الرسالة إلى تيطس

الرسالة إلى تيطس | 02 | الكنز الجليل

الكنز الجليل في تفسير الإنجيل

شرح الرسالة إلى تيطس

للدكتور . وليم إدي

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

وصايا لتيطس في تعليمه لكل أصناف المؤمنين وأن يكون هو مثالاً في الأعمال الصالحة. والأسباب الموجبة لحياة التُقى. وتفصيل ذلك أنه يجب أن يكون تعليمه صحيحاً (ع ١). وما يتعلّق بتعليمه الكبار رجالاً ونساء (ع ٢ و٣). وما يتعلق بتعليمه للأحداث كذلك (ع ٤ – ٦) ووجوب أن يكون مثالاً لغيره في الصلاح (ع ٧ و٨). وما يجب أن يوصي العبيد به (ع ٩ و١٠) وبيان ما بنيت عليه الأوامر بالحياة المقدسة (ع ١١ – ١٥).

وجوب صحة التعليم ع ١

١ «وَأَمَّا أَنْتَ فَتَكَلَّمْ بِمَا يَلِيقُ بِٱلتَّعْلِيمِ ٱلصَّحِيحِ».

١تيموثاوس ١: ١٠ و٦: ٣ و٢تيموثاوس ١: ١٣ وص ١: ٩

أوصى الرسول تيطس في الأصحاح الأول بما يتعلق بالأشخاص الذين يليق أن يعيّنهم للخدمة في الكنيسة وأوصاه هنا بما يتعلق بتعليمه.

فَتَكَلَّمْ بِمَا يَلِيقُ بِٱلتَّعْلِيمِ ٱلصَّحِيحِ ما يأتي في هذا الأصحاح بيان ما عنى بالتعليم الصحيح. وتكلم على «التعليم الصحيح» في (١تيموثاوس ١: ١٠ و٢تيموثاوس ٤: ٣). وظهر من ذلك أنه قصد به التعليم الذي ينشئ صحة النفس كما ينشئ القوت المغذي صحة الجسد واعتبر الضلال مضراً للنفس إضرار السم للجسد. وحثّ بولس تيطس على التكلم بالتعليم الصحيح خصوصاً ليدفع عن مؤمني كريت التعليم الفاسد الذي أتى به المبتدعون.

ما يجب أن يوصي به كبار الرجال والنساء ع ٢ و٣

٢ «أَنْ يَكُونَ ٱلأَشْيَاخُ صَاحِينَ، ذَوِي وَقَارٍ، مُتَعَقِّلِينَ، أَصِحَّاءَ فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ وَٱلصَّبْرِ».

ص ١: ١٣

أَنْ يَكُونَ ٱلأَشْيَاخُ أي أوص كبار السن بقطع النظر عن مقامهم في الكنيسة.

صَاحِينَ (انظر تفسير ١تيموثاوس ٣: ٢).

ذَوِي وَقَارٍ (انظر تفسير ١تيموثاوس ٣: ٨).

مُتَعَقِّلِينَ (انظر تفسير ص ١: ٨).

أَصِحَّاءَ فِي ٱلإِيمَانِ وَٱلْمَحَبَّةِ وَٱلصَّبْرِ (انظر ص ١: ٣ و١تيموثاوس ١: ١٠ و٦: ١١) وجمع في هذه الفضائل الثلاث كل الفضائل التي طلبها من الأشياخ. وعبّر في موضع آخر عن الفضائل الثلاث الرئيسية بأنها الإيمان والرجاء والمحبة (١كورنثوس ١٣: ١٣) فبدل هنا أحدها وهو «الرجاء» «بالصبر» تنبيهاً على أن الأشياخ لهم احتياج خاص إلى الصبر نظراً لطول المدة التي توقعوا فيها نيل المرجو وطلبهم إياه بالصلاة ويحتاجون إليه أيضاً لكي يحتملوا بدون تذمر النوازل المختصة بالشيخوخة وفقدان أصحابهم وتعديات الأشرار وخيبة رجائهم. وأوصى المسيح تلاميذه بالصبر بقوله «بصبركم اقتنوا أنفسكم» (لوقا ٢١: ١٩).

٣ «كَذٰلِكَ ٱلْعَجَائِزُ فِي سِيرَةٍ تَلِيقُ بِٱلْقَدَاسَةِ، غَيْرَ ثَالِبَاتٍ، غَيْرَ مُسْتَعْبَدَاتٍ لِلْخَمْرِ ٱلْكَثِيرِ، مُعَلِّمَاتٍ ٱلصَّلاَحَ».

١تيموثاوس ٢: ٩ و١٠ و٣: ١١ و١بطرس ٣: ٣ و٤ و٢تيموثاوس ٣: ٣

كَذٰلِكَ ٱلْعَجَائِزُ أي أوص أٰن تكون العجائز كما يأتي. والعجائز تتضمن الشماسات وغيرهن من المؤمنات.

فِي سِيرَةٍ تَلِيقُ بِٱلْقَدَاسَةِ أي السيرة التي يوجبها الإنجيل لأن الإنجيل يقول «بَلْ نَظِيرَ ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ» (١بطرس ١: ١٥). ولا ريب في أن هذا يتضمن اللياقة في السلوك والملبوس والتكلم وممارسة الإحسان.

غَيْرَ ثَالِبَاتٍ (انظر تفسير ١تيموثاوس ٣: ١١).

غَيْرَ مُسْتَعْبَدَاتٍ لِلْخَمْرِ ٱلْكَثِيرِ هذا يشبه ما قيل في الأسقف من أنه يجب أن «لا يكون مدمن الخمر» (١تيموثاوس ٣: ٣). والمرجّح أن نساء كريت كن متجاوزات الحد في شرب الخمر ولذلك أوصى بولس بهذه التوصية.

مُعَلِّمَاتٍ ٱلصَّلاَحَ بالقول والفعل. وهذا يجب على كل المؤمنات سواء كنّ شماسات أم لا لأن كل مؤمن من الرجال والنساء يعرف الحق مكلّف بأن ينادي به في البيت وفي غيره بين أهل بيته وجيرانه وكل من يتلقي به.

ما يجب على الأحداث ع ٤ إلى ٦

٤ «لِكَيْ يَنْصَحْنَ ٱلْحَدَثَاتِ أَنْ يَكُنَّ مُحِبَّاتٍ لِرِجَالِهِنَّ وَيُحْبِبْنَ أَوْلاَدَهُنَّ».

١تيموثاوس ٥: ١٤

لِكَيْ يَنْصَحْنَ ٱلْحَدَثَاتِ أوصى الرسول تلميذه تيطس أن يعلم أحداث النساء بواسطة العجائز دفعاً لسوء الظن.

مُحِبَّاتٍ لِرِجَالِهِنَّ وَيُحْبِبْنَ أَوْلاَدَهُنَّ هذا من الواجبات البيتية التي تعلّمها الطبيعة وأجمع الناس على مدحها ودين المسيح صدّقها وصرّح بأن الله يرضاها.

٥ «مُتَعَقِّلاَتٍ، عَفِيفَاتٍ، مُلاَزِمَاتٍ بُيُوتَهُنَّ، صَالِحَاتٍ، خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، لِكَيْ لاَ يُجَدَّفَ عَلَى كَلِمَةِ ٱللّٰهِ».

١كورنثوس ١٤: ٣٤ وأفسس ٥: ٢٢ وكولوسي ٣: ١٨ و١تيموثاوس ٢: ١١ و١بطرس ٣: ١ و٥ ورومية ٢: ٢٤ و١تيموثاوس ٦: ١

مُتَعَقِّلاَتٍ أي خاضعة شهواتهنّ الجسدية لعقولهنّ وضمائرهنّ (١تيموثاوس ٢: ٩) ومثل ذلك طُلب من الأشياخ (ع ٢).

عَفِيفَاتٍ في الفكر والكلام والسيرة والأزياء.

مُلاَزِمَاتٍ بُيُوتَهُنَّ خلافاً للنساء اللواتي وصفهنّ الرسول في (١تيموثاوس ٥: ١٣) وبملازمتهنّ بيوتهنّ يجدنَ في مارسة الواجبات البيتية وسائط التمجيد لله ونفع جنسهنّ.

صَالِحَاتٍ محسنات لطيفات.

خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ كما يطلب الإنجيل (أفسس ٥: ٢٢ – ٢٤ وكولوسي ٣: ١٨).

لِكَيْ لاَ يُجَدَّفَ عَلَى كَلِمَةِ ٱللّٰهِ بسوء تصرف اللاواتي يدّعين أنهنّ تلميذات المسيح وحافظات كلمة الله. وهذا علّة القيام بكل ما ذكره من الواجبات على النساء فإن المرأة إن لم تقم بها لم يقع العار عليها وحدها بل على اسم سيدها ودينها أيضاً وهذا موافق لقول المسيح «لْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متى ٥: ١٦).

٦ «كَذٰلِكَ عِظِ ٱلأَحْدَاثَ أَنْ يَكُونُوا مُتَعَقِّلِينَ

كَذٰلِكَ عِظِ ٱلأَحْدَاثَ كما تعظ الأشياخ والعجائز (ع ٢ و٣).

أَنْ يَكُونُوا مُتَعَقِّلِينَ لأن الأحداث عرضة للتجربة أكثر من غيرهم فإن الشهوات تتسلط على عقولهم.

وجوب أن تكون سيرة تيطس مثالاً حسناً لغيره ع ٧ و٨

٧ «مُقَدِّماً نَفْسَكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قُدْوَةً لِلأَعْمَالِ ٱلْحَسَنَةِ، وَمُقَدِّماً فِي ٱلتَّعْلِيمِ نَقَاوَةً، وَوَقَاراً، وَإِخْلاَصاً»

١تيموثاوس ٤: ١٢ و١بطرس ٥: ٣ وأفسس ٦: ٢٤

مُقَدِّماً نَفْسَكَ… قُدْوَةً أراد أنه يجب على تيطس أن يعلّم غيره بحسن سيرته فضلاً عن تعليمه إيّاه بحسن كلامه وأقوى شهادة للفضائل السير على سننها.

مُقَدِّماً فِي ٱلتَّعْلِيمِ نَقَاوَةً أي ليكن تعليمك إنجيلياً خالصاً من الفلسفة الدنيوية والتقاليد البشرية (٢كورنثوس ١١: ٣).

وَوَقَاراً أي يجب أن تعبّر عن الحقائق الإنجيلية بأسلوب موافق لأهميتها.

وَإِخْلاَصاً قلبياً (أفسس ٦: ٢٤) لا بغية مدح الناس بل رضى الله وخلاص نفوس السامعين.

٨ «وَكَلاَماً صَحِيحاً غَيْرَ مَلُومٍ، لِكَيْ يُخْزَى ٱلْمُضَادُّ، إِذْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ رَدِيءٌ يَقُولُهُ عَنْكُمْ».

١تيموثاوس ٦: ٣ و٢تسالونيكي ٣: ١٤ ونحميا ٥: ٩ و١تيموثاوس ٥: ١٤ و١بطرس ٢: ١٢ و١٥ و٣: ١٦

كَلاَماً صَحِيحاً (ص ١: ٩ و١٣ و٢: ١ و٢ و١تيموثاوس ١: ١٠ و٦: ٣). والكلام الصحيح هو ما ينشئ صحة للنفس ويخلّص من الضلال والكذب والأذى.

غَيْرَ مَلُومٍ أي لا يقدر أحداً أن يلومه عدلاً لعيب في مضمونه أو أسلوب التعبير أو المنافاة بينه وبين سيرة المتكلم به.

لِكَيْ يُخْزَى ٱلْمُضَادُّ إذ لا يجد علة للومه فيخجل من أنه قاوم مَن تعليمه صالح لا ينشأ عنه إلا الثمر الصالح. والمضاد إما يهودي وإما وثني وإما معلم كاذب.

إِذْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ رَدِيءٌ لكي يثبت تهمته وشكايته من جهة التعليم أو السيرة.

ما يجب على العبيد ع ٩ و١٠

٩ «وَٱلْعَبِيدَ أَنْ يَخْضَعُوا لِسَادَتِهِمْ، وَيُرْضُوهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ مُنَاقِضِينَ».

أفسس ٦: ٥ وكولوسي ٣: ٢٢ و١تيموثاوس ٦: ١ و٢ و١بطرس ٢: ١٨ وأفسس ٥: ٢٤

استطرد الرسول من الكلام في واجبات تيطس وأن يكون مثالاً حسناً لغيره إلى الكلام في ما يجب على الناس بالنظر إلى أحوالهم المختلفة.

وَٱلْعَبِيدَ (انظر تفسير أفسس ٦: ٥ وكولوسي ٣: ٢٢ و١تيموثاوس ٦: ١ – ٤).

أَنْ يَخْضَعُوا لِسَادَتِهِمْ توصية الرسول للعبيد في عدة من رسائله بالصبر والخضوع تدل على أن المؤمنين منهم وجدوا صعباً عليهم أن يرضوا أن يبقوا في حال العبودية التي هي حال الظلم والشقاء.

وَيُرْضُوهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لا ينافي أوامر الله ونواهيه. وإرضاؤهم لسادتهم يستلزم أن يطيعوهم بمسرة وسرعة.

غَيْرَ مُنَاقِضِينَ أي غير مخالفين لأوامر سادتهم أو مفضّلين آراء أنفسهم على آراء أولئك السادة.

١٠ «غَيْرَ مُخْتَلِسِينَ، بَلْ مُقَدِّمِينَ كُلَّ أَمَانَةٍ صَالِحَةٍ، لِكَيْ يُزَيِّنُوا تَعْلِيمَ مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ».

متّى ٥: ١٦ وفيلبي ٢: ١٥

غَيْرَ مُخْتَلِسِينَ كان العبيد في عصر بولس في المملكة الرومانية يخدمون سادتهم بطرق مختلفة غير خدمتهم في البيوت والحقول فوكل إليه البيع والشراء وتعلّم بعضهم الصناعة وبعضهم الطب بغية أن يربحوا لسادتهم فكانت لهم فرص كثيرة للاختلاس مما لسادتهم.

بَلْ مُقَدِّمِينَ كُلَّ أَمَانَةٍ صَالِحَةٍ في العلم والاجتهاد وحفظ ما سُلم إليهم من أموال سادتهم والإنفاق بالاقتصاد دفعاً لخسارتهم.

لِكَيْ يُزَيِّنُوا تَعْلِيمَ مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ أي ليُظهروا بسيرتهم الحسنة جودة الدين الذي اعتقدوه والسيد السماوي الذي تمثلوا به. فكانت سيرتهم أفضل شهادة لفضل المخلّص الذي ساروا في سننه. اعتُبر العبيد في عصر بولس أنهم يختلفون قليلاً عن البهائم وأنهم كسائر مقتينات السادة من خيل وثيران ولذلك كان من تنازل الله أن يحسبهم قادرين أن «يزينوا تعليم المخلص» فإنه فضلاً عن كونه ممجداً بتسابيح ملائكة النور يسر بتسبيح الأطفال والرضع ويتمجد بخدمة العبيد بأمانة. ومعلوم أن كثيرين من الوثنيين تنصروا بتحققهم جودة الإنجيل وقوته بسيرة عبيدهم التقويّة.

بيان ما بنيت تلك الوصايا عليه ع ١١ إلى ١٥

١١ «لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلْمُخَلِّصَةُ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ».

رومية ٥: ١٥ وص ٣: ٤ و١بطرس ٥: ١٢ ولوقا ٣: ٦ ويوحنا ١: ٩ و١تيموثاوس ٢: ٤

لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلْمُخَلِّصَةُ أراد «بالنعمة» هنا رضى الله مجاناً بالناس ومحبته لهم وهي مصدر عمل الفداء وغايتها خلاص الجنس البشري الساقط. وقد أعدت تلك النعمة طريقاً لذلك الجنس إلى الخلاص من جهنم ونيل الحياة الأبدية.

لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ سادة وعبيداً وأمماً ويهوداً. وهذا الكلام لا يستلزم أن جميع الناس يخلصون بل أن وسائط الخلاص أُعدّت للجميع. وكانت تلك «النعمة» مكتومة بعض الكتمان في العصور الخالية لكنها ظهرت في عصور الإنجيل كل الظهور كقول إشعياء «قُومِي ٱسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ وَمَجْدُ ٱلرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. لأَنَّهُ هَا هِيَ ٱلظُّلْمَةُ تُغَطِّي ٱلأَرْضَ وَٱلظَّلاَمُ ٱلدَّامِسُ ٱلأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ ٱلرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى. فَتَسِيرُ ٱلأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَٱلْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ» (إشعياء ٦٠: ١ – ٣ انظر أيضاً ملاخي ٤: ٢). ولنا من هذه الآية أن أصل الخلاص نعمة الله فيجب أن يكون لها كل مجد في السماء وعلى الأرض.

١٢ «مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ ٱلْفُجُورَ وَٱلشَّهَوَاتِ ٱلْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِٱلتَّعَقُّلِ وَٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَى فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْحَاضِرِ».

رومية ١: ١٨ لوقا ١: ٧٥ ورومية ٦: ١٩ وأفسس ١: ٤ وكولوسي ١: ٢٢ و١تسالونيكي ٤: ٧ و١بطرس ٤: ٢ و١يوحنا ٢: ١٦

مُعَلِّمَةً إِيَّانَا الله يعلمنا بالإنجيل الذي هو إعلان نعمته المكتوب فيعلن لنا به المسيح مخلصاً ووجوب الإيمان به والطاعة لأوامره والسير في سننه.

أَنْ نُنْكِرَ هذا أول درس من التعليم الإلهي وهو إنكار النفس على وفق قول المسيح «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ» (لوقا ٩: ٢٣). فيجب أن ننفصل كل الانفصال عن الحياة العتيقة الشريرة لكي نتمسك بالخلاص.

ٱلْفُجُورَ هذا من صفات الخاطئ بالنظر إلى الله وهو العصيان والمخالفة.

وَٱلشَّهَوَاتِ ٱلْعَالَمِيَّةَ هذا من صفات الخاطئ بالنظر إلى العالم الساقط ويؤيد ذلك قول يوحنا «وَٱلْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي ٱلشِّرِّيرِ» (١يوحنا ٥: ١٩). وقوله «لاَ تُحِبُّوا ٱلْعَالَمَ وَلاَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلَّتِي فِي ٱلْعَالَمِ… لأَنَّ كُلَّ مَا فِي ٱلْعَالَمِ شَهْوَةَ ٱلْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ ٱلْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ ٱلْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ ٱلآبِ بَلْ مِنَ ٱلْعَالَمِ. وَٱلْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ» (١يوحنا ٢: ٥ – ١٧).

وَنَعِيشَ بِٱلتَّعَقُّلِ ما قيل بطريق السلب قيل هنا بطريق الإيجاب فالمعنى أن نجعل عواطفنا وأميالنا خاضعة لعقولنا. وقد سبق الكلام على «التعقل» في (ع ٢ و٥).

وَٱلْبِرِّ «التعقل» يختص بواجبات المؤمن لنفسه «والبر» بواجباته لإخوته من البشر ومضمونه الاستقامة والأمانة والصلاح.

وَٱلتَّقْوَى هذه تختص بما يجب على المؤمن لله. وخلاصة التقوى محبة المؤمن وإكرامه وطاعته لله كأنه واقف في حضرته.

فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْحَاضِرِ مدة الحياة على الأرض فإنها وقتية واستعدادٌ لحياة أخرى. فيجب علينا ما دمنا أحياء إنكار النفس وممارسة الفضائل المذكورة. وأبان في الآية الآتية أن ذلك يجب بالنظر إلى ما نتوقعه في المستقبل.

١٣ «مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

١كورنثوس ١: ٧ وفيلبي ٣: ٢٠ و٢بطرس ٣: ١٢ وأعمال ٢٤: ١٥ وكولوسي ١: ٥ و٢٣ وص ١: ٢ و٣: ٧ وكولوسي ٣: ٤ و٢تيموثاوس ٤: ١ و٨ وعبرانيين ٩: ٢٨ و١بطرس ١: ٧ و١يوحنا ٣: ٢

مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وهو مجيء المسيح ثانية فيجب أن ننتظره دائماً بالإيمان وتشديد الشوق إليه والاستعداد لاستقباله (متّى ٢٤: ٤٢ – ٤٤ وفيلبي ٣: ٢٠ و١تسالونيكي ٥: ٤). والمراد «بالرجاء» هنا الأمر المرجو ونعته «بالمبارك» لأنه يشتمل على أعظم البركات ويؤكد للمؤمن كمال الغبطة. ورجاء المؤمن إتيان المسيح ثانية يعزي في الضيق ويثبت في التجربة ويساعد على الاجتهاد في القيام بالواجبات لأن ذلك الرجاء مقترن برجائه أن يشارك المسيح في مجد مجيئه ويكون مشابهاً له «حين يراه كما هو».

وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ هذا تفسير «للرجاء المبارك» وبيان أنه ظهور المسيح في مجده ومجد أبيه على وفق قوله «فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ» (متّى ١٦: ٢٧). وقوله لأبيه «ٱلآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا ١٧: ٥ انظر أيضاً و١تسالونيكي ٣: ١٣ و٢تسالونيكي ٢: ٨ و١تيموثاوس ٦: ١٤ – ١٦ و٢تيموثاوس ٤: ١ و٨).

ذهب بعضهم أن الرسول هنا تكلم على ظهورين أحدهما ظهور الآب الذي أشار إليه بقوله «الله العظيم» والآخر ظهور المسيح الذي أشار إليه بقوله «مخلصنا يسوع المسيح» ولكن القرينة تدل على أن الظهور واحد وهو ظهور المسيح ثانية لأنه «الله العظيم والمخلص» ولأن ذلك كان رجاء الكنيسة ومنتظرها في كل العصور بناء على مواعيد الإنجيل. ولم يُقل قط في الإنجيل أنه يجب أن يتوقعوا استعلان الله الآب الذي لا يُرى فإنه قيل فيه «سَاكِناً فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، ٱلَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ» (١تيموثاوس ٦: ١٦). واتفق أكثر المفسرين على أن المراد «بالإله العظيم والمخلص» المسيح الذي به وحده يُعلن الآب للناس فإن صار جسداً لكي يعلن لنا الآب الذي لا نستطيع أن نراه إلا به وأنه يخلص الذين يصدقون قوله أن الله أرسله لكي يخلص العالم به. وهو على وفق ما قيل في (٢بطرس ١: ١١) وهو من أعظم الأدلة على لاهوت يسوع المسيح. وظهور المسيح ثانية نهاية مظاهر نعمة الله المذكورة في (ع ١١).

١٤ «ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً غَيُوراً فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ».

غلاطية ١: ٤ و٢: ٢٠ وأفسس ٥: ٢ و١تيموثاوس ٢: ٦ وعبرانيين ٩: ١٤ وخروج ١٥: ١٦ و١٩: ٥ وتثنية ٧: ٦ و٢٦: ١٨ و١بطرس ٢: ٩ وأفسس ٢: ١٠ وص ٣: ٨ وتثنية ١٤: ٢

ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا هذا تفسير لقوله «مخلصنا يسوع المسيح» لأنه بيان الطريق التي خلصنا بها وسبق الكلام على هذا في تفسير (غلاطية ١: ٤ وأفسس ٥: ٢ و٢٥). ولم يكتف المسيح بأن يعلّمنا التعليم الكامل ويقدم لنا المثال التام في القداسة بل علّم نفسه اختياراً للموت شفقة علينا وإطاعتة لإرادة الله لكي يكفر عن خطايانا ويفدينا بدمه من الموت الذي أوجبته خطايانا علينا. وذلك أعظم عطية ممكنة لأنها نفسه بجملتها بذلها عنا عوضاً وفداء لمنفعتنا. فالمسيح ابن الله كان الشاري والثمن.

لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ هذا بيان غاية المسيح من بذل نفسه لأجلنا. فإنه فدانا بدمه لكي ينقذنا من أفساد الإثم وسلطته والعقاب عليه. والخلاصة أن فداء المسيح يحرر المؤمن من كل نتائج خطاياه.

وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً هذا الكلام مبني على أن الإسرائيليين كانوا قديماً شعباً خاصاً لله بدليل قوله تعالى «فَٱلآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ» (خروج ١٩: ٥) وقوله «لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ ٱخْتَارَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْباً أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ عَلَى وَجْهِ ٱلأَرْضِ» (تثنية ٧: ٦). وقال «لنفسه» لأنه فداهم ولذلك لا يحق لهم أن يعيشوا لأنفسهم بل أن يخدموا الذي سفك دمه من أجلهم ويطيعوه ويمجدوه على وفق قوله «لأَنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللّٰهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلّٰهِ» (١كورنثوس ٦: ٢٠). وكون المفديين شعباً خاصاً للمسيح يتضح من قول بطرس الرسول «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ ٱقْتِنَاءٍ» (١بطرس ٢: ٩). والمسيح اشتراهم ليكونوا كذلك بدليل قول الرسول «ٱلَّذِي هُوَ عَرْبُونُ مِيرَاثِنَا، لِفِدَاءِ ٱلْمُقْتَنَى، لِمَدْحِ مَجْدِهِ» (أفسس ١: ١٤). وفي قوله «يطهر» دليل على أنه لا يتم قصده من جهة شعبه ما لم يقدسه ويخلقه جديداً على صورته كقوله «فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلّٰهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ» (عبرانيين ٩: ١٤) وهذه الغاية أعظم من إنقاذهم من العقاب على الإثم الذي اقتضاه الناموس.

غَيُوراً فِي أَعْمَالٍ حَسَنَة إن المسيح حرر شعبه من عبودية الإثم لكي يبذلوا جهدهم في القيام بأعمال البر التي هو يطلبها فيظهروا بذلك له المحبة والشكر والطاعة على وفق قوله «لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس ٢: ١٠). فإتيان المؤمنين بهذه الأثمار برهان على أنهم تمسكوا بالفداء وأنهم شعب المسيح الخاص المشابهون للذي «جال يصنع خيراً» (أعمال ١٠: ٣٨) وأنهم ممتلئون إيماناً وأنهم مساكن للروح القدس.

١٥ «تَكَلَّمْ بِهٰذِهِ وَعِظْ وَوَبِّخْ بِكُلِّ سُلْطَانٍ. لاَ يَسْتَهِنْ بِكَ أَحَدٌ».

٢تيموثاوس ٤: ٢ و١تيموثاوس ٤: ١٢

تَكَلَّمْ بِهٰذِهِ وَعِظْ هذا كقوله لتيموثاوس (١تيموثاوس ٦: ٢).

وَبِّخْ بِكُلِّ سُلْطَانٍ (انظر تفسير ١تيموثاوس ٥: ١ و٢٠ و٢تيموثاوس ٤: ٢). كان عليه أن يفعل ذلك باعتبار كونه نائب الرسول ووكيل المسيح رأس الكنيسة.

لاَ يَسْتَهِنْ بِكَ أَحَدٌ في هذا نهي له عن كل شيء في السيرة والكلام بحمل الناس على الاستخفاف به وأن يفعل كل شيء يرغبهم في إكرامه وطاعته.

الأصحاح الأول
الأصحاح الثالث
زر الذهاب إلى الأعلى