رسالة بطرس الأولى | 05 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح رسالة بطرس الأولى
للدكتور . وليم إدي
الأصحاح الخامس
مضمون هذا الأصحاح
طلب الرسول من قسوس الكنائس أن يكونوا أمناء في القيام بما يجب عليهم لرعاياهم (ع ١ – ٤). وطلبه من أعضاء الكنيسة الذين هم أصغر من القسوس أن يكرموا الشيوخ ويطيعوهم حسناً وأن يتضعوا ويلقوا كل همومهم على الله (ع ٥ – ٧). وطلبه من الجميع أن يصحوا ويسهروا نظراً إلى ما يحيط بهم من الأخطار وحيَل عدوهم الشيطان وقوته وأن يحتملوا بالصبر ضيقاتهم التي هي كضيقات إخوتهم في العالم (ع ٨ – ١١) خاتمة الرسالة (ع ١٢ – ١٤).
حث الرسول على الأمانة في الخدمة ع ١ إلى ٤
١ « أَطْلُبُ إِلَى ٱلشُّيُوخِ ٱلَّذِينَ بَيْنَكُمْ، أَنَا ٱلشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ، وَٱلشَّاهِدَ لآلاَمِ ٱلْمَسِيحِ، وَشَرِيكَ ٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ».
أعمال ١١: ٣٠ و٢يوحنا ١ و٣يوحنا ١ ولوقا ٢٤: ٤٨ وعبرانيين ١٢: ١ وص ١: ٥ و٧ و٤: ١٣ ورؤيا ١: ٩
أَطْلُبُ لم يأمرهم بطرس مع أن له حق ذلك لكونه رسولاً بل خاطبهم بلطف وحلم.
إِلَى ٱلشُّيُوخِ أي القسوس أو الأساقفة. وهم يمتازون غالباً في الكنيسة بالسن والمقام (انظر تفسير أعمال ١١: ٣٠ و١٤: ٢٣ و١٥: ٢).
أَنَا ٱلشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ لم يبن طلبه على كونه رسولاً ولم يدّع أنه نائب المسيح على الأرض أو رأس الكنيسة كما ادّعى بعض التقليديين على كونه شيخاً مثلهم.
وَٱلشَّاهِدَ لآلاَمِ ٱلْمَسِيحِ كان شاهد عين في القبض على المسيح ومحاكمته والحكم عليه كما يظهر من البشائر ويتحقق من كلامه هنا. وذكر ذلك رغبة في أن يزيد تأثير كلامه في قلوبهم وأن يحملهم على أن يمثلوا آلام المسيح كأنها أمامهم بناء على شهادته العيانية وبذلك يزيد حبهم وشكرهم وأمانتهم له فلا يستغربون أن يتألموا كما تألم «رَسُولَ ٱعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ» (عبرانيين ٣: ١).
وَشَرِيكَ ٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ اعتبر بطرس الشركة في آلام المسيح مقترنة بالشركة في مجده. ووصف بولس هذا المجد بقوله «إِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ ٱلزَّمَانِ ٱلْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا» (رومية ٨: ١٨). وقوله «مَتَى أُظْهِرَ ٱلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي ٱلْمَجْدِ» (كولوسي ٣: ٤). ووصفه يوحنا بقوله «أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، ٱلآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ ٱللّٰهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلٰكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ» (١يوحنا ٣: ٢). واعتبرهم رفقاءه في الإيمان والخدمة والآلام وورثة معه في المجد العتيد أن يُعلن بمجيء المسيح ثانية.
٢ «ٱرْعَوْا رَعِيَّةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّاراً، لاَ عَنِ ٱضْطِرَارٍ بَلْ بِٱلاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ».
