١: ٢١). وقول الجامعة «كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ عُرْيَاناً يَرْجِعُ ذَاهِباً كَمَا جَاءَ، وَلاَ يَأْخُذُ شَيْئاً مِنْ تَعَبِهِ فَيَذْهَبُ بِهِ فِي يَدِهِ» (جامعة ٥: ١٥). فالتأمل الذي قال الرسول أنه واضح يجب أن يحمل التقي على أن يكون راضياً بما قسم الله له. وكيف لا يقتنع الإنسان بالقسمة الإلهية إذا تأمل في أنه لم يأت بشيء من المال والجواهر والملابس حين دخل هذا العالم وفي أنه لا يأخذ شيئاً من ذلك حين يخرج منه. فالذين له هنا دين عليه لله مدة حياته القصيرة فإذا كان ما له هنا قليلاً فهو أعظم مما أتى به ومما يذهب به. قابل هذا بما في (مزمور ٤٩: ١٧).
٨ «فَإِنْ كَانَ لَنَا قُوتٌ وَكِسْوَةٌ فَلْنَكْتَفِ بِهِمَا».
تكوين ٢٨: ٢٠ وعبرانيين ١٣: ٥
قُوتٌ وَكِسْوَةٌ جمع في هاتين الكلمتين أكثر حاجات الحياة هنا فيجب على من له قوت وكسوة أن يقتنع ولا يتذمر على الله ولا يحسد من له أكثر منهما ولا يشتهي مقتناه. ووجوب الاكتفاء بما يهب الله من القوة والكسوة لا يمنع من أن نفرح بغير ذلك من هباته تعالى إذا سمح لنا به وأن نشكره عليه وننفع به المحتاجين إليه (ص ٥: ٤ وفيلبي ٤: ١١ و١٢).
٩ «وَأَمَّا ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ تُغَرِّقُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْعَطَبِ وَٱلْهَلاَكِ».
أمثال ١٥: ٢٧ و٢٠: ٢١ و٢٨: ٢٠ ومتّى ١٣: ٢٢ ويعقوب ٥: ١ وص ٣: ٨ وص ١: ١٩
ما في هذه الآية يوجب على المؤمن القناعة.
ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ أي يشتهون الغنى ويجدون في طلبه خلافاً لمقتضى القناعة.
فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ بأنهم يتخذون بغية الغنى وسائل محرمة فيخالفون أحكام ضمائرهم وشريعة الله فشهوة الغنى تنافي الطلبة «لا تدخلنا في تجربة».
وَفَخٍّ شهوة الغنى للإنسان كالفخ للطيور والشبكة للسمك يمسك بها ليُقتل ويعمى حتى لا يميز بين الحلال والحرام ويحسب الرذائل فضائل ويحسب بخله اقتصاداً واجتهاداً وحكمة في النظر إلى العواقب وسعياً واجباً لنفع أهل بيته واستعداداً لعجز الشيخوخة مما ظاهره أنه فضيلة فيخدع نفسه ويجعلها فريسة للشيطان.
شَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ أي صاحبها غبي لأنه لا يقدر أن يحصل عليها كلها وإن حصل عليها لم يكتف بها ولم يحصل منها على اللذة التي توقعها.
مُضِرَّةٍ كما أبان في (ع ١٠) فشهوة المال مضرة لانها تمنع صاحبها من طلب الخير الأعظم وتصغر نفسه وتجعله محباً لذاته قاسياً ظالماً. فالغني مائل إلى الكبرياء أكثر من غيره وإلى التمتع باللذات المحرمة أكثر ممن لا وسائل له إليها.
تُغَرِّقُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْعَطَبِ وَٱلْهَلاَكِ «العطب والهلاك» بمعنى واحد ولعله قصد بالأول ضرر الجسد وبالثاني ضرر النفس. فإن شهوة الغنى تضر جسد الإنسان بحملها إياه على مشقات أشد مما يحتمل وتعريض نفسه للأخطار وامتناعه عن القدر الكافي من الراحة والنوم. وتضر النفس بما في الآية التالية. والغنى ليس تجربة لمن ناله فقط بل لكل من يعزم على نيله بقطع النظر عن الوسائل. ويمكن الإنسان أن يغرق في البركة كما يغرق في الأوقيانس فيمكن أن يكون الفقير بخيلاً محباً للمال ككريسوس الملك المشهور.
