يعقوب

شرح رسالة يعقوب | 02 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح رسالة يعقوب 

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

في هذا الأصحاح ثلاثة أمور يتضح بها الدين الحق:

الأول: وجوب ترك المحاباة (ع ١ – ٩) مثل إكرام الأغنياء وإهانة الفقراء وإثبات ذلك بأربعة أدلة:

إن الله اختار الفقراء أصدقاء له خاصة.

إن الأغنياء يظلمونهم فلا يستحقون الإكرام الزائد الخاص.

إن كثيرين من الأغنياء يستهينون بالدين المسيحي.

إن كل من يأتي بمثل هذه المحاباة يخالف ناموس المحبة.

الثاني: إن الدين الحق يوجب حفظ الناموس كله (ع ١٠ – ١٣) لثلاثة أسباب:

إن الذي يطيع بعض الناموس ويترك بعضه مذنب في الكل لأن ليس له روح الطاعة الحقيقية وإلا حفظ الكل.

إن كل الناموس من الله فنحن مكلفون بالكل فالذي نهى عن القتل نهى عن الزنى فلا نستطيع أن نخضع لبعض أوامر الله ونعصي بعضها ما لم نعص الله.

إن كل الناموس وُضع قانوناً لحياتنا وندان بمقتضاه كله يوم الدين.

الثالث: أمر التبرير ووجوب الأعمال الصالحة لإثبات نيله حقيقة (ع ١٤ – ٢٦).

تحذير من المحاباة ع ١ إلى ٩

١ «يَا إِخْوَتِي، لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، رَبِّ ٱلْمَجْدِ، فِي ٱلْمُحَابَاةِ».

ص ١: ١٦ وعبرانيين ١٢: ٢ و١كورنثوس ٢: ٨ وأعمال ٧: ٢ ع ٩ وأعمال ١٠: ٣٤

يَا إِخْوَتِي دعاهم إخوة بالنظر إلى الأصل وإلى الإيمان.

لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ أي لا يكن لكم الدين المسيحي. وعبّر عن هذا الدين «بالإيمان» لأن الإيمان هو المبدأ الجوهري الذي يتميز به عن سائر الأديان (١تيموثاوس ٣: ٩).

فِي ٱلْمُحَابَاةِ أي يجب أن تعتزلوا المحاباة في ممارستكم دين المسيح. وفي هذا توبيخ شديد للذين أدعوا أنهم مسيحيون وهم يزيدون اعتبارهم للأغنياء ويهينون الفقراء وبذلك باين فعلهم كل المباينة ما فعله المسيح بدليل قوله «فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ ٱفْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (٢كورنثوس ٨: ٩). فإن كان رب المجد قد وضع نفسه لأجل الفقراء حتى أنه افتقر من أجلهم لم يلق باتباعه أن يستهينوا بالفقراء ويفضلوا الأغنياء عليهم (انظر أيضاً فيلبي ٢: ٤ – ٧). ولقب المسيح «برب المجد» (١كورنثوس ٢: ٨) لأنه مجيد بالذات ولأنه محاط بجنود المجد العلوية. فتفضيل بعض الأعضاء على الأخر في الكنيسة لا لزيادة تقوى المفضلين أو خدمتهم للناس بل لغناهم هو محاباة ومكرهة لله إذ قال في كتابه «مُحَابَاةُ ٱلْوُجُوهِ فِي ٱلْحُكْمِ لَيْسَتْ صَالِحَةً» (أمثال ٢٤: ٢٣) و «لاَ تَنْظُرُوا إِلَى ٱلْوُجُوهِ فِي ٱلْقَضَاءِ. لِلصَّغِيرِ كَٱلْكَبِيرِ تَسْمَعُونَ» (تثنية ١: ١٧). و «ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ إِلٰهُ ٱلآلِهَةِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ، ٱلإِلٰهُ ٱلْعَظِيمُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمَهِيبُ ٱلَّذِي لاَ يَأْخُذُ بِٱلْوُجُوهِ» (تثنية ١٠: ١٧).

٢ «فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ فِي لِبَاسٍ بَهِيٍّ، وَدَخَلَ أَيْضاً فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ».

لوقا ٢٣: ١١ وع ٣ وزكريا ٣: ٣

أتى الرسول هنا بمثال المحاباة التي حذر منها.

إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ أي إن دخل إليه أحد غريب مسيحياً كان أو وثنياً فإن هذا لا يُلتفت إليه لأن الغاية ليست سوى إيراد مثَل والمقصود أن يُقابل بين معاملة رجلين أحدهما من الأغنياء والآخر من الفقراء. وتسميته مجتمع المسيحيين للعبادة «بالمجمع» مأخوذ عن اليهود ولم يُذكر بهذا المعنى إلا هنا. وعلّة تسميته إياه بذلك كونه قد كتب إلى متنصري اليهود وكون الغاية من المجمع العبادة كغاية الكنيسة والمرجح أن الكنيسة كانت على هيئة المجمع.

بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ فِي لِبَاسٍ بَهِيٍّ ما ذُكر هنا من علامات الغنى وسمو المقام (تكوين ٤١: ٤٢ ولوقا ١٦: ١٩).

فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ أي ملبوسه يدل على فقره وكونه مفتقراً إلى العمل لتحصيل أسباب المعاش.

٣ «فَنَظَرْتُمْ إِلَى ٱللاَّبِسِ ٱللِّبَاسَ ٱلْبَهِيَّ وَقُلْتُمْ لَهُ: ٱجْلِسْ أَنْتَ هُنَا حَسَناً. وَقُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ أَوِ: ٱجْلِسْ هُنَا تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَيَّ».

لوقا ٢٣: ١١ وع ٣

فَنَظَرْتُمْ أي بعين الاحترام.

وَقُلْتُمْ لَهُ: ٱجْلِسْ أَنْتَ هُنَا حَسَناً أي قلتم للغني. كان في المجامع اليهودية «مجالس أولى» (متّى ٢٣: ٦). والمرجح أن الكنائس كانت كالمجامع في الترتيب وفيها مجالس تمتاز عن غيرها للشرف والراحة فدعوا الأغنياء إلى القعود عليها.

وَقُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ أشار بقوله «هناك» إلى مكان بعيد من المتكلم أو من المقاعد النفيسة كما أشار بقوله «هنا» إلى مكان قريب منه.

أَوِ تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَيَّ أشار بذلك إلى أن المتكلم لا يبالي بالفقير. وهذا دليل واضح على أنه احترم الغني لبهاء لباسه لا لحسن صفاته الأدبية وأعماله الصالحة وأنه احتقر الفقير لدناءة لباسه. فالمحاباة المذكورة مما لا يليق أن يكون في بيت الله لأن كل الناس مخلوقاته وكلهم خطأة بالطبع والله يقبل كل من يأتي إليه منهم بغية العبادة بلا فرق.

٤ «فَهَلْ لاَ تَرْتَابُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَتَصِيرُونَ قُضَاةَ أَفْكَارٍ شِرِّيرَةٍ؟».

لوقا ١٨: ٦ ويوحنا ٧: ٢٤

فَهَلْ لاَ تَرْتَابُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ حين تأتون المحاباة بين الغني والفقير. أفما كنتم تترددون بين الله الذي ليس عنده محاباة وبين العالم وصرتم ذوي رأيين أوَلا تخالفون بهذا السلوك إيمانكم بالمسيح الذي نادى بعدم الفرق بين الغني والفقير والعالم والجاهل أمام الله. أوَليس منافياً لإيمان الرب يسوع المسيح رب المجد أن تأتوا المحاباة وذلك الإيمان معاً.

وَتَصِيرُونَ قُضَاةَ أَفْكَارٍ شِرِّيرَةٍ أي قضاة ذوي أفكار شريرة. فهذا التعبير كالتعبير عن القاضي الظالم «بقاضي الظلم» (لوقا ١٨: ٦). وكانت أفكارهم شريرة لأنهم بدلاً من أن يحكموا في الناس بمقتضى مبادئ العدل بناء على صفاتهم وأعمالهم حكموا باستحقاق الغني للإكرام لبهاء لباسه وإن الفقير لا يستحقه لقبح ثوبه. ومما أوجب عليهم اللوم أنهم دانوا غيرهم خلافاً لقول المسيح «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا» (متّى ٧: ١) فوبخهم لأنه حين كان عليهم أن يكونوا سامعين للناموس وعاملين بموجبه كانوا قضاة (ص ٤: ١١). وكانوا قضاة أفكار شريرة لأنهم أنكروا بأحكامهم قول المسيح في اتباعه أنهم كلهم إخوة وما علمه بمثاله وهو أنه «إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ ٱللّٰهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلّٰهِ. لٰكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ الخ» (فيلبي ٢: ٦ – ٨).

٥ «ٱسْمَعُوا يَا إِخْوَتِي ٱلأَحِبَّاءَ، أَمَا ٱخْتَارَ ٱللّٰهُ فُقَرَاءَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي ٱلإِيمَانِ، وَوَرَثَةَ ٱلْمَلَكُوتِ ٱلَّذِي وَعَدَ بِهِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ؟».

ص ١: ١٦ و١كورنثوس ١: ٢٧ وأيوب ٣٤: ١٩ ولوقا ١٢: ٢١ ورؤيا ٢: ٩ ومتّى ٥: ٣ و٢٥: ٣٤ وص ١: ١٢

أبان الرسول بما في هذه الآية أن الفقير يستحق الإكرام أكثر من الغني.

ٱسْمَعُوا يَا إِخْوَتِي ٱلأَحِبَّاءَ قال هذا تنبيهاً على أن ما سيقوله ذو شأن وعلى أن يلتفتوا إلى خطيئتهم بما أتوه من المحاباة.

أَمَا ٱخْتَارَ ٱللّٰهُ فُقَرَاءَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ أبان بهذا أن الفقير أحق بالإكرام من الغني وأن من يفضل الغني عليه يخطأ لأنه بذلك يخالف مثال الله. والمراد «بالفقراء» هنا الفقراء في الأمور الدنيوية والذين يدعوهم أهل العالم فقراء واختيار الله إياهم دليل على أنه فضّلهم على غيرهم. وعلامة أنه اختارهم تخصيصه إياهم بسمع الإنجيل بدليل قوله «رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ» (لوقا ٤: ١٨). والآية التي أعلنها ليوحنا على أنه المسيح الآتي قوله «اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ… وَٱلْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَٱلْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ» (متّى ١١: ٥) وقوله «طُوبَاكُمْ أَيُّهَا ٱلْمَسَاكِينُ، لأَنَّ لَكُمْ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ» (لوقا ٦: ٢٠)، وقول بولس الرسول «ٱخْتَارَ ٱللّٰهُ ضُعَفَاءَ ٱلْعَالَمِ لِيُخْزِيَ ٱلأَقْوِيَاءَ، وَٱخْتَارَ ٱللّٰهُ أَدْنِيَاءَ ٱلْعَالَمِ وَٱلْمُزْدَرَى الخ» (١كورنثوس ١: ٢٧ و٢٨).

أَغْنِيَاءَ فِي ٱلإِيمَانِ أي ليكونوا كذلك وليس المراد أنهم أغنياء بمقدار الإيمان حتى يكون أحدهم أغنى من الآخر في الإيمان فالإيمان بيان لنوع غناهم أي أن ذلك الغنى روحي فكل مؤمن غني بهذا الاعتبار وغناه روحي وهو كنز الخلاص الذي ينال بواسطة الإيمان وبالإيمان يتأكد الإنسان الحصول على ذلك الكنز. الذي هو أثمن من الذهب وأن له ميراثاً عظيماً بناء على كونه ابناً لله ووارث الملكوت الذي وُعد به (لوقا ١٢: ٣١ و٣٢). ولم يحتج يعقوب أن يقيم برهاناً للذين كتب إليهم هذه الرسالة على أن الذين اختارهم الله هم فقراء هذا العالم لأنهم عرفوا بالاختبار أن أكثر الذين آمنوا بالمسيح وهم في الشتات كانوا فقراء، وما صدق في عصر يعقوب يصدق في كل عصور الكنيسة فالأغنياء عرضة لتجربة ليس الفقير بعرضةٍ لها وهي الاتكال «على غير يقينية الغنى» وأنهم يختارون نصيبهم من خيرات العالم الأثيم ويغفلون عن الملكوت الذي أعده الله للذين يحبونه قال المسيح «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي ٱلأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ» (مرقس ١٠: ٢٣).

