أدلة القيامة

قيامة المسيح من الموضوعات التي تعرضت للنقد الشديد؛ لأنها أمر يفوق الخبرة البشرية. فهل قام المسيح حقيقة؟ أم أن القيامة هي مجرد أكاذيب وأوهام؟ وهل نؤمن بالقيامة كحدث تاريخي؟ أم أنها قوة مغيرة في حياة الإنسان؟ إن لم يكن المسيح قد قام فكرازتنا باطلة وإيمانكم باطل. تعالوا نتأمل في حقيقة القيامة بصورة عملية موضوعية.
هناك أربعة أدلة على قيامة المسيح:
- القبر الخالي من الجثمان
- طريقة وضع الأكفان
- اعترافات شهود العيان
- التغيير الذي لم يكن في الحسبان
أولاً: القبر الخالي من الجثمان
القبر الخالي علامة قوية على القيامة؛ فقد كان حقيقة معروفة لم يحاول اليهود إنكارها؛ ولكن حاولوا تفسيرها. لقد ذهب بعض النساء للقبر فجر الأحد، ووجدن القبر خالياً. وقد جاهر الرسل بذلك، ولم يعترض عليهم أحد؛ لكن اليهود والسلطات حاولوا تفسير الأمر بطرق شتى مثل :
1- إن النساء ذهبن إلى قبر آخر، نتيجة الخوف والحزن والظلام. وقد وجدن البستاني، واعتقدن أنه المسيح؛ فحاول إفهامهن أنه ليس المسيح، وأن المسيح في قبر آخر؛ لكنهن اضطربن وهربن. وللرد على ذلك نقول:
كان هناك نور عند القبر (مت28- عند الفجر، مر16- إذ طلعت الشمس)؛ فلم يكن الظلام عائقاً.
لم تكن مقبرة عامة كثيرة القبور؛ ولكن قبر خاص في بستان لا يخطئه المرء.
كان من بين النساء اثنتان – على الأقل، تعرفان المكان الذي وُضع فيه [مر15: 47- وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسي تنظران أين وُضع، لو23: 15 – وتبعته نساء.. من الجليل ونظرن القبر الذي وُضع فيه].
لم يكن الحزن فقط هو الذي أتى بهن؛ لكن لوضع الحنوط والأطياب؛ لأن حلول السبت لم يمكنهن من ذلك.
إن كانت النساء قد أخطأن؛ فهل أخطأ بطرس ويوحنا ويوسف الرامي صاحب القبر الذي وُضع فيه؟
بعد مناداة التلاميذ بالقيامة؛ لماذا لم يبين اليهود القبر الصحيح، وينهون الأمر؟
2- نادى فنتوريني الإيطالي في أوائل ق19 بنظرية الإغماء. إن يسوع لم يمت على الصليب ولكن أغمى عليه، وفاق من رطوبة القبر. وللرد على ذلك نقول:
بيلاطس أنزل يسوع من على الصليب بعد أن تحقق من موته من قائد المائة، الذي شاهد بعينيه (مر15: 44،45)، وتعجب من موته سريعاً، كما طُعن بحربة للتأكد من موته.
كيف لف يوسف الرامي ونيقوديموس يسوع في الأكفان، وضعاه في القبر؛ دون أن يعرفا أنه مغمى عليه؟
بعد الصلب والجلد والنزف؛ كيف استطاع أن يعيش في القبر 36ساعة، بلا طعام ولا ماء ولا علاج؟ وكيف تخلص من الأكفان؟ وكيف رفع الحجر الضخم؟ وكيف غافل الحراس الرومان المتيقظين؟
كيف استطاع يسوع المتعب والجائع أن يقنع تلاميذه بالقيامة؟ ويرسلهم ليبشروا بها؟ ويموتوا من أجلها؟
لماذا لم يره أحد يموت بعد ذلك؟
3- جاء لصوص وسرقوا الجسد. هذا الاتهام أشاعه اليهود لتبرير القيامة. وهو اتهام بلا دليل.
