تيموثاوس الأولى

الرسالة الأولى إلى تيموثاوس | 02 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة الأولى إلى تيموثاوس

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

جل مضمون هذا الأصحاح وصايا تتعلق بالعبادة الجمهورية.

ما يتعلق بتقديم الصلاة (ع ١ – ٨) وفي هذا القسم قال بولس يجب أن تُقام طلبات لأجل كل أنواع الناس الممتازين من جهة المقام والأمة ولا سيما من أجل أرباب المناصب (ع ١ و٢). وعلة ذلك أن الله يريد خلاص الجميع (ع ٣ و٤). وأن الذي خلق الجميع إله واحد ولذلك يعتني بالجميع (ع ٥). وأن الوسيط بين الله والناس واحد وهو كفارة عن الجميع (٦ و٧).

وجوب أن تقدم الصلاة بأيدي طاهرة بلا حقد (ع ٨).

تصرف النساء في الاجتماعات الجمهورية (ع ٩ – ١٥) وفي ذلك قال أنه يجب عليهن الحشمة في السيرة واللبس (ع ٩). وأن زينتهن الفضلى الأعمال الصالحة وأن يتعلمن من غيرهن بروح الوداعة وأن يعتبرن رجالهن الاعتبار اللائق (ع ١٢ – ١٤). وأن لهن حق أن يتوقعن الحماية والمعونة من الله حين ضيقتهن إذا بقين على الإيمان والتقوى.

ما يتعلق بتقديم الصلاة الجمهورية ع ١ إلى ٨

١ «فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ أَنْ تُقَامَ طِلْبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَٱبْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ».

فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ هذا بداءة تفصيل الأمور التي ترك تيموثاوس في أفسس لكي يجريها (ص ١: ٣) وهي التي أشار إليها في (ص ١: ٣ و١٨) وطلب ذلك أول كل شيء لكونه من أهم الواجبات فاعتبره أولى من غيره.

أَنْ تُقَامَ طِلْبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَٱبْتِهَالاَتٌ لعل الفرق بين الطلبات والصلوات والابتهالات أن البركات المطلوبة في الأولى أعمّ من المطلوبة في الثانية وأن الثالثة تشير إلى لجاجة المصلي. ووجوب تقديم الصلاة مبني على ما أعلنه الله في كتابه وهو أنه يجب أن يقترب الناس إليه بالصلاة ويبسطوا ما يحتاجون إليه أمامه. فتقديم الصلاة يمجد الله وينفع المصلي. والصلاة هي الوسيلة التي عيّنها الله لنا لنيل ما نرغب فيه من البركات.

وَتَشَكُّرَاتٌ يظهر من ذلك وجوب أن لا تخلو صلواتنا من الإقرار بالمراحم الماضية. ولعل تقديم الشكر هو الجزء الأعظم من عبادة القديسين في السماء لأنهم لا يعلمون عظمة ما عليهم للرب إلا بعد دخولهم السماء. فعلينا أن نشكر الله من أجل مراحمه لنا ولغيرنا فلا حق لنا أن نتوقع منه مراحم جديدة إذا لم نشكره على المراحم الماضية.

لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ لا لأجل المؤمنين وحدهم فيجب أن نصلي من أجل اليهود وكل أمم الأرض المختلفين في الدين واللسان واللون والتمدن عبيداً وأحراراً أصدقاء وأعداء. وليس من ديانة سوى الديانة المسيحية توجب المحبة لجميع الناس وطلب نفع الجميع بأحسن الوسائل وهي الطلب من مصدر كل الخيرات لكل الناس حاجات عامة وخاصة زمنية وروحية لذلك يجب أن نطلبها لهم.

٢ «لأَجْلِ ٱلْمُلُوكِ وَجَمِيعِ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ».