يوحنا ٢١: ١٦ وأعمال ٢٠: ٢٨ وفليمون ١٤ و١تيموثاوس ٣: ٨
ٱرْعَوْا رَعِيَّةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ عبّر بقوله «ارعوا» عن كل ما يجب على الراعي لرعيته من حماية وسياسة وإرشاد. والمرجّح أنه ذكر حينئذ قول المسيح ثلاث مرات له «ارع الخ» وهو على شاطئ بحر طبرية (يوحنا ٢١: ١٥ – ١٧). وهذا مثل قول بولس لشيوخ أفسس «اِحْتَرِزُوا إِذاً لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ ٱلرَّعِيَّةِ ٱلَّتِي أَقَامَكُمُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال ٢٠: ٢٨). وعبّر بقوله «رعية الله» الخ عن كل كنائس أسيا إذ اعتبرها رعية واحدة وأنها ليست رعية الأساقفة حقيقة بل رعية خالقها. والمسيح لم يقل لبطرس ارع غنمك أو الغنم بل «ارع غنمي» «ارع خرافي».
نُظَّاراً أي يجب أن ترعوا بالنظر إلى كونكم أساقفة كما يجب أن ترعوا باعتبار كونكم قسوساً. ولقبوا بالاثنين في (أعمال ٢٠: ١٧ و٢٨). وهم يرعون بتعليمهم أقوال الله لفظاً وعملاً (إرميا ٢٣: ١ – ٤ وحزقيال ٣٤: ٢). وهم «نظار» لهم ببذل عنايتهم في وقايتهم إياهم من أن يدخل المضلين حظيرتهم فإن أولئك المضلين «ذئاب خاطفة» (أعمال ٢٠: ٢٩ ويوحنا ١٠: ١٢) وبإتيانهم إيّاهم بكل ما يحتاجون إليه.
لاَ عَنِ ٱضْطِرَارٍ بَلْ بِٱلاخْتِيَارِ أي يجب أن لا يحسبوا خدمة الرعية حملاً ثقيلاً يميلون إلى الاستعفاء منه لثقلها أو لكونهم عرضة للاضطهاد من أجلها خصوصاً بل يجب أن يرغبوا فيها حباً لرئيس الرعاة وللرعيّة وأن يذكروا إن الله عيّنهم لهذه الخدمة.
لاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ أي كسب دنيوي. فلا يجوز لأحد أن يخدم الكنيسة بغية ذلك (انظر ١تيموثاوس ٣: ٣ وتيطس ١: ٧). نعم للمبشر أن يأخذ نفقته من الكنيسة التي يخدمها فإن «الفاعل مستحق أجرته» (لوقا ١٠: ٧ و١كورنثوس ٩: ١٤). لكن الذي يخدم الإنجيل طمعاً بالأجرة فأجرته ليست سوى «ربح قبيح».
بَلْ بِنَشَاطٍ ناشئ عن المحبة للمسيح ولنفوس الناس وعن تيقن أن الإنجيل الذي يبشر به قوة الله للخلاص (رومية ١: ١٦ و١كورنثوس ٩: ١٦).
٣ «وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى ٱلأَنْصِبَةِ بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ».
حزقيال ٣٤: ٤ ومتّى ٢٠: ٢٥ فيلبي ٣: ١٧ و١تسالونيكي ١: ٧ و٢تسالونيكي ٣: ٩ و١تيموثاوس ٤: ١٢ وتيطس ٢: ٧ ويوحنا ١٣: ١٥
لاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى ٱلأَنْصِبَةِ الكنيسة كلها للرب بدليل قوله «إن قسم الرب شعبه» (تثنية ٣٢: ٢) والمراد «بالأنصبة» هنا أقسام الكنيسة التي وكلها الله إلى عناية القسوس. وبقوله «لا كمن يسود» منعهم من أن يدّعوا السلطة التي لذوي المناصب السياسيين وأن يمارسوها. فعليهم أن يرشدوا الناس إلى حق الإنجيل بالحجج القاطعة وبالسلوك في سننه.
بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ ما قاله قبلاً بطريق السلب قاله هنا بطريق الإيجاب. وهذا كقول بولس لتيموثاوس «كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي ٱلْكَلاَمِ، فِي ٱلتَّصَرُّفِ، فِي ٱلْمَحَبَّةِ، فِي ٱلرُّوحِ، فِي ٱلإِيمَانِ، فِي ٱلطَّهَارَةِ» (١تيموثاوس ٤: ١٢) فانظر تفسيره. فنهى بطرس في هذه الكلام عن ثلاثة ذنوب ضرّت الكنيسة على توالي الأيام أكثر من غيرها وهي الإقدام على الخدمة الدينية دون دعوة الله. والرغبة في الربح القبيح منها. والتسلط على الكنيسة وهو لا يحق إلا لله.
