الصليبالقيامة

صلب المسيح ودفنه وقيامته ثلاث حقائق تاريخية

جرت أحداث صَلْب المسيح ودفنه وقيامته في فلسطين منذ أكثر من عشرين قرنًا، فهي ثلاث حقائق تاريخية، إلا أن عددًا كبيرًا من البشر ينكرون حدوثها لسببٍ غريب، هو أنهم يعتزّون بالمسيح ويُجلّونه فيرفضون أن يقبلوا له الإهانة والصَّلب، ويقولون: لن يقبل عدو ولا حبيب أن تصيب المسيح جلدات الجلاد ومسامير العسكر دون أن يُجري معجزة توقف هؤلاء الأشرار عند حدهم، مع أنه القادر أن يبيدهم بنفخة من فمه! .. ثم كيف يسمح الله للبشر الخطائين أن يرتكبوا كل هذا الشر بالنبي العظيم؟

غير أن دارس كلمة الله الموحى بها يصدّق حدوث الصلب والدفن والقيامة، أولًا: لأنه يؤمن بما سجَّله الوحي الإلهي الذي وعد الله أن يحفظه، فلا يمكن أن يحذفوا منه أو يضيفوا إليه. وثانيًا لأنه يدرك أن العقل البشري عاجز عن اختلاق حدوث صلب المسيح وموته وقيامته من عنده، وإذ أكتب هذه الدراسة المختصرة لأحداث صلب المسيح التي جرت في نهاية أسبوع الآلام، أصلي أن يختبر القارئ قول الرسول بولس «أَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلا بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ ٱلْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غلاطية 6: 14).. كما يختبر قوة قيامة المسيح، لأنه «إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ!» (1كورنثوس 15: 17).

الحقيقة التاريخية الأولى: صلب المسيح

اختار المسيح اثني عشر تلميذًا قضى بينهم نحو ثلاث سنين علَّمهم أثناءها إجابة سؤالين هامين، أولهما من هو المسيح؟ .. وثانيهما ماذا سيفعل؟ سألهم «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟». فَقَالُوا «قَوْمٌ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». قَالَ لَهُمْ «وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟». فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا. إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لَكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى 16: 13-17). ولا بد أن التلاميذ استنتجوا أن «ابن الله الحي» لا يمكن أن يموت.

وهنا بدأ المسيح يعلمهم إجابة السؤال الثاني «ماذا سيفعل المسيح؟». قال البشير متى «مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ» (متى 16: 21). ولا بد أن التلاميذ اندهشوا لهذا التعليم، فكرره المسيح وقال: «ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلنَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ» (متى 17: 22، 23).

وقبل أن يقيم لعازر من الموت بعد أربعة أيام من موته، قال عن نفسه إنه هو «ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ» (يوحنا 11: 25) فهو الذي يقيم الموتى ويحييهم بسلطانه الشخصي، ولم يكن للموت سلطان عليه، وقد مات ليفدي البشر الخطاة بإرادته، كما أن قيامته كانت بإرادته أيضًا. فلم يكن غريبًا أنه أثناء سيره في الطريق إلى الصليب قال لتلاميذه «بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ» (متى 26: 32).

وفي العلية في أورشليم مساء الخميس السابق للصلب أثناء تناولهم عشاء الفصح «أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ، وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي. وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قائلًا: اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا» (متى 26: 26-28). وروى البشير يوحنا إن اليهود طلبوا من المسيح أن يُجري معجزة أمامهم، فقال لهم «ٱنْقُضُوا هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ وَفِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ» (ٍيوحنا 2: 19) قاصدًا بالهيكل، هيكل نفسه، أو هيكل جسده.

بعد أن تناول المسيح عشاء الفصح مع تلاميذه في العلية في أورشليم، وبعد أن رسم لهم فريضة العشاء الرباني، خرج معهم إلى بستان يُعرَف باسم «بستان جثسيماني» كان يملكه أحد أصدقاء يسوع، وكثيرًا ما كان يسوع يتردد عليه، وكان يهوذا الإسخريوطي التلميذ الخائن يعرف ذلك.

وكان يهوذا قد خرج من علية أورشليم حيث تناول عشاء الفصح وتوجَّه إلى شيوخ اليهود، وعرض عليهم أن يكون دليلهم للقبض على المسيح، فرحَّبوا بالفكرة وأعطوه ثلاثين قطعة من الفضة وكلهم أمل أن يجدوا المسيح ويقتلوه، أرسل شيوخ اليهود مع يهوذا جنودًا ليقبضوا على المسيح. وحمل الجنود معهم مصابيح لأنهم ظنوا أن المسيح قد يكون مختبئًا في الظلام بين أشجار البستان.

وعندما وصل موكب الجنود إلى جثسيماني وجدوا المسيح، فسألهم «مَنْ تَطْلُبُونَ؟». أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضًا وَاقِفًا مَعَهُمْ. فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ» رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ (خوفًا من أن يهلكهم). فَسَأَلَهُمْ أَيْضًا: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟». فَقَالُوا: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». أَجَابَ: «قَدْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا هُوَ. فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هَؤُلاَءِ (التلاميذ) يَذْهَبُونَ». لِيَتِمَّ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ: «إِنَّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا» (يوحنا 18: 4-9).

وقد تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا. فأوثق الجنود يسوع وأخذوه لمحاكمته أولًا أمام رئيس الكهنة حنّان (يوحنا 18: 13).. ثم أخذوه لمحاكمة ليلية ثانية أمام رئيس الكهنة قيافا، بعدها جرت محاكمة ثالثة صباحية أمام مجلس السنهدريم اليهودي برئاسة قيافا، ثم حاكمه بيلاطس الوالي الروماني محاكمة رابعة، فأرسله ليحاكمه الملك هيرودس محاكمة خامسة. وأعاده هيرودس إلى بيلاطس لتُجرى المحاكمة السادسة والأخيرة والتي حكمت بصلبه.

في المحاكمة السادسة أمام الوالي الروماني بيلاطس سأل الوالي المشتكين على يسوع «أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا الإِنْسَانِ؟». فتهرَّبوا من الإجابة على سؤاله بقولهم: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ!». فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ». فَقَالَ الْيَهُودُ: «لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدًا» (يوحنا 18: 29-31) وقصدهم أنه مع أن يسوع لا يستحق الموت حسب شريعة روما إلا أنه يستحقه حسب شريعة موسى (يوحنا 18: 29-32). فأصدر بيلاطس حكمه بصلب المسيح، لا لاقتناعه بذلك بل لأنه أراد أن يُرضيهم ويُسكت صراخهم «إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ». فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ… فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ». فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ اصْلِبْهُ!». قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟». أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرُ». فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ (يوحنا 19: 12-16).

حمل يسوع صليبه إلى الجلجثة، وهي مكان عام يمرّ به كثيرون. هناك صُلِبَ ومَعَهُ لِصَّانِ، وَاحِدٌ عَنِ الْيَمِينِ وَوَاحِدٌ عَنِ الْيَسَارِ.. كان الصلب أردأ أنواع العقوبات من حيث فضح جريمة المصلوب، فَكَانَ المارة بالجلجثة يشتمون يسوع ويسخرون منه ويقولون له: «يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ! إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!». وَكَذَلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ مَعَ الْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ قَالُوا: «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيبِ فَنُؤْمِنَ بِهِ! قَدِ اتَّكَلَ عَلَى اللَّهِ فَلْيُنْقِذْهُ الآنَ إِنْ أَرَادَهُ! لأَنَّهُ قَالَ: أَنَا ابْنُ اللَّهِ!» (متى 27: 39-43).

وإذْ كَانَ يوم الجمعة يوم اسْتِعْدَاد للعيد، فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ، لأَنَّ يَوْمَ ذَلِكَ السَّبْتِ كَان عَظِيمًا (لأنه يقع في أسبوع عيد الفصح، أقدس السبوت عند اليهود) طلب الْيَهُودُ من بِيلاَطُسَ أَنْ يأمر بكسر سِيقَان المصلوبين الثلاثة ويُرفَعوا. وكان الجنود المكلفون بتنفيذ أحكام الصَّلْب يسندون المصلوب بوضع قطعة خشب تحت قدميه ليظل جسده مرفوعًا فيستمر يتنفس مدة أطول فتطول مدة عذابه. فإذا أرادوا أن يسرعوا بموته فإنهم يكسرون ساقيه فينكفئ ويختنق لأنه يعجز عن الاستمرار في التنفس ويموت بسرعة، فسمح بيلاطس لهم. فكسروا سَاقَيِ الأَوَّلِ وَالآخَرِ الْمَصْلُوبَيْنِ مَعَهُ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ.

وهناك شهادة أخرى أن المسيح مات، جاءتنا من اعتقاد الرومان أن جسم الإنسان مركّب من ماء ودم فيكون خروجهما من الجسد دليلًا على موت صاحبهما. ولما طعن أحد الجنود جنب المسيح بحربة «وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ». وَ(يوحنا) «الَّذِي عَايَنَ شَهِدَ وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ» (يوحنا 19: 35).

وهناك شهادة أخرى مُستمدَّة من أَنَّ عدم كسر ساقي المسيح كَانَ ليتِمَّ القول: «عَظْمًا لاَ تَكْسِروا مِنْهُ» (خروج 12: 46). وَيَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: «سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوه» (زكريا 12: 10).

الحقيقة التاريخية الثانية: دفن المسيح

تكفين المسيح ودفنه يبرهنان صدق نبوات التوراة، فلَمَّا كَانَت شمس نهار يوم الجمعة قد أوشكت على المغيب، وإِذْ كَانَ الاِسْتِعْدَادُ للاحتفال بعيد الفصح قد بدأ، جَاءَ مشير (مستشار) شريف اسمه يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ عضو مجلس السنهدريم اليهودي الأعلى، وكان غنيًا في الروحيات والماديات، وكان ينتظر مَلَكُوتَ اللَّه (مرقس 15: 43)، وكان صالحًا بارًا، ولم يكن متفقًا مع اليهود في ما فعلوه بالمسيح (لوقا 23: 50، 51) لكنه كان تلميذًا ليسوع في السر (متى 27: 57). وتَجَاسَرَ يوسف وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ سَرِيعًا. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: «هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟» فأجاب بالإيجاب. (وكان قائد المئة في تلك الأيام يقوم بدور ما نسمّيه اليوم «طبيب الصحة»). وَلَمَّا تأكد بيلاطس مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ أن المسيح مات استجاب لطلب يوسف ووَهَبَه الْجَسَدَ، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ الذي اشتراه.

وَجَاءَ أَيْضًا نِيقُودِيمُوسُ الَّذِي سبقَ أن زار يَسُوعَ لَيْلًا فكلَّمه عن الولادة الروحية الجديدة من الروح القدس، وكان نيقوديموس مثل زميله يوسف يحمل مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَنًا لتكفين مخلّصه. فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا، ولم يكن هناك وقت للبحث عن قبر خاص للمسيح، لكن كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ كان منحوتًا في صخرة لَمْ يُدْفن فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. فَهُنَاكَ دفنَا يَسُوعَ ودحرجا حجرًا كبيرًا على بابه، وَمَضَيا في سلام لأنهما قاما بواجبهما من جهة ربّهما بقدر إمكاناتهما.

بعد أن قام يوسف ونيقوديموس بدفن المسيح مضيا بسلام، لكن القلق استولى على شيوخ اليهود لأنهم كانوا يذكرون تعليم المسيح عند قبر لعازر حيث قال: «أَنَا هُو الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا. وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ» (يوحنا11: 25-27) فكانوا يخافون أن يقوم من الموت بمعجزة. وقالوا إنَّ «ذَلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ».

وكان شيوخ اليهود يخشون أن يأتي تَلاَمِيذُهُ لَيْلًا وَيَسْرِقُوا جسده بينما الحراس نائمين، ويدّعون أِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَات فطلبوا من بِيلاَطُس أن يرسل جنودًا لتشديد الحراسة على القبر، فقال لهم بيلاطس «عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ». فَمَضوا وَخَتَمُوا الْحَجَرَ بأن مدّوا خيطًا فوقه، ألصقوه من طرفيه بالشمع على باب القبر، ثم ختموا الشمع بختم بيلاطس الرسمي (متى 27: 62-66).

الحقيقة التاريخية الثالثة: قيامة المسيح

«وعِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ (وهو يوم الأحد) حدثت زَلْزَلَةٌ عَظِيمة شبيهة بالتي حدثت عند موت المسيح (متى 27: 51) لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ودحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ شديد اللمعان كَالْبَرْقِ، وملابسه ناصعة البياض. فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ، فأسرعوا وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ، فَاجْتَمَع الكهنة مَعَ الشُّيُوخِ وَتَشَاوَرُوا ثم قرروا أن يعطوهم فِضَّةً كَثِيرَةً، وقالوا لهم: «قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلًا وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. وَإِذَا سُمِعَ ذَلِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ». فَأَخَذ الحراس الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا قيل لهم (متى 28: 11-15).

ونحن نتساءل: إن كان كل الحراس نائمين فكيف عرفوا أن تلاميذ المسيح هم الذين سرقوا جسده؟ وإن كانوا كلهم أو بعضهم مستيقظين، فلماذا لم يمنعوا السرقة، أو لماذا لم يقبضوا على اللصوص؟ علمًا أنه بعيد عن التصديق أن كل الحراس كانوا نيامًا في وقت واحد.. أو أن التلاميذ الخائفين يحاولون أن يسرقوا جسد معلمهم من قبر مسدود بحجر عظيم ومختوم بختم الحاكم وتحت حراسة مشدَّدة.. وكيف يدحرجون الحجر دون أن يستيقظ الحراس على صوت الدحرجة؟ ومع كل هذه الأمور المستحيلة الحدوث يفتري شيوخ اليهود على الحق ويفترون هذا الكذب ويستغلّون سلطانهم الديني في إذاعة الباطل ليقنعوا الشعب به. ومن المؤسف أنهم لا يزالون حتى يومنا هذا يصدقون هذا الافتراء الذي لفَّقوه وينادون به!

لقد قام المسيح حقًا، وظهر لتلاميذه والمؤمنين به عشر مرات بعد قيامته، جرت خمسةٌ منها في أورشليم أو بالقرب منها يوم الأحد الذي قام فيه. أما المرات الخمس التالية فكانت أثناء الأربعين يومًا التي استمر المسيح فيها في أرضنا، بعدها صعد إلى السماء.

وقد جرت الظهورات الخمسة الأولي يوم أحد القيامة، وهي:

  1. ظهر لمريم المجدلية وحدها (يوحنا 20: 11-18).
  2. ظهر للنساء وهنّ راجعات من القبر (لوقا 24: 9-11).
  3. ظهر لبطرس وحده (1كورنثوس 15: 5).
  4. ظهر لتلميذين منطلقين إلى عمواس (لوقا 24: 13-35).
  5. ظهر للرسل في العلية في غياب توما (لوقا 24: 36-49).

الظهورات الخمسة التالية هي:

  1. ظهر للتلاميذ في العلية في أورشليم ومعهم توما (يوحنا 20: 24-29).
  2. ظهر لسبعة رسل عند بحيرة طبرية (يوحنا 21: 1-24).
  3. ظهر للأحد عشر رسولًا مع خمسمئة أخ على أحد جبال الجليل (متى 28: 16-20 و1كورنثوس 15: 6).
  4. ظهر ليعقوب (1كورنثوس 15: 7).
  5. ظهر للأحد عشر رسولًا في أورشليم وقت صعوده (أعمال 1: 3-8)

ولقد كتب رسول المسيحية بولس مؤكدًا قيامة المسيح قائلًا: «وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا» (رومية 1: 4).

د. القس منيس عبدالنور

* راعي الكنيسة الإنجيلية في قصر الدوبارة سابقًا.
* تخرج في كلية اللاهوت الإنجيلية في مايو 1949.
* خدم راعيًا في كنائس نزلة حرز، الكنيسة الإنجيلية في نزلة حرز، ثم الزقازيق، وأخيرًا قصر الدوبارة.
* نال عدة جوائز دولية منها: جائزة تقدير من معهد هجاي للخدمة المتميزة، جائزة الإيمان من الكنيسة اللوثرية بفنلندا عام 1997، جائزة الدفاع عن حقوق الإنسان من واشنطن عام 1999.
* أستاذ علم مقارنة الأديان في كلية اللاهوت الإنجيلية سابقًا.
* شارك في تأسيس مجلة أجنحة النسور، كما ألَّف وترجم أكثر من مائة كتاب باللغة العربية، تُرجمت ونُشرت له بعض من مؤلفاته باللغة الإنجليزية، ومنها هل قبلتم روح القوة، وبرهان يتطلب قرار لجوش ماكدويل، سفر التثنية.
* رقد في الرب يوم الإثنين الموافق 14 سبتمبر 2015.
زر الذهاب إلى الأعلى