عزرا ٦: ١٠ وإرميا ٢٩: ٧ رومية ١٣: ١

لأَجْلِ ٱلْمُلُوكِ وَجَمِيعِ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ هذا تفصيل لقوله «جميع الناس» وقوله هنا يطلق على الأمبراطور الروماني يومئذ وولاة جميع البلاد التي تحت حكمه. فنفس الملك ليست عند الله أثمن من نفس العبد فلا نصلي من أجل الملك خاصة باعتبار أن نفسه أعظم من نفس من دونه بل لأن سعادة كثير من الناس متوقفة على سلوكه فيمكنه أن ينشئ خيراً عظيماً إذا كان عادلاً حكيماً وان ينشئ شراً كثيراً إذا كان ظالماً جاهلاً ولأنه عليه مسؤولية خطيرة وتجارب كثيرة فيحتاج إلى أن نصلي من أجله وهذا على وفق قول الكتاب «إن قلوب الملوك في يد الله» (أمثال ٢١: ١ وما قيل في رومية ١٣: ١) وتجب الصلاة من أجل الملوك والحكام في العبادة الجمهورية فإنه يبين بذلك فضلاً عن توقع إجابة الصلاة أن المؤمنين ليسوا بعاصين للملك كما كان اعداؤهم يفترون عليهم. أمر الله اليهود بالصلاة من أجل ملوكهم الوثنيين (إرميا ٢٩: ٧ وعزرا ٦: ١٠). قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن إحدى علل إثارة الرومانيين الحرب على اليهود فنشوء خراب أورشليم عنها وإبطال الذبائح في الهيكل هي إبطال تقديم الذبائح في الهيكل من أجل القيصر الروماني وكان الآمر بتقديمها أوغسطس قيصر وقام به اليهود سنين كثيرة. إن صلاة المسيحيين اليومية وقَتهم من التفكر في عصيان الملوك. وكانت كتابة هذه الرسالة قبل إثارة الرومانيين تلك الحرب بنحو أربع سنين أو خمس فلم يشترك فيها أحد من المسيحيين ولعل سبب ذلك تأثير تعليم بولس وسائر الرسل الخضوع للملوك. وكان على مؤمني أفسس أن يصلوا من أجل الملوك لأن راحتهم كانت متوقفة على عمل نيرون كما كانت متوقفة على تصرف كاتب المدينة يوم سجس ديمتريوس (أعمال ١٩: ٣١ و٣٤). وكما كانت راحة كنيسة فيلبي متوقفة على تصرف ولاتها (أعمال ١٦: ٢٣). وراحة مؤمني كورنثوس على تصرف غاليون الوالي (أعمال ١٨: ١٧). وراحة بولس على تصرف فيلكس وفستس (أعمال ٢٤: ٢٧).

لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً هذه إحدى غايات الصلاة من أجل الملوك وهي أن يميل الله قلوبهم إلى أن يمنحوا الحرية لكل إنسان في عبادة الله ويحموه من الظلم والاضطهاد. والاطمئنان فضلاً عن انه بركة في ذاته يجعل لهم فرصة للعناية بأمور النفس والسعي في نفع غيرهم روحياً.

فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ العيشة على هذه السنن كانت مبتغى المسيحيين فلم يرغبوا في إكليل الاستشهاد لكي ينالوا به السماء بل طلبوا أن يمجدوا الله بحياتهم على مقتضى الشريعة الإلهية والاجتهاد في مراعاة حقوق إخوتهم البشر.

٣ «لأَنَّ هٰذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ».

رومية ١٢: ٢ وص ٥: ٤ ص ١: ١ و٢تيموثاوس ١: ٩

لأَنَّ هٰذَا حَسَنٌ أي تقديم الطلبات لأجل جميع الناس وهذا علة ثانية لتقديم ذلك وهي أنه لائق في ذاته ويستحسنه الضمير الصالح والعقل السليم.

وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ أي أن الله يريد ذلك وهو موافق لقصده. ودعا الله هنا «مخلصاً» كما دعاه كذلك في (ص ١: ١) تمهيداً لما قاله في الآية التالية في شأن رحمة الله الفائقة.

٤ «ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ».

حزقيال ١٨: ٢٣ ويوحنا ٣: ١٦ و١٧ وتيطس ٢: ١١ و٢بطرس ٣: ٩ ويوحنا ١٧: ٣ و٢تيموثاوس ٢: ٢٥

ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ فيجب على المؤمن أن يريد ما يريده الله فإذاً يجب أن نصلي من أجل إتمام إرادته. وأتى بولس بهذا برهاناً على أن تقديم الصلاة مقبول لديه تعالى وهو أنه يريد خلاص الجميع فيريد استعمال الوسائط المؤدية إلى خلاصهم ومن تلك الوسائط صلوات شعب الله فلو لم يشإ الله خلاص الناس لم يكن لطلب خلاصهم من نفع. ولأنه أحب خلاص الجميع بذل ابنه عن الجميع (يوحنا ٣: ١٦). ولذلك دعا كل الناس إليه ليأتوا ويخلصوا (رومية ٨: ٣٢) وحثهم على ذلك بقوله «حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال ٣٣: ١١). وقد أعد لهم الخلاص (ص ٤: ١٠ وتيطس ٢: ١١). ورتب الوسائل إلى نيله وهي التوبة والإيمان بيسوع المسيح. فإذن لا يهلك أحد لأن الله يريد هلاكه ولا لأن ذبيحة المسيح غير كافية لفداء الجميع بل لأن الإنسان يرفض الخلاص الذي عُرض عليه مجاناً في الإنجيل بدليل قول المسيح «هٰذِهِ هِيَ ٱلدَّيْنُونَةُ: إِنَّ ٱلنُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ ٱلظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ» (يوحنا ٣: ١٩). وقوله «لاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ» (يوحنا ٥: ٤٠).

وإرادة الله خلاص جميع الناس لا تستلزم خلاص الجميع بلا استثناء وبدون اتخاذ الوسائل المعينة كما أن إرادته سعادة جميع الناس لم تستلزم أن يكون الجميع سعداء. وكذلك يريد قداسة الكل ولكن ذلك لم يستلزم أن يكون الجميع قديسين. فإرادته هنا ليست كإرادته خلق العالم ولو كانت كذلك لقال يريد أن يخلص الجميع ولكن قال بدل ذلك «يريد أن جميع الناس يخلصون» وهذا يدل على وجوب أن تكون إرادة الإنسان موافقة لإرادة الله في نيل الخلاص.

وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ أراد الله ذلك لأنه واسطة الخلاص. وهذا الإقبال يدل على عمل الإنسان الاختياري لا الإجباري. و «الحق» المقصود هنا هو الذي أعلنه الإنجيل وهو «الحق في يسوع» (أفسس ٤: ٢١). و «المعرفة» التي يريدها الله ليست عقلية بل اختبارية أيضاً وهي التي أبانها المسيح بقوله «هٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» وقوله «قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ» (يوحنا ١٧: ٣ و١٧).

٥ «لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلٰهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ».

رومية ٣: ٢٩ و٣٠ و١٠: ١٢ وغلاطية ٣: ٢٠ وعبرانيين ٨: ٦ و٩: ١٥

لأَنَّهُ الذي في هذه الآية دليل على أنه حسن لدى الله أن نصلي من أجل الجميع وأنه تعالى يريد خلاص الجميع.

إِلٰهٌ وَاحِدٌ كما جاء في (إشعياء ٤٥: ٢٢ وغلاطية ٣: ٢٠) فالله واحد في جوهره وفي مقاصده من جهة جميع الناس ولهذا عمّت نعمته كل البشر لأنهم خلقه جميعاً ويؤيد ذلك قول الرسول «صَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ ٱلنَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ ٱلأَرْضِ» (أعمال ١٧: ٢٦). وقوله «أَمِ ٱللّٰهُ لِلْيَهُودِ فَقَطْ؟ أَلَيْسَ لِلأُمَمِ أَيْضاً؟ بَلَى لِلأُمَمِ أَيْضاً؟ لأَنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ، هُوَ ٱلَّذِي سَيُبَرِّرُ ٱلْخِتَانَ بِٱلإِيمَانِ وَٱلْغُرْلَةَ بِٱلإِيمَانِ» (رومية ٣: ٢٩ و٣٠). ويعتني بالكل اعتناء واحد وهذا الإله هو مخلص (ع ٣) فيشاء خلاص الجميع (ع ٤) وكونه واحداً يؤكد أنه لا يتغير (يعقوب ١: ١٧). وقصده الذي لا يتغير يستلزم إظهار محبته لكل المخلوقات العاقلة فإذاً يجب أن نصلي لله من أجل جيمع الناس لكي يخلصوا فلا يحق لمن يدّعي أنه مسيحي أن لا يبالي بهلاك الوثنيين أو خلاصهم.

وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ لا تكون للإنسان الساقط تعزية واطمئنان بمعرفته إن الله واحد ما لم يعرف بوجود وسيط بين الخاطئ والله القدوس. وغاية الرسول من وحدانية الوسيط كغايته من وحدانية الله لأن ذلك يستلزم أنه وسيط كل الجنس البشري لا وسيط بعض الناس دون بعض. وتعيين الله المسيح وسيطاً يستلزم أنه يعتني بالجميع وأنه يريد خلاص الجميع وأنه يجب أن نصلي من أجل الجميع.

وما قيل هنا في وحدانية الله قيل في وحدانية الوسيط فليس لنا حق أن نعتقد وجود وسطاء كثيرين أكثر مما لنا حق أن نعتقد وجود آلهة كثيرين. إن اتخاذ المخلوقات وسطاء وطلب شفاعتهم إهانة للوسيط الوحيد وإنكار لحقوقه فالذين لا يقبلون الشفيع الذي عيّنه الله لا حق لهم أن يتوقعوا أن يقبلهم.

ٱلإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ الذي هو إنسان تام نفساً وجسداً وغاية الرسول من هذه العبارة بيان أن المسيح شفيع الجنس البشري كله لأنه اتخذ الطبيعة التي لك وصار نائب الجنس كله فهو آدم الثاني (رومية ٣: ٢٩ وأفسس ٤: ٥ و٦ وعبرانيين ٨: ٦ و٩: ١٥ و١٢: ٢٤).

وقوله أن المسيح إنسان لا يستلزم أنه إنسان فقط كسائر البشر ونفي لاهوته كما أن القول بأنه إله لا ينفي إنه إنسان أيضاً فإنه دُعي إلهاً في (ص ٣: ١٦ ويوحنا ١: ١ و٢٠: ٢٨ ورومية ٩: ٥ و١يوحنا ٥: ٢٠ وعبرانيين ١: ٨). ولو كان إنساناً فقط لم يكن من داع هنا إلى القول بأنه إنسان لأن هذا لم يُقل في الكتاب المقدس على بولس وغيره من الرسل. وكونه وسيطاً بين الله والناس يستلزم أن يكون له طبيعة كل منهما فيجب أن يكون إنساناً لينوب عن الناس ويموت فداء عنهم (رومية ٥: ١٥ و١كورنثوس ٥: ٦ و٢كورنثوس ٥: ١٩ وكولوسي ٢: ١٤). ويجب أن يكون إلهاً لكي تكون شفاعته ذات قيمة عند الله الآب. ولم يصرّح بولس بلاهوت المسيح هنا لأن غايته ليست سوى بيان أن المسيح كان إنساناً اتخذ الطبيعة البشرية ليحسن أن يكون شفيعاً في كل الذين هم شركاء تلك الطبيعة (عبرانيين ٢: ١٦ – ١٨).

٦ «ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ، ٱلشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا ٱلْخَاصَّةِ».

متّى ٢٠: ٢٨ ومرقس ١٠: ٤٥ وأفسس ١: ٧ وتيطس ٢: ١٤ و١كورنثوس ١: ٦ و٢تسالونيكي ١: ١٠ و٢تيموثاوس ١: ٨ رومية ٥: ٦ وغلاطية ٤: ٤ وأفسس ١: ٩ و٣: ٥ وتيطس ١: ٣

ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ بذله نفسه لأجل الجميع برهان على أن الخلاص معد للجميع وعلى وجوب أن يصلي المؤمنين من أجل الجميع. وهذا البذل يتضمن كل ما فعل المسيح من إنكار ذاته لفداء البشر الذي من أعظم ما فيه موت المسيح كما جاء في (فيلبي ٢: ٥ – ٨ وتيطس ٢: ١٤). وبذل المسيح نفسه علاوة على بذل الله إياه (يوحنا ٣: ١٦). وبذل نفسه تبرعاً شرط ضروري لكون فدائه مقبولاً وهو على وفق قوله «أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ» (متّى ٢٠: ٢٨). والمراد «بالفدية» موته على الصليب بدل موت الخطأة الأبدي (أفسس ١: ٩ و١بطرس ١: ١٨ و١٩). فثمن فداء الجنس البشري من الهلاك الأبدي الذي أوجب عليه لخطاياه هو موت المسيح ولا يكفي لفدائه أقل من هذا الثمن وهو كافٍ لفداء كل البشر بالنظر إلى قيمة الذبيحة التي قدمها لأنه هو إله كما أنه إنسان.

ٱلشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا ٱلْخَاصَّةِ الشهادة خبر لمبتدإ محذوف تقديره كون ما سبق من أن «الله يريد خلاص الجميع» (ع ٤) وأن المسيح بذل نفسه فدية لأجل الجميع (ع ٦). فكأنه قال أن ما سبق هو الشهادة الخ. ولا يمكن الله يثبت إرادته خلاص الناس بشهادة أكمل من أن يبذل ابنه للموت. و «الأوقات الخاصة» المذكورة هنا ذُكرت في (ص ٦: ١٥ وتيطس ١: ٣) وهي الأوقات المعيّنة في قضاء الله لإتيان المسيح إلى العالم وموته مهاناً متألماً. وللمناداة بالبشرى بأن الله يريد خلاص البشر. وأن هذا الخلاص ليس لليهود وحدهم بل لجميع الناس. وتلك الأوقات هي أخصّ أوقات التبشير بالإنجيل الذي ابتدأ بمناداة يوحنا المعمدان ثم بمناداة المسيح نفسه ومعموديته ثم بمناداة الرسل بتثبيت الروح القدس ليجعلها مؤثرة (انظر رومية ٥: ٦ وغلاطية ٤: ٤ وتفسير ذلك).