٤ «وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ ٱلرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ ٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي لاَ يَبْلَى».
ص ٢: ٢٥ و١كورنثوس ٩: ٢٥ وص ١: ٤
وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ ٱلرُّعَاةِ أي المسيح وسمي «الراعي» (ص ٢: ٢٥) و «الراعي العظيم» (عبرانيين ١٣: ٢٠) و «الراعي الصالح» (يوحنا ١٠: ١١) وسمي هنا «رئيس الرعاة» بالنسبة إلى من وكل إليهم الاعتناء برعيته على الأرض. ومعنى «ظهوره» هنا إتيانه ثانية ليملك ويثيب عبيده كما في (ص ١: ٢٠ وكولوسي ٣: ٤ و١يوحنا ٢: ٢٨ و٣: ٢).
تَنَالُونَ إِكْلِيلَ ٱلْمَجْدِ جزاء على ما وقع عليهم من تعيير الناس وإهانتهم لهم لاحتمالهم ذلك بالصبر والتواضع وهو ما سماه إشعياء «إكليل الجمال» (إشعياء ٦٢: ٣) وبولس «إكليل البر» (٢تيموثاوس ٤: ٨) ويعقوب ويوحنا «إكليل الحياة» (يعقوب ١: ١٢ ورؤيا ٢: ١٠) المشبه بالذي كُلل به المنتصرون في الألعاب اليونانية. ومعنى نيلهم «إكليل المجد» الحصول على الإكرام والسرور الذي يثيب المسيح بهما عبيده الأمناء.
ٱلَّذِي لاَ يَبْلَى أي لا يزول جماله ومجده بتوالي السنين كما يزول كل الجمال المادي الأرضي (انظر ١كورنثوس ٩: ٢٥).
نصائح للرعية ع ٥ إلى ٧
٥ «كَذٰلِكَ أَيُّهَا ٱلأَحْدَاثُ ٱخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ، وَكُونُوا جَمِيعاً خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، وَتَسَرْبَلُوا بِٱلتَّوَاضُعِ، لأَنَّ ٱللّٰهَ يُقَاوِمُ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا ٱلْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً».
لوقا ٢٢: ٢٦ و١تيموثاوس ٥: ١ وأفسس ٥: ٢١ وص ٣: ٨ وأمثال ٣: ٣٤ ويعقوب ٤: ٦
أَيُّهَا ٱلأَحْدَاثُ هم أعضاء الكنيسة الذين هم أحدث من الشيوخ عملاً ومقاماً.
ٱخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ بما يجب لهم من الإكرام والطاعة نظراً لسنهم وعملهم.
خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بمقتضى نسبة كل إلى الآخر فالشيخ يخضع للشيخ والأخ لأخيه في الكنيسة. ولا يرغب أحد في أن يسود على الآخر (انظر تفسير أفسس ٥: ٢١ وفيلبي ٢: ٣).
وَتَسَرْبَلُوا بِٱلتَّوَاضُعِ فإن المسيح اتّزر بمنشفة وغسل أرجل تلاميذه (يوحنا ١٣: ٤ و٥). فعليهم أن يرتضوا أن يخدموا المسيح والكنيسة في أصغر الأمور حتى العبيد بدلاً من أن يكونوا رؤساء الكنيسة. فيجب أن يكون التواضع مما يمتازون به عن غيرهم.
لأَنَّ ٱللّٰهَ يُقَاوِمُ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ (أمثال ٣: ٣٤) على ما في الترجمة السبعينية واقتبس ذلك يعقوب فارجع إلى تفسيره.
وَأَمَّا ٱلْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً المراد «بالنعمة» هنا كل الفضائل المسيحية فحسب القلب المتواضع الآناء الذي يسرّ الله أن يضع فيه تلك الفضائل.
