الصليب هو الحل لمشكلة الخطية

في كورنثوس الأولى (1: 18، 22-24)، يتكلم الرسول بولس عن الكرازة التي يكرز بها. لقد ذهب بولس يكرز لليهود وذهب يكرز لليونانيين. واكتشف هذا الاكتشاف، أنه عندما توجه لليهود طلبوا منه أن يصنع معجزة وآية، وعندما توجه لليونانيين طلبوا منه أن يسمعهم فلسفة وحكمة.
وخرج الرسول العظيم بخلاصة مؤداها أن الناس في كل مكان بمختلف جنسياتهم يعلقون حل مشاكلهم على شيء من اثنين، فالبعض ينتظر معجزة لحل المشكلة والبعض ينتظر لحلها فكرًا وفلسفة. هذه هي خلاصة البحث العلمي العظيم الذي أجراه فيلسوف المسيحية وهذه هي النتيجة. فالعالم في شقه الديني وكل المتدينين في هذا العالم ليس لديهم أمل في حل مشاكلهم سوى أن تحدث معجزة، والعالم في شقه العلمي الفلسفي يعلق كل آماله على الحكمة والعلم والتكنولوجيا متصورًا أنها تحل مشاكله، ولكن بولس – ونحن الذين شرفنا الرب أن نكون خدامًا للمسيح نسير وراء بولس – فاجأ العالم بهذه القنبلة: أن حل مشاكل الناس ليس في معجزة ولا في علم. إذًا في ماذا؟ ما الذي تقدمه المسيحية من شيء يمكن أن يعلق الناس آمالهم عليه لحل مشاكلهم؟
قال لهم بولس إننا نكرز بالمسيح مصلوبًا، لليهود عثرة ولليونانيين جهالة، لكن الحل الذي يحلم به كل إنسان يكمن في هذا النجار المصلوب، ذاك الذي صلب هناك من الفي عام. وعليه رأى هذا الرجل صاحب العقلية الفذة – بولس الذي يقف حكماء العالم اليوم أمامه احترامًا، وتدرس رسائله، وبصفة خاصة رسالة رومية، إلى اليوم في جامعة أكسفورد، لتعليم طلاب القانون صناعة الحكمة والفلسفة والمنطق – أن حل مشكلة الإنسان هناك في مصلوب الجلجثة، وعليه فإنني أستخدم هذا العنوان وأقول بملء الفم: الصليب هو الحل.
دع الناس يقولون ما يقولونه. لقد قالوا كثيرًا هذا الشيء أو ذاك هو الحل. لكننا حتى لحظة مجيء المسيح سنظل نكرز بالمسيح مصلوبًا، وسنظل نعلن ما يعلنه الكتاب أن الصليب هو الحل، ولكن كيف يكون الصليب هو الحل؟ وكيف لإنسان مسمر اليدين أن يفك أسر الملايين؟ وكيف يستطيع من نكس الرأس على الصليب أن يرفع رؤوس الملايين؟ وكيف يعطى من مات الحياة للملايين؟ أنا لا أبالغ عندما أقول إن الصليب هو الحل. لكن كيف؟ دعونا نستمع معًا ونحن نرى كيف أن حبيب قلوبنا وشفيعنا وسيدنا ومخلصنا قد استطاع أن يخلصنا وهو مصلوب. إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأولى كثيرًا ونحن مصالحون نخلص بحياته. وكأنه يريد أن يقول لنا أن شخصًا خلصنا بموته فماذا يقدر أن يعمل وهو حي لأجلنا؟ إذ وهو مسمر على الصليب حررني، فماذا يقدر أن يعمل لأجلى وهو جالس الآن على عرش الله؟ ولكن كيف كان الصليب هو الحل:
1 – الصليب كان الحل لله.
2 – الصليب هو الحل للإنسان.
