الرسالة الثانية إلى تيموثاوس | 02 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة الثانية إلى تيموثاوس
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي
توصية بولس لتيموثاوس أن يتقوى في نعمة الرب وأن يسلّم التبشير بالإنجيل إلى أُناس أمناء وأن يحتمل المشقات كجندي صالح (ع ١ – ٧). ووجوب أن يذكر قيامة المسيح وسيرته هو باعتبار كونه معلمه وأن يتحقق مجازاة الله له على كل أتعابه تمام المجازاة لأنه وعد أن يثيبه بالمجد أخيراً وهو أمين في وعده (ع ٨ – ١٣). وأن يوصي غيره بأن لا يجاهد في سبيل أقوال فارغة ولا في سبيل أمور باطلة (ع ١٤). وأنه يقوم بكل ما يجب عليه بالامانة لكي لا يخجل أخيراً وأن يعتزل المجادلات غير النافعة وأن يحذر سيرة الضالين (ع ١٥ – ١٨). وان لا ييأس بارتداد البعض لأن أساس الدين المسيحي وطيد ولأن الله يعلم الذين له حقاً فلا يسمح بأن يبقوا في الضلال إلى أن يهلكوا وأن يشبهوا العملة المسيحيين بآنية مختلفة في البيت بعضها للكرامة وبعضها للهوان وأن يجتهد في أن يكون إناء للكرامة نافعاً للسيد (ع ١٩ – ٢١) وبيان الذنوب التي يجب أن يعتزلها والفضائل التي يجب أن يمارسها (ع ٢٢ – ٢٦).
1) توصية بولس لتيموثاوس بأن يتقوى في الحياة الروحية وأن يسلم التبشير بالإنجيل إلى أناس أمناء وأن يحتمل المشقات كحندي صالح وأن يكون صبوراً ع ١ إلى ٧
١ «فَتَقَوَّ أَنْتَ يَا ٱبْنِي بِٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».
١تيموثاوس ١: ٢ وص ١: ٢ وأفسس ٦: ١٠
فَتَقَوَّ أَنْتَ متحذراً من سوء سيرة المرتدين في أسيا مقتدياً بأنيسيفورس الأمين.
بِٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ فإن هذه «النعمة» هي الوسيلة إلى التقوى. فقوله في هذه الآية كقوله للأفسسيين «أَخِيراً يَا إِخْوَتِي تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ» (أفسس ٦: ١٠) فارجع إلى تفسيره. ونعمة الروح القدس التي يهبها المسيح تقدر المسيحي على أن يريد ويعلم كل ما يطلبه الله. تحقق بولس أنه على وشك ترك هذا العالم ووكل أعماله إلى تيموثاوس فرغب في أن يكون شاهداً بالحق ثابتاً شجاعاً. ووسائط الحصول على القوة الروحية مما لا يعتمده أهل العالم كثيراً إنما هم يعتمدون على عزائمهم ومقاصدهم وعلى ما عهدوه من شجاعة غيرهم من الجبابرة ولكن المسيحي يتكل على قوة المسيح التي يحصل عليها بالاتحاد به على وفق قول النبي «أَمَّا مُنْتَظِرُو ٱلرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً» (إشعياء ٤٠: ٣١). وتلك «النعمة» يهبها المسيح بسخاء لمن يطلبونها إليه.
٢ «وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاساً أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضاً».
ص ١: ١٣ و٣: ١٠ و١٤ و١تيموثاوس ١: ١٨ و١تيموثاوس ٣: ٢ وتيطس ١: ٩
احتاج تيموثاوس إلى أن يتقوى بالنعمة ليقدر على حفظ وديعة الحق بالأمانة وليس ذلك فقط بل لكي يسلمها بلا تغيير إلى خلفائه.
مَا سَمِعْتَهُ مِنِّي من جوهريات الدين المسيحي ومبادئ الإنجيل التي كانت موضوع تعليم بولس وتبشيره كل مدة السنين التي رافقه تيموثاوس فيها وهو يخاطب الجموع العظيمة ويتكلم معه على انفراد. والذي سمعه منه مثل ما هو مكتوب في رسائله إلى الكنائس.
بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ ممن وعظهم بولس من اليهود والأمم أغنياء وفقراء أصدقاء كالمشائخ الذين خاطبهم في ميليتس ومستهزئين كالفلاسفة اليونانيين وربانيي اليهود. ومن أولئك الشهود الشيوخ الذين وضعوا أيديهم عليه في حضرة بولس ومخاطبته إياه يومئذ والأرجح أن معظم الإشارة إلى هؤلاء (١تيموثاوس ٤: ١٤ و٦: ٢ وص ١: ٦).
أَوْدِعْهُ أُنَاساً أُمَنَاءَ كما أودعه غيرك إياك. رغب بولس في أن ينادي غيره بالإنجيل الذي هو نادى به متى أسكته الموت. وقصد «بالأمناء» المؤمنين الأقوياء في المسيح والمحبة له إلى حد أن لا يرجعوا عنه ويخونوا الحق مهما قويت تجارتهم. وفي وصية الرسول هذه إعداد الوسائل وهو أن تنتخب الكنيسة أو نوابها من هم أهل لخدمتها فيُرسموا.
يَكُونُونَ أَكْفَاءً رغب بولس في أن يودع التعليم والتبشير في الكنيسة من لهم تمام المعرفة بالإنجيل والقوة على التعبير به لغيرهم فضلاً عن كونهم أتقياء. لم ينكر بولس المعونة الإلهية على التبشير التي يمكن أن ينالها الإنسان بالصلاة لكنه لم يعتبر أن تلك المعونة تُغني الخادم عن استعمال الوسائط البشرية للنجاح من الدرس الواجب للحقائق التي يجب أن يعلّم غيره إيّاها. وقد سبق الكلام في ما يجب أن يكون عليه المبشرون في (١تيموثاوس ٣: ٢ – ٧) فارجع إلى تفسير ذلك. وهذه الوصية غير مقصورة على تيموثاوس بل هي للمبشرين بالإنجيل في كل زمان إذ يجب عليهم أن يعتنوا بإعداد غيرهم ليقوموا مقامهم متى تركوا هذا العالم ويجب أن يكون من يعدونهم قادرين على أن يعلموا الشعب حقائق الإنجيل بالأمانة والوضوح والقوة.
٣ «فَٱشْتَرِكْ أَنْتَ فِي ٱحْتِمَالِ ٱلْمَشَقَّاتِ كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».
ص ١: ٨ و٤: ٥ و١تيموثاوس ١: ١٨
فَٱشْتَرِكْ أَنْتَ فِي ٱحْتِمَالِ ٱلْمَشَقَّاتِ علم تيموثاوس المشقات التي احتملها بولس بخدمته للإنجيل وما أظهره ومارسه من الغيرة في ذلك فنصحه بأن يتتبع خطواته ويحتمل مثل ما احتمله من الأتعاب والمشقات فكأنه قال له خذ نصيباً من تلك المشقات كما أخذت أنا نصيباً منها. ومشاركة تيموثاوس للرسول في المشقات مشاركة للمسيح أيضاً فيها. فدعوة المسيح لتلاميذه وهو قوله «اتبعوني» تتضمن الدعوة إلى احتمال المشقات. ولبيان ما عليه في خدمة الإنجيل من الأتعاب المشقات وما له من الثواب مثل تلك الخدمة بثلاث خدم دنيوية.
كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ شبّه أولاً خدمة المبشر بخدمة الجندي. إن الجندي يحتمل غالباً مشاق كثيرة من تركه بيته وأصحابه وتعّرضه للحر والبرد والرياح والأمطار والإعياء من طول السير وقلة الطعام أحياناً فضلاً عن خطر الموت بمحاربة العدو. ولكنه طوعاً للملك ورغبة في الدفع عن وطنه يحتمل بالرضى كل المشقات والأخطار. فالأحرى بجنود المسيح أن يحتملوا بالصبر والسرور ما عليهم من الأتعاب والمصائب حباً للمسيح ملكهم ورغبة في نفع نفوس الناس (قابل ما قيل هنا بما قيل في ١كورنثوس ٩: ٧ و٢كورنثوس ١٠: ٤ و٥ وأفسس ٦: ١٢ – ١٨ و١تيموثاوس ١: ١٨ و٦: ١٢).
٤ «لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ ٱلْحَيَاةِ لِكَيْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ».
١كورنثوس ٩: ٢٥
لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ ٱلْحَيَاةِ مدة سني خدمته باعتبار كونه جندياً. شبّه الرسول هنا واجبات المبشر بواجبات الجندي في أمر غير احتمال المشقات وهو عدم ارتباكه بالأمور العالمية. مُنع الجنود الرومانيون بمقتضى الشريعة الرومانية من الزواج والتجارة والفلاحة وسائر أنواع الصنائع ورفع الدعاوي إلى الحكام في المحكمة العامة ومن أن يكونوا معلمين ووكلاء وأوصياء والقصد من ذلك المنع أن يبذل الجندي كل أفكاره وأعماله في سبيل الخدمة العسكرية. كلذلك على المبشر بالإنجيل أن يمتنع عن كل ما يعيقه عن التبشير متمثلاً بنحميا في مجاوبته من دعواه إلى تركه بناء سور أورشليم لكي يشاوره بقوله «إِنِّي أَنَا عَامِلٌ عَمَلاً عَظِيماً فَلاَ أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِلَ. لِمَاذَا يَبْطُلُ ٱلْعَمَلُ بَيْنَمَا أَتْرُكُهُ وَأَنْزِلُ إِلَيْكُمَا» (نحميا ٦: ٣). ومعنى الآية كمعنى قول المسيح «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ» (متّى ٦: ٢٤). ومعنى توبيخ النبي لإسرائيل بقوله «قَدْ قَسَمُوا قُلُوبَهُمْ. اَلآنَ يُعَاقَبُونَ» (هوشع ١٠: ٢).
لِكَيْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ كرئيس الجيش أو الملك كذلك على المبشر أن يرضي رئيس خلاصنا وملكنا يسوع المسيح ويجب عليه أن يجعل معظم غايته إتمام مشيئة رئيسه وإطاعة أوامره وإجراء مقاصده. لم يحسب الرسول أنه خالف قاعدة واجباته الرسولية يوم كان يصنع الخيام لأنه لم يصنعها ليربح المال ويجمعه في الخزانة بل لينفقه على ضروريات نفسه ورفقائه وهم يخدمون المسيح والكنيسة (٢تسالونيكي ٣: ٦ – ٩). فإذا أخذنا عمل الرسول تفسيراً لكلامه هنا رأينا أن كلامه لا يمنع خادم الدين من العمل الجائز لتحصيل قوته الضروري بل يمنعه من الانهماك في الأعمال الدنيوية التي تمنعه من إفادة غيره في الروحيات.
٥ «وَأَيْضاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُجَاهِدُ لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيّاً».
١كورنثوس ٩: ٢٥ و٢٦
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُجَاهِدُ كما يفعل المجاهد في الملاعب اليونانية المشهورة. وهذا التشبيه الثاني لخدمة المبشر. وكان بولس معتاداً استعماله (ص ٤: ٧ و٨ و١كورنثوس ٩: ٢٤ وعبرانيين ١٢: ١).
لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيّاً أي على وفق قوانين تلك الألعاب من مصارعة وعدوٍ وملاكمة وأمثال ذلك. وكان لليونانيين القدماء قوانين شديدة في أكل المجاهدين وشربهم ورياضتهم وتعرّضهم للبرد والحر والعري أوجبت على من أراد نيل المجازاة أن يشغل مدة طويلة في تمرين جسده ومنع نفسه من اللذات وكان من خالف تلك القوانين يُهان ويُعاقب فضلاً عن خسارته المجازاة (انظر تفسير ١كورنثوس ٩: ٢٦ و٢٧) كذلك على خادم كنيسة المسيح الذي يتوقع نيل إكليل الحياة أن يخضع في كل شيء لإرادة سيده السماوي المعلنة في قوانينه أي كتابه المقدس لا أن يرغب في إجراء إرادته هو.
٦ «يَجِبُ أَنَّ ٱلْحَرَّاثَ ٱلَّذِي يَتْعَبُ يَشْتَرِكُ هُوَ أَوَّلاً فِي ٱلأَثْمَارِ».
١كورنثوس ٩: ١٠
يَجِبُ أَنَّ ٱلْحَرَّاثَ ٱلَّذِي يَتْعَبُ في هذه الآية التشبيه الثالث وهو تشبيه الرسول للمبشر المسيحي «بالحرّاث». وأتى المسيح بمثل هذا التشبيه في مثَل الإنسان وابنيه الذي فيه قال ذلك الإنسان لأحد ابنيه «يَا ٱبْنِي، ٱذْهَبِ ٱلْيَوْمَ ٱعْمَلْ فِي كَرْمِي» (متّى ٢١: ٢٨). وفي مثَل فعلة الكرم ورب البيت الذي استأجرهم (متّى ٢٠: ١ – ١٧). فيجب على خادم الدين أن يكون نشيطاً خادماً للمسيح فعلاً لا اسماً واعترافاً فقط وأن يتعب دائماً. وشرط اشتراكه أولاً في الأثمار هو مداومته العمل.
يَشْتَرِكُ هُوَ أَوَّلاً فِي ٱلأَثْمَارِ أي ينال الجزاء قبل غيره لتعبه واجتهاده. حقق الرسول بهذا لتيموثاوس أنه إذا اجتهد بغيرة وأمانة في العمل في حقل الرب أثابه سيده سريعاً تمام الإثابة. وفي هذا تحذير وهو أنه إن توانى في ذلك العمل خسر الثواب. «والثواب» المشار إليه هنا هو من الله ولا إشارة فيه إلى النفقة التي يأخذها خادم الكنيسة من أعضائها.
٧ «ٱفْهَمْ مَا أَقُولُ. فَلْيُعْطِكَ ٱلرَّبُّ فَهْماً فِي كُلِّ شَيْءٍ».
ٱفْهَمْ مَا أَقُولُ أي انسب ما قلته إلى نفسك فاعتبر أنك جندي للمسيح وكمجاهد بغية الحصول على الإكليل السماوي وكحارث مجتهد في كرم الرب.
فَلْيُعْطِكَ ٱلرَّبُّ فَهْماً لكي تدرك ما قلته وما أقوله في الآية التالية. وفي هذا بيان أن الإنسان محتاج إلى معونة الله لكي يفهم الحقائق الإلهية حق الفهم ويسير بمقتضاها حق السير.
2) وجوب أن يذكر قيامة المسيح وسيرته هو باعتبار كونه معلمه وأن يتحقق مجازاة الله له على كل أتعابه تمام المجازاة لأنه وعد أن يثيب بالمجد أخيراً وهو أمين في وعده ع ٨ إلى ١٣
٨ «اُذْكُرْ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلْمُقَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ بِحَسَبِ إِنْجِيلِي».
١كورنثوس ١٥: ١ و٤ و٢٠ أعمال ٢: ٣٠ و١٣: ٢٣ ورومية ١: ٣ و٤ ورومية ٢: ١٦
اُذْكُرْ أتى الرسول هنا بأمرين عظيمين جوهريين حثّ بهما تيموثاوس على الأمانة في الخدمة والصبر في المشقات وهما «قيامة المسيح وتجسده». ولعل الداعي إلى ذكر هذين الأمرين إنكار المعلمين الكاذبين إياهما (ع ١٨) أو لعلهما جزء من الإقرار بالإيمان الذي أوجب على كل المسيحيين الأولين أن يعترفوا به علناً عند اشتراكهم في الكنيسة.
يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلْمُقَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ قيامة المسيح أساس إيمان كل المسيحيين ورجاؤهم (١كورنثوس ١٥: ١٢ – ٢٠) فلاق أن يوجّه بولس أفكار تلميذه إليها لكي يشجعه ويسنده فإن قيامته تثبت سلطته على الموت وأنه قادر أن ينقذ شعبه منه. وتبرهن أنه حي الآن فيقدر أن يعين أتباعه ويحميهم. فكما أن موته دل على ناسوته وأنه قادر أن يشعر مع البشر دلت قيامته على لاهوته وأنه قادر على أن يخلّص. فذكر «قيامة المسيح» مما شجع تيموثاوس على أن يثبت في التبشير واحتمال المشقات في سبيل الإنجيل كما فعل بولس (ع ٣).
مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ كون المسيح وُلد من نسل داود دليل على أنه لحم ودم مثلنا وأنه من سلسلة داود الملكية. ويثبت أنه المسيح الموعود به بالنبؤات التي سبقت ميلاده. ومن تلك النبوآت قول إرميا «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي ٱلأَرْضِ. فِي أَيَّامِهِ يُخَلَّصُ يَهُوذَا وَيَسْكُنُ إِسْرَائِيلُ آمِناً، وَهٰذَا هُوَ ٱسْمُهُ ٱلَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: ٱلرَّبُّ بِرُّنَا» (إرميا ٢٣: ٥ و٦ انظر متّى ٢٢: ٤٢ – ٤٥ ويوحنا ٧: ٤٢ وتفسير رومية ١: ٣).
بِحَسَبِ إِنْجِيلِي أي على وفق التعليم الذي اعتدته (٢تسالونيكي ٢: ١٤). وعبّر عن تعليمه بقوله «إنجيلي» مراراً (رومية ٢: ١٦ و١٦: ٢٥ و١كورنثوس ١٥: ١ و١تيموثاوس ١: ١١). ذهب بعضهم بأن الرسول هنا أشار بإنجيله إلى بشارة لوقا التي كتبها بمساعدة بولس وهو مرافق له في أسفاره ولكن الدلائل ليست بكافية لإثبات ذلك.
٩ «ٱلَّذِي فِيهِ أَحْتَمِلُ ٱلْمَشَقَّاتِ حَتَّى ٱلْقُيُودَ كَمُذْنِبٍ. لٰكِنَّ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ لاَ تُقَيَّدُ».
أعمال ٩: ١٦ وص ١: ١٢ وأفسس ٣: ١ وفيلبي ١: ٧ وكولوسي ٤: ٣ و١٨ وأعمال ٢٨: ٣١ وأفسس ٦: ١٩ و٢٠ وفيلبي ١: ١٣ و١٤
ٱلَّذِي فِيهِ أي لسبب الإنجيل الذي أنادي به (ص ١: ١٦ و٤: ١٦ و١٧).
أَحْتَمِلُ ٱلْمَشَقَّاتِ حَتَّى ٱلْقُيُودَ أشار إلى أحواله يومئذ علة ثانية لاحتمال تيموثاوس مشقاته بالصبر فأراد أن يتمثل به في الشجاعة والرجاء مع أنه كان مسجوناً مقيداً كأنه من شر المذنبين. ظُن أن بولس قُيّد يوم سُجن ثانية في سجن ممرتينوس الذي ذكره بلينوس المؤرخ الروماني. وهو مبني على قنة الكابتول على القرب من صرح المملكة الأكبر وهو قديم جداً كان موقعه مقطعاً للحجارة. ولهذا السجن طبقتان لا مدخل للعليا إلا من كوّة صغيرة في سقفه ولا مدخل للسفلى إلا من كوّة في أرض العليا. وسعة العليا ٢٧ قدماً في ٢٠ قدماً وسعة السفلى ٢٠ قدماً في ١٠ أقدام وليس من سلم إلى إحداهما. وعلة اختلاف الطبقتين في السعة أنه كان مثل كهف تحت الأرض.
كَمُذْنِبٍ هذا ما وُصف به كل من اللصين اللذين صُلبا مع المسيح (لوقا ٢٣: ٣٩). و «المذنب» هنا من تعدّى شريعة المملكة.
لٰكِنَّ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ لاَ تُقَيَّدُ هذا استطراد أظهر به ما يعزّيه في مشقاته الثقيلة. وعبّر عن الإنجيل «بكلمة الله» لأن الله مصدره (١تسالونيكي ٢: ١٣). وقال إن تلك «الكلمة لم تقيّد» لأنه وإن كان مقيداً كان له أن يبشر زائريه بالإنجيل وأن يصلي ويسأل الله انتشار الإنجيل وأن يكتب ما يشاء من الرسائل. ولكن لأن وسائله إلى التبشير في هذا السجن كانت أقل جداً مما كان له في سجنه الأول المذكور في (أعمال ١: ١٢). وفي قوله هذا إيماء إلى أن تيموثاوس غير مقيّد فيقدر أن يقوم مقامه وإن ذلك مما يجب عليه. فاعتبر بولس قيده شيئاً زهيداً ما دامت الفرص لكلمة الرب أن تجري وتتمجد (٢تسالونيكي ٣: ١). وإن الله كان حين امتناع بولس عن التبشير يقيم غيره ليقوم مقامه بتأدية الشهادة ولا يزال يفعل كذلك إلى الآن فإذا عجز شاهد ليسوع عن تأدية الشهادة لمرض أو سجن أو موت أقام غيره مقامه.
١٠ «لأَجْلِ ذٰلِكَ أَنَا أَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لأَجْلِ ٱلْمُخْتَارِينَ، لِكَيْ يَحْصُلُوا هُمْ أَيْضاً عَلَى ٱلْخَلاَصِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ مَعَ مَجْدٍ أَبَدِيٍّ».
أفسس ٣: ١٣ وكولوسي ١: ٢٤ و٢كورنثوس ١: ٦
لأَجْلِ ذٰلِكَ أي «لأن كلمة الله لا تقيّد» بل تزيد انتشاراً على توالي الأيام.
أَنَا أَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لأَجْلِ ٱلْمُخْتَارِينَ أي لأجل الذين اختارهم الله للحياة الأبدية منذ تأسيس العالم وسيأتون إليه بالإيمان بواسطة التبشير بالإنجيل. فسُرّ بولس بأن يتألم لكي يساعد أولئك المؤمنين على التقدم في الحياة الروحية لأن تألمه بالإيمان والصبر يكون مثالاً لكل المؤمنين في مستقبل العصور ولأن ما كتبه وهو في السجن كهذه الرسالة يكون واسطة إلى هداية أولئك إلى المسيح وثبوتهم في الحق.