٦ «فَتَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ ٱللّٰهِ ٱلْقَوِيَّةِ لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ».
يعقوب ٤: ١٠
فَتَوَاضَعُوا كُرِّر للتمكين. قال الحكيم «قَبْلَ ٱلْكَرَامَةِ ٱلتَّوَاضُعُ» (أمثال ١٥: ٣٣ و١٨: ١٢). وقال «ثَوَابُ ٱلتَّوَاضُعِ وَمَخَافَةِ ٱلرَّبِّ هُوَ غِنىً وَكَرَامَةٌ وَحَيَاةٌ» (أمثال ٢٢: ٤). وقال ميخا «مَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ ٱلرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ ٱلْحَقَّ وَتُحِبَّ ٱلرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعاً مَعَ إِلٰهِكَ» (ميخا ٦: ٨ انظر أيضاً لوقا ١٤: ٧ – ١١ وفيلبي ٢: ٨).
تَحْتَ يَدِ ٱللّٰهِ ٱلْقَوِيَّةِ إذا وضعها على الإنسان للتأديب أو للامتحان فعلى الإنسان أن يخضع لها بكل تواضع وثقة وبدون تذمر. ولعل المعنى أن يد الله ممدودة لحمايتهم لكي يلجأوا إليه في ضيقاتهم.
لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ فِي حِينِهِ أي في الزمان الذي قضى الله به متى أكمل ما قصده من التأديب أو الامتحان. وهذا مثل قول المسيح «كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ» (لوقا ١٨: ١٤ انظر أيضاً لوقا ١٤: ١١). فالذين يزرعون بالدموع كثيراً ما يحصدون بالابتهاج في العالم ولكن كل المضطهدين لأجل البر يرفعهم الله في يوم الدين وحينئذ يثيبهم على كل ما احتملوه من الاضطهاد والفقر والإهانة.
٧ «مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ».
متّى ٦: ٢٥
مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ هذا مبني على قول المرنم «أَلْقِ عَلَى ٱلرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ» (مزمور ٥٥: ٢٢). وهذا مثل قول المسيح في (متّى ٦: ٢٩ و٣٠). ومهما يصب المؤمن من الأرزاء كفقدان الأصحاب والعافية والمال والصيت فعليه أن يلجأ إلى الله بالصلاة ويلقي حمله عليه متيقناً أنه يعطيه نعمة وقوة لاحتمال كل ما استحسن وأن «نيره هين وحمله خفيف» (متّى ١١: ٣٠ انظر تفسير فيلبي ٤: ٦ و٧).
لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ كقول المسيح «أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لاَ يَسْقُطُ عَلَى ٱلأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحَتَّى شُعُورُ رُؤُوسِكُمْ جَمِيعُهَا مُحْصَاةٌ» (متّى ١٠: ٢٩ و٣٠ انظر لوقا ٢١: ١٨). وكقول داود «إِنَّ أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي وَٱلرَّبُّ يَضُمُّنِي» (مزمور ٢٧: ١٠). وقوله «أَمَّا أَنَا فَمِسْكِينٌ وَبَائِسٌ. ٱلرَّبُّ يَهْتَمُّ بِي. عَوْنِي وَمُنْقِذِي أَنْتَ» (مزمور ٤٠: ١٧). وقول إشعياء «هَلْ تَنْسَى ٱلْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ٱبْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هٰؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ» (إشعياء ٤٩: ١٥). والبلايا ليست ثقيلة إلا على من يشك في مراحم الرب حين يُجرب ولا يرى من نفع لنفسه من مصائبه. فأعظم تعزية في الأرزاء الاعتقاد أنها من الله وأنه تعالى أب محب شفوق «لاَ يُذِلُّ مِنْ قَلْبِهِ وَلاَ يُحْزِنُ بَنِي ٱلإِنْسَانِ» (مراثي إرميا ٣: ٣٣). وأن يزيل المصاب في الوقت الملائم أو يمنح نعمة لاحتماله كما كان من أمر بولس (٢كورنثوس ١٢: ٧ – ٩).
نصائح للمصابين ولا سيما الذين جربهم الشيطان ع ٨ إلى ١١
٨ «اُصْحُوا وَٱسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ».
