كولوسي

الرسالة إلى أهل كولوسي | 01 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى أهل كولوسي

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

المقدمة ع ١ إلى ١٣

١ «بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ، وَتِيمُوثَاوُسُ ٱلأَخُ».

أفسس ١: ١

بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ قال في نفسه مثل ذلك في (أفسس ١: ١) فانظر التفسير هناك.

بِمَشِيئَةِ ٱللّٰهِ هذا تصريح بأن رسوليته من نعمة الله لا من عمله أو استحقاقه.

وَتِيمُوثَاوُسُ ٱلأَخُ لم يضم تيموثاوس إليه في مقدمة رسالته إلى أفسس لأن رسالة أفسس عامة خوطب بها عدة كنائس وأما هذه الرسالة فخاصة فذكر تيموثاوس فيها كما ذكره في مقدمات ست رسائل أُخر. ودعاه «الأخ» لأنه كان محبوباً إليه وكان معنياً له في أمور كثيرة ونائبه في غيابه. ومع أن بولس صرّح بأنه «رسول بمشيئة الله» لم يأنف من أن يدعو تيموثاوس «أخاً» وإن كان أصغر منه سناً وأحدث إيماناً وهذا دليل على أن النسبة ذات الشأن في الدين المسيحي هي الإخاء وأن الرسولية وغيرها من الرتب ليست سوى أمور عرضية بالنسبة إلى الإخاء. ولم يجعل الرسول تيموثاوس شريكاً له في هذه الرسالة في غير المقدمة.

٢ «إِلَى ٱلْقِدِّيسِينَ فِي كُولُوسِّي، وَٱلإِخْوَةِ ٱلْمُؤْمِنِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ. نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

١كورنثوس ٤: ١٧ وأفسس ٦: ٢١ غلاطية ١: ٣

إِلَى ٱلْقِدِّيسِينَ مرّ الكلام على القديسين المراد بهم الأحياء من المؤمنين في تفسير رسالة أفسس (أفسس ١: ١ ورسالة فيلبي ١: ١).

كُولُوسِّي انظر الفصل الأول من مقدمة هذه الرسالة.

ٱلْمُؤْمِنِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ دعاهم «قديسين» بالنسبة إلى الله ودعاهم «إخوة» بنسبتهم إلى غيرهم من المؤمنين ودعاهم «مؤمنين في المسيح» لأن اتحادهم بالمسيح بواسطة الإيمان جعلهم إخوة وإلا لما كانوا إخوة بالمعنى الإنجيلي. فكل المؤمنين بالمسيح إخوة بقطع النظر عن الفرق في السن والمقام والغنى والعلم والتقوى وبُعد بعضهم عن بعض. ولعل بولس أراد أن يلوح إلى التمييز بين الأعضاء الثابتين والراسخين في الإيمان والأعضاء المتزعزعين في الإيمان للضلالات المذكورة في (ص ٢).

لم يخاطب الرسول كنيسة كولوسي كما خاطب كنائس كورنثوس وتسالونيكي وغلاطية بل اقتصر على خطاب مؤمنيها فذهب بعضهم إلى أن علة ذلك حدوث إيمانهم حتى لم يتمكنوا من أن ينتظموا انتظاماً كاملاً.

نِعْمَةٌ… مِنَ ٱللّٰهِ أَبِينَا مرّ تفسير ذلك في (رومية ١: ٧) فارجع إليه.

وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ خلت بعض النسخ القديمة من هذه العبارة لكن وجود مثلها في مقدمات سائر رسائل بولس يثبت أنها أصلية.

٣ «نَشْكُرُ ٱللّٰهَ وَأَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ».

١كورنثوس ١: ٤ وأفسس ١: ١٦ وفيلبي ١: ٣ و٤: ٦

نَشْكُرُ ٱللّٰهَ افتتح هذه الرسالة بالشكر كما افتتح به أكثر رسائله لكنه لم يأت المدح الذي أتاه في بعض رسائله.

وَأَبَا رَبِّنَا العطف هنا تفسيري فكأنه قال الله أي أبا ربنا.

كُلَّ حِينٍ، مُصَلِّينَ لأَجْلِكُمْ هذا متعلق بقوله «نشكر» والمعنى أننا كلما صلينا من أجلكم شكرنا الله وهو كقوله «لاَ أَزَالُ شَاكِراً لأَجْلِكُمْ، ذَاكِراً إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي» (أفسس ١: ١٦).

٤ «إِذْ سَمِعْنَا إِيمَانَكُمْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ».

أفسس ١: ١٥ وع ٩ وفليمون ٥ عبرانيين ٦: ١٠

إِذْ سَمِعْنَا من أبفراس (ع ٨) وهذه العبارة وحدها ليست بدليل كاف على أن بولس لم يزر كولوسي بالذات وأنه لا يعرف أحوال الإخوة فيها إلا بالسماع لكن هذا يوافق ما استنتجناه من أدلة أخرى تثبت عدم زيارته إياها بالذات قبل كتابة هذه الرسالة. وهو لم يشكر الله على مجرد أنه سمع أنباءهم بل على أن تلك الأنباء كانت سارة.

إِيمَانَكُمْ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ هذا مما سمع نبأه وشكر الله عليه. ومعنى «إيمانهم بالمسيح» أن المسيح موضوع إيمانهم ومنشئه فيهم وعلة استمرارهم عليه لأن ثبوتهم في الإيمان نتيجة اتحادهم بالمسيح. وشكره الله على ما حصلوا عليه من الإيمان بتعليم أبفراس اقترن بالخوف من أن يزيغوا عن سنن الحق بتعليم المعلمين المضلين (ص ٢: ٨).

وَمَحَبَّتَكُمْ لِجَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ الحاضرين والغائبين فالمحبة أحد أثمار الإيمان الحق (١كورنثوس ١٣: ٣ وغلاطية ٥: ٦ انظر تفسير أفسس ١: ١٥).

٥ «مِنْ أَجْلِ ٱلرَّجَاءِ ٱلْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً فِي كَلِمَةِ حَقِّ ٱلإِنْجِيلِ».

٢تيموثاوس ٤: ٨ و١بطرس ١: ٤

مِنْ أَجْلِ ٱلرَّجَاءِ هذا الأمر الثالث من الأمور التي شكر الله عليها. فتلك الأمور الثلاثة وهي الإيمان والرجاء والمحبة التي نُسبت هنا إلى مؤمني كورنثوس ذُكرت في موضع آخر أنها أفضل الفضائل (١كورنثوس ١٣: ١٣). وكل منها ضروري للمسيحي فالإيمان ينظر إلى ما مضى والمحبة تفعل في الحاضر والرجاء ينظر إلى المستقبل. ولم يعن بالرجاء مجرد الشعور الباطن بل موضوع الرجاء أو المرجو وهو الحياة الأبدية. ويعسر على الإنسان أن يذكر الشعور بالرجاء دون أن يذكر معه المرجو. وذكر بولس الأمرين في آية واحدة وهو قوله «بالرجاء خلصنا». وقوله على أثر ذلك «وَلٰكِنَّ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضاً» (رومية ٨: ٢٤). وذلك تصريح بموضوع الرجاء.

ٱلْمَوْضُوعِ لَكُمْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ فهو في حرز حريز أي هو كنز محفوظ لا خوف عليه (متّى ٦: ٢٠). ووضع هنالك على سبيل الثواب والجعالة للمجاهدين (٢تيموثاوس ٤: ٨ و١بطرس ١: ٤). إن جودة الإيمان والمحبة برهان على جودة الرجاء. ولا أساس لرجاء لم يقترن بهما.

ٱلَّذِي سَمِعْتُمْ بِهِ قَبْلاً لما بُشرتم به وقبلتموه. إنهم يوم سمعوا أن المسيح مخلص سمعوا أيضاً نبأ السعادة السماوية الموضوعة في السماوات لكل من آمن به وتبعه كما قال المسيح للشاب الرئيس «َبِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ ٱلْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي» (متّى ١٩: ٢١).

فِي كَلِمَةِ حَقِّ ٱلإِنْجِيلِ في هذا بيان أنّ الإنجيل ليس فقط مجرد بشارة بالرحمة بل أيضاً إعلان حقائق أزلية لا تتغير كالحق نفسه وأن الإنجيل الذي بشر به أبفراس كان الإنجيل الحق الصريح لا شبه الإنجيل الذي نادى بعدئذ به الكذبة وإيضاح أن رجاءهم ليس باطلاً بل حقاً أعلنه الله الحق في إنجيله الحق.

٦ «ٱلَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً، وَهُوَ مُثْمِرٌ كَمَا فِيكُمْ أَيْضاً مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْتُمْ وَعَرَفْتُمْ نِعْمَةَ ٱللّٰهِ بِٱلْحَقِيقَةِ».

متّى ٢٤: ١٤ ومرقس ١٦: ١٥ ورومية ١٠: ١٨ وع ٢٣ مرقس ٤: ٨ يوحنا ١٥: ١٦ وفيلبي ١: ١١ و٢كورنثوس ٦: ١ وأفسس ٣: ٢ وتيطس ٢: ١١ و١بطرس ٥: ١٢

ذكر الرسول في هذه الآية أمرين من أمور الإنجيل الأول عمومه والثاني إثماره.