١٠ «لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ ٱلشُّرُورِ، ٱلَّذِي إِذِ ٱبْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ ٱلإِيمَانِ، وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ».
خروج ٢٣: ٨ وتثنية ١٦: ١٩
لأَنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ ٱلشُّرُورِ أي يمكن أن ينشأ عنها كل أنواع الشر لأن من تسلط عليه حب المال لا يمتنع عن شيء من الشرور يكون وسيلة إلى الربح فيحمله على مخالفة ضميره والكذب والخداع والسرقة وكل الرذائل حتى القتل. ويسمى الطماع «عابد الأثوان» (كولوسي ٣: ٦). وأكثر التعديات والذنوب في العالم أصلها حب المال. إن الرسول لم يقل إن المال أو اقتناءه أصل الشرور ولم يقل إنه شر البتة بل قال إن محبته كذلك.
إِذِ ٱبْتَغَاهُ قَوْمٌ أي طلبوه بحب شديد.
ضَلُّوا عَنِ ٱلإِيمَانِ فظهر من ذلك إن محبة المال أصل الشر لأنها تنزع الإيمان الذين هو أصل كل الفضائل. والمراد «بالإيمان» الدين المسيحي على ما هو معلن في الإنجيل وجوهره الإيمان (ص ١: ١٩ و٤: ١). ولعل الرسول أشار بهذا إلى جماعة من أهل كنيسة أفسس تركت محبتها الأولى للمسيح بغية المال. ومثل هؤلاء ديماس في رومية فإنه شغل مدة بمساعدة بولس على التبشير لكنه بعد ذلك كتب فيه الرسول ما نصه «دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ ٱلْعَالَمَ ٱلْحَاضِرَ» (٢تيموثاوس ٤: ١٠).
وَطَعَنُوا أَنْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ منها تأنيبات الضمير فإنه كأشواك الأثمار الشهية تجرح يد جانيها. ومنها الندم على ترك المسيح والرجاء والسماء لأجل المال ولعل الله أرسل هذه الأوجاع علهيم لأنهم فضلوا المال عليه تعالى.
تبيين الرسول لتيموثاوس ما يجب عليه أن يعتزله وما يجب عليه أن يطلبه وتحقيقه له أن الله يثيبه ع ١١ إلى ١٦
١١ «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ ٱللّٰهِ فَٱهْرُبْ مِنْ هٰذَا، وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلتَّقْوَى وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ وَٱلصَّبْرَ وَٱلْوَدَاعَةَ».
تثنية ٣٣: ١ و٢تيموثاوس ٣: ١٧ و٢تيموثاوس ٢: ٢٢
وَأَمَّا أَنْتَ المخالف لأولئك القوم (ع ١٠).
يَا إِنْسَانَ ٱللّٰهِ الذي اختار الله نصيبه لا المال. دُعي «برجال الله» في العهد القديم بعض الأنبياء الذين أرسلهم الله. فمنهم موسى (تثنية ٣٣: ١) وصموئيل (١صموئيل ٩: ٦) وإيليا (٢ملوك ١: ٩) وأليشع (٢ملوك ٤: ٤٢ و٨: ٧). ويصح أن يُدعى «رجل الله» كل مسيحي حقيقي لأنه مولود من الله وليس برجل هذا العالم (يعقوب ١: ١٨ و١يوحنا ٥: ١).
فَٱهْرُبْ مِنْ هٰذَا أي من محبة المال (ع ١٠) ونتائجها الضارة. شهد بولس بأن تيموثاوس نظير نفسه وبأنه كولد مع أبٍ خدمه لأجل الإنجيل (فيلبي ٢: ٢٠ و٢٢) ولكنه إذ علم التجارب المحيطة بتيموثاوس في أفسس المدينة الغنية الشريرة وأنه يجب على تيموثاوس وهو معلم ومبشر فيها أن يكون بلا لوم استحسن أن ينذره بهذه العبارة.
وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ أي الاستقامة أمام الناس (٢تيموثاوس ٢: ٢٢).
وَٱلتَّقْوَى أي الاستقامة أمام الله.
وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ هاتان الفضيلتان أفضل الفضائل.
وَٱلصَّبْرَ وَٱلْوَدَاعَةَ أي الاستقامة أمام أعداء الحق. انظر الكلام على هذه الفضائل في تفسير (غلاطية ٥: ٢٢ و٢٣). فما أوصى بولس تيموثاوس بأن يتبعه هو ما ينافي الشرور التي أمره أن يهرب منها.
١٢ «جَاهِدْ جِهَادَ ٱلإِيمَانِ ٱلْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضاً، وَٱعْتَرَفْتَ ٱلاعْتِرَافَ ٱلْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ».
١كورنثوس ٩: ٢٥ و٢٦ وص ١: ١٨ و٢تيموثاوس ٤: ٧ وفيلبي ٣: ١٢ و١٤ وع ١٩ وعبرانيين ١٣: ٢٣
جَاهِدْ جِهَادَ ٱلإِيمَانِ ٱلْحَسَنَ (١كورنثوس ٤: ٢٤ وفيلبي ٣: ١٢ و١تيموثاوس ١: ١٥ و٢تيموثاوس ٤: ٧) وصف بهذا الحياة التي يجب على المسيحي أن يحياها ولا سيما المبشر فتلك الحياة كالجهاد وهو «جهاد الإيمان» و «الجهاد الحسن» وغايتها الحياة الأبدية وقائد جيش المجاهدين هو الرب يسوع المسيح. وبنى بولس هذا التشبيه على ما شاهده في الملاعب الأولمبية والبرزخية وقد مر الكلام على ذلك في تفسير (أفسس ٦: ١٠ – ١٧ و١كورنثوس ٩: ٢٦ و٢٧). وأضاف «الجهاد» إلى «الإيمان» لأنه يحمل الجندي الروحي على الجهاد ضد العالم والشهوة والشيطان ولأن المجاهد لأجله هو الإيمان. والقوة على الثبوت فيه ناشئ عن الإيمان ونعت «الإيمان بالحسن» لسمو غايته خلافاً لأكثر غايات الحروب العالمية.
وَأَمْسِكْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ هذا الغرض هو الذي يجب على «رجل الله» أن يضعه أمام عينيه بدلاً من الأكاليل الفانية التي كان المجاهدون في الملاعب اليونانية يجاهدون للحصول عليها.
ٱلَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ والذي دعاه إليها هو الرب يسوع المسيح قائد جيش المجاهدين.
وَٱعْتَرَفْتَ ٱلاعْتِرَافَ ٱلْحَسَنَ ذكر هذا موجباً له على ثبوته في ما تمسك به. وهذا «الاعتراف» ما يعترف به كل مسيحي حقيقي حين يكتب اسمه في دفتر الجندية الروحية وهو يكون إما بالإقرار لفظاً أو بالأعمال كالمعمودية أو بالثبات في أثناء الاضطهاد.
أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ لم يبيّن الرسول من أراد بهؤلاء الشهود ولعله أراد الذين شاهدوا معمودية تيموثاوس أو رسامته (ص ٤: ١٤ و٢تيموثاوس ١: ٦) أو الذين شاهدوا ما احتمله من الاضطهاد الشديد الذي تعرض له في أسفاره وأتعابه وهو ينادي بالإنجيل. وما يرجح الاحتمال الأخير هو مقابلته باعتراف المسيح أمام بيلاطس (ع ١٣).
١٣ «أُوصِيكَ أَمَامَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يُحْيِي ٱلْكُلَّ وَٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ ٱلَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ ٱلْبُنْطِيِّ بِٱلاعْتِرَافِ ٱلْحَسَنِ».
ص ٥: ٢١ وتثنية ٣٢: ٣٩ و١صموئيل ٢: ٦ ويوحنا ٥: ٢١ ومتّى ٢٧: ١١ ويوحنا ١٨: ٣٧ ورؤيا ١: ٥ و٣: ١٤
شدة رغبة بولس في أن يكون تلميذه تيموثاوس أميناً للمسيح وإنجيله حملته على أنه يوصيه بأقوى العبارات والأسباب بأن يحفظ وصاياه كل الحفظ.
