الرسالة إلى أهل فيلبي| 04 | الكنز الجليل
الكنز الجليل في تفسير الإنجيل
شرح الرسالة إلى أهل فيلبي
للدكتور . وليم إدي
اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ
نصائح خاصة ونصائح عامة (ع ١ – ٩) وتشكرات (ع ١٠ – ١٨) ودعاء (ع ١٩ و ٢٠).
نصائح في الثبات والاتحاد وتوجيه النصيحة خاصة إلى المرأتين أفودية وسنتيخي (ع ١ – ٣) نصائح في الفرح والحلم والسلام بناء على عناية الله بهم وكونه مستعداً لسمع صلواتهم ومنح سلامه للطالبين (ع ٤ – ٧). ونصائح في ممارسة كل الفضائل المسيحية متمثلين به (ع ٨ و٩).
نصائح خاصة ونصائح عامة ع ١ إلى ٩
١ «إِذاً يَا إِخْوَتِي ٱلأَحِبَّاءَ وَٱلْمُشْتَاقَ إِلَيْهِمْ، يَا سُرُورِي وَإِكْلِيلِي، ٱثْبُتُوا هٰكَذَا فِي ٱلرَّبِّ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ».
ص ١: ٨ و٢كورنثوس ١: ١٤ وص ٢: ١٦ و١تسالونيكي ٢: ١٩ و٢٠ ص ١: ٢٧
يجب أن تكون هذه الآية جزءاً من الأصحاح الثالث لأنها نتيجة ما فيه.
إِذاً أي بناء على رجائكم المجد الآتي وعلى كونكم رعية السماء وانتظاركم مجيء المسيح ثانية ووجوب الاستعداد لذلك. وبمثل هذه الآية ختم بولس كلامه البليغ في القيامة في رسالته إلى مؤمني كورنثوس وهو قوله «إِذاً يَا إِخْوَتِي ٱلأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ» (١كورنثوس ١٥: ٥٨).
يَا إِخْوَتِي خاطبهم بذلك لكونهم شركاء في الإيمان وأصدقاء أعزاء.
ٱلأَحِبَّاءَ إتيانه بهذا النعت مرتين في هذه الآية وقرنه به غيره من كلام الوداد دليل على شدة محبته لهم وشوقه لمشاهدتهم وسعيه في نفعهم وخشيته من أن يقعوا في التجارب ويسقطوا.
ٱلْمُشْتَاقَ إِلَيْهِمْ لوفرة محبتي لكم وطول مدة سجني وانفصالي عن أكثر أصدقائي.
يَا سُرُورِي علة كونهم سروره أنهم قبلوا الإنجيل بواسطته وكون سيرتهم طاهرة وصداقتهم لاذّة له. فإن أعظم سرور الراعي الأمين ناتج عن طهارة سيرة رعيته (٣يوحنا ٤).
إِكْلِيلِي الإكليل آية شرف وعلامة انتصار وحلية زينة بدليل قول الحكيم «اِسْمَعْ يَا ٱبْنِي تَأْدِيبَ أَبِيكَ، وَلاَ تَرْفُضْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ، لأَنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ لِرَأْسِكَ» (أمثال ١: ٨ و٩). وقوله في الحكمة «تُعْطِي رَأْسَكَ إِكْلِيلَ نِعْمَةٍ» (أمثال ٤: ٩). وقول إشعياء «فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ إِكْلِيلَ جَمَالٍ وَتَاجَ بَهَاءٍ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ» (إشعياء ٢٨: ٥). وقول الرسول في المجاهدين الجهاد الأرضي «أَمَّا أُولَئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى» (١كورنثوس ٩: ٢٥). وقول المسيح «كُنْ أَمِيناً إِلَى ٱلْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ ٱلْحَيَاةِ» (رؤيا ٢: ١٠) إن بولس حسب من الشرف أنه أسس كنيسة فيلبي ونظر إليها نظر ملك إلى إكليله وسر بها سرور المجاهد بإكليل الانتصار. وإنه اعتبر نجاح كنيسة فيلبي علامة رضى الله رسوليته وإن أعضاءها أجرة أتعابه وبرهان أنه ما سعى باطلاً (ص ٢: ١٦). فيكون أولئك الأعضاء إكليل انتصاره عند مجيء المسيح كما كتب إلى أهل تسالونيكي أنهم «إكليل افتخاره» (١تسالونيكي ٢: ١٩). وكما اعتبر مؤمني كورنثوس «ختم رسالته في الرب» (١كورنثوس ٩: ٢).
ٱثْبُتُوا هٰكَذَا فِي ٱلرَّبِّ أي اثبتوا في إيمانكم بالرب كما أثبت أنا والذين يسيرون سيرتي (ص ٣: ١٧) وكما طلبت منكم سابقاً (ص ١: ٢٧) وكما يليق بالذين هم رعية وطن سماوي (ص ٣: ٢٠ انظر تفسير ص ١: ٢٧ وغلاطية ٥: ١). وحذّرهم بقوله «في الرب» من أن يتوقعوا الثبات بقوة أنفسهم وأشار إلى أن ثباتهم لتكميل الواجبات أو احتمال الضيقات متوقف على ثقتهم بالمسيح واتحادهم به.
٢ «أَطْلُبُ إِلَى أَفُودِيَةَ وَأَطْلُبُ إِلَى سِنْتِيخِي أَنْ تَفْتَكِرَا فِكْراً وَاحِداً فِي ٱلرَّبِّ».
ص ٢: ٢ و٣: ١٦
أَفُودِيَةَ… سِنْتِيخِي ما ذُكر هنا كل ما نعلمه من أمرهما ومنه نستنتج أنهما من معتبرات النساء في فيلبي ولا يبعد عن الظن أنهما كانتا شماستين في كنيستهما. إن بولس أول من بشّر من أهل فيلبي النساء (أعمال ١٦: ١٣) وباكورة تعبه في أوربا امرأة وانتظمت كنيسة فيلبي في بيت امرأة (أعمال ١٦: ١٤ و٤٠).
أَنْ تَفْتَكِرَا فِكْراً وَاحِداً يستدل من هذا على أنه وقع اختلاف بينهما وبلغ نبأه بولس وأن ذلك الاختلاف أقلق الكنيسة. ومن المحتمل أن الكنيسة صارت به حزبين. ولا شيء في هذا النبإ يدل على أنهما لم تكونا مؤمنتين تغاران للحق بل ما يثبت إيمانهما وغيرتهما.
فِي ٱلرَّبِّ كما يليق بمن وقفتا نفسيهما لسيد واحد واعتمدتا باسم رب واحد. لأنه يجب على الذين يتحدون بالمسيح أن يتحد كل منهم بالآخر.
٣ «نَعَمْ أَسْأَلُكَ أَنْتَ أَيْضاً، يَا شَرِيكِي ٱلْمُخْلِصَ، سَاعِدْ هَاتَيْنِ ٱللَّتَيْنِ جَاهَدَتَا مَعِي فِي ٱلإِنْجِيلِ، مَعَ أَكْلِيمَنْدُسَ أَيْضاً وَبَاقِي ٱلْعَامِلِينَ مَعِي، ٱلَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ».
رومية ١٦: ٣ وص ١: ٢٧ خروج ٣٢: ٣٣ ومزمور ٦٩: ٢٨ ودانيال ١٢: ١ ولوقا ١٠: ٢٠ ورؤيا ٣: ٥ و١٣: ٨ و٢٠: ١٢ و٢١: ٢٧
يَا شَرِيكِي ٱلْمُخْلِصَ الذي يستحق الثقة به لعدم الرياء. ولم نعلم من هذا الشريك. وظن بعضهم أنه لوقا لأنه ذُكر اسمه كثيراً مع ذكر حضور بولس في فيلبي لأن كلام لوقا في الأعمال على وصول بولس إلى فيلبي بصيغة المتكلمين وكلامه عند مفارقة بولس إياه ليس كذلك (أعمال ١٦: ١٠ – ١٧) فإنه عاد إلى تلك الصيغة حين رجوع بولس إلى فيلبي (أعمال ٢٠: ٥ و٦). ومن ذلك استنتجوا أن لوقا كان يومئذ راعي كنيسة فيلبي. وذهب بعضهم إلى أن ذلك الشريك أبفرودتس ناقل هذه الرسالة فإنه كان وقت كتابة هذه الآية يملي عليه وهو يكتب فلم يخاطبه باسمه بل بلقب المودة. وارتأى غيره أن لفظة «سوجيجوس» المترجمة بشريك اسم رجل معروف في الكنيسة ونعته «بالمخلص» إشارة إلى أن اسمه على وفق مسماه.
سَاعِدْ هَاتَيْنِ القرينة تدل على أن المساعدة المطلوبة هي الإتيان بأفودية وسنتيخي إلى الموافقة ولكن لا مانع من أنهما كانتا محتاجتين متضايقتين من اضطهاد أو فقر ومرض.
ٱللَّتَيْنِ جَاهَدَتَا مَعِي فِي ٱلإِنْجِيلِ هذا ما حمل بعضهم على القول بأنهما كانتا شماستين في الكنيسة وفي قوله «جاهدتا» إشارة إلى أنهما شاركتا بولس في التبشير بالإنجيل في مجيئه الأول إلى فيلبي وأن خدمتهما كثيراً ما اقترنت بالمشقة والخطر.
مَعَ أَكْلِيمَنْدُسَ طلب بولس هنا من إكليمندس أنه يسعى مع «شريكه المخلص» في إنشاء الموافقة بين تينك المرأتين. ولا نعلم من أمره سوى ما ذُكر هنا وهو أنه كان يخدم الإنجيل مع بولس في فيلبي.
اشتهر بهذا الاسم واعظ في كنيسة رومية وعدّ في تاريخ الكنيسة من الأساقفة الأولين لكن لا دليل على أنه هو المذكور في الآية فإن ذلك الاسم كان شائعاً يومئذ.
وَبَاقِي ٱلْعَامِلِينَ مَعِي دعا هؤلاء أيضاً إلى أن يسعوا أيضاً في مصالحة المرأتين المذكورتين.
ٱلَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ ذكر من النساء أفودية وسنتيخي ومن الرجال اكليمندس وأشار إلى غيرهم ولم يستحسن أن يذكر أسماءهم لكنه أشار إلى أنه إن لم يذكرها في رسالته فهي مذكورة في سفر الحياة. ومن الإشارات إلى ذلك السفر في العهد القديم قول إشعياء «وَيَكُونُ أَنَّ ٱلَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ وَٱلَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ يُسَمَّى قُدُّوساً. كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ» (إشعياء ٤: ٣). وقول داود في الأشرار «لِيُمْحَوْا مِنْ سِفْرِ ٱلأَحْيَاءِ، وَمَعَ ٱلصِّدِّيقِينَ لاَ يُكْتَبُوا» (مزمور ٦٩: ٢٨). وقول موسى لله «وَٱلآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ وَإِلاَّ فَٱمْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ ٱلَّذِي كَتَبْتَ» (خروج ٣٢: ٣٢). وقول دانيال وهو أوضح إشارة إلى ذلك السفر «َفِي ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوباً فِي ٱلسِّفْرِ» (دانيال ١٢: ١). ومن الإشارات إليه في العهد الجديد قول المسيح لتلاميذه «ٱفْرَحُوا بِٱلْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (لوقا ١٠: ٢٠). وقول الرسول «أَتَيْتُمْ إِلَى… كَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (عبرانيين ١٢: ٢٢ و٢٣). وكثيراً ما ذُكر في سفر الرؤيا (رؤيا ٣: ٥ و١٣: ٨ و١٧: ٨ و٢٠: ١٢ و١٥ و٢١: ٢٧ و٢٢: ١٩). فإذا نُسيت أسماء أشهر الناس في تاريخ العالم فأسماء هؤلاء التي كُتبت في سفر الحياة تضيء كالكواكب إلى أبد الآبدين (دانيال ١٢: ٣). اعتاد اليهود أن يكتبوا أسماء أسلافهم في جداول الأنساب بكل ضبط حسب أسباطهم كما يتبين من سفر الأيام الأول (١أيام ص ٤ – ٩) وسفر الأيام الثاني (٢أيام ص ٣١: ١٦ – ١٩) وسفر نحيما (نحميا ص ٧ وص ١٢) وإنجيل متّى (متّى ص ١) وإنجيل لوقا (لوقا ص ٣) وأتوا ذلك إثباتاً لحقوقهم في أرض كنعان. واعتاد الرومانيون أن يسجلوا أسماء سكان المدن الحرّة ليعرف الذين لهم حق أن يدّعوا الحقوق الرومانية كما ادّعاها بولس (أعمال ٢٢: ٢٥) وذلك سهّل على الفيلبيين أن المراد بالذين كُتبت أسماؤهم في سفر الحياة هم شعب الله بمقتضى العهد وإن لهم حقوق رعيته السماوية.
٤ «اِفْرَحُوا فِي ٱلرَّبِّ كُلَّ حِينٍ وَأَقُولُ أَيْضاً ٱفْرَحُوا».
رومية ١٢: ١٢ وص ٣: ١ و١تسالونيكي ٥: ١٦ و١بطرس ٤: ١٣
اِفْرَحُوا إن الدعوة إلى الفرح في الرب أعظم مواضيع هذه الرسالة وسبق تفسير هذه العبارة في (ص ٣: ١).
كُلَّ حِينٍ في وقت السراء ووقت الضراء ووقت الرحب ووقت الضيق.
أَيْضاً قال هذا لأنه دعاهم هنا ثالثة إلى الفرح وتكرار الدعوة دليل إلى أهمية المدعو إليه.
٥ «لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفاً عِنْدَ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ. اَلرَّبُّ قَرِيبٌ».
٢تسالونيكي ٢: ٢ وعبرانيين ١٠: ٢٥ ويعقوب ٥: ٨ و٩ و١بطرس ٤: ٧ و٢بطرس ٣: ٨ و٩
لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفاً عِنْدَ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ الحلم الإناءة والطمأنينة عند الغضب. أمرهم بأن يظهروه لكل من مضطهديهم (ص ١: ٢٩) بالصبر والصلاة من أجلهم ولإخوتهم لكي يمتنعوا عن الخصومة والخلاف (ع ٢) وللمعلمين الكاذبين المذكورين (ص ٣: ١٨) فإنه حذّرهم منهم قبلاً فأبان هنا أنه لم يرد أن يظهر لهم القساوة والغيظ.
اَلرَّبُّ قَرِيبٌ أي مجيئه. ولمجيء الرب في الإنجيل ثلاثة معان الأول إتيانه لخراب أورشليم الثاني إتيانه إلى كل مؤمن عند احتضاره ليستقبل روحه. الثالث إتيانه لدينونة العالم. ولا نعلم يقيناً أي المعاني أراد الرسول والمرجّح أنه أراد الثالث لأنه يجوز أن ينسب القرب إلى كل أمر اعتُقد أنه لا بد من وقوعه في المستقبل وإمكان وقوعه في الساعة الحاضرة. وهذا إما علة ما مرّ لأمره إياهم بالحلم لان قرب مجيء الرب للانتقام من المضطهِدين ونجاة المضطهَدين يوجب الحلم والصبر في الضيقات. وإما علة لما يأتي من قوله «لا تهتموا» الخ. ولعل بولس اعتاد أن يذكر هذه العبارة تنبيهاً للغافلين وتعزية للمتضايقين. وخاطب هنا مؤمني كورنثوس بالآرامية فقال «ماران أثا» أي الرب يأتي (١كورنثوس ١٦: ٢٢). والرب هنا هو المسيح. وهذا مثل قوله «مِنْهَا (أي من السماوات) أَيْضاً نَنْتَظِرُ مُخَلِّصاً هُوَ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ» (ص ٣: ٢٠). وقول يعقوب «إِنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ» (يعقوب ٥: ٨) وقوله «هُوَذَا ٱلدَّيَّانُ وَاقِفٌ قُدَّامَ ٱلْبَابِ» (يعقوب ٥: ٩). إن المسيح لم يعيّن لتلاميذه زمن مجيئه ثانية لكن من الواضح أن أكثر المسيحيين الأولين كانوا يتوقعون سرعة مجيئه بعد صعوده. وإن المسيح قصد أن يكون المؤمنون به ينتظرون ذلك دائماً ويسهرون له (لوقا ٢١: ٣١ – ٣٦). وكذلك رسله بدليل قول بطرس «إِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ ٱقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَٱصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ» (١بطرس ٤: ٧).
٦ «لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِٱلصَّلاَةِ وَٱلدُّعَاءِ مَعَ ٱلشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى ٱللّٰهِ».
مزمور ٥٥: ٢٢ وأمثال ١٦: ٣ ومتّى ٦: ٢٥ ولوقا ١٢: ٢٢ و١بطرس ٥: ٧
لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ أي لا تهتموا أكثر مما يجب بشيء من الأمور صغيراً كان أو كبيراً مختصاً بأنفسكم أو بعيالكم أو بالكنيسة أو بالعالم لأن كل شيء في يد الإله غير المحدود في القدرة وفي المحبة وهو الآب السماوي وهذا مثل قول بطرس «مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ» (١بطرس ٥: ٧ انظر أيضاً تفسير متّى ٦: ٢٥).
إن زيادة اهتمام الإنسان بما في المستقبل يحرمه السعادة ويمنعه من نفع غيره ويدل على عدم إيمانه بالرب وثقته بمواعيده. فيجب على كثيرين أن يذكروا قول المسيح لمرثا «أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ» لئلا ينسوا أن «ٱلْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ» (لوقا ١٠: ٤٢).
فِي كُلِّ شَيْءٍ بِٱلصَّلاَةِ وَٱلدُّعَاءِ هذا أفضل علاج للاهتمام الزائد وذكر «الصلاة» معرّفة إشارة إلى الصلاة المعهودة بأنها موافقة للأحوال والحاجات. والفرق بين الصلاة والدعاء أن الصلاة أعم من الدعاء لأنها تشتمل على التسبيح والشكر والطلب والدعاء يختص بالطلب وحده. وأمرهم بأن يصلوا في كل شيء لأن ليس من شيء مما يهمنا زهيداً إلى حد لا يليق عنده أن يسأل الله فيه فكل ما يهمنا هو ذو شأن عنده فيليق أن نصلي بسببه. ومن أمثال الصلاة التي يجب علينا أن نأتيها صلاة يعقوب وهو خائف من ملاقاة أخيه عيسو (تكوين ٣٢: ٩ – ١٢). وصلاة حزقيا حين نشر أمام الله في هيكله الكتاب الذي أتاه من الملك سنحاريب يعيّر الله فيه (٢ملوك ١٩: ١٤). وصلاة عزرا قبل أن يشرع في السفر من بابل إلى أورشليم.
مَعَ ٱلشُّكْرِ على ما حصلوا عليه من البركات لأن ليس لأحد حق أن يتوقع بركات جديدة إجابة لطلباته إذا لم يشكر الله على البركات السابقة إجابة لصلواته.
لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى ٱللّٰهِ أي مواضيع الصلوات أو الاحتياجات أفراداً. وعلم الله إياها ليس بحجة على أن نترك طلبها لأن الطلب شرط الإجابة بدليل قوله «اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ» (متّى ٧: ٧). وكثيراً ما جاء في رسائل بولس وجوب اقتران الشكر بالطلبات ومن ذلك ما في (رومية ١: ٢١ و١٤: ٦ و٢كورنثوس ١: ١١ و٤: ١٥ و٩: ١٠ و١١ وأفسس ٥: ٢٠ وكولوسي ٢: ٧ و٣: ١٧ و١تسالونيكي ٥: ١٨ و١تيموثاوس ٢: ١). وافتتح كل رسائله إلا الرسالة إلى الغلاطيين بالشكر لله على آلائه.
٧ «وَسَلاَمُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».
يوحنا ١٤: ٢٧ ورومية ٥: ١ وكولوسي ٣: ١٥
سَلاَمُ ٱللّٰهِ الناشئ عن تقديم الصلاة لله وإلقاء الهموم عليه. وأضاف السلام إلى الله لأن الله أصل السلام للنفس المتكلة عليه (يوحنا ١٤: ٢٧ و١٦: ٣٣). وعليه قول إشعياء «ذُو ٱلرَّأْيِ ٱلْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِماً سَالِماً، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ» (إشعياء ٢٦: ٣).
ٱلَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ أي الذي لا يستطيع العقل البشري أن يدرك عظمته. وجاء مثل هذا المعنى في (١كورنثوس ٢: ٩ و١٠ وأفسس ٣: ٢٠). ومهما اهتمّ الإنسان بالمستقبل واستعد له لم يقدر أن يحصل على سلام كالسلام الذي يمنحه الله.
يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ فتكون كحصن يحرسه السلام فمهما هجمت المصائب على النفس فقدرة الله تجعل السلام مالكاً فيها بدليل قول داود «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ ٱلرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ… إِنْ نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي» (مزمور ٢٧: ١ و٣).
وَأَفْكَارَكُمْ الفرق هنا بين القلوب والأفكار إن القلوب مركز الإرادة والأشواق وإن الأفكار مركزها العقل.
فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ أي أنه بواسطته يصير قلب المؤمن حصن الأمن والسلام. إن المتحد بالمسيح بواسطة الإيمان يشاركه في سلامه على وفق قوله «سَلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ» (يوحنا ١٤: ٢٧).
٨ «أَخِيراً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هٰذِهِ ٱفْتَكِرُوا».
١تسالونيكي ٥: ٢٢
أَخِيراً شرع في الأصحاح السابق في ختم رسالته (ص ٣: ١) وشرع فيه هنا ثانية وأتى في هذه الآية وما يليها بنصائح توافق أحوال حياة الفيلبيين ومن نُسبوا إليه ونُسب إليهم من والدين وأولاد رجالاً ونساء وأصدقاء وجيران وإخوة في الكنيسة وأهل العالم في خدمة الإنجيل وممارسة الأمور الدنيوية.
كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ عند الله والناس اعتقاداً وعملاً في العبادات والمعاملات.
جَلِيلٌ أي عظيم القدر والشأن.
عَادِلٌ أي موفٍ كل ذي حق حقه من الله تعالى إلى أدنى مخلوقاته.
طَاهِرٌ إن المؤمنين مكلفون بالطهارة لأنهم يخدمون سيداً طاهراً وقد أمروا بها في قول بطرس «نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ» (١بطرس ١: ١٥). وهم قاصدون أن يذهبوا إلى السماء الطاهرة ليجتمعوا في محفل مقدس فوجب أن يكونوا أطهاراً فكراً وقولاً وعملاً.
مُسِرٌّ يجلب إليهم محبة غيرهم لهم.
صِيتُهُ حَسَنٌ مشهور بين الناس بالحسن.
إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ أي كل ما أجمع الناس على أنه نافع وجيد وأمر به الله وعُرف بأنه فضيلة وجمع في «الفضيلة» و«المدح» الذي ذكره بعدها كل ما تقدم من الصفات.
إِنْ كَانَ مَدْحٌ أي كل ما هو مستحق المدح وما اتفق الناس على مدحه كإكرام الوالدين وإطاعتهما والصدق واللطف والإحسان إلى الفقراء والمصابين وأمثال ذلك. ولا يجوز للمسيحيين أن يأتوا ذلك رغبة في تمجيد الناس إياهم كما فعل الفريسيون (يوحنا ١٢: ٤٣) بل رغبة في رضى الله.
فَفِي هٰذِهِ ٱفْتَكِرُوا أي انظروا في ما مر واعتبروا قيمته وكونوا مستعدين أن تفعلوه في كل فرصة.
٩ «وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهٰذَا ٱفْعَلُوا، وَإِلٰهُ ٱلسَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ».
ص ٣: ١٧ رومية ١٥: ٣٣ و١٦: ٢٠ و١كورنثوس ١٤: ٣٣ و٢كورنثوس ١٣: ١١ و١تسالونيكي ٥: ٢٣ وعبرانيين ١٣: ٢
ما أمرهم الرسول بأن يفتكروا فيه في آلامه السابقة أمرهم في هذه الآية بأن يفعلوه متمثلين به.
مَا تَعَلَّمْتُمُوهُ من التعاليم التي تعلمتها من الرب وهذا مثل قول لمؤمني كورنثوس «لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ ٱلرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضاً» (١كورنثوس ١١: ٢٣). وقوله «أُعَرِّفُكُمْ… بِٱلإِنْجِيلِ ٱلَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ» (١كورنثوس ١٥: ١ و٣ انظر أيضاً غلاطية ١: ١٢).
تَسَلَّمْتُمُوهُ أي أخذتموه عني باعتبار أنه إعلان الله بواسطتي.
وَسَمِعْتُمُوهُ من جهة سيرتي الموافقة لتعليمي بشهادة معارفي.
وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ باختباركم بالذات. ومضمون هذه الكلمات الأربع أن سلوكه وافق تعليمه وأثبته.
وَإِلٰهُ ٱلسَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ هذا إما خبر وإما دعاء فإن كان خبراً فمعناه أنكم إذا أطعتم كلامي حصلتم على هذه البركة كما علمت ذلك بالاختبار. وذكر «سلام الله» في الآية السابعة وذكر هنا «إله السلام» لأن الله هو منشئ السلام وأن حضوره مع المؤمنين يؤكد لهم السلام.
شكره للفيلبيين على هداياهم ع ١٠ إلى ١٨
١٠ «ثُمَّ إِنِّي فَرِحْتُ بِٱلرَّبِّ جِدّاً لأَنَّكُمُ ٱلآنَ قَدْ أَزْهَرَ أَيْضاً مَرَّةً ٱعْتِنَاؤُكُمْ بِي ٱلَّذِي كُنْتُمْ تَعْتَنُونَهُ وَلٰكِنْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ فُرْصَةٌ».
٢كورنثوس ١١: ٩
ذكر الرسول بهذه الآية في شأن فرحه أمرين الأول أنه بالرب والثاني أنه فرح عظيم.
بِٱلرَّبِّ هذا كما في (ع ٤ وص ٣: ١). اعتبر الرسول أن الرب هو أصل اعتناء مؤمني فيلبي به فقبل هداياهم وسرّ بها كأنه أخذها من الرب رأساً. ومن العجب أن سجين رومية يفرح جداً ويدعو غيره إلى الفرح معه فلا يمكن أن يكون ذلك إلا من نعمة الرب وهي التي جعلته أن يترنم بالتسبيح يوم كان في سجن فيلبي (أعمال ١٦: ٢٥).
ٱلآنَ بعد مرور مدة طويلة.
أَزْهَرَ أَيْضاً مَرَّةً اعتبر عنايتهم وغيرتهم في أمره كنبات وقف عن نموه مدة ولكنه أخذ حينئذ يزهر ويثمر.
كُنْتُمْ تَعْتَنُونَهُ وَلٰكِنْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ فُرْصَةٌ قال هذا اعتذاراً عنهم ودفعاً للتوهم أنه لامهم بما قال. وصرّح لهم أنه حسب أن توقفهم عن مساعدته لم يكن إلا من عدم الفرصة لإظهارها. والمرجّح أن معناه أنه لم يكن في تلك المدة من أحد يذهب من فيلبي إلى رومية يمكنه أن يبعثوا معه بما يدل على حبهم له. ولعل السفر كان محاطاً بالأخطار براً وبحراً ولو لم يكن أبفرودتس شجاعاً ومحباً للرسول ما قدم إليه بهداياهم.
١١ «لَيْسَ أَنِّي أَقُولُ مِنْ جِهَةِ ٱحْتِيَاجٍ، فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِياً بِمَا أَنَا فِيهِ».
١تيموثاوس ٦: ٦ و٨
هذه الآية تفسير للتي قبلها.
لَيْسَ أَنِّي أَقُولُ مِنْ جِهَةِ ٱحْتِيَاجٍ إن الرسول لم يفرح جداً بما أرسلوه لأنه كان حينئذ في شديد الاحتياج فخلص منه بواسطة هداياهم. نعم إنه لم ينكر كونه محتاجاً ومتضايقاً لكنه لم يكن من غايته بما كتبه أن يشير إلى ذلك.
فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ باختباري وأنا أجول مبشراً بالإنجيل نحو عشرين سنة بين أصدقاء وأعداء. لا أحد يرتضي طبعاً بالضيق كما يرتضي بالفرج لكن بولس لم يكن منه ذلك إلا بتعليم الروح القدس ولا بد من أنه احتاج أحياناً إلى القوت الضروري في أسفاره وسجنه لكنه اعتبر بالرضى من أجل المسيح لا أن يتخذ بيانه سبيلاً إلى تحريك شفقة إخوته عليه.
أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِياً بِمَا أَنَا فِيهِ بدون نظر إلى الأحوال الخارجية موافقة كانت أو مضادة. وفي هذا المعنى قال في ما كتبه إلى تيموثاوس «وَأَمَّا ٱلتَّقْوَى مَعَ ٱلْقَنَاعَةِ فَهِيَ تِجَارَةٌ عَظِيمَةٌ» (١تيموثاوس ٦: ٦).
سُئل سقراط الفيلسوف اليوناني يوماً «من هو أغنى الناس» فقال «الذي يقنع بالأقل». وجاء في أقوال الحكماء «القناعة غنىً» وقال الشاعر:
جزى الله القناعة كل خير فلا شيء أعز من القناعة
فصيّرها لنفسك رأس مال ومعها صيّر التقوى بضاعة
ومما تعلمه الرسول في هذا الشأن أن التذمر على العناية الإلهية لا ينفع شيئاً وإنه إثم وإن الله يعوضه في السماء مما حرم منه هنا. قال الرسول لشيوخ كنيسة أفسس «فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ ٱلَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ ٱلْيَدَانِ» (أعمال ٢٠: ٣٣ و٣٤). فأبى أن يأخذ من الكنائس التي خدمها ما يحق له أن يطلبه قياماً بنفقته (١كورنثوس ٩: ١٤).
١٢ «أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضاً أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ ٱلأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ».
١كورنثوس ٤: ١١ و٢كورنثوس ٦: ١٠ و١١: ٢٧
أَعْرِفُ باختباري في الأحوال المختلفة.
أَنْ أَتَّضِعَ من الحاجة إلى مقومات الحياة.
وَأَعْرِفُ أَيْضاً أَنْ أَسْتَفْضِلَ حين أكون في حال حصولي على كل ما أحتاج إليه.
فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ ٱلأَشْيَاءِ أشار «بكل شيء» إلى اختباره في كل ما مر من حياته «ويجمع الأشياء» إلى الحوادث الخاصة التي اختبرها في أسفاره براً وبحراً بين الأعداء وبين الأصدقاء.
قَدْ تَدَرَّبْتُ أي تعلّمت بالممارسة.
أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ الخ كان أحياناً يحصل على كل ما يحتاج إليه من أسباب المعاش وأحياناً يتضيق من قلة وجودها. فكونه خادماً للمسيح ومبشراً بإنجيله لم يمنعه من كونه عرضة للمشقات كغيره فاحتاج كسائر المؤمنين إلى أن يتعلم الصبر والقناعة والخضوع لله وإنكار الذات والمشابهة للمسيح.
١٣ «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ ٱلَّذِي يُقَوِّينِي».
يوحنا ١٥: ٥ و٢كورنثوس ١٢: ٩ وأفسس ٣: ١٦ و٦: ١٠ وكولوسي ١: ١١
أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ لا ريب في أن بولس اعتقد أنه استطاع إتمام كل الواجبات واحتمل كل المشقات بمعونة المسيح ولكن القرينة تدل أنه أشار هنا إلى احتمال الضيقات أكثر مما أشار إلى إتمام الواجبات.
فِي ٱلْمَسِيحِ تعلّم بولس أنه ضعيف بالذات وأن اتكاله على شجاعته ومعرفته وحكمته وثباته عبث. وأنه يجب أن يستند على المسيح الذي هو متحد به في حياته الروحية كما أبان بقوله «ٱلْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ ٱلآنَ فِي ٱلْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي ٱلإِيمَانِ، إِيمَانِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي» (غلاطية ٢: ٢٠).
ٱلَّذِي يُقَوِّينِي هذا كقوله «أَشْكُرُ ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا ٱلَّذِي قَوَّانِي، أَنَّهُ حَسِبَنِي أَمِيناً، إِذْ جَعَلَنِي لِلْخِدْمَةِ» (١تيموثاوس ١: ١٢). وهو على وفق قول المسيح لتلاميذه «بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً» (يوحنا ٥: ١٥). وقوله لبولس «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي ٱلضَّعْفِ تُكْمَلُ» (٢كورنثوس ١٢: ٩). وقول بولس لذلك «فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِٱلْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحُلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ ٱلْمَسِيحِ» (٢كورنثوس ١٢: ٩ انظر أيضاً أفسس ٦: ١٠ و٢تيموثاوس ٢: ١ و٤: ١٧). وما اختبره بولس من مساعدة المسيح له في الماضي جعله مطمئناً في أمر المستقبل فإنه يستطيع بواسطة ذلك المعين أن ينتصر على كل تجربة ويلاقي العدو الأخير أي الموت بلا خوف.
١٤ «غَيْرَ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ حَسَناً إِذِ ٱشْتَرَكْتُمْ فِي ضِيقَتِي».
متّى ٢٥: ٤٠ ورومية ١٥: ٢٧ و١كورنثوس ٩: ١١ وص ١: ٧
غَيْرَ هذا استثناء واستدراك فكأنه قال كان يمكنني أن أستغني عن هداياكم لأني تعلمت أن أكتفي بما لي ولأن المسيح يساعدني في كل أموري ولكن مع هذا الخ.
فَعَلْتُمْ حَسَناً إِذِ ٱشْتَرَكْتُمْ فِي ضِيقَتِي قال ذلك مدحاً لهم على كرمهم وشكراً لهم عليه. والفعل الحسن الذي أتوه هو اشتراكهم في ضيقته لأنهم اعتبروا ضيقته ضيقة عليهم واجتهدوا في أن يحملوها عنه بإظهارهم المواساة له وبإنكار أنفسهم لأجله ولأنهم أظهروا بذلك إيمانهم بالمسيح ومحبتهم له بما فعلوه لخادمه. وفرح الرسول بمواساتهم له أكثر مما فرح بهباتهم.
١٥ «وَأَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ أَيُّهَا ٱلْفِيلِبِّيُّونَ أَنَّهُ فِي بَدَاءَةِ ٱلإِنْجِيلِ، لَمَّا خَرَجْتُ مِنْ مَكِدُونِيَّةَ، لَمْ تُشَارِكْنِي كَنِيسَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حِسَابِ ٱلْعَطَاءِ وَٱلأَخْذِ إِلاَّ أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ».
٢كورنثوس ١١: ٨ و٩
غاية الرسول من هذه الآية بيان أنه لم يقصد أن يلومهم في ما قاله في الآية العاشرة. وأنه لم ينس كرمهم ولن ينساه أبداً وأنه أخذ منهم ما لم يقبله من غيرهم من أعضاء الكنائس.
أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ فلا حاجة إلى أن أذكركم.
أَيُّهَا ٱلْفِيلِبِّيُّونَ خاطبهم هكذا لوفرة اعتباره وحبه لهم كما خاطب مؤمني كورنثوس (٢كورنثوس ٦: ١١) ولأنهم امتازوا عن سائر الكنائس بالسخاء كما سيأتي.
فِي بَدَاءَةِ ٱلإِنْجِيلِ أي في أول إعلانه الإنجيل لهم وقبولهم إياه (أعمال ص ١٦). وفي هذا إشارة إلى أنه بشّرهم مراراً أخرى كما بُيّن في مقدمة هذه الرسالة (وجه ٢).
لَمَّا خَرَجْتُ مِنْ مَكِدُونِيَّةَ آخر مدينة مكدوينة زارها بولس هي بيريّة (أعمال ١٦: ١٤) واضطر أن يخرج منها سريعاً ويذهب إلى أخائية لهيجان اليهود عليه وكان ذلك منذ نحو اثنتي عشرة سنة قبل كتابة هذه الرسالة.
لَمْ تُشَارِكْنِي كَنِيسَةٌ في ضيقاتي حتى يرسلوا إليّ إعانة. وهذا يتضح أيضاً مما في (٢كورنثوس ١١: ٧ – ٩). ولم يذكر الرسول علة عدم المشاركة ألجهلهم احتياجاته ذلك أم لإبائهم مساعدته أم لإبائه أن يقبل منهم شيئاً لئلا يتوهم بعضهم أنه بشر بالإنجيل طمعاً في الأجرة. وما قيل في (٢كورنثوس ١١: ٩) في قبول هدايا من مكدونية لا يناقض ما قاله هنا لأن ما كتبه لأهل تسالونيكي دلّ على أن تلك الهدايا التي أتته من مكدونية كانت من كنيسة فيلبي وحدها (١تسالونيكي ٢: ٩ و٢تسالونيكي ٣: ٨).
فِي حِسَابِ ٱلْعَطَاءِ وَٱلأَخْذِ كان العطاء كله منهم وكان الأخذ كله منه لأن كلامه هنا مقصور على الجسديات على أن بولس أعطاهم الإنجيل الذي هو أثمن من كل هداياهم. ودل غيرهم على هذا المعنى بقوله «إِنْ كُنَّا نَحْنُ قَدْ زَرَعْنَا لَكُمُ ٱلرُّوحِيَّاتِ، أَفَعَظِيمٌ إِنْ حَصَدْنَا مِنْكُمُ ٱلْجَسَدِيَّاتِ» (١كورنثوس ٩: ١١). لكن لا دليل على أنه قصد هنا الإشارة إلى مثل ذلك.
١٦ «فَإِنَّكُمْ فِي تَسَالُونِيكِي أَيْضاً أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ لِحَاجَتِي».
فِي تَسَالُونِيكِي الخ وهي المدينة التي ذهب إليها من فيلبي وهي مدينة عظيمة غنية بقي فيها وقتاً كافياً لتأسيس كنيسة كبيرة ناجحة وعمل هنالك بيديه لتحصيل أسباب المعاش (١تسالونيكي ٢: ٩ و٢تسالونيكي ٣: ٨). لكنه إما لكثرة أعماله في خدمة الإنجيل وإما لشدة المقاومة له لم يستطع أن يحصّل بتعبه ما يكفيه للمعاش فاضطر أن يقبل المساعدة الضرورية من فيلبي مرتين.
١٧ «لَيْسَ أَنِّي أَطْلُبُ ٱلْعَطِيَّةَ، بَلْ أَطْلُبُ ٱلثَّمَرَ ٱلْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ».
رومية ١٥: ٢٨ وتيطس ٣: ١٤
ما قاله في هذه الآية أيضاً قاله لدفع ما يُتوهم من كلامه في الآية العاشرة.
لَيْسَ أَنِّي أَطْلُبُ ٱلْعَطِيَّةَ إن الرسول لم يسرّ بالعطية لأنها نافعة له ولا لأنه يطمع في المال كعادة أكثر الناس.
بَلْ أَطْلُبُ ٱلثَّمَرَ ٱلْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ لا بدّ من أن الرسول رغب في الثمر من الفيلبيين لحسابه لكون ذلك برهاناً على أنه لم يتعب باطلاً حين زرع بينهم بزور الإنجيل وهذا يتضح من دعوته إياهم «إكليله» في الآية الأولى ولكنه رغب أكثر في أن يثمروا كثيراً أثمار إنكار الذات والمحبة والسخاء والإيمان لحسابه لتيقنه أن الله يسر بتلك الأثمار وأنه «لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ ٱلْمَحَبَّةِ ٱلَّتِي أَظْهَرْتُمُوهَا نَحْوَ ٱسْمِهِ، إِذْ قَدْ خَدَمْتُمُ ٱلْقِدِّيسِينَ وَتَخْدِمُونَهُمْ» (عبرانيين ٦: ١٠). وإن المسيح يجازيهم عليها في هذا العالم والعالم الآتي إلى الأبد على وفق قوله «كنت محبوساً وأتيتم إليه» وقوله «كنت مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ» وقوله «بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هٰؤُلاَءِ ٱلأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ» (متّى ٢٥: ٣٦ و٤٠).
١٨ «وَلٰكِنِّي قَدِ ٱسْتَوْفَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَٱسْتَفْضَلْتُ. قَدِ ٱمْتَلَأْتُ إِذْ قَبِلْتُ مِنْ أَبَفْرُودِتُسَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلَّتِي مِنْ عِنْدِكُمْ، نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ ٱللّٰهِ».
ص ٢: ٢٥ عبرانيين ١٣: ١٦ و٢كورنثوس ٩: ١٢
ٱسْتَوْفَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَٱسْتَفْضَلْتُ أي بعد أن أخذ هداياهم. وقال ذلك بياناً لشكره ولإزالة همهم به. ولم يظهر من الكلام ما هو الذي أرسلوه إليه أدراهم هو أم قوت أم كسوة لكن الذي تبين أنه كان كافياً ليقوم بكل حاجاته الضرورية.
قَدِ ٱمْتَلَأْتُ هذا بمعنى ما قبله فكرر المعنى توكيداً.
إِذْ قَبِلْتُ مِنْ أَبَفْرُودِتُسَ (انظر تفسير ص ٢: ٢٥).
نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ لله تعالى.
ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً الخ (عبرانيين ١٣: ١٦ و١بطرس ٢: ٥). عبّر عن هداياهم «برائحة طيبة» و«ذبيحة مقبولة» لأنه اعتبرها كالبخور الذي كان يوقد لله في خيمة الاشتراع والهيكل (خروج ٢٥: ٦ و١أيام ٦: ٤٩). وكالطيوب التي أتت بها ملكة سبا إلى سليمان والتي أتى بها المجوس إلى المسيح وكذبيحة غير الذبيحة الدموية التي كانت تُقدم لتكفير الخطيئة فكانت كذبيحة الشكر المذكورة في (عبرانيين ١٣: ١٦). فالله يحسب كل خدمة حب لتلاميذه وإنكار الذات في خدمتهم كنسيم رائحة طيبة وذبيحة تقدم له ويثيب عليها بناء على حسبانه.
دعاء وتسبيح ع ١٩ و٢٠
١٩ «فَيَمْلأُ إِلٰهِي كُلَّ ٱحْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي ٱلْمَجْدِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ».
مزمور ٢٣: ١ وأفسس ١: ٧ و٣: ١٦
فَيَمْلأُ إِلٰهِي كُلَّ ٱحْتِيَاجِكُمْ الزمني والروحي في هذا العالم والعالم الآتي. فإنهم بذلوا الزمنيات فقط فأكد لهم الرسول أنهم يثابون بأعظم منها جداً. وهذا خبر لا طلب مبني على تيقنه إن الله يجازي الفيلبيين على عنايتهم بخادمه وإن المسيح صادق أمين لا يخلف الميعاد بدليل قوله «مَنْ سَقَى أَحَدَ هٰؤُلاَءِ ٱلصِّغَارِ كَأْسَ مَاءٍ بَارِدٍ فَقَطْ بِٱسْمِ تِلْمِيذٍ، فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ» (متّى ١٠: ٤٢). وأضاف «الإله» إلى نفسه إشارة إلى أنه خادمه وأنهم أكرموا إلهه بإكرامهم إياه. والكلمة اليونانية المترجمة «بيملأ» تُعني أنه يكافئهم بكثرة.
بِحَسَبِ غِنَاهُ إن أقدار تقدمات المحبة تُحد بقدرة المقدم فكثيرون من الوالدين الأرضيين يودون أن يعطوا أولادهم عطايا على قدر محبته لهم لكنهم لا يقدرون على ذلك. ولا ريب في أن الغنى الذي يعطي بحسب غناه يعطي أكثر مما يعطي الفقير بحسب فقره وأن الملك يعطي من خزائنه أكثر مما يعطي أحد عبيده. فكون إثابة الله للفيلبيين على إحسانهم إلى بولس بحسب غناه تعالى الوافر الحب والخيرات والقدرة يؤكد كونها عظيمة جداً وأعظم من كل ما يستطيعون تحصيله في هذا العالم ولا تدرك عظمتها إلا عند قبولها من الله في حضرته السماوية.
فِي ٱلْمَجْدِ هذا بيان لنوع المجازاة التي سينالها الفيلبيون فيه ليست زمنية فقط بل أبدية أيضاً يحصلون عليها في ملكوت المجد ويعطيها «أبو المجد» (أفسس ١: ١٧) ويكون ذلك عند مجيء المسيح الممجد «بالمجد الذي كان له منذ تأسيس العالم» والذي تكلل به باعتبار كونه منتصراً في عمل الفداء وهم يكونون شركاء له في ذلك المجد. ومما يزيد هذا الثواب عظمة أنه كان على إحسان الفيلبيين الزهيد.
فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ هذا بيان الواسطة التي بها ينالون الثواب وأن ذلك المجد لا يُحصل عليه إلا بالاتحاد بالمسيح الذي يستحقه فيهبه للذين يحبهم بحسب غنى نعمته. وأبان الرسول جزءا من ذلك الثواب بقوله «ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ» (ص ٣: ٢١). فمهما كانت عظمة الميراث الذي يشتركون فيه فعظمته كونهم مع المسيح وفي شبهه.
٢٠ «وَلِلّٰهِ وَأَبِينَا ٱلْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ ٱلدَّاهِرِينَ. آمِينَ».
رومية ١٦: ٢٧ وغلاطية ١: ٥
نسب هنا «المجد» إلى الله الآب لأنه له وأنه يختص بجوهره مجد سام. منذ الأزل لا يستطيع أحد من براياه أن يشترك فيه. وبقوله «آمين» أبان أن المجد لله أبداً ويجب أن يكون له إلى الأبد.
اعتاد الرسول أن يأتي بكل من رسائله بمثل هذا التسبيح (رومية ١٦: ٢٧ وغلاطية ١: ٥ وأفسس ٣: ٢١ و١تيموثاوس ١: ١٧ و٢تيموثاوس ٤: ١٨) ويصحب ذلك بقوله «إلى دهر الداهرين» أي إلى غير النهاية.
تسليم وبركة ع ٢١ إلى ٢٣
٢١ «سَلِّمُوا عَلَى كُلِّ قِدِّيسٍ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ ٱلإِخْوَةُ ٱلَّذِينَ مَعِي».
غلاطية ١: ٢
سلام الرسول في هذه الرسالة أقصر مما اعتاده في غيرها من الرسائل ويمتاز عنه بأنه لم يذكر اسم المسلِّم ولا المسلَّم عليه.
كُلِّ قِدِّيسٍ (ص ١: ١ وأفسس ١: ١). سلّم على كل فرد من مؤمني فيلبي لبيان أنه يحب الجميع. ولا بد من أن بعضهم دخل الكنيسة جديداً بعد مفارقته إياها فسلّم عليهم جملة.
فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ هذا كما في (رومية ١٦: ٢٢ و١كورنثوس ١٦: ١٩).
ٱلإِخْوَةُ ٱلَّذِينَ مَعِي أشار بهذا إلى الذين كانوا رفقاءه في السفر ومساعديه في التبشير. ومنهم تيموثاوس ولوقا وأرسترخس وتيخيكس وأبفراس ومرقس ابن أخت برنابا ويسوع المدعو يستس وديماس وعرفنا أسماءهم من الرسالة إلى كولوسي التي كتبت في نحو زمن كتابة هذه الرسالة (كولوسي ٤: ٧ – ١٤).
٢٢ «يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ جَمِيعُ ٱلْقِدِّيسِينَ وَلاَ سِيَّمَا ٱلَّذِينَ مِنْ بَيْتِ قَيْصَرَ».
ص ١: ١٣
جَمِيعُ ٱلْقِدِّيسِينَ أي أعضاء كنيسة رومية. وإرسال سلام مؤمني رومية إلى مؤمني فيلبي دليل على وحدة كل المؤمنين بالمسيح وكونهم أهل بيت واحد روحي.
وَلاَ سِيَّمَا ٱلَّذِينَ مِنْ بَيْتِ قَيْصَرَ أي بيت نيرون الملك فإن قيصر كان لقباً لكل من الملوك الرومانيين. وفي هذا دليل قاطع على أن بولس كان حيئنذ في سجن رومية لا سجن قيصرية كما توهم بعضهم. ومن هم المشار إليهم «بالذين من بيت قيصر» وكيف اجتمعوا به حتى تنصروا ذلك لم نعلمه إنما نعلم أنهم مؤمنون بالمسيح وأنهم رغبوا في إرسال سلامهم إلى إخوتهم في فيلبي لأنهم سمعوا نبأ حبهم لبولس وعنايتهم به ولعل أبفرودتس أنبأهم بأمور أولئك بالتفصيل. ولعل بعضهم كان من العسكر وتعلموا الإنجيل من بولس ويده مربوطة بيد كل منهم في نوبته أو حين كانوا حراساً للسجن. وكان سجن بولس قريباً من بيت قيصر (ص ١: ١٣) ولعل ذلك سهّل على عبيد الملك وعتقائه الخادمين في صرحه أن يزوروا الرسول ويستفيدوا من تعليمه كما فعل أنسيمس (فليمون ١٠ و١٦).
٢٣ «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ».
رومية ١٦: ٢٤
هذه الآية كالآية السادسة من الأصحاح السادس من رسالة غلاطية فارجع إلى التفسير هناك.
وما كُتبت في آخر هذه الرسالة من أنها كتبت إلى أهل فيلبي من رومية على يد أبفرودتس ليس من الوحي ولكنه لا شك في صحته.
السابق |