لِكَيْ يَحْصُلُوا هُمْ أَيْضاً عَلَى ٱلْخَلاَصِ لم يعن أنهم يحصلون على الخلاص بدون استعمال الوسائط التي عيّنها الله من الإيمان بالمسيح والاهتداء إليه بشهادة المؤمنين به واحتمال المشقات من أجل اسمه.
ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ فإنه العلة الوحيدة للخلاص بالإيمان بموته وشفاعته في المؤمنين وهو على يمين الله.
مَعَ مَجْدٍ أَبَدِيٍّ فهذا المجد آخر نتائج خلاص المختارين بالمسيح وكون احتمال بولس المشقات من الوسائط التي ينال بها المختارون تلك النتيجة المجيدة علة احتماله إياها بصبر ومسرّة.
١١ «صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ: أَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ».
١تيموثاوس ١: ١٥ رومية ٦: ٥ و٨ و٢كورنثوس ٤: ١٠
في هذه الآية العلة الثالثة لأن يحتمل تيموثاوس المشقات بالشجاعة والصبر وهي نيل الحياة الأبدية بالمسيح.
صَادِقَةٌ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ هذه العبارة من العبارات الصحيحة التي كانت الكنيسة الأولى تعتقد صحتها وتكرّرها في الإقرار بالإيمان. وهي تشغل ثلاث آيات (ع ١١ – ١٣). ولعلها كانت إحدى الأغاني الروحية المذكورة في (أفسس ٥: ١٩ وكولوسي ٣: ١٦ انظر تفسير ١تيموثاوس ١: ١٥ و٣: ١٠).
أَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ المراد «بالموت» هنا التعرّض من أجل المسيح لبغض القساة وشديد الاضطهاد وموت العار فهو المراد بقوله «أموت كل يوم» (١كورنثوس ١٥: ٣١). وبقوله «حَامِلِينَ فِي ٱلْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ» (٢كورنثوس ٤: ١٠) والموت مع المسيح هو ما ذكره في (رومية ٦: ٣ و٤ وكولوسي ٢: ١٢).
فَسَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ هذا ينزع الخوف من الموت لأجل المسيح لأنه مقترن بالحياة معه حياة مجيدة لا تتغير ولا تنتهي. فالذين يشتركون في مشقات المسيح على الأرض يشتركون بمقتضى وعده في حياته في السماء.
١٢ «إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضاً مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أَيْضاً سَيُنْكِرُنَا».
رومية ٨: ١٧ و١بطرس ٤: ١٣ ومتّى ١٠: ٣٣ ومرقس ٨: ٣٨ ولوقا ١٢: ٩
إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ في هذه الحياة لأجل المسيح بالشجاعة ونحن نبشر بإنجيله لخلاص غيرنا وتمجيد اسمه. وهذا مثل قوله «فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ ٱلْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ» (رومية ٦: ٨).
فَسَنَمْلِكُ أَيْضاً مَعَهُ في المجد. وهذا زيادة على قوله «نحيا معه» وهو مثل قول يوحنا أن المسيح «جَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّٰهِ أَبِيهِ» (رؤيا ١: ٦). وقول المسيح «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي فِي ٱلتَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً عَلَى ٱثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيّاً تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ» (متّى ١٩: ٢٨ انظر أيضاً رومية ٥: ١٧ و٨: ١٧). قابل الرسول في الآية السابقة الموت بالحياة وقابل في هذه الآية الخضوع بالتسلط. والوعد بالحياة الأبدية والمجد الذي صرّح به المسيح وذُكر في هاتين الآيتين وترّنم به المؤمنون في مجتمعاتهم يحمل على الإيمان والنشاط في خدمة المسيح واحتمال المشقات من أجله بالصبر.
إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ الخ هذا أنذار للمعترفين بالإيمان إذا تأخروا لجبانة أو ضعف إيمان عن الشهادة للمسيح وإنجيله في زمن الاضطهاد أو إذا سمحوا للذّات هذا العالم ومجده أن تجور بهم عن سبيل الأمانة والطاعة للمسيح. وهذا الإنذار مبني على قول المسيح «مَنْ يُنْكِرُنِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضاً قُدَّامَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ١٠: ٣٣). وقوله «مَنِ ٱسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هٰذَا ٱلْجِيلِ ٱلْفَاسِقِ ٱلْخَاطِئِ فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِ أَبِيهِ مَعَ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ» (مرقس ٨: ٣٨). وهذا الإنذار موجه إلى من ادّعوا أنهم مسيحيون وهو يتضمن ويلاً أعظم من ويل الوثنيين الذين لا يؤمنون لأن الذين ينكرهم المسيح هم الذين توقعوا اعترافه بهم.
١٣ «إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِيناً، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ».
رومية ٣: ٣ و٩: ٦ وعدد ٢٣: ١٩
إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ في حفظ عهودنا بالإيمان والمحبة والطاعة.
فَهُوَ يَبْقَى أَمِيناً في وعده فينكرنا. فإنه لا يعامل التلميذ الخائن كما يعامل التلميذ الأمين. فإن أخلفنا وعدنا له فهو لا يخالف وعيده فهو صادق في الإنذار كما هو صادق في الوعد. وكونه صادقاً عادلاً لا يتغير يمنع من أنه يخالف الوعيد أو يُخلف الميعاد. وهذا يوافق قوله «فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ ٱللّٰهِ؟ حَاشَا! بَلْ لِيَكُنِ ٱللّٰهُ صَادِقاً وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِباً» (رومية ٣: ٣ و٤). وهذا لا يترك شيئاً من الرجاء للمعترف بالمسيح الذي ترك محبته الأولى وفتر ولم يتب.
3) توصيته لتيموثاوس أن يوصي غيره بأن لا يجاهر في سبيل أقوال فارغة أن يقوم بكل ما يجب عليه لكي لا يخجل أخيراً وأن يعتزل المجادلات التي لا تنفع ويحذر سيرة الضالين ع ١٤ إلى ١٨
١٤ «فَكِّرْ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ مُنَاشِداً قُدَّامَ ٱلرَّبِّ أَنْ لاَ يَتَمَاحَكُوا بِٱلْكَلاَمِ، ٱلأَمْرُ غَيْرُ ٱلنَّافِعِ لِشَيْءٍ، لِهَدْمِ ٱلسَّامِعِينَ».
١تيموثاوس ٥: ٢١ و٦: ١٣ وص ٤: ١ و١تيموثاوس ١: ٤ و٦: ٤ وتيطس ٣: ٩ و١١
هذه الآية بداءة القسم الثاني من الرسالة فكان موضوع القسم الأول حث تيموثاوس على الشجاعة والثبات واحتمال المشقات بالصبر. وموضوع القسم الثاني بيان ما يجب أن يُفعل في كنيسة أفسس.
فَكِّرْ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ أي ذكر المؤمنين في أفسس بهذه الأمور وهي ما ذُكر من (ع ١١: ١٣) وأعظمها أمران مشاركة المسيح في المشقات ثم مشاركته في المجد. ومثل هذا قوله لتيطس «أُرِيدُ أَنْ تُقَرِّرَ هٰذِهِ ٱلأُمُورَ، لِكَيْ يَهْتَمَّ ٱلَّذِينَ آمَنُوا بِٱللّٰهِ» (تيطس ٣: ٨). وأوصى بولس تيموثاوس أن يذكرهم بهذه الأمور لأن المعلمين الكاذبين كانوا يعلمون ما ينافيها.
مُنَاشِداً قُدَّامَ ٱلرَّبِّ أي كأنك تستحلفهم أمام المسيح وكأنه هو يستحلفهم رأساً. وهذا دليل قاطع على أهمية الأمر الموشك أن يعرضه عليهم.
أَنْ لاَ يَتَمَاحَكُوا بِٱلْكَلاَمِ أي أن لا يتجادلوا في البدع التي أتاهم بها المعلمون الخادعون وعبّر عن ذلك في الرسالة الأولى «بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ ٱلْحَسَدُ وَٱلْخِصَامُ وَٱلافْتِرَاءُ وَٱلظُّنُونُ ٱلرَّدِيَّةُ» (١تيموثاوس ٦: ٤).
ٱلأَمْرُ غَيْرُ ٱلنَّافِعِ لِشَيْءٍ أي ذلك التماحك لا ينفع نفوسهم شيئاً لكونه فارغاً باطلاً.
لِهَدْمِ ٱلسَّامِعِينَ أي هو أعنى التماحك لهدم الخ. والمعنى أنه بدلاً من أن يبني السامعين في الإيمان والمحبة والأعمال الصالحة يضرّهم ويحوّل أفكارهم عن جواهر الدين إلى الوهميات التي تتلف إيمانهم بالحقيقيات وتنشئ بينهم المخاصمات. قال بولس لأهل كورنثوس إن الرب أعطاه السلطان للبنيان لا للهدم (٢كورنثوس ١٣: ١٠). وكان عمل أولئك المعلمين خلاف عمله.
١٥ «ٱجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ لِلّٰهِ مُزَكّىً، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ بِٱلاسْتِقَامَةِ».
ٱجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ لِلّٰهِ مُزَكّىً بدلاً من الجدال في المسائل الباطلة المضرة فابذل وسعك في القيام بكل الواجبات الراعوية بغية أن ترضي الله الذي سيمتحن عمل كل واحد ما هو (١كورنثوس ٣: ١٣). وأمره إياه بالاجتهاد دليل على كثرة التجارب الحاملة على إرضاء الناس والنفس دون الله.
عَامِلاً لاَ يُخْزَى أي لا يخجل ويُذل وهذا تفسير «للمزكَّى». فإذا كان عمله لا يحتمل امتحان الله خُزي أمامه. وهذا على وفق قوله في نفسه «حَسَبَ ٱنْتِظَارِي وَرَجَائِي أَنِّي لاَ أُخْزَى فِي شَيْءٍ» (فيلبي ١: ٢٠) فرغب لتيموثاوس فيما رغب فيه لنفسه. وعدم الخزي أمام المسيح يستلزم الفوز بالمدح.
مُفَصِّلاً كَلِمَةَ ٱلْحَقِّ بِٱلاسْتِقَامَةِ أراد «بكلمة الحق» الإنجيل الذي نادى به. وفي العبارة مجاز أصله على ما ظن بعضهم فعل الكاهن اليهودي في الهيكل وهو تقسيم الذبيحة إلى أقسامها الواجبة. وعلى ما ظن آخر فعل رب البيت أو وكيله وهو قسمته الطعام على أهل البيت على قدر الحاجة. والمقصود أنه يجب على تيموثاوس أن يعلّم الناس إنجيل المسيح حتى تكون تعاليمه موافقة لأحوال السامعين واحتياجاتهم لكي يقتات بها الجميع وينموا في القداسة والاستعداد للسماء. وهذا يقرب من قوله تعالى لنبي إسرائيل «اَلنَّبِيُّ ٱلَّذِي مَعَهُ حُلْمٌ فَلْيَقُصَّ حُلْماً، وَٱلَّذِي مَعَهُ كَلِمَتِي فَلْيَتَكَلَّمْ بِكَلِمَتِي بِٱلْحَقِّ. مَا لِلتِّبْنِ مَعَ ٱلْحِنْطَةِ يَقُولُ ٱلرَّبُّ؟» (إرميا ٢٣: ٢٨).
١٦ « وَأَمَّا ٱلأَقْوَالُ ٱلْبَاطِلَةُ ٱلدَّنِسَةُ فَٱجْتَنِبْهَا، لأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ».
١تيموثاوس ٤: ٧ و٦: ٢٠ وتيطس ١: ١٤
حذّر بولس تيموثاوس في هذه الآية مما يخالف تفصيل «كلمة الحق بالاستقامة».
ٱلأَقْوَالُ ٱلْبَاطِلَةُ ٱلدَّنِسَةُ عبّر عن هذه الأقوال سابقاً بـ «ٱلْكَلاَمِ ٱلْبَاطِلِ ٱلدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ ٱلْعِلْمِ ٱلْكَاذِبِ ٱلاسْمِ» (١تيموثاوس ٦: ٢٠) فارجع إلى التفسير. ولا ريب في أنه أشار بها إلى تعاليم الكذبة كتعليم الأسينين بين اليهود والغنوسيين الذين خلطوا الفلسفة اليونانية بالمبادئ المسيحية.
فَٱجْتَنِبْهَا كما يُجتنب المكروه الضار.
لأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ أي لأن أصحاب تلك الأقوال الباطلة الدنسة يتقدمون الخ. وهذه العبارة بيان لعلة وجوب أن يتجنب تلك الأقوال لأن البحث عنها والتمسك بها يفصلان بين الإنسان وخالقه ويمنعه من محبة الحق وإيمانه الأصلي فينشأ قوله «َلٰكِنَّ ٱلنَّاسَ ٱلأَشْرَارَ ٱلْمُزَوِّرِينَ سَيَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَرْدَأَ، مُضِلِّينَ وَمُضَلِّينَ» (ص ٣: ١٣).
١٧ «وَكَلِمَتُهُمْ تَرْعَى كَآكِلَةٍ، ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَفِيلِيتُس».
١تيموثاوس ١: ٢٠
وَكَلِمَتُهُمْ أي تعليم أولئك الضالين أصحاب الأقوال الباطلة.
تَرْعَى كَآكِلَةٍ الآكلة داء يعتري الإنسان في قسم من بدنه فينشأ عنه أولاً الورم ثم الالتهاب والحكة ثم فساد اللحم وموته في ذلك الجزء ثم يمتد إلى غيره من الأجزاء السالمة إذا لم يُستأصل ويقتل من اعتراه. فشبّه الرسول إضلال المضلين بذلك المرض لأنه إن تُرك أفنى كل فضائل النفس وأفسد مبادئها الصحيحة وأهلكها أخيراً.
ٱلَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَفِيلِيتُس هما من قواد التضليل والأرجح أنهما كانا مشهورين فذكرهما بولس مثالاً ممن أخذوا يعدلون عن الإيمان الحق بواسطة «مماحكات الكلام» ثم سقطوا إلى غاية الضلال المهلك وذكر من هذين «هيمينايس» في الرسالة الأولى ((١تيموثاوس ١: ٢٠) بالنظر إلى كونه ضالاً. ويتبين مما ذُكر هنا أنه لم ينتفع من تحذير الرسول يومئذ وأما «فيليتس» فلم يُذكر إلا هنا.
١٨ «ٱللَّذَانِ زَاغَا عَنِ ٱلْحَقِّ، قَائِلَيْنِ: «إِنَّ ٱلْقِيَامَةَ قَدْ صَارَتْ» فَيَقْلِبَانِ إِيمَانَ قَوْمٍ» .
١تيموثاوس ٦: ٢١ و١كورنثوس ١٥: ١٢
ٱللَّذَانِ زَاغَا عَنِ ٱلْحَقِّ وفي الأصل اليوناني «اللذان أخطأ سهمهما الغرض» فهذا كقوله «زاغوا من جهة الإيمان» (١تيموثاوس ٦: ٢١).
قَائِلَيْنِ: إِنَّ ٱلْقِيَامَةَ قَدْ صَارَتْ هذا أحد أضاليلهم فإن قيامة أجساد الموتى مما صرّح به المسيح في تعليمه ومن ذلك قوله «فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ» (يوحنا ٥: ٢٨ و٢٩). وهذه العقيدة تمسّك بها بولس ونادى بها بكل اجتهاد بدليل قوله لفيلكس الوالي «لِي رَجَاءٌ بِٱللّٰهِ فِي مَا هُمْ أَيْضاً يَنْتَظِرُونَهُ: أَنَّهُ سَوْفَ تَكُونُ قِيَامَةٌ لِلأَمْوَاتِ، ٱلأَبْرَارِ وَٱلأَثَمَةِ» (أعمال ٢٤: ١٥). فبوحي الروح القدس أقام أدلة قاطعة على صحة تلك العقيدة وعلم أن مجيءالمسيح ثانية مما يقترن بالقيامة والدينونة العظيمة وتوزيع الثواب على الأبرار والعقاب على الأشرار وأن نفوس الناس تلبس جسد مجد أو جسد هوان بمقتضى أعمالها في الجسد وإن جسد المؤمن يكون مثل جسد المسيح الممجد (١كورنثوس ١٥: ٥٣ و٥٤ و١تسالونيكي ٤: ١٣ – ١٨).
وهذه العقيدة رفضها فلاسفة اليونان (أعمال ١٧: ٣٢) والصدوقيون بين اليهود (أعمال ٢٣: ٨) وشك فيها بعض الذين ادعوا أنهم مسيحيون (١كورنثوس ١٥: ١٢). إن الأسينيين بين اليهود وبعض المسيحيين الذين سموا ثرابيوتي اعتقدوا اعتقاد هيميناس وفيليتس. وقالوا بأن كل ما قيل في الكتاب المقدس في شأن القيامة مجاز يراد به قيامة النفس روحياً من موت الخطيئة أو كما قال الغنوسيون أن القيامة ليست سوى قيامة النفس من حال الجهالة والظلمة إلى حال النور والمعرفة. ولعل هيمينايس وفيليتس وجدا شيئاً لإثبات تعليمهم بتحريف أقوال بولس في (رومية ٦: ٤ وكولوسي ٢: ١٢) كما قال بطرس في رسائل بولس وهو «أن بعض الناس يحرفها» (٢بطرس ٣: ١٦).
فَيَقْلِبَانِ إِيمَانَ قَوْمٍ اعتبر بولس إنكار قيامة الأجساد ضلالاً مهلكاً لأن ذلك يستلزم نفي قيامة المسيح التي هي أساس الدين المسيحي كما أبان في (١كورنثوس ١٥: ١٣ و١٤ و١تيموثاوس ١: ١٩ و٢٠).
4) وجوب أن لا ييأس تيموثاوس من ارتداد بعض القوم لأن أساس الله والإيمان المسيحي راسخ وأن الله يعلم الذين هم له ويحفظهم من الهلاك الأبدي. وأن يجتهد في أن يكون إناء للكرامة في بيت الله وبيان ما يجب أن يعتزله وما يجب أن يتبعه ع ١٩ إلى ٢٦
١٩ «وَلٰكِنَّ أَسَاسَ ٱللّٰهِ ٱلرَّاسِخَ قَدْ ثَبَتَ، إِذْ لَهُ هٰذَا ٱلْخَتْمُ. يَعْلَمُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِينَ هُمْ لَهُ. وَلْيَتَجَنَّبِ ٱلإِثْمَ كُلُّ مَنْ يُسَمِّي ٱسْمَ ٱلْمَسِيحِ».
متّى ٢٤: ٢٤ ورومية ٨: ٣٥ و١يوحنا ٢: ١٩ وعدد ١٦: ٥ وناحوم ١: ٧ ويوحنا ١٠: ١٤ و٢٧
وَلٰكِنَّ أي وإن كان إيمان البعض قد تزعزع وانفصلوا هم عن الحق.
أَسَاسَ ٱللّٰهِ ٱلرَّاسِخَ أي ما وجده الله من الحق لأن الله قادر على كل شيء ولا يتغير. واختلف المفسرون في المراد من «الأساس» هنا فذهب بعضهم إلى أنه عقيدة القيامة وتعليمها الأساسي. وذهب آخر إلى أنه مواعيد الله كلها. وغيره إلى أنه المسيح. وفريق إلى أنه الدين المسيحي. وفريق إلى أنه كنيسة المسيح التي عبر عنها «ببيت الله» في الآية التالية. والأرجح أنه الكنيسة وأساسها المسيح بدليل قوله «لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ ٱلَّذِي وُضِعَ، ٱلَّذِي هُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ» (١كورنثوس ٣: ١١). وهذا البناء أساس الكنيسة الروحية في المستقبل بدليل قوله لكنيسة أفسس «فَلَسْتُمْ إِذاً بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ ٱللّٰهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ ٱلزَّاوِيَةِ، ٱلَّذِي فِيهِ كُلُّ ٱلْبِنَاءِ مُرَكَّباً مَعاً يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّساً فِي ٱلرَّبِّ. ٱلَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيُّونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلّٰهِ فِي ٱلرُّوحِ» (أفسس ٢: ١٩ – ٢٢). ويؤيد هذا الرأي ما في (متّى ١٦: ١٨).
قَدْ ثَبَتَ قابل هذا بالذين تزعزع إيمانهم وقلبوا إيمان غيرهم (ع ١٨). وهذا الأساس مثل ملكوت المسيح الذي «لا يتزعزع» (عبرانيين ١٢: ٢٨).
إِذْ لَهُ هٰذَا ٱلْخَتْمُ أي أساس الله الراسخ الذي هو الكنيسة وأساسها المسيح يشبه بيتاً عليه بعض الرسوم. والمرجّح أن هذا التشبيه مبني على عادة قديمة ولم تزل إلى الآن وهي عادة الكتابة على أسكفة الباب كما ذُكر في (تثنية ٦: ٩ و١١: ٢٠) وعلى أعمدة البناء وحجارته الأساسية (رؤيا ٢١: ١٤). وهذه الكتابة تنبئ بمن أسس البيت وبناه وتدل على قصده منه. ولم يقل الرسول في العبارة «في هذه الكتابة» بل «له هذا الختم» لأن «الختم» يشير إلى المعاهدة ويثبتها.
يَعْلَمُ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِينَ هُمْ لَهُ هذه الجملة الأولى من الكتابة وهي تثبت أن الله يعتني بشعبه ويحميهم. وتشبه قول موسى لقورح وقومه «غداً يعلن الرب من هو له» (تثنية ١٦: ٥). وقول المسيح «إنه الراعي الصالح وأن الراعي الصالح يعرف خاصته وأن خرافه تسمع صوته وهو يعرفها فتتبعه وأن لا أحد يخطفها من يده» (يوحنا ١٠: ١٤ و٢٧ و٢٩). إن الرب يعرف من له لأنه يحبهم ولا ينفك يعرفهم ويحفظهم لأنه عرفهم منذ الأزل حين اختارهم للخلاص وسيعرفهم حين يُكملون في المجد في السماء. ومعرفته هنا كمعرفته في قوله «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُحِبُّ ٱللّٰهَ، فَهٰذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ» (١كورنثوس ٨: ٣).
لْيَتَجَنَّبِ ٱلإِثْمَ كُلُّ مَنْ يُسَمِّي ٱسْمَ ٱلْمَسِيحِ هذه جملة ثانية تصوّر الرسول أنها كُتبت على أساس بيت الله. ومعنى قوله «ليتجنب الإثم» كقول إشعياء اِعْتَزِلُوا. ٱعْتَزِلُوا. ٱخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. لاَ تَمَسُّوا نَجِساً. ٱخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهَا. تَطَهَّرُوا يَا حَامِلِي آنِيَةِ ٱلرَّبِّ» (إشعياء ٥٢: ١١) ومعنى قوله «يُسمي اسم المسيح» كمعنى قول النبي في (إشعياء ٢٦: ٣١) «وهو المعترف بقلبه أن يسوع هو المسيح» كما في (١كورنثوس ١٢: ٣) ومعنى الجملة كلها أنه من المحال أن يرتكب من يعترف بالمسيح الإثم عمداً. والمراد «بالإثم» هنا تعليم المعلمين الضالين الذي نشأ عنه الإعراض عن الحق وسوء السيرة.
إن رسوخ كنيسة المسيح يتحقق من الله ومن الناس بموجب هاتين الكتابتين اللتين خُتمت بهما لأن الله يعرف الذين له فلا يهملهم ولا يتركهم يهلكون. ولأن كل مسيحي حقيقي يرغب في القداسة ويجتهد في اعتزال الإثم بالصلاة وإنكار النفس.
٢٠ «وَلٰكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضاً، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهٰذِهِ لِلْهَوَانِ».
١تيموثاوس ٣: ١٥ ورومية ٩: ٢١
في هذه الآية بيان أنه مع معرفة الله الذين له وحفظه إياهم بوجد في الكنيسة المنظورة من ليس له حقيقة.
فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ أي في كنيسة الله على الأرض التي شبهها المسيح بشبكة مطروحة في البر جامعة من كل نوع من أنواع السمك (متّى ١٣: ٤٧ – ٤٩). انتقل الرسول من تشبيه الكنيسة بأساس بني عليه هيكل عظيم ونوع رخيص فانٍ والأول للإكرام والثاني للهوان. وقال هذا دفعاً لاعتراض لا بد من أن يخطر على بال تيموثاوس وغيره وهو إذا كانت كنيسة المسيح راسخة ومجيدة فكيف يكون فيها ضالون ومضلون.
تِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهٰذِهِ لِلْهَوَانِ باعتبار العمل الذي احتيج به إلى الآنية. وأشار بنوعي الآنية إلى اتباع المسيح المخلصين الأمناء وأتباعه المرائين الخائنين. ومن أولئك الأتباع من عرفهم الجميع أنهم أتقياء ومنهم من عرفهم الجميع أنهم مراؤون فشبّه الأولين «بالذهب» وشبّه الآخرين «بالخزف» والتفاوت بين أفراد كل من الفريقين كالتفاوت بين الذهب والفضة وبين الخشب والخزف فالمسيحيون الذين يشبهون الذهب والفضة يبقون في كنيسة الله إلى الأبد ولكن الذين يشبهون الخشب والخزف لا يبقون في تلك الكنيسة إلا وهم على هذه الأرض. والفرق بين نوعي المسيحيين غير متوقف على تفاوتهم في الغنى أو العلم أو المواهب بل على الصفات الأدبية فالنقي القلب إناء من ذهب.
٢١ «فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هٰذِهِ يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّساً، نَافِعاً لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدّاً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ».
إشعياء ٥٢: ١١ وص ٣: ١٧ وتيطس ٣: ١
فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هٰذِهِ لا ريب في أن الرسول أشار بقوله «من هذه» إلى الذين أنكروا القيامة وأنه قصد أنه يجب على تيموثاوس أن يعتزل أولئك الاشرار الخائنين كل الاعتزال فلا يخالطهم كأصدقاء إذا أراد أن يكون مثل إناء من ذهب للكرامة. ويصح أيضاً أن يُراد منه أنه يجب على كل الذين يريدون أن يقفوا أنفسهم للرب أن يعتزلوا كل دنس الأشرار وأن يصلوا صلاة داود «ٱغْسِلْنِي كَثِيراً مِنْ إِثْمِي. طَهِّرْنِي بِٱلزُّوفَا فَأَطْهُرَ. ٱغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ ٱلثَّلْجِ» (مزمور ٥١: ٢ و٧).
يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ إنه يستحيل أن تحول الآنية المادية نفسها كأن تصير الذهبية خشبية والخزفية فضية ولكن ذلك يمكن ذوي النفوس الناطقة الذين يشبهون الآنية المادية في بضع صفاتها. وفي كلام الرسول على تحول آنية الهوان إلى آنية الكرامة والعكس إشارة إلى تغير كتغيره هو فإنه حين كان مجدفاً ومضطهداً أشبه إناء خزفياً ولما صار رسولاً أشبه إناء ذهبياً. ولكن يهوذا الاسخريوطي كان رسولاً مكرماً ثم صار لصاً وسلّم سيده فصار مثل إناء من خزف بعد أن كان كإناء من ذهب.
مُقَدَّساً أي موقوفاً لاستعمال مقدس كما كانت آنية الهيكل في أورشليم.
نَافِعاً لِلسَّيِّدِ موافقاً لإتمام مقصوده في إجراء كل ما تخلص به نفوس الناس ويتمجد الله. فكل عمل يُقصد به تمجيد الله عمل شريف وإن استخف الناس به. فإنفاق الأموال على الفقراء والمساكين وعمل التبشير بغية نيل المدح من الناس دنس وخطيئة. وسقي كأس ماء بارد أو غسل رجل تلميذ إكراماً للمسيح شريف مكرم.
مُسْتَعَدّاً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ يدعو الله إليه. طويل المدة كان كبذله كل الحياة في خدمته تعالى أو قصيرها كموته شهيداً. وهذا على وفق قول بولس «نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس ٢: ١٠).
٢٢ «أَمَّا ٱلشَّهَوَاتُ ٱلشَّبَابِيَّةُ فَٱهْرُبْ مِنْهَا، وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ وَٱلسَّلاَمَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ ٱلرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ».
١تيموثاوس ٦: ١١ وأعمال ٩: ١٤ و١كورنثوس ١: ٢ و١تيموثاوس ١: ٥ و٤: ١٢
أَمَّا ٱلشَّهَوَاتُ ٱلشَّبَابِيَّةُ فَٱهْرُبْ مِنْهَا هذا شرط كونه «إناء للكرامة» وهو يستلزم الطهارة باطناً فضلاً عن الانفصال عن فعل الشر ظاهراً. إن الشباب عرضة لبعض الشهوات أكثر من الشيوخ فحين حذّر بولس تيموثاوس هذا التحذير كان سن تيموثاوس بين الثلاثين والأربعين. وهذه «الشهوات» تشتمل على الكبرياء والبخل وحب الرئاسة وسرعة الغضب وكل أنواع الشر التي تقود إليها محبة الذات ولا سيما الشهوة التي نهت عنها الوصية السابعة.
وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ سبق مثل هذا في (١تيموثاوس ٦: ١١) فارجع إلى التفسير.
وَٱلسَّلاَمَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ ٱلرَّبَّ تقييده «السلام» مع أهل الله ضروري في محله لأن «السلام» هنا الاتفاق والاتحاد وهو يستحيل أن يكون بين المؤمن وعدو المسيح وإنجيله. وهذا هو «السلام» الذي سأله المسيح لتلاميذه في صلاته قرب موته لكي «يتحد بعضهم ببعض» وبه يتمجد الله ويعلم العالم أنهم تلاميذه (يوحنا ١٧: ٢٣).
مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ هذا يدل على أن «الذين يدعون» المذكورين هم المخلصون المتواضعون الذين يخدمون الله لغير غاية دنيوية (رومية ١٢: ١٨) وهم غير المعلمين الكاذبين الذين اتخذوا الدين تجارة (١تيموثاوس ٦: ٥).
٢٣ «وَٱلْمُبَاحَثَاتُ ٱلْغَبِيَّةُ وَٱلسَّخِيفَةُ ٱجْتَنِبْهَا، عَالِماً أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ».
١تيموثاوس ١: ٤ و٤: ٧ و٦: ٤ وع ١٧ وتيطس ٣: ٩
وَٱلْمُبَاحَثَاتُ ٱلْغَبِيَّةُ وَٱلسَّخِيفَةُ ٱجْتَنِبْهَا أي المجادلات التي يشتغل بها الأغبياء والسخيفو العقول. والظاهر أن المعلمين الكاذبين كانوا يسرّون بها ويجتهدون في أن يجذبوا تيموثاوس إلى الخوض فيها معهم. وقد سبق الكلام في مثل هذه المباحثات في تفسير (ع ١٦ وفي ١تيموثاوس ١: ٤ و٦ و٤: ٧) فارجع إليها.
أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ إنها ولدت الخصومات في الكنيسة منذ أيام بولس إلى هذه الساعة وانقسام كنيسة المسيح إلى فرق مختلفة نتيجة تلك المباحثات. وكثير من المسائل يبحث الناس فيه ولا يمكنهم حله وإن أمكنهم حله في ينتفعوا به فيستطيعون أن يتباحثوا في الأمور المهمة بلا غضب ولا خصام لكنه يغلب أن تكون المباحثة في الأمور الزهيدة من أسباب الخصام.
٢٤ «وَعَبْدُ ٱلرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقاً بِٱلْجَمِيعِ، صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ، صَبُوراً عَلَى ٱلْمَشَقَّاتِ».
تيطس ٣: ٢ و١تيموثاوس ٣: ٢ و٣ وتيطس ١: ٩
عَبْدُ ٱلرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ أي يجب على كل عبيد الرب أن يعتزلوا الخصام ولا سيما المبشرين كتيموثاوس. فينبغي أن يقتفوا خطوات سيدهم الرب الذي قيل أنه «لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي ٱلشَّارِعِ صَوْتَهُ» (إشعياء ٤٢: ٢ ومتى ١٢: ١٩) ولكن يجوز له أن يحامي عن الحق متى اقتضت الحال ذلك. لكن يجب أن يحامي عنه باللين والحلم رغبة في نفع الخصم لا في الانتصار عليه (رومية ١٢: ١٨).
بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقاً بِٱلْجَمِيعِ هادئاً وديعاً لطيفاً حليماً لا في معاملة أصحابه فقط بل في معاملة كل من التقى به (١تسالونيكي ٢: ٧). فإذا قصدنا أن ننفع الذين هم خارج الكنيسة فالطريق إلى ذلك أن نكسب أولاً محبتهم وثقتهم بنا ثم نشهد لهم بما للمسيح.
صَالِحاً لِلتَّعْلِيمِ كما في (١تيموثاوس ٣: ٢). فيجب أن يكون قادراً على تعليم من يقبلون أن يتعلموا وراغباً في تبليغ معرفته إياهم لينتفعوا بها.
صَبُوراً عَلَى ٱلْمَشَقَّاتِ التي علّتها مقاومو الحق كما يظهر من الآية التالية (انظر تفسير أفسس ٤: ٢ وكولوسي ٣: ١٣).
٢٥ «مُؤَدِّباً بِٱلْوَدَاعَةِ ٱلْمُقَاوِمِينَ، عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ ٱللّٰهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ».
غلاطية ٦: ١ و١تيموثاوس ٦: ١١ و١بطرس ٣: ١٥ وأعمال ٨: ٢٢ و١تيموثاوس ٢: ٤ وص ٣: ٧ وتيطس ١: ١
مُؤَدِّباً بِٱلْوَدَاعَةِ ٱلْمُقَاوِمِينَ الذين يبغضون الحق ويحبون الضلال ويتمسكون به. فالطبيعة البشرية تحكم على الإنسان بأن يغضب على مثل أولئك وأن يوبخهم وينعتهم بالغباوة والضلال. ولكن هذه العبارة توجب أن نبذل الوسع في أن نبين لهم الحق باللين والحلم. وعلينا أن نشفق عليهم ونصلي من أجلهم وأن نظهر حزننا عليهم لأنهم يضرون أنفسهم ويضرون الحق بآرائهم السخيفة ولا يجوز أن نُظهر الغضب على الذين يخالفوننا.
عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ ٱللّٰهُ تَوْبَةً هذا بيان ما يجب أن يكون القصد من تعليم المقاومين وهو تأديبهم واتخاذ الوسائل إلى منع أن يزيدوا عناداً وأن يسلموا بأنهم ضالون ويتوبوا عن خطيئة إيمانهم والضرر الذي نتج لغيرهم من مقاومتهم للحق. وقوله «يعطيهم» الخ بيان أن التوبة هبة من الله وعمل نعمته بواسطة التعليم فليست مجرد نتيجة من نتائج الوسائط البشرية.
لِمَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ هذه نتيجة توبتهم عن ضلالهم فإنهم بها يرجعون إلى الاعتراف بالحق وإلى اتحادهم بالكنيسة.
٢٦ «فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ ٱقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ».
١تيموثاوس ٣: ٧
فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ الخ شبّه الرسول هنا الضالين بمن اعتراهم سبات أو سكر شديد يحتاجون إلى من يوقظهم منه وقد صيدوا «بفخ إبليس» عدوّهم وعدوّ الحق فيحتاجون إلى من ينقذهم منه. وأتى الرسول هذا التشبيه لبيان احتياجهم إلى المساعدة الإلهية لإنقاذهم من ضلالهم لأن ضلالهم لم ينتج عن الجهل والخطإ فقط بل عن تسلط الروح النجس عليهم أيضاً فهم عاجزون عن أن يخلصوا أنفسهم منه. وهذا يشير إلى حطّة وذلّ وخطر شديد ويبيّن عظمة النعمة التي تقودهم إلى التوبة والاعتراف بالحق. والضمير في قوله «لإرادته» عائد إلى إبليس الذي صاد الكافرين المقاومين. وفي ذلك تصريح بأن كل مقاومة للحق إجراء لإرادة إبليس.
السابق |
التالي |