أُوصِيكَ أَمَامَ ٱللّٰهِ هذا نوع من القسم (ص ١: ٣). فكأنه أراد أن يعتبر تيموثاوس نفسه أنه واقف كل حين في حضرة الله تعالى الذي يراقبه في كل طرقه.
ٱلَّذِي يُحْيِي ٱلْكُلَّ أي الذي هو مصدر الحياة الروحية والتقوية لعبيده وهو الذي أحيا المسيح بعد موته فهو قادر على أن يجدد حياة تيموثاوس إذا بذلها على الأرض في سبيل خدمته وجهاده الروحي.
وَٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أراد أن تيموثاوس يتصور أن المسيح سيده الإلهي يراقبه دائماً.
ٱلَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ ٱلْبُنْطِيِّ ذكره اعتراف تيموثاوس أمام شهود كثرة حمله على ذكر اعتراف المسيح علناً بجراءة أمام الوالي الروماني في محكمته وأدى تلك الشهادة بموته اختياراً إثباتاً لها (متّى ٢٧: ١١ ويوحنا ١٨: ٣٦ و٣٧). وأشار الرسول بذكر اعتراف المسيح هنا إلى أنه يوجب على تيموثاوس أن يكون أميناً وجسوراً بشهادته لحقائق الإنجيل قدام الناس فيكون اعترافه كاعتراف المسيح في أنه لإثبات الحق والإتيان به في موقف الخطر وأن يكون مستعداً لأن يثبته بموته كما فعل المسيح.
١٤ «أَنْ تَحْفَظَ ٱلْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
فيلبي ١: ٦ و١٠ و١تسالونيكي ٣: ١٣ و٥: ٢٣
أَنْ تَحْفَظَ ٱلْوَصِيَّةَ هذا متعلق بقوله «أوصيك» في الآية الثالثة عشرة. والمراد «بالوصية» هنا كل ما يتضمنه قوله «جاهد جهاد الإيمان الحسن» وأمره إياه بأن يعترف الاعتراف الذي اعترفه المسيح.
بِلاَ دَنَسٍ (ص ٥: ٢٢ وأفسس ٥: ٢٧ ويعقوب ١: ٢٧ و٢بطرس ٣: ١٤) فلا يكفي أن يكون تعليمه خالياً من التضليل بل يجب فوق ذلك أن تكون سيرته على وفق وعظه.
وَلاَ لَوْمٍ بخلاف ما فعل المعلمون الكاذبون مما يجلب العار على اسم المسيح.
إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي مجيئه بالجسد ثانية ليدين العالم (١تسالونيكي ٤: ١٥ – ١٨ و٢تسالونيكي ٢: ٨ و٢تيموثاوس ٤: ١ وتيطس ٢: ١٣) ويثبت عبيده ويعاقب الأشرار وهذا يكون نهاية الامتحان يوم الدين. والمسيح لم يعيّن لنا يوم الجزاء حين أنبأ به لكي تكون الكنيسة متوقعة ذلك دائماً.
١٥ «ٱلَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ ٱلْمُبَارَكُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْوَحِيدُ، مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ».
ص ١: ١١ و١٧ ورؤيا ١٧: ١٤ و١٩: ١٦
ٱلَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ أي سيبينه الآب في الأوقات التي عيّنها في نفسه بقضائه الأزلي السري لاستعلان المسيح في كل مجده (ص ٢: ٦ وأعمال ١: ٧ وغلاطية ٤: ٤ و٢تيموثاوس ١: ٩ وتيطس ١: ٣ وعبرانيين ١: ١).
ٱلْمُبَارَكُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْوَحِيدُ هذه نعوت لله الآب كما يظهر من الجملة السابقة ومن قوله «لم يره أحد» في (ع ١٦). ونعته «بالمبارك» لأنه مصدر كل بركة ونعمة وسعادة لخليقته. ونعته «بالعزيز الوحيد» إظهاراً لمخالفته آلهة الوثنيين وملوك الأرض العاجزين عن مقاومة مقاصده فكأنهم بالنسبة إليه تعالى عدم ونسب ذلك إليه تعالى ليشجع المؤمنين لكي لا يخافوا ملوك الأرض الذين يهددونهم بالموت.
مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ أي المتسلط عليهم جميعاً. والذي وُصف الله الآب به هنا وُصف المسيح به في (رؤيا ١٧: ١٤ و١٩: ١٦) وهو دليل قاطع على كون المسيح مساوياً للآب.
١٦ «ٱلَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ ٱلْمَوْتِ، سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، ٱلَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، ٱلَّذِي لَهُ ٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ ٱلأَبَدِيَّةُ. آمِينَ».
ص ١: ١٧ وخروج ٢٣: ٢٠ ويوحنا ٦: ٤٦ وأفسس ٣: ٢١ وفيلبي ٤: ٢٠ ويهوذا ٢٥ ورؤيا ١: ٦ و٤: ١١ و٧: ١٢
ٱلَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ ٱلْمَوْت هذا دليل على عظمة سمو الله وامتيازه عن كل من هو سواه فحياته من خواص جوهره وحياة غيره تقوم بهبته الحياة له. والله حي منذ الأزل واجب الوجود وقادر أن يهب الحياة الأبدية لتابعيه.
سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ لعظمة مجده وقد قيل أنه «نور» (١يوحنا ١: ٥) وأنه «ٱللاَّبِسُ ٱلنُّورَ كَثَوْبٍ» (مزمور ١٠٤: ٢). وأنه «عِنْدَهُ يَسْكُنُ ٱلنُّورُ» (دانيال ٢: ٢٢). وأشار بقوله «لا يُنوى منه» إلى منع الله شعب إسرائيل من الاقتراب إلى طور سيناء وثم ظهر لهم بمجده حين أعطاهم الشريعة (خروج ١٩: ١٢) وإلى حجب الملائكة أوجههم أمام الله (إشعياء ٦: ٢) وإلى الحجاب الحاجز بين القدس وقدس الأقداس ومنع دخول الناس إلى ما وراءه إلا رئيس الكهنة مرة في السنة (لاويين ١٦: ١٧ وعبرانيين ٩: ٧).
لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ على وفق قول الله لموسى «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ» (خروج ١٩: ٢٠). وقول موسى للشعب «فَكَلَّمَكُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ وَسَطِ ٱلنَّارِ وَأَنْتُمْ سَامِعُونَ صَوْتَ كَلاَمٍ، وَلٰكِنْ لَمْ تَرَوْا صُورَةً» (تثنية ٤: ١٢) وقول يوحنا «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ» (يوحنا ١: ١٨ انظر أيضاً رومية ١١: ٣٢ – ٣٦ وكولوسي ١: ١٤ وعبرانيين ١١: ٢٧). فمع أن الإنسان لا يقدر أن يرى جوهر الله ولا أن يدركه تماماً يُعطى قديسوه النعمة أن يروا بعض مجده (متّى ٥: ٨ و١كورنثوس ١٣: ١٢ ويوحنا ٣: ٢ ورؤيا ٢٢: ٤).
ٱلَّذِي لَهُ ٱلْكَرَامَةُ الخ لأنه يستحقها من كل خلائقه (ص ١: ١٧). ذهب بعضهم إلى أن (ع ١٥) جزء من ترنيمة استعملها المسيحيون الأولون في اجتماعاتهم العامة تسبيحاً لله.
تعليم الرسول لتيموثاوس كيف يحذّر الأغنياء ع ١٧ إلى ١٩
١٧ « أَوْصِ ٱلأَغْنِيَاءَ فِي ٱلدَّهْرِ ٱلْحَاضِرِ أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ ٱلْغِنَى، بَلْ عَلَى ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنىً لِلتَّمَتُّعِ».
مزمور ٥٢: ٧ و٦٢: ١٠ ومرقس ١٠: ٢٤ ولوقا ١٢: ٢١ وأمثال ٢٣: ٥ و١تسالونيكي ١: ٩ وص ٣: ١٥ و٤: ١٠ وأعمال ١٤: ١٧ و١٧: ٢٥
كان من الموافق أن تكون الآية السادسة عشرة نهاية هذا الأصحاح لو لم يكن الرسول قد رجع هنا إلى ما يتعلق بالموضوع الذي كان يتكلم عليه وهو خطر محبة المال وهو تحذير الأغنياء الذين في كنيسة أفسس فأمر تيموثاوس أن يعلمهم كيف يجب أن يتصرفوا بأموالهم.
أَوْصِ ٱلأَغْنِيَاءَ لا بد من أنه كان في كنيسة أفسس كثيرون من الأغنياء حصلوا على وفرة المال إما بالميراث أو بالاجتهاد.
فِي ٱلدَّهْرِ ٱلْحَاضِرِ لأن أموالهم مختصة بهذا الدهر وهو يفنى بفنائه. وهذا لا يستلزم أنهم غير أغنياء في الإيمان لأن القرينة تدل على أنه قصد المؤمنين فيمكن أن يكونوا قد حصلوا على نوعي الغنى وأنهم يمكنهم أن يستعملوا الغنى الأرضي وسيلة إلى كسب الغنى السماوي.
أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا لأن أصحاب الغنى عرضة لهذه التجربة بدليل قول الني «لاَ يَفْتَخِرِ ٱلْغَنِيُّ بِغِنَاهُ» (إرميا ٩: ٢٣). لا يمكن أن يتكبر إنسان بلا غنى ولكن يصعب أن يكون غنياً بلا كبرياء. ومما يحفظه من السقوط في هذه التجربة التأمل في أن الغنى هبة من الله وأنه كلما زاد المال زادت المسؤولية على صاحبه فإن ماله لا يميزه على سواه في الحكمة والعلم والصلاح وأنه متى فارق العالم لم يبق فرق بينه وبين أشد الناس فقراً.
وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ ٱلْغِنَى كون الغنى غير يقيني يستلزم عدم الاتكال عليه. وهذا يوافق قول الحكيم «لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيّاً… هَلْ تُطَيِّرُ عَيْنَيْكَ نَحْوَهُ وَلَيْسَ هُوَ؟ لأَنَّهُ إِنَّمَا يَصْنَعُ لِنَفْسِهِ أَجْنِحَةً. كَٱلنَّسْرِ يَطِيرُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ» (أمثال ٢٣: ٤ و٥).
بَلْ عَلَى ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ الخ بدلاً من الاتكال «على غير يقينة الغنى» فإن الله موضوع الاتكال الراسخ الدائم وهو مصدر كل خير زمني وأبدي وقادر أن يقوم بكل احتياجات الإنسان ولا يتغير والمال بعجز عن ذلك. وقوله «للتمتع» يدل على أن الله يريد أن يمتّع الناس بما يهب لهم من النّعم.
١٨ «وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلاَحاً، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي ٱلْعَطَاءِ كُرَمَاءَ فِي ٱلتَّوْزِيعِ».
لوقا ١٢: ٢١ وص ٥: ١٠ وتيطس ٣: ٨ ويعقوب ٢: ٥ رومية ١٢: ١٣ غلاطية ٦: ٦ وعبرانيين ١٣: ١٦
وَأَنْ يَصْنَعُوا صَلاَحاً بأموالهم فلا يخزنوها بل ينفقوها في طريق تؤدي إلى أن ينفعوا بها أنفسهم وقريبهم. وخازنوا المال كثيراً ما يصير ما لهم لعنة عليهم وعلى أولادهم بعد موتهم. وأبان يعقوب الرسول ذلك بالتفصيل (يعقوب ٥: ٢ و٣ انظر أيضاً غلاطية ٦: ١٦ وتفسيره وعبرانيين ١٣: ١٦).
وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَالٍ صَالِحَةٍ أن يزيد عملهم الصلاح بزيادة أموالهم. والمراد «بالأعمال الصالحة» هنا ما هو حسن وممدوح أمام الله والناس.
وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي ٱلْعَطَاءِ للمحتاجين. فالذين يجعلون الفقراء شركاءهم في خيراتهمم يزيدون أنفسهم سعادة فوق تعزيتهم ومساعدتهم الفقراء.
كُرَمَاءَ فِي ٱلتَّوْزِيعِ الظاهر أن الفرق قليل بين هذه العبارة والعبارة السابقة ولعل الأولى تشير إلى الانفعال القلبي والثانية إلى العمل (لوقا ٣: ١١ و٢كورنثوس ٨: ١٣ – ١٥ وغلاطية ٦: ٦ وأفسس ٤: ٢٨ وعبرانيين ١٣: ٦).
١٩ «مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أَسَاساً حَسَناً لِلْمُسْتَقْبَلِ، لِكَيْ يُمْسِكُوا بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ».
متّى ٦: ٢٠ و١٩: ٢١ ولوقا ١٢: ٣٣ و١٦: ٩ ع ١٢
مُدَّخِرِينَ أي مذخرين بمراعاة السخاء والكرم لا في الصناديق والأكياس والمقتنيات كما فعل الغني الذي «أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ وَقَالَ: أَعْمَلُ هٰذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلاَّتِي وَخَيْرَاتِي» (لوقا ١٢: ١٦ – ١٨). وقول الرسول هنا يوافق قول المسيح «لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى ٱلأَرْضِ… بَلِ ٱكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي ٱلسَّمَاءِ» (متّى ٦: ١٩ و٢٠) وقوله «ٱصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ ٱلظُّلْمِ، حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي ٱلْمَظَالِّ ٱلأَبَدِيَّةِ» (لوقا ١٦: ٩).
أَسَاساً حَسَناً لِلْمُسْتَقْبَلِ أي غنىً روحياً كالأساس في الرسوخ والثبات بخلاف الغنى الأرضي المتقلقل السريع الزوال. فمن وزع كنوزه الأرضية بالإيمان والمحبة تحقق أنه يجمع في السماء غنىً روحياً.
لِكَيْ يُمْسِكُوا بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ وهي الحقيقة الدائمة التي عربونها الكنز في السماوات. فالذي يمسك بخيرات هذا العالم لا يقدر أن يحفظها قنية أبدية مبهجة. والطريق الفضلى إلى أنفاق المال الفاني هي اتخاذه وسيلة إلى اقتناء الحياة الأبدية. وهذا لا يمنع كون تلك الحياة هبة مجانية وأن أساسها نعمة الله ولا يزال الغني والفقير كلاهما يخلصان بدم المسيح. ولكن الذين يخلصون بدم المسيح يمكنهم أن يزيدوا سعادتهم الأبدية بأعمال المحبة وإنكار الذات والطاعة لأوامر الله المذكورة هنا بموجب ما وعد الله به تنازلاً منه تعالى. ولكن إن أنفق الإنسان ماله على الفقراء أو بناء الكنائس متوقعاً بذلك الحصول على معفرة الخطايا والسعادة السماوية خدع نفسه لأن كرمه في ذلك ناشئ عن حب ذاته طمعاً بالمجازاة وهذا يفرق كل الفرق عن كرم المؤمن المصالح لله المغفورة له خطاياه المنفق ماله حباً لله ولأجساد الناس ونفوسهم.
خطاب خصوصي لتيموثاوس في حفظ ما أوصاه به في هذه الرسالة والاحتراس من كل ما حذّره منه ع ٢٠ إلى ٢٢
٢٠ «يَا تِيمُوثَاوُسُ، ٱحْفَظِ ٱلْوَدِيعَةَ، مُعْرِضاً عَنِ ٱلْكَلاَمِ ٱلْبَاطِلِ ٱلدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ ٱلْعِلْمِ ٱلْكَاذِبِ ٱلاسْمِ».
٢تيموثاوس ١: ١٤ وتيطس ١: ٩ ورؤيا ٣: ٣ و١: ٤ و٦ و٤: ٧ و٢تيموثاوس ٢: ١٤ و١٦ و٢٣ وتيطس ١: ١٤ و٣: ٩
لعل الرسول كتب هذا الفصل بيده كعادته في ختم بعض رسائله.
ٱحْفَظِ ٱلْوَدِيعَةَ المذكورة في (ص ١: ١٨) وهي دعوة الله إياه إلى التبشير بالإنجيل. ويصح أن يُقال أن تلك «الوديعة» هي الإنجيل نفسه. وعبّر عنها «بالوصية» في (ع ١٤). و «بالوديعة الصالحة» في (٢تيموثاوس ١: ١٤). وهذه «الوديعة» أخذها تيموثاوس من المسيح أصلاً ومن بولس وبعض المشيخة بوضع أيديهم عليه (١تيموثاوس ٤: ١٤).