كيف جاء اللصوص ودحرجوا الحجر الضخم في غفلة من الحراس؟ وذلك عقوبته الإعدام في القانون الروماني؟ لماذا سرقوا الجســد وتركـوا الأكفــان؟ وهي الأهم بالنسبة للصوص؟ ما الذي دفعهم لكي يفعلوا ذلك؟
4- التلاميذ سرقوا الجسد ليلاً. هذا الأمر ابتدعه اليهود لتفسير القبر الفارغ { مت27: 62-66، ذهبوا لبيلاطس وقالوا له : هذا المضل قال إنه سيقوم.. مُر بضبط القبر حتى لا تكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى، وفي مت 28: 12 – أعطوا العسكر فضة لإنكار القيامة.. واستعطفوا الوالي.. شاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم }. وللرد على هذا نقول :
كيف ينام الحراس الرومان المخضرمون في نوبة حراستهم، وهم يعلمون أن ذلك عقوبته الإعدام؟
كيف لم يسمعوا في نومهم دحرجة الحجر الكبير؟
كيف يستطيع نساء عزل وتلاميذ جبناء أن يدحرجوا الحجر ويحملوا الجسد، وذلك عقوبته الإعدام؟
لو كان الحراس نائمين؛ فكيف عرفوا أن التلاميذ هم الذين سرقوا الجسد؟
كيف أخرجوا الجسد من الأكفان دون أن تتناثر الأكفان؟
إذا كان التلاميذ قد سرقوا الجسد؛ فلماذا اندهشوا من القيامة؟
كيف يكرز التلاميذ بالقيامة، وكيف يحتملون الألم والموت من أجل خدعة من تدبيرهم؟
5- السلطات اليهودية والرومانية أخفت الجسد حتى لا يقع خداع إذا ذاع أنه قام كما قال، وتتعرض أورشليم للخطر. كما أن الرومان كانوا يخافون حدوث ثورة انقلابية. وهذه النظرية ضعيفة؛ فلماذا لم تُظهر السلطات جسد يسوع، بعد انتشار خبر قيامته؛ بدلاً من أن يلزموا الصمت. هذا السكوت دليل على القيامة.
6- ما رآه التلاميذ كان هلوسة، نتيجة حزنهم على المسيح. وللرد على ذلك نقول:
كان التلاميذ مدققين شكاكين، توما شك ولوقا فحص بالتدقيق.
ظهر الرب يسوع عدة مرات، في أماكن مختلفة.
ظهر الرب يسوع مرة واحدة لأكثر من 500 شخص – فهل كانت هذه هلوسة جماعية!!!
كيف يذهب التلاميذ بأقدام ثابتة إلى الموت – نتيجة هلوسة؟ أو أمر غير مؤكد؟
القبر الفارغ علامة على قهر الموت، ولم يُذكر أن أحداً زار قبر المسيح – لا من الرسل ولا من الأحباء. إن زيارة قبر المسيح الآن للتبرك أمر غير كتابي؛ فنحن نؤمن بالمسيح المقام، ملك الملوك ورب الأرباب.
ثانياً: طريقة وضع الأكفان
الأناجيل التي ذكرت أن جسد يسوع غير موجود في القبر، ذكرت أن الأكفان كانت موجودة. يوحنا يشهد في [يو20: 1-10] شهادة شاهد عيان. ويقول في [عدد8] إنه رأى فآمن. ما الذي رآه وجعله يؤمن؟ لقد رأى الأكفان موضوعة بالترتيب. كان التقليد اليهودي يتطلب لف جسد الميت بالضمادات، ورش أطياب على الجسد [50كجم]. وكان الرأس يُلف وحده بقماش مستقل [يو11: 44]، وكان الوجه والرقبة يتركان عريانين.
ترى كيف يمكن تصور حدوث القيامة؟ هل تململ يسوع وتثاءب ثم نزع الأكفان وقام؟
كلا! لقد قام بشكل معجزي. فالجسد قد انسحب من الأكفان، كما لو كان قد تبخر – أو تحول لعنصر جديد.
رأى يوحنا الأكفان موضوعة = في الأصل مرتبة كما لو كان الجسد فيها. لو فُك الجسد لتبعثرت الأكفان وملأت القبر. وكان المنديل ملفوفاً = في الأصل مستديراً – كما لو كان الرأس بداخله { مثل كتكوت خرج من البيضة أو فراشة من الشرنقة }. إن نظرة واحدة من التلاميذ، كانت كافية ليؤمنوا، من مجرد رؤية الأكفان.
لذلك يقول الملاك للمرأتين: ليس هو ههنا لكنه قام كما قال، هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضجعاً فيه {مت28 :6 -مر16 :6}. كانت نظرة واحدة للأكفان كافية للاقتناع بالقيامة.
ثالثاً: اعترافات شهود العيان
يقول بطرس الرسول: ظهر المسيح لشهود سبق الله فانتخبهم {أع10 :41}. وقد ظهر السيد المسيح 11مرة على الأقل:
- ظهر لمريم المجدلية [يو20: 11-18، مر16: 9]
- للنسوة الراجعات من القبر [مت28: 9]
- لبطرس [لو24: 34، 1كو15: 5]
- لتلميذي عمواس [لو24: 13-35، مر16: 12-13]
- لعشرة تلاميذ في العلية [لو24: 13-35، يو20: 19-23]
- للأحــد عشـر ومعهـم توما [يوحنا 20: 24-29، مرقس 16 :14]
- لأكثر من 500 أخ في الجليـل [1كو15 :6، مت 28: 16-20]
- ليعقوب [1كو15 :7]
- لبعض التلاميذ ” بطرس وتوما ونثنائيل ويعقوب ويوحنا عند بحيرة الجليل [يو21: 1-23 ]
- لكثيرين وقت الصعود على جبل الزيتون [لو24: 50- 53، أع1: 6-12 ]
- لبولس في طريق دمشق [1كو15: 8]
وهناك مرات أخرى لم تُسجل [في أع1: 3 – أراهم نفسه حياً 40 يوماً ببراهين كثيرة].
1.البعض قال إن الأمر كذبة؛ ولكن هذا غير صحيح؛ لأن روايات الأناجيل رصينة بلا كذب أو تزييف. لو فيها كذب؛ لأخفي التـلاميذ خـوفهم وشكهم. كما أن الكنيسة الأولى – بما فيها من رسل وتلاميذ – كانت مقتنعة تماماً بهذا الأمر.
2.البعض قال إن الأمر خرافة؛ وإن القيامة لم تحدث إلا في خيال التلاميذ، الذين خُيل إليهم حدوثها [مرض نفسي]. ولكن التلاميذ لم يكونوا منتظرين القيامة؛ فقد أنزلوا يسوع ميتاً من على الصليب، ودفنوه في قبر، والنساء جئن لتحنيطه. والرسل لم يصدقوا في البداية [مر16: 11]، وتوما شكَّ مع عدد من التلاميذ. كما أن التلاميذ كيهود كانوا ضد فكرة القيامة. فإذا كان الأمر خرافة؛ فكيف سكت أعداء المسيحية من اليهود والرومان؟ وكيف انتشرت المسيحية هذا الانتشار وهي خرافة. كما أن الرب لم يظهر مرة واحدة؛ ولكن أكثر من 11مرة في أماكن مختلفة، ولأكثر من 500 شخص مرة واحدة.
الدليل على صدق رسالة الرسل:
- نادوا بالقيامة في أورشليم، التي شهدت صلب المسيح؛ ولم يعترضهم أحد.
- اليونانيون المثقفون بحثوا كل شيء بالتدقيق؛ لم يعترضوا على ما نادى به الرسل.
- لم يكن الرسل من أصحاب الغنى أو النفوذ، حتى يصدقهم الناس.
- لم يكن لهم أي هدف مادي؛ بل تعرضوا لكل أنواع الاضطهاد من أجل هذا الأمر.
- كان الرسل كيهود يرفضون فكرة ظهور الله في الجسد.
- ثلاثة آلاف آمنوا بعظة بطرس في يوم الخمسين ونُخسوا في قلوبهم؛ وهذا دليل على أن فكرة القيامة كانت مقبولة.
رابعاً: التغيير الذي لم يكن في الحسبان
كان التلاميذ بعد الصليب غارقين في اليأس والفشل، ضاعت آمالهم، ذهبوا للتصيد. ولكن بعد القيامة تغيروا كلية.. ما سبب حدوث هذا التغيير العظيم في حياتهم؟
بطرس: الذي دخله الشيطان [وقال له الرب: اذهب عني يا شيطان]، والذي أنكر سيده ثلاث مرات. لقد بكى بكاءً مراً – بكاء الأسى اليأس. واختبأ في العلية بسبب الخوف من اليهود. لكن ماذا جرى لبطرس؟ إنه يتحدى أعضاء السنهدريم دون خوف “أنتم بأيدي أثمه صلبتموه وقتلتموه – أع2: 23”. ونراه نائماً في سلام في السجن، والإعدام ينتظره [ أع12: 7].كيف فعل هذا؟ لقد كان متأكداً من القيامة. فالرب قد ظهر له [يو21].
يعقوب: أحد أخوة الرب، الذين قالوا عنه أنه مختل، ولم يكونوا يؤمنون به [يو7: 5]. يعقوب هذا أصبح أسقف أورشليم، ومات شهيداً بالسيف. ما الذي غيّره؟ الجواب : لقد ظهر الرب ليعقوب [1كو15: 7].
شاول: كان يكره المسيحية بكل مشتملاتها. وبعد القيامــة بأربع سنوات؛ زاد اضطهاده للمسيحية. كيف صــار شاول أعظم مدافع عن المسيحيـة؟ رغم أنه:
- رجل عبقري لا ينخـدع بسهولة.
- اتجاهه السـابق العــدائي ضد المسيحية.
- تغيّر من أعظم مضطهد إلى أعظم منادي بالمسيحية.
- تجدد شاول كان إلى الأبد، وليس لفترة محددة.
ما الذي غيّر شاول بهذا الشكل؟ لقد رأى الرب، وآمن بالقيامة [أعمال 9].
إن تقوى الرسل ونزاهتهم، وتغيرهم من الخوف إلى الشجاعة؛ دليل عظيم على القيامة.
القيامة: هي انتصار على الخطية والتجربة -على الضعف والألم- على الخوف وعواصف الحياة.
هي قوة تغيير دائمة في حياة الإنسان.
ليس القيامة أعياداً نعايشها فننتظرها بأزياءٍ وزينات
إن القيامة أن تقوم نفوسنا فتسمو فوق الضعف والسقطات
ونعيش بالتدقيق كل حياتنا مترقبين بلهف ربنا الآتي.