فالله عنده مشكلة لا يمكن أن ينكرها أى مفكر. ولنرجع إلى.( تثنية 21 : 18 – 21 ). هذه شريعة سجلها الروح القدس في أقوال الله المقدسة. لا أستطيع شخصيًا أن أجزم بأنها قد نفذت، ولم يذكر الكتاب ولو لمرة واحدة أن هذه الشريعة قد طبقت، ولا أتخيل أنها طبقت. ولكن هذه هي شريعة الله. لماذا لا أقدر أن أتخيل أنها طبقت؟ لأنني لا أعتقد أن أبًا وأمًا يمكن أن يأخذا بأيديهما ابنهما – الشاب الذي عانا في تربيته، الذي طال نومهما مرة ومرات لأجله، الذي ضحيا براحتهما لأجله – ويكونا هما وكلاء النيابة والشهود والقاضي الذي يصدر الحكم بموته، ويكونا هما اللذان يقدمانه بأيديهما إلى شيوخ المدينة ويظلا واقفين وهما ينظرانه يرجم بالحجارة حتى يموت. كيف تستطيع أم أن ترى رأس ابنها تنفجر منه الدماء؟ وكيف يستطيع أب أن يرى فلذة كبده يهوى تحت الحجارة ويخر صريعًا؟ كيف تستطيع العواطف والمحبة أن تفعل هذا الفعل؟ لم يسجل الكتاب أن هذه الشريعة قد طبقت ولو لمرة واحدة، ولا أعتقد أنها طبقت. ولكن هذه هي شريعة الله. لماذا؟
تم يكن الرجم لكى يستريح الأبوان، وكيف يستريحا بعد موت ابنهما؟ لم يكن يعقوب قاتلًا ليوسف لكنه فقط أرسله ليفتقد سلامة إخوته. وعندما أتوا إليه بقميص ابنه مغموسًا في الدم قال “وحش رديء أكله، افترس يوسف افتراسًا. فحاولوا أن يعزوه فأبى أن يتعزى. لماذا؟ أعتقد أنه عاش حياته نائحًا وهو يقول أنا السبب، لمجرد أنه هو الذي أرسل يوسف. إذًا لم يكن القصد من إماتة هذا الابن إراحة الأبوين، ولكن الكتاب يذكر لنا السبب ” فتنزع الشر من بينكم”.
هذا الولد معاند ومسرف ومارد وسكير. إنه لا يفعل شيئًا صالحًا. يقول له أبواه: افعل الصواب فلا يفعل. كن مهذبًا، ولكنه لا يقدر اضبط عينك، هو غير قادر على ذلك. اضبط لسانك، وهو غير قادر. اضبط شهواتك، ايضًا غير قادر. وهذا هو المعاند. لكن المارد أسوأ من المعاند، فالمارد يرسمون له الحدود فيتعداها، يضعون له العوائق فيتخطاها. ليس فقط لا يعمل الصالح، ولكنه يتلذذ بفعل الشر. ليس فقط لا يفعل الصواب ولكن يحلو له أن يعمل ما هو خطأ. إنه كتلة من الشر ومصدر وبؤرة فساد تشع شرًا. ليس هذا فقط بل إنه مسرف وسكير، وفي نفس الوقت هو لا يخضع لأي قانون ولا يحترم أية حدود. هو عبد لشهواته ينفق ويسرف، يأخذ ويدفع ويضيع لإشباع رغباته، ويشرب ويسكر. هو مسرف وسكير مثلما قال الابن الأكبر واصفًا الابن الأصغر ” أكل معيشتك – أى بذر مالك – مع الزوانى “، نعم فقد ” بذر ماله بعيش مسرف”.
إخوتي الأحباء إن هذا الابن كما قلت وجوده يمثل مشكلة، وعدم وجوده أرحم للأرض مائة مرة من وجوده. إنه مفسد ومدمر لنفسه وللآخرين، وسبب تعاسة لنفسه ولعائلته، والخلاص منه راحة لكل من حوله إلا لقلب والديه. قد تستريح المدينة، قد يستريح الجيران وتتطهر الأرض عندما ينزع منها هذا الفاسد. ولكن هناك قلبين سيظلان دائمًا كسيرين، هما قلبا الأب والأم، وسيعيش الأب حزينًا لأن ابنه – أحشاءه وفلذة كبده – مات.
