تسالونيكي الأولى

الرسالة الأولى إلى تسالونيكي| 05 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة الأولى إلى تسالونيكي

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ

وجوب انتظاركم مجيء المسيح والاستعداد له بصحو وسهر بناء على أنه يكون بغتة وعلى كونهم أولاد نور (ع ١ – ١١). توصية من جهة مرشديهم ومعلميهم الروحيين (ع ١٢ و١٣). نصائح في الاتحاد والصلاة والقداسة (ع ١٤ – ٢٢). خاتمة الرسالة (ع ٢٣ – ٢٨).

وجوب انتظار مجيء المسيح والاستعداد له ع ١ إلى ١١

ما ذُكر في عنوان هذا الفصل هو الأمر الرابع مما ذُكر في القسم العملي وكان الأول الطهارة والثاني إظهار المحبة الأخوية بالأعمال والثالث ترك الاهتمام بالموتى بالنظر إلى ما يحدث عند مجيء المسيح.

١ «وَأَمَّا ٱلأَزْمِنَةُ وَٱلأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا».

متّى ٢٤: ٣ و٣٦ وأعمال ١: ٧ ص ٤: ٩

وَأَمَّا ٱلأَزْمِنَةُ وَٱلأَوْقَاتُ المتعلقة بمجيء المسيح ثانية. حسب الرسول أن التسالونيكيين بعد ما قرأوا ما كتبه في شأن ذلك المجيء يسألونه متى يكون ذلك كما سأل التلاميذ المسيح حين تكلم ابن الإنسان بقولهم «متى يكون هذا» (متّى ٢٤: ٣). وقولهم له بعد قيامته «هَلْ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ تَرُدُّ ٱلْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ» (أعمال ١: ٦).

فَلاَ حَاجَةَ… أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا لأنه أنبأهم بها شفاهاً يوم كان عندهم وهو أنها مكتومة.

٢ «لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِٱلتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ ٱلرَّبِّ كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ هٰكَذَا يَجِيءُ».

متّى ٢٤: ٤٣ و٢٥: ١٣ ولوقا ١٢: ٣٩ و٤٠ و٢بطرس ٣: ١٠ ورؤيا ٣: ٣ و١٦: ١٥

لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِٱلتَّحْقِيقِ مما عرفتم منا إذا ذكرتم ذلك. والمعنى أنكم عرفتم مما قلته لكم قبلاً أن يوم الرب من أسرار الله الخفية.

يَوْمَ ٱلرَّبِّ أي وقت استعلان المسيح (ص ٤: ١٥) وهو اليوم الذي أنبأ به النبي يوئيل (يؤيل ٢: ٢٨ – ٣٢). والذي أشار إليه بطرس في خطابه يوم الخمسين (أعمال ٢: ٢٠) وأنبأ به المسيح نفسه وتكلم عليه بولس (متّى ٢٤: ٣٨ – ٤٣ ولوقا ١٢: ٣٩ و٤٠ و٢تسالونيكي ٢: ٢ و١كورنثوس ١: ٨ وفيلبي ١: ٦ و١٠ و٢: ١٦). وليس المقصود به هنا وقت موت أحد ولا وقت خراب أورشليم. وأراد قدماء الأنبياء «بيوم الرب» الوقت الذي عيّنه الله ليجري النقمات الشديدة على الأشرار وتسميته «يوماً» لا يعين مقداره.

كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ هٰكَذَا يَجِيءُ أي أسلوب مجيئه كذلك. وهذا يُراد به ما يحدث بغتة أي بلا تنبيه ولا انتظار (لوقا ١٢: ٣٩ ورؤيا ٣: ٣) فسيكون مدهشاً لكل أهل العالم وسيكون للدنيويين كلص أيضاً في كونه مخيفاً. وفيه تُسلب منهم كل كنوزهم. ويتضح من ذلك أن الذين يتصدون لتعيين يوم مجيئه أو سنته أو قرنه يتعبون عبثاً لأنه من قصد الله أن يكون مكتوماً على البشر.

٣ «لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: «سَلاَمٌ وَأَمَانٌ» حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَٱلْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ».

إشعياء ١٣: ٦ إلى ٩ ولوقا ١٧: ٢٦ إلى ٣٠ و٢١: ٣٤ و٣٥ و٢تسالونيكي ١: ٩ إرميا ١٣: ٢١ وهوشع ١٣: ١٣

حِينَمَا يَقُولُونَ أي الدنيويون وغير المؤمنين لا شعب المسيح.

سَلاَمٌ وَأَمَانٌ بدعوى أن لا داعي إلى الخوف ولا دليل على سرعة مجيء المسيح (انظر متّى ٢٤: ٣٦ – ٤٢ وتفسيره) ويتضح من ذلك أنه لا يكون كل الناس متجددين أبراراً في يوم مجيء الرب.

يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً كما قيل في (٢بطرس ٣: ٣ و٤). فإذا يكون أهل العالم حينئذ غير مستعدين كما كانوا في أيام الطوفان وفي أيام انقلاب سدوم وعمورة ويوم فتح بابل ووقت خراب أورشليم وكما يغلب أن يكون موت الشرير بالنظر إليه. ويظهر أن هذا الهلاك يكون أهول من الموت لأنه يكون بعد مجيء المسيح للدينونة ولا يكون ملاشاة بل انفصالاً عن كل مشاركة في خلاص شعب الله واحتمال غضبه على الخطايا.

كَٱلْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى في مجيء الطلق بغتة وإنشائه الاضطراب ووجه الشبه هذا فقط. وكثيراً ما جاء في الكتاب المقدس بهذا المعنى ومنه ما في (مزمور ٤٨: ٦ وإشعياء ٥٣: ١١ وإرميا ٤: ٣١ و٦: ٢٤ و١٣: ٢١ وميخا ٤: ٩ و١٠ ويوحنا ١٦: ٢١).

فَلاَ يَنْجُونَ من الهلاك وهم ينتظرون السلام والأمان.

٤ «وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ كَلِصٍّ».

رومية ١٣: ١٢ و١٣ و١يوحنا ٢: ٨

وَأَمَّا أَنْتُمْ أي التسالونيكيون وسائر المؤمنين بالمسيح.

فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ أي في جهل وغفلة كأهل العالم الذين لا يعرفون الله.

حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ كَلِصٍّ أي حتى يدرككم يوم الرب كلص. إن يوم مجيء الرب مخيف لأهل العالم لأنه يأتيهم بغتة غير مستعدين له كإتيان اللص لكنه يأتي الذين ينتظرونه ويشتاقونه رسول بهجة كضوء الفجر لمنتظري الصباح.

٥ «جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْلٍ وَلاَ ظُلْمَةٍ».

أفسس ٥: ٨

جَمِيعُكُمْ مؤمنو تسالونيكي وغيرهم.

أَبْنَاءُ نُورٍ أي ذو معرفة وانتباه بخلاف أهل العالم. فإنهم قد آمنوا بالمسيح واستناروا منه وهو نور العالم حتى صح أن يقال فيهم أنهم «أبناء نور» فهم تعلموا منه وساروا في نور وصاياه وسيرته.

وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ أي مستيقظون متوقعون مجيء الرب فهم كأنهم في ضوء النهار أبداً. فيرون الحق جلياً من جهة الله والخطيئة والمستقبل فلا يكون مجيء المسيح مخيفاً ولا مدهشاً.

٦ «فَلاَ نَنَمْ إِذاً كَٱلْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ».

متّى ٢٥: ٥ متّى ٢٤: ٤٢ و٢٥: ١٣ ورومية ١٣: ١١ إلى ١٣ و١بطرس ٥: ٨

فَلاَ نَنَمْ إِذاً كَٱلْبَاقِينَ غير المؤمنين فإنهم ينامون نوم الخطيئة والغفلة عن الأمور المتعلقة بخلاص نفوسهم.

بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ أي لنتوقع مجيء الرب بانتباه لأن الرب لا بد من أن يجيء ولأن وقت مجيئه مجهول فيمكن أن يجيء اليوم أو غداً فلنصح لئلا نقع في التجربة. على حد قوله لتيموثاوس «وَأَمَّا أَنْتَ فَٱصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ» (٢تيموثاوس ٤: ٥). وقول بطرس «إِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَٱصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ» ١بطرس ٤: ٧) وقول المسيح «اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (متّى ٢٦: ٤١). ومعنى الصحو الحقيقي ضد السكر فاستعير للفطنة والحذر. وفي هذه الآية إشارة إلى أن الاشرار غافلون كالنيام ليلاً وقد أخذ السكر منهم كل مأخذ فسلموا أنفسهم للدعارة. وأفضل تفسير لهذه الآية قول المسيح «ٱحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ ٱلْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ بَغْتَةً. لأَنَّهُ كَٱلْفَخِّ يَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ٱلْجَالِسِينَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ. اِسْهَرُوا إِذاً وَتَضَرَّعُوا فِي كُلِّ حِينٍ، لِكَيْ تُحْسَبُوا أَهْلاً لِلنَّجَاةِ مِنْ جَمِيعِ هٰذَا ٱلْمُزْمِعِ أَنْ يَكُونَ، وَتَقِفُوا قُدَّامَ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ» (لوقا ٢١: ٣٤ – ٣٦).

٧ «لأَنَّ ٱلَّذِينَ يَنَامُونَ فَبِٱللَّيْلِ يَنَامُونَ، وَٱلَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَبِٱللَّيْلِ يَسْكَرُونَ».