٦ «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَهَنْتُمُ ٱلْفَقِيرَ. أَلَيْسَ ٱلأَغْنِيَاءُ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْكُمْ وَهُمْ يَجُرُّونَكُمْ إِلَى ٱلْمَحَاكِمِ».

أعمال ٨: ٣ و١٦ و١٩

وَأَمَّا أَنْتُمْ خلافاً لما فعل الله.

فَأَهَنْتُمُ ٱلْفَقِيرَ كما أبان بالمثل الذي ذكره في (ع ٢ و٣) فأذلّوا من أعزّه الله وأعزّوا من أذّله.

أَلَيْسَ ٱلأَغْنِيَاءُ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْكُمْ هذا بيان ثان لخطيئتهم بأن فضلوا الغني على الفقير فآثروا الذين هم أعداء لله ولهم على الذين هم أصدقاء. والمرجح أن الذين تسلطوا عليهم ليسوا من أغنياء المؤمنين وأن مضطهديهم على اختلاف مللهم كانوا أغنياء متكبرين وبذلوا قوتهم وثروتهم في سبيل إضرارهم.

وَهُمْ يَجُرُّونَكُمْ إِلَى ٱلْمَحَاكِمِ أتى ذلك أغنياء اليهود بأن اتهموهم عند حكام الرومانيين بالخيانة كما فعل يهود بيسيدية (أعمال ١٣: ٤٥ ) ويهود إيقونية (أعمال ١٤: ٢) ببولس وبرنابا ويهود تسالونيكي ببولس وسيلا وبيت ياسون (أعمال ١٧: ٥ و٦). وكانت محاماة الفقير عن نفسه بواسطة وكيل تقتضي نفقة لا يستطيعها فكان يضطر أن يحتمل جور الغني ساكتاً.

٧ «أَمَا هُمْ يُجَدِّفُونَ عَلَى ٱلاسْمِ ٱلْحَسَنِ ٱلَّذِي دُعِيَ بِهِ عَلَيْكُمْ؟».

١بطرس ٤: ١٦ وأعمال ١١: ٢٦

أَمَا هُمْ يُجَدِّفُونَ عَلَى ٱلاسْمِ ٱلْحَسَنِ الخ أراد «بالاسم الحسن» اسم المسيح وكان المؤمنون يُدعون مسيحيين عند المعمودية وغلب أن يدعوا كذلك بياناً لنسبتهم إلى المسيح (١كورنثوس ٣: ٢٣) وأشار يعقوب بعبارته هنا إلى ما فعله غير المؤمنين من اليهود ليجبروا المؤمنين على أن يجدفوا على اسم المسيح كا فعل شاول الطرسوسي قبل اهتدائه (أعمال ٢٦: ١١) أو ما أتاه اليهود في مجامعهم من التجديف على اسم المسيح بياناً لبغضهم إياه كما شهد عليهم يوستينوس الشهيد أو إلى بعض الأغنياء الذين ادّعوا أنهم مسيحيون وبسيرتهم عيّروا مسيحهم وجعلوه عرضة لتجديف اليهود والوثنيين (١تيموثاوس ٦: ١) وهذا هو الأمر الثالث الذي به يخطأون بالمحاباة لأنهم يشتركون على نوع ما في التجديف على المسيح باحترامهم المجدفين عليه.

٨ «فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ ٱلنَّامُوسَ ٱلْمُلُوكِيَّ حَسَبَ ٱلْكِتَابِ «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». فَحَسَناً تَفْعَلُونَ».

لاويين ١٩: ١٨ ومتّى ٧: ١٢

في هذه الآية والتي تليها برهان على أنهم بمحاباتهم خالفوا ناموس الله.

ٱلنَّامُوسَ ٱلْمُلُوكِيَّ نعت الناموس بالملكي لفضله وسموّه واستحقاقه الإكرام العظيم ولوجوب أن يسوس أفكار الناس وسلوكهم كما يسوس الملك رعيته ولأنه ناموس ملك الملوك ولكون «المحبة تكميل الناموس» (رومية ١٣: ١٠) فيكون ناموس المحبة ملك النواميس كلها.

تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ ذُكر هذا في (لاويين ١٩: ١٨ ومتّى ١٩: ١٩) وفسر معناه المسيح في مثل السامري الصالح (لوقا ١٠: ٢٥ – ٣٧).

فَحَسَناً تَفْعَلُونَ أي أنه يجب أن تحبوا كل الناس أغنياء وفقراء فلا يجوز أن تبغضوا الغني وتطردوه بل يجب أن تحبوه فإن أحببتموه فعلتم حسناً وأطعتم الناموس الملكي.

٩ «وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً، مُوَبَّخِينَ مِنَ ٱلنَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ».

ع ٩ أعمال ١٠: ٣٤ وتثنية ١: ١٧

لٰكِنْ إِنْ كُنْتُمْ تُحَابُونَ وقد حذرتكم من أن تحابوا (ع ١) وأبنت أنكم خطئتم بالمحاباة (ع ٢ و٣).

تَفْعَلُونَ خَطِيَّةً ظننتم أنكم أطعتم ناموس المحبة بإكرامكم الغني لكنكم تعديتموه بمحاباتكم بأن فضلتموه على الفقير «وتعدي الناموس خطيئة» (١يوحنا ٣: ٤).

مُوَبَّخِينَ مِنَ ٱلنَّامُوسِ كَمُتَعَدِّينَ أقام الناموس هنا مقام حاكم يحكم بإثم الذي يتعدى أمره ومن الواضح أن فعلهم مضاد للناموس في أعظم مطاليبه.

وجوب حفظ كل الناموس ع ١٠ إلى ١٣

١٠ «لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ ٱلنَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي ٱلْكُلِّ».

