لماذا الدم والماء؟

يُسجل لنا إنجيل يوحنا أحداث صلب المسيح، ويذكر ما حدث قبيل موت المسيح فيقول: “وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. لَكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ… لأَنَّ هَذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ” (يوحنا 19: 33-36، قارن مزمور 34: 20)؛ فما دلالة هذه المقولة وهذا الحدث؟ وهل من رسالة روحية لهذا الحدث العجيب؟ ما معنى أن يخرج من جنب المسيح دم وماء؟!
يذكر لنا التقليد أن هذا الشرطي واسمه لونجينوس أراد أن يتأكد من موت يسوع فطعنه بحربة، وهذا يؤكد حقيقة موت يسوع وفقًا لقصد الله الأزلي، لأن موت يسوع على الصليب يؤكد لنا بعد ذلك حقيقة قيامته، فلو كان يسوع مغشيًا عليه أو في غيبوبة على الصليب فباطلًا تكون قيامته، ولقد خرج من جنبه دم وماء منفصلين لحكمة سماوية إلهية، “هَذَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ. لاَ بِالْمَاءِ فَقَطْ، بَلْ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ. فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ. وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ” (1يوحنا 5: 6-8)، ويرى أحد الشُرَّاح أنه من جنب يسوع نستطيع أن نرى قلبه الذي يفيض بالمحبة المتوهجة، لأن محبته قوية كالموت، كما ونرى أسماءنا مكتوبة هناك؛ فمن جنب آدم الأول خرجت حواء، ومن جنب آدم الأخير خرجت الكنيسة التي اختارها لنفسه، “لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ” (أفسس 5: 30، قارن 1كورنثوس 15: 45).
ويرى أحد علماء الكتاب المقدس أن الدم والماء من جنب يسوع يمثلان التبرير والتطهير الذي هو التقديس، فقد كان الدم ثمنًا للغفران عن الخطايا لننال التبرير، والماء للتطهير (مزمور 51: 2، حزقيال 36: 25)، دم وماء من جنب يسوع متمايزان غير منفصلين جمعهما الرب يسوع معًا، ولا يمكن الفصل بينهما، كلاهما ينبعان من جنب يسوع المسيح الذي صار لنا حكمة من الله، وبرًا وقداسة وفداء (1كورنثوس 1: 30).
بينما يرى أحدهم أن الدم والماء يمثلان العشاء الرباني والمعمودية، فالماء الذي نعمد به إشارة إلى الماء الذي خرج من جنب يسوع، والكأس التي نشربها إشارة إلى الدم الذي خرج من جنبه، ليس بالماء الذي نعتمد أو نعمد به نحصل على التطهير، بل الماء الذي خرج من جنبه هو القدوس اسمه، وليس بالكأس الذي يشير إلى دمه المسفوك، بل بالدم الذي خرج من جنبه هو ننال التبرير، إنه الصخرة التي ضربت في الصحراء (1كورنثوس 10: 4)، ومنه ينابيع الخلاص (إشعياء 12: 3)، وهو ينبوع المياه الحية (إرميا 17: 13)، وقد شهد يوحنا البشير هذا المشهد العجيب عيانًا وشهادته حق (يوحنا 19: 35، 1يوحنا 1: 1)، وبطرس الرسول يشهد بذلك أيضًا قائلًا: “.. كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ” (2بطرس 1: 16).
لقد طعن يسوع بالحربة في جنبه، ولم يكسروا ساقيه كما فعل العسكر مع اللصين لأنهم رأوه قد مات لكي يتم الكتاب “عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ” (يوحنا 19: 36)، وقد جاء عن خروف الفصح عظمًا لا تكسروا منه (خروج 12: 46، العدد 9: 12)، ويسوع المسيح هو فصحنا الأعم، حمل الله الذي حُفظت كل عظامه (1كورنثوس 5: 7، يوحنا 1: 29)، وهنا يترنم داود قائلًا: “جَمِيعُ عِظَامِي تَقُولُ: «يَا رَبُّ مَنْ مِثْلُكَ” (مزمور 35: 10).
إن أهمية عدم كسر عظم من عظامه متمثلة بأن قوة الجسد هي في العظام التي تشير إلى القوة، فإن كان المسيح له المجد أخلى نفسه ومات في ضعفٍ، إلا أن قوته للخلاص لم ولن تكسر، إن الخطية تكسِّر عظامنا، ويتحدث داود عن ذلك في (مزمور 51: 8)، لكنها لم تكسر عظام يسوع الذي حمل خطايا البشرية جميعًا، بل وقف ثابتًا شامخًا مقتدرًا في الخلاص.
إن خروج الدم والماء من جنب يسوع لهو معجزة صار بها للعيان مصدرًا للتبرير والتقديس (1يوحنا 5: 6)، ورش الدم الذي جاء عنه في اللاويين كرمز تم في المرموز إليه يسوع المسيح فصحنا العظيم الوحيد (راجع عبرانيين 9، 10 مع يوحنا 4: 10، 14)، وغير المؤمنين عند مواجهة غضب الله سينظرون إلى الذي طعنه مولولين بسببه (رؤيا 1: 7)، وهذا ينطبق علينا نحن لأننا آثمنا جميعًا قدامه، لكن بالنظر إليه في ندم، وتوبة صادقة من كل القلب والعقل معًا طالبين رحمته وغفرانه، وبشفاعته يستجيب في محبته وحنانه.
“إِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ. وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ (يسوع المسيح)” (1يوحنا 5: 6-8).
إن دم يسوع المسيح، والماء الخارج من جنبه المطعون، هو الثمن المدفوع لفداء الإنسان لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية، وهنا يجدر بنا أن نفتكر دائمًا في دعوة الرسول بولس بالروح القدس: “لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَمَجِّـدُوا اللهَ فِي أَجْسَــادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ” (1كورنثوس 6: 20).