وعلى من أخذ الوديعة أن يسلمها لمن هي له لأنها ليست ملكه وأن يؤديها إليه غير ناقصة ولا متغيرة. و «الوديعة» نفسها ثمنية جداً لأنها حق الله المنزل من السماء بواسطة الروح القدس. فيجب على كل مؤمن ولا سيما كل مبشر أن يكون أميناً في حفظ هذه الوديعة وتسليمها بدون تغيّر لمن يخلفونه.
مُعْرِضاً عَنِ ٱلْكَلاَمِ ٱلْبَاطِلِ ٱلدَّنِسِ سبق الكلام على ذلك في (ص ٤: ٧) فارجع إليه وانظر أيضاً (٢تيموثاوس ٢: ١٦). وهذا وصف تعليم المعلمين الكاذبين المذكورين آنفاً في (ع ٤ و٥ وص ١: ٤ و٤: ١). وتجنب «الكلام الباطل» ضروري «كحفظ الوديعة» ووصف «كلامهم بالباطل» يستلزم أنه خال من المنفعة. ووصفه «بالدنس» يشير إلى تأثيره في الذين يقبلونه.
وَمُخَالَفَاتِ ٱلْعِلْمِ ٱلْكَاذِبِ ٱلاسْمِ أي المسائل الجدلية في ما لا طائل تحته والسفسطيات التي أولع بها فلاسفة أولئك العصر ومناطقته وسمّوها علماً وهي ليست بعلم. وادعوا مخالفة بعض الحقائق لبعض كما يدّعي بعض الناس اليوم منافاة بعض الحقائق لبعض كاختيار الإنسان وقضاء الله وقداسة الله ووجود الخطيئة والناموس والإنجيل والإيمان والأعمال. وقيّد ذلك «العلم» «بالكاذب الاسم» إشارة إلى الأضاليل التي أنشأها الغنوسيين (كولوسي ٢: ٨) وأدخلوها في قواعد الدين المسيحي وسموا تعليمهم غنوسياً (γνωσις) أي «علماً» وهو ليس بعلم. فالعلم الحقيقي الروحي من أفضل المواهب التي منحها الروح القدس الكنيسة وأما «العلم الكاذب الاسم» فأضر الكنيسة كثيراً في عصورهاً الأولى. نعم إن تلك الأضاليل لم تبلغ عظمتها إلا في القرن الثاني لكن بولس رأى مبادئها في عصره وحذّر تلميذه منها.
٢١ «ٱلَّذِي إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ زَاغُوا مِنْ جِهَةِ ٱلإِيمَانِ».
ص ١: ٦ و١٩ و٢تيموثاوس ٢: ١٨
ٱلَّذِي إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ أي اعترفوا «بالعلم الكاذب» وهم ممن ادّعوا أنهم مسيحيون أو كانوا ممن اعترفوا بالدين المسيحي ثم تمسكوا بالفلسفة الكاذبة ولم يذكرهم بأسمائهم لأن تيموثاوس كان يعرفهم.
زَاغُوا مِنْ جِهَةِ ٱلإِيمَانِ أي تركوا التعليم الصحيح المتلعق بالمسيح. ومعنى قوله «زاغوا من جهة الإيمان» كمعنى قوله «ضلوا عن الإيمان» (ع ١٠) فباتكالهم على علمهم أخطأوا غرض الإيمان وهذا يشبه قوله «قوم انكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان» (ص ١: ١٩).
أبان الرسول لتيموثاوس خطر الإصغاء إلى التعليم الفاسد والتسليم بمبادئه الأولى وأمره بالإعراض عن كل ذلك وأعلن له وجوب الإيمان بالمسيح مصلوباً. ولم يبين الرسول هل بقي أولئك القوم الذين زاعوا في كنيسة أفسس أو انفصلوا عنها.
٢٢ «اَلنِّعْمَةُ مَعَكَ. آمِينَ».
اَلنِّعْمَةُ مَعَكَ ختم بولس رسالته بالبركة الرسولية. و «النعمة» تشتمل على كل البركات فكل المؤمنين يتوقعونها ويثبتون بها. وهذا الدعاء لتيموثاوس وحده ودعاؤه في الرسالة الثانية كان له ولسائر أعضاء الكنيسة.
السابق |