ص ٣: ٢ و٢بطرس ١: ١٠ ويهوذا ٢٤ وغلاطية ٥: ٣ ومتّى ٥: ١٩

اعتبر يعقوب الناموس كسلسلة ذات حلقات كثيرة تربط نفس الإنسان بعرش الله بالبر والأمانة فإذا خالف الإنسان وصية من الناموس فكأنه كسر حلقة من تلك السلسلة فقطعت الصلة بين الله والنفس والطاعة الكاملة للناموس شرط ضروري على من يطلبون التبرير به فإذا خالفوا وصية واحدة تعدوا الشرط ولهذا استحال التبرير بالناموس.

فِي وَاحِدَةٍ أي بوصية واحدة من وصايا الناموس.

مُجْرِماً فِي ٱلْكُلِّ أي مديناً من الناموس متعدياً إياه عاجزاً عن أن يتبرر به.

١١ «لأَنَّ ٱلَّذِي قَالَ: «لاَ تَزْنِ» قَالَ أَيْضاً: «لاَ تَقْتُلْ». فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلٰكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّياً ٱلنَّامُوسَ».

خروج ٢٠: ١٣ وتثنية ٥: ١٧

في هذه الآية بيان ما قيل في (ع ١٠) وهو أن الله الواحد هو الذي وضع الناموس كله فالناموس بجملته مظهر لمشيئة الله فمخالفة وصية منه مخالفة لمشيئته. ومن شأن الإنسان الميل أن يحسب ما يرتكبه من الخطايا زهيداً وأن يحسب ما يرتكبه غيره منها كبيراً وينسى أن المشترع واحد وهو الديّان.

ٱلَّذِي قَالَ: لاَ تَزْنِ قَالَ أَيْضاً: لاَ تَقْتُلْ إذا قيل لماذا اختار يعقوب هاتين الوصيتين دون ما بقي من الوصايا قلنا أنه جرى بهذا مجرى المسيح في بيان أن البر الذي يطلبه الإنجيل أعظم من البر الذي يطلبه الكتبة والفريسيون (متّى ٥: ٢١ و٢٧) واعتبر اليهود هاتين الوصيتين بداءة الوصايا التي تختص بواجبات الإنسان للإنسان. وإن قيل لماذا ذكر الوصية السابعة قبل السادسة خلافاً لترتيبها في الأصل العبراني قلنا أنه جرى مجرى الترجمة السبعينية فإنها ذكرت السابعة في (خروج ٢٠: ١٣) و السادسة في (خروج ٢٠: ١٥) ومثل هذا كان في (مزمور ١٠: ١٩ ولوقا ١٨: ٢٠ ورومية ١٣: ٩). ولكن المسيح جرى على الترتيب العبراني (متّى ٥: ٢١ و٢٧ و١٩: ١٨). ومعنى الآية كلها أن تينك الوصيتين جزآن من ناموس الله وأن هذا الناموس واحد كما أن الله واحد فالذي يتعدى إحداهما يتعدى ناموس الله الواحد بجملته ويعرّض المتعدي للعقاب الذي يستحقه متعدّي الناموس كله والعاصي سلطان الله تعالى.

١٢ «هٰكَذَا تَكَلَّمُوا وَهٰكَذَا ٱفْعَلُوا كَعَتِيدِينَ أَنْ تُحَاكَمُوا بِنَامُوسِ ٱلْحُرِّيَّةِ».

ص ١: ٢٥

ختم كلامه بتفسير قوله «مبطئاً في التكلم» (ص ١: ١٩) بما في هذه الآية والتي بعدها.

هٰكَذَا تَكَلَّمُوا وَهٰكَذَا ٱفْعَلُوا أي ليكن هذا دأبكم في الكلام والعمل وخصوصاً في أمر المحاباة.

كَعَتِيدِينَ أَنْ تُحَاكَمُوا بِنَامُوسِ ٱلْحُرِّيَّةِ خاطب بهذا المؤمنين فإن الناموس الأدبي لهم ناموس الحرية لأن المسيح بموته على الصليب احتمل العقاب الذي توجب عليهم بالناموس وتحرروا من سلطة الخطيئة لأنهم بولادتهم الجديدة صاروا راغبين في أن يطيعوا أوامر الله (رومية ٦: ١٧ و١٨) فهم يطيعون الله إطاعة الولد لوالده حباً له بدلاً من طاعة العبودية (رومية ٨: ١٥). فالناموس الذي يدانون به هو الناموس الروحي ناموس الإنجيل. ودُعي «بناموس الحرية» (ص ١: ٢٥) و «النعمة» (رومية ٦: ١٤ و١٥). وليس من إباحة لعمل الخطيئة في ناموس الحرية لأن المسيح ليس بخادم للخطيئة (غلاطية ٢: ١٧). والموجب للطاعة على الذين هم تحت ناموس الحرية أعظم من الموجب لها على الذين هم تحت ناموس العبودية لأن الشريعة مكتوبة على قلوبهم فيطيعونها طاعة المحبة والشكر وهذه أكمل وأكثر مقبولية من الطاعة خوفاً من العقاب. وخلاصة هذه الآية أنه يجب على المؤمنين أن يذكروا أنهم سوف يدانون على كل ما يتكلمون ويعملون وأن الناموس الذي يُدانون به هو ناموس الإنجيل الذي غايته أن يحررهم من سلطان الخطيئة فيجب أن يطيعوا الله اختياراً.

١٣ «لأَنَّ ٱلْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَٱلرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى ٱلْحُكْمِ».

متّى ٥: ٧ و١٨: ٢٢ – ٣٥ ولوقا ٦: ٣٧ وأمثال ٢١: ١٣

في هذه الآية علّة أن نهتم بما نتكلم ونعمل وإلا خرجنا من دائرة الرحمة والنعمة وصرنا في دائرة الغضب والنقمة على وفق قول المسيح «طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ» وقوله «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِٱلدَّيْنُونَةِ ٱلَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ ٱلَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ» (متّى ٥: ٧ و٧: ١ و٢) وكلامه في مثَل العبد الذي لم يرحم رفيقه (متّى ١٨: ٢١ – ٣٥).

ٱلْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً هذا يوافق ما كُتب في (أمثال ٢١: ١٣ و٢صموئيل ٢٢: ٢٦ و٢٧). وقول المرنم في الله «مَعَ ٱلرَّحِيمِ تَكُونُ رَحِيماً. مَعَ ٱلرَّجُلِ ٱلْكَامِلِ تَكُونُ كَامِلاً. مَعَ ٱلطَّاهِرِ تَكُونُ طَاهِراً. وَمَعَ ٱلأَعْوَجِ تَكُونُ مُلْتَوِياً» (مزمور ١٨: ٢٥ و٢٦). وقول المسيح «إِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلاَّتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلاَّتِكُمْ» (متّى ٦: ١٥).

وَٱلرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى ٱلْحُكْمِ أي في عمل الفداء. لأن العدل يطلب دينونة الخاطئ على خطاياه ولكن الرحمة تطلب المغفرة للمؤمن بالنظر إلى كفارة المسيح فتغلب. صرّح يعقوب هنا بالمبادئ التي بمقتضاها يجري الله الدينونة في اليوم الأخير وأبان ماذا يكون الحكم على الأشرار. وعلامة كونهم خطأة أنهم لا يرحمون غيرهم وهذا دليل على أنهم بلا تقوى وبلا إيمان وبلا محبة. فالحكم على هؤلاء بلا رحمة بمقتضى العدل الذي قانونه «اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال ١٨: ٤). وأما المؤمنون بالمسيح فمطاليب الرحمة في شأنهم تغلب مطاليب العدل فيُعفى عنهم. والنتيجة أنه يجب علينا أن نكون رحماء كإلهنا وأنه يجب علينا أن نظهر الرحمة لإخوتنا البشر إذ توقعنا رحمة أبينا الله. قال يوحنا فم الذهب في شأن الرحمة ما ترجمته إنها كريمة إلى الله. وتشفع في الخاطئ. وتقطع قيوده. وتكشف ظلمته. وتطفئ نار جهنم. وتقتل الدود الذي لا يموت وتنقذ من صرير الأسنان. وتفتح أبواب السماء. وهي ملكة الفضائل وتجعل الناس مشابهين لله لأنه مكتوب «كُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضاً رَحِيمٌ» (لوقا ٦: ٣٦). ولها أجنحة من فضة كالحمامة وريش من الذهب تطير في العلى. وهي مكتسية مجداً إلهياً وتقف عند عرش الله. وحين نكون في خطر الدينونة تقف أمام الله وتتضرع من أجلنا وتسترنا حامية لنا وتجمعنا تحت جناحيها. إن الله أحب الرحمة أكثر من الذبيحة (متّى ٩: ١٣).

نسبة الإيمان إلى الأعمال ع ١٤ إلى ٢٦

١٤ «مَا ٱلْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَاناً وَلٰكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ؟ هَلْ يَقْدِرُ ٱلإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟».

ص ١: ٢٢

العلاقة بين هذا الفصل وما قبله ما يأتي. إن يعقوب أبان إن الديانة الحق لا تقوم بمجرد ممارسة الفرائض بل بالإحسان إلى الفقراء والمساكين كالأرامل واليتامى وإنها تنافي المحاباة بإكرام الأغنياء وإهانة الفقراء وزاد هنا على ذلك البيان أن الديانة الحق لا تقوم بمجرد الإقرار بالإيمان بالمسيح بدون أعمال تلائم ذلك الإقرار. وإن تسليم العقل بحقائق الإنجيل دون إثمار فارغ وباطل. وكما إن الإحسان إلى الفقراء إذا حصر في مجرد الكلام اللطيف ميت كذلك الإيمان بلا أعمال ميت وعاجز عن أن يبرر الخاطئ ويخلص نفسه.

مَا ٱلْمَنْفَعَةُ… لَهُ إِيمَاناً الاستفهام هنا إنكاري فائدته نفي نفع الخاطئ في شأن خلاصه يوم الدين. فيجب أن نميز مقصود يعقوب بالإيمان ونقابله بمقصود بولس به لكي لا نتوهم التناقض بين المقصدين فإن يعقوب أراد بالإيمان مجرد تسليم العقل بأن يسوع هو المسيح وأن دينه حق وأن هذا لا ينفع شيئاً في تغيير القلب والسيرة ولا في خلاص الخاطئ وإن هذا مثل إيمان الشياطين. وكلام يعقوب هنا في الإيمان الذي يدّعيه الإنسان بعد تجدده وهو الذي ينظر فيه صاحبه ويحكم هو وغيره بصحته وأما بولس فتكلم في الإيمان قبل التجدد وهو الذي ينظر الله فيه ويحكم به وهو الإيمان أمام الله باعتبار أنه شرط التبرير. فقول بولس «تحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس» مقصور على الخاطئ الذي يشعر بخطيئته وعجزه عن أن يخلص نفسه فيلقي ذاته على رحمة الله المعلنة بالمسيح (رومية ٣: ١٥ و٥: ٨). وهذا الإيمان يعمل بالمحبة (غلاطية ٥: ٦) ويطهر القلب. إن تنوّع الأمراض يقتضي تنوّع الأدوية كذلك تنوّع الظلال يقتضي تنوّع التعليم المنافي له. فيعقوب خاطب الذين وثقوا بأن يخلصوا بمجرد إقرار الشفتين بحقائق الإنجيل وغفلوا عن حاجتهم إلى الأعمال الأدبية. وبولس كتب إلى الذين وثقوا بأنهم يخلصون بحفظ شريعة موسى وسننها الخارجية.

وَلٰكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ تكون نتائج إيمانه وأثماره كالمحبة والوداعة والحكمة (ص ٣: ١٣) وهي الأعمال التي يعملها المؤمن بروح الطاعة والمحبة. ولكن الأعمال التي تكلم عليها بولس في (رومية ٣: ٢٧ و٢٨) هي الأعمال الرمزية التي يعملها الإنسان غير المتجدد بكبرياء ويتكل عليها للقبول أمام الله. فأغلاط الذين كتب إليهم يعقوب غير أغلاط الذين كتب إليهم بولس لذلك ألهم الروح القدس يعقوب لينفي ضلال الذين كتب إليهم هذه الرسالة على هذا الأسلوب.