ٱلَّذِي قَدْ حَضَرَ إِلَيْكُمْ كَمَا فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ أي أن الإنجيل الذي بُشرتم به هو الإنجيل عينه الذي شرع في نشره في العالم كله وأخذ يتأصل في كل موضع على مقتضى أمر المسيح ووعده (متّى ١٣: ٣٨ و٢٤: ١٤ و٢٨: ١٩). فإن دين الإنجيل غير مقصور على بلاد وأمة كما كانت ديانة اليهود وديانة الغنوسيين وديانة الوثنيين بل هو دين يناسب كل العالم. وحين كتب بولس كان قد انتشر في أكثر العالم المعروف وقتئذ (رومية ١: ٨ و١٠: ١٨ و١تسالونيكي ١: ٨ و٢كورنثوس ٢: ١٤). وأشار بولس إلى عموم الإنجيل الذي بشر به إلى أن عمومه برهان على صدقه لأن البدع يغلب أن تكون محصورة في أهل كورة واحدة وقبيلة واحدة.

وَهُوَ مُثْمِرٌ قابل الإنجيل هنا بشجرة ذات ثمر ونموّ (كما قوبل في متّى ٧: ١٧ و١٣: ٣٢ ولوقا ١٣: ١٩). والثمر المشار إليه هو الإيمان والمحبة وسائر الفضائل التي يُظهرها تبّاع الإنجيل في أقوالهم وأعمالهم. ويدل على نمو الإنجيل انتشاره في الأرض وعدد المعترفين به وثبوتهم على رغم المقاومين (أعمال ٦: ٧ و١٢: ٢٤ و١٩: ٢٠). ونمو الإنجيل الذي بشر به أولاً برهان على أن مصدره سماوي وأنه حق فإنه انتشر في كل البلاد على اختلاف ألسنة السكان وكان حيث ينتشر يثبت. فشجرة الإنجيل لم تنضر وقتياً ثم تذبل وتيبس بل كانت تُظهر حياة جديدة على توالي الأزمنة.

كَمَا فِيكُمْ أَيْضاً كان لهم برهان حسي على أن الإنجيل الذي بُشروا به هو الإنجيل الحق وهو نموه في كولوسي وتقدمه فيها. وقال بولس هذا لئلا يستنتجوا من كلامه أن الإنجيل لم ينمُ عندهم كما نما في سائر العالم.

مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْتُمْ الإنجيل ممن نادى لكم به.

وَعَرَفْتُمْ نِعْمَةَ ٱللّٰهِ بسمعكم الإنجيل. فإنهم عرفوا تلك النعمة باختيارهم. وهي موضوع الإنجيل من أوله إلى آخره حتى يصح أن يُعبر عن الإنجيل بالنعمة وعن النعمة بالإنجيل.

بِٱلْحَقِيقَةِ أي أن الإنجيل على ما هو عليه بلا زيادة ولا نقصان هو إعلان صحيح لنعمة الله. فالذين قبلوا الإنجيل قبلوا بالحقيقة نعمة الله. وفي الإنجيل مناداة بخلاص مجاني وهبه الله لكل إنسان بشرط الإيمان. وهذا بخلاف الإنجيل الذي نادى به الكذبة لأنه اختلاق بشري يجبر تابعيه على ممارسة كثير من الرسوم الشديدة وإماتة الجسد عن المباحات الحسنة فكانت أحمالاً ثقيلة. فإنجيل المسيح أعلن للناس الخلاص مجاناً وإنجيل أولئك أعلن أن الخلاص بالأعمال الشاقة.

٧ «كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضاً مِنْ أَبَفْرَاسَ ٱلْعَبْدِ ٱلْحَبِيبِ مَعَنَا، ٱلَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ».

ص ٤: ١٢ وفليمون ٢٣ و٢كورنثوس ١١: ٢٣ و١تيموثاوس ٤: ٦

كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضاً هذا متعلق بقوله «عرفتم نعمة الله بالحقيقة» والمعنى تحققتم نعمة الله أي الإنجيل كما علمكم أبفراس.

أَبَفْرَاسَ هو من سكان كولوسي (ص ٤: ١٢) وكان حين كتابة هذه الرسالة مأسور مع بولس في رومية (فليمون ٢٣). ويتبين من هذه الرسالة أنه كان مبشراً بالإنجيل في كولوسي. والمرجّح أنه آمن بالإنجيل بدعوة بولس في أفسس وأنه كان نائب بولس في تأسيس كنيسة كولوسي. وذهب بعضهم إلى أنه هو أبفرودتس المكدوني (فيلبي ٢: ٢٥) لكن لا دليل على ذلك إلا إمكان أن يكون أبفراس مختصر أبفرودتس وعليه اعتراضات كثيرة. وعرف بولس تعليم أبفراس لأنه تلميذه ويمكن أنه كان يخبر بولس بتعليمه في كولوسي عند مجيئه إليه.

ٱلْعَبْدِ ٱلْحَبِيبِ قال ذلك بياناً لمنزلته عنده وتثبيتاً لثقة الكولوسيين به وبأنه مبشر بالإنجيل على سنن الحق حتى لا يجوز لهم أن يتركوا تعليمه ويتمسكوا بتعليم المعلمين المحدثين الذين علموا ما ينافي تعليمه.

مَعَنَا هذا يدل على أنه وبولس خادمان لسيد واحد هو الرب يسوع المسيح.

ٱلَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لم يقل «كان» كذلك ليدل على أنه كان ولم يزل كما ذُكر وأنه يجب أن يستمروا على اعتباره والثقة بتعليمه.

لأَجْلِكُمُ شهد أولاً بأمانة أبفراس للمسيح وشهد هنا بأمانته لهم. وشهد الرسول له بكل ما تقدم مع أنه كان معه حينئذ في رومية خادماً بالنيابة عنهم. وكان وجوده مع الرسول واستفادته منه وسيلة زيادة إفادته إياهم بعد رجوعه إليه.

ولا ريب في أن الراعي الذي يكون خادماً أميناً للمسيح يكون كذلك لرعيته.

٨ «ٱلَّذِي أَخْبَرَنَا أَيْضاً بِمَحَبَّتِكُمْ فِي ٱلرُّوحِ».

رومية ١٥: ٣٠

ٱلَّذِي أَخْبَرَنَا أَيْضاً عند وصوله إلى رومية وإتيانه بأنباء مؤمني كولوسي (ص ٤: ١٢).

بِمَحَبَّتِكُمْ فِي ٱلرُّوحِ إن بعض الكولوسيين مالوا إلى تعليم الكذبة وهذا لم يمنعه من أن يمدحهم على ما كان ممدوحاً من أمورهم. قال سابقاً أنه «سمع محبتهم لجميع القديسين» (ع ٤) ونسب هنا تلك المحبة إلى مصدرها وهو الروح القدس (رومية ١٥: ٣٠) وهو مثبتها أيضاً لأنها إحدى أثماره (غلاطية ٦: ٢٢) وموضوعها الله الآب والله الابن والروح القدس الذي هو مصدرها وكل المؤمنين بالمسيح ومنهم الرسول الذي خاطبهم هنا.

٩ «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ نَحْنُ أَيْضاً، مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا، لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ وَطَالِبِينَ لأَجْلِكُمْ أَنْ تَمْتَلِئُوا مِنْ مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ، فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ».

أفسس ١: ١٥ و١٦ وع ٣ و٤ و١كورنثوس ١: ٥ رومية ١٢: ٢ وأفسس ٥: ١٠ و١٧ أفسس ١: ٨

إن الرسول بعد شكره لله على ما حصل عليه مؤمنو كولوسي من المعرفة والنعمة سأله في هذه الآية إلى الآية الثانية عشرة أن يزيد معرفتهم لمشيئة الله الذي يقدّرهم على أن يسلكوا كما يحق للرب

مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ أي من أجل كل أنبائهم التي سمعها من أبفراس في شأن إيمانهم ورجائهم ومحبتهم وأثمارهم في كل عمل صالح.

مُنْذُ يَوْمَ سَمِعْنَا (ع ٤).

لَمْ نَزَلْ مُصَلِّينَ أي أنا والذين معي. هذا كان أول تأثير أنبائهم فيه ولم يزل إلى حين كتب هذه الرسالة.

وَطَالِبِينَ هذا وما بعده تفصيل وتفسير لقوله «مصلين» إذ فيه بيان مواضيع صلاته.

أَنْ تَمْتَلِئُوا في هذا إشارة إلى أن ما أدركوه إلى ذلك الوقت من المعرفة لم يزل ناقصاً.

مَعْرِفَةِ مَشِيئَتِهِ أي المعرفة التامة لإرادته تعالى. وأتى الرسول بمثل هذه الطلبة في مقدمة أربع رسائل (أفسس ١: ١٧ وفيلبي ١: ٩ وفليمون ٦ وهنا). وهذه المعرفة أسنى أنواع المعارف (أمثال ٢: ٥ وهوشع ٦: ٦ وأفسس ٤: ١٣ و٢بطرس ١: ٢). لم يطلب بولس لهم أن يعرفوا كنه الله الذي بحث عنه فلاسفة اليونان ولا أسراره بل مشيئته لكي يعتقدوا ما يريد أن يعتقدوه وأن يعملوا ما يريد أن يعملوه.

فِي كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْمٍ رُوحِيٍّ هذه وسائط ما طلبه من امتلائهم من المعرفة المذكورة وهي ليست وسائط بشرية بل مفعولات الروح القدس. وفي ذلك بيان عظمة الفرق بين حكمة الإنجيل وحكمة المعلمين المبتدعين فإن حكمتهم ليست سوى «حكاية حكمة» (ص ٢: ٣٢) و«فلسفة باطلة» (ص ٢: ٨) وما مصدرها سوى «الذهن الجسدي» (ص ٢: ١٨). والفرق بين الحكمة والفهم أن الحكمة أعم من الفهم وأنها عقلية وهو عملي.

١٠ «لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ، فِي كُلِّ رِضىً، مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَنَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ ٱللّٰهِ».

أفسس ٤: ١ وفيلبي ١: ٢٧ و١تسالونيكي ٢: ١٢ و١تسالونيكي ٤: ١ ويوحنا ١٥: ١٦ و١كورنثوس ٩: ٨ وفيلبي ١: ١١ وتيطس ٣: ١ وعبرانيين ١٣: ٢١

في هذه الآية بيان على طلبه لهم معرفة مشيئة الله لأن غايتها السلوك الحسن.

لِتَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلرَّبِّ أي للرب يسوع المسيح على قدر الاستطاعة البشرية. إنه لا أحد يستطيع أن يحب المسيح المحبة التي يستحقها ولا أن يكرمه الإكرام الذي يستحقه فهم لا يستطيعون أن يسلكوا كما يحق لربهم لكن يجب على المؤمنين أن يبذلوا جهدهم في ذلك لأنهم للرب فإنهم بحسن سلوكهم بمقتضى سيرة المسيح وتعليمه يكرمونه ويمجدون الله ويتممون مشيئته. وهذا كقوله للأفسسيين «أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ… أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ ٱلَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا» (أفسس ٤: ١). وكقوله لمؤمني فيلبي «عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ» (فيلبي ١: ٢٧). إن معرفة مشيئة الله استعداد ضروري للسلوك بمقتضاها. وعمل مشيئة الله وسيلة إلى التقدم في معرفته.

فِي كُلِّ رِضىً لله تعالى. فالذي يجعل غايته الأولى أن يرضى الناس يقع في التجربة (غلاطية ١: ١٠ وأفسس ٦: ٦ و١تسالونيكي ٢: ٤). وليس كذلك من يرغب في أن يرضي الله ورضاه هو غاية حسن السلوك ومثال ذلك أخنوح بدليل قول موسى فيه أنه «سار مع الله» (تكوين ٥: ٥). وقول الرسول «بِٱلإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى ٱلْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ ٱللّٰهَ نَقَلَهُ إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى ٱللّٰهَ» (عبرانيين ١١: ٥). وجمع الرسول الأمرين بقوله: «كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا اللهَ» (١تسالونيكي ٤: ١) نعم يجوز لنا أن نجتهد في أن نرضي الناس في المباحثات على شرط أن نطلب أولاً وخصوصاً أن نرضي الله.

مُثْمِرِينَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ المجاز هنا كما في الآية السادسة والثمر المطلوب هو الأعمال التي توافق مشيئة الله ويطلبها الضمير وتنتج من الإيمان بالمسيح والاتحاد به بواسطة تعليم الروح القدس وإرشاده (يوحنا ١٥: ٨ ومتّى ٧: ١٦).

نَامِينَ فِي مَعْرِفَةِ ٱللّٰهِ أفضل دليل على وجود الحياة الروحية في نفس الإنسان الثمر والنمو. إن الله غير محدود فمعرفته لا تُستقصى فمهما حصل الإنسان عليه منها في كل أطوار حياته الروحية يمكن أن يُزاد عليه بالتوالي هنا وفي السماء فكلما زاد معرفة زاد سعادة واقتداراً على إفادة غيره.

١١ «مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ».

أفسس ٣: ١٦ و٦: ١٠ أعمال ٥: ٤١ ورومية ٥: ٣

مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّة طلب الرسول أن يتقووا بكل نوع من أنواع القوة لأن ذلك شرط ضروري لكي يتمموا ما يُطلب منهم في وسط العالم الشرير ويحتملوا خصوصاً كل الضيقات والمصائب المحيطة بهم كما يظهر من سائر الآية.

بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ المراد بمجد الله إما إظهار كل صفاته وأما إظهار بعضها. وأشار هنا إلى مجده بإظهار قدرته وتم ذلك بأن صنع المسيح المعجزات بدليل قول يوحنا يوم حوّل المسيح الماء خمراً «هٰذِهِ بِدَايَةُ ٱلآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا ٱلْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ» (يوحنا ٢: ١١). وبالقوة التي أُعطيها المسيح لعمل الفداء (متّى ٢٨: ١٨). ومثل هذه القوة مما يحتاج المسيحي إليه وقد وعد الله أن يمنحها إجابة لصلاة الإيمان.

لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ تقدر تلك القوة على ممارستها. والفرق بين «الصبر» و«طول الأناة» إن الصبر ما يظهره الإنسان باحتماله المصائب التي تقع عليه من الله بلا تذمر ولا يأس كما كان من أيوب بدليل قول يعقوب الرسول «قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ ٱلرَّبِّ» (يعقوب ٥: ١١). وإن طول الأناة ما يظهره باحتماله تعديات الظالمين بلا انتقام. ومثال ذلك ما كان من المسيح حين «قيد كنعجة إلى الذبح».

بِفَرَحٍ إن المسيحي فضلاً عن احتياجه إلى قوة إلهية ليحتمل المصائب بالصبر وطول الأناة يحتاج إلى قوة عظيمة منه تعالى تمكنه من أن يفرح بمصائبه (رومية ٥: ٣). ويفرح المسيحي بالرزايا لأنه يقاسيها محبة للمسيح وإطاعة لأمره لتيقنه أنها تكون وسيلة إلى تقديسه وإعداده للسماء وأن عاقبتها راحة وفرح أبدي (يعقوب ١: ٢ و٣ و١بطرس ٤: ١٣). ومثال ذلك «يَسُوعَ، ٱلَّذِي مِنْ أَجْلِ ٱلسُّرُورِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ ٱحْتَمَلَ ٱلصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِٱلْخِزْيِ» (عبرانيين ١٢: ٢). وهو أمر رسله أن يفرحوا في الضيق بقوله «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متّى ٥: ١١ و١٢). وكذا كان الرسول بدليل قوله «وَإِنْ كُنْتُ أَنْسَكِبُ أَيْضاً عَلَى ذَبِيحَةِ إِيمَانِكُمْ وَخِدْمَتِهِ، أُسَرُّ وَأَفْرَحُ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ» (فيلبي ٢: ١٧) فالذي يصبر على المصائب السماوية فحسناً يفعل والذي يحتمل ظلم الناس بطول أناة فأحسن يفعل والذي يفرح في المصائب السماوية والأرضية فأحسن الأحسن يفعل.

١٢ «شَاكِرِينَ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ ٱلْقِدِّيسِينَ فِي ٱلنُّورِ».

أفسس ٥: ٢٠ وص ٣: ١٥ أعمال ٢٦: ١٨ أفسس ١: ١١

ذكر الرسول ثلاثة أشياء تتعلق بالسلوك «كما يحق للرب» وهي الأثمار والنمو في معرفة الله والتقوى وأضاف إليها هنا رابعاً وهو الشكر وبهذه الفضيلة يمتاز المسيحيون عن سائر فضلاء الناس.

شَاكِرِينَ ٱلآبَ أي أبا ربنا يسوع المسيح كما يتبين من القرينة (ع ١٣).

ٱلَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ ٱلْقِدِّيسِينَ هذا أول ما ذكره من دواعي الشكر. وضم بولس نفسه إلى قراء رسالته بقوله «أهّلنا» وأبان ذلك بصيغة الماضي لأن ذلك كان عند إيمانهم إذ خلقهم الله جديداً بقوة الروح القدس. وأهّلهم لتلك البركة العظيمة بمجرد نعمته لأنهم لا يستحقون من أنفسهم شيئاً من البركات ويؤيد ذلك قوله «لَيْسَ أَنَّنَا كُفَاةٌ مِنْ أَنْفُسِنَا… بَلْ كِفَايَتُنَا مِنَ ٱللّٰهِ» (٢كورنثوس ٣: ٥). و«شركة ميراث القديسين» مبنية على ما جاء في العهد القديم من أن الله أعطى أرض كنعان ميراثاً لشعبه المختار وقسم لكل واحد منه مئة جزءاً والمسيح عيّن لكل مؤمن نصيباً في ملكوت السماء بدليل قوله «ٱلَّذِي فِيهِ أَيْضاً نِلْنَا نَصِيباً، مُعَيَّنِينَ سَابِقاً حَسَبَ قَصْدِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ» وقوله «مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي ٱلْقِدِّيسِينَ» (أفسس ١: ١١ و١٨). فالقديسون الذين نالوا هذا الميراث والذين سينالونه هم المؤمنون في المسيح ممن يحيون على الأرض والذين يحيون في السماء. وهم لم يملكوا الميراث بقوتهم بل بيمين الله وذراعه (مزمور ٤٤: ٣).

فِي ٱلنُّورِ هذا من صفات ميراث القديسين يدل على أنه مجيد طاهر بهيج عظيم وذكر هذه الصفة مقابلة «لسلطان الظلمة» المذكور في الآية التالية. ويُسمى شركاء ذلك الميراث «بأولاد النور» (لوقا ١٦: ٨ و١تسالونيكي ٥: ٥). وما قاله هنا موافق لما قاله في دعوة الله له «أَنَا ٱلآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إِلَى ٱللّٰهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِٱلإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ ٱلْمُقَدَّسِينَ» (أعمال ٢٦: ١٧ و١٨ انظر أيضاً أعمال ٢٠: ٣٢). والله يؤهل المؤمنين لذلك الميراث في النور بنعمته وهم سالكون في النور على الأرض. فتقديسهم يكون شيئاً فشيئاً هنا ويكمل عند انتقالهم إلى السماء وفي هذه الآية تنتهي مقدمة الرسالة ويبتدئ القسم التعليمي من الأقسام الأربعة التي قُسمت الرسالة إليها.

شخص المسيح وكمال عمل الفداء به ع ١٣ إلى ٢٩

صرّح الرسول في هذا الفصل أننا كنا عبيداً في ملكوت الظلمة وأنقذنا الله من العبودية ونقلنا إلى ملكوت ابنه لنكون ورثته. وذكره ابن الله حمله عل أن ينادي بسمو عظمة المسيح ابن الله الفادي ومجده وقدرته.