لوقا ٢١: ٣٤ و٣٦ ورومية ١٣: ١٣ و١كورنثوس ١٥: ٣٤ وأفسس ٥: ١٤ أعمال ٢: ١٥

ٱلَّذِينَ يَنَامُونَ فَبِٱللَّيْلِ يَنَامُونَ أي أن ذلك ما اعتاده الناس لأن الليل وقت مناسب للنوم قال هذا إثباتاً لقوله في «الباقين» (ع ٦). فالذين ينامون في الليل معذورون بخلاف الذين ينامون في النهار لأن النهار وقت الانتباه والعمل. وأهل العالم كالنيام في الليل في الغفلة والأمن وأما المؤمنون فهم أبناء النهار فلا يحسن بهم أن ينفقوا الوقت في الكسل والغفلة وقد أعطاهم الله إياه لليقظة والعمل.

ٱلَّذِينَ يَسْكَرُونَ فَبِٱللَّيْلِ يَسْكَرُونَ قال هذا بناء على عادة الناس يومئذ. ويؤيد ذلك قول بطرس لنفي السكر عن التلاميذ. «إنه الساعة الثالثة من النهار» (أعمال ٢: ١٥). ولعل أهل تسالونيكي غير المؤمنين كانوا معتادين أن يشغلوا الليالي بالسكر والخلاعة. وكون المسيحيين «أبناء النهار» يستلزم أن يعتزلوا كل الأعمال المختصة بأهل العالم السائرين في الظلمة المرتكبين ما يحتاج أن يُستر بحجب الظلام. وفي هذا تحذير من السكر الحقيقي وكل ما يشابهه في الأمور الروحية وأنهم لا يفعلون شيئاً يستحيون من أن يشاهده الناس.

٨ «وَأَمَّا نَحْنُ ٱلَّذِينَ مِنْ نَهَارٍ، فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ ٱلْخَلاَصِ».

إشعياء ٥٩: ١٧ وأفسس ٦: ١٤ و١٦ و١٧

فَلْنَصْحُ (كما قيل في ع ٦) لكي نكون مستعدين لمجيء الرب.

لاَبِسِينَ لأنه لنا أعداء يكمنون لإضرارنا فعلينا فضلاً عن أن ننتبه لمجيء الرب (مرقس ١٣: ٣٤ ولوقا ١٢: ٣٦) أن نتسلح لندفع عنا هجمات الأعداء.

دِرْعَ ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ تكلم بولس هنا على الأسلحة الضرورية للدفاع ولم يذكر الضرورية للهجوم كالتي في (أفسس ٦: ١١ – ١٧) والدرع الحقيقي ثوب منسوج من زرد معدني يُلبس على الصدر ليحمي لابسه من النصال. وأُضيف إلى «الإيمان» الذي هو الثقة بالله وعنايته. وأُضيف إلى «المحبة» لله وللناس. وكلا «الإيمان» و «المحبة» فضيلتان من الفضائل الثلاث العظمى المذكورة في (ص ١: ٣ و١كورنثوس ١٣: ١٣).

وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ ٱلْخَلاَصِ «الخوذة» ما يلبسه الجندي على الرأس ليقيه من الخطر فاستعيرت للرجاء الذي هو فضيلة من الفضائل الثلاث المذكورة. وأضاف «الرجاء» إلى «الخلاص» لأن الخلاص هو المرجو وحقيقته توقع النجاة التامة من الخطيئة والهلاك.

٩ «لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلْغَضَبِ، بَلْ لاقْتِنَاءِ ٱلْخَلاَصِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

رومية ٩: ٢٢ وص ١: ١٠ و١بطرس ٢: ٨ ويهوذا ٤ و٢تسالونيكي ٢: ١٣ و١٤

في هذه الآية علة أن نرجو الخلاص لا أن نصحو وهي إرادة الله وقصده.

لَمْ يَجْعَلْنَا أي لم يعيننا حين قضى منذ الأزل.

لِلْغَضَبِ لمقاساة نتائج غضبه الذي قيل أنه يأتي على كل أبناء المعصية (ص ١: ١٠ و٢: ١٦ انظر ١بطرس ٢: ٨).

بَلْ لاقْتِنَاءِ ٱلْخَلاَصِ باستعمال الوسائط المعينة لنال ذلك كقوله «تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ» (فيلبي ٢: ١٢) وأخص تلك الوسائط الإيمان بالمسيح والاتحاد به.

بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ الذي هو الوسيط الوحيد لخلاص كل الخطأة لأنه لا يمكن أحداً أن يفدي نفسه قال المسيح «بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً» (يوحنا ١٥: ٥). فإنه هو أدى كل فدية الإنسان الخاطئ فالذي يتحد به بالإيمان لا ريب في خلاصه.

١٠ «ٱلَّذِي مَاتَ لأَجْلِنَا، حَتَّى إِذَا سَهِرْنَا أَوْ نِمْنَا نَحْيَا جَمِيعاً مَعَهُ».