هَلْ يَقْدِرُ ٱلإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ أي لا يقدر أن يخلّصه الإيمان القائم بمجرد تسليم العقل وإقرار اللسان لأن كونه بلا أعمال دليل على أنه ليس بإيمان صحيح وغير مبني على المحبة. وبهذا أبطل أمل اليهود بالخلاص وهم يكررون كل يوم منذ الطفولية إلى ساعة الوفاة قول الكتاب «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية ٦: ٤) وأبطل أمل الذين ادّعوا أنهم مسيحيون وتوقعوا الخلاص بمجرد اعترافهم أن يسوع هو المسيح وأن دينه حق.

١٥ – ١٧ «١٥ إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ ٱلْيَوْمِيِّ، ١٦ فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: «ٱمْضِيَا بِسَلاَمٍ، ٱسْتَدْفِئَا وَٱشْبَعَا» وَلٰكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ ٱلْجَسَدِ، فَمَا ٱلْمَنْفَعَةُ؟ ١٧ هٰكَذَا ٱلإِيمَانُ أَيْضاً، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ».

متّى ٢٥: ٣٥ ولوقا ٣: ١١ و١يوحنا ٣: ١٧ وغلاطية ٥: ٦ وع ٢٠ و٢٦

أخذ يعقوب يبيّن بطلان الإيمان بلا أعمال في مثل الإحسان غير الفعلي الذي يسلّم به كل عاقل وهو تمثيل في محله لأن الصفة التي نقصها الأمران صفة المحبة التي لا بد منها في الإيمان كما لا بد منها في الإحسان.

إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ من المسيحيين الذين توجب علينا محبتنا للمسيح أن نعينهم.

عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ ٱلْيَوْمِيّ أي في غاية الاحتياج إلى الكسوة والطعام في الحال.

ٱمْضِيَا بِسَلاَمٍ (ع ١٦) يُقال هذا بعد إعطاء ما يحتاج إليه. وبهذه العبارة كان يسوع يصرف الذين يشفيهم (لوقا ٧: ٥٠) ولكن الذين قالوها هنا لم يفعلوا قبلها شيئاً من الإحسان.

ٱسْتَدْفِئَا لأنهما كانا عريانين.

ٱشْبَعَا لأنه لم يكن لهما القوت اليومي. فهذه الكلمات حسنة في نفسها لكنها ليست حسنة إذا كانت عوضاً عن الحسنات.

فَمَا ٱلْمَنْفَعَةُ لك وللمحتاجين بمجرد مخاطبتك إياهما بذلك.

مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ (ع ١٧) لكونه منفصلاً من الأعمال التي تليق به. فكما أن كلمات اللطف لا تنفع المحتاجين شيئاً كذلك إيمان المدعي أنه مؤمن لا ينفع شيئاً بلا عمل ما يوجبه عليه إيمانه إن علامة خلوص محبة الإنسان للفقير وهو يستطيع أن يساعده هو إحسانه إليه فبرهان صحة المحبة للمسيح هو عمل ما يطلبه المسيح. والخلاصة أن الإيمان الحق يحمل على الأعمال الصالحة والسيرة المقدسة والخدمة للمسيح فعلاً. فإن لم توجد تلك الأعمال دل عدمها على أن الإيمان ميّت أي بلا أصل حي ينشأ هو منه ويثمر ويظهر للمشاهدين على أنه عجز أن يبرر صاحبه ويخلصه.

١٨ «لٰكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ! أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي».

رومية ٩: ١٩ و٣: ٢٨ و٤: ٦ عبرانيين ١١: ٣٣ متّى ٧: ١٦ وغلاطية ٥: ٦ ص ٣: ١٣

لٰكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ هذا كلام من رافق يعقوب على رأيه فلا يصدق صحة إيمان الإنسان الذي يصرف الفقير بمجرد الكلام اللطيف فيذهب بلا كسوة ولا طعام. وذكر يعقوب هذا القول لزيادة الإيضاح.

أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ أي كذا تدّعي لكن لم تأتِ بما يثبت ادّعاءك.

وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ وهي تشهد لي.

أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ بلا الأعمال التي يجب أن تقترن بالإيمان إن استطعت. ولكن ذلك محال فإذاً الإيمان الذي تدّعيه فارغ ميت لا يستحق أن يسمى إيماناً.

وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي هذا دليل القائل على صحة إيمانه وهو الذي طلبه يعقوب في كل رسالته وهو الذي أورده يسوع لليهود على صحة دعواه (يوحنا ١٠: ٣٧ و٣٨) وهو العلامة التي قال المسيح أن تلاميذه يميزون بها المعلمين الكاذبين من المعلمين الصادقين (متّى ٧: ٢٠) وبمقتضى ذلك نُدان في اليوم الأخير (١بطرس ١: ١٧). والذين يثيبهم الديّان في الآخرة بقوله لهم «تعالوا يا مباركي أبي الخ» هم الذين أظهروا خلوص إيمانهم ومحبتهم بإطعام الجياع وإضافة الغرباء وكسو العراة وافتقاد المرضى والمسجونين (متّى ٢٥: ٣٤ – ٣٦).

١٩ «أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَٱلشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!».

تثنية ٦: ٤ ومرقس ١٢: ٢٩ ومتّى ٨: ٢٩ ومرقس ١: ٢٤ و٥: ٧ ولوقا ٤: ٣٤

هذا خطاب يعقوب نفسه لمن يعتقد كفاية الإيمان بلا أعمال.

أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ ذكر هذه العقيدة لاتفاق اليهود والنصارى عليها ولأن اليهود امتازوا بها على سائر أمم الأرض ولم يزالوا يفتخرون بها.

حَسَناً تَفْعَلُ للاعتقاد بأن الله واحد صالح بالذات بخلاف اعتقاد الأمم لأنهم آمنوا بآلهة كثيرة وأرباب كثيرة.

وَٱلشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ بأن الله واحد ولا يطيعونه ولا يعملون صلاحاً فإذاً إيمانهم مثل إيمانك.