١٣ «ٱلَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ ٱلظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ٱبْنِ مَحَبَّتِهِ».

أفسس ٦: ١٢ وعبرانيين ٢: ١٤ و١بطرس ٢: ٩ و١تسالونيكي ٢: ١٢ و٢بطرس ١: ١١ متّى ٣: ١٧ وأفسس ١: ٦

ٱلَّذِي أَنْقَذَنَا أصل هذا الإنقاذ هو الله والحامل له عليه حبه الفائق بدليل قول المسيح «هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا ٣: ١٦). وهو ينقذنا إنقاذ الأسير من يد الأسر. و«الإنقاذ» في الأصل اليوناني الخطف من حال الشقاء والخطر. وقال «أنقذ» لا ينقذ إشارة إلى ما أتاه الله منذ آمنوا وقبلوا النجاة.

سُلْطَانِ ٱلظُّلْمَةِ ليس المراد «بسلطان الظلمة» مجرد قوة إبليس الذي يدعي السلطان المطلق بدليل قول ذلك الخصم المحتال للمسيح يوم جربه «لَكَ أُعْطِي هٰذَا ٱلسُّلْطَانَ كُلَّهُ… لأَنَّهُ إِلَيَّ قَدْ دُفِعَ، وَأَنَا أُعْطِيهِ لِمَنْ أُرِيدُ» (لوقا ٤: ٦). بل المراد به كل الشر المقترن بالحال التي صار إليها الإنسان بسقوطه واستمر عليه قبل الفداء. وأضافه إلى «الظلمة» إشارة إلى أنه حال الجهل والضلال والشقاء. وسماه «سلطاناً» إشارة إلى أنه شر شديد التأثير مرتب مستمر هائج أبداً. ويعجز الخاطئ أن يهرب منه بقدرة نفسه.

وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ٱبْنِ مَحَبَّتِهِ إن الله لم يكتف بمجرد تحريرنا من العبودية بل جعلنا ورثة ملكوت المجد فقول الرسول «انقذنا» مبني على ما كان يفعله الظافرون بالشعب الذي ينتصرون عليه وهو أن ينقلوهم من مواطنهم إلى بلاد المنتصر. ومثال ذلك ما فعله تغلت فلاسر بعشرة أسباط إسرائيل إذ سباهم إلى أشور (٢ملوك ١٥: ٢٩ و١٨: ١١). وما فعله نبوخذ نصر بسبطي يهوذا وبنيامين (٢ملوك ٢٥: ١ – ٢١). وسمى حال السعادة «بملكوت ابن محبته» مقابلة لتسميته حال الشقاء «بسلطان الظلمة» الذي أنقذهم منه وتفضيلاً له على ملكوت الملائكة الذي وعدهم المعلمون الكاذبون به (ص ٢: ١٨). وصرّح الإنجيل بفضل المسيح على الملائكة بقوله فيه «صَائِراً أَعْظَمَ مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ ٱسْماً أَفْضَلَ مِنْهُمْ» وقوله «لِمَنْ مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحاً خَادِمَةً» (عبرانيين ١: ٤ و١٣ و١٤). وقوله «فَإِنَّهُ لِمَلاَئِكَةٍ لَمْ يُخْضِعِ «ٱلْعَالَمَ ٱلْعَتِيدَ» ٱلَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ» (عبرانيين ٢: ٥). وذلك الملكوت قد أنشأه يسوع على الأرض وهو ملكه والمؤمنون الذين نجوا من سلطان الظلمة شرعوا يملكون ميراثهم لكن حالهم هناك كحال القاصرين الذين قصد الله أن يهب لهم القسم الأعظم من ميراثهم عند بلوغهم في السماء. ودعا المسيح «ابن محبته» لأنه موضوع حبه الخاص وقد سمي «المحبوب» (أفسس ١: ٦) ولأنه فيه تجري محبة الله الآب إلى نفوس البشر. «إن الله محبة» (١يوحنا ٤: ٨ و١٦) وهي خلاصة صفاته وكذلك هي خلاصة صفات الابن. بدليل قول الرسول «بِهٰذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ فِينَا: أَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ» (١يوحنا ٤: ٩).

١٤ «ٱلَّذِي لَنَا فِيهِ ٱلْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ ٱلْخَطَايَا».

أفسس ١: ٧

هذه الآية كالآية السابعة من الأصحاح الأول من أفسس فارجع إلى التفسير هنالك. والغاية منها بيان أن الفداء والمغفرة بيسوع المسيح وحده وأنهما بسفك دمه ولا مدخل فيهما لأعمال الناس الصالحة.

١٥ «ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ».

٢كورنثوس ٤: ٤ وعبرانيين ١: ٣ رؤيا ٣: ١٤

هذه الآية وما بعدها إلى الآية العشرين وصف للمسيح الذي قال أنه «ابن محبته» قصد الرسول به نفي ضلالات المعلمين الكاذبين. وأبان به أولاً ما كان عليه المسيح في الجوهر منذ الأزل وما كان عليه منذ بدء الخليقة باعتبار كونه خالق كل شيء وحافظ كل شيء وما كان للكنيسة منذ تجسده إلى تمجيده. وخلاصة ما قيل هنا في (عبرانيين ١: ٣) وهي على وفق قول يوحنا الرسول في إنجيله (يوحنا ١: ١ – ١٤).

صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ المراد «بالصورة» هنا ظهور ما لا يظهر للإنسان في الآب. ومعنى العبارة أن الله الآب الذي لا يُعلن بدون المسيح قد ظهر به. وليس المراد أن المسيح صورة جوهر الله بل أنه عنوان ما قصد الله إظهاره لنا من صفاته. وعبر عنه أيضاً «بالكلمة» لأنه به أعلنت مشيئة الله الخفية (يوحنا ١: ١) وعُبر عنه أيضاً ببهاء ذلك المجد الذي لا يقدر أحد أن ينظره ويحيا و«برسم» ذلك الجوهر الذي لا يمكن أن يُعرف إلا بواسطة الصورة التي أتى الابن بها (عبرانيين ١: ٣) وعبر عنه يوحنا بما في قوله «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يوحنا ١: ١٨). ويتضح من هذا أن المسيح الذي كان قبل كل خليقة تراه أو تسمعه سمي «صورة الله» و «كلمة الله» بمقتضى قصده تعالى أن يعلنه للخليقة متى وُجدت. والمراد «بغير المنظور» الذي تعجز الحواس البشرية عن الشعور به وعقل الإنسان عن أن يتصوره ويدركه بدون الابن وكون المسيح «صورة الله» غير مقصور على ما ظهر منه للناس وهو متجسد بل هو عام لكل ما أعلنه من صفات الله وأعماله بواسطة تعليمه وسيرته وأعماله ولا سيما ما أعلنه في عمل الفداء.

بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ دُعي كذلك بياناً لكونه الأول في محبة الآب واعتباره كما في قوله «متَى أَدْخَلَ ٱلْبِكْرَ إِلَى ٱلْعَالَمِ» (عبرانيين ١: ٦). ولكونه فوق كل الخلائق في العظمة ووقت الوجود. وهذا المراد من قول الله فيه بلسان داود «أَنَا أَيْضاً أَجْعَلُهُ بِكْراً أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ ٱلأَرْضِ» (مزمور ٨٩: ٢٧). ولنسبته إلى شعبه باعتبار كونه رئيسهم وملكهم ومخلصهم كما في قوله «ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ» (رومية ٨: ٢٩) ودُعي «البكر من الأموات» لكونه سابقاً ورئيساً لجميع الذين سوف يقومون من الموت (رؤيا ١: ٥). وجاء «البكر» في الكتاب المقدس صفة لمن امتاز عن غيره برضى الله ومحبته كقوله تعالى في الإسرائيليين «إِسْرَائِيلُ ٱبْنِي ٱلْبِكْرُ» (خروج ٤: ٢٢) وقوله في سبط أفرايم «لأَنِّي صِرْتُ لإِسْرَائِيلَ أَباً وَأَفْرَايِمُ هُوَ بِكْرِي» (إرميا ٣١: ٩) وقوله في الكنيسة «كَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (عبرانيين ١٢: ٢٣). وقول الرسول في الآية التالية «إن في المسيح خُلق الكل والكل به وله قد خُلق» يمنع أن يكون معنى قوله «بكر كل خليقة» أن المسيح بعض المخلوقات لاستحالة أن يكون الخالق مخلوقاً. فمعنى قوله «صورة الله» و«بكر كل خليقة» هو أن المسيح كان منذ الأزل مع الله وواحداً معه في الجوهر بدليل قول يوحنا «وكان الكلمة الله» (يوحنا ١: ١). مع أنه يمتاز عن الآب في الأقنومية وأنه يمتاز عن المخلوقات بأنه أعظم منهم جميعاً وأنه كان قبلهم. فكونه «صورة الله» يعلن نسبته إلى الآب وكونه «بكر كل خليقة» يعلن نسبته إلى البرايا. وهذا على وفق قول يوحنا «هٰذَا كَانَ فِي ٱلْبَدْءِ عِنْدَ ٱللّٰهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا ١: ٢ و٣). وقول الرسول «اَللّٰهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ ٱلآبَاءَ بِٱلأَنْبِيَاءِ قَدِيماً… كَلَّمَنَا فِي هٰذِهِ ٱلأَيَّامِ ٱلأَخِيرَةِ فِي ٱبْنِهِ ٱلَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، ٱلَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ ٱلْعَالَمِينَ. ٱلَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عبرانيين ١: ١ – ٣).

١٦، ١٧ «١٦ فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. ١٧ اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ».

يوحنا ١: ٣ و١كورنثوس ٨: ٦ وأفسس ٣: ٩ وعبرانيين ١: ٢ رومية ٨: ٣٨ وأفسس ١: ٢١ وص ٢: ١٠ و١٥ و١بطرس ٣: ٢٢ رومية ١١: ٣٦ وعبرانيين ٢: ١٠

فَإِنَّهُ الفاء للتلعيل وأتى بالعبارة بعدها بياناً لعلة ما قاله في المسيح في الآية السابقة ودفعاً لتوهم أن المسيح مخلوق.

فِيهِ خُلِقَ ٱلْكُلُّ أي العالمين جميعها وفصل ذلك في ما يأتي. والعبارة على وفق قول يوحنا «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (يوحنا ١: ٣). وقول الرسول في المسيح «وَأَنْتَ يَا رَبُّ فِي ٱلْبَدْءِ أَسَّسْتَ ٱلأَرْضَ، وَٱلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ» (عبرانيين ١: ١٠). وهي تبين كيف كان المسيح صورة الله لأن المسيح بخلقه العالمين أعلن قوة الله غير المحدودة وحكمته الفائقة. وهذا يمنع كل المنع من القول بأن المسيح جزء من الخليقة.

مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ هذا تفسير وتفصيل لقوله «الكل» باعتبار الجهات وهو يشمل سماء السماوات حيث يُظهر الله مجده ويسكن الملائكة والقديسون وسماء الكواكب وسكانها والأرض وكل ما فيها من الناس والبهائم والعناصر والقوات المحجوبة فيها.

مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى هذا تفسير وتفصيل ثان للكل بالنظر إلى حقائق المخلوقات من مادية وروحية. والمنظور لنا جزء صغير من البريّة فإننا لا نرى الملائكة ولا سكان الكواكب مما خلقه المسيح.

سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ هذا تفسير وتفصيل ثالث لقوله «الكل» بالنظر إلى المراتب. والمقصود بأهل هذه المراتب الملائكة. وسبق مثل هذا الكلام في (أفسس ١: ٢١) إلا أن ما دعي «عروشاً» هنا دُعي «رياسة» هناك والمعنى واحد لأن المراد «بالعروش» هنا القرب إلى عرش الله بدليل قول صاحب الرؤيا «وَحَوْلَ ٱلْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشاً» (رؤيا ٤: ٤) وإذا أردت المعنى بالتفصيل فارجع إلى تفسير (أفسس ١: ٢١). وغاية بولس هنا بيان أن المسيح أعظم من أعظم المخلوقات بما لا يقاس وأن الذين عبدوا إحدى تلك المراتب بالإكرام الذي لا يجوز لغير المسيح احتقروه. ولم يتعرض الرسول لذكر الممالك الأرضية وملوكها لأنه ليس من خوف أن يميل أحد إلى تفضيلها على المسيح ولم يذكر الأشرار من الملائكة لأن المسيح لم يخلقهم أشراراً.

ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ هذا تكرار ما سبق وبيان أن كل الخليقة خاضعة للمسيح كما جاء في (متّى ٢٨: ١٨ وفيلبي ٢: ٩ و١كورنثوس ١٥: ٢٧) فإنه خلقها لكي يتمجد بها وأن يتم كل ما قصد إجراءه. ولا إشارة هنا إلى أن الخليقة الروحية كانت به وله لأن هذا ذُكر بعد في (ع ١٨ – ٢٠). وما قاله في هذه الآية من أن كل شيء في المسيح خُلق به وله قاله أيضاً في الآب (رومية ١١: ٣٦) وذلك دليل على أن الابن مساوٍ للآب.

اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ في الزمان. فالمعنى أنه أزلي لا منذ بدء الخليقة. وهذا بمعنى قول المسيح نفسه «قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يوحنا ٨: ٥٨). وكقول الله لموسى «هٰكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ» (خروج ٣: ١٤).

وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ أي يستمر على النظام الذي خُلق عليه. فإن الخليقة لولا المسيح تلاشت ورجعت إلى العدم الذي خُلقت منه فإنه هو الذي يحفظها ويعتني بها ويعمل فيها كقول الرسول في اللاهوت «بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ» (أعمال ١٧: ٢٨). وقوله في المسيح أنه «حَامِلٌ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ» (عبرانيين ١: ٣). والغنوسين الذين مال الكولوسيون إلى تعليمهم قالوا «بأن حافظ العالم قوة إلهية أصغر من القوة التي خلقته» لكن الرسول نسب الخلق والحفظ كليهما إلى المسيح.

١٨ «وَهُوَ رَأْسُ ٱلْجَسَدِ: ٱلْكَنِيسَةِ. ٱلَّذِي هُوَ ٱلْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً فِي كُلِّ شَيْءٍ».

١كورنثوس ١١: ٣ وأفسس ١: ١٠ و٢٢ و٤: ١٥ و٥: ٢٣ أعمال ٢٦: ٢٣ و١كورنثوس ١٥: ٢٠ و٢٣ ورؤيا ١: ٥

في هذه الآية واللتين بعدها بيان نسبة المسيح إلى الكنيسة التي هي خليقته الروحية الجديدة.

وَهُوَ رَأْسُ ٱلْجَسَدِ: ٱلْكَنِيسَةِ الكنيسة التي هي جسد المسيح قسم من «الكل» الذي خُلق فيه وبه وله (ع ١٦) فإن الذي كان في صورة الله هو أيضاً رأس الكنيسة لأنه مصدر حياتها ونموها وقوتها وهو ملكها وحاضر معها على الدوام ويُحبها كما يحب الإنسان جسده. وقد مر تفسير ذلك في (أفسس ١: ٢٢ و٢٣ انظر أيضاً أفسس ٤: ١٢ و١٥ و١٦). قال بولس هذا ليزيل ضلالات المعلمين الكاذبين في كولوسي الذين نسبوا رئاسة الكنيسة إلى الملائكة وإلى ما جاورهم ممن هم أقرب منهم إلى الحضرة الإلهية من المخلوقات.

ٱلَّذِي هُوَ ٱلْبَدَاءَةُ أي بداءة الكنيسة التي هي جزء من «الكل» الذي خلقه على ما جاء في الآية السادسة. وليس المعنى هنا أن المسيح كان قبل الكنيسة فقط بل أنه هو أبدعها أيضاً ومصدر حياتها. قيل سابقاً أنه «بكر كل خليقة» فبالأولى أنه بكر الكنيسة إذ قيل أنه رئيس خلاصها (عبرانيين ٢: ١٠).

بِكْرٌ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ وكذا جاء في (رؤيا ١: ٥). والمعنى أنه أول من قام من الموت لكي لا يموت أيضاً. نعم إن المسيح أقام لعازر وغيره لكنهم ماتوا أيضاً. وسمي «بكراً» لأنه هو أول من قام في الزمان بدليل قول الرسول «إِنْ يُؤَلَّمِ ٱلْمَسِيحُ، يَكُنْ هُوَ أَوَّلَ قِيَامَةِ ٱلأَمْوَاتِ» (أعمال ٢٦: ٢٣) ولأنه أول في المقام ولأنه علة قيامة موتى الناس جميعاً وعربون قيامة شعبه ولذلك سمي «باكورة الراقدين» (١كورنثوس ١٥: ٢٠). وقال في نفسه «أنا هو القيامة والحياة» (يوحنا ١١: ٢٥) وهو الذي «أبطل الموت وأنار الحياة والخلود» (٢تيموثاوس ١: ١٠). وذكر الرسول قيامته برهاناً على صحة دعواه وصرّح بأن النبوءة التي هي «أنت ابني وأنا اليوم ولدتك» تمت بقيامته (أعمال ١٣: ٣٣ ورومية ١: ٣).

لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً فِي كُلِّ شَيْءٍ بمقتضى قصد الله أن يكون يسوع القائم من الأموات هو رأس الكنيسة. وقد أبان الرسول تقدم المسيح بأفصح عبارة في (فيلبي ٢: ٩ – ١١) (فارجع إلى التفسير هناك) فهو أعظم من كل الكنيسة كما أنه أعظم من كل الخليقة على ما تقدم آنفاً.

١٩ «لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ ٱلْمِلْءِ».

يوحنا ١: ١٦ و٣: ٣: ٣٤ وص ٢: ٩ و٣: ١١

هذه الآية برهان على أن رئاسة المسيح مطلقة وفاقاً لمسرة الله بأن «يحل فيه كل الملء».

فِيهِ أي في المسيح ليستطيع أن يخلق الكل ويفدي شعبه ويقوم متسربلاً بكل ما يقتضيه خلاص ذلك الشعب.

سُرَّ أي الله.

يَحِلَّ كُلُّ ٱلْمِلْءِ أي كل ملء اللاهوت كما يدل عليه قوله «فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً» (ص ٢: ٩ انظر أيضاً يوحنا ١: ١٤ و١٦ وأفسس ٣: ١٩). والمراد «بملء اللاهوت» كل الصفات الإلهية من عظمة وحكمة وقداسة وسلطة وقدرة ومجد ونعمة للكنيسة. والمراد «بالحلول» الاستمرار لا النزول الوقتي. ومن الواضح أنه لا يمكن أن يحل في المسيح كل صفات اللاهوت إن لم يكن هو ابن الله «وصورة الإله غير المنظور» فوجب أن يكون إلهاً تاماً وإنساناً تاماً لكي يكون رأس الكنيسة وبدائتها وبكر كل خليقة وباكورة الراقدين وملكاً منتصراً والوسيط الوحيد بين الله والناس. ووجب أن يحل فيه كل ملء اللاهوت لكي يقي كنيسته من أعدائها ويقودها إلى النصرة ولولا ذلك استحالت مصالحة الكنيسة لله ونجاتها من الهلاك الأبدي.

٢٠ «وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ ٱلْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً ٱلصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى ٱلأَرْضِ أَمْ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ».

٢كورنثوس ٥: ١٨ أفسس ١: ١٠ أفسس ٢: ١٤ إلى ١٦

وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ ٱلْكُلَّ الضمير في «به» يرجع إلى المسيح كما يدل عليه قوله «بدم صليبه» فهو واسطة الفداء. والمراد «بالكل» هنا كل قابل للمصالحة من الكل الذي ذُكر في الآية السادسة عشرة. وأشار إلى بعض من صُولح بقوله في الآية التالية «أنتم الذين كنتم قبلاً أجنبيين وأعداء… قد صالحكم». وأبان من هم المصالحون أكثر إبانة في (أفسس ٢: ١٦) فانظر تفسير ذلك في موضعه. وما قاله الرسول في (رومية ٨: ٢٠ و٢١) يشير إلى أن الخليقة غير الناطقة تشترك أيضاً في فوائد المصالحة ولكن لا دليل في شيء من الكتاب على أن الشياطين تستفيد منها شيئاً ولا الناس الذين ماتوا وهم رافضون للخلاص بالمسيح. ثم أن مصالحة المسيح كل من في السماوات والأرض مع الله تستلزم أنه إله وإنسان. وقوله «يصالح به الكل» لا يستلزم أنه قد تمت مصالحة الكل لأن كثيرين يظهرون بأقوالهم وأعمالهم أنهم غير مصالحين لله.

لِنَفْسِهِ أي للآب الذي سر أن «يحل في المسيح كل الملء» ليكون أهلاً لعمل الفداء (ع ١٩) وهذا يتضح من مقابلة هذه الآية بما في (أفسس ٢: ١٦).

عَامِلاً ٱلصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ هذا بيان أن المسيح عمل الصلح بدمه الذي سُفك على الصليب كفارة لخطايا الناس. إنه قد تم بموت المسيح حمل الله الذي يرفع خطية العالم كل ما هو ضروري للمصالحة بين الله القدوس العادل والإنسان الخاطئ (يوحنا ١: ١٩ ورومية ٣: ٢٥ وعبرانيين ٩: ١٤ و١٨ و٢٠ و١بطرس ١: ١٩).

بِوَاسِطَتِهِ أي بالمسيح ابن الله وحده لأن كل البهائم التي سُفكت دماؤها على المذابح لم تكن دماؤها سوى رمز إلى الدم الذي سفكه المسيح ولم تكن في نفسها ذات نفع. والمسيح هو وحده صلب من أجل البشر فهو وحده الوسيط بين الله والناس.

سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَى ٱلأَرْضِ أَمْ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ لعلنا لا نستطيع أن ندرك كل نتائج هذه المصالحة إنما نعلم أنها تعم كل قابل للمصالحة في السماء وعلى الأرض. فإنها مصالحة الله للإنسان ومصالحة الإنسان لله (٢كورنثوس ٥: ١٩ و٢٠) ومصالحة الإنسان للإنسان (لوقا ٢: ١٤ و١٩: ٣٨) ومصالحة اليهود للأمم (أفسس ٢: ١٤ و١٦) ومصالحة الإنسان لضميره. وقال «ما على الأرض أم ما في السماوات» ولم يذكر من في جهنم فإذا لا مصالحة للأبالسة ولا للأشرار الذين كان نصيبهم باختيارهم مع الشياطين في الدنيا وفي الآخرة (يهوذا ٦ و٧). قال الرسول أن الخليقة غير الناطقة تشترك في فوائد المصالحة (رومية ٨: ١٩ – ٢١).

٢١ «وَأَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي ٱلْفِكْرِ، فِي ٱلأَعْمَالِ ٱلشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ ٱلآنَ».

أفسس ٢: ١ و٢ و١٢ و١٩ و٤: ١٨ تيطس ١: ١٥ و١٦

تكلم قبلاً في المصالحة بالمسيح عموماً وتكلم عليها في هذه الآية بالنظر إلى تأثيرها في مؤمني كولوسي خاصة.

وَأَنْتُمُ يا مؤمني كولوسي الذين كنتم أصلاً من الأمم.

كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً أي قبل أن آمنتم (انظر تفسير هذه العبارة في تفسير أفسس ٢: ١٢). وكانوا حينئذ «أجنبيين» لبعدهم عن الله «وأعداء» لأن مشيئتهم مضادة لمشيئة الله. وأصل العداوة الإنسان لا الله (رومية ٥: ١٠ وأفسس ٢: ٢٣).

فِي ٱلْفِكْرِ هذا مركز الشر والعداوة.

فِي ٱلأَعْمَالِ ٱلشِّرِّيرَةِ وهي معلنات الفكر من الشرور الباطنة وهي دليل على كونهم معادين لله وعلى كونهم أجنبيين و«الأعمال الشريرة» عبارة عن كل سيرتهم. ووُصفت أعمالهم بالشر لأن بعضها مخالف لوصايا الله ولا شيء منها إطاعة له وتمجيد لاسمه كما يجب أن تكون الأعمال كلها. وكانت ناشئة عن أفكار شريرة في شأن الله والناس.

قَدْ صَالَحَكُمُ أي الله كما في (ع ٢١) وذلك بعمل واحد وهو موت المسيح. والله في كل ما قيل مصالح ووسيط المصالحة المسيح.

ٱلآنَ أي في العصور الإنجيلية بعد ما فُتح الطريق للأمم إلى الاشتراك في تلك المصالحة كاليهود.

٢٢ «فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِٱلْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ».

أفسس ٢: ١٥ و١٦ لوقا ١: ٧٥ وأفسس ١: ٤ و٥: ٢٧ و١تسالونيكي ٤: ٧ وتيطس ٢: ١٤ ويهوذا ٢٤

فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ أي بناسوت المسيح. ولعله استعمل هذه العبارة للتمييز بين جسد المسيح الحقيقي وجسده المجازي الذي هو الكنيسة (ع ١٨). وظن كثيرون أنه استعملها دفعاً لزعم الغنوسيين إن أصل الشر في المادة فينتج عندهم بالضرورة إن جسم المسيح لم يكن حقيقياً بل خيالياً (١يوحنا ٤: ٢ و٣). وظن بعضهم أنه استعملها دفعاً لتعليم المعلمين الكاذبين في كولوسي وهو أن المصالحة عمل الملائكة أو غيرهم من المخلوقات المجردة من الأجساد. وهنا أوضح بولس حقيقة ناسوت المسيح لأنه لو لم يتخذ جسد البشرية لم يستطع أن يتألم ويموت ليكون ذبيحة كفارية على مقتضى المصالحة كما أوضح في غير هذا الموضع لاهوته لأنه لولا لاهوت المسيح لم تكن قيمة لموته حتى يكون كفارة لخطأة العالم.

بِٱلْمَوْتِ الكفّاري على الصليب الذي به عمل المسيح المصالحة.

لِيُحْضِرَكُمْ هذا غاية المصالحة ونتيجتها للكولوسيين وفي مواضع أُخر ذُكر نتائج أخر منها لله. والذي يحضرهم لله هو المسيح فهم لا يحضرون أنفسهم له. والمرجّح أن هذا الإحضار يكون عند مجيء المسيح ثانية.

قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ بمقتضى قصد الله في المؤمنين «قبل تأسيس العالم» (أفسس ١: ٤) ويكونون كذلك قدام الله والعالم. وهذا على وفق مشيئة الله لكل المؤمنين بدليل قوله «إِنَّ هٰذِهِ هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ: قَدَاسَتُكُمْ» (١تسالونيكي ٤: ٣). وأول درجاته التبرير الذي هو دفعي ويكون عند الإيمان ويتلوه التقديس التدريجي وهو فعل الروح الذي أرسله المسيح. ودرجته الأخيرة كمال شبه المسيح عند مجيئه (أفسس ١: ٤ ويهوذا ٢٤ ورؤيا ١٤: ٥). وكل درجات الحياة المقدسة متوقفة على المسيح الذي «صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرًّا وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً» (١كورنثوس ١: ٣٠).

وَلاَ شَكْوَى لأن المسيح حين يُحضر شعبه أمام أبيه لا يشتكي الله عليهم لأنه غفر خطاياهم ولا الناموس لأن المسيح أوفى كل مطاليبه ولا ضمائرهم لأن الروح القدس قد أنشأ السلام مع الله في قلوبهم ولا الملائكة لأنهم فرحوا حين توبتهم على الأرض وسيفرحون بالترحيب بهم عند دخولهم بين الجنود السماوية.

أَمَامَهُ أي أمام الله كما جاء في (أفسس ١: ٤) لأنه فاحص القلوب وخفايا الأسرار فيحكم في اليوم الأخير بأنه من هم الذين قُدسوا بالمصالحة بموت المسيح.

٢٣ «إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى ٱلإِيمَانِ، مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ ٱلإِنْجِيلِ، ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ، ٱلْمَكْرُوزِ بِهِ فِي كُلِّ ٱلْخَلِيقَةِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، ٱلَّذِي صِرْتُ أَنَا بُولُسَ خَادِماً لَهُ».

أفسس ٣: ١٧ وص ٢: ٧ يوحنا ١٥: ٦ رومية ١٠: ١٨ ع ٦ أعمال ١: ١٧ و٢كورنثوس ٣: ٦ و٤: ١ و٥: ١٨ وأفسس ٣: ٧ وع ٢٥ و١تيموثاوس ٢: ٧

إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى ٱلإِيمَانِ قال ذلك ليبين لهم أن عليهم مسؤولية في أمر الخلاص فيجب أن يكونوا ثابتين في إيمان الإنجيل ورجائه ومحترسين من كل ما يعدل بهم عن الإنجيل الذي قبلوه. والثبات في الإيمان هو شرط إحضارهم إلى الله قديسين وبلا لوم (ع ٢٢).

مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ كما تتأسس البيوت وترسخ على الأساس الصخري (لوقا ٦: ٤٨ و٤٩). وهذا مثل قوله لمؤمني كورنثوس «كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ» (١كورنثوس ١٥: ٥٨). وقوله لمؤمني أفسس «مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ ٱلزَّاوِيَةِ» (أفسس ٢: ٢٠ انظر أيضاً أفسس ٣: ١٨ وتفسيره).

غَيْرَ مُنْتَقِلِينَ بتعاليم المعلمين الكاذبين الذين ملتم إلى سمع أقوالهم ولا بغرور الفلسفة العالمية والشهوات الجسدية.

عَنْ رَجَاءِ ٱلإِنْجِيلِ الرجاء المبني على مواعيد الإنجيل ولا سيما رجاء الخلاص بدم المسيح. وهذا الرجاء يقدر المؤمن على الثبات في الإيمان (انظر تفسير أفسس ١: ١٨).

ٱلَّذِي سَمِعْتُمُوهُ ذكر في هذه الآية ثلاثة أسباب لعدم انتقالهم عن رجاء الإنجيل الأول أنهم سمعوه وتحققوا صحته حين بشروا به أولاً بواسطة أبفراس (ع ٧).

ٱلْمَكْرُوزِ بِهِ فِي كُلِّ ٱلْخَلِيقَةِ هذا سبب ثان لعدم انتقالهم عن رجاء الإنجيل وهو عموم الإنجيل لأن ذلك دليل على أنه من الله وأنه حق. فإن الضلال يغلب أن يكون محصوراً في عدد قليل من الناس ومحل محدود. إن المسيح أمر بأن «ينادى بإنجيله للخليقة كلها» (متّى ٢٨: ١٩ ومرقس ١٦: ١٥) وأخذ الرسل والمسيحيون الأولون بالمناداة به في بلاد كثيرة متفرقة. وحين كتب بولس هذه الرسالة كان الإنجيل منتشراً في أكثر العالم المعروف يومئذ. والدليل على ذلك ما في رسالة بلينيوس الوثني إلى الأمبراطور تريجانس في نحو ذلك الوقت. ففيها أن كثيرين من كل سن ورتبة وجنس سيقوا إلى المحاكم لكونهم مسيحيين لأن عدوى وهمهم تفشت في مدن وقرى كثيرة حتى المزارع. وأجمع جمهور المؤرخين أنه بعد ثلاثين سنة لموت المسيح انتشر الدين المسيحي في أدومية وسورية وما بين النهرين وميدية وبرثية وجانب كبير من آسيا الصغرى ومصر وموريتانية والحبش وأماكن أُخر في شمالي إفريقية وفي بلاد اليونان وإيطاليا وأسبانيا.

تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ أي في كل موضع كقول الشاعر «ليس تحت الزرقاء أحسن منها». ويشار بمثل هذه العبارة إلى عموم الأماكن أو كثرتها واتساعها.

ٱلَّذِي أَنَا بُولُسَ خَادِماً لَهُ هذا السبب الثالث لعدم انتقالهم عن رجاء الإنجيل لأنهم لو تركوا ما علمهم أبفراس كانوا كأنهم تركوا تعليم بولس لأن بولس هو الذي علمه. وتفضيلهم المعلمين المضلين على رسول المسيح يلزم أنهم أعرضوا عن المسيح نفسه الى بولس خادمه ورسوله. وذكر بولس الإنجيل ساقه إلى أن يصرح بالشرف العظيم الذي له من أنه وكيل المناداة به. وفي الآية الآتية أنه مسرور في أتعابه وشدائده بخدمة الإنجيل. ومثل كلامه هنا كلامه في (أفسس ٣: ٧).

٢٤ «ٱلَّذِي ٱلآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ ٱلْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ: ٱلَّذِي هُوَ ٱلْكَنِيسَةُ».

رومية ٥: ٣ و٢كورنثوس ٧: ٤ أفسس ٣: ١ و١٣ ٢كورنثوس ١: ٥ وفيلبي ٣: ١٠ و٢تيموثاوس ١: ٨ و٢: ١٠ أفسس ١: ٢٣

ٱلآنَ أشار بهذا إلى أنه كان يوم كتب هذه الرسالة مسجوناً في رومية ويده مربوطة إلى يد عسكري روماني وإلى الفرق بين حاله يومئذ وحاله قبل ذلك وهو يجول من بلد إلى أخرى للتبشير.

أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ أيها الذين كنتم أمماً في الأصل. أشار الرسول بذلك إلى أن مناداته بالإنجيل للأمم كانت علة شكاية اليهود عليه وسجنه. وقال مثل ذلك في (أفسس ٣: ١). وعلة فرحه ليست آلامه بل كونها إكراماً للمسيح ونفعاً لكنيسته.

وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ ٱلْمَسِيحِ أي الشدائد التي احتملها المسيح لعلة أن الكنيسة جسده كما تدل عليه القرينة. فاعتبر بولس آلامه جزءاً من مقدار الشدائد المفروضة على الكنيسة عموماً في خدمة ربها. وليس من تلك الشدائد شيء من التكفير للخطيئة لأن المسيح أكمل إلى الأبد كل الآلام الكفارية عن الخطايا حين عُلق على الصليب. وليس في هذه الآلام شيء من النقص يقتضي أن يكملها أحد من المخلوقات لكنه فرض على شعب المسيح أن يشاركه في الآلام غير الكفارية إطاعة لقوله «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي» (متّى ١٦: ٢٤). وشهادة بحق الإنجيل وبياناً لحقيقة إيمانه ولبنيان كنيسته (متّى ٢٠: ٢٢ وعبرانيين ١٣: ١٣ و١بطرس ٤: ١٣).

فِي جِسْمِي ذكر بولس هذا لأن الجسم معرض للآلام أكثر مما سواه من الإنسان ولأنه به تصل الآلام إلى النفس.

لأَجْلِ جَسَدِهِ: ٱلَّذِي هُوَ ٱلْكَنِيسَةُ قال ذلك تصريحاً بأن آلام جسد المسيح هي آلام المسيح عينه فمهما احتملت الكنيسة من الشدائد إنما تحتملها لأجل كمالها في القداسة في التشبه بالمسيح. فالمؤمن بكل تألمةٍ من تألمه وكل دمعةٍ من دمعه وكل تعب من أتعابه لبنيان الكنيسة وكل إنكاره لنفسه في هذا السبيل يتمم العمل الذي ابتدأه ربه ويكمل أبداً على قدر استطاعته نقائص شدائد المسيح. ونسب بولس تكميل تلك الشدائد إلى نفسه خاصة لأنه عضو من جسد المسيح المتألم ولأنه امتاز على غيره بكثرة شدائده في خدمة المسيح. وقيل في النبوءات المتعلقة بالمسيح أنه شارك شعبه في الآلام بدليل قول النبي «في كل ضيقتهم تضايق» (إشعياء ٦٣: ٩). وعظمة محبة بولس للمسيح حملته على أن يفرح بأن أذن له أن يشترك في آلام المسيح ويكمل نقائص شدائده مع كونه على قوله «أصغر الرسل وليس مستحقاً أن يدعى رسولاً». وقال ما يقرب من هذا في (٢كورنثوس ١: ٥).

٢٥ «ٱلَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِماً لَـهَا، حَسَبَ تَدْبِيرِ ٱللّٰهِ ٱلْمُعْطَى لِي لأَجْلِكُمْ، لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ».

رومية ١٥: ١٩ و١كورنثوس ٩: ١٧ وغلاطية ٢: ٧ وأفسس ٣: ٢ وع ٢٣

خَادِماً لَـهَا كونه «خادم الإنجيل» (ع ٢٣) جعله أيضاً خادم الكنيسة التي تنادي بالإنجيل وتشهد له بسلوكها واحتمال الشدائد من أجله.

تَدْبِيرِ ٱللّٰهِ المراد بهذا تعيين الله إياه رسولاً للأمم كما يتضح من (أفسس ٣: ٢ – ٩) وكما أشار إليه في (١كورنثوس ٩: ١٧). ومن ذلك التدبير أن الله دعاه ليكون رسولاً ووهب له النعمة والسلطان لعمل الرسولية وأعلن له ما يجب أن ينادي به (أفسس ٣: ٢) ومن هم الذين يرسل إليهم (أعمال ٢٢: ٢١).

لأَجْلِكُمْ أي لأجل الأمم التي أنتم منها. فإن الله عيّنه للأمم خاصة كما عيّن بطرس لليهود كذلك (أفسس ٣: ١ و٢ وغلاطية ٢: ٨).

لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ أي الإنجيل. إن الله قصد أن يُبشر بالإنجيل الخليقة كلها وهذا القصد لم يتم إلا بتعيين بولس منادياً بالإنجيل للأمم. وفي إكمال هذا القصد قال الرسول «إِنِّي مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمَا حَوْلَهَا إِلَى إِللِّيرِيكُونَ، قَدْ أَكْمَلْتُ التَّبْشِيرَ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ» (رومية ١٥: ١٩).

٢٦ «ٱلسِّرِّ ٱلْمَكْتُومِ مُنْذُ ٱلدُّهُورِ وَمُنْذُ ٱلأَجْيَالِ، لٰكِنَّهُ ٱلآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ».

رومية ١٦: ٢٥ و١كورنثوس ٢: ٧ وأفسس ٣: ٩ متّى ١٣: ١١ و٢تيموثاوس ١: ١٠

ٱلسِّرِّ هذا بدل من «كلمة الله» ومعناه أن هذه الكلمة كانت مكتومة عن الناس ولكنها أُعلنت بالوحي (أفسس ١: ٩) وجوهر ذلك السر هو أن للأمم مع اليهود شركة مجانية تامة في كل بركات عهد الله (رومية ١٦: ٢٦) ولمناداة الرسول بذلك السر كان مسجوناً (أفسس ٣: ١) ووجب عليه أن يُعلنه بلا خوف (ص ٤: ٣ و٤ وأفسس ٦: ١٩).

ٱلْمَكْتُومِ مُنْذُ ٱلدُّهُورِ وَمُنْذُ ٱلأَجْيَالِ الدهور الأزمنة الطويلة والأجيال جمع جيل والمراد به هنا مدة ما يعيشه الإنسان. ومعنى العبارة أن ذلك السر كُتم في الأزمنة القريبة فضلاً عن أنه كُتم في الأزمنة البعيدة وأعلن للناس بغتة حتى بهتوا إذ كان وقت إعلانه وقت إتمامه.

ٱلآنَ أي أزمنة الإنجيل بعد صعود المسيح وحلول وقت إتمامه.

أُظْهِرَ أولاً بإعلان سماوي ثانياً بتبشير الرسل وغيرهم من المبشرين وشهد بصحته الروح القدس بالمعجزات.

لِقِدِّيسِيهِ أي المؤمنين جميعاً كما في (ع ٢ وأفسس ١: ١ ورومية ١: ٧).

٢٧ «ٱلَّذِينَ أَرَادَ ٱللّٰهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هٰذَا ٱلسِّرِّ فِي ٱلأُمَمِ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ».

٢كورنثوس ٢: ١٤ رومية ٩: ٢٣ وافسس ١: ٧ و٣: ٨ و١تيموثاوس ١: ١

ٱلَّذِينَ أي القديسين المذكورين في (ع ٢٦).

أَرَادَ ٱللّٰهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ حسب رأي مشيئته الذي قصده في ذاته منذ الأزل فإنه بنعمته دعا الأمم لا لاستحقاق لهم (أفسس ١: ٩).

مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هٰذَا ٱلسِّرِّ أي ما في إعلان هذا السر من مظهرات عظمة نعمة الله ومجده في بيان صفاته المجيدة (ص ٢: ٢ وأفسس ١: ١٧ و١٨ ورومية ١١: ٣٨).

فِي ٱلأُمَمِ أي دعوتهم وإدخالهم بيت الله وجعلهم شركاء الميراث السماوي. وكان ذلك من أعظم معلنات نعمة الله للعالم لأنهم كانوا منذ قرون عديدة متوغلين في أودية الظلام والإثم حتى لم يكن من رجاء لتنويرهم ونجاتهم.

ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ «الذي» تابع «لغنى مجد هذا السر» ولمعنى أن جوهر ذلك الغنى هو أن المسيح يسكن في قلوب مؤمني الأمم فبذلك يتحدون به بواسطة النعمة. إنه من أعجب العجائب أن المسيح يكون للأمم الذين كانوا سابقاً «بِدُونِ مَسِيحٍ… لاَ رَجَاءَ لَكُمْ وَبِلاَ إِلٰهٍ فِي ٱلْعَالَمِ» (أفسس ٢: ١٢).

رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ هذا بدل من «المسيح» باعتبار كونه حالاً فيهم. والمعنى أن كون المسيح حالاً فيهم هو علة رجاء المجد الذي اشترك الأمم فيه بإعلان ذلك السر. وقد أخذ ذلك المجد يظهر حينئذ ويتم عند مجيء المسيح ثانية (رومية ٨: ١٧ و١٨). إن المسيح على رجاء المسيحي ما في السماء كما أنه علة حياته الروحية على الأرض (١تيموثاوس ١: ١).

٢٨ «ٱلَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».

أعمال ٢٠: ٢٠ و٢٧ و٣١ و٢كورنثوس ١١: ٢ وأفسس ٥: ٢٧ وع ٢٢

أبان بولس في هذه الآية موضوع تعليمه وتعليم رفقائه وهو المسيح وإنجيله خلافاً للمعلمين الذين حذر الكولوسيين منهم.

ٱلَّذِي نُنَادِي بِهِ أي المسيح الذي هو موضوع وعظنا. ويدل على ذلك قوله «لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً» (١كورنثوس ٢: ٢). وأدخل معه بقوله «ننادي» المعلمين والمبشرين الذين مثله معه وأخرج الذين أتوهم بالتعاليم التي هي خليط من الفلسفة اليونانية والأوهام اليهودية وبعض العقائد الإنجيلية. والمسيح مدار كل كلام الله في العهدين وهو المشار إليه بالرسوم اليهودية ونبؤات الأنبياء كما أنه موضوع تاريخ الإنجيل وتعاليم الرسل. وكان بولس ورفاقه ينادون بأن المسيح ابن الله وابن الإنسان وأنه هو الذي أعلن للناس كل ما يحتاجون إلى معرفته من صفات الله وطريق النجاة من الخطية والموت.

مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ أي محذّرين إياه من كل تجربة وضلال وخطية مما هم عرضة له والسقوط به على وفق قول المسيح لبولس «لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ ٱلشَّيْطَانِ إِلَى ٱللّٰهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِٱلإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ ٱلْمُقَدَّسِينَ» (أعمال ٢٦: ١٨).

مُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ ما يحتاج إلى معرفته من العقائد وما يجب عليه من الأعمال وداعين مع الإنذار والتعليم إلى التوبة والإيمان.

بِكُلِّ حِكْمَةٍ هذا متعلق «بمنذرين ومعلمين» معاً وأشار به إلى موضوع تعليم الحق وأسلوب تبليغه. وكذلك أمر المسيح تلاميذه بمراعاة الحكمة في تعليمهم بقوله «كُونُوا حُكَمَاءَ كَٱلْحَيَّاتِ» (متّى ١٠: ١٦). والمراد بقوله «كل حكمة» كل أنواع الحكمة (انظر تفسير أفسس ١: ٢٨).

لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ تكريره قوله «كل إنسان» ثلاث مرات في هذه الآية لتأكيد كل إنسان مسؤول بخلاص نفسه فيقتضي أن يصغي إلى الإنذار والتعليم وأن يطلب الكمال في القداسة لئلا يسمع أحد منهم تعليم الضالين ويهلك. ولا يخفى ما في ذلك من المثال لكل راع مناد بالكلمة ليهتم بخلاص كل نفس من رعيته من ولد وبالغ وفيلسوف وعامي ويحسب كل نفس أنها ذات قيمة لا تُحد. و«الإحضار» المشار إليه يكون أمام عرش الله في اليوم الأخير.

كَامِلاً فِي ٱلْمَسِيحِ أي كاملاً في المعرفة والقداسة وسائر الفضائل الروحية. وهذا لا يمكن إلا للذين اتحدوا بالمسيح بالإيمان واقتيدوا بروحه كقوله «إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ ٱلإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس ٤: ١٣).

٢٩ «ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضاً مُجَاهِداً، بِحَسَبِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ».

١كورنثوس ١٥: ١٠ ص ٢: ١ أفسس ١: ١٩ و٣: ٧ و٢٠

ٱلأَمْرُ أي إحضار كل إنسان كاملاً في المسيح.

لأَجْلِهِ أَتْعَبُ أَيْضاً كما أبان في قوله «فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي ٱضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ الخ» (٢كورنثوس ٦: ٥). فلم يكتف بولس بالمناداة بل تعب في سبيل جعلها مؤثرة مثمرة. وانتقل هنا من صيغة الجمع إلى الإفراد لأنه يقدر أن يشهد بما يعلم من شعوره الباطن فلا يستطيع أن يتكلم بمثل هذا عن غيره.

مُجَاهِداً كالمصارع في الملعب. أشار بذلك إلى شدة رغبته في كمالهم ومواظبته على الصلاة من أجله وهذا يشبه قوله للغلاطيين «يَا أَوْلاَدِي ٱلَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضاً إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ» (غلاطية ٤: ١٩). ويشبه قوله في أبفراس «مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِٱلصَّلَوَاتِ» (ص ٤: ١٢). وما أتاه المسيح وهو يصلي في جثسيماني بدليل قول الإنجيلي «وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ الخ» (لوقا ٢٢: ٤٤). وكا فعل يعقوب وهو يصارع الملاك أي يجاهد معه في الصلاة (تكوين ٣٢: ٢٤ – ٢٩). ولم يشر الرسول هنا إل مجاهدته في مقاومة أعدائه.

بِحَسَبِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُوَّةٍ أي بحسب ما له حق أن يستنظر القوة من المسيح بناء على وعده واختباره الماضي فلم يستند بولس البتة على قوة نفسه. وهذا كقوله «لِتَعْلَمُوا … مَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ ٱلْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ ٱلْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ» (أفسس ١: ١٩). وقوله «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي يُقَوِّينِي» (فيلبي ٤: ١٣). ولعله أشار هنا إلى النعمة الخاصة التي أعطيها باعتبار كونه رسول الأمم كقوله «فَإِنَّ ٱلَّذِي عَمِلَ فِي بُطْرُسَ لِرِسَالَةِ ٱلْخِتَانِ عَمِلَ فِيَّ أَيْضاً لِلأُمَمِ» (غلاطية ٢: ٨). وقوله «بِنِعْمَةِ ٱللّٰهِ أَنَا مَا أَنَا، وَنِعْمَتُهُ ٱلْمُعْطَاةُ لِي لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً، بَلْ أَنَا تَعِبْتُ أَكْثَرَ مِنْهُمْ جَمِيعِهِمْ. وَلٰكِنْ لاَ أَنَا، بَلْ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي مَعِي» (١كورنثوس ١٥: ١٠).

السابق
التالي
زر الذهاب إلى الأعلى