رومية ١٤: ٨ و٩ و٢كورنثوس ٥: ١٥

ٱلَّذِي مَاتَ لأَجْلِنَا هذا هو الطريق الذي فيه يخلصنا المسيح وهو موته كفارة لخطايانا وهو ثمن لا يقدر وأساس كل رجائنا. وذكر الرسول موت المسيح ساقه إلى ذكر نتائج ذلك الموت المقترنة بمجيئه الذي تكلم عليه في الأصحاح السابق.

إِذَا سَهِرْنَا أَوْ نِمْنَا أي كنا أحياء أو أمواتاً عند مجيئه كما جاء في (رومية ١٤: ٨).

نَحْيَا جَمِيعاً مَعَهُ أي نكون متحدين بالمسيح إلى حد أن تكون حياته حياتنا على وفق قوله تعالى «إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يوحنا ١٤: ١٩). فإذاً لا فرق في شأن مشاركتنا في الحياة الأبدية للمسيح بين أن نكون من جملة الأحياء الباقين وجملة الراقدين في القبور. وهذا نتيجة اقتناء المسيح إيّانا بدمه (أعمال ٢٠: ٢٨) وإبادته الموت (عبرانيين ٢: ١٤) وإيفائه عنا كل مطاليب العدل (غلاطية ٣: ١٣). ومثل ما ذُكر قوله «الجميع عنده أحياء» (لوقا ٢٠: ٣٨) وقول الرسول «إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ» (رومية ١٤: ٨).

١١ «لِذٰلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَٱبْنُوا أَحَدُكُمُ ٱلآخَرَ، كَمَا تَفْعَلُونَ أَيْضاً».

ص ٤: ١٨

لِذٰلِكَ أي لأن لنا تلك الأسباب للتعزية والرجاء في شأن الذين ماتوا على الإيمان.

عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بالتكلم على هذه الأمور لكي تكون واسطة لتسكين همومكم وتثبيت إيمانكم وتقواكم.

كَمَا تَفْعَلُونَ مدحهم على ما فعلوا بغية التعزية والبنيان إنهاضاً لغيرتهم باستمرارهم على ذلك العمل الخيري.

واجباتهم لمرشديهم ومدبريهم الروحيين ع ١٢ و١٣

١٢ «ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا ٱلَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي ٱلرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ».

١كورنثوس ١٦: ١٨ وفيلبي ٢: ٢٩ و١تيموثاوس ٥: ١٧ وعبرانيين ١٣: ٧ و١٧

أَنْ تَعْرِفُوا أي أن تظهروا بأعمالكم أنكم تعرفون قيمة الذين يخدمونكم في الرب وواجباتكم لهم فلا تغفلون عما يستحقونه ويحتاجون إليه بل تكرمونهم وتثيبونهم بالبركات الزمنية على البركات الروحية (١كورنثوس ٩: ١١).

ٱلَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ… وَيُنْذِرُونَكُمْ أي شيوخ الكنيسة أو رعاتها الذين يقومون بما ذُكر. إننا إذا نظرنا إلى الرعاة رأينا عملهم متعباً وإذا نظرنا إلى الكنيسة رأينا غاية خدمتهم سياستها وتدبير أمورها وإصلاح شؤونها. وإذا نظرنا إلى من بينهم من الجهلاء والضالين رأينا أن عملهم الإنذار. وقوله «يدبرونكم في الرب» أي في الأمور المختصة بالرب أي الأمور الإلهية.

١٣ «وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيراً جِدّاً فِي ٱلْمَحَبَّةِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ. سَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً».

مرقس ٩: ٥٠

وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيراً جِدّاً فِي ٱلْمَحَبَّةِ أي أن تكرموهم وأن تخضعوا لهم وأن تحبوهم. ولعل علة هذه التوصية استخفافهم بخدم الدين.

مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ بنى توصيته لهم بخدم الدين على أهمية خدمتهم وهذا مثل قوله «اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ ٱلَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ…أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَٱخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَاباً، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذٰلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هٰذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ» (عبرانيين ١٣: ٧ و١٧). وعلى تعبهم بالقيام بها كما شهد الرسول لأحدهم وهو أبفرودتس بقوله «إِنَّهُ مِنْ أَجْلِ عَمَلِ ٱلْمَسِيحِ قَارَبَ ٱلْمَوْتَ، مُخَاطِراً بِنَفْسِهِ، لِكَيْ يَجْبُرَ نُقْصَانَ خِدْمَتِكُمْ لِي» (فيلبي ٢: ٣٠).

سَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضا تكلم بعد كلامه في واجباتهم لخدم الدين على واجبات بعضهم لبعض في الكنيسة واقتصر على الأمر بالمسالمة فإنهم لحداثتهم في الإيمان وقصورهم في معرفة الواجبات المسيحية لم يخلوا من أن تقع بينهم أسباب للاختلاف والمخاصمات فاقتضت الحال أن يأمرهم الرسول بالصبر والاحتمال.

حث الرسول إياهم على القيام بواجبات مسيحية مختلفة ع ١٤ إلى ٢٢

١٤ «وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا ٱلَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ ٱلنُّفُوسِ، أَسْنِدُوا ٱلضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى ٱلْجَمِيعِ».

٢تسالونيكي ٣: ١١ و١٢ عبرانيين ١٢: ١٢ رومية ١٤: ١ و١٥: ١ وغلاطية ٦: ١ و٢ وغلاطية ٥: ٢٢ وأفسس ٤: ٢ وكولوسي ٣: ١٢ و٢تيموثاوس ٤: ٢

أَنْذِرُوا ٱلَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ قوله «بلا ترتيب» تستعمل على ما في الأصل اليوناني للجنود الذين لا يسيرون في صفوف سائر العساكر وفي ذلك إشارة إلى أنه كان في كنيسة تسالونيكي جماعة لا يسلكون سبل الطاعة لكلمة الله ونصح مرشديهم ونظام الكنيسة ولعله أشار بذلك إلى الذين أنذرهم في (ص ٤: ٦ و٧ و١١) ممن انتظروا مجيء المسيح في الحال وامتنعوا عن العمل للقيام بما يحتاجون إليه.

شَجِّعُوا صِغَارَ ٱلنُّفُوسِ وهم الذين خافوا من الاضطهاد وحزنوا على موت أصحابهم (ص ٤: ١٣) أو كانوا قليلي الإيمان والشجاعة طبعاً أو كانوا مضطربين لشكوك ضمائرهم كبعض أهل كورنثوس الذين ظنوا أن أكل اللحم من المحرمات. ولا تخلو كنيسة من مثل هؤلاء يحتاجون إلى النصح والتعزية والمعاملة بالرفق واللطف.

أَسْنِدُوا ٱلضُّعَفَاءَ أي الضعفاء في الروحيات لقلة معرفتهم وضعف إيمانهم وقلة صلواتهم.

تَأَنَّوْا عَلَى ٱلْجَمِيعِ داخل الكنيسة وخارجها. وأبان في الآية الآتية أسلوب التأني.

١٥ «ٱنْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ ٱتَّبِعُوا ٱلْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ».

لاويين ١٩: ١٨ وأمثال ٢٠: ٢٢ و٢٤: ٢٩ ومتّى ٥: ٣٩ و٤٤ ورومية ١٢: ١٧ و١كورنثوس ٦: ٧ و١بطرس ٣: ٩ غلاطية ٦: ١٠ وص ٣: ١٢ و٢كورنثوس ٦: ١٠ وفيلبي ٤: ٤

ٱنْظُرُوا هذا تنبيه جاء به الرسول لأن ما أمر به بعده ليس من الطبيعة البشرية وهو مما يصعب عليها جداً.

لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ من عادة الناس أن يفتخروا بأنهم لا يدعون أحداً ينتصر عليهم بالمعروف ولا بالانتقام. ولكن قانون الديانة المسيحية هو المذكور في هذه الآية على حد قول المسيح «لا تقاوموا الشر بالشر الخ» (متّى ٥: ٣٩ – ٤٢). وقول الحكيم «لاَ تَقُلْ: إِنِّي أُجَازِي شَرّاً… لاَ تَقُلْ: كَمَا فَعَلَ بِي هٰكَذَا أَفْعَلُ بِهِ. أَرُدُّ عَلَى ٱلإِنْسَانِ مِثْلَ عَمَلِهِ» (أمثال ٢٠: ٢٢ و٢٤: ٢٩). وقول بولس «لاَ تُجَازُوا أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ» (رومية ١٢: ١٧). وقول بطرس «غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ، بَلْ بِٱلْعَكْسِ مُبَارِكِينَ» (١بطرس ٣: ٩). وإذا حُظر أن نجازي عن الشر بالشر حُظر بالأولى أن نجازي على خير بشر. قيل أن المجازي عن شر بشر بشري والمجازي عن خير بشر شيطاني والمجازي عن شر بخير إلهي. وكان مؤمنو تسالونيكي يُضطهدون لديانتهم فكانوا عرضة لشديد الرغبة في أن ينتقموا من مضطهديهم.