وَيَقْشَعِرُّونَ خيفة من الدينونة التي يستلزمها وجود الله. فإذاً تأثير إيمان الشياطين فيهم أكثر من تأثير إيمانك فيك. ومن الواضح أن الإيمان الذي لا يزيد على إيمان الشياطين باطل وعاجز عن أن يخلص الإنسان الخاطئ فإن الشياطين يؤمنون بالله وبالمسيح وبأنه ابن الله وبأنه مات من أجل الخطأة ولكن لا أحد يظن أن الشياطين يتبررون بإيمانهم فليس للناس أن يتوقعوا الخلاص بمثل إيمانهم.

٢٠ «وَلٰكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا ٱلإِنْسَانُ ٱلْبَاطِلُ أَنَّ ٱلإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ».

رومية ٩: ٢٠ و١كورنثوس ١٥: ٣٦

هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أي إن كنت تريد أن تقف على البراهين المبطلة الإيمان بلا أعمال فهي معدة. فإن لم تقنع بها فسبب ذلك عدم إرادتك الوقوف على الحق. قال ذلك تمهيداً لإقامة البرهان القاطع من كلام الله مما يتعلق بأبي المؤمنين.

أَيُّهَا ٱلإِنْسَانُ ٱلْبَاطِلُ لاستنادك على وهم باطل أو لكون إيمانك بلا أعمال فهو باطل.

أَنَّ ٱلإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ الأعمال هنا هي التي تختص بالإيمان ويجب أن تقترن به. وهذه العبارة صرّح بها قبلاً (ع ١٧) وشرع هنا في إثباتها بما يأتي. وما يصدق على الشجرة يصدق على الإيمان فإن حياة الشجرة وجودتها تُعرف بأثمارها وجودتها وكذلك الإيمان. فأعمال الإيمان الصالحة أو عدمها دليل على صفات الإيمان صالحاً أو شريراً حياً أو ميتاً. إن الأثمار لا تعطي الشجرة حياة بل تظهر حياتها فالأعمال الصالحة لا تعطي الإيمان حياة بل تظهر حياته.

٢١ «أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِٱلأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ٱبْنَهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ؟».

تكوين ٢٢: ٩ و١٠ و١٢ و١٦ – ١٨

في هذه الآية بطلان الإيمان بلا أعمال من مثال إبراهيم وأشار بولس إلى هذا المثال في (رومية ٤: ١ – ٥) ولكن لا دليل على أن أحدهما ذكره اقتداء بالآخر بل لأن مثال إبراهيم اعتبره اليهود والمسيحيون كثيراً واستندوا عليه.

أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِٱلأَعْمَالِ قال «أبونا» لأنه كان هو وكيل الذين خاطبهم من نسله كسائر اليهود. وأراد «بتبرره» أنه تبرر أمام كل المشاهدين. وقال أنه «تبرر بالأعمال» لأن الأعمال بيّنت صحة إيمانه وكانت برهاناً محسوساً على كونه قد تبرر. وقال «الأعمال» بصيغة الجمع مع أنه لم يشر بها إلا إلى عمل واحد وهو تقديم إسحاق الذي به أظهر عظمة إيمانه. ولم يقل يعقوب أن إبراهيم حفظ الناموس فتبرر به ولم يقل إن أعماله الصالحة كانت كفارة لخطاياه ولم يدّع أن أعماله علة تبريره. فمفاد قوله أن أعماله الصالحة أعلنت أنه تبرر وأن إيمانه ليس بباطل أو ميت.

قَدَّمَ إِسْحَاقَ ٱبْنَهُ عَلَى ٱلْمَذْبَحِ لم يقل ذبحه بل وضعه على المذبح بغية أن يذبحه (تكوين ٢٢: ١٠).

٢٢ «فَتَرَى أَنَّ ٱلإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِٱلأَعْمَالِ أُكْمِلَ ٱلإِيمَانُ».

عبرانيين ١١: ١٧ ويوحنا ٦: ٢٩ و١تسالونيكي ١: ٣

فَتَرَى هذا يدل أن التبرير المذكور هو الذي شاهد الناس علاماته كما سبق. والمعنى أن الأمر واضح مما ذُكر في التاريخ.

أَنَّ ٱلإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ لتظهر صحة إيمان إبراهيم وقبوله أمام الله. فأبان أن دينه لم يكن بالإيمان الذي هو دون أعمال ولا بأعمال دون الإيمان بل باقتران كل منهما بالآخر. فالإيمان والطاعة عملا معاً وتم التبرير باتحادهما. احتمل إبراهيم الامتحان وأرضى الله ونال ختم رضاه بالوعد الذي وعده الله إياه. فإيمانه قدّره على العمل وعمله أثبت خلوص إيمانه وصحته.

وَبِٱلأَعْمَالِ أُكْمِلَ ٱلإِيمَانُ أي أُكملت غايته ونتجت أثماره التي لا تظهر حقيقته بدونها. فكما أن المحبة تظهرها أعمالها التي هي تحث عليها كذلك الإيمان يكون بالأعمال. وأُكمل الإيمان بالأعمال كما تُكمل الحنطة حين يظهر «القمح ملآن في السنبل» وهذا مثل قول الرسالة إلى العبرانيين «بِٱلإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ قَدَّمَ ٱلَّذِي قَبِلَ ٱلْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. إِذْ حَسِبَ أَنَّ ٱللّٰهَ قَادِرٌ عَلَى ٱلإِقَامَةِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (عبرانيين ١١: ١٧ – ١٩). فكانت طاعة إبراهيم من أعظم الأدلة على أن إيمانه كان إيماناً حياً وأنه كان قد تبرر. إن الإيمان ينشئ الأعمال وإن الأعمال تكلل الإيمان.

٢٣ «وَتَمَّ ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ: فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِٱللّٰهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً وَدُعِيَ خَلِيلَ ٱللّٰهِ».