ص ١: ١٣ ومتّى ٢٤: ٤٢ ويعقوب ٤: ٧ و٢تيموثاوس ٤: ١٧
اُصْحُوا هذا تنبيه الراعي الذي يرى الذئب آتياً ليخطف الخراف والحرّاس نائمون. والمعنى كما في (ص ١: ١٣ و٤: ٧). والغاية من ذلك الاحتراس من الشيطان.
ٱسْهَرُوا (انظر تفسير ١تسالونيكي ٥: ٦). «فالصحو والسهر» ضروريان للنجاة من الخطر ولا سيما إذا كان العدو محتالاً قوياً (لوقا ٢٢: ٤٦ وأفسس ٦: ١١).
إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ عدو الله والناس (متّى ١٣: ٣٩ ويوحنا ٨: ٤٤ ورؤيا ١٢: ١٠) فإنه يخاصم الخاطئ حين يعزم على الرجوع إلى الله ويطلب خلاص نفسه ويجتهد أن يطيع الله.
كَأَسَدٍ زَائِرٍ يزأر الأسد حين يجوع ويهتم بالافتراس (مزمور ٢٢: ١٣ وحزقيال ٢٢: ٢٥ وصفنيا ٣: ٣ وزكريا ١١: ٣). شبّه الشيطان «بأسد زائر» لأنه هيّج على المسيحيين اضطهادات دموية وهو يظهر أحياناً بصورة الحية ليخدع (تكوين ٣: ١ و٤) وأحياناً كملاك نور (٢كورنثوس ١١: ١٤) ولكنه لا يأتي إلا ليهلك.
يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ كأن الأرض كلها ميدان له ونفوس الغافلين فرائسه وغيظه وقوته على الإضرار وانتباهه توجب على المؤمنين أن يصحوا ويسهروا. حذّر المسيح بطرس من خطر الشيطان (لوقا ٢٤: ٣١) كما حذّر بطرس مؤمني أسيا.
٩ «فَقَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي ٱلإِيمَانِ، عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هٰذِهِ ٱلآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْعَالَمِ».
يعقوب ٤: ٧ وكولوسي ٢: ٥ وأعمال ١٤: ٢٢ وعبرانيين ١٢: ٨
فَقَاوِمُوهُ يجب على المؤمنين أن لا يسلّموا للشيطان البتة وأن لا يتركوا مراكز خدمتهم خوفاً من الخطر بل عليهم أن يقاوموه ولا يخشوا من تهديداته.
رَاسِخِينَ فِي ٱلإِيمَانِ أي متكلين على الله لا على قوتهم ويتقووا بالقوة التي تنشأ من الإيمان للنفس. قال يعقوب الرسول لمؤمني الشتات «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ» (يعقوب ٤: ٧). وقال بولس لمؤمني أفسس «حَامِلِينَ فَوْقَ ٱلْكُلِّ تُرْسَ ٱلإِيمَانِ، ٱلَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلْمُلْتَهِبَةِ» (أفسس ٦: ١٦).
عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هٰذِهِ ٱلآلاَمِ الخ أي يجب أن لا يتصوروا أن الله يتركهم لاحتمال تلك الضيقات ولذلك حقق لهم أن كل المسيحيين في العالم دُعوا لاحتمال الأرزاء. وفي مثل هذا المعنى قال بولس لمؤمني كورنثوس «لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ أَمِينٌ، ٱلَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ الخ» (١كورنثوس ١٠: ١٣). فإذن ليست مصائبهم دليلاً على أن الله قد غضب عليهم وأنه قصد القصاص لهم وأن عليهم أن يتيقنوا أنه كما قدر أولئك بنعمة الله أن يحتملوا ضيقاتهم يمكنهم هم أن يحتملوها بذلك وأنه ليست إخوتهم وحدهم ضويقوا على الأرض بل إن أخاهم الأكبر الرب يسوع احتمل أشد الضيقات.
١٠ «وَإِلٰهُ كُلِّ نِعْمَةٍ ٱلَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ ٱلأَبَدِيِّ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيراً، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ».
ص ٤: ١٠ و١كورنثوس ١: ٩ و١تسالونيكي ٢: ١٢ و٢كورنثوس ٤: ١٧ و٢تيموثاوس ٢: ١٠ وص ١: ٦ وعبرانيين ١٣: ٢١ ورومية ١٦: ٢٥ و٢تسالونيكي ٢: ١٧ و٣: ٣
في هذه الآية تشجيع وتعزية للذين يحتملون اضطهاد الأشرار ويقاومون الشيطان.
وَإِلٰهُ كُلِّ نِعْمَةٍ أي مصدر كل نعمة يمنحها كما تقتضي احتياجات عبيده (١تسالونيكي ٣: ١١ و٥: ٢٣).
ٱلَّذِي دَعَانَا أي دعاكم ودعاني فدعاكم بتبشير بولس ورفقائه (ص ١: ١٢ و٢٥). وقد سبق تفسير الدعوة في (أفسس ٤: ١).
إِلَى مَجْدِهِ ٱلأَبَدِيِّ الذي يعطي النعمة في هذا العالم يعطي المجد في العالم الآتي والنعمة استعداد للمجد. فدعوته إياهم إلى المجد يؤكد أنه لا يتركهم حتى ينالوه.
فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أعطاهم الله ابنه الحبيب لكي يأتي بهم إلى المجد ويكون ذلك باتحادهم به بالإيمان. فبذل الله ابنه عربون كل ما سواه من البركات بدليل قول بولس الرسول «اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ٱبْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ» (رومية ٨: ٣٢).
بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيراً وصف بطرس ذلك «التألم» بأنه يسير (ص ١: ٦) لكونه قصير المدة بالنسبة إلى الأبد وطفيف بالنسبة إلى «ثقل المجد العتيد أن يُستعلن» (٢كورنثوس ٤: ١٦ – ١٨). فلا يمكنهم أن ينالوا المجد الأبدي ما لم يتألموا يسيراً.
يُكَمِّلُكُمْ بواسطة تلك الشدائد والنعمة المعطاة لكم لاحتمالها. والمقصود «بالتكميل» هنا أن يكونوا مستعدين لكل ما قصد الله منهم غير ناقصين شيئاً من الفضائل (١كورنثوس ١: ١٠ و١تسالونيكي ٣: ١٠).
وَيُثَبِّتُكُمْ لكي لا يتزعزع إيمانكم.
وَيُقَوِّيكُمْ لكي لا يغلبكم العدو بل تغلبوا كل مقاوم.
وَيُمَكِّنُكُمْ كالبيت المؤسس على الصخر (متّى ٧: ٢٤ – ٢٧).
١١ «لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. آمِينَ».
رومية ١١: ٣٦ وص ٤: ١١
(انظر تفسير ص ٤: ١١). ختم الرسول تعليمه بالتسبيح.
خاتمة الرسالة ع ١٢ إلى ١٤
١٢ «بِيَدِ سِلْوَانُسَ ٱلأَخِ ٱلأَمِينِ، كَمَا أَظُنُّ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ وَاعِظاً وَشَاهِداً، أَنَّ هٰذِهِ هِيَ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلْحَقِيقِيَّةُ ٱلَّتِي فِيهَا تَقُومُونَ».
٢كورنثوس ١: ١٩ وعبرانيين ١٣: ٢٢ وص ١: ١٣ و٤: ١٠ وأعمال ١١: ٢٣ و١كورنثوس ١٥: ١
بِيَدِ سِلْوَانُسَ الأرجح أنه هو سيلا المذكور في سفر الأعمال فإنهم اعتادوا أن يختصروا ألفاظ الأعلام كزينوس من زينادورس وأبلوس من أبولونيوس وهرماس من هرمودوروس. وهو من رؤساء كنيسة أورشليم (أعمال ١٥: ٢٢). وهو من متنصري اليهود وله حقوق الروماني كبولس الرسول (أعمال ١٦: ٣٧). عيّنه مجمع أورشليم أن يحمل الرسائل مع بولس وبرنابا إلى أنطاكية (أعمال ١٥: ٢٢ و٣٢). وكان بعد ذلك رفيق بولس في سفره الثاني للتبشير (أعمال ١٥: ٤٠ – ١٧: ١٤). تركه بولس في بيرية مع تيموثاوس (أعمال ١٧: ١٤) وأتى إلى بولس وهو في كورنثوس (أعمال ١٨: ٥ و٢كورنثوس ١: ١٩). والأرجح أنه رجع إلى أورشليم مع بولس ولم نسمع بعد أنه رافقه. وكان له يد مع ذلك الرسول في تأسيس كنائس أسيا التي كتب بطرس إليها فلاق أن يكتب الرسالة بيده. ولا نعلم كيف كان شريك بطرس في عمله في بابل ومرافقته إياه إليها.
ٱلأَخِ ٱلأَمِينِ، كَمَا أَظُنُّ «أظن» هنا لليقين لا للشك على ما يُستفاد من الأصل اليوناني. أراد بطرس أن يثبت بشهادة نفسه أمانة بولس ورفقائه في تبشيره إياهم بالإنجيل. وشهادته بأمانة سلوانس منبية على أن سلوانس كان عضواً في مجمع الكنيسة الأورشليمية وأنه عُيّن لحمل رسالة ذلك المجمع إلى الكنائس.
كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ هذه الرسالة التي كانت بين يديه. وجاء مثل هذا في رسائل بولس (غلاطية ٦: ١١ وفليمون ١٩ و٢١).
بِكَلِمَاتٍ قَلِيلَةٍ أي بالاختصار لكثرة المواضيع التي ذكرها في الرسالة على أنه كان له أن يكتب كثيراً.
وَاعِظاً أي معلماً كدأبه في هذه الرسالة.
وَشَاهِداً بالحق على ما هو في الإنجيل. ودُعي الرسل ليكونوا شهوداً (أعمال ١: ٨). والشهادة الخاصة التي أراد بطرس تأديتها هي أن تعليم الإنجيل الذي بلغهم بفم بولس ورفقائه كان إعلان نعمة الله الحقة لا تعليم بشر أو خداعاً فوجب أن يتعزوا بهذه الشهادة في ضيقاتهم وأن يثبتوا في ما تعلموه.
ٱلَّتِي فِيهَا تَقُومُونَ ويجب أن تظلوا قائمين فيها غير متزعزعين من تملقات أعداء الحق أو تهديداتهم.
١٣ «تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلَّتِي فِي بَابِلَ، ٱلْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ، وَمَرْقُسُ ٱبْنِي».
أعمال ١٢: ١٢
تُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلَّتِي فِي بَابِلَ، ٱلْمُخْتَارَةُ مَعَكُمْ قال أكثر المفسرين أنها الكنيسة المسيحية في بابل وأنها أهدت هنا التحيات إلى أخواتها كنائس أسيا الصغرى ويُظن أنه اسم مجازي لرومية (انظر في هذا الشأن مقدمة هذه الرسالة).
مَرْقُسُ ٱبْنِي الأرجح أنه يوحنا مرقس ابن أخت برنابا (انظر تفسير أعمال ١٢: ١٢ و١٥: ٣٧). ودعاه «ابنه» محبة له ولكونه أصغر منه سناً أو لكون بطرس كان علة اهتدائه إلى المسيح.
١٤ «سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةِ ٱلْمَحَبَّةِ. سَلاَمٌ لَكُمْ جَمِيعِكُمُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. آمِينَ».
رومية ١٦: ١٦ أفسس ٦: ٢٣
بِقُبْلَةِ ٱلْمَحَبَّةِ حسب عادة الكنائس في العصر الرسولي (انظر تفسير رومية ١٦: ١٦).
سَلاَمٌ لَكُمْ هذه التحية تشبه بركة بولس في (أفسس ٦: ٢٤ وفيلبي ٤: ٧) فارجع إلى التفسير «والسلام» المقصود هنا هو السلام مع الله وفي قلوبهم وبين كل من أعضاء الكنيسة وغيره.
ٱلَّذِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أي المتحدين به بالإيمان اتحاداً حقاً.
السابق |