بَلْ كُلَّ حِينٍ ٱتَّبِعُوا ٱلْخَيْرَ الخ أي الصالح واللائق أمام الله والنافع للبشر في الزمنيات والروحيات. وقوله «اتبعوا الخير» يستلزم إنكار النفس وبذل الجهد وأنه ليس من شأن الإنسان بالنظر إلى طبيعته. قال الرسول «كُونُوا كَارِهِينَ ٱلشَّرَّ مُلْتَصِقِينَ بِٱلْخَيْرِ… لاَ يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ بَلِ ٱغْلِبِ ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ» (رومية ١٢: ٩ و٢١). وقوله «بعضكم لبعض» يوجب على كل مؤمن أن يظهر الحب لإخوته (ص ٤: ٩ و١٠). وقوله «للجميع» يوجب عليهم اتباع الخير لجميع الناس داخل الكنيسة وخارجها كلما سمحت الفرصة (ص ٣: ١٢).

١٦ «ٱفْرَحُوا كُلَّ حِينٍ».

٢كورنثوس ٦: ١٠ وفيلبي ٤: ٤

جاء بمعنى هذا ما في (٢كورنثوس ٦: ١٠ وفيلبي ٣: ١ و٤: ٤) فارجع إلى تفسير كل ذلك في موضعه. وقوله «كل حين» يستلزم وجوب الفرح ولو في وقت الضيقات والمصائب وهذا على يقين أن «كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللّٰهَ» (رومية ٨: ٢٨). ووجود هذا الأمر في الإنجيل يستلزم أن إطاعته ممكنة لكنها لا تمكن إلا من لهم الإيمان والرجاء المسيحيان وعدم القيام به دليل على الشك في قوة الله ومغفرته لخطايانا.

١٧ «صَلُّوا بِلاَ ٱنْقِطَاعٍ».

لوقا ١٨: ١ و٢١: ٣٦ ورومية ١٢: ١٢ وأفسس ٦: ١٨ وكولوسي ٤: ٢ و١بطرس ٤: ٧

إطاعة هذا الأمر أفضل وسيلة إلى إطاعة الأمر السابق وهو يوجب علينا أن نجعل كل ما يحدث علة للشكر أو التضرع أو الدعاء أو الاعتراف أو طلب الوقاية من الخطر والتجربة ويوجب أيضاً أن يكون لنا أوقات معينة للصلاة الانفرادية والعائلية والجمهورية وأن لا ننفك عن ذلك في أوقاته.

١٨ «ٱشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ ٱللّٰهِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ».

أفسس ٥: ٢٠ وكولوسي ٣: ١٧

ٱشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ الذي يعتقد أن الله يعتني به دائماً ويستجيب صلواته ويجعل كل الأمور تعمل معاً لخيره يشكره في كل شيء. وكثيراً ما اقترن الشكر والصلاة في الإنجيل ومن ذلك ما في (٤: ٦ وكولوسي ٤: ٢).

لأَنَّ هٰذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ ٱللّٰه أي أنه تعالى يسر بسرور شعبه وإظهارهم ذلك السرور بالشكر له لأنهم بذلك يعترفون بأن بركاتهم من يده.

فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ إنه وسيطنا في تقديم طلباتنا وشكرنا. وأعظم الدواعي إلى الشكر لله هي عطية ابنه التي لا يعبر عنها فعلينا أن نشكره على حياته وموته وقيامته وشفاعته لأن كل بركاتنا تأتي بواسطته وبه نثبت آمالنا وبه «كل الأشياء لنا» (١كورنثوس ٣: ٢١). وهو يقدرنا على أن نكون شاكرين وأن نظهر شكرنا بأقوالنا وأعمالنا (أعمال ٢٨: ١٥ و٢كورنثوس ١: ١١ وأفسس ٥: ٣٠).

مِنْ جِهَتِكُمْ أي أن الله قصد منكم أن تقدموا الشكر له فإنه لا يكتفي بشكر الجنود السماوية بل يطلب الشكر من كل إنسان اختاره وفداه.

١٩ «لاَ تُطْفِئُوا ٱلرُّوحَ».

١كورنثوس ١٤: ٣٠ وأفسس ٤: ٣٠ و١تيموثاوس ٤: ١٤ و٢تيموثاوس ١: ٦

لاَ تُطْفِئُوا ٱلرُّوحَ أي الروح القدس الذي هو الأقنوم الثالث. فإن الرسول اعتبر فعل الروح في قلوب المؤمنين كفعل النار في المواد للتنقية وكفعل النور للإنارة والإرشاد والأنس. واعتبره في موضع آحر صديقاً محباً إذ قال «لاَ تُحْزِنُوا رُوحَ ٱللّٰهِ ٱلْقُدُّوسَ» (أفسس ٤: ٣٠). ومن علل إطفاء الروح عدم الانتباه لصوته في القلوب وفي الكتاب المقدس وفي شفاه المبشرين وترك الصلاة (ع ١٧) وترك العبادة الجمهورية (عبرانيين ١٠: ٢٥) واليأس (ع ١٦) وهموم العالم (متّى ١٣: ٢٧). ولعل في قوله «لا تطفئوا الروح» إشارة إلى النار التي كانت على المذبح في معبد الإسرائيليين التي أمر الله بأن لا تطفأ (لاويين ٦: ١٣) فكانت رمزاً إلى روح العبادة والصلاة والغيرة الروحية التي ينشئها الروح ويجب على الإنسان إحياؤها في قلبه أبداً.

ونستنتج من الآية الآتية أن بولس قصد «بالروح» هنا موهبة الروح الخاصة التي وُهبت للمؤمنين في عصر الرسل فجعلتهم يتكلمون بألسنة غريبة ويتنبأون وعلى هذا يكون إطفاء الروح أن صاحب تلك الموهبة لا يستعملها لنفع الكنيسة أو أن الكنيسة لا تلتفت إلى نبواته. وتكلم بولس على المواهب الروحية في الرسالة الأولى إلى كورنثوس (١كورنثوس ص ١٢).

٢٠ «لاَ تَحْتَقِرُوا ٱلنُّبُوَّاتِ».

١كورنثوس ١٤: ١ و٣٩

لاَ تَحْتَقِرُوا ٱلنُّبُوَّاتِ لأنها من مواهب الروح القدس لنفع الكنيسة (١كورنثوس ١٢: ٢٨ و١٤: ١ و٥ و٣٩). فإن الرسول قال بأن النبوّة أفضل من سائر المواهب كالتكلم بالألسنة وسائر المعجزات (١كورنثوس ١٤: ٥ و٣٩) والوعظ اليوم قام مقام النبوّة في العصر الرسولي فوجب أن نظهر احترامنا له بحضورنا في بيت الله لسمعه والإصغاء إليه والقيام بنفقة الواعظ والإتيان إلى الكنيسة أو محل الوعظ بأولادنا وضيوفنا وجيراننا وأن نعتبره مما عينه الله أعظم وسيلة إلى إرشاد الخطاة إلى الخلاص وتعزية المؤمنين وبنيانهم لتمجيد الله.

٢١ «ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِٱلْحَسَنِ».

١كورنثوس ٢: ١١ و١٥ و١يوحنا ٤: ١ فيلبي ٤: ٨

ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ من النبوات وغيرها من المواهب الروحية. وهذا كقول يوحنا «لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ ٱمْتَحِنُوا ٱلأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ» (١يوحنا ٤: ١) وكان في كنيسة تسالونيكي ما حمل بولس على هذا التنبيه (٢تسالونيكي ٢: ٢). ومع أن القرينة تدل على أن أهم مقاصد الرسول من الأمر «بامتحان كل شيء» هو امتحان الذين ادعوا المواهب الروحية الخاصة يصح أن نتخذ الامتحان قانوناً في تحقيق كل ما يُعرض علينا من الأمور الدينية في العقائد والأعمال. وآلة الامتحان الصحيحة هي كلمة الله بدليل قول النبي «إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هٰذَا ٱلْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ» (إشعياء ٨: ٢٠) فلنا أن نمتحن التعاليم بنتائجها كما قال المسيح في الأنبياء الكذبة «من ثمارهم تعرفونهم» (متّى ٧: ٢٠). إن قدم التعليم ليس برهاناً على صدقه وكذلك كثرة تابعيه وغناهم وسلطتهم وغيرتهم في نشره. فإن الله وهب لنا عقولاً وضمائر نمتحن بها التعاليم وأن نزن كل الأشياء بميزان الحق عن الباطل (يعقوب ١: ٥). والأمر بالامتحان غير مقصور على جماعة من الناس دون غيرهم أي أنه غير مختص بخدم الدين فلا يليق بأحد أن يسمح لمخلوق أن يكون رب ضميره وهو يكون أسير تعليمه بل عليه أن يطالع الكتاب لنفسه ويسأل إرشاد الروح القدس الذي يرشد إلى جميع الحق (يوحنا ١٦: ١٣). وغاية هذا الامتحان الاختيار بين ما يجب التمسك به وما يجب رفضه كما يتبين مما يأتي.

تَمَسَّكُوا بِٱلْحَسَنِ أي ما ثبت بالامتحان أنه صالح وحقيقي. وهذا واجب على كل إنسان في أمور الدين الجوهرية مهما وقع عليه من الاستهزاء والمقاومة والاضطهاد حتى يضطر أن يموت متمسكاً بالحق.

٢٢ «ٱمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرٍّ».

ص ٤: ١٢

ٱمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرٍّ كان يجب أن توصل هذه العبارة بالعبارة الأخيرة من الآية التي قبلها لأن كلاً من العبارتين يبين النتيجة التي قصدها الرسول من قوله «امتحنوا كل شيء». والأصل اليوناني والقرينة يطلبان أن نبدل كلمة «شبه» بشكل أي نوع كما وضعه المترجم في حاشية الإنجيل ذي الشواهد. أمرهم الرسول بالامتحان بالتدقيق لكي يستطيعوا أن يحكموا بين الخير والشر في الحقائق لا الأشياء فحذرهم من كل أنواع الشر لا من التي تشبه الشر.