تكوين ١٥: ٦ ورومية ٤: ٣ وإشعياء ٤١: ٨ و٢أيام ٢٠: ٧

وَتَمَّ ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِٱللّٰهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً هذا مقتبس من (تكوين ١٥: ١٦). واقتبسه بولس مرتين (رومية ٤: ٣ وغلاطية ٣: ٦) وتم الكتاب مرتين الأولى بإيمان إبراهيم بوعد الله بإسحاق فإن إبراهيم حين لم يكن له ولد سوى ابن الجارية (وقد طعن هو في السن) آمن بوعد الله بأن يكون من ابنه إسحاق (الذي لم يكن قد وُلد) نسل كنجوم السماء في الكثرة. والثانية بطاعته وتقديم ابنه إسحاق طوعاً لأمر الله وبذلك أظهر حقيقة إيمانه إذ عزم على أن يسلّم إلى الموت الذي كان وارث كل المواعيد. فالكلام المقتبس هنا يشير إلى ما حدث منذ عدة سنين قبل تقديمه إسحاق بل قبل ولادته وهو يبرهن أن الله حسبه باراً يومئذ. فإذاً الطاعة التي أشار إليها يعقوب بتقديمه إسحاق لا يمكن أن تكون علة بتبريره بل هي برهان على أن إيمانه حي حقيقي.

وَدُعِيَ خَلِيلَ ٱللّٰهِ ذكر يعقوب هذا ليبيّن أن الله سر به لا ليبيّن أن الكتاب تم بذلك. ولم يقل موسى في التوراة أن الله دعا إبراهيم خليله لأنه قدم ابنه لكن ينتج من مواعيد الله له أنه كان حبيب الله. وقد سمي في العهد القديم «خليل الله» مرتين (٢أيام ٢٠: ٧ وإشعياء ٤١: ٨).

٢٤ «تَرَوْنَ إِذاً أَنَّهُ بِٱلأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ ٱلإِنْسَانُ، لاَ بِٱلإِيمَانِ وَحْدَهُ».

تَرَوْنَ إِذاً أَنَّهُ بِٱلأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ ٱلإِنْسَانُ لأن الأعمال هي الأثمار التي يعرف بها الإيمان الحيّ.

لاَ بِٱلإِيمَانِ وَحْدَهُ ذو الشأن في هذه العبارة لفظة «وحده» ومعناها أن التسليم العقلي دون أعمال لا يبرر وأنه لا يمكن الأعمال الصالحة أن تنفك عن الإيمان الصحيح.

٢٥ «كَذٰلِكَ رَاحَابُ ٱلزَّانِيَةُ أَيْضاً، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِٱلأَعْمَالِ، إِذْ قَبِلَتِ ٱلرُّسُلَ وَأَخْرَجَتْهُمْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ؟».

يشوع ٢: ٤ و٦ و١٥ وعبرانيين ١١: ٣١

إن المثال الثاني الذي أتى به يعقوب هو مثال راحاب وقد أُتي به في (عبرانيين ١١: ٣١). فإنها أظهرت إيمانها بقبولها الجاسوسين وحمايتها إياهما حين أُرسلا من معسكر إسرائيل (يشوع ص ٢). كان المثال الأول الذي أتى به مثال رجل مشهور بالتقوى. والثاني مثال امرأة عُرفت بأنها زانية. وكان ذلك الرجل نائب كل من تبرروا من اليهود. وكانت تلك نائبة كل من تبرروا من الأمم لأنها كانت وثنية الأصل.

تَبَرَّرَتْ بِٱلأَعْمَالِ أظهرت بأعمالها أن إيمانها بإله إسرائيل كان حياً حقيقياً وبأنه يدفع إريحا إلى أيدي بني إسرائيل كما يظهر من قوله «عَلِمْتُ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدْ أَعْطَاكُمُ ٱلأَرْضَ، وَأَنَّ رُعْبَكُمْ قَدْ وَقَعَ عَلَيْنَا، وَأَنَّ جَمِيعَ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ ذَابُوا مِنْ أَجْلِكُمْ، لأَنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا كَيْفَ يَبَّسَ ٱلرَّبُّ مِيَاهَ بَحْرِ سُوفَ قُدَّامَكُمْ عِنْدَ خُرُوجِكُمْ مِنْ مِصْرَ… لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكُمْ هُوَ ٱللّٰهُ فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلَى ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتُ» (يشوع ٢: ٩ – ١١).

إِذْ قَبِلَتِ ٱلرُّسُلَ وَأَخْرَجَتْهُمْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ (يشوع ٢: ١ و١٦). كانت نتيجة إيمانها أنها أنقذت من الموت بهدم أريحا وصارت بتزوجها سلمون الإسرائيلي واحدة من أسلاف المسيح. وتسطير اسمها بإلهام الروح القدس بين الممتازين بعظمة إيمانهم يحملنا على أن نحكم بأنها نالت خلاص نفسها من الهلاك الأبدي ونالت حياة أبدية في السماء.

٢٦ «لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلْجَسَدَ بِدُونِ رُوحٍ مَيِّتٌ، هٰكَذَا ٱلإِيمَانُ أَيْضاً بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ».

غلاطية ٥: ٢٦ ع ٢٠ و٢٦

التشبيه في هذه الآية خلاف ما يتوقعه أكثر الناس لأنهم اعتادوا أن يحسبوا الإيمان بمنزلة الروح لأنه روحي غير منظور والأعمال بمنزلة الجسد لأنها ظاهرة محسوسة. لكن يعقوب أنزل الإيمان منزلة الجسد في الحياة المسيحية والأعمال أي الطاعة منزلة الروح التي بها الحياة والحركة. وعلة صورة هذا التشبيه هي غايته أن يبيّن موت الإيمان بلا أعمال لا موت الأعمال بلا إيمان والنتيجة واحدة كيف كانت صورة التشبيه وهي قول الآية.

ٱلْجَسَدَ بِدُونِ رُوحٍ مَيِّتٌ أي الجسد متى انفصلت الروح عنه مات كما نعلم بالاختبار إذ يفقد بذلك كل علامات الحياة.

هٰكَذَا ٱلإِيمَانُ أَيْضاً بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ لأن الأعمال هي العلامات الضرورية للحياة فإذا انتفت الأعمال انتفت حياة الإيمان بالضرورة. والخلاصة أن التسليم العقلي بمبادئ الدين يحسن صورة ونظاماً كالجسد على أثر مفارقته الروح لكنه لا يكون سوى جثة فقط إذا كان بلا محبة ولا طاعة ولا خدمة لله وللناس مما يظهر حرارته وحياته.

إنه لا يلزم مما ذُكر أن الإيمان الحي يتخذ الحياة من الأعمال إنما يُظهر بها علامات الحياة.

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى