كولوسي

الرسالة إلى أهل كولوسي | 04 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى أهل كولوسي

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ

خاتمة الرسالة ع ٢ إلى ١٨ وفيها خمسة أمور

الأول: وجوب الصلاة من أجل الغير ولا سيما الرسول نفسه ووجوب التصرف بالحكمة مع الذين خارج الكنيسة (ع ٢ – ٦).

الثاني: توصية بتيخيكس وأنسيمس (ع ٧ – ٩).

الثالث: تحيات من بعض رفقاء الرسول لأهل كولوسي (ع ١٠ – ١٤).

الرابع: توصية تتعلق بكنيسة لاودكية وتوصية لأرخيّس (ع ١٥ – ١٧).

الخامس: الوداع (ع ١٨).

وجوب الصلاة من أجل الغير ع ٢ إلى ٦

٢ – ٤ «٢ وَاظِبُوا عَلَى ٱلصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِٱلشُّكْرِ، ٣ مُصَلِّينَ فِي ذٰلِكَ لأَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضاً، لِيَفْتَحَ ٱلرَّبُّ لَنَا بَاباً لِلْكَلاَمِ، لِنَتَكَلَّمَ بِسِرِّ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أَنَا مُوثَقٌ أَيْضاً، ٤ كَيْ أُظْهِرَهُ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ».

لوقا ١٨: ١ ورومية ١٢: ١٢ وأفسس ٦: ١٨ و١تسالونيكي ٥: ١٧ و١٨ص ٢: ٧ و٣: ١٥ أفسس ٦: ١٩ و٢تسالونيكي ٣: ١ و١كورنثوس ١٦: ٩ و٢كورنثوس ٢: ١٢ متّى ١٣: ١١ و١كورنثوس ٤: ١ وأفسس ٦: ١٩ وص ١: ٢٦ وص ٢: ٢ أفسس ٦: ٢٠ وفيلبي ١: ٧

كلام الرسول في هذه الآيات ككلامه في (أفسس ٦: ١٨ – ٢٠). وأشار بقوله «لنا» (ع ٣) إلى الرسل والمبشرين عامة وإلى نفسه وتيموثاوس (١تيموثاوس ١: ١) وأبفراس خاصة (ع ١٢ و١٣) وقوله «ليفتح الرب باباً للكلام» على وفق قوله «قد انفتح لي باب عظيم فعّال» (١كورنثوس ١٦: ٩). وقوله «لَمَّا جِئْتُ إِلَى تَرُوَاسَ، لأَجْلِ إِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ وَٱنْفَتَحَ لِي بَابٌ فِي ٱلرَّبِّ» (٢كورنثوس ٢: ١٢). والمراد بذلك إزالة كل الموانع من سبيل التبشير بالإنجيل وكان أعظم الوسائل له لفتح باب الإنجيل إطلاقه من السجن ولذلك رغب في أن يُطلق من سجنه. وسألهم أن يصلوا من أجله بغية الإطلاق. وأراد «بسر المسيح» كون الخلاص مباحاً للأمم كما لليهود بشرط الإيمان (أفسس ٣: ٣ و٤). وقوله «من أجله أنا موثق» يوافق قوله «أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ» (أفسس ٦: ٢٠).

إن مناداة بولس بخلاص الأمم بدون تكليفهم بحفظ الرسوم اليهودية متعلق بقوله «مصلين» (ع ٣) والمراد أن يُطلق من سجنه حتى يستطيع أن يقوم بكل مطاليب رسوليته بمقتضى الدعوة الإلهية بجولانه للتبشير من مدينة إلى مدينة ومن بلاد إلى بلاد كما فعل سابقاً (رومية ١: ١٣ و١٤ و١٥: ١٦).

٥ «اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ مِنْ جِهَةِ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ».

أفسس ٥: ١٥ و١تسالونيكي ٤: ١٢ أفسس ٥: ١٦

اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ أي باستقامة وحلم واعتزال كل ما يهيج التعصب ويجلب العار على اسم المسيح والدين المسيحي (متّى ١٠: ١٦ وأفسس ٥: ١٥).

ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ أي الأمم الخارجة عن كنيسة المسيح فسلوك المسيحيين بالحكمة مع هؤلاء الوثنيين واسطة إلى إرشادهم إلى المسيح وخلاصه لأنه يغلب أن يكون سلوك المؤمنين المقدس أعظم وسيلة من الكلام إلى إقناع الناس بصحة الدين المسيحي.

