القيامة

النعمة العامة والنعمة الخاصة وارتباطهما بقيامة المسيح

يقولون إن النعمة هي “عطية ببلاش لإنسان ما يستحقهاش” وأن هذه النعمة ما هي الا عطية مجانية معطاه من المسيح للمؤمنين، ولكن من خلال دراستي لكلمة الله، وجدت ان النعمة لابد ان تشتري لا بفضة ولا بذهب، لكنها تشتري بمستوي خاص من البر، من اجل ذلك أدعوك قارئي العزيز أن تتمهل ولا تطوي هذه الصفحة بل استمر في قراءة هذا المقال لنهايته.

 مستوى النعمة العامة

علمنا الكتاب المقدس ان النعمة المخلصة إيانا لا ننالها الا من خلال المسيح والإيمان به، فهذه الحقيقة يقف عندها المؤمنون، ويغنون لها، ويشعرون انهم قد امتلئوا من نعمة المسيح، ولا يدركون ان النعمة التي اخذناها هي مرتبطة بموت وقيامة المسيح لآنها نعمة مخلصة، اعطت لنا نعمة الخلاص، ففي قبولنا للمسيح المقام من الأموات نوال جزء من اعمال النعمة وليس الكل، هذا ما قاله الرسول: “لأَنَّكُمْ ‍بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. أفسس 2:‏8 “فمن هنا فهم الجميع ان الخلاص اخذناه عن طريق النعمة فهي نعمة مجانية (مدفوعة الأجر في المسيح) تعمل فينا من اجل خلاص انفسنا. وفي هذا يقول الرسول بولس” الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى ‍هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ.

رومية 5:‏2 “فكل المؤمنون مقيمون في هذه النعمة، فإذا سألنا انفسنا علي اي حساب نستطيع ان نقيم في النعمة ؟ نجد الاجابة في الاية التي تسبقها اذ تقول : ” ‏فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ ” فقد نلنا النعمة عن طريق التبرير الذي نلناه بالإيمان فهي نعمة الخلاص المجانية، لآنها مدفوعة الاجر، فقد دفع المسيح ثمنها بمجيئه الأول ودفع الثمن علي الصليب ليأخذ خطايانا ويهب لنا البر الذي من خلاله تعمل النعمة لتهب لنا عطية الخلاص، فلن يستطيع احد ان يقيم في النعمة الا اذا تبرر، هذا لأن النعمة لا تعمل الا في مستوي من مستويات التبرير، ومستوي النعمة المخلصة تحتاج الي مستوي عالي من التبرير، وهذا المستوي لا نجده الا في قبولنا لشخص المسيح، فهو شمس البر، وهو القدوس البار، فمن يتحد به ينال التبرير. فالنتيجة الهامة التي نخرج بها هي: أن النعمة لا تعطي الا من خلال البر، وهذا ما سنراه في مستوي النعمة الخاص.

 مستوى النعمة الخاصة:

النعمة في العهد الجديد لا ننالها الا من خلال الاتحاد بالمسيح وهنا نستطيع ان ننال النعمة الخاصة التي تهب لنا عطايا، وتفتح لنا مستوي خاص من الاستخدام، وهذا المستوي لا نناله الا من خلال النعمة، وهذا ما أدركه الرسول بولس اذ قال: “وَلكِنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أُعْطِيَتِ ‍النِّعْمَةُ حَسَبَ قِيَاسِ هِبَةِ الْمَسِيحِ. أفسس 4:‏7 “النعمة تعطي حسب القياس الالهي للهبة، وقياس الهبة مرتبط ارتباط وثيق بالقوانين الإلهية، لآن اي قياس له قانون لتسييره، لآن قياس بلا قانون ونظام خاص به لا يعتبر قياس، فالنعمة لا تعمل الا من خلال مستويات من البر، فقد وجد نوح نعمة في عيني الرب، وهنا نأتي الي سؤال: كيف وجد نوح نعمة ؟ نري الاجابة اذ يقول: “وَأَمَّا نُوحٌ فَ‍وَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ…… كَانَ نُوحٌ رَجُلاً بَارًّا كَامِلاً فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ. التكوين 6:‏ 8” فالبر المرتبط بنوح أعلي في مستواه من كل جيله، لذلك منح نعمة خاصة دون غيره، وتم اختياره للقيام بمهمة انقاذ العالم من الفناء.

 ايضا لوط مع الرغم من ان اختياره لنفسه للسكني في سدوم وعمورة اختيار خاطئ ” إِذْ كَانَ الْبَارُّ، بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا ‍نَفْسَهُ الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ. بطرس الثانية 2:‏8 ” لكنه وجد نعمة كي ينقذ من الموت حرقا مع اهل سدوم وعمورة، هذا يرجع اي مستوي البر الذي فيه، لآنه كان ابر من كل من حوله من سكان سدوم وعمورة التي كانت تخلوا من اي مستوي من مستويات البر، وايضاً لسبب بر ابراهيم وطلبته من اجل إنقاذ لوط، وايضا من اجل ان لوط يوما قبل الدعوة التي كانت علي حياة ابراهيم، وقبل ان يسير المسيرة الإلهية معه، من اجل هذا حسب من ضمن الأبرار، فوجد نعمة ليتم انقاذه من الموت.

 يوجد مؤمنون يتمتعون بمستوي النعمة الخاص في اختيارهم لمهمات روحية خاصة ويوجد مؤمنون يحتاجون الي نعمة لإنقاذهم ورصيدهم من البر لا يكفي، لذلك يحتاجون الي اخرين في مستوي اعلي من البر كي يطلبون من اجل وجود نعمة لمساندتهم او انقاذهم، ففي اي مستوي انت تقف صديقي الغالي؟

 النعمة التي يعطيها الرب مرتبطة بالبر دائمًا

استطاع يوسف أن يعيش حياة ممتلئة من مستويات البر، فبعد ان مر بمراحل صعبة في حياته، لم يقل الكتاب المقدس أنه نسب لله جهالة، بل كان يعتبر ان الشر الذي صدر من الاخرين ما هو الا مصدر خاص ليحوله الله للخير ولفائدة يعقوب، من اجل ذلك وجد نعمة خاصة، ايضا نري ان موسي كان في داخله غيرة لشعب الله، ويريد ان يحرر الشعب من العبودية، فقتل المصري، واعتبرت هذه مبادرة من موسي اذ ضحي بالقصر الملكي، وان يكون يوما ما حاكما لمصر، ضحي بهذا من اجل شعب الرب، فحسبت في صالحه كمستوي من مستويات البر، ” حَاسِبًا ‍عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ. العبرانيين 11:‏26 ” فمستوي البر يقاس باتجاه القلب وليس بنتائج الخدمة، فإذا نظرنا الي نتيجة الدفاع عن شعب الله بقتل المصري، نراها الهروب والخوف، فمقياس الله للأمور والأحداث تختلف عن مقاييس البشر، فوجد موسي نعمة في عيني الرب واستخدمه، واوجد له وللشعب نعمة في عيني المصريين ” وَأَعْطَى الرَّبُّ ‍نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُيُونِ الْمِصْرِيِّينَ. وَأَيْضًا الرَّجُلُ مُوسَى كَانَ عَظِيمًا جِدًّا فِي أَرْضِ مِصْرَ فِي عُيُونِ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ وَعُيُونِ الشَّعْبِ. الخروج 11:‏3 “

 الاستخدامات الفائقة: تحتاج الي نعمة خاصة من الله، وهذه النعمة الخاصة لا يمكن نوالها إلا في اجواء من البر، وهذا البر لا يمكن نواله الا من خلال السلوك المرضي امام الله، وهذا السلوك مرتبط بكلمة الله النبوية، والمواعيد الكتابية، والوصايا في طاعتها، هنا ندخل في مستوي من البر الخاص الذي يراه الله فيعطي لنا نعمة خاصة فنستطيع ان ننال عطايا من الله لنستخدم استخدامًا عظيمًا.

 البركات وارتباطها بالنعمة

البركات الروحية لا تمنح الا من خلال مستوي خاص من النعمة، وكما قلنا ان النعمة الخاصة لا تمنح الا في اجواء من البر (السلوك المقدس وطاعة الكلمة )، فقبل ان يقول الوحي عن المسيح انه ” مبارك الي الابد ” قال له ان ” النعمة انسكبت علي شفتيه ” وقبل ان يعلن وجود النعمة قال انه ” ابرع جمال من بني البشر (مز 45 : 2) ” فالجمال هنا ليس جمال الشكل فقط، بل جمال الشخصية في نقائها ومستوي البر الغير محدود الذي تتمتع به، لذلك ” انسكبت النعمة علي شفتيه ” وايضا ” باركه الله إلى الأبد ” لذلك نري ان المسيح كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس ( لو 2 : 52 ) تقدم المسيح في النعمة ليس لآنه في طبيعة لاهوتية فقط بل أيضا من اجل الدعوة الخاصة والإرسالية التي قبلها من الاب ” قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: “طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ ‍الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ يوحنا 4:‏34.” فقبول الدعوة والارسالية ما هو الا مستوي من مستويات البر، الذي من خلاله يمنح الله نعمة خاصة، وبركة خاصة، فكلمات النعمة التي خرجت من فم المسيح، ليس فقط انه إله كل نعمة، بل ايضا لآنه قبل الإرسالية من الأب، ” وَكَانَ الْجَمِيعُ ‍يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِهِ، وَيَقُولُونَ: “أَلَيْسَ هذَا ابْنَ يُوسُفَ؟ لوقا 4:‏22” النعمة تعمل علي تأكيد وتفعيل الدعوة والإرسالية والخدمة، فقبول الدعوة مستوي من مستويات البر.

 أصلي للرب ان يفتح اعين شعبه لمعرفة الحق، والنمو في معرفة كلمة الله، وان يسيروا في مستوي القداسة وحياة السلوك المرضي امام الله، كي يمنح الرب شعبه نعمة خاصة فيستخدم لمجد الله، ولا يتكل فقط على النعمة المخلصة التي اخذناها بموت المسيح وقيامته بقبولنا الفداء، لكن دعونا ننتفض من غبار التعاليم التي صارت راكدة ولم نقم بتجديدها. فليبارك الرب شعبه.

زر الذهاب إلى الأعلى