تسالونيكي الثانية

الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي | 02 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى تسالونيكي الثانية

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

غاية هذا الأصحاح هو تعليم من جهة مجيء يوم الرب وفيه. تحذير الرسول مؤمني تسالونيكي من أن يتزعزعوا في شأن قرب ذلك اليوم (ع ١ و٢). وإنباؤه إياهم بالارتداد عن الإيمان وبظهور إنسان الخطيئة قبل مجيء الرب (ع ٣ – ١٢). وشكره لله من أجلهم (ع ١٣ و١٤). وحثه إياهم على الثبات في التعاليم التي قبلوها منها (ع ١٥ – ١٧).

تحذيره إياهم من أن يتزعزعوا من جهة قرب يوم الرب ع ١ و٢

١ «ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَٱجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ».

١تسالونيكي ٤: ١٦ ومتّى ٢٤: ٣١ ومرقس ١٣: ٢٧ و١تسالونيكي ٤: ١٧

نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ تلطف الرسول بالسؤال ليستميلهم إلى قبول تعليمه الصحيح دفعاً لأوهامهم.

مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا أي مجيئه الثاني ليدين ويملك. فإنهم أخطأوا فهم تعليم بولس في ذلك الموضوع المهم فإنه بأخطائهم وقع اضطراب في قلوبهم وتشوش في أعمالهم فاراد بولس أن يزيل هذه الأفكار المضطربة والأعمال المتشوشة. وفعل ذلك بإنبائه إياهم أنه لا بد من أن يحدث قبل مجيء الرب ارتداد عظيم في الكنيسة وأنه يُستعلن ابن الهلاك الذي سيبيده الرب وذلك كله يقتضي مرور مدة ليست بقصيرة.

وَٱجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ أي اجتماع كل المسيحيين الأموات والأحياء في وقت مجيئه ليكونوا «إلى الأبد مع الرب» وأشار إلى هذا في (١تسالونيكي ٤: ١٧).

٢ «أَنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعاً عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ ٱلْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ».

متّى ٢٤: ٤ وأفسس ٥: ٦ و١يوحنا ٤: ١

أَنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعاً عَنْ ذِهْنِكُمْ بلغ الرسول (والمرجح أن المنبئ تيموثاوس) أنهم لزعمهم مجيء المسيح في أقرب وقت تزعزعوا فكانوا كمختلين في أفكارهم وأعمالهم. فنصيحة بولس للتسالونيكيين كنصيحة المسيح لتلاميذه حين أنبأهم بخراب أورشليم وما يتعلق به وهو قوله «سَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا» (متّى ٢٤: ٦).

لاَ بِرُوحٍ أشار بهذا إلى تعليم الذين ادعوا المواهب الروحية التي زعم سامعوهم أنها معلنات حقيقية من الروح القدس وهي ليست كذلك بل نتائج غير حقة مما علمه في الرسالة الأولى (١تسالونيكي ٥: ٢٠ و٢١). ومثل تحذير بولس هنا تحذير يوحنا الرسول بقوله «أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ ٱمْتَحِنُوا ٱلأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ» (١يوحنا ٤: ١).

وَلاَ بِكَلِمَةٍ كأنها منا. والظاهر من هذا أن بعض الناس نقل عنه في هذا الموضوع ما لم يقله.

وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا قوله «كأنها منا» يدل على أنها ليست منه ولا من غيره من الرسل. والظاهر من هذا الكلام أن بعض الناس زوروا رسائل باسمه ووزعوها وتلك الرسائل تتضمن تعاليم فاسدة في شأن أن مجيء الرب قريب ويؤيد ذلك توجيهه أفكارهم إلى توقيعه بيده في (ص ٣: ١٧). وظن بعضم أن الرسول لم يشر بذلك إلا إلى ما كتبه في الرسالة الأولى (١تسالونيكي ٤: ١٥). وعلى الحالين لم يرد أن تكون أفكارهم مضطربة بكلمة مزورة أو رسالة كذلك أو بعدم فهمهم ما قاله لهم أو كتبه إليهم.

أَنَّ يَوْمَ ٱلْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ سُمي يوم «المسيح» لأنه يوم مجيئه وتمجيده وذلك اليوم نهاية عصر النعمة وبداءة وقت استعلان الرب ودينونته. نسب المزورون هذا النبأ إلى بولس بكلمة أو رسالة منه. والصحيح أنه علم كسائر الرسل أن يوم الرب قريب وكونه قريباً غير كونه قد حضر. وان مثل أولئك المزورين في مجيء الرب مثل تعليم هيميناس وفيليتس اللذين قالا «إن القيامة قد صارت» (٢تيموثاوس ٢: ١٨) ولكن بولس علم خلاف ذلك وهو أنه لا يحضر ذلك اليوم ما لم تسبقه بعض العلامات الظاهرة.

إنباؤه إياهم بالارتداد عن الإيمان وبظهور إنسان الخطية قبل مجيء الرب ع ٣ إلى ١٢

٣ «لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ ٱلارْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنَ إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ، ٱبْنُ ٱلْهَلاَكِ».

متّى ٢٤: ٤ وأفسس ٤: ٦ و١تيموثاوس ٤: ١ ودانيال ٧: ٢٥ و١يوحنا ٢: ١٨ ورومية ١٣: ١١ الخ ويوحنا ١٧: ١٢

لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا بنبإ غير حق أو نقل كاذب أو رسالة مزورة أو ما يشبه ذلك. ولوقايتهم من الخداع أعلن لهم بعض العلامات التي تسبق مجيء المسيح. ولم يدع أنه أنبأهم بكل سوابق ذلك المجيء فصرّح بأن منها وقوع شر عظيم لا بد منه وقيام حاجز وقتي.

ٱلارْتِدَادُ عرّفه باللام لأنه أخبرهم به سابقاً يوم كان معهم (ع ٥) ولأن المسيح أشار إليه بقوله «وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ… وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. وَلِكَثْرَةِ ٱلإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ ٱلْكَثِيرِينَ» (متّى ٢٤: ١ – ١٢). وقوله «وَلٰكِنْ مَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ ٱلإِيمَانَ عَلَى ٱلأَرْضِ» (لوقا ١٨: ٨). وعنى الرسول «بالارتداد» عدول الناس عن الله وتركهم ما كان لهم من الإيمان بالمسيح أو الاعتراف به علانية. والارتداد يستلزم أن المرتدين ممن كانوا قبله متمسكين بالمسيح لا وثنيون ولا غيرهم ممن ليسوا بمسيحيين وأنه غير مقصور على مكان أو مملكة. وأول دليل على من هم الذين تكلم فيهم الرسول هنا ما أبانه هنا وهو أنهم من المسيحيين. والدليل الثاني ما جاء من كلام المسيح في (متّى ص ٢٤ و لوقا ص ١٨) وهو أن الارتداد يكون على أثر قلاقل عظيمة بين الممالك وأرزاء شديدة.

أَوَّلاً أي أن الارتداد لا بد أن يسبق مجيء المسيح.

وَيُسْتَعْلَنَ إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ ما نُسب هنا إلى إنسان الخطية من الاستعلان نُسب أيضاً إلى المسيح نفسه (ص ١: ٧ ولوقا ٧: ٣٠ و١بطرس ١: ١٣ و٤: ١٣ و٥: ١). وهذا يدل على ظهور جلي محسوس ممن كان مستتراً. وكما أننا نعلم أن المسيح حاضر الآن بروحه في الكنيسة غير منظور وأنه سيظهر بعينه كذلك قوة ضد المسيح تعمل الآن في الكنيسة سراً لكنها ستظهر بعينها بصورة مخصوصة. وسمي يهوذا الاسخريوطي «بإنسان الخطيئة» كما سمي «ضد المسيح» هنا (يوحنا ١٧: ١٢). وهذا الاسم مناسب لرئيس المرتدين عن المسيح لأن يهوذا الاسخريوطي ارتد عن موضعه بين تابعي المسيح. و «إنسان الخطيئة» لقب لكل من اختار الخطيئة منذ سن الإدراك وكان دأبه ارتكابها.

ٱبْنُ ٱلْهَلاَكِ هذا بدل من «إنسان الخطيئة» وهو لقب لمن كان من أهل الهلاك بطبيعته الخاطئة. والاسمان يدلان على صفة ضد المسيح وعاقبته فهو خاطئ نهايته الهلاك (متّى ٢٦: ٢٤ و٢بطرس ٢: ١٢).

٤ «ٱلْمُقَاوِمُ وَٱلْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلٰهاً أَوْ مَعْبُوداً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللّٰهِ كَإِلٰهٍ مُظْهِراً نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلٰهٌ».

إشعياء ١٤: ١٣ وحزقيال ٢٨: ٢ و٦ و٩ ودانيال ٧: ٢٥ و١١: ٣٦ ورؤيا ١٣: ٦ و١كورنثوس ٨: ٥

ٱلْمُقَاوِمُ وَٱلْمُرْتَفِعُ الكلام الذي نعت به بولس هنا «إنسان الخطيئة» يشبه الكلام الذي وصف به النبي دانيال أنطيوخس أبيفانيس «ملك الشمال» وقد تم بعض التمام بما فعله (دانيال ١١: ٣٦ و٣٧). وهو يشبه ما نُسب إلى الشيطان (إشعياء ١٤: ١٢ – ١٤). فروح الكبرياء التي صيّرت من كان ملاكاً «ضد المسيح» وهو اسم ثالث لإنسان الخطيئة وابن الهلاك (١يوحنا ٢: ١٨).

عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلٰهاً أَوْ مَعْبُوداً هذا يستلزم أنه يدعي مقاماً فوق مقام الإله الحق وما يدعيه عبدة الأصنام لآلهتهم الباطلة ويدل على أعظم ما يمكن من مطاليب الكبرياء والإعجاب بالنفس.

حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللّٰهِ الجلوس هنا كناية عن استمرار «إنسان الخطيئة» على أن يطلب لنفسه الكرامة والطاعة المختصتين بالله. ومثل هذا الجلوس في محل يستلزم الاستيلاء عليه باعتبار كونه له حق الجلوس وحده.

والمراد «بهيكل الله» في الأصل هيكله اليهودي في أورشليم مع كل أدوّره وأبنيته والقدس وقدس الأقداس فيه. ولا يستلزم قول بولس هنا أنه عنى أن «ضد المسيح» سيجلس هو نفسه في ذلك الهيكل عينه لكنه قصد أن ذلك المضل سيأخذ في قلوب الأعضاء في كنيسة المسيح المقام الذي أعطاه اليهود إله هيكلهم وهو المقام المختص بالله وحده. وهذا علامة أخرى من العلامات التي يُعرف بها إنسان الخطيئة وهو ادعاؤه علانية العبادة التي لا تجوز إلا لله في أعظم هياكله على الأرض وخضوع الناس له كالخضوع لله.

٥ «أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هٰذَا؟».

ذكرهم في هذه الآية بأن هذا الموضوع كان موضوع تعليمه يوم كان عندهم وأبان فيها تعجبه وحزنه من أنهم لم يستفيدوا كما ينبغي بما سمعوه منه وخاطبهم به شفاهاً وذلك مما كان يوجب أن يقيهم من الاضطراب. وما ذكره هنا هو أحد الأسباب التي عسرت علينا معرفة من قصده «بإنسان الخطيئة» و «ابن الهلاك» وذلك أنه كان قد خاطبهم قبلاً بما لم يكتبه هنا. ومن تلك الأسباب أن كلامه نبوءة وكل نبوءة لا تعرف الحق المعرفة إلا بعد تمامها. والظاهر أن بولس نفسه قصد أن يكون كلامه هنا مبهماً لئلا يرى منه أحد الحكام ما يحسبه ضد الحكومة فيضر نفسه والكنيسة. وذهب بعض المفسرين أن «رجل الخطيئة» أحد الملوك الرومانيين وهو إما نيرون وإما كاليغولا وإما كلوديوس. وذهب بعضهم إلى أنه سيمون الساحر وبعضهم إلى أنه الأمة اليهودية بتصورها شخصاً واحداً يضطهد الدين المسيحي ويجتهد في إفساده. وذهب بعضهم إلى أنه فرقة الغنوسيين. وبعضهم إلى أنه أشخاص متوالية من أضداد المسيح في عصور مختلفة يزيد الخلف منهم على السلف كبرياء ومقاومة. وجمهور المفسرين مع اختلاف الآراء متفقون على أنه لم يُستعلن بعد من يصدق عليه كل ما قل في «إنسان الخطيئة» وأن الذي أقرب إليه من كل ما سواه القوة البابوية لكنهم لم يريدوا بذلك أن كل بابا هو «ضد المسيح» ولا إنه أحد البابوات الماضين. فإذاً الأمر لا يزال اليوم على ما تركه بولس منذ نحو ألف وثماني مئة سنة وهو أن «يوم الرب» لم يحضر بعد و «إنسان الخطيئة» لم يُستعلن بعد في كل صفاته وأن «سر الإثم» لا يزال يعمل في الكنيسة وزاد عمله منذ عصر بولس ولا نزال نتوقع استعلانه من الأمور التي تسبق استعلان المسيح ونهاية كل شيء.

٦ «وَٱلآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ».

رومية ١: ١٨

وَٱلآنَ أي وأقول الآن.

تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى يُسْتَعْلَنَ مما سمعتم مني وأنا بينكم لا مما سبق في هذه الرسالة أو في التي قبلها. أراد بمن «يستعلن» «إنسان الخطيئة» المذكور في الآية الثالثة. و «ما يُحجز» هو شيء حقيقي محسوس على عظمة كافية لمنع القوة العظيمة المضادة للمسيح وقيل في هذا الحاجز أنه سوف يرفع من الوسط. ولم يستحسن بولس تعيين ذلك الحاجز إما لكونه عند التسالونيكيين أو لكون ذكره مما يعرضهم لخطر الحكومة الرومانية. وذهب بعض المفسرين أن ذلك الحاجز هو الروح القدس ولكن لو كان ذلك هو الحاجز لم يكن من داع لبولس إلى كتمه فالأرجح أن الرسول قصد به المملكة الرومانية مع رئيسها الأمبراطور ثم قوة ما خلفها من ممالك العالم السياسية على وجه العموم لما لها من مبادئ التمدن والحرية. وهذا الرأي مبني على ما كُتب في سفر دانيال في شأن المملكة الرابعة التي وُصفت بكونها «صلبة كالحديد» (دانيال ٢: ٤٠ و٧: ٢٣) وهي المملكة الرومانية. وقيل في ذلك السفر أنه «وَفِي أَيَّامِ هٰؤُلاَءِ ٱلْمُلُوكِ يُقِيمُ إِلٰهُ ٱلسَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً» (دانيال ٢: ٤٤). وقيل أن هذه المملكة «تُعطى لشعب قدسي العلي» (دانيال ٧: ٢٥). وقيل أنه يقوم في مدتها «إنسان الخطيئة» المشار إليه «بالقرن الآخر الصغير الذي يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ ضِدَّ ٱلْعَلِيِّ وَيُبْلِي قِدِّيسِي ٱلْعَلِيِّ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ يُغَيِّرُ ٱلأَوْقَاتَ وَٱلسُّنَّةَ» (دانيال ٧: ٨ و٢٥).

فِي وَقْتِهِ أي الوقت الذي عيّنه الله لاستعلانه فمنع «الحاجز» ظهور «إنسان الخطيئة» قبل ذلك الوقت لا بقصده بل بعناية الله.

٧ «لأَنَّ سِرَّ ٱلإِثْمِ ٱلآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ ٱلْوَسَطِ ٱلَّذِي يَحْجِزُ ٱلآنَ».

١يوحنا ٢: ١٨ و٤: ٣

لأَنَّ هذا تعليل لكون استعلان «إنسان الخطيئة» مستقبل.

سِرَّ ٱلإِثْمِ «الإثم» المذكور هنا في الأصل اليوناني عصيان الله مع الكبرياء وأضاف إليه «السر» لأنه لم يظهر حينئذ كما سيظهر. وقد ذكر الرسول أيضاً «سر التقوى» (١تيموثاوس ٣: ١٦) إشارة إلى أنها لم تبلغ كمالها. والمراد «بسر الإثم» «إنسان الخطيئة» المذكور سابقاً. والأرجح أنه لم يشر إلى شخص بعينه بل إلى ملكوت الشر الفاعل خفية في أجيال كثيرة. متوالية يرأسها كثيرون من «أضداد المسيح» المذكورين في رسالة يوحنا الأولى (١يوحنا ٢: ١٨).

ٱلآنَ يَعْمَلُ رأى حينئذ الرسول بوحي الروح القدس أن «سر الإثم» ابتدأ يفعل في الكنيسة فعل الخميرة في العجين مخفياً على الأكثرين ظاهراً لله ولمن أراد أن يعلنه لهم. وهو الكبرياء الروحية التي قيل أنها تنتهي بعصيان عظيم ومقاومة كما ذُكر في الآيتين الثالثة والرابعة فشأنها شأن الزوان الذي ذكر المسيح أنه زرعه العدو في الزرع الجيد فلم يظهر في أول أمره. ورأى بولس فعل ذلك السر بما اختبره من علامات فعله في تلك الكنيسة بدليل ذكره بعض الذين «غشوا كلمة الله» (٢كورنثوس ٢: ١٧ و٤: ٢) ونشوء أحزاب وخصومات في الكنيسة (١كورنثوس ٣: ٣ و٤). وإن من أعضاء الكنيسة من اتكلوا على أعمالهم ورسومهم في أمر الخلاص (غلاطية ٤: ١٠ و١كورنثوس ٨: ٨). وإنهم اتخذوا الناس والملائكة وسطاء بدلاً من الوسيط الوحيد الإنسان يسوع المسيح (كولوسي ٢: ١٨) وأمروا بقهر الجسد وقطعوا بضروريته ووجوب حفظ التقاليد البشرية (كولوسي ٢: ٨ و٢٢) «مَانِعِينَ عَنِ ٱلزَّوَاجِ، وَآمِرِينَ أَنْ يُمْتَنَعَ عَنْ أَطْعِمَةٍ قَدْ خَلَقَهَا ٱللّٰهُ لِتُتَنَاوَلَ بِٱلشُّكْرِ» (١تيموثاوس ٤: ٣). وكما رأى بولس علامات «عمل سر الإثم» في الكنيسة رأى يوحنا كذلك (١يوحنا ٢: ١٨ و٤: ٣).

يُرْفَعَ مِنَ ٱلْوَسَطِ ٱلَّذِي يَحْجِزُ ٱلآنَ معنى ذلك أن «إنسان الخطيئة» لا يُستعلن تمام الاستعلان ما دام «الحاجز» (مهما كان من قوة المملكة الرومانية أو قوة ممالك العالم الساسية معاً) لكن تلك لا بد من أن ترفع في وقت من الأوقات ثم يُظهر «إنسان الخطية» كل قوته ويُستعلن «سر الإثم» حالاً. ويتضح من هذا الكلام أن «الحاجز» ليس من الكنيسة بل أنه أمر خارج عنها فيحتمل أن تلك النبوءة لا تنجز دفعة واحدة عظيمة بل إنه نجز بعضها وسوف ينجز باقيها تمهيداً للإتمام الأخير الكامل. ومن أمثال ذلك إن «سر الإثم» كان يفعل في الكنيسة في القرن الأول حين مال كثيرون من المسيحيين إلى مزج الرسوم اليهودية بمبادئ الإنجيل البسيطة وإن المملكة الرومانية رفعت ذلك الإثم من الوسط بهدم مدينة أورشليم وخراب الهيكل.

٨ «وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ ٱلأَثِيمُ، ٱلَّذِي ٱلرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ».

دانيال ٧: ١٠ و١١ وأيوب ٤: ٩ وإشعياء ١١: ٤ وهوشع ٦: ٥ ورؤيا ٢: ١٦ و١٩: ١٥ و٢٠ و٢١ ص ٢: ٨ و٩ وعبرانيين ١٠: ٢٧

حِينَئِذٍ أي حين يرفع الحاجز من الوسط.

سَيُسْتَعْلَنُ ما كُتم من سر الإثم.

ٱلأَثِيمُ العاصي لله وللمسيح وهو «إنسان الخطيئة المقاوم والمرتفع» (ع ٣ و٤) ورأس الارتداد والتعليم الفاسد في الكنيسة وآخر أضداد المسيح الذين «جلسوا في هيكل الله مظهرين أنفسهم أنهم آلهة».

ٱلرَّبُّ يسوع المسيح فإنه يُستعلن على أثر استعلان ذلك الاثيم.

يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ أي يلاشيه كل الملاشاة بسهولة وهذا على وفق نبوءة إشعياء بالمسيح في قوله «وَيَضْرِبُ ٱلأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ ٱلْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ» (إشعياء ١١: ٤).

وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ الثاني الموعود به ليدين ويحكم. فإبطاله لا يحتاج إلا إلى ظهور المسيح الحق لكي يبطل ذلك الأثيم كما أن شروق الشمس تنسخ الظلام.

٩ «ٱلَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ».

يوحنا ٨: ٤١ وأفسس ٢: ٢ ورؤيا ١٨: ٢٣ تثنية ١٣: ١ ومتّى ٢٤: ٢٤ ورؤيا ١٣: ١٣ و١٩: ٢

بعدما أبان الرسول إبطال «إنسان الخطيئة» أخذ يبين تفصيلاً أمور مجيئه.

ٱلَّذِي مَجِيئُهُ علناً.

بِعَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ أي بعلامات ينشئها الشيطان ويتوقعها الناس منه. وهذا يدل على أن الشيطان يبذل كل ما يستطيعه في سبيل مساعدته.

بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ تشبه القوة والآيات والمعجزات الحقيقية. ونعتها «بالكاذبة» لأن الكذب أساسها وجوهرها وغايتها فهي كعجائب سحرة مصر لخداع فرعون (خروج ٧: ١١ و٢٢ و٨: ٧). ومعجزات سيمون الساحر ليخدع السامريين (أعمال ٨: ٩ – ١١). فهو مثل من قال المسيح فيهم «سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ ٱلْمُخْتَارِينَ أَيْضاً» (متّى ٢٤: ٢٤). فشأن «إنسان الخطيئة» في معجزاته الكاذبة كشأن سحرة مصر في معجزاتهم الكاذبة فإنهم قصدوا إبطال ما لمعجزات موسى من التأثير وهو يقصد إبطال ما لمعجزات المسيح كذلك (أعمال ٢: ٢٢ و٤٣).

١٠ «وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ ٱلإِثْمِ، فِي ٱلْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ ٱلْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا».

٢كورنثوس ٢: ١٥ و٤: ٣

وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ كل ما يمكن استعماله للخداع.

ٱلإِثْمِ هو أصل الخداع وغاية الخادع ونتيجة الخداع في المخدوع.

فِي ٱلْهَالِكِينَ أي الجارين في طريق الهلاك المعرّضين له وقد أعدوا نفوسهم له بقبولهم الخداع بخلاف شعب الله الذي لا يستطيع الشيطان أن يخدعه بدليل قول المسيح «يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ ٱلْمُخْتَارِينَ» (متّى ٢٤: ٢٤).

لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ ٱلْحَقِّ هذا بيان علة هلاكهم فهي ليست قضاء الله بل عمل أنفسهم فإنهم رفضوا الحق كما هو في المسيح يسوع عندما عُرض عليهم في الإنجيل وآثروا عليه كذب «إنسان الخطئية». فكانوا كاليهود الذين قال المسيح فيهم «أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِٱسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِٱسْمِ نَفْسِهِ فَذٰلِكَ تَقْبَلُونَهُ» (يوحنا ٥: ٤٣). و «أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا… مَتَى تَكَلَّمَ بِٱلْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو ٱلْكَذَّابِ» (يوحنا ٨: ٤٤). قال الرسول «لم يقبلوا الحق» وهذا إثم أفظع من إثم رفض الحق لأن محبة الحق نعمة الله ومن رفضها رفض المنعم واستخف به. وفي هذا إشارة إلى أنهم لو أرادوا أن ينظروا في الإنجيل ويقبلوه بعد البراهين لكانوا أحبوه لا محالة وكانت محبتهم له وقتهم من الضلال وإن إباءهم الحق أعدهم لتصديق الكذب وأعمالهم عن التمييز بينه وبين الحق.

حَتَّى يَخْلُصُوا هذا هو الغاية التي لأجلها أعلن المسيح الحق ونتيجة قبولهم إياه لو قبلوه كما أن الهلاك نتيجة قبول الكذب.

١١ «وَلأَجْلِ هٰذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ ٱللّٰهُ عَمَلَ ٱلضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا ٱلْكَذِبَ».

١ملوك ٢٢: ٢٢ وحزقيال ١٤: ٩ ورومية ١: ٢٤ الخ متّى ٢٤: ٥ و١١ و١تيموثاوس ٤: ١

لأَجْلِ هٰذَا أي لأنهم لم يقبلوا نعمة الله محيّة الحق ولم يبالوا بالتمييز بين الهدى والضلال.

سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ ٱللّٰهُ عَمَلَ ٱلضَّلاَلِ هذا العقاب العظيم الهائل الذي يعاقب به الله رافضي الحق فإنه ينزع منهم قوة التمييز بين النور والظلمة أي الحق والكذب فيصير «النور الذي فهم ظلاماً» (متّى ٦: ٢٣). وهذا على وفق الشريعة الطبيعية وهي أنه كلما خضع الإنسان للباطل زادت قوة التجربة عليه وقلت قوته على مقاومتها. وعلى وفق تعليم هذه الآية تعليم (خروج ٧: ١٣ و٩: ١٢ و١٠: ١٠ و٢٧ و١١: ١٠ و١٤: ٨ وتثنية ١٠: ٣٠ و١ملوك ٢٢: ٢٢ و٢٣ وإشعياء ٤٥: ٧ ورومية ١: ٢٤ فانظر تفسير يوحنا ١٢: ٤٠ ورومية ١: ٢٤ و٢٨ و٩: ١٧ و١٨).

حَتَّى يُصَدِّقُوا ٱلْكَذِبَ أي كل عقائد الضلال التي يعلّمها «إنسان الخطيئة» وهذا عقاب الله لهم على رفضهم الحق الذي عرضه عليهم ونتيجة ذلك الرفض وإيثارهم تصديق العجائب الكاذبة على تصديق حق الله. وكل ذلك نتيجة نزع الله روحه القدوس منهم وارتدادهم وأن يجربهم للضلال بل أنه يتركهم للضلالة التي اختارها ليحصدوا ما زرعوا.

١٢ «لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِٱلإِثْمِ».

رومية ١: ٣٢

لِكَيْ يُدَانَ حسب قصد الله النهائي وحسب ما يستحقون بأفعالهم وهو أيضاً نتيجة طبيعية لما فعلوا.

جَمِيعُ ٱلَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلْحَقَّ كرر هنا بيان علة دينونتهم وهي أنها ليست قضاء الله ولا إرساله إليهم عمل الضلال بل رفضهم الحق أيام امتحانهم على الأرض. والحق الذي رفضوه هو ضد الكذب الذي قبلوه (ع ١١). وعدم تصديقهم الحق هو العلة الأولى لهلاكهم.

بَلْ سُرُّوا بِٱلإِثْمِ هذا العلة الثانية لدينونتهم والإثم هنا هو الذي ذُكر في الآية العاشرة. ولم يكن للإثم أن يتسلط عليهم لولا حبهم إياه وكرههم الحق. وهذا على حد قول المسيح «َٱلَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِٱسْمِ ٱبْنِ ٱللّٰهِ ٱلْوَحِيدِ» (يوحنا ٣: ١٨). فالسرور بالإثم إنما هو علة عمايتهم وضلالتهم.

شكره لله من أجلهم وحثه إياهم على الثبات في التعاليم التي قبلوها منه ع ١٣ إلى ١٧

١٣ «وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ ٱللّٰهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ ٱلْمَحْبُوبُونَ مِنَ ٱلرَّبِّ، أَنَّ ٱللّٰهَ ٱخْتَارَكُمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ وَتَصْدِيقِ ٱلْحَقِّ».

ص ١: ٣ وأفسس ١: ٤ و١تسالونيكي ١: ٤ ولوقا ١: ٧٥ و١بطرس ١: ٢

يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ ٱللّٰهَ… لأَجْلِكُمْ هذا متصل بما في (ص ١: ٣) وتوكيد له. والذي حمله على هذا الشكر عظمة محبته للتسالونيكيين ومواساته لهم. فإنه اعتبر نعمة الله عليهم باختياره إياهم وحفظه لهم من الضلال والإثم نعمة عليه أوجبت أن يشكر المنعم (راجع تفسير ص ١: ٣).

أَنَّ ٱللّٰهَ ٱخْتَارَكُمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ أي منذ الأزل (تكوين ١: ١ ويوحنا ١: ١ و١يوحنا ١: ١ و١كورنثوس ٢: ٧ وأفسس ١: ٤ و٢تيموثاوس ١: ٩). قال هذا مقابلة للهلاك الذي وقع على غيرهم (ص ١: ٩ و٢: ٣ و١٠). واختيار الله هنا مبني على نعمته المجانية.

بِتَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ إن التقديس ينطوي تحت الاختيار ويبين الواسطة التي قصد الله بها أن ينجز قضاءه فهو تطهيره قلوبهم بفعل روحه القدوس. فاختيار الله الناس للخلاص يستلزم اختياره إياهم للقداسة. وليس لأحد أن يدعي أنه مختار للخلاص ما لم يأت بعلامات تقديسه بدليل قول الرسول «كَمَا ٱخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ» (أفسس ١: ٤).

وَتَصْدِيقِ ٱلْحَقِّ إن الله حين اختار الإنسان للخلاص عيّن الآلة التي يخلص بها وهي الحق وتصديقه مقابلة لتصديق الكذب للهلاك (ع ١١).

إن الروح القدس يقدس قلوب الناس بقبولهم كتاب الله بدليل قول المسيح «قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ» (يوحنا ١٧: ١٧). وكما رفض الحق على هلاك البعض كذلك قبول الحق وسيلة إلى خلاص البغض وشرط له.

١٤ «ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ بِإِنْجِيلِنَا، لاقْتِنَاءِ مَجْدِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

يوحنا ١٧: ٢٢ و١تسالونيكي ٢: ١٢ و١بطرس ٥: ١٠

ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ أي الخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق.

بِإِنْجِيلِنَا إن الله اختارهم للخلاص منذ الأزل لكنه دعاهم إلى قبوله حين أرسل بولس إليهم ليبشرهم بالإنجيل فكان لهم مع دعوة بولس الظاهرة دعوة باطنة من الروح القدس حملتهم على قبول الإنجيل.

لاقْتِنَاءِ مَجْدِ رَبِّنَا الخ أي لاقتناء مثل المجد الذي للمسيح في السماء (متّى ٢٥: ٢٣ ويوحنا ١٧: ٢٢ و٢٤ ورومية ٨: ١٧ و٢٩ و١تسالونيكي ٥: ٩).

إن في الآيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة خلاصة تعليم الإنجيل في شأن خلاص الخاطئ لأن فيه بيان اختياره منذ الأزل ودعوة الله إياه بالمناداة بالإنجيل وتصديقه الحق وتقديسه بالروح القدس ثم نيله الخلاص الذي جوهره الاشتراك في مجد المسيح.

١٥ «فَٱثْبُتُوا إِذاً أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ وَتَمَسَّكُوا بِٱلتَّعَالِيمِ ٱلَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِٱلْكَلاَمِ أَمْ بِرِسَالَتِنَا».

١كورنثوس ١٦: ١٣ وفيلبي ٤: ١ و١كورنثوس ١١: ٢ وص ٣: ٦

فَٱثْبُتُوا إِذاً أي بناء على التعليم الحقيقي في شأن مجيء المسيح ثانية وقصد الله خلاصهم وتمسكهم بتعاليم الإنجيل وثقتهم به وهم مائلون إلى التزعزع (ع ٢ و٣).

تَمَسَّكُوا بِٱلتَّعَالِيمِ ٱلَّتِي تَعَلَّمْتُمُوهَا غير زائدين عليها ولا حاذفين منها. قال هذا إشارة إلى ما قاله في الآية الثانية تحذيراً ما نُسب إليه زوراً. وترجم بعضهم بالتقليدات ما تُرجم هنا «بالتعاليم» وكذا في هامش عهد الجديد ذي الشواهد. والقرينة تدل على أن مراد الرسول ما علمهم إياه وهو بينهم (ع ٥ و٦) شفاهاً وكتابة في رسالته الأولى في شأن مجيء المسيح. وقال هذا احتراساً من أن يُخدعوا بنبوات كاذبة ورسائل مزورة ولكي يذكروا كلماته عينها أو يتمسكوا بها.

ولا شيء في ما ذُكر يوجب التمسك بتقاليد الناس فإن المسيح حذرنا من ذلك بقوله للفريسيين «فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ!… وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا ٱلنَّاسِ» (متّى ١٥: ٦ و٩). ومثله قول الرسول «اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِٱلْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ ٱلنَّاسِ» (كولوسي ٢: ٨). ولنا قياس نقيس به كل تعليم ديني وهو كتاب الله بدليل قوله تعالى «إِلَى ٱلشَّرِيعَةِ وَإِلَى ٱلشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هٰذَا ٱلْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ» (إشعياء ٨: ٢٠).

بِٱلْكَلاَمِ وأنا بينكم.

بِرِسَالَتِنَا أي رسالته الأولى إليهم.

١٦ «وَرَبُّنَا نَفْسُهُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ، وَٱللّٰهُ أَبُونَا ٱلَّذِي أَحَبَّنَا وَأَعْطَانَا عَزَاءً أَبَدِيّاً وَرَجَاءً صَالِحاً بِٱلنِّعْمَةِ».

ص ١: ١ و٢ و١يوحنا ٤: ١٠ ورؤيا ١: ٥ و١بطرس ١: ٣

لم يتكل الرسول عل مجرد نصحه لهم ولا على إصغائهم إليه لكي يطمئن على ثباتهم فأضاف إليهما الصلاة بغية أن يهب الله لهم نعمته لتكون تلك الوسائط مؤثرة أحسن تأثير.

رَبُّنَا نَفْسُهُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ ذكره الرسول قبل الآب لأنه الوسيط بين الله والناس وأكده «بالنفس» بياناً إن كلام الرسول غير كاف لتثبيتهم.

ٱللّٰهُ أَبُونَا أبان بهذا أن الآب معتن بخلاص البشر كالابن. ولا ريب في أن الرسول ما أمكنه أن يقرن الابن بالآب في الصلاة على هذه الصورة لولا اعتقاده أنهما في جوهر واحد متساويان في المجد.

ٱلَّذِي أَحَبَّنَا قيل كذلك في الآب في بشارة يوحنا (يوحنا ٣: ١٦ و١٧: ٢٣) وفي الرسالة إلى أهل كورنثوس (٢كورنثوس ١٣: ٣) وفي رسالة أفسس (أفسس ٢: ٤) ورسالة يوحنا الأولى (١يوحنا ٤: ١٠) وغيرها. وأعظم برهان على محبته إيانا أنه بذل ابنه عنا. وقال «أبونا» و «أحبنا» إشارة إلى أن الرسول واحد منهم في كونهم موضوع محبة الآب وهذا علة ثقته بأن الله يستجيب دعاءه لهم.

وَأَعْطَانَا عَزَاءً أَبَدِيّاً في أثناء الرزايا المختلفة وإن ذلك بواسطة مواعيد إنجيله كما يشهد كل مؤمن اختباره. و «العزاء» الذي يهبه الله أبدي بخلاف العزاء من غيره. وهذا برهان محبته (رومية ٨: ٣٨ و٣٩).

وَرَجَاءً صَالِحاً أن ينالوا القوة الروحية ليثبتوا في أثناء التجارب وينالوا كمال السعادة في المستقبل وهذا زيادة على التعزية في الرزايا. ونُعت «الرجاء» «بالصلاح» لصلاح أصله وموضوعه وتأثيره لكي يطهر النفس والسيرة (١يوحنا ٣: ٣).

بِٱلنِّعْمَةِ لأن ذلك الرجاء من مجرد كرم الله ولطفه من استحقاقنا.

١٧ «يُعَزِّي قُلُوبَكُمْ وَيُثَبِّتُكُمْ فِي كُلِّ كَلاَمٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ».

١كورنثوس ١: ٨ و١تسالونيكي ٣: ١٣ و١بطرس ٥: ١

يُعَزِّي قُلُوبَكُمْ بمقتضى اقتداره على أن يعطي عزاءً أبدياً.

يُثَبِّتُكُمْ فِي كُلِّ كَلاَمٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ بتمسككم بالتعليم الصحيح بدلاً من تعليم الكذب وما يؤدي إلى الارتداد. وقال «عمل صالح» حذراً من سلوك بعض أعضاء الكنيسة «بلا ترتيب» (ص ٣: ٦).

والذي يوافق تعليم وحدانية الله في هذه الآية استعمال ضمير الواحد للآب والابن معاً بقوله «يثبتكم» ولو كانا اثنين في الجوهر لقال يثبتانكم.

الأصحاح الأول
الأصحاح الثالث
زر الذهاب إلى الأعلى