مُفْتَدِينَ ٱلْوَقْتَ لكي نشغله بالتبشير بالمسيح وإنجيله بغية خلاص الهالكين (أفسس ٥: ١٧ انظر تفسير ذلك).

٦ «لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ، مُصْلَحاً بِمِلْحٍ، لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ».

جامعة ١٠: ١٢ وص ٣: ١٦ لاويين ٢: ١٣ ومرقس ٩: ٥٠ أمثال ٢٦: ٤ و٥ و١بطرس ٣: ١٥

لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ «للذين هم من خارج» كما تدل القرينة.

بِنِعْمَةٍ أي بلطف ليرضي السامعين ويجذبهم إلى الحق فيظهر به روح الديانة وروح المحبة. ومصدر هذه النعمة نعمة الله في قلوبهم. وهذا موافق لقول المرنم «ٱنْسَكَبَتِ ٱلنِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ» (مزمور ٤٥: ٢).

مُصْلَحاً بِمِلْحٍ للملح فائدتان إحداهما جعل الطعام لذيذاً للذوق بدليل قول المسيح «اَلْمِلْحُ جَيِّدٌ. وَلٰكِنْ إِذَا صَارَ ٱلْمِلْحُ بِلاَ مُلُوحَةٍ، فَبِمَاذَا تُصْلِحُونَهُ» (مرقس ٩: ٥٠). والثانية حفظ المواد من الفساد كما يفيد قول المسيح «أَنْتُمْ مِلْحُ ٱلأَرْضِ الخ» (متّى ٥: ١٣). وقصد الرسول هنا الفائدة الأولى أي وجوب أن يظهروا في كلامهم الديني اللطف وروح الديانة فإنها في الكلام بمنزلة الملح في الطعام فيشوقان المخاطب إلى الإصغاء والقبول فيجب أن لا يكون خشناً يمجه الذوق.

لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجَاوِبُوا الخ أي كل من يرغب في معرفة المسيح ودينه. وهذا يستلزم وجوب أن يكون المتكلم قد عرف الحق بالدرس والاختبار وأنه قد شعر بقوته وتيقن أنه قوة الله وحكمة الله للخلاص وأن يكون راغباً في نفع المخاطبين وأن يجعل كلامه مما يقتضيه المكان والزمان مقدار فهم السامع. وأفضل مثال لبيان معنى الرسول ما أتى به المسيح من الأمثال في مخاطبته لتلاميذه.

توصية بتيخيكس وأنسيمس ع ٧ إلى ٩

٧، ٨ «٧ جَمِيعُ أَحْوَالِي سَيُعَرِّفُكُمْ بِهَا تِيخِيكُسُ ٱلأَخُ ٱلْحَبِيبُ، وَٱلْخَادِمُ ٱلأَمِينُ، وَٱلْعَبْدُ مَعَنَا فِي ٱلرَّبِّ، ٨ ٱلَّذِي أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لِهٰذَا عَيْنِهِ، لِيَعْرِفَ أَحْوَالَكُمْ وَيُعَزِّيَ قُلُوبَكُمْ».

أفسس ٦: ٢١ أفسس ٦: ٢٢

الكلام في هاتين الآيتين مثل كلامه في (أفسس ٦: ٢١ و٢٢) لفظاً ومعنىً فراجع تفسيرهما. وعلينا أن نذكر أن بولس كتب إحدى الرسالتين على أثر الأخرى وأرسلهما مع مُرسل واحد وأن كولوسي كانت قريبة من أفسس.

تِيخِيكُسُ هو أحد سكان أسيا (أعمال ٢٠: ٤) رافق بولس في سفره الثالث للتبشير سنة ٥٨ ب. م وكان معه يوم كتب هذه الرسالة (نحو سنة ٦٢ و٦٣) وكان معه أيضاً يوم كتب الرسالة إلى تيطس (نحو سنة ٦٧ ب. م تيطس ٣: ١٢) وأرسله إلى أفسس (٢تيموثاوس ٤: ١٢). والأوصاف التي وصفه بها الرسول أبانت أنه شاركه في خدمة المسيح وأنه كان محبوباً ومكرماً لديه وأنه وقف نفسه للرب كالرسول ولذلك اضطُهد معه. وأرسله الرسول بهذه الرسالة لأمرين الأول إخباره إياهم بأحواله والثاني استخباره عن أحوالهم في وقت ضيقتهم لكي يتعزوا ويتشجعوا بذلك.

٩ «مَعَ أُنِسِيمُسَ ٱلأَخِ ٱلأَمِينِ ٱلْحَبِيبِ ٱلَّذِي هُوَ مِنْكُمْ. هُمَا سَيُعَرِّفَانِكُمْ بِكُلِّ مَا هٰهُنَا».

فليمون ١٠

مَعَ أُنِسِيمُسَ هو أحد أهل كولوسي وعبد فليمون (انظر فليمون ١٠ – ١٧) أبق من سيده وأتى إلى رومية وتعرف ببولس هناك وآمن بواسطته بالمسيح وقُبل في عضوية الكنيسة فرده بولس إلى سيده مصحوباً برقيم وهو المعروف برسالة فليمون.

ٱلأَخِ ٱلأَمِينِ ٱلْحَبِيبِ لأنه مؤمن بالمسيح ومتحد به. ويتبين من قول الرسول أنه كان ممن يوثق بهم وأنه كان عزيزاً على الرسول فإنه أكرمه بوصفه إياه بالوصف الذي وصف به تيخيكس وأنه ذكرهما معاً كما ترى.

ٱلَّذِي هُوَ مِنْكُمْ أي من كولوسي فما أعظم ما كان الفرق بين معرفتهم إياه يوم كان عندهم وبين ما صار إليه زمن إرسال هذه الرسالة إليهم فإنه صار أخاً بعد أن كان عبداً وأميناً بعد أن كان خائناً ومحبوباً بعد أن كان مهاناً (فليمون ١١ و١٦).

هُمَا سَيُعَرِّفَانِكُمْ الخ بأموري الشخصية وأحوال كنيسة رومية وعمل الإنجيل في ضواحيها.

تحيات من بعض رفقاء الرسول لأهل كولوسي ع ١٠ إلى ١٤

١٠ «يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرِسْتَرْخُسُ ٱلْمَأْسُورُ مَعِي، وَمَرْقُسُ ٱبْنُ أُخْتِ بَرْنَابَا، ٱلَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا. إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَٱقْبَلُوهُ».

أعمال ١٩: ٢٩ و٢٠: ٤ و٢٧: ٢ وفليمون ٢٤ أعمال ١٥: ٣٧ و٢تيموثاوس ٤: ١١

أَرِسْتَرْخُسُ هو أحد سكان تسالونيكي ذُكر أولاً أنه خُطف أمام المشهد في أفسس وكان في شديد الخطر يوم هيجان ديمتريوس (أعمال ١٩: ٢٩). ورافق بولس عندما رجع من مكدونية إلى أسيا وتوجه إلى رومية (أعمال ٢٠: ٤) وكان مع بولس في قيصرية بعد نهاية سجنه وسافر معه إلى رومية (أعمال ٢٧: ٨).

ٱلْمَأْسُورُ مَعِي لا ندري هل أُسر معه إضطراراً أو اختياراً.

مَرْقُسُ ابن أخت برنابا كاتب البشارة الثانية المعروفة باسمه. وسمي أيضاً يوحنا وهو اسمه اليهودي وأما مرقس فهو اسمه الروماني واسم أمه مريم وهي أخت برنابا كان بيتها في أورشليم محل اجتماع التلاميذ للصلاة وصلوا هنالك حين كان بطرس في السجن وأتى إليه حين أُطلق (أعمال ١٢: ١٢ و٢٥). أما هو فتركهما في برجة ورجع (أعمال ١٣: ٢٥). وأراد برنابا أن يأخذه معه في السفر الثاني للتبشير ولم يستحسن بولس ذلك لأنه تركهما في برجة في السفر الأول فاختلفا في أمره وانفصلا فأخذه برنابا معه إلى قبرس وكان ذلك قبل كتابة هذه الرسالة بثلاث عشرة سنة. والظاهر أن بولس رضي عنه وتحقق أمانته لأنه كان وقت كتابة هذه الرسالة شريك أتعابه في رومية (فليمون ٢٤). وكان مزمعاً أن يزور الكنائس في أسيا الصغرى بدليل ما في هذه الآية. وعرف أنه كان بعد هذا مع بطرس في بابل (١بطرس ٥: ١٣). وكان أيضاً مع تيموثاوس في أفسس حين كتب بولس إلى تيموثاوس ورغب الرسول في أن يأتي إليه بدليل قوله «خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ» (٢تيموثاوس ٤: ١١).

ٱلَّذِي أَخَذْتُمْ لأَجْلِهِ وَصَايَا قال ذلك بياناً أنه هو الذي أنبأهم به إما بالكتابة وإما بلسان مرسل ولا نعلم ما تلك الوصايا.

إِنْ أَتَى إِلَيْكُمْ فَٱقْبَلُوهُ يتضح من هذا أن مرقس كان على وشك أن يبارح رومية وأنه لم يكن مسجوناً وأنه كان متوقعاً أن يزور كنائس أسيا ومن جملتها كنيسة كولوسي وأراد بقوله «اقبلوه» أن يعتبروه أخاً في المسيح موثوقاً بأمانته.

١١ «وَيَسُوعُ ٱلْمَدْعُوُّ يُسْطُسَ، ٱلَّذِينَ هُمْ مِنَ ٱلْخِتَانِ. هٰؤُلاَءِ هُمْ وَحْدَهُمُ ٱلْعَامِلُونَ مَعِي لِمَلَكُوتِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِينَ صَارُوا لِي تَسْلِيَةً».

يَسُوعُ ٱلْمَدْعُوُّ يُسْطُسَ هذا الرجل لم يُذكر في غير هذا الموضع. ومعنى «يسطس» تقي وكان هذا اللقب شائعاً بين اليهود والدخلاء ولقب به برسابا (أعمال ١: ٢٣) ودخيل من كورنثوس (أعمال ١٨: ٧).

ٱلَّذِينَ هُمْ مِنَ ٱلْخِتَانِ وهم الأربعة المذكورون.

هٰؤُلاَءِ هُمْ وَحْدَهُمُ ٱلْعَامِلُونَ مَعِي معلوم أن يهود رومية كانوا أعداءه (أعمال ٢٨: ٢٣ – ٢٩). وفي قوله إشارة إلى أن أكثر متنصري اليهود في رومية تجنب بولس بتعليمه قبول المؤمنين من الأمم في الكنيسة من دون أن يتهودوا (فيلبي ١: ١٥ و٢: ٢٠).

١٢ «يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَبَفْرَاسُ، ٱلَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِٱلصَّلَوَاتِ، لِكَيْ تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فِي كُلِّ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ».

ص ١: ٧ وفليمون ٢٣ رومية ١٥: ٣٠ متّى ٥: ٤٨ و١كورنثوس ٢: ٦ و١٤: ٢٠ وفيلبي ٣: ١٥ وعبرانيين ٥: ١٤

أَبَفْرَاسُ (انظر تفسير ص ١: ٧).

عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ تصح هذه النسبة لكل مؤمن لكن بولس لم ينسب ذلك إلا إلى نفسه واثنين من رفقائه وهما تيموثاوس (فيلبي ١: ١). وأبفراس. ونسبه يعقوب إلى نفسه وكذلك يهوذا والظاهر أنه دلّ بهذا إلى خدمة عظيمة خاصة.

مُجَاهِدٌ… بِٱلصَّلَوَاتِ هذا يشير إلى شوق شديد وحرارة شديدة في الصلوات والمواظبة عليها (رومية ١٥: ٣٠).

لِكَيْ تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فلا تفسد نفوسكم بتعليم الذين يمزجون حقائق الإنجيل بالفلسفة العالمية والتقاليد اليهودية فإن الغنوسيين ادعوا الكمال وملء القداسة بتعاليمهم. وقد أثبت الرسول بما مرّ أن الكمال بالمسيح (ص ٢: ١٠).

فِي كُلِّ مَشِيئَةِ ٱللّٰهِ كما فعل المسيح (يوحنا ٤: ٣٤ و٦: ٣٨) وكما يطلب من تلاميذه أن يفعلوا (متّى ٧: ٢١ انظر أيضاً عبرانيين ١٣: ٢١ و١يوحنا ٢: ١٧).

١٣ «فَإِنِّي أَشْهَدُ فِيهِ أَنَّ لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ ٱلَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَٱلَّذِينَ فِي هِيَرَابُولِيسَ».

فَإِنِّي أَشْهَدُ فِيهِ قال ذلك بناء على ما عرفه من كلام أبفراس وما سمعه من صلواته. وذكر هذا تقوية لحبهم إياه وتعزية لهم بتحققهم أنه مواظب على الصلوات من أجلهم.

لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً أي رغبة شديدة في إصلاحهم جسدياً وروحياً واهتمام عظيم بأن لا ينحرفوا عن منهج الحق.

لاَوُدِكِيَّةَ قصبة فريجية سماها بهذا الاسم أنطيوخس الاثني إكراماً لامرأته لاودوكية. انظر المقدمة صفحة ٦١.

هِيَرَابُولِيسَ مدينة في فريجية على أمد ستة أميال من كولوسي شمالاً كان فيها كثير من الهياكل الوثنية ولذلك سُميت بهذا الاسم لأن معناه «المدينة المقدسة» وأشهر هياكلها هيكل أبلون. واشتهرت بالحمامات الطبيعية الحارة وهي اليوم قرية صغيرة تُسمى «بمبوك قلعة سي». والمرجح أن الإنجيل دخل تلك المدن الثلاث كولوسي ولاودكية وهيرابوليس القريب بعضها من بعض بواسطة أبفراس الذي أرسله بولس إليها لتلك الخدمة. وكل من تلك المدن هدمته الزلزلة في أيام طيباريوس قيصر بعد كتابة هذه الرسالة بقليل.

١٤ «يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ لُوقَا ٱلطَّبِيبُ ٱلْحَبِيبُ، وَدِيمَاسُ».

٢تيموثاوس ٤: ١١ وفليمون ٢٤

لُوقَا كاتب البشارة الثالثة وأعمال الرسل (انظر ترجمته في مقدمة بشارته).

ٱلطَّبِيبُ ٱلْحَبِيبُ لأنه كان يعالج جسده بالصناعة الطبية ويسند قلبه بصداقته. ولا بد أن صحة بولس كانت قد انحرفت لما قاساه من الأتعاب والمشقات والسجن فاحتاج إلى العلاج.

دِيمَاسُ ذُكر في رسالة فليمون (فليمون ٢٤) ولم يصفه الرسول بشيء من صفات المدح ولعله رأى فيه استعداداً للارتداد الذي حدث بعد ذلك وذُكر في (٢تيموثاوس ٤: ١٠).

توصية تتعلق بكنيسة لاودكية وتوصية لأرخبس ع ١٥ إلى ١٧

١٥ «سَلِّمُوا عَلَى ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَعَلَى نِمْفَاسَ وَعَلَى ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي بَيْتِهِ».

رومية ١٦: ٥ و١كورنثوس ١٦: ١٩

ٱلإِخْوَةِ ٱلَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ أي أفراد المؤمنين الذين دعاهم كنيسة اللاودكيين في الآية التالية وسألهم أن يسلموا عليهم لقربهم منهم.

نِمْفَاسَ لا نعلم من أمره سوى ما ذُكر هنا فإنه يُعلم منه أنه أحد الإخوة وأن الاجتماع للعبادة كان في بيته. ولنا من ذلك أنه كان من عمدة الكنيسة وأنه من أهل السعة.

وَعَلَى ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّتِي فِي بَيْتِهِ (انظر تفسير رومية ١٦: ٥). يتضح من هذا أن كثيرين من الإخوة كانوا يجتمعون للعبادة في بيته فاستحسن بولس أن يرسل إليهم سلاماً خاصاً. كون المسيحيين في العصور الأولى قليلين ومضطهدين منهم من تشييد المعابد فاضطروا أن يعبدوا الله في بعض بيوت السكن ولا ذكر لبنائهم كنائس خاصة قبل القرن الثالث.

١٦ «وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةُ فَٱجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أَيْضاً فِي كَنِيسَةِ ٱللاَّوُدِكِيِّينَ، وَٱلَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا أَنْتُمْ أَيْضاً».

١تسالونيكي ٥: ٢٧

مَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هٰذِهِ ٱلرِّسَالَةُ التي كان بولس يكتبها حينئذ. والمرجّح أنه قصد أن تقرأ جهاراً على العادة المذكورة في (أعمال ١٥: ٢١ و٢كورنثوس ٣: ١٥ و١تسالونيكي ٦: ٢٨).

فَٱجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أَيْضاً فِي كَنِيسَةِ ٱللاَّوُدِكِيِّينَ لعله أوصاهم بذلك رغبة في نفع اللاودكيين بها ورهبة من أن يخفيها بعض الإخوة في كولوسي معاندة لبولس.

وَٱلَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ الخ لا توجد رسالة قانونية إلى لاودكية وقد أجمع المفسرون على أن الرسالة المشار إليها هنا هي الرسالة إلى أفسس لأنهم اعتبروها رسالة إلى كل الكنائس المجاورة لأفسس لا إلى كنيسة أفسس وحدها. وأن تيخيكس حمل نسخة منها إلى لاودكية وهو مار بها في طريقه إلى كولوسي. وذكر بعض الكتبة في القرن السادس أنه ظهرت رسالة إلى اللاودكيين لكن ليس فيها شيء يدل على أنها قانونية وهي لم تزل معروفة اليوم وفيها أقوال مختارة من رسائل بولس ولا زيادة على ذلك. وحكم المجمع النيقوي بأنها مزورة وحذّر الكنائس من قبولها قانونية.

١٧ «وَقُولُوا لأَرْخِبُّسَ: ٱنْظُرْ إِلَى ٱلْخِدْمَةِ ٱلَّتِي قَبِلْتَهَا فِي ٱلرَّبِّ لِكَيْ تُتَمِّمَهَا».

فليمون ٢ و١تيموثاوس ٤: ٦

أَرْخِبُّسَ دعاه بولس في رسالته إلى فليمون «المتجند معنا» (فليمون ٢٠). ولم يُذكر إلا هنا وهناك والمظنون أنه ابن فليمون وأن أبفية أمه لأن الثلاثة ذُكروا معاً في رسالة فليمون التي هي رقيم خاص. وكان قد تولى خدمة في الرب ولم نعلم أراعياً كان أم مبشراً أم شيخاً أم شماساً. استحسن بولس أن يرسل توصية خاصة به ويحثه على القيام بما يجب عليه بالأمانة تعزية وتقوية له وهو عرضة للتجارب. وأراد أن هذه التوصية تصدقها الكنيسة لتزيدها سلطاناً أو لكونه كان يومئذ غائباً من كولوسي خادماً لكنيسة في لاودكية أو هيرابوليس ولعل أرخبس أخذ على نفسه القيام بعمل أبفراس مدة إقامة أبفراس في رومية.

الوداع ع ١٨

١٨ «اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ. اُذْكُرُوا وُثُقِي. اَلنِّعْمَةُ مَعَكُمْ. آمِينَ».

١كورنثوس ١٦: ٢١ و٢تسالونيكي ٣: ١٧ عبرانيين ١٣: ٣ عبرانيين ١٣: ٢٥

اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ أتى بمثل هذا في خاتمة الرسالة الثانية إلى تسالونيكي إلا أنه زاد عليه قوله «ٱلَّذِي هُوَ عَلاَمَةٌ فِي كُلِّ رِسَالَةٍ. هٰكَذَا أَنَا أَكْتُبُ» (٢تسالونيكي ٣: ١٧ انظر أيضاً ١كورنثوس ١٦: ٢١ و٢كورنثوس ١٣: ١٥ وغلاطية ٦: ١١). وغايته بذلك تثبيت صحة الرسالة لأنه أملاها على غيره فكتبها.

اُذْكُرُوا وُثُقِي العلاقة بين هذه العبارة والتي قبلها واضحة لأن يده اليمنى التي يكتب بها كانت مربوطة بيد عسكري روماني فعسر عليه أن يكتب بها فاقتصر على كتابة السلام وكانت كتابته تدل على أنه هو كاتبها لعدم إحكامها بما ذكر. والمعنى أنكم متى رأيتم خطي فاذكروا أني موثوق من أجلكم والتفتوا إلى كلامي من نصائح وتحذير وصلوا من أجلي. وهذا مثل قوله «أَطْلُبُ أَنْ لاَ تَكِلُّوا فِي شَدَائِدِي لأَجْلِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ مَجْدُكُمْ» (أفسس ٣: ١٣). وقوله «أَخِيراً يَا إِخْوَتِي تَقَوَّوْا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ» (أفسس ٦: ١٠). وقوله «حَتَّى إِنَّ وُثُقِي صَارَتْ ظَاهِرَةً فِي ٱلْمَسِيحِ فِي كُلِّ دَارِ ٱلْوِلاَيَةِ وَفِي بَاقِي ٱلأَمَاكِنِ أَجْمَعَ الخ» (فيلبي ١: ١٣ و١٤). وقوله «وَإِنْ كُنْتُ أَنْسَكِبُ أَيْضاً عَلَى ذَبِيحَةِ إِيمَانِكُمْ وَخِدْمَتِهِ، أُسَرُّ وَأَفْرَحُ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ» (فيلبي ٢: ١٧).

اَلنِّعْمَةُ مَعَكُمْ أي نعمة الله في المسيح وهي تتكفل لهم بكل ما يحتاجون إليه.

السابق
زر الذهاب إلى الأعلى