القيامة

القيامة ومسؤولية البشارة

لم يطلب المسيح من تلاميذه أن يذهبوا إلى العالم اجمع وأن يكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها إلا بعد القيامة. لم يطلب منهم أن يكونوا شهودًا له في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض إلا بعد القيامة.

وكأن المسيح يدرك انه قبل القيامة ما كان التلاميذ ليستطيعوا أن يحملوا بشارة أو أن يكونوا شهودًا. وهذا حق فالتلاميذ قبل القيامة لم يكن لديهم إلا خبر الموت والدفن وهو لا يصلح أن يكون بشارة إضافة إلى أنهم كانوا جبناء وهربوا من الميدان وتركوا سيدهم بمفرده يواجه مصيره وذهبوا واختبأوا خلف أبواب مغلقة.

ولكن جاءت القيامة وولدت فيهم قوة وأحدثت تغييراً جذرياً في تفكيرهم وتحولاً في سلوكهم فقوة القيامة حركة مذهلة داخل نفس وعقل الإنسان هذه الحركة جعلت التلاميذ يقبلون الألم بفرح والاضطهاد بترنيم والعوز بشكر والفقر باكتفاء والموت بشجاعة والضيق برجاء.

وهذا ما عبر عنه بولس قائلاً: “وَلَكِنْ لَنَا هَذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ، لِيَكُـونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ لِلَّهِ لاَ مِنَّا. مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لَكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لَكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ. مُضْطَهَدِينَ، لَكِنْ غَيْرَ مَتْرُوكِينَ. مَطْرُوحِينَ، لَكِنْ غَيْرَ هَالِكِينَ. حَامِلِينَ فِي الْجَسَـدِ كُلَّ حِينٍ إِمَـاتَـةَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَـا. لأَنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِماً لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ، لِكَيْ تَظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضاً فِي جَسَدِنَا الْمَائِتِ” (2كورنثوس 4 :7 -11)

ولكن ما هو مضمون بشارة القيامة الذي يجب أن نحمل مسؤوليته؟

أولاً:- القيامة بشارة رجاء مقابل اليأس

كان المسيح هو رجاء العالم بخطاته وفقرائه ومهمشيه فعندما دخل مجمع الناصرة وقرأ ما جاء في سفر اشعياء “رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ. وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ». ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: «إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ» (لوقا4:18 -21).

ولكن بالموت تكون قد ماتت هذه الأحلام والآمال.

وبعد الصلب فقد التلاميذ كل رجاء في حاضرهم ومستقبلهم ونلاحظ أن التلاميذ تشتتوا قبل القيامة وتشتتوا بعد القيامة ولكن شتان الفرق بين الشتاتين في الأول حمل كل واحد منهم أذيال خيبته ويأسه وحزنه وفشله وظلمة الحياة معه ورجع إلى الخلف في حسره واسي وربما ندم كل واحد منهم على ما مضى وعلى الأحلام التي لم تتحقق وعاد كل واحد إلى شبكته الفارغة يصارع أمواج البحر بمفرده.

وقد عبر تلميذا عمواس عن هذه الخيبة بقولهما “كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل” (لوقا 24: 21).

ولكن في الشتات الثاني نقرأ في (أعمال 8 :4) “فالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة” أي يحملون البشارة رسالة فرح ورجاء ونور ويخترقون الحياة ويتقدمون إلى الأمام بخطى ثابتة واثقة يقدمون طريق الخلاص للتائهين والمشردين والخطاة وإذا كان المسيح قد قال عن نفسه أنا هو الطريق والحق والحياة فكيف للإنسان أن يهتدي إذا ضاع واختفي الطريق. ففي وسط عالم تسوده الأحزان والاضطرابات والحروب والانقسامات و القتل وتسوده ظلمة – على الكنيسة أن تقف كعلامة مرفوعة وسط القافلة البشرية السائرة الباحثة عن السلام والرجاء.

نعم فالعالم يبحث في ضوضاء الأحداث عن علامات الرجاء ويتطلع مترجيًا بعض النور فعلى الذين قبلوا المسيح المقام أن يعلنوا أن هناك رجاء.

على الكنيسة أن تكتب وعداً بما ليس قائمًا أي تعد الناس بعالم من العدالة والسلام والخير والحب وان تنادي بان شيئًا جديدًا الآن ينبت فالمسيح قام.

ثانيًا:- بشارة الحق في مقابل الباطل

القيامة هي انتصار للحق قال المسيح عن نفسه “أنا هو الطريق والحق والحياة”، فكيف للحق أن يموت ويدفن ولا تكون له قيامة هكذا ظن من صلبوه وقتلوه أنهم تخلصوا من الحق إلى الأبد ولكن هيهات فالحق لا يهزم ولا يموت.

كان المسيح هو الخير والسلام والحب وكل هذا حق وقيامته هي قيامة للخير وهزيمة للشر قيامة للسلام وهزيمة للقتل قيامه للمحبة وهزيمة للكراهية.

عندما وقف المعمدان أمام هيرودس رافضًا أفعاله دفع المعمدان حياته ثمنًا لإعلان الحق في وجه الطاغية ولكن لم تختف صورة ولا صوت المعمدان بعد موته بل ظل يطارد ضمير وأفكار هيرودس فعندما سمع هيرودس عن يسوع ارتعب وقال: “هذا هو يوحنا المعمدان الذي قطعت أنا رأسه انه قام من الأموات” (مرقس 6 :6).

القيامة تقول لنا أن الحق أقوي من الباطل فعلينا أن نعلن الحق وأن نقول الحقيقة ولا نخشى على أنفسنا ولا على الحق فالحق له قوة في ذاته تحميه وتنصره وتعلنه ربما يكسب الباطل جولة ولكنه لا يكسب المعركة. علينا أن نقف ضد كل كذب وغش وخداع وظلم وأن نفضح الخداع فهذا ما عمله المسيح إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهاراً ظافراً بهم في الصليب” (كولوسي 2 :15).

والقيامة هي الوجه الآخر للصليب فبالصليب والقيامة جرد المسيح قوات الظلم من قوتهم وفضح مؤامرة الظالمين وظفر بهم.

وهذه رسالتنا في وسط عالم امتلأ بالغش والكذب والضلال والخداع علينا أن نعلن بشارة القيامة – بشارة الحق في مقابل الباطل فالمسيح قام.

زر الذهاب إلى الأعلى