إيماني 21 | إيماني بمجيء المسيح الثاني

ليس هناك من أمل يراود الكنيسة ويبهجها في كل جيل وعصر أكثر من الأمل بمجيء المسيح الثاني العتيد .. على إن المسيحي وهو بصدد هذا المجيء وفي انتظاره قد تنوعت وتباينت آراؤهم وأفكارهم ونزعاتهم نحوه، فمنهم من لا هم له إلا تحديد ميعاده وتفسير النبوات المتعلقة به، على النحو الذي يكاد يعين معه وقته أو ساعته، ناسيا أو متناسيا انه ليس من حق بشري أو في سلطانه أو علمه أن يعين هذا الوقت أو هذه الساعة على الإطلاق، ومنهم على النقيض من ذلك من لا يشغل نفسه كثيرا بالتفكير في هذا الموضوع، مع إن هذا الموضوع بالذات كان في قمة المواضيع التي شغلت بال الكنيسة في العصور المسيحية الأولى، ومنهم من يتطلع إلى هذا الموضوع مصحوبا بملك حرفي للمسيح، يملك فيها المسيح على الأرض كلها ويحقق عصرها الذهبي وحلمها المنشود قبل نهاية العالم ومجيء الأبدية، ومنهم من ينتظر هذا المجيء بعد الملك الروحي لا الأرضي الذي يسيطر فيه المسيح بسلطانه ومبادئه وروحه على البشر والأمم جميعا ثم يظهر في القيامة في اليوم الأخير.
على انه مهما اختلفت هذه الأفكار أو النزعات أو تنوعت، إلا أنها تتفق جميعا في اليقين بمجيئه وربط التاريخ وقصة البشرية بهذا المجيء العتيد العظيم ..
ولعل من أهم ما ينبغي مراعاته ونحن بصدد دراسة هذا الموضوع العظيم تجنب الاندفاع أو الجموح أو التعصب أو الانسياق وراء فكرة معينة بإملاء العاطفة البشرية البحتة أو الخيال الإنساني الشرود، إذ إن الوحي هو الرائد الوحيد في الموضوع، وكتاب الله هو الفيصل والحكم النهائي فيه، ومن ثم فنحن أحوج ما نكون إلى الهدوء والأناة والاسترشاد بروح الله، ونحن نتعرض له أو نعالجه ولعلنا نأخذ فكرة واضحة كاملة عنه إذا تأملناه من الجوانب التالية:
أولا – مجيء المسيح الثاني وحقيقته
وحقيقة مجيء المسيح الثاني من الحقائق التي تنازع أو تجادل، وهي إحدى الحقائق المسيحية الكبرى التي ظفرت بإجماع المسيحيين في كل جيل وعصر، وقد كسب هذا الإجماع من الشهادات الواضحة الصريحة التي جاءت في الإنجيل عنها، وفي مقدمة هذه الشهادات أقوال المسيح نفسه، إذ قال: “30وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ.” (مت24: 30)؛ 31«وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ القديسون مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. (مت25: 31). “حينئذ يبصرون ابن الإنسان أتيا في سحاب ومجد كثبر” (لو21: 27) “ها أنا أتي سريعا وأجرتي معي لأجازي كل واحد حسبما يكون عمله” (رؤ 22: 12). كما تواترت شهادة الرسل، إذ قال بولس في أكثر من موضع: “وأنت متوقعون استعلان ربنا يسوع المسيح” (1كو1: 7) “إذ لا تحطموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب” (1كو4: 5) “23وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ. الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ. (1كو15: 23). “فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أيضا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصاً هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، (في3: 20). “4مَتَى اظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ انْتُمْ أيضا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ. (كو3: 4). “10وَتَنْتَظِرُوا ابْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، يَسُوعَ، الَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي” (1تس1: 10). “19لأَنْ مَنْهُ وَرَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإِكْلِيلُ افْتِخَارِنَا؟ أَمْ لَسْتُمْ أنْتُمْ أيضا أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ؟ (! تس2: 19) “لان الرب نفسه بهتاف بصوت “14أَنْ تَحْفَظَ الْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إلى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ”(1تي4: 16). “وَأَخِيراً قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يهَبُهُ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أيضا.”(2تي4: 8). “مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.”(تي2: 13).”هَكَذَا الْمَسِيحُ أيضا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَه”ُ. (عب9: 28). وقال الرسول بطرس: “لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.”(1بط1: 7).” مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ.” (2بط3: 12) ويقول الرسول يوحنا: “أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إذا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ.” (1يو3: 2).
وواضح من هذه الشهادات إن المسيح لم يأتي فحسب، بل أكثر من ذلك سيأتي منظور للجميع، كما قال الملاكان لتلاميذ بعد صعوده: “وَقَالاَ: «أَيُّهَا الرِّجَال ُالْجَلِيلِيُّونَ مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إلى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إلى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إلى السَّمَاءِ».(اع1: 11). أو كما جاء في سفر الرؤية: “هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ”. (رؤ1: 7).
ثانيا: المجيء الثاني وخطا تحديد وقته
على انه إذا كان الإجماع مستقرا على المجيء، فانه الخطى الذي ارتكبه كثيرون هو محاولتهم تحديد أو تعيين وقت هذا المجيء. وهذا الخطأ فادح لأكثر من سبب:
أولا- تحديد موعد مجيء المسيح الثاني ليس كتابيا على الإطلاق، بل إن روح الكتاب ونهجه ضد التحديد على خط مستقيم. الم يقل السيد المسيح: “وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ.”(مت24 :36) كما صرح قبل الصعود للتلاميذ والرسل بقوله: “7فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ” (اع1: 7) ومن ذلك يتبين انه ليس في قدرة الملائكة أو التلاميذ أو الرسل تعيين ذلك الزمان أو تحديد ساعته ويومه، فإذا أضيف إلى ذلك أن هذا المجيء سيكون فجائيا وخاطفا يستحل التنبؤ بموعده، إذ وصفه السيد بالقول: “27لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إلى الْمَغَارِبِ هَكَذَا يَكُونُ أيضا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ.(متى ت24: 27). فمن ذا الذي يمكنه بعد هذا أن يفهم السر الذي اخفي عن الملائكة والرسل والملهمين؟!!..
ثانيا- إن تحديد موعد مجيء المسيح الثاني يناقض فكرة الله التي جعلت القصد الرئيسي ممن الحديث عن المجيء في الكتاب، تنبه الناس وإعدادهم لهذا المجيء، فتحديد الوقت من حيث قربه، أو بعده، يحدث ارتباكا بالغا وضررا كبيرا في حياة المؤمنين، إذا ما بدا هذا الوقت قريبا بالكيفية التي لا يتمكنون معها من القيام بالمشروعات العظيمة الموضوعة أمامهم. وقد وضح هذا عندما توهم كثيرون في مطلع المسيحية أن المسيح سيأتي في أيامهم وشيكا، فباعوا ممتلكاتهم وتعطلوا عن أعمالهم، وكاد يحدث الخلل والارتباك في حياتهم، حتى اضطر الرسول بولس إلى الكتابة في رسالته إلى أهل تسالونيكي قائلا: “1ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ، 2أَنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعاً عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ الْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ.”(2تس2:!-2) أما إذا بدا موعد المجيء الثاني ابعد مما يتوقعون، فما من شك بأنهم سيجربون بالتهاون والكسل وعدم الحمية والنشاط في الرسالة الموضوعة أمامهم، ومن ثم أغلق الله على الفكر البشري دون معرفة هذا الموعد أو تحديد وقته وساعته!!..
ثالثا – إن تحديد الوقت إذا لم يتيسر ضبطه ينشئ رد فعل سيئا، كما حدث عندما توهم كثيرون إن مجيء المسيح سيحدث سنة 1000م على زعم إن الألف سنة المذكورة في سفر الرؤية تقع بين المجيئين الأول والثاني، فصلوا وصاموا وكفوا عن الكثير من الشرور والخطايا، ولما مر الموعد المحدد ولم يأت المسيح انتقلوا إلى النقيض، وعادوا إلى أشر مجون وفساد. كما إن الأمر عينه يحدث بالنسبة لعقيدة الناس في الكتاب والنبوات، إذ يقودهم تحديد المفسرين الخاطئ للوقت إلى الشك والارتياب في صدقهما وصحتهما.
رابعا- إن تحديد الوقت إذ لم تثبت صحته يدفع غير المؤمنين إلى السخرية والتقسي وعدم الإيمان، إذ لا يفرق هؤلاء بين خطا المفسرين والعقيدة نفسها، بل يجعلون الأمر كله مثار هزئهم وسخريتهم، وأكثر من هذا يكون من الصعب بعد ذلك إقناعهم بقبول الإيمان والمجيء إلى المسيح المخلص.
فإذا ما تبينا كل هذا أدركنا حكمة الله العظيمة في أن يبقى هذا الأمر سرا مغلقا يعجز البشر أو الملائكة عن توقيته وتحديد موعده..
ثالثا – المجيء الثاني والعلامات السابقة عليه
على انه إذا كان من الخطى تحديد وقت المجيء، فلا يعني ذلك إن الكتاب لم يوضح العلامات التي تسبقه وتشير إلى دنوه واقترابه، وقد ذكر المسيح والرسل كثير من العلامات وقد تأتي هذه العلامات متتابعة أو معاصرة أو مكررة، ولكنها لابد من حدوثها جميعا قبل المجيء، ولعله من المناسب أن نشير ههنا إلى إن المسيح وهو يذكر هذه العلامات في نبوءته العظيمة على جبل الزيتون قبيل الصليب شطر النبوة شطرين، احدهما خاص بالحوادث التي ستقع ما بين الصعود وخراب أورشليم، والأخر خاص بالعلامات السابقة على مجيئه الثاني، ويبدوا إن ما حدث في خراب أورشليم لم يكن إلا صورة مصغرة للحوادث الأضخم والأعظم التي تلحق بالعالم قبل مجيئه العتيد.. وها نحن أولا نتابع بعد ذلك هذه العلامات فيما يلي:
1- الاضطهاد الدينية
وقد ذكر المسيح هذه الاضطهاد الدينية كأولى العلامات التي تظهر في حياة المؤمنين والتلاميذ إذ قال: “12وَقَبْلَ هَذَا كُلِّهِ يُلْقُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ وَيُسَلِّمُونَكُمْ إلى مَجَامِعٍ وَسُجُونٍ وَتُسَاقُونَ أَمَامَ مُلُوكٍ وَوُلاَةٍ لأَجْلِ اسْمِي.”(لو21: 12). وهذا أو16).حدث لتلاميذ المسيح إذ تعرضوا للاضطهاد المتوالية التي دونها الوحي في سفر الأعمال كما دونها التاريخ، ويكفي أن نعلم إن كل الإخبار الواردة في العصور المسيحية الأولى تفيد شدة هذا الاضطهاد وعنفه، فقد ذكر كتبة الوحي والكتاب المسيحيون الأوائل كما ذكر تاستيوس وبليني وسيتنيوس وهم الكتاب الرومان كيف كان المسيحيون مكروهين ومضطهدين من الوثنيين واليهود على حد سواء، وقد صاحب هذا الاضطهاد البغضاء والنزاع والكراهية التي قامت في العائلات، وقد رأى المسيحيون من الإباء والإخوة والأقرباء والأصدقاء صنوفا وألوانا قاسية من الشدة وأضيق والخيانة: “16وَسَوْفَ تُسَلَّمُونَ مِنَ الْوَالِدِينَ وَالإِخْوَةِ وَالأَقْرِبَاءِ وَالأَصْدِقَاءِ وَيَقْتُلُونَ مِنْكُمْ” (لو21: 16).. ومع إن الثلاث قرون الأولى كانت ولا شك أفظع وارهب العصور التي اضطهد فيها المسيحيون، إلا إن الاضطهاد تتابع ومازال إلى اليوم في كثير من الدول والممالك بهذا اللون أو ذاك من صنوفه المتعددة التي تلحق بالحياة أو الحرية أو الرزق أو المساواة أو ما أشبه. غير إن هذا الاضطهاد يصاحبه على الدوام الوعد المبارك بان السيد لن يترك أتباعه، أو يهملهم بل سيكون معهم مسندًا إياهم في كل المواقف والظروف، وشعرة واحدة من رؤوسهم لن تهلك بدون إرادته، كما انه سيهبهم الحكمة والقوة والاحتمال لمواجهة كافة المتاعب والآلام.
2- الأنبياء والمسحاء الكذبة
وهذه علامة ثانية من العلامات السابقة على مجيء المسيح، إذ يقول: “(مر13: 23) وقد ظهر حقا مسحاء وأنبياء كذبة كثيرون في مطلع المسيحية وفي عصور متفاوتة في التاريخ، وقد جاء 1كر البعض منهم في سفر الأعمال كسيمون الساحر وبارا يشوع وغيرهما، كما جاء ذكر الكثيرين أيضا في كتاب “الآثار” ليوسيفوس، وعرف التاريخ بعد ذلك صورا مروعة منكرة لأعداد كثيرة أخرى تركت أفظع وارهب الآثار في حياة الناس، وكانت السمة الواضحة في جميع هؤلاء الأنبياء والمسحاء الكذبة دعوتهم إلى الطغيان والمجد العالمي مما يخالف روح المسيح، ومما يسهل معه فصلهم عن بر المسيح وقداسته ومجده.
3- تزايد الحروب والقلاقل
وقد كشف المسيح لتلاميذه انه لن يأتي قبل أن تمر بالبشرية طائفة رهيبة من الحروب والقلاقل والثورات والمخاوف التي تجتاح الأرض كلها، ومن الغريب أن طائفة منها ظهرت بكيفيات متزايدة ما بين صعود المسيح وخراب أورشليم. ومن يقرا ما كتبه يوسيفوس وتاسيتوس يدرك مدى ما أصاب العالم منها من زعر وقلق وخوف، وقد كان حصار أورشليم وتدميرها وتخريبها صورة من الصور الرهيبة لنبوة يسوع الصادقة، وقد هلك في الحصار مليون مائة إلف من سكانها، وتشتت اليهود بعد ذلك في بقاع العالم. وكان عددهم في ذلك الوقت حوالي ثمانية ملايين نفس، وجاء في وصف الضيق الذي عناه اليهود حينذاك قول يوسيفوس: “لو أن ماسي وتعاسات كل الناس جمعت من بدء العالم، لما كانت مريعة كالتي أصابت أورشليم يوم خرابها”. وقول رينان: “أنهم كانوا جميعا على موعد مع التعاسة والشقاء الذي لا يوصف”. وقد تلاحقت بعد ذلك الحروب حتى انتهت على النحو العالمي الرهيب الذي عرف في القرن العشرين والذي تشعل فيه الأرض كلها بنار الحرب، ويعتقد البعض إن المسيح إذ يقوا: “«وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ 26وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ” (لو21: 25،26). ويقصد حرفيا ما يقول، إذ سيحدث تغير وتطور في الكواكب السيارة، بينما يعتقد آخرون إن المعنى رمزي، وان النجوم المنهارة والكواكب السيارة تشير إلى العظماء والإبطال الذين ارتفعوا وبلغوا عنان السماء، وكان سقوطهم عظيما، أما الحيرة والكرب فلعل التاريخ لم بر مثلهما كما في هذه الأيام في الصراع المرير القائم بين النظم المختلفة : “والناس يغشى عليها من خوف وانتظار ما سيأتي على المسكونة” وهل هناك ما هو اقطع وارهب من هذه المخترعات الجهنمية المدمرة التي وصل إليها الإنسان، وكيف لا يعيش العالم بعد ذلك في رعب قاتل وظلمة مخيفة!؟.
4- ثورات الطبيعة المتنوعة في كل مكان
والمسيح يبين إن الطبيعة ستشارك الإنسان في ثورته إذ: “تكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة” (لو21: 11) وهو لن يأتي قبل أن تمر البشرية بهذه الدورات من الثورات، وقد ذكر سينكا كثيرا من الزلازل العظيمة التي حدثت كزلزال كريت عام 46م وزلزال روما عام 51م وزلزال فريجية عام 55م وزلزال لاوديكية عام 60م وزلزال أورشليم عام 67م، وعرف العالم بعد ذلك الزلازل المروعة في كل أركان الأرض المختلفة .. ولا يمكن أن ننسى المجاعات المتعددة التي حدثت في العصور المختلفة من التاريخ، والأوبئة الرهيبة التي فتكت بملايين الناس وما يزال اثر هذه الثروات وامتدادها من الظواهر المألوفة في الحياة، والتي هي مبتدأ الأوجاع، وسبق فأنبا المسيح بضرورة حدوثها قبل مجيئه الأخير.
5- الارتداد الديني
وقد سبق المسيح وتحدث عن هذا الارتداد عندما قال: “وحينئذ يعثر كثيرون” (مت14: 10).. والارتداد في معناه ومدلولها شارة إلى إن الإنسان كان قد سبق واعترف بالمسيحية، ولكنه تحول عنها أما بضغط الاضطهاد، أو بإغراء الباطل، أو بلوثة الإثم، أو ما أشبه، مما يجعل الإنسان يرتد عن دينه ودين إبائه وأجداده، إن كان هؤلاء الآباء أو الأجداد قد سبقوا فقبلوا المسيحية وامنوا بها.. وصفحات التاريخ مليئة للأسف بصور هذا الارتداد حيث تحولت جماعات وقبائل وأمم عن المسيحية، وأخرها الارتداد الجماعي المنكر للملايين الرازحة تحت نير الشيوعية وعقيدتها اللا دينية الملحدة، على إن الارتداد قد لا يأخذ ظاهر التحول الصريح عن المسيحية إلى دين أو عقيدة أخرى، بل لا يكون المسيحيين لا يعرفون من المسيحية سوى اسمها، إذ هم أولئك الذين وصفهم السيد بالقول: “ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين” (مت24: 15).
6- وصول رسالة الإنجيل إلى كل العالم
وثمة علامة أكيدة تسبق مجيء المسيح، وهي وصول رسالة الإنجيل إلى كل العالم، إذ يقول السيد: “ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم” (مت24: 14)ولا ينازع احد قط في ضرورة وصول هذه الرسالة إلى جميع إطراف الأرض قبل مجيء المسيح، إنما وجه الخلاف عند المسيحيين في مدى فاعليته هذه الرسالة، فبينما يعتقد فريق منهم إن الرسالة ستصل الجميع وتتلمذ جميع الأمم وتحقق العصر الذهبي، ليس في سيادة المسيحية بين الأمم والدول فحسب، بل في انتصار مبادئ الإنجيل في كل مكان، ويعتقد الفريق الأخر إن هذا كله مرهون لا بفعل الرسالة في حد ذاتها، بل بمجيء المسيح الشخصي وتدخله الفعال في الأرض، والخلاف على إي حال كما سنرى فيما بعد نظري، مادامت النتيجة من الوجهة العملية واحدة، إذ ستصبح الأرض كلها للرب ومسيحه، وتحكم مبادئ الإنجيل في كلتا الحالتين حياة الناس، وجميع تصرفاتهم وأعمالهم.. وعليه فيمكننا إن نؤكد مبدئيا إن الكرازة بالإنجيل في كل الأرض هي القدر المتيقن المتفق عليه عند الجميع. وإنها لابد إن تتم قبل مجيء المسيح الثاني!
رابعا – المجيء الثاني ونظرياته
ولعله من اللازم وقد اشرنا إلى اختلاف وجهات النظر حول موعد مجيء المسيح الثاني، قبل أو بعد غزو الإنجيل للخليقة كلها، إن نبين أساس هذا الخلاف وفحواه ونتائجه، وهل يمكن إن يكون إن يكون مجال للتلاقي أو الاتفاق رغم نشأته ووجوده!!؟؟
ويتعين بادي ذي بدء الإشارة إلى إن هذا الخلاف نشا من تعدد الآراء والتفاسير حول ما جاء في سفر الرؤيا في الإصحاح العشرين عم ملك المسيح في الألف سنة المذكورة هناك .. ومن الملاحظ مع تعدد الآراء والنظريات، فإنها تكاد تتجمع حول فكرين رئيسيين أساسيين أطلق عليها “المجيء قبل الألف” و “المجيء بعد الألف” .. وها هو موجز الفكريين أو النظريتين فيما يلي:
نظرية المجيء قبل الألف سنة
وقد يبدو من الضروري إن نشير إلى إن أول الآخذين بهذه النظرية في التاريخ كان معهم من المسيحيين الذين من أصل يهودي، وحملوا معهم مفهوم الفكر اليهودي إلى التيار المسيحي عن ملكوت المسيح، وان هذه النظرية شاعت على وجه اعم بين عام 150- 250م وكان من أبطالها بابياس تلميذ يوحنا ورفيق بوليكاربوس، وبرنابا – وهو من الآباء الرسوليين وغير برنابا وهو رفيق بولس، وهرماس ويوستنيان، وكبريانوي،.. وقد قوي مركزها بعد دفاع ايرانيوس وترتليانوس، .. غير إن اوريجانوس وأغسطينوس عارضاها، اخذين بالنظرية الثانية، .. على إن المفهوم اليهودي لم يكن وحده هو الدافع إلى اعتناق هذه النظرية في مطلع التاريخ المسيحي، بل لعل الاضطهاد الشديد في مطلع الثلاث قرون الأولى للمسيحية جعل لهذه النظرية لمعانها الكبير في الذهن المسيحي، والدليل على ذلك – بالمفهوم العكسي – إن البابوية فسرت الأمر كله طوال مجدها الزمني، بان روما قصبة المسيحية، ومركز ملكها ومجدها ومجدها، دون إي مكان أخر،.. ومن ثم فان الكنيسة المسيحية، ومركز ملكها ومجدها دون إي مكان أخر .. ومن ثم فان الكنيسة المسيحية لم تأخذ بالنظرية في فترات استقرارها وراحتها طوال خمسة عشر قرنا من الزمان .. على إن بعض الكنائس والمذاهب المسيحية عادت إلى دراسة النظرية والأخذ بها، واغلب الظن إن هناك دافعين حديثين دفعا هذه الكنائس أو المذاهب إلى ذلك، أولهما بطء تقدم الإنجيل في اكتساب العالم إلى المسيح، وضعف الكرازة المسيحية وأثرها في العالم المعاصر، مما لا يشجع على الاعتقاد عندهم بان الإنجيل سيغزو العالم روحيا، كما انه من الوجهة الأخرى، يزداد الارتداد والفساد وحساب الخسائر يتفوق على نحو رهيب على حساب الأرباح والمكاسب!!
كل هذا قد دفع أصحاب هذه النظرية إلى اليقين بان العالم لم يؤمن بالمسيح ويخضع له على أساس رسالة الإنجيل وانتشارها بين الناس وغزوها الجماعات والأمم والممالك، بل على العكس إن الناس سيصدون عن هذه الرسالة، ويتقدمون مع الزمن من سيء إلى أسوا، ولن تفلح معهم أي مواعظ أو رسائل أو إرشادات، مما يقتضي تدخل المسيح وظهوره بالمعنى الحرفي ليملك في الأرض ألف عام، هو العصر الذهبي للإنسان في كل تاريخه الطويل على هذه الأرض، .. وقبل أن نتعرض إلى طبيعة وصورة هذا الملك، كما يتصوره الآخذون به، من الإشارة إلى انه سيبدأ كما يعتقدون: أولًا بالقيامة الأولى، وهي في عرف البعض لجميع القديسين والأبرار، وفي عرف آخرين للشهداء فقط .. وإذ يقون هؤلاء جميعًا من الأموات، .. يأتي ثانيًا “الاختطاف” إذ يختطف الرب جميع هؤلاء مع المؤمنين الأحياء، الموجودين في الأرض عند مجيء المسيح!!… وإذ تخلو الأرض من جميع المؤمنين، ولا يبقى فيها إلا الأشرار من الأمم واليهود على حد سواء يتعرض هؤلاء وأولئك لما يطلق عليه ثالثا: “الضيقة العظيمة” .. وهي أرهب ضيقة تقع على البشر في كل التاريخ، ويكون من أثرها إيمان اليهود وبعض القبائل والأمم بالسيد المسيح، وتستمر هذه الضيقة سبع سنوات، وفي ختام السبع سنوات تحدث المعركة الحاسمة التي يطلق عليها “هرمجدون” وفيها ينشطر العالم إلى شطرين، وتتذبذب الحرب بينهما حتى يحسمها المسيح بظهوره الشخصي، فيقضي على “الوحش” و “النبي الكذاب” ويقيد الشيطان لمدة إلف عام يملك فيها المسيح ملكا حرفيا على الأرض!!
ويقول الآخذون بهذه النظرية، إن الألف عام هي الألف سنة من الزمان يرونها على الأبواب، وذلك على حساب: انه من ادم إلى المسيح عاش البشر حوالي أربعة ألاف عام، يضاف إليها ألفان من الأعوام من مجيء المسيح إلى اليوم على وجه التقريب، فنحن على ختام ستة ألاف سنة من ادم إلى اليوم، وما خلق الله الخليقة في ستة أيام وارتاح في اليوم السابع، فإننا على مقربة من يوم الراحة الذي هو الملك الألفي للمسيح باعتبار إن يومًا واحد عند الرب إلف سنة كما يقول الكتاب، فتكون البشرية قريبة الدخول في اليوم السابع من “الألف السنة السابعة” التي يملك فيها المسيح ملكا كاملا على الأرض .. وتستريح أنفاس البشر، مما عانت من إلام وماسي ومتاعب من يوم ادم إلى يوم ملك المسيح على الأرض!! .. على إن الشيطان في ختام هذه الألف سنة سيحل زمانا يسيرا وإذ يحاول لاسترداد ملكه وسلطانه يقضي عليه السيد القضاء الأخير، وتحدث بعد ذلك القيامة العامة للأشرار، والدينونة الأخيرة!!
أما ما طبيعة ملك المسيح وحياة الناس في هذا الملك الألفي السعيد، فإنّه من الصعب إعطاءه صورة واضحة شاملة له، وان كان من المتفق عليه، إن المسيح والأتقياء والقديسين الحاكمين سيكونون في أجسادهم الممجدة، بينما المحكمون سيكونون في أجسادهم الأرضية، وان المسيح والحاكمين معه في الملكوت، سيكونون أشبه بالمسيح وموسى وايليا عندما ظهرا معه على جبل التجلي، بينما الذين على الأرض سيكونون كبطرس ويعقوب ويوحنا الذين رأوا هذا التجلي وبهروا به، ويعتقد إن المسيح في مجده السماوي، سيحكم الأرض، وستكون العلاقة بينه وبين الساكنين على الأرض أشبه بعلاقته بالتلاميذ بعد القيامة طوال الأربعين يوما!!
والذين يأخذون بهذه النظرية، لا يرون الخطية تختفي نهائيا من الأرض، في الألف سنة، لكن سلطانها سيكون ضعيفا جدا على الناس، لان الشيطان لم يعد رئيس هذا العالم، ولم تعد له قدرة الإغراء والتجربة، بعد إن قيد، وسيكون الناس أكثر إطاعة للحق، والسيطرة على الجسد الذي لا يأتيه هجوم من الخارج بقدر استعداده الداخلي أو ضعفه الروحي، والموت لن ينتهي، لكنه سيكون كأيام الأباء: “20 لاَ يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ وَلاَ شَيْخٌ لَمْ يُكْمِلْ أَيَّامَهُ. لأَنَّ الصَّبِيَّ يَمُوتُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ وَالْخَاطِئَ يُلْعَنُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ.” (اش65: 20).. وعلى العكس من ذلك تماما تكون العبادة لله اعلي مظهر في الأرض، كما إن الاستجابة إلى إنجيل المسيح، لن تكون قاصرة على أفراد يولدون الولادة الثانية كما في الوقت الحاضر، بل ستولد أمم وشعوب وقبائل دفعة واحدة!!
وامتداد لهذا كله، لن تكون الأرض، على ما نرى اليوم، حافلة بالأمراض، والمحاكم، وقوات الحراسة، والجيوش، والأطباء، والمحامين، وما أشبه، إذ لم يعد لهؤلاء مكان بين الناس، وستتغير قصة الإنسان من الأساس، فلا جوع أو ضيق أو حاجة أو متاعب، وسيجلس كل واحد تحت تينته أو كرمته، وتنتهي جميع أدوات الحرب، ويعم السلام: “فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ الرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْداً وَثَمَرُ الأَرْضِ فَخْراً وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ. (اش2: 4).. ولن يقف الأمر عند هذا الحد بل إن الوحوش نفسها ستستأنس: “فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعا ًوَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. 7- وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعاً وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْناً. (اش11: 6-8).. أو في لغة أخرى تصبح الألف سنة عالم الكمال الذي يحن إليه الإنسان طوال حياته على هذه الأرض!!..
وفي ختام هذا الملك يحدث الارتداد، ولن يغسل الله الأرض هذه المرة بالطوفان كما حدث أيام نوح، بل يحرقها بالنار: “وَلَكِنْ لاَ يَخْفَ عَلَيْكُمْ هَذَا الشَّيْءُ الْوَاحِدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، أَنَّ يَوْماً وَاحِداً عِنْدَ الرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ.” (2بط3: 7)، “وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا.” (2بط 3: 10). وتنزل المدينة السماوية المقدسة من عند الله حيث يسكن الله مع الناس ويضيء بمجده فيها: “لَهَا مَجْدُ اللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ. .. وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْحَمَلُ سِرَاجُهَا.” (رؤ21: 11، 23) .. وان يطرح الشيطان إلى الأبد في بحيرة النار، لن تعود الخليقة تئن، أو يكون هناك بحر حريا أو مجازيا، بل لن يكون هناك الم أو صراخ أو وجع، .. لان الأمور الأولى قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدا!!
هذا هو موجز نظرية المجيء قبل الألف – في خطوطها الرئيسية العامة مع بعض الخلاف في التفاصيل بين مفسر وأخر من أصحابها ومعتنقيها!!..
نظرية المجيء بعد الألف
أما النظرية الأخرى المقابلة، فهي نظرية المجيء الثاني للمسيح بعد الألف، وهذه النظرية لا تؤمن على الإطلاق بالملك الحرفي للمسيح على الأرض، إذ تعتقد على الدوام بان ملك المسيح روحي، وان مملكته كما قال هو أمام بيلاطس البنطي، ليست من هذا العالم: “ أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا اسلم لليهود ولكن الآن ليست مملكتي ههنا” (يو 18 : 36).. وفي جميع الأمثال التي ذكرها المسيح عن الملكوت في الإصحاح الثالث عشر من إنجيل متى، نجد إن هذا الملكوت يقبله الناس عن طريق كلمة الله الحية الفعالة التي تدخل إلى قلوبهم، مما يبين الطابع الروحي له… كما إن هذا الملكوت كما يقول القديس بولس: “ليس ملكوت الله اكلآ وشربا بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس” (رو 11: 17).. وانه مفتوح أمام جميع بني البشر، وليس قاصرا على اليهود: “وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ 12وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إلى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ». (مت8: 11، 12) .. كما إن الطريق الوحيد المفتوح للدخول فيه لن يكون إلا بتغيير الحياة، والولادة الجديدة: “أجاب يَسُوعُ وقال الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ..5 أَجَابَ يَسُوعُ: «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ.”(يو3: 3، 5).. وان الولادة الجديدة لا تتم إلا بالتوبة وغفران الخطايا: “13الَّذِي انْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ وَنَقَلَنا إلى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ، 14الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا.”(1كو1: 13، 14)..
ومن ثم فإن المؤمنين بهذه النظرية يفسرون الملك الألفي بأنه ذلك الملك الذي يسيطر فيه المسيح ويسود بالإنجيل على الأمم والشعوب والممالك ويقولون مع الواعظ الاسكتلندي الشهير جيمس اور: “إني أؤمن بأننا لا يمكن إن نقرا الإنجيل بعدالة، دون إن نؤمن بان المسيح سيأتي شخصيا في المستقبل، وان هذا هو رجاء الكنيسة العظيم.. ولكن يبدو لي بوضوح من قراءة العهد القديم والجديد، إن مجيء المسيح له معنى واسع شامل لأكثر من صورة ومظهر.. والمسيح عندما كان يتكلم في الإنجيل، ويتحدث عن مجيئه، كان يقصد أكثر من معنى، إذ كان يقصد مجيئه في الروح القدس عندما قال: “لا أترككم يتامى، إني أتي إليكم” (يو14: 18).. كما كان يقصد مجيئه في الدينونة لتدمير أورشليم والقضاء على الهيكل كما ذكر في إنجيل متى الإصحاح الرابع والعشرين.. وخلف هذا سيأتي في مجيئه الأخير عندما يأتي شخصيًا.. وبهذا التفكير أستطيع إن افهم فقط معنى القول: “اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنّ َمِنَ الْقِيَامِ هَهُنَا قَوْماً لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي مَلَكُوتِهِ». (مت16: 28) وهذا القول أورده مرقس: “إِنّ َمِنَ الْقِيَامِ هَهُنَا قَوْماً لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللَّهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ». (مر 9:!).. وذكره لوقا: “حتى يروا ملكوت الله” (لو9: 37) .. وأيضا عندما قال: “فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ لاَ تُكَمِّلُونَ مُدُنَ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَأْتِيَ ابْنُ الإِنْسَانِ.” (مت10: 23) .. إذ ليس من المعقول انه كان يشير إلى حوادث تمتد إلى ألفي عام مثلا، إذ من السهل إن يؤمن الإنسان في مثل هذه الحالة، إن السيد يقصد مجيئه بالقوة والنجاح والانتشار لملكوته”..
اجل وبهذا المعنى يمكن إن نرى المسيح، وقد جاء في الجسد، في مجيئه الأول، كما نراه يأتي إلى المؤمن بروحه القدوس ليسكن ويستقر فيه،، كما يأتي عند موته ليأخذه إليه، تحقيقا للقول: “3وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَاناً آتِي أيضا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أيضا 4 وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيقَ». (يو14: 3).. كما يأتي في النهضات وانتشار ملكوته، وقد بدا ذلك في التاريخ بالقضاء على أورشليم، وتدمير الهيكل، لتأخذ المسيحية سبيلها إلى العام اجمع…
ومن ثم فالأخذ بهذا الرأي يؤكدون إن الألف سنة هي المرحلة التي يملك فيها المسيح ملكا روحيا لا حرفيا بانتشار الإنجيل وسيادته على قلوب الناس، وغزو الشعوب والأمم لمجد الفادي، أو في لغة أخرى إن الألف سنة هي العصر الذهبي المجيد الذي يأتي فيه المسيح بقوة الروح القدس، ليكتسح أمامه جميع المعاثر والخطايا والعقبات، فيسود السلام وتمتلئ الأرض بالخير والرفاهية والسعادة والرخاء!!.. على هذا الأساس يفسرون تفسيرا روحيا ما جاء في الإصحاح العشرين في سفر الرؤية عن القيامة الأولى، فيذكرون انه كما جاءت في النص الكتابي قيامة “نفوس” وليس قيامة أجساد، وإنها نفوس الذين قتلوا، أو قيامة الشهداء، وان النص الكتابي لا يفصح بحال ما عن عودة هؤلاء الشهداء، أو الأبرار في الأرض ليملكوها أو يحكموا فيها، وان النفوس تعيش وتملك عندما تنتصر القضية التي كافحت وماتت من اجلها، في الوقت الذي يسقط فيه ولا يعيش أولئك الذين كانوا بالأمس ملء الدنيا وسمعها، وكانوا يحاربون أو يقاومون أو يفتكون بمن ظنوا إنهم إذا ماتوا فسينتهون، ولن تقوم لهم قائمة أو في تعبير أدق “قيامة” إلى الأبد،.. وعلى هذا الأساس فالقيامة الأولى هي قيامة روحية، وليست قيامة أجساد، وكثيرا ما جاء في الكتاب ما يفيد ذلك كالقول: “استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح ” (اف5: 14) “فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق” (كو3:!) وهي قيامة روحية للفرد، أو الكنيسة على حد سواء، وتحدث كثيرا في تغيير الحياة والولادة الجديدة سواء تم ذلك على صورة فردية، أو على صورة النهضات الجماعية كما حدث يوم الخمسين!!..
ولا يقبل الآخذون بالفكر الروحي بضرورة، لهذا السبب، وما تنادي به النظرية الأخرى، عن وجود قيامتين، الأولى كما اشرنا للإبرار، والثانية للأشرار والآثمة، وان بين الاثنين ألف سنة كاملة، بل يؤمنون بقيامة واحدة عامة أبدية، كما ذكر صراحة في العهد القديم أو الجيد على حد سواء : “2وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هَؤُلاَءِ إلى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إلى الْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ. (دا12: 2).. “فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ 29 فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إلى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إلى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ. (يو5: 28، 29).. “15وَلِي رَجَاءٌ بِاللَّهِ فِيمَا هُمْ أيضا يَنْتَظِرُونَهُ: أَنَّهُ سَوْفَ تَكُونُ قِيَامَةٌ لِلأَمْوَاتِ الأَبْرَارِ وَالأَثَمَةِ.(اع24: 15)…
ولا يؤمن الآخذون بالفكر الروحي بضرورة عودة اليهود إلى ارض فلسطين، كما يزعم أصحاب الفكر الأخر، ويفسرون كل النبوات المرتبطة بالأمر، تفسيرا روحيا، ويقولون مع تشارلس هودخ وهو بطل من أبطال التفسير الروحي، انه من الغريب حقا إن العهد الجديد لم يتعرض قط لهذه العودة الحرفية، لو إن الرجوع كان من الأمور الحتمية المخبأة في طيات المستقبل، كما إن التفسير الحرفي يقود إلى نتائج غريبة وشاذة، إذ يعود الملك داود ليحكم هو على الشعب وليس السيد المسيح كما جاء في نبوات حزقيال : “24وَدَاوُدُ عَبْدِي يَكُونُ مَلِكاً عَلَيْهِمْ, وَيَكُونُ لِجَمِيعِهِمْ رَاعٍ وَاحِدٌ, فَيَسْلُكُونَ فِي أَحْكَـامِي وَيَحْفَظُونَ فَرَائِضِي وَيَعْمَلُونَ بِهَا.”(حز37: 24).. كما إن هذه النبوات تتحدث كثيرا عن النظام اللاوي في تقديم الذبائح (حزقيال إصحاح 40- 46).. مع إن هذا النظام قد انتهى بذبيحة المسيح والصليب إلى الأبد، أو كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: “11فَلَوْ كَانَ بِالْكَهَنُوتِ اللاَّوِيِّ كَمَالٌ- إذ الشَّعْبُ أَخَذَ النَّامُوسَ عَلَيْهِ- مَاذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ بَعْدُ إلى أَنْ يَقُومَ كَاهِنٌ آخَرُ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِيصَادِقَ…18 فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَال ُالْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضُعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا” (عب7: 11، 18).. ويستندون في هذا التفسير الروحي إلى إن المسيحيين المؤمنين دعوا في العهد الجديد نسل إبراهيم: “28لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. 29فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ فَأَنْتُمْ إذا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ. (غل3: 28، 29).. كما إنهم هم إسرائيل بالمعنى الحرفي أو “إسرائيل الله” : “15لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لَيْسَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئاً وَلاَ الْغُرْلَةُ، بَل ِالْخَلِيقَةُ الْجَدِيدَةُ. 16فَكُلّ ُالَّذِين َيَسْلُكُون َبِحَسَب ِهَذَا الْقَانُونِ عَلَيْهِمْ سَلاَمٌ وَرَحْمَةٌ، وَعَلَى إِسْرَائِيلِ اللهِ.” (غل6: 15، 16)..كما إن الكهنوت المسيحي والذبائح الروحية لا علاقة لهما البتة بالنظام الحرفي والمادي اليهودي : “1فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ.”.(رو12:!). “15فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ لِلَّهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ. 16وَلَكِنْ لاَ تَنْسُوا فِعْل َالْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأَنَّهُ بِذَبَائِحَ مِثْلِ هَذِهِ يُسَرُّ اللهُ.”(عب13: 15، 16).. أما اليهود كجنس، فلا شبهة في إن التفسير الصحيح للإنجيل يقطع بأنهم سيبقون عميانا، وضع البرقع على قلوي، حتى يرفع، وتنفتح عيونهم ليرجعوا إلى المسيح الذي رفضوه وصلبوه.. وهذا ما يذكره الرسول بولس على نحو مطول حاسم في الإصحاحات التاسع والعاشر والحادي عشر من الرسالة إلى أهل رومية!!..
فإذا انتهينا من هذا كله تعين إن ندرك إن الألف سنة هي العصر الذهبي المجيد في تاريخ المسيحية، وان هذا العصر لا يمكن إن يقل بهاء أو مجد في معناه الروحي، عن مجيء المسيح الحرفي المنظور حسب النظرية الأخرى، إذ ستسود مبادئ المسيح، وتمتلئ الأرض كلها من مجده، ويعيش الناس تحت لواء السيد الواحد والملك الفريد، وتنعم الأرض بالسلام والازدهار والخير والبركة، يوم تنتهي كل المجاعات، والضيق، والتعاسة، والمعاناة، والحروب، على نحو لم تعرفه البشرية على وجه الإطلاق في تاريخها المتعب الطويل!!..
ويأتي في اثر ذلك السؤال الذي لابد منه وهو: هل هذه الألف سنة حرفية، أم هي تاريخ طويل غير محدد!!؟ ومتى تبدأ وهل تكون غلبة الإنجيل فيها كاملة أم تأخذ صورة قريبة من الكمال والتمام فقط!!؟
والإجابة هنا مختلفة بين أصحاب النظرية ومؤيديها، فهناك أولا الرأي القديم الذي ينادي بان الألف سنة هي فترة طويلة غير محددة بين المجيء الأول والثاني للسيد المسيح، وان المسيح قد قيد الشيطان بالصليب إذ أشهره جهارا ظافرا به، وان الشيطان ليس له القوة الكاملة بعد الصليب ليفعل ما يشاء، ويسيطر كما يريد، على النطاق الواسع الذي ساد فيه العالم بالسقوط.. ولكن هذا الرأي لا يمكن إن يثبت من ذات كلام المسيح، إذ لا يعقل إن يكون العصر الذهبي للمسيحية هو العصر الذي ظهرت في جانب كبير منه علامات الاضطهاد والارتداد والثورات والحروب والقلاقل والمجاعات وما أشبه!!.. ومن ثم فقد عدل كثيرون عن هذا الرأي إلى الأخذ بان الألف سنة فترة غير محددة تقع قبل القيامة والدينونة، وهي الفترة التي لا ينازع فيها سلطان الإنجيل ومجد ابن الله في الأرض!!.
أما الذين يعتقدون بان الألف سنة لابد إن تكون فترة محددة، فقد اختلف تحديدهم لبدايتها ونهايتها.. فحددها بعضهم مبتداه من الإمبراطور قسطنطين أول إمبراطور مسيحي في التاريخ، وحددها آخرون من الإمبراطور شارلمان علم 800م، وقال واحد من أصحاب هذا الرأي الأخير وهو هنجستنبرج، إن السنوات أخيرة بعد تمام الألف السنة، هي فترة الارتداد التي بدأت من القرن التاسع عشر.. ولكن من المسلم به، إن هذا الرأي غير صحيح وغير سديد على الإطلاق، لسبب صغير يسير، إن الشطر الأكبر لهذا التاريخ- وليس مجرد الفترة المذكورة _ كان من أتعس واشر المراحل الروحية في تاريخ الكنيسة، وأدناها إلى الظلمة والفساد، مما لا يمكن إن يوصف في قرب أو بعد بالعصر الذهبي المجيد في ملك المسيح!!..
ويوجد من يعتقد إن الألف سنة مرتبطة بفكرة “اليوم السابع” في عمر البشرية بالمعنى المشار إليه في نظرية: “المجيء قبل الألف”.. مع هذا الفارق انه مجيء روحي، وليس منظورا كالذي ينادي به في النظرية الأخرى!!..
وأيا كان الخلاف حول ميعاد الألف سنة أو تحديد وقتها، فان أصحاب النظرية متفقون، على المعنى الروحي فيها، وإنها ستكون المع وامجد العصور في التاريخ البشري كله، كما يتفقون أيضا على إن الشيطان سيحل في نهايتها لزمن يسير، ليقضي عليه المسيح في أخر المعارك الروحية الحاسمة!!..
الرأي التوفيقي بين النظريتين
وان وقد عرضنا للنظريتين في قصد وإيجاز، يطوف ولا شك بنا هذا السؤال أي النظريتين ولى بالقبول واصح!!؟.. ومع إن الإجابة ليست من السهولة بمكان، إذ إن للنظريتين أنصارهما الأقوياء في التاريخ، كما إن الحق الإلهي فيهما أوسع من أذهان الناس، ولا يجوز لواحد مهما كان شانهن إن يعتقد إن تفسيره، هو التفسير الواحد الصحيح النهائي في أمور، جعلها الله في سلطانه وحكمته العالية، إلا انه لا يمنع إن يرجح ما يستريح إليه من تفسير،.. وهو التفسير ألواح الصحيح النهائي في أمور، جعله الله في سلطانه وحكمته العالية، إلا انه لا يمنع إن يرجح ما يستريح إليه من تفسير.. وإني شخصيًا منذ سنوات كثيرة، أحاول بعيدا عن كل المؤثرات، التي يتعرض لها الباحث فكريا أو عاطفيًا في هذا الموضوع، إن احدد موقفي من التفسيرات والآراء المتعددة لهذا الموضوع، وأظن إني أصبحت أميل بعد عمق التأمل، إلى ما يمكن إن أطلق عليه الرأي التوفيق بين النظريتين، وهو القدر المتيقن من الحقائق الأساسية التي لا شبهة فيها على الإطلاق!!.. والحقائق الواضحة هي:
أولا: الحقيقة تجاه الجنس اليهودي الموجود على الأرض: وهي حقيقة مؤلمة وقاسية وشديدة، إذ انه سيتعرض قبل الملك الألفي “للضيقة العظيمة” وهي ارهب الضيقات التي عرفها في تاريخها لطويل على الأرض، وانه مهما يظن إن قواعده مستقرة، وفد قدرته أن يلعب الشعوب سياسيا واقتصاديا، فانه لا يمكن أن يعرف هدوءه وأمنه وراحته واستقراره، قبل عودته إلى المسيح وقبوله مخلصا وفاديا وربا، إن الآلام والمتاعب والعذابات التي عاناها هذا العشب جاءت نتيجة صلبه المسيح ورفضه إياه، وقوله-أي الشعب اليهودي- المفجع يوم الصليب: “ دمه علينا وعلى أولادنا”.. وان ألفي عام تشهد بصدق نبوة المسيح عنهم عندما قال لهم: “أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَل ِالرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا؟ 43 لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنّ َمَلَكُوتَ اللَّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. 44 ومَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ». (مت21: 42-44).. كما إن الرسول بولس فسر هذه الحقيقة بالقول: “لِمَاذَا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. فَإِنَّهُمُ اصْطَدَمُوا بِحَجَرِ الصَّدْمَةِ.33 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «هَا أَنَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى»». (رو 9: 32، 33).. وستبقى حياتهم على الدوام في خط مستمر من الرض والصدمة والعثرة والسحق حتى يعودوا إلى الفادي إلي جهلوه وأنكروه!!.. والقول بغير ذلك ليس كتابيا على الإطلاق!!..
ثانيا: والحقيقة الثانية إننا نحن ألان على أبواب الملك الألفي للمسيح في مجده العظيم.. وان المسيح آت سريعا مهما يختلف في فهم هذا المجيء أو أسلوبه، إذ إن جميع العلامات السابقة قد تمت أو كادت، وان البشرية قد نضجت لهذا المجيء وتقف على حافته.. وان النظرة الصادقة له تبين إن الفارق بين النظريتين – من الوجهة العملية – معدوم.. فإذا جاء المسيح بالمعنى الحرفي المنظور، فان صورة الأرض كلها ستتغير، وسيصبح كل شيء محكوما بالدين والحق والخير والنعمة والمحبة والسلام وما أشبه من مثل وفضائل، وتتعانق الحياة الروحية والمدنية بين الناس في كل مكان.. ونفس الأمر يحدث تماما إذا جاء بالمعنى الروحي الكاسح العظيم، ويصبح يوم الخمسين مثلا ورمزا لما يمكن إن يفعله الروح القدس في كل امة تحت السماء،.. فإذا عن القارئ بعد ذلك إن يسال – إلى جانب الرأي التوفيقي- ولكن إلى أي النظريتين اقترب أنا شخصيا!!؟ أقول له دون أدنى شبهة إني اقرب وأميل إلى النظرية الروحية، وذلك إن جميع الأفكار والتفسيرات التي ينادي بها أصحاب الملك الحرفي ما تزال عاجزة عن إقناع ذهني بالكثير من الصعاب التي سبقت الإشارة إليها في عرض هذه النظرية.. كما إني لا استطيع إن أتصور إن أي ملك حرفي للسيد المسيح في الأرض، مهما حقق من سعادة أو مجد للناس، يمكن إن يداني مجده السماوي الذي يسيطر به على قلبي وعلى قلوب كل الناس كملك الملوك ورب الأرباب،.. فإذا جاء السؤال الأخر، ولكن ما قولك في إن العالم في وصفه البشع الحاضر لا يمكن إن يشجع على الإطلاق، حتى النظرية الروحية التي تؤمن بها!!؟ وكيف يمكن تذليل الصعاب الفكرية الواضحة بين الأمل البراق والواقع المفجع المشاهد ألان في كل مكان!!؟.. أقول بغير تردد إن هذا الواقع بالذات قد يكون واحدا من الأسباب التي تدعو لمجيء المسيح سريعا إلى القارص، فهو خلاصة العلامات السابقة على مجيئه..!! وإذا كان قد حدث على سبيل المثال حوار بين اثنين عن الحرب العالمية الثانية، فقال الأول: إذا كان هناك اله موجود فكيف يمكن إن يمسح بمثل هذا الدمار الرهيب الذي جاءت به الحرب!!؟.. وكان جواب الثاني: إن هذه الحرب هي التي جعلتني أؤمن بوجود الله!!؟ ويقصد انه لا يستطيع إن يتصور البتة عالما يتحول الناس فيه إلى وحوش دون إن يكون هناك اله ديان عادل!.. والمسيح هو الواحد الذي يستطيع إن يغير كل شيء في عالمنا هذا، بعد إن جرب البشر دون جدوى كل الوسائل والأساليب التي تخطر ببالهم في تغيير وإصلاح الحياة البشرية!!.. كما إني أؤمن بان قدرة السيد وقوته بلا حدود، وانه يستطيع إن يفعل في يوم واحد ما يحتاج في تصور الناس إلى ألف سنة!!.. كما إني أؤمن بان اشد الظلمة ما كانت خلف الباب، أو التي تسبق الفجر على الدوام،.. وانه يأتي عادة في الهزيع الرابع من الليل!!.. كما إني اعتقد إن الألف سنة المشار إليها في سفر الرؤية، لا يمكن إن تكون طوال الفترة بين المجيء الأول والمجيء الثاني، إذ لا استطيع إن أتصور إن قرون العذاب والظلام التي عاشتها الكنيسة جزء من ملكوت الفادي المزدهر على هذه الأرض!!.. ومن ذا الذي يجرؤ على القول إن االملكوت،د نخر فيها الفساد مئات السنين حتى جاء عصر الإصلاح والنهضة، كذلك تعيش في الملك الألفي السعيد.
إن هناك فرقا واضحا بين بدء هذا الملكوت، وبين ازدهاره وعظمته ومجده،.. ومن السهل أن يقال إن الملكوت بدا بمجيء المسيح إلى العالم.. فقد بدا المعمدان كرازته قائلا: “توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات” (مت3: 2).. كما إن السيد قال للفريسيين: “ ولكن إن كنت أنا بروح الله اخرج الشياطين فقد اقبل عليكم ملكوت الله” (مت12: 28).. وبين أن هذا الملكوت يبدأ في الخفاء في داخل القلب: “لان ها ملكوت الله داخلكم” (لو17: 21).. أو حبة خردل تصبح فيما بعد شجرة كبيرة تتأوى في أغصانها طيور السماء.. اجل!!.. وهناك فارق بين منظر الحجر الصغير الذي قطع بغير يدين.. وهذا الحجر عندما تحول جبلا كبيرا يملا الأرض كلها!!..
والملك الألفي على هذا الأساس، ليس هو الحجر عندما نراه في بدء مظهره.. بل هو الملكوت عندما يبدو في منظر الجبل الذي يملا الأرض كلها!!.. عندما: “وَفِي أَيَّامِ هَؤُلاَءِ الْمُلُوكِ يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هَذِهِ الْمَمَالِكِ وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ.” (دا 2: 44)…
وإذا كان السيد المسيح قد علمنا، مع هذا كله، أو لهذا كله، إن نصلي من اجل مجيء الملكوت ونموه وامتداده في الصلاة الربانية : “ليأت ملكوتك”.. فلا يمكن إن يكون هذا الملكوت حقيقة منتهية واقعة في نظر السيد بل أملا جديدا مجيدا حقيقيا لابد إن تأتي به الأيام، ويتمخض عنه في المستقبل!!..
وإذا كانت المسيحية قد عرفت في النهضات على وجه باهر تجديد الأفراد والجماعات، على مثل ما حدث يوم الخمسين، فان المسيح لابد إن يأتي في شيء أكثر من ذلك، فتغيير أمم بأكملها تحقيقا لنبوة اشعياء: “مَنْ سَمِعَ مِثْلَ هَذَا؟ مَنْ رَأَى مِثْلَ هَذِهِ؟ هَلْ تَمْخَضُ بِلاَدٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ تُولَدُ أُمَّةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً؟ فَقَدْ مَخَضَتْ صِهْيَوْنُ بَلْ وَلَدَتْ بَنِيهَا!” (اش66: 8).. وهذا لا يمكن إن يتم إلا في مجد المسيحية في الملك الألفي العظيم!!..
إن ملايين الناس على الأرض تغني : إن يتعالى اسم فادينا وان تمتلئ الأرض كلها من مجده!!.. ولا يمكن إن تكون هذه إلا أغنية الإيمان للعالم في الملك الألفي السعيد…
وغاية ما ننتهي به لهذا كله إن الملك الألفي على الأبواب، وان بهاؤه الروحي عندما يتم على الأرض كلها يتفوق على كل ما هو حرفي أو مادي أو منظور!!
ثالثا: ومن المسلم به أخيرا عند أصحاب النظريتين إن الشيطان سيحل بعد ذلك زمانا يسيرا ليأخذ محاولته الأخيرة في تدمير هذا الملكوت، ليقضي عليه المسيح في معركة نهائية فاصلة، وتأتي بعد ذلك القيامة العامة، والدينونة الأخيرة، لتطوي أخر صفحات القصة البشرية على هذه الأرض!!..
خامسا: المجيء الثاني واستعداده
والآن بقيت الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع كله وهي كيف نفكر في هذا المجيء ونترقبه ونستعد له. وواضح إن هذا الاستعداد لا ينبغي إن يكون بمجرد “الحساب” لمعرفة الوقت أو تحديده، كما درج الكثيرون في مختلف العصور على ذلك، ممن كان شاغلهم الشاغل معرفة الموز والأرقام ومن يكون “الوحش” أو ” النبي الكذاب” أو “666” أو غير ذلك من الإشارات أو الرموز، إذ لا يمكن إن يكون القصد الإلهي من ذكر الموضوع في الكتاب إن نجعله مسلاة أو ملهاة لإمتاع الذهن أو إرواء العاطفة أو إشباع الفضول، إذ إن قصد الله ولا شك بإعلان هذا الموضوع الحيوي الخطير قصد سام عظيم مهيب مجيد يستهدف تحذير البشر وتنبيههم الدائم للمصير الأبدي الذي لابد إن يكون، كما إن هذا الاستعداد لا ينبغي إن يكون “بالتعصب” لفكرة واحدة معينة بالذات قد تورث اليأس أو تدعو إلى التكاسل، إذ لا يجوز مثلا إن يهمل الآخذون بفكرة المجيء قبل الألف التبشير والمناداة بالإنجيل لمجرد عقيدتهم في إن الإنجيل لن يكسب العالم كله للمسيح، كما لا يجوز لطرف الأخر إن يكف عن تصور إن المسيح قد يأتي منظورا في الحال بين لحظة وأخرى..
إن الاستعداد الصحيح السليم للمجيء متركز في قول السيد المسيح لتلاميذه بعد إن حدثهم عنه: “ انظروا، اسهروا وصلوا لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت” (مر13: 33). أو في لغة أخرى إن على المؤمنين تجاه المجيء الثاني أمرين أساسيين لا أكثر ولا اقل وهما السهر والصلاة، إما السهر فيكون على الدوام بالانتظار والتشدد والخدمة، إذ إن الساهر هو ذلك الإنسان المنتظر الذي يتوقع مجيء سيده بين الحين والأخر، وقد كان القديسون القدماء أفضل منا كثيرا في هذا الأمر، إذ كانت هتافاتهم الدائمة. “ماران اثا”، أي “الرب قريب” “آت سريعا” “أمين تعال أيها الرب يسوع”.. إن الواجب المسيحي الدائم هو انتظار المجيء بكل شوق ورغبة وتلهف..
كما ينبغي إن تكون في سهرنا متشددين، إذ لا يجوز إن تروعنا أية متاعب أو تفزعنا أية صعاب مادام مجيء السيد على الأبواب. وعلينا إلا نكون في سهرنا خاملين أو كسولين، بل إن نخدم بكل ما نملك أو نعطى من وزنة أو طاقة عالمين بأنَّه: “لا بد إننا جميعا نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرا كان أم شرا” (2كو 5: 10). وليكن جوابنا للحياة أو العالم ما قاله كلفن عندما طلب إليه البعض أن يهدا أو يستريح قليلا في الخدمة، فأجاب: “وماذا افعل إذا جاء المسيح ووجدني مستريح!!؟”.
أما الصلاة فهي دعوة المشوق والمحتاج، والمصلح، وهل هناك شوق يمكن أن يعدل شوق المؤمن بمجيء سيده ومخلصه وحبيبه وفاديه.. لقد كانت أخر كلمات المسيح في سفر الرؤيا: “نعم. إني أتي سريعا” (رؤ22: 20) وعندئذ هتف يوحنا مصليا على الفور بصلاة كل مسيحي مشوق إلى سيده في كل عصر وجيل: “أمين تعال أيها الرب يسوع” ولعله من الواجب أن تحتل هذه الصلاة المشوقة مكان الصدارة من صلواتنا اليومية في كل مقام ومجال.. على إن الصلاة إلى جانب ذلك صلاة المحتاج إلى مجيء السيد، للخلاص من كل ما في العالم من تجارب، ومآس ودموع وخطايا وإحزان، ولا سبيل إلى القضاء عليها نهائيا والى الأبد إلا بمجيئه الثاني المبارك العتيد .. وهل من شك إن صلوات المؤمنين ولجاجتهم في الأمر لها أعمق الأثر في قلب الله حتى يدنى أو يقرب هذا اليوم السعيد.
وأخيرا فان الصلاة هي دعوة المصلح الذي يرغب في القضاء الأبدي على كافة الأوضاع التعسة والشريرة والمقلوبة في الأرض، ولا يمكن أن يحدث هذا أو يتم في جلاله وكماله قبل أن يقود المسيح المعركة الأخيرة، ويقضي على إبليس وجنوده، ويقف الجميع أمام العرش العظيم الأبيض في الحساب الأخير.. ما أحوجنا إذا – بعد هذا كله – إلى أن نصيح بكل ما فينا من شوق وقوة وبهجة وحماس ويقين ومحبة: “آمين تعال أيها الرب يسوع”.