خاتمة الرسالة ع ٢٣ إلى ٢٨

٢٣ «وَإِلٰهُ ٱلسَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِٱلتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

فيلبي ٤: ٩ ص ٣: ١٣ و١كورنثوس ١: ٨

هذه الآية دعاء.

إِلٰهُ ٱلسَّلاَمِ أي مصدره ومنشئه (رومية ١: ٧ و١٥: ٣٣ و١٦: ٢٠). وتسمية الله «بإله السلام» تشير إلى أن الله يحب أن يكون السلام بينه وبين المؤمن وبين الكنيسة وبين عضو آخر من أعضائها.

كما في (يوحنا ١٧: ١٧). رغب بولس في أن لا يكونوا ناقصين شيئاً من القداسة أو من سائر الفضائل ظاهراً وباطناً فيما يجب عليهم لله وللناس.

وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ أي جملة كل إنسان منكم. وكلام الرسول جاء على مصطلح الناس فيشير إلى طبيعة الإنسان كلها. ولم يرد بيان أن الإنسان مركب من الأمور الثلاثة. وكثيراً ما عبر في الإنجيل عن طبيعة الإنسان بالنفس والجسد فقط أو الروح والجسد فقط (متّى ١٠: ٢٨ و١كورنثوس ٥: ٨ و٧: ٣٤). ويعسر أن نميز بين الروح والنفس وهما واحدة ولعل الفرق بينهما نسبي وهو أن الروح ما به حياة الإنسان بالنسبة إلى الله وأن النفس ما به ذلك بالنسبة إلى الحيوان.

عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ للفحص النهائي والحكم القاطع وحينئذ تنتهي كل التجارب فلا يبقى خطر من السقوط إذ يكون الخلاص يقينياً.

٢٤ «أَمِينٌ هُوَ ٱلَّذِي يَدْعُوكُمُ ٱلَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضاً».

١كورنثوس ١: ٩ و١٠: ١٣ و٢تسالونيكي ٣: ٣ غلاطية ٥: ٨

بنى الرسول في هذه الآية رجاء إجابة صلاته وحفظهم كاملين إلى اليوم الآخر على أمانة الله في أنه يتمم تقديس قلوبهم الذي ابتدأه (فيلبي ١: ٦ و١كورنثوس ١: ٩). وكون الله هو الذي دعاهم يؤكد أن الدعوة ليست بباطلة لأنه «ٱلَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهٰؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضاً. وَٱلَّذِينَ بَرَّرَهُمْ فَهٰؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضاً» (رومية ٨: ٣٠).

٢٥ «أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ صَلُّوا لأَجْلِنَا».

كولوسي ٤: ٣ و٢تسالونيكي ٣: ١

سأل مثل هذا في رسالته الثانية وفي الرسالة إلى رومية والرسالة الثانية إلى كورنثوس والرسالة إلى أفسس والرسالة إلى فيلبي والرسالة إلى كولوسي والرسالة إلى فليمون. وطلب ذلك لكونه من جملة البشر عرضة للتجارب كغيره داخلاً وخارجاً. فكان عليه أعمال ثقيلة ومسؤولية عظيمة ومقاومة شديدة وكان عرضة للخطر والعوز فافتقر كثيراً إلى مساعدة شعب الله إياه بالصلاة.

٢٦ «سَلِّمُوا عَلَى ٱلإِخْوَةِ جَمِيعاً بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ».

رومية ٦: ١٦

ارجع إلى تفسير هذه الآية في (رومية ١٦: ١٦).

٢٧ «أُنَاشِدُكُمْ بِٱلرَّبِّ أَنْ تُقْرَأَ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةُ عَلَى جَمِيعِ ٱلإِخْوَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ».

كولوسي ٤: ١٦ و٢تسالونيكي ٣: ١٨

أظهر بولس شديد رغبته في قراءة هذه الرسالة على الجميع واعتباره أهمية ما كُتب فيها من إعلان إرادة الله بقوله «أناشدكم» الخ وهو قسم استعطافي. والذي طلبه بولس في شأن هذه الرسالة منهم يطلبه في شأن كل كتابة من كل المؤمنين (يوحنا ٥: ٣٩ وإشعياء ٨: ٢٠ ورؤيا ١: ٣). ولا ريب أن الله يشدد الدينونة على كل الذين يمنعون من قراءة الأسفار المقدسة أو يهملون قراءتها ويبارك الذين يبذلون الجهد في توزيعها وتلاوتها.

٢٨ «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَكُمْ. آمِينَ».

رومية ١٦: ٢٠ و٢٤ و٢تسالونيكي ٣: ١٨

انظر تفسير ذلك في تفسير (رومية ١٦: ٢٠).

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى