الرسالة الأولى إلى تسالونيكي| 03 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة الأولى إلى تسالونيكي
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ
إن غاية هذا الأصحاح كغاية الأصحاح الذي سبقه وهي دفع أوهام بعض التسالونيكيين وشكاية غيرهم بأنه لا يبالي بهم وأنه فارقهم لغير ضرورة كافية وأنه تركهم يحتملون الشدائد ولم يرجع ليعزيهم ويؤكد حقيقة عنايته بهم وشدة محبته لهم وأقام برهاناً على ذلك أنه أرسل تيموثاوس إليهم وهو في حاجة إليه (ع ١ – ٥) وتعزيته بالخبر الذي بلغه من جهتهم (ع ٦ – ٨). والشكر لله من أجلهم وبيان شوقه إلى رؤيتهم وأنه كان يطلب ذلك دائماً في الصلاة (ع ٩ – ١١) وصلاة لأجل نموهم بالمحبة الأخوية والقداسة (ع ١٢ و١٣).
سبب إرساله تيموثاوس إليهم ع ١ إلى ٥
١ «لِذٰلِكَ إِذْ لَمْ نَحْتَمِلْ أَيْضاً ٱسْتَحْسَنَّا أَنْ نُتْرَكَ فِي أَثِينَا وَحْدَنَا».
ع ٥ أعمال ١٧: ١٥
لِذٰلِكَ أي لما ذُكر في الأصحاح السابق من شوقه إليهم.
إِذْ لَمْ نَحْتَمِلْ أَيْضاً أي لم نستطع أن نصبر لاضطراب أفكارنا بألم الفراق والرغبة في مسمع أخباركم بدون أن نأتي ما نلقي به ذلك الثقل لأن ذلك الاضطراب كحمل ثقيل علينا. قال بولس ذلك على نفسه لأنه حين أرسل تيموثاوس بقي وحده (أعمال ١٧: ١٥ و١٨: ٥).
ٱسْتَحْسَنَّا أَنْ نُتْرَكَ فِي أَثِينَا وَحْدَنَا يظهر من نبإ لوقا أن بولس بعد ما طُرد من تسالونيكي وبيرية أتى إلى أثينا تاركاً سيلا وتيموثاوس أن يأتيا إليه سريعاً (أعمال ١٧: ١٥) والمرجح أنهما أتيا بمقتضى طلبه. ثم أرسل بولس تيموثاوس إلى تسالونيكي وسيلا إما إلى بيرية وإما إلى فيلبي ومما يثبت ذلك قول لوقا أنهما أتيا من مكدونية إلى كورنثوس على أثر وصول بولس إليها (أعمال ١٨: ٥) وكلام بولس في الآية يدل على أن وحدته بين الغرباء في أثينا كانت ثقلاً عليه لكنه فضل أن يحمل هذا الثقل لكي يرسل تيموثاوس لأجل بنيانهم في الإيمان وإظهار محبته لهم وإتيانه بأخبارهم.
٢ «فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ أَخَانَا، وَخَادِمَ ٱللّٰهِ، وَٱلْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ، حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ وَيَعِظَكُمْ لأَجْلِ إِيمَانِكُمْ».
رومية ١٦: ٢١ و١كورنثوس ١٦: ١٠ و٢كورونثوس ١: ١١
فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ هذا يدل على أنه وصل من تسالونيكي إلى أثينا مع أن لوقا لم ينبئ بذلك في سفر الأعمال.
أَخَانَا في المسيح ولذلك كان عزيزاً إليه فأراد الرسول أن تتخذ كنيسة تسالونيكي إرساله إياه إليهم دليلاً على محبته لها ورغبته في أن ينكر نفسه في سبيل نفعهم.
خَادِمَ ٱللّٰهِ أراد أن يعلن لهم إكرامه له مع كونه شاباً ويحقق لهم أنه قادر على إفادتهم في الروحيات.
وَٱلْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ فإذاً كان محتاجاً ويزيدهم شجاعة ورجاء.
حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ في تعاليم الإنجيل بما يقوي إيمانهم بالمسيح ويزيدهم شجاعة ورجاء.
يَعِظَكُمْ لأَجْلِ إِيمَانِكُمْ أي لأجل توطيد إيمانكم. يفيد الوعظ في الأصل اليوناني «التعزية» وكانوا في حاجة إليها لوقوع الاضطهاد عليهم. وكانت غاية ذلك بيان أن إيمانهم ليس باطلاً وأن المسيح معتن بهم وأنه سوف ينقذهم من ضيقهم ويثيبهم على كل ما احتملوه.
٣ «كَيْ لاَ يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ فِي هٰذِهِ ٱلضِّيقَاتِ. فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهٰذَا».
أفسس ٣: ١٣ أعمال ٩: ١٦ و١٤: ٢٢ و٢٠: ٢٣ و٢١: ١١ و١كورنثوس ٤: ٩ و٢تيموثاوس ٣: ١٢ و١بطرس ٢: ٢١
كَيْ لاَ يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ ممن اعترفوا بإيمانهم لكي لا يرتد خيفة من الاضطهاد بل يكونوا راسخين.
فِي هٰذِهِ ٱلضِّيقَاتِ المشار إليها في (ص ٢: ١٤) والموضحة في (أعمال ١٧: ٥).
فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مما علمتكم سابقاً.
أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهٰذَا أي أننا نحن وكل أتباع المسيح موضوعون للضيقات بقضاء الله تعالى لامتحان إيماننا وإعدادنا للملكوت السماوي (متّى ٥: ١٠ – ١٢ و١٠: ٢١ و٢٢ و٣٤ ويوحنا ١٥: ١٨ و١٦: ٢ وأعمال ١٤: ٢٢ و١كورنثوس ٤: ٩ و٢تيموثاوس ٣: ١٢). وقال هذا لئلا يحسبوا أنه أصابهم أمر غريب على حد قول بطرس الرسول «أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا ٱلْبَلْوَى ٱلْمُحْرِقَةَ ٱلَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ ٱمْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ» (١بطرس ٤: ١٢).
٤ «لأَنَّنَا لَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ سَبَقْنَا فَقُلْنَا لَكُمْ: إِنَّنَا عَتِيدُونَ أَنْ نَتَضَايَقَ، كَمَا حَصَلَ أَيْضاً، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ».
أعمال ٢٠: ٢٤
لأَنَّنَا هذا تعليل لعدم أن يتزعزعوا.
سَبَقْنَا فَقُلْنَا لَكُمْ: إِنَّنَا عَتِيدُونَ أَنْ نَتَضَايَقَ فإذاً كانت تلك الضيقات مما أنبأهم بها فتوقعوها. ومن ذلك إخباره إياهم بما أصابه في فيلبي وما أنبأ المسيح به كل تلاميذه فتوقعوه (متّى ١٠: ١٥ – ٢٥) وما أصاب المسيحيين في أماكن كثيرة. ولم يحاول أن يجعلهم أن يؤمنوا بالمسيح بإخفائه عنهم المخاطر والمصائب المقترنة بذلك فاختار أن يحسبوا النفقة قبل أن يشرعوا في اتباع المسيح. فتمثل بولس بهذا بما أتاه المسيح يوم قال له الكاتب «يَا مُعَلِّمُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي» (متّى ٨: ١٩).
كَمَا حَصَلَ الخ وذكر ذلك لوقا في (أعمال ١٧: ٥ – ٨).
٥ «مِنْ أَجْلِ هٰذَا إِذْ لَمْ أَحْتَمِلْ أَيْضاً، أَرْسَلْتُ لِكَيْ أَعْرِفَ إِيمَانَكُمْ، لَعَلَّ ٱلْمُجَرِّبَ يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ، فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلاً».
ع ١ و١كورنثوس ٧: ٥ و٢كورنثوس ١١: ٣ غلاطية ٢: ٢ و٤: ١١ وفيلبي ٢: ١٦
مِنْ أَجْلِ هٰذَا أي لأني علمت أنه لا بد من أن تصيبكم المصائب وكنت مهتماً بأمر احتمالكم إياها بشجاعة وثبات.
لَمْ أَحْتَمِلْ أَيْضاً كما قيل في (ع ١) والمعنى أني لم أحتمل أن أبقى صابراً على انقطاع أخباركم.
أَرْسَلْتُ تيموثاوس (ع ٢).
لِكَيْ أَعْرِفَ إِيمَانَكُمْ أي لأتحقق أنكم لا تزالون غير متزعزعين في الإيمان.
لَعَلَّ ٱلْمُجَرِّبَ أي للشيطان (متّى ٤: ٣ وص ٢: ١٨).
يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ أي اتخذ التجارب التي أثارها عليكم وسيلة إلى أن يلقي في قلوبكم الشك في قوة المسيح على وقايتكم والعناية بكم ولتخويفكم حتى تنكروا إيمانكم.
فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلاً علم بولس بوقوع التجارب عليهم وعلم أن الشيطان يجربهم بها لكنه لم يعلم ماذا تكون نتيجة ذلك أيرتدون أم يثبتون فإن ارتدوا كانت خسارتهم أعظم من خسارته لكن لطفه لم يسمح له أن يذكر خسارتهم. ومحبته لهم حملته على حسبان خسارتهم خسارة له. فاقتصر على ذكر خسارته والذي يخسره احتماله من المشاق في التبشير بالإنجيل بينهم وما يتوقعه من الفرح بخلاصهم. ولا بد من أن الله يثيبه على أمانته بالشهادة للحق قبلها الناس أم لم يقبلوها.
تعزيته بالخبر الذي بُلّغه من جهتهم ع ٦ إلى ٨
٦ «وَأَمَّا ٱلآنَ فَإِذْ جَاءَ إِلَيْنَا تِيمُوثَاوُسُ مِنْ عِنْدِكُمْ، وَبَشَّرَنَا بِإِيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ، وَبِأَنَّ عِنْدَكُمْ ذِكْراً لَنَا حَسَناً كُلَّ حِينٍ، وَأَنْتُمْ مُشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْنَا، كَمَا نَحْنُ أَيْضاً أَنْ نَرَاكُمْ».
أعمال ١٨: ١ و٥ فيلبي ١: ٨
في هذه الآية أنباء بأن كل همومه قد زالت بمجيء تيموثاوس.
إِذْ جَاءَ إِلَيْنَا تِيمُوثَاوُسُ مِنْ عِنْدِكُمْ ذُكر إرساله من أثينا إلى تسالونيكي في (ع ٢) وذُكر مجيئه منها إلى كورنثوس في (أعمال ١٨: ٥). فالمرجح أن هذه الرسالة كُتبت على أثر إتيانه إلى بولس بدليل قوله «الآن» في هذه الأية.
وَبَشَّرَنَا بِإِيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ تعزى بولس من أمرين الأول أن ضيقاتهم لم تحملهم على أن يشكوا في الله ورحمته ولا أن يقصروا عن مواساة إخوتهم المتضايقين معهم والمساعدة لهم.
وَبِأَنَّ عِنْدَكُمْ ذِكْراً لَنَا حَسَناً هذا الأمر الثاني الذي تعزى بولس منه وهو أنهم لا يزالون يعتبرونه الاعتبار الأول فإن ذكرهم الحسن له واشتيقاهم إلى رؤيته من الأدلة على أنهم ثابتون في التعليم الذي علمهم إياه لأنه من أول أدلة انحراف الناس عن الإيمان هو كرههم مشاهدة الذي علمهم حقائق ذلك الإيمان.
وَأَنْتُمْ مُشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْنَا تحقق من ذلك أنهم لم يصغوا إلى من لاموه على تركه إياهم واتهموه أنه أبطأ في الرجوع بلا علة وأنهم اعتبروه معلماً وصديقاً لهم كما أنه اعتبرهم أصدقاء أعزاء له.
٧ «فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا تَعَزَّيْنَا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَتِكُمْ فِي ضِيقَتِنَا وَضَرُورَتِنَا بِإِيمَانِكُمْ».
٢كورنثوس ١: ٤ و٧: ٦ و٧ و١٣
فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا أي بناء على ما سبق في (ع ٦).
تَعَزَّيْنَا… مِنْ جِهَتِكُمْ كما تعزّى قبلاً من جهة أهل كورنثوس بمجيء تيطس من عندكم (٢كورنثوس ١: ٣ – ٧ و٧: ٦) وأصل هذه التعزية استمرار التسالونيكيين على إيمانهم بالمسيح.
فِي ضِيقَتِنَا وَضَرُورَتِنَا الخ أي في أثنائهما. لم يذكر ما علة تلك الضيقة وتلك الضرورة ولكن نعلم أنها ليست همومه في شأن التسالونيكيين وحدها لأنه لو كانت كذلك لزالت عند مجيء تيموثاوس بالبشارة.
٨ «لأَنَّنَا ٱلآنَ نَعِيشُ إِنْ ثَبَتُّمْ أَنْتُمْ فِي ٱلرَّبِّ».
فيلبي ٤: ١
لأَنَّنَا ٱلآنَ نَعِيشُ أي نشغر بأننا نعيش. اعتبر بولس الضيقات والضرورات التي أحاطت به نوعاً من الموت لأنها قطعت عنه وسائل فرح الحياة واعتبر أنه انتعش بالبشارة بثباتهم حتى تجددت قوته فلم يشعر بعد بالحزن الناشئ عما أحاط به من الرزايا. إن الرسول لم يجعل ثباتهم في الإيمان إلى ذلك الوقت شرط انتعاشه لكنه حسبه استمرارهم على ذلك بدليل قوله «نعيش بأن ثبتم» لا لأنكم ثبتم.
شكره لله من أجلهم ووصفه اشتياقه إليهم ١١
٩ «لأَنَّهُ أَيَّ شُكْرٍ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُعَوِّضَ إِلَى ٱللّٰهِ مِنْ جِهَتِكُمْ عَنْ كُلِّ ٱلْفَرَحِ ٱلَّذِي نَفْرَحُ بِهِ مِنْ أَجْلِكُمْ قُدَّامَ إِلٰهِنَا؟».
ص ١: ٢
أبان الرسول وفرة فرحه بالبشارة التي أتاه بها تيموثاوس بعدم استطاعته أن يشكر الله شكراً كافياً.
أَيَّ شُكْرٍ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُعَوِّضَ إِلَى ٱللّٰهِ حسب تقديم الشكر لله تعويضاً واجباً عن إحسانه تعالى كما حسبه داود بقوله «مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ كَأْسَ ٱلْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أَدْعُو. أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ كُلِّ شَعْبِهِ» (مزمور ١١٦: ١٢ – ١٤).
قُدَّامَ إِلٰهِنَا فرحه بإيمانهم حمله أن يشكر الله الذي هو أعطاهم نعمة الثبات وأوصله تقديم الشكر إلى حضرته تعالى كأنه واقف عند قدميه.
١٠ «طَالِبِينَ لَيْلاً وَنَهَاراً أَوْفَرَ طَلَبٍ أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ، وَنُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ».
رومية ١: ١٠ و١١ و١٥: ٣٢ أعمال ٢٦: ٧ و٢تيموثاوس ١: ٣ ص ٢: ١٧ و٢كورنثوس ١٣: ٩ و١١ وكولوسي ٤: ١٢
طَالِبِينَ لَيْلاً وَنَهَاراً… أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ إن إرساله تيموثاوس إليهم نائباً عنه ورجوعه إليه بالبشارة لم يرويا عطشه إلى رؤيتهم بل شوّقه أكثر إلى ذلك حتى أنه اضطر إلى الصلاة لله حتى يسهل طريقه للرجوع إليهم. والذي رغبه في تلك الصلاة هو تيقنه أن المانع من رجوعه إليهم الشيطان لا إرادة الله.
وَنُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ تيقن بولس حقيقة إيمانهم وفرحهم باستمرارهم عليه لكنه أعلن أن إيمانهم ليس كاملاً لأنهم حديثو الإيمان ومطالعة كلام الله وأنه يمكنهم أن ينمو في تلك الفضيلة وأن الوسيلة إلى ذلك النمو زيادة تعاليم الأمور الروحية مما يكون في طاقته أن يقدمه لهم أن سمح الله بإتيانه إليهم.
١١ «وَٱللّٰهُ نَفْسُهُ أَبُونَا وَرَبُّنَا يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ يَهْدِي طَرِيقَنَا إِلَيْكُمْ».
أمثال ٣: ٥ و٦ ومرقس ١: ٣
وَٱللّٰهُ نَفْسُهُ أي الأقنوم الأول في اللاهوت عينه ولا يخفى ما في العبارة من التوكيد وبيان الثقة بأن الله قادر على أن يبطل مقاومة الشيطان التي لم يستطع بولس إبطالها لأنه يقدر أن يجري كل مقاصده في أمور الناس على وفق مشيئته.
وَرَبُّنَا يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ وجّه صلاته إلى المسيح كما وجهها إلى الآب وهذا برهان على أنه اعتقد أن المسيح الله وأنه موضوع الصلاة ورب العناية كالآب لأنه يستحيل أن يشارك المخلوق الخالق في المعبودية.
يَهْدِي طَرِيقَنَا إِلَيْكُمْ أي يهدينا الطريق الموصلة إليكم ويسهلها علينا. كان لله مقاصد أُخر أراد إنفاذها بواسطة بولس فبعد ما أنفذها استجاب هذه الطلبة ولكن المرجح أنه تقضت ثلاث سنين أو أربع سنين قبل أن استجابها (أعمال ٢: ١ و٣). وقوله في هذه الآية «يهدي» والضمير مفرد يرجع إلى اثنين الآب والابن دليل قاطع على كونهما جوهراً واحداً.
صلاة لأجل نموهم بالمحبة الأخوية والقداسة ع ١٢ و١٣
١٢ «وَٱلرَّبُّ يُنْمِيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ، كَمَا نَحْنُ أَيْضاً لَكُمْ».
ص ٤: ١٠ متّى ٧: ١٢ ورويمة ١٣: ٨ و١كورنثوس ١٣ كله وص ٤: ٩ و٥: ١٥ و٢بطرس ١: ٧
وَٱلرَّبُّ يُنْمِيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ هذا طلب مستمر أجاب الله طلبته تسهيل مجيئه إليهم أولاً. والمراد «بالرب» هنا إما الروح القدس كما في (٢كورنثوس ٣: ١٧) أو الأقانيم الثلاثة. وغاية هذه الطلبة أن الله من وفرة نعمته يزيد مؤمني تسالونيكي أعظم مقدار من المحبة الأخوية.
وَلِلْجَمِيعِ لم يكتف بطلب أن يحب بعض المؤمنين بعضاً فرغب في أنهم يحبون الذين هم خارج الكنيسة محبة الشفقة والإفادة. فالمحبة الأخوية والمحبة العامة هما ثمر الروح (غلاطية ٥: ٢٢).
كَمَا نَحْنُ أَيْضاً لَكُمْ أي كما أظهرنا لكم حين كنتم بلا مسيح ولا إنجيل لأن تلك المحبة حملتنا أن نبادركم ببشارة الخلاص. ولولا ذلك لم يكونوا بحسب الظاهر مسيحيين أصلاً.
١٣ «لِكَيْ يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ بِلاَ لَوْمٍ فِي ٱلْقَدَاسَةِ، أَمَامَ ٱللّٰهِ أَبِينَا فِي مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِ قِدِّيسِيهِ».
١كورنثوس ١: ٨ وفيلبي ١: ١٠ وص ٥: ٢٣ و٢تسالونيكي ٢: ١٧ و١يوحنا ٣: ٢٠ و٢١ زكريا ١٤: ٥ ويهوذا ١٤
لِكَيْ هذا بيان لغاية طلب الرسول نموهم وزيادتهم في المحبة (ع ١٢).
يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ بِلاَ لَوْمٍ هذا أيضاً من أفعال الروح القدس بدليل قول بطرس «كَأَطْفَالٍ مَوْلُودِينَ ٱلآنَ ٱشْتَهَوْا ٱللَّبَنَ ٱلْعَقْلِيَّ ٱلْعَدِيمَ ٱلْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ» (١بطرس ٢: ٢).
أَمَامَ ٱللّٰهِ إنه أمر وجيز أن يكونوا بلا لوم أمام الناس الذين لا يرون إلا الظاهر فسأل أن يكونوا كذلك أمام الله الذي يفحص القلوب.
فِي مَجِيءِ رَبِّنَا أي في اليوم الأخير حين يدين المسيح جميع الناس قدام الله. نعم إن الآب «قَدْ أَعْطَى كُلَّ ٱلدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ» (يوحنا ٥: ٢٢). ولكن هذا لا يمنع أن الله يدين العالم بواسطة المسيح لأنه «أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْعَدْلِ، بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ، مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (أعمال ١٧: ٣١).
مَعَ جَمِيعِ قِدِّيسِيهِ أي بمرافقة جميع المفديين (متّى ٢٤: ٣١ ولوقا ٢٢: ٣٠ ويوحنا ٥: ٢٨ و١كورنثوس ٦: ٣ وص ٤: ١٦ و١٧). وهذا لا يمنع حضور الملائكة أيضاً فإن ذلك أعلن في (متّى ٢٥: ٣١ و١٣: ٤١ و١٦: ٢٧ و٢تسالونيكي ١: ٧). ولعل الرسول قصد «بقديسيه» مفديي الناس والملائكة معاً.
السابق |
التالي |