٧ «ٱلَّتِي جُعِلْتُ أَنَا لَهَا كَارِزاً وَرَسُولاً. اَلْحَقَّ أَقُولُ فِي ٱلْمَسِيحِ وَلاَ أَكْذِبُ، مُعَلِّماً لِلأُمَمِ فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْحَقِّ».

أفسس ٣: ٧ و٨ و٢تيموثاوس ١: ١١ ورومية ٩: ١ ورومية ١١: ١٣ و١٥: ١٦ وغلاطية ١: ١٦

ٱلَّتِي جُعِلْتُ أَنَا لَهَا كَارِزاً أي للمناداة بتلك الشهادة. وهي المذكورة في (ع ٦). و «الكارز» هنا من الكرازة ومعناها مرّ في تفسير (١كورنثوس ١: ٢١ و٢كورنثوس ٥: ٢٠) وستأتي في (٢تيموثاوس ١: ١١ وتيطس ١: ٣).

وَرَسُولاً كما في (رومية ١: ١ وغلاطية ٢: ٩).

اَلْحَقَّ أَقُولُ فِي ٱلْمَسِيحِ وَلاَ أَكْذِبُ هذا نوع من القسم أتى به الرسول إثباتاً لما قاله كما أتى في (رومية ٩: ١ وغلاطية ١: ٢٠) فارجع إلى التفسير. ولعله أتى بهذا القسم لأن بعض من في أفسس أنكر رسوليته.

مُعَلِّماً لِلأُمَمِ هذا هو العمل الذي عُيّن بولس له خاصة كما بُيّن في (أعمال ٩: ١٥ و٢٢: ٢١ و٢٦: ١٧ ورومية ١١: ١٣ وغلاطية ٢: ٧).

فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْحَقِّ هذا تفسير لموضوع تعليمه للأمم أي وجوب الإيمان بالرب يسوع المسيح وقبول الحق المعلن بالإنجيل. ولا ريب في أن إيمان بولس القلبي بالمسيح جعله أهلاً للشهادة له.

وجوب أن تّقدم الصلاة بأيدي طاهرة بلا حقد ع ٨

٨ «فَأُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ ٱلرِّجَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ رَافِعِينَ أَيَادِيَ طَاهِرَةً، بِدُونِ غَضَبٍ وَلاَ جِدَالٍ».

ملاخي ١: ١١ ويوحنا ٤: ٢١ مزمور ١٣٤: ٢ وإشعياء ١: ١٥

فَأُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ رجع هنا إلى موضوع كلامه في (ع ١ – ٣) بعد الكلام المعترض من (ع ٤ – ٧).

ٱلرِّجَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ اجتمع فيه كثيرون أم قليلون. القرينة تدل أن الصلاة هنا شفاهية في محافل المؤمنين لا الصلاة السرية وفي العبارة بيان أنه على من تكون المسؤولية في تقديم تلك الصلاة. وقوله «كذلك أن النساء» في الآية التالية دليل على أنه أراد «بالرجال» ذكور الناس لا الناس كلهم إذ لم يريد أن يرفع النساء أصواتهن بالصلاة في كنيسة أفسس في اجتماع الرجال والنساء معاً. ففي مجمع اليهود لم يكنن مأذوناً للنساء أن يتكلمن فأراد أن يجري المسيحيون في ذلك مجرى اليهود. ونفهم من قوله «يصلي الرجال» أن الصلاة الجهرية غير مقصورة على رعاة الكنيسة وشيوخها دون غيرهم من المؤمنين فيها. والمراد «بكل مكان» المواضع الموافقة للصلاة وما تدعو الأحوال إلى الصلاة فيها. وهو يذكرنا قول المسيح للمرأة السامرية «يَا ٱمْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هٰذَا ٱلْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ… وَلٰكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ ٱلسَّاجِدُونَ ٱلْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِٱلرُّوحِ وَٱلْحَقِّ» (يوحنا ٤: ٢١ و٢٣).

رَافِعِينَ أَيَادِيَ طَاهِرَةً اعتاد القدماء رفع الأيدي عند القسم ومنح البركة والصلاة (خروج ٩: ٢٩ و٣٣ و١ملوك ٨: ٢٢ و٢أيام ٦: ١٢ و١٣ ومزمور ٢٨: ٢ و٦٣: ٥ و٦٨: ٣١ وإشعياء ١: ١٥). والمرجّح أن تلك العادة كانت جارية يومئذ في كورنثوس ولا تزال جارية عند أكثر المسيحيين. والمراد «بالأيدي الطاهرة» هي التي لم تتدنس بالخطيئة أي بممارسة الأعمال الشريرة وهذا على وفق قول المرنم «مَنْ يَصْعَدُ إِلَى جَبَلِ ٱلرَّبِّ… اَلطَّاهِرُ ٱلْيَدَيْنِ، وَٱلنَّقِيُّ ٱلْقَلْبِ» (مزمور ٢٤: ٣ و٤ انظر أيضاً مزمور ٢٦: ٦). وقول يعقوب الرسول «نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا ٱلْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي ٱلرَّأْيَيْنِ» (يعقوب ٤: ٨).

بِدُونِ غَضَبٍ وَلاَ جِدَالٍ في المواضيع الدينية والخصومات الشخصية. ونستنتج من هذا أنه كان في اجتماعات الكنيسة بعض القلق أو أن الرسول خاف أن يحدث ذلك فيها. ولنا منه أنه على الإنسان إذا أراد الصلاة المقبولة أن يكون قلبه خالياً من عوامل الغضب وتهيّجات الجدال سريّة كانت صلاته أم جهرية (فيلبي ٢: ١٤). وشرط الصلاة المقبولة هنا كالشرط الذي أبانه يسوع في تقديم الذبيحة المقبولة بقوله «فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئاً عَلَيْكَ، فَٱتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ ٱلْمَذْبَحِ، وَٱذْهَبْ أَوَّلاً ٱصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ» (متّى ٥: ٢٣ و٢٤).

تصرّف النساء في الاجتماعات الجمهورية ع ٩ إلى ١٥

٩ «وَكَذٰلِكَ أَنَّ ٱلنِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ ٱلْحِشْمَةِ مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّلٍ، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ ٱلثَّمَنِ».

١بطرس ٣: ٣

كَذٰلِكَ أَنَّ ٱلنِّسَاءَ قوله «كذلك» يدل على أنه أراد بالرجال في الآية الثامنة الذكور وما قاله هنا في النساء قاله في أمر تصرفهنّ وزيهنّ وهنّ في اجتماعات العبادة الجمهورية وأكثره مناسب لهنّ في كل الأحوال.

يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ ٱلْحِشْمَةِ أي اللباس الذي يدل على الحشمة فكان اللائق بمحل العبادة أن لا يتحلى النساء بما يدل على كونهنّ معجبات بأنفسهن أو بجلب نظر الناس إليهنّ ويحوّلها عن العبادة الواجبة لله. ويظهر من هذا أن الرسول ذكر حضورهنّ الصلاة الجمهورية مسلماً أنه لا بد منه وأن عليهنّ أن يظهرن احترامهنّ لله ولعبادته بإصغائهنّ وسكونهنّ وبنظافة أثوابهنّ وترتيبها والتواضع وتجنب كل حلي يمنع لابسته والناظر عليها من العبادة الروحية. و «الحشمة» تشير إلى وجوب أن تكون أثواب المرأة مناسبة لمقامها ومحلها.

مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّلٍ نستنتج من ذلك أن بعض نساء أفسس كنّ يأتين الكنيسة بالثياب الفاخرة لأن بعضهنّ كنّ غنيّات كما يظهر من (ص ٦: ١٧). وأراد الرسول أن تكون ثياب المؤمنات لائقة بفضائل قلوبهنّ بأن تدل على إنكار الذات وعلى الطهارة والروحانية.

لاَ بِضَفَائِرَ هذا كقول بطرس في (١بطرس ٣: ٣).

أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ ظن بعضهم أن غنيّات أفسس كنّ يحلينّ بمصوغ الذهب ومنظوم اللؤلؤ شعورهنّ وببعض ذلك جباههنّ وأعناقهنّ وآذانهنّ ومعاصمهنّ بناء على ما اكتُشف حديثاً من تماثيل نساء تلك العصور فإن هذه التماثيل دلت على أن النساء كن يألفنّ التأنق في الملبوسات.

أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ ٱلثَّمَنِ لكثرة قيمة موادها أو طول الزمن وكثرة التعب اللذين تقتضيهما صنعها وزخرفتها.

طلب بولس من نساء كورنثوس ما لم يطلبه من نساء أفسس أن يكون ملبوسهنّ في الكنيسة بحشمة بالنظر إلى وجود «الملائكة» (١كورنثوس ١١: ١٠).

١٠ «بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى ٱللّٰهِ بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ».

أفسس ٢: ١٠ وتيطس ٢: ١٤ و٣: ٨ و١بطرس ٣: ٤

كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى ٱللّٰهِ هذا وصف للمرأة المؤمنة يظهر منه ما يوجب عليها الإيمان بالمسيح والتعهد له من ممارسة أفضل أنواع التقوى اللائق بحضورها أمام الله لكي تحصل على رضاه. وأن النساء المؤمنات يجب أن يمتزن عن نساء العالم بعدم اتكالهنّ على الزنية الخارجية لتحسين هيآتهنّ والافتخار بها.

بِأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ هذه هي الحلى اللائقة بالمؤمنات ومنها الإحسان إلى الفقراء والمصابين والمرضى والجهلاء كطابيثا اليافيّة التي شُهد لها بأنها «كَانَتْ مُمْتَلِئَةً أَعْمَالاً صَالِحَةً وَإِحْسَانَاتٍ كَانَتْ تَعْمَلُهَا» (أعمال ٩: ٣٦). وقال الرسول كما «يليق الخ» لأن الله وهب للمرأة لينا فتميل إلى الشفقة على المتألمين ومساعدتهم خلافاً للرجال فإنه يليق بهم الشجاعة والتعرّض للأخطار والمصاعب.

١١ «لِتَتَعَلَّمِ ٱلْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ».

لِتَتَعَلَّمِ ٱلْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ أي لتكتف بسمع الكلام في الاجتماعات الجمهورية ولا تتعرض للتعليم. ومعنى «تتعلم» كما في (١كورنثوس ١٤: ٣٤ انظر التفسير هناك). وفي رسالته إلى كنيسة كورنثوس نهى النساء عن السؤال عن المشاكل الدينية في الكنيسة (١كورنثوس ١٤: ٣٥).

فِي كُلِّ خُضُوعٍ لم يتكلم هنا في خضوع النساء لأزواجهن بل في الخضوع الذي تظهره بالسكوت في الاجتماعات الجمهورية فإن تكلم الرجال في الاجتماعات العامة يدل على السلطة (ع ١٤).

ولا شيء في هذا الكلام يدل على أنه لا يليق بالمرأة المتعلمة أن تعلّم النساء الجاهلات أو أن تصلي جهاراً في الاجتماعات النسائية فإن ذلك كان مما يجب على الشماسات فإنه كان عليهنّ أن يعلمنّ الجاهلات.

١٢ «وَلٰكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى ٱلرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ».

١كورنثوس ١٤: ٣٤ و٣٥، و١كورنثوس ١١: ٣ وأفسس ٥: ٢٤

لٰكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ كلام الرسول هنا مقصور على الوعظ في الاجتماعات المختلطة من الرجال والنساء.

وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى ٱلرَّجُلِ هذا التسلط لازم قيامها مقام الواعظ أو المعلم في الكنيسة. والمراد «بالرجل» هنا الجنس لا بعلها بخصوصه. اعتبر بولس النساء مساوية للرجال في الشركة في كل حقوق المسيح وأمجاده وأنها كالرجل في كونها مكلفة بالسعي في نشر ملكوت الله في العالم لكنه اعتبر دائرة أعمالها مختلفة عن دائرة أعمال الرجل. وأن أكثر خدمتها للمسيح يجب أن تقوم به في بيتها بتربية أولادها وتعليم الجاهلات من النساء فلم تكلف بخدمة العالم في الأسواق والمنابر. وبنى هذا الرأي بإلهام الروح على تاريخ الخليقة وما نشأ من حوادث السقوط المذكورة في الكتاب المقدس.

١٣ «لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ».

تكوين ١: ٢٧ و٢: ١٨ و٢٢ و١كورنثوس ١١: ٨ و٩

لأَنَّ آدَمَ أثبت ما قاله في الرجال عموماً بمثل آدم فما صدق على آدم في ذلك يصدق على كل الرجال وكذلك ما قاله في حواء يصدق على كل النساء.

جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ هذا على وقف ما جاء في (تكوين ٢: ٧). أثبت بولس أفضلية الرجل بسبق خلقه خلق المرأة وما أعلن من أحوال خلقها مثل أنها أُخذت من جنب المرء وأُعطيت له لتكون معنية له لا متسلطة عليه فالرجل لم يُخلق لأجل المرأة بل المرأة خُلقت لأجل الرجل (١كورنثوس ١١: ٩).

١٤ «وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ لٰكِنَّ ٱلْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي ٱلتَّعَدِّي».

تكوين ٣: ٦ و٢كورنثوس ١١: ٣

اتخذ بولس كون المرأة خُلقت بعد الرجل علة أن لا تتسلط على الرجل (ع ١٣) واتخذ سبقها إياه إلى الغواية علة أن لا تكون معلمة للجمهور.

 آدَمُ لَمْ يُغْوَ لٰكِنَّ ٱلْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ قيل في الكتاب أن «الحيّة غرّت المرأة» (تكوين ٣: ١٣) ولم يقل فيه أنها غرّت آدم بل قيل أنه «سمع لقول امرأته» (تكوين ٣: ١٧). إن كليهما أخطأ فحواء أخطأت بأن خُدعت بجودة منظر الثمرة واحتيال الحية وصدقت قول الشيطان أن أكل الثمرة يجعلها حكيمة وأن عصيانها لا يجلب عليها الموت. وآدم أخطأ وهو عالم أنه عصى الله بما أتاه. اتخذ بولس قبول حواء الانخداع صفة لكل امرأة إثباتاً لضعفها وعدم أهليتها أن تكون رأس الجنس البشري ومعلمته. لم يطمع الشيطان في أن يغوي آدم رأساً بالتجربة فعمد إلى إغواء امرأته لتكون مساعدة له.

حَصَلَتْ فِي ٱلتَّعَدِّي أي سبقت آدم إلى عصيان الله. لم ينكر بولس أن آدم تعدى أيضاً بل اعتبر إصغاء حواء للمجرّب وانخداعها به على سقوط زوجها فوجب عليها أن تكون خاضعة لرجلها.

ذُكر في تاريخ التجربة الأولى أن القصاص المخصوص الذي أوجبه الله على المرأة لاشتراكها في التعدي هو أنها «بالوجع تلد أولادها» (تكوين ٣: ١٦). علم بولس أنه من ذكر كون المرأة عصت أولاً يذكر القارئ القصاص الذي أوجبه الله عليها لذلك فختم كلامه الذي لا يخلو من أن يظهر أنه قساوة على المرأة بكلمات التعزية والوعد لئلا تُعتبر أنها مهانة ومتروكة.

١٥ «وَلٰكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ ٱلأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ وَٱلْقَدَاسَةِ مَعَ ٱلتَّعَقُّلِ».

تكوين ٣: ١٦ و١كورنثوس ٣: ١٥

لٰكِنَّهَا أي مع كل ما ذُكر من خطإ المرأة والإشارة إلى قصاصها.

سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ ٱلأَوْلاَدِ إن الله حوّل اللعنة التي أوجبها على آدم إلى بركة له وكذلك جعل قصاص المرأة متوقف على ولادة الأولاد كأنها علته لأن ذلك يمنع من خلاص العاقر ويثبت أن كثيرة الأولاد أحق بالخلاص من غيرها فإن كلامه كان في مؤمنات أفسس كما يتبين من قوله «إن ثبتن في الإيمان الخ» بل المعنى التأكيد للمرأة المساعدة الإلهية في ساعة مصابها الجسدي وتألمها وأنها لا تكون تحسب أن الله تركها حينئذ بل تنظر إليه محباً ومعيناً. وإن لم تكن لها مشاركة في تعليم الجمهور فلها مشاركة في خلاص المسيح بإتمامها الواجبات التي وضعها الله عليها في بيتها. وولادتها للأولاد تشتمل على تربيتها إياهم كما يليق بالأم المسيحية (ص ٥: ١٤). وفي هذا بيان أن الرسول مع اعتباره اختلاف دائرة واجبات المرأة المؤمنة عن واجبات الرجل المؤمن اعتبر شرط خلاصها بالمسيح كشرط خلاص الرجل به وهو إتمام الواجبات التي أوجبها الله عليها. وأول تلك الواجبات ما يجب على الوالدة المسيحية لأولادها.

ذهب بعضهم أن «الولادة» هنا تشير إلى كون المسيح «نسل المرأة» وأن المعنى هنا تخلص المرأة بأن المسيح يولد من امرأة ولكن لا دليل على أن ذلك هو المقصود. ولا برهان على أن مريم خلصت بكونها أم المسيح وأن غيرها من النساء خلص بذلك لأن الرجل ينتفع بتجسد المسيح كما تنتفع به المرأة.

إِنْ ثَبَتْنَ فِي ٱلإِيمَانِ هذا دليل قاطع على أن بولس يتكلم في النساء المؤمنات. والثبوت في الإيمان شرط لخلاص النساء كما أنه شرط لخلاص كل المؤمنين (متّى ٢٤: ١٣). و «الإيمان» هنا هو الإيمان بالمسيح مخلصاً وبصدق الله في وعده للمتكلين عليه.

وَٱلْمَحَبَّةِ (١كورنثوس ص ١٣ ولوقا ٧: ٣٧ – ٤٨).

وَٱلْقَدَاسَةِ (رومية ٦: ٢٢ و١تسالونيكي ٤: ٣ و٤).

مَعَ ٱلتَّعَقُّلِ أي ضبط النفس والتصرّف بين الناس كما يليق بالمسيحيّات على وفق تعليم الرسول هنا في واجبات النساء.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى