إيماني 20 | إيماني بيوم الرب

يوم السبت وأساسه التاريخي
وليس هناك من شبهة في إن الأساس التاريخي لتقديس هذا اليوم وتخصيصه من بين أيام الأسبوع للعبادة والراحة، يرجع بادئ ذي بدء إلى انه يشير إلى علاقة الإنسان بالله كخالق ومعتن، فالوصية الرابعة القائلة: “اذكر يوم السبت لتقدسه” (خر20: 8) تبين بالقول “اذكر” أن هناك شيئا كان معروفا وقائما يحتاج الإنسان أن يتنبه له ويتحفظ من إهماله… وفي الواقع إن هذه الوصية تعود بالفكر إلى فجر التاريخ البشري عندما صنع الله الخليقة: “2وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. 3وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَقَدَّسَهُ لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقاً.(تك2: 2، 3) وقد كان على الإنسان آن يتعبد في هذا اليوم ويقدسه ليذكر علاقته بالله الخالق، وهو أن يذكر هذه العلاقة يتذكر على الدوام إن الخليقة لم تنشا من تلقاء نفسها، بل خلقها الله بقوته وحكمته السرمدية، وأكثر من ذلك إن الله جعل الإنسان تاج الخليقة ومجدها، وانه تعالى إذ خلقه أخر الكل، إنما فعل ذلك ليعد له ويرتب جميع ما يحتاج إليه في الأرض، فهو بذلك الخالق المحب الودود… هذا هو الأساس التاريخي الأول لتقديس هذا اليوم للعبادة والراحة.
على انه في الوقت نفسه لا ينبغي أن ننسى إن هذه الوصية بالذات أخذت مظهرا خاصا بالعبرانيين وحدهم، إذ كان حفظ السبت مقترنا عندهم بعلاقتهم بالله كمحرر ومنقذ، إذ جاء القول الإلهي : “15وَاذْكُرْ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْداً فِي أَرْضِ مِصْرَ فَأَخْرَجَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ هُنَاكَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ. لأَجْلِ ذَلِكَ أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ أَنْ تَحْفَظَ يَوْمَ السَّبْتِ.”(تث5: 15) ومن الملاحظ إن الله نظم بالوصية تصرفات الإنسان، لا في يوم السبت وحده، بل في كل الأسبوع: “14وَأَمَّا اليَوْمُ السَّابِعُ فَسَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ لا تَعْمَل فِيهِ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ وَكُلُّ بَهَائِمِكَ وَنَزِيلُكَ الذِي فِي أَبْوَابِكَ لِيَسْتَرِيحَ عَبْدُكَ وَأَمَتُكَ مِثْلكَ.(تث5: 14) أو في لغة أخرى إن الوصية لا توصي بالراحة فحسب بل بالعمل أيضا، لقد صنع الله الستة أيام للعمل والخدمة في الأرض، ومن لا يعمل ويخدم يكسر الوصية، وفي اليوم السابع يتعين – سلبيا – عدم العمل بالامتناع عن كل ما يتعب الجسد والذهن والنفس، وما يدور في فلك الإنسان من أهل بيت وحيوان – وايجابيا- بالارتفاع بالحياة الإنسانية إلى شركة اسمي واعلي مع الله، وبمعنى اشمل إن الوصية توصي بالراحة والعبادة معا، دون أن تستبد احدهما بالأخرى، فلا تضيع في الراحة العبادة، وإلا كانت راحة جسدية لا نصيب للنفس والروح بها، كما لا ينبغي أن تضيع الراحة العبادة، وإلا ضعف وانحل الجسد الذي يمارس العبادة…
وعندما جاءت المسيحية حل الأحد محل السبت كما سيبين من مختلف البراهين التي سنعرض لوعلمهم”.عد، ولعل يوستنيان الشهيد من أوائل من كشفوا في التاريخ المسيحي عن الأساس لهذه الحلول، إذ قال عام 140م في دفاعه المشهور ما نصه: “وعن يوم الأحد فنحن نعقد فيه اجتماعنا المشترك، لان اليوم الأول هو اليوم الذي بدد الله فيه الظلمة عندما صنع العالم، وهو اليوم الذي قام فيه مخلصنا من الأموات. ففي اليوم السابق على السبت صلبوه، وفي اليوم اللاحق للسبت يوم الأحد ظهر لتلاميذه وعلمهم”. وهذه الوثيقة التاريخية وغيرها من الوثائق تبين لماذا احتل الأحد المكانة التاريخية التليدة كيوم الرب بدلا من السبت، لأنه إذا كان السبت يشير إلى عمل الله في الخليقة الجديدة في المسيح. وإذا كان السبت عند اليهود يرمز إلى الراحة من العبودية الأرضية، فان الأحد عند المسيحيين يرمز إلى الراحة من عبودية الإثم والخطية، إذ هو يوم قيامة سيدهم الذي حررهم من العبودية، بل هو أكثر من ذلك رمز وإشارة إلى الراحة الأبدية في المجد، كما يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: “3لأَنَّنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ نَدْخُلُ الرَّاحَةَ، كَمَا قَالَ: «حَتَّى أَقْسَمْتُ فِي غَضَبِي لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي!» مَعَ كَوْنِ الأَعْمَالِ قَدْ أُكْمِلَتْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. 4لأَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ عَنِ السَّابِعِ: «وَاسْتَرَاحَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ». 5وَفِي هَذَا أَيْضاً: «لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي». 6فَإِذْ بَقِيَ أَنَّ قَوْماً يَدْخُلُونَهَا، وَالَّذِينَ بُشِّرُوا أَوَّلاً لَمْ يَدْخُلُوا لِسَبَبِ الْعِصْيَانِ، 7يُعَيِّنُ أَيْضاً يَوْماً قَائِلاً فِي دَاوُدَ: «الْيَوْمَ» بَعْدَ زَمَانٍ هَذَا مِقْدَارُهُ، كَمَا قِيلَ: «الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ». 8لأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَشُوعُ قَدْ أَرَاحَهُمْ لَمَا تَكَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ يَوْمٍ آخَرَ.”(عب4: 3–8).هذا هو الأساس التاريخي بالنسبة ليوم الرب سواء في ذلك ما قبل الناموس أو بعده، كما أضحى عند المسيحيين ممثلا في يوم الأحد بقيامة المسيح يسوع مخلصنا من الأموات.
يوم الرب وكيف قدسه المسيح
رسم السيد المسيح بحياته وأعماله الطريق المثلى لتقديس يوم الرب، هناك على الأقل ثلاث أمور واضحة قام بها المسيح يوم السبت وهي العبادة، وأعمال الضرورة وأعمال الرحمة !!..
أما العبادة فواضحة في القول : “ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت” (لو4: 16) وهذه عبارة تشير إلى تمكن هذه العادة في نفسه، فيها توبيخ ظاهر لمن يهملون الذهاب إلى بيت الله، ومن ينصرفون عن العبادة في يومه المقدس أو من يظنون إن التعود على الذهاب إلى الكنيسة ليس أمرا ضروريا محتوما، إن الظروف والحوادث والأشغال وما أشبه من الجائز أن تعطلهم أو تقلل من اهتمامهم بتكريس يوم الرب في العبادة الجمهورية … دعي احد الرعاة ليعول عجوزا امتدت به الأيامووقف على حافة النهاية، وإذ دخل الراعي دار الحديث عن الدين والحياة الأبدية قال العجوز: “إني أسف لأني قضيت حياتي مشغولا بأعمال كثيرة، لدرجة انه لم تكن لي فرصة للاهتمام بالأمور الدينية والذهاب إلى بيت الله”.علق الراعي على ذلك بالقول: “لقد كان له في حياته أربعة ألاف احد” !..
والى جانب العبادة أجاز المسيح بل اوجب أعمال الضرورة إذ سمح لتلاميذه أن يقطفوا سنابل القمح ويأكلونها يوم السبت، ولما احتج الفريسيون على ذلك، إذ أنالتقاليد المتوارثة عندهم كانت تمنع مثل هذا الأمر، فعمل التلاميذ في نظرهم كان أكثر من مجرد الأكل، إذ إن قطف السنابل كان بمثابة حصاد، وفركها بمثابة درس، ونفخها بمثابة تذرية، أما المسيح فقد رأى في هذا كلها تقاليد لا تمت إلى السبت بصلة، وعاد بهم إلى ما فعل داود عندما جاع، ولم يجد أمامه سوى خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلا للكهنة، فأخذه واكله وأعطى الذين كانوا معه أيضا فأكلوا.. وبين لهم إن السبت خلق للإنسان أي لفائدته وخيره وبهجته ولذته، لا الإنسان للسبت ليحكم فيه ويتحكم في ضروراته، كما بين انه رب السبت الذي يستطيع أن يفسر ما يجب وما يليق عمله يوم السبي..
وأخيرا فالي جانب أعمال الضرورة بن المسيح أن فعل الخير واجب مفضل وأساسي يوم السبت، وكم له من معجزات صنعها في هذا اليوم، وقد كانت هذه المعجزات سبب حفيظة اليهود وتأمرهم عليه، وقد حدث ذات مرة انه شفى امرأة كان بها روح ضعف منذ ثمانية عشر سنة، في احد المجامع، وإذا احتج رئيس المجمع على الإبراء في السبت ضاق المسيح بهذا الاحتجاج إذ رأى في طياته رياء الرجل ونفاقه، فالتقليد اليهودي كان يجيز حل الحمار أو الثور يوم السبت والذهاب به ليشرب، ولا شك إن هذا الرجل استنادا على هذا التقليد أجاز لنفسه مثل هذا العمل، ولكن رياء دفعه إلى أن يجيز لحيوانه – مادام في ذلك نفعه ومصلحته – مما لا ينبغي أو يجوز للمرأة المسكينة .. أما المسيح فقد رأى ضرورة عمل الخير يوم السبت، كيف لا والسبت نفسه قد صنع أصلا لخير الإنسان، فهل ينتهي به التقليد إلى تحريم الخير فيه؟ !!..
في الواقع إن السيد رسم بوضوح ما يجوز أو لا يجوز فعله في يوم الرب، وطريقته هي الطريقة المثلى لفهم الحلال والحرام فيه!!..
يوم الرب وكيف حل الأحد فيه محل السبت
على إن السؤال الذي لابد من الإجابة عليه بعد كل هذا هو كيف حل الأحد عند المسيحيين محل السبت؟ ||.. ولماذا يثر بين المسحيين أي خلاف حول هذا الموضوع، في التاريخ المسيحي كله شرقا وغربا، حتى ظهرت جماعة السبتيين لتزعم في منتصف القرن التاسع عشر بشيء يخالف الإجماع المسيحي الدائم!؟. في الواقع إن هناك براهين متعددة قطعية تثبت هذا الحلول ولا يستطيع غير المكابر أو المعاند تجاهلها وهاكم هي :
1– النص الكتابي الصريح بعدم التمسك بالسبت
وقد جاء هذا النص في قول الرسول بولس: “فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ احَدٌ فِي أكْلٍ أو شُرْبٍ، أو مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أو هِلاَلٍ أو سَبْتٍ. “(كو2: 16) وهذا النص قاطع ويغني عن الاجتهاد من أي وجه فسرناه فكلمة “سبت” واضحة صريحة لا غموض فيها، فان فسرناها التفسير الصحيح السليم، وقلنا إن الرسول هنا يقاوم جميع النزعات والطقوس والنظم اليهودية التي حاولت أن تتسلل للمسيحية بما فيها المحافظة على يوم السبت والتمسك به كما يتمسك به اليهود، لبدا التفسير واضحا صريحا شاملا لا لبس فيه، وإذا ا فترضنا جدلا إن الرسول لم يكن يعني يوم السبت بمعنى اليوم السابع من الأسبوع، وانه كان يعني شيئا أخر كسبوت الأعياد التي ظن السبتيون إنها تخرج من المأزق، فان الأمر مع ذلك لا يمكن إن يحل الموضوع، لان الرسول كان لابد أن يورد تحفظا على القاعدة التي أطلقها، إذ لا يعقل أن يمس السبت مادام له هذه الأهمية، ومادام هو أعظم علامة في عرف السبتيين على المسيحي، وفي الوقت نفسه يغفل على التفرقة السبت كعيد والسبت كيوم سابع، وعلى الأخص إن الرسول لم يتحدث هنا في لغة الإجمال بل في لغة التفصيل الدقيق، عن الأكل، والشرب، والعيد السنوي، والهلال شهريا، والسبت أسبوعيا.. فإذا كان الرسول قد فرق بين العيد والهلال والسبت فكيف غفل عن أن يتحفظ بالنسبة للسبت فلا يفرق أو يحذر أو ينبه من انه لا يعني اليوم السابع، وقد جاء اللفظ شاملا كاملا من غير تحديد.. في الواقع إن الرسول إن كان قد فكر في السبت فهو لم يفكر فيه كما يفكر السبتيين، وإلا لكان قد صنع ألف تحفظ وتحذير عندما جاء ذكره.. بل فكر في وضع نص صريح يمنع التمسك به أو العودة إليه.
2– قيامة المسيح وظهوره يوم الأحد
ومن المسلم به إن أعمال الله في صغيرها وكبيرها لا صدفة فيها، ولا يمكن أن يقال انه جاء من قبيل المصادفة، حرص البشيرين الأربعة على تدوين حدوث القيامة يوم الأحد، فمتى يقول: “وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع” (مت28: 1) ومرقس يذكر : “ وبعدما مضى السبت. وباكرا جدا في أول الأسبوع” (مر16: 1، 2). ولوقا يقرر: “ثم في أول الأسبوع أول الفجر” (لو24: 1). ويوحنا يدون: “وفي أول الأسبوع” (يو20: 1) : لا يمكن أن يحدث مثل هذا في القيامة التي تعد حجر الزاوية في الإيمان المسيحي ما لم يكن هناك قصد الهي، في ربط القيامة بيوم الأحد.. فما المغزى بعد هذا في أن يقوم المسيح يوم الأحد؟ !! ثم أن يدون ذلك أربع مرات؟ !! ثم يظهر المسيح في ذات اليوم أكثر من مرة لتلاميذه !! فإذا افترضنا إن كل هذا حدث من غير مغزى، وان الأمر كان تسجيل للحوادث التي حدثت في يوم القيامة من غير قصد يربطها بيوم الأحد، فانه يكون حقا من الغريب والعجيب أن يكون الظهور التالي للتلاميذ وتوما معهم في يوم الأحد لا يوم السبت .. ولو أن المسيح كان يقصد أن نهتم بالسبت لا الأحد، لكان على الأقل فعل شيئا واحدا يثير انتباهنا إلى السبت لا الأحد، ما بين قيامته وصعوده، ولكن العكس هو الذي حدث على طول الخط.
3– حلول الروح القدس وميلاد الكنيسة يوم الأحد
ومن الحقائق العظيمة إن عصر الروح القدس وبدء تاريخ الكنيسة المسيحية لم يحدث يوم سبت بل حدث يوم احد، ولو إن السبت له هذه المكانة العجيبة الفائقة في التاريخ، والكنيسة المسيحية، كما يزعم السبتيون لحل الروح القدس وبدأت الكنيسة المسيحية يوم السبت، ولكن من العجيب أن يمر السبت بكامله ولا تولد الكنيسة إلا يوم الأحد، فمن المعلوم إن يوم الخمسين حدث غد السبت السابع لسبت الفصح ونحن نسال : ياترى هل هذا الأمر جاء مصادفة، أم كانت هناك حكمة مفقودة من أن يكون اظهر عبادة في كل التاريخ المسيحي في يوم احد لا يوم سبت، اليوم الذي انضم فيه إلى الكنيسة ثلاثة ألاف نفس؟.
4– ممارسة العبادة في الكنيسة يوم الأحد
وهل هناك من شك في إن العبادة كانت تمارس في الكنيسة في يوم الأحد في جميع مظاهرها وألوانها، فبولس في ترواس مارس فريضة العشاء الرباني يوم الأحد، والكتاب حريص أن يدون هذه الحقيقة بالقول: “7وَفِي أَوَّلِ الْأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزاً خَاطَبَهُمْ بُولُسُ وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمْضِيَ فِي الْغَدِ” (اع 20: 7) ونحن نسال لماذا يحرص الكتاب على أن يبين إن التلاميذ كانوا مجتمعين ليكسروا الخبز يوم الأحد، إذا لم يكن لهذا اليوم معناه الخاص عندهم؟ ويزداد الأمر تأكيد إن بولس وصحبه استقروا في هذه المدينة سبعة أيام، وليس هناك إشارة إلى اجتماع التلاميذ أو كسر الخبز في يوم السبت السابق على الأحد في أية ساعة من ساعاته الطويلة، وقد كان من البديهي إذا كان يوم السبت هو اليوم المقدس عند التلاميذ أن يتم كسر الخبز فيه لا في يوم الأحد، وإذا ما حاول مكابر أو معاند أن يقول انه من الجائز إن كسر الخبز كان يحدث يوميا طوال الأسبوع، وان كسر الخبز حدث في يوم السبت ثم في يوم الأحد أيضا، لما كان ثمة مبرر لان يشار إلى إن الاجتماع كان يوم الأحد لكسر الخبز حتى ولو كان بولس يسافر في اليوم التالي.. الحقيقة إن هذه العبارة تشير بجلاء إلى عادة التلاميذ في سر الخبز كمظهر من مظاهر العبادة يوم الأحد.
وهناك أيضا ظاهرة العطاء التي كانت تمارس من مطلع التاريخ المسيحي في يوم الأحد، وقد نبر الرسول على ذلك القول: “1وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ لأَجْلِ الْقِدِّيسِينَ فَكَمَا أَوْصَيْتُ كَنَائِسَ غَلاَطِيَّةَ هَكَذَا افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضاً. 2فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ.” (1كو16: 1، 2) وهل من شك في إن الرسول وهو يتحدث بذلك إلى كنائس غلاطية وكورنثوس
عندما ظهر لوحنا في جزيرة بطمس وأعطاه الرؤية العظيمة التي تسجل تاريخ الكنيسة المجاهدة على الأرض لم يحدث هذا في يوم السبت بل حدث في ثوم احد، إذ كان الإجماع تام على إن اليوم المذكور في القول: “كنت في الروح في يوم الرب” (رؤ1: 10) هو يوم الأحد، والسبتيين أنفسهم لا يستطيعون أن ينازعوا ذلك البتة. بل إن عبارة يوحنا تكشف عن يوم الأحد كان يطلق عليه في الكنيسة الأولى دائما يوم الرب، وإذا كان الكتاب حريصا على أن يكشف هذه الحقائق يوم الأحد، فهل يجادل بعد في انه اليوم المقدس الذي حل محل السبت اليهودي؟.
5– شهادة التاريخ المسيحي عن يوم الأحد
فإذا أضيف إلى كل ما سبق أن التاريخ المسيحي يحفظ لنا سلسلة من الشهادات المتواترة عن تقدي يوم الأحد من بدء المسيحية. ويعوزنا الوقت إذا اشرنا إلى هذه الشهادات واحدة فواحدة، ولكن يكفي أن نذكر أن اغناطيوس الذي مات عام 107م تحدث عن عادة المسيحيين في العبادة يوم الأحد، وكذلك فعل اريرانيوس الذي مات 155م، وقد نقلنا فيما سبق شهادة يوستنيان في هذا الأمر، ولا ننسى في هذا المضمار قول ترتليانوس الذي مات عام 200م : “نحن نحسبه خطا أن يصوم الإنسان في يوم الرب” والكتاب الذي كتبه ملتو أسقف ساردس في القرن الثاني عن “يوم الرب”.. هذه الشهادات التي جاءتنا من فجر المسيحية تبين أن المسيحيين من أيام الرسل عرفوا الأحد، وتمسكوا به بكيفية ترتفع على كل مجادلة ونزاع.
6– اتفاق جميع المسيحيين على يوم الأحد
وأخر البراهين التي تؤكد حلول الأحد محل السبت هو اتفاق جميع المسيحيين على تقديسه من بدء التاريخ، ولم يفعل الإمبراطور قسطنطين عام 321م سوى أن يقر الواقع ويجعله عطلة رسمية للمحاكم والتجار والصناع.. والظاهرة الجديرة بالاعتبار انه على رغم الخلافات الكثيرة إلي حدثت بين الشرق والغرب على أمور كثيرة، واستدعت عقد المجامع المسكونية لتقول الكنيسة كلمتها الفاصلة في المواضيع المختلفة عليها، لأنه لم يحدث في كل التاريخ أن ثار نزاع حول السبت و الأحد وكل ما ذكر في هذه المجامع لا يتعدي تأكيد مجمع لاودكية الذي اثبت أن المسيحيين ليسوا مكلفين بحفظ يوم السبت، وقد ظل هذا الإجماع تسعة عشر قرنا من الزمان حتى ظهرت جماعة السبتيين ونبيتهم السيدة الن هوايت، والتي أذاعت فيما بينهم أنها رأت الوصية الرابعة محاطة بهالة من نور، ومن هنا نشا التقديس العجيب المستحدث للسبت عند هذه الجماعة التي شذت على هذا الإجماع المسيحي.. ولا يمكن لأي مسيحي عاقل أن يتصوران الكنيسة المسيحية طوال التسعة عشر قرنا السابقة على ظهور الن هوايت على خطا في تقديس يوم الأحد، والسبتين وحدهم على صواب، ولا يمكن لأحد به ذرة من تفكير أن يقول أن بولس ويوحنا وسائر الرسل وإباء الكنيسة وكل رجال الدين الذين عاشوا خلال تسعة عشر قرنا كانوا خطا، والن هوايت وحدها على صواب.
في الواقع انه ليس ثمة شك بعد كل ما ذكر من أدلة وبراهين على أن الأحد حل بالتأكيد محل السبت كيوم المسيحيين المقدس، ولا يمنعنا هذا من أن ندفع بعض المغالطات التي يتمسك بها الآخذون بيوم السبت. واظهر مغالطة بل وأجراها هي قولهم أن السيد المسيح حفظ السبت ولم يحفظ الأحد، وهذه مغالطة مكشوفة، إذ أن المسيح عاش كيهودي في كل شيء حتى الصليب، ولو أن هذا المنطق سليم لكان من الممكن أن يمتنع المسيح مثلا عن ممارسة الفصح، ويمارس من بداءة الخدمة الجهارية فريضة العشاء الرباني. ولكن هذه الفريضة كيوم الأحد سواء بسواء، لم يكن وقتها قد جاء بعد. فإذا زعم هؤلاء في مغالطة أخرى أن وصية السبت أبدية لا تتغير، اجبنا أن الأحد اخذ مكان السبت بذات الكيفية التي اخذ بها العشاء الرباني مكان الفصح، مع أن هذا الأخير قيل فيه: “14وَيَكُونُ لَكُمْ هَذَا الْيَوْمُ تَذْكَاراً فَتُعَيِّدُونَهُ عِيداً لِلرَّبِّ. فِي أَجْيَالِكُمْ تُعَيِّدُونَهُ فَرِيضَةً أَبَدِيَّةً.(خر12: 14). وكما أخذت المعمودية مكان الختان مع ما قيل عن عهد الختان مع إبراهيم: “13يُخْتَنُ خِتَاناً وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْداً أَبَدِيّاً.”(تك17: 12).
فإذا قالوا في مغالطة ثالثة وأخيرة أن الرسل كانوا يصلون كما هو واضح في سفر الأعمال في يوم السبت، اجبنا بان الرسل درجوا على الذهاب إلى الهيكل أو المجامع في يوم السبت لأنه كما هو ثابت أيضا من سفر أعمال الرسل أن رسالتهم الأولى كانت تبشير اليهود وتحويلهم إلى المسيح، ومن الطبيعي أن ينتهزوا فرصة عبادة اليهود يوم السبت للمناداة برسالة المسيح بينهم، وقد تبينا فيما أسلفنا انه عندما كان المسيحيون يجتمعون معا كمؤمنين وتلاميذ المسيح للعبادة وكسر الخبز والعطاء، كان يومهم المقدس كان يوم الأحد لا السبت.
يوم الرب وامثل الطرق لتقديسه
وإذا انتهينا أخيرا من كل ما يتعلق بيوم الرب وأساسه التاريخي وتقديس المسيح له وحلول الأحد فيه محل السبت، بقي أن نتساءل في كلمات قصار من امثل الطرق وأفضلها، مما يمكن أن تساعدنا على حفظ هذا اليوم المقدس واستخدامه على الوجه الصحيح السليم المنشود.
ويرى الكثيرون في هذا الشأن أن نتعود تقديس اليوم من الصغر، وهنا تقع اكبر مسئولية على الأبوين في تنشئة الصغار على هذه العادة، وتصرف الأبوين هو الذي يجعل من هذا اليوم لذة أو سجنا عند الصغار.. وقد كتب تشارلرس ديكنز في إحدى قصصه يصف رجلا كان يرتاع اشد الروع من سماع أجراس الكنيسة أيام الأحد، لان هذه الأجراس كانت تذكره بأيام طفولته، عندما كان يفرض عليه أبواه نظاما قاسيا دقيقا في الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد، ومع أن الأبوان كانا يهدفان ولا شك إلى تنشئة ابنهما تنشئة دينية كريمة مقدسة، إلا أن أسلوبهما في الأمر كان غير حكيما، وكان ادني إلى التقاليد اليهودية التي أضاعت بهجة السبت ولذته واستبدلتهما سجنا مروعا قاسيا غير رحيم للإنسان، لا الإنسان لليوم !!.
ومن المناسب بناء على هذه القاعدة ملاحظة التوازن التام الدائم بين راحة الجسد وعبادة النفس في كل مراحل الحياة في هذا اليوم المبارك، فلا يجوز أن يستريح الجسد على حساب النفس كما يتصور كثيرون أن هذا اليوم لنومهم وكسلهم وخمولهم بعد المجهود الطويل الذي يبذلونه خلال أيام العمل في الأسبوع، كما لا يجوز من الوجهة المقابل أن تقضي العبادة على الجسد أو تضعفه أو تضنيه أو تفنيه، مما ينتهي بها أخر الأمر إلى الضياع عندما يعجز أو يتلاشى الجسد الذي يقوم بها ويمارسها. وامتداد لهذه القاعدة ينبغي أن نفرق بين مقدرة الصغار والكبار في العبادة أو الخدمة في هذا اليوم فلا نطالب الأولين بذات الوقت أو المجهود الذي ننتظره من الآخرين.
ولا حاجة إلى القول أن مثال المسيح الصالح الذي اشرنا إليه سابقا هو السبيل الوحيد لمعرفة ما هو جائز وغير جائز في هذا اليوم المقدس المبارك، فالعبادة وأعمال الضرورة وأعمال الخير جائزة بل واجبة، ويتعين القيام بها بكل يقين وراحة بال، ولا تثريب على الإنسان في أن يسترد في هذا المضمار أيضا بآراء واختبارات من هم أكثر معرفة ونضوجا من المؤمنين والقديسين، ومن خير ما كتب في هذا الأمر ما كتبه الدكتور جونسون في صحيفته عندما بلغ السادسة والأربعين من العمر، إذ قال انه عاش طوال حياته مكرما لهذا اليوم، والى جانب الواجبات المسيحية التي يؤديها فيه درج على:
1– أن يقوم مبكرا في الصباح، وليتيسر له ذلك كان يذهب إلى الفراش في المساء يوم البت مبكرا أيضا.
2– أن يكون تعبده في صباح الأحد أوفى وأكمل وأطول من أي يوم أخر.
3– أن يمتحن سير حياته، وعلى الأخص في الأسبوع السابق، فيلاحظ أي تقدم أو تأخر في حياته الدينية.
4– أن يقرا الكتاب بتدقيق أكثر ويستعين بالمراجع التي يمكن أن تكون بين يديه.
5– أن يذهب إلى الكنيسة مرتين.
6– أن يقرا الكتب الدينية النظرية أو العملية على حد سواء
7– أن يعلم عائلته.
8– أن يخلع بالتأمل كل بذور تركها العالم في ذهنه خلال الأسبوع.
في الختام يحسن أن يواجه كل واحد منا كما قال احدهم – هذين السؤالين لنفسه: ماذا أنت فاعل بيوم الأحد في حياتك؟.
وماذا يفعل يوم الأحد أيضا في هذه الحياة؟ !!..