مشكلة ليس لها حل. إذًا أقدر أن أقول إن هذا الأب يعانى من مشكلة مزدوجة، فإذا تستر على هذا الولد يكون قد أخطأ بتستره على مجرم ضد القانون، لأن قانون الله يلزمه أن يسلم ابنه هذا، الولد الفاسد المجرم. فإذا سلم الولد فإنه يكرم القانون حقًا ولكن قلبه سيتحطم. إنى لا أتخيل أبدًا أن هذا الأب من الممكن أن يعيش إذا أطاع القانون. هذا الأب كان في ورطة مرعبة: إما أن يتستر على ابنه فيكسر القانون ويحطم العائلة، وإما أن يسلم ابنه فيحكم عليه بالموت وعلى نفسه بالهلاك. فماذا يفعل؟ هذه مشكلة عويصة وقع فيها أب أرضى، ولكن أقول بكل احترام أن هذه المشكلة عينها كانت لدى الآب السماوي. فإن كنا نشفق على أب أرضى بقلب محدود لا يستطيع أن يهلك ابنه، فماذا نقول عن الآب الكبير “أحلى وأروع وأغلى أب”. هذا الأب الكريم العظيم الذي يقوت كل طير والذي قال معاتبًا أيوب: “من يهيئ للغراب صيده إذ تنعب فراخه إلى الله وتتردد لعدم القوت “. هذا الذي تصل به رقة قلبه ومشاعر الأبوة عنده إلى أن يهتم، ليس فقط بأولاده – أولاد البشر، أو أولاد الأشرار أيضًا ولا بأولاد الطيور الطاهرة، ولكن حتى بأولاد الغربان. عنده مشاعر أبوة تجعله لا يحتمل ان يظل فرخ الغراب جائعًا. فأي حنان هذا؟ ولكن الخطية دخلت إلى العالم. وأشرف الآب من السماء ليرى حال أولاده، فنحن بالخليقة ذرية الله، لكن كان تقريره: “ليس من يفهم، ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد “. لقد أشرف الآب العظيم من السماء فوجد أن كل الأبناء فسدوا ورجسوا معًا ليس بار ولا واحد. وكان إما أن يحطم القانون أو يحطم قلبه… هل من حل؟
إن كل الأديان تقول- بكل احترام لها – أنها تقف عاجزة عن تقديم الحل. فكل الأديان تعلمنا أن الله محب، وكلها تعلمنا أن الإنسان قد فسد. كيف يمكن للمحب أن يحل مشكلة أن فساد الإنسان يستلزم الحد طبقًا لقانون الله، وهذه الحدود هي حدود الله ولم يعملها الناس. إن قوانين الله تقول أن أجرة الخطية هي موت، فلا نحاول أن نخففها لنجعلها شيئًا أقل من هذا. لكن هذا الآب العظيم السماوي وجد حلا. ففي (تثنية 21: 22 -23) لم يقل “إذا فعل إنسان خطية حقها الموت ” ولكن ما أروع أن يقول: “إذا كان على انسان خطية حقها الموت فقتل “. فهو قتل لأنه عليه خطية حقها الموت. وما أروع هذا، إنسان ليس فيه خطية ولا عمل خطية ولكن” عليه خطية “. وهل من الممكن أن يوجد انسان ليس فيه خطية ولم يعمل خطية وتوضع عليه خطية؟ نعم وجد هذا الإنسان حتى أن بيلاطس الذي لا يفهم عندما أخرجه خارجًا قال “هوذا الإنسان”. إن هذا هو الأنسان الذي فيه الحل، الذي أرسله الله ليحال مشكلة الأب الواقع بين شقي الرحى، إما تحطيم القانون أو تسليم ابنه للموت. لقد برز انسان لم يعمل خطية حقها الموت ولم يكن فيه خطية حقها الموت ولكنه قبل أن يحمل خطية هذا المعاند والمارد والمسرف والسكير وعلق على خشبة. وكأن هذا الإنسان يقول للأب: خذ ابنك واذهب به إلى بيتك وعش معه هانئًا. لا تكسر قلبك ولا تكسر القانون. ارجع بابنك وافرح به، فها إنى أحمل الخطية التي حقها الموت. كان الصليب هو الحل لمشكلة الله. هل الله أب؟ نعم هذا ما يعلمه الكتاب أن الله هو أعظم أب وأب كبير وكل البشر هم أولاده بالخليقة. في إنجيل لوقا 3 يقول عن آدم أنه ابن الله، وكل أولاد آدم هم أولاد الله بالخليقة قال بولس وهو يعظ غظته الشهيرة في أريوس باغوس: “كما قال بعض شعرائكم لأننا أيضًا ذريته –أى ذرية الله ” فهو أب ونحن أولاده، ولكن قانونه يأمر بموتنا جميعًا0وكان أمام الله شيء من اثنين: إما أن يكسر قلبه المحب ويهلكنا، أو أن يكسر قوانينه ويستبقينا. فكان الصليب هو الحل لمشكلة الله.
هل تشعر أنك ردئ؟ هذا أمر حسن. ولكنى أقول لك أنك أردأ مما تشعر أو تتخيل ولكنك ما زالت ابنًا لله. هو أب. هل يحكى مثل الابن الضال عن خاطئ راجع أن عن مؤمن تائه؟ إنه يحكى عن خاطئ راجع، ولكن عندما كان في الكورة البعيدة هل كان ابنًا؟ نعم هو ابن مع أنه خاطئ. وهذا يختلف تمامًا عن (1 يوحنا 3): “انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله. ” ولكن البنوة التي نتحدث عنها مختلفة فهي بنوة بالخليقة. أنت ابن وغالى لأن الله يقول: لذاتي مع بنى آدم. أنت ابن فاسد ومعاند ومارد ومسرف وسكير ولكنك ابن. وأريد أن أقول لك إنك غير مَقدر، والذين يقدرونك يقدرونك طبقًا لمقاييس متعددة: ما تملك، شهاداتك، شكلك، وضعك الاجتماعي. لا تحاول أن تقنعني أن الناس يقدرونك لأسباب غير هذه. الناس يزنوك على قدر وضعك. إذا كان لديك الكثير فأنت تساوى الكثير، وإذا كان ما عندك قليل فانت تساوى القليل. لكن هناك شخص يقدرك دائمًا ويراك كبيرًا لسبب واحد هو أنك إنسان. أنت ترى أن هناك كثيرين من صنفك، ولكنه يراك بمفردك. هو يراك كابن وعواطف أبوته تتجه إليك. إنه يحبك. هل يوجد شخص ضال يشعر أن الله لا يحبه؟ – إذا كان يظن أن الله لا يحبه فعليه أن يعرف أن هذه أكذوبة. ثق أن الله بالنسبة لك هو أب وينتظر عودتك. وعندما ترجع إليه سيغمرك بالقبلات، لا تعديًا على قوانينه لأن قانونه استوفي حقه من هذا الإنسان الذي كان عليه خطية حقها الموت.
كان أبى يشرح لي دائمًا قصة الخلاص بأسلوب بسيط قائلًا: ثلاثة صلبان، واحد في المنتصف وآخر عن يمينه وثالث عن يساره. واحد الخطية فيه وعليه وهو اللص غير التائب وآخر الخطية فيه وليست عليه وهو اللص التائب، والذي في المنتصف الخطية عليه ولكنها ليست فيه. لأن كل من تاب وضع خطيته عليه. هل تحبه؟ هل تقدره؟ هل تقبل إليه وهل تقول له افتخر بصليبك؟ فالصليب هو الحل بالنسبة لله وليس فقط لحل مشكلته كأب، لكن الصليب هو الحل بالنسبة لله لإظهار صدقه ومحبته.
هناك أكذوبة قيلت من ستة آلاف سنة ونشرها الشيطان: أن الله لا يحب الإنسان، وللأسف مازالت الأكذوبة موجودة إلى اليوم وهناك أناس يصدقونها. ربما بأفواهنا نقول لا ولكن في داخلنا نجح الشيطان أن ينشر هذه الأكذوبة: أن الله لا يحب الإنسان. ولكن الإنسان- بلا شك – لديه عقل وهو يفكر : لماذا لا يحبني الله يا شيطان؟ يقول الشيطان : عندي دليل وهو أن الله حرمكم من الشجرة الشهية، ولو كان الله يحبكم يا حواء لترككم تأكلون منها. اما اليوم فالأمر ليس أمر شجرة، بل يوجد بدل الشجرة أشجار. ربما نجح إبليس مع أحدنا وغرس في قلبه هذه الأكذوبة: الله لا يحبك لأنه حرمك من المال، اومن الصحة أو لأنه حرمك من طفل، أو زوج يحبك ويفهمك. ولازال عدو – هذا السارق الذي ىذبح ويهلك – يدخل البيوت والقلوب والعقول وينشر هذه الأكذوبة: أن الله لا يحبك. وهو لخبرته الطويلة يعرف طيف يختار الوقت المناسب ليهمس في أذنيك بهذه الأكذوبة بمجرد أن تحدث لك مشكلة فيقول لك: أين محبة الله لك؟ أعرف أشخاصًا عندما خسروا كل شيء جاءهم الشيطان هامسًا: الله لا يحبك لأنه حرمك. وأعرف أشخاصًا مع أول إصابة بالأنفلونزا يقول لهم الشيطان: الله لا يحبك. والشيطان يفهم نفسية وشخصية كل واحد، ولا أعتقد أنه يوجد إنسان لم يهمس الشيطان في أذنيه: إن الله لا يحبك. أين محبته عندما رسبت في الامتحان؟ وأين محبته عندما غش الآخرون في الامتحان ونجحوا وأنت لم تنجح؟ وأين محبته والشريرة خطبت وتزوجت وأنتِ لا تجدين لكِ عريسًا وأين محبته وأنت تبحث عن شقة سكنية ولا تجد وغيرك يلعب بالمال لعبًا؟ أين محبته؟ لازال الشيطان يجول ويهمس بهذه الأكذوبة: أن الله لا يحب الإنسان ودليله الحرمان من شجرة. وما كان أسهل الرد عليه يا حواء، لكنه قد أعمى ذهنها. لقد كانت تستطيع لو فكرت وأحسنت الرؤيا ان تجيب أفضل إجابة وتقول له: نعم إنه حرمنا من شجرة ولكنه أسكننا في جنة، نعم إنه لحكمة لا أعلمها حرمنا من هذه الشجرة، ولكن لماذا أنتِ غبية يا نفسي؟ ولماذا تغمضين عينيك عن عطاياه وخيراته الكثيرة التي غمرك بها؟ لماذا تنسين كل حسناته أمام أول حرمان حرمك منه؟
لقد ظل الشيطان ينشر هذه الأكذوبة وظل الأولاد يتهمون الأب الكبير أنه لا يحبهم وما أقسى هذا على قلب الأب. لي ابن عمره خمس سنوات، وعندما يضايقني وأغضب منه يأتي إلى المكتب من ورائي ويقول لي أتحبني؟ فلا يسعني عندئذ إلا أن آخذه في حضني وأقول له: نعم يا حبيبي إني أحبك، إنني غضبت منك ولكنني أحبك0 إن أصعب شيء على قلب الأب أن يظن الابن أن اباه لا يحبه، ولا يحتمل ذلك خصوصًا إذا كان أب مثل أبانا. لكن جاءت اللحظة الحاسمة التي قدم فيها الآب الكبير العظيم أعظم برهان على محبته لأولاده. ماذا فعل؟ الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فليخرس كل لسان تطاول على هذا الأب متهمًا إياه بعدم المحبة. ليصمت كل فم وليقطع كل لسان ولتصمت كل نفس تتجاوب مع كذبة الشيطان أن الله لا يحبك.
عندي أعظم دليل وأعظم برهان من الفي سنة. ففي موضع الجمجمة هكذا أحبني الله حتى بذل ابنه الوحيد عنى. الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء. تقول لي فلماذا لم يعطني؟ أقول إنه يعطى ولكنه يهبنا معه. فالابن الأكبر كان يريد جديًا ولم يعطه بينما الصغير ذبح له العجل المسمن. وما هو الأغلى الجدي أم العجل؟ العجل طبعًا. نعم إنه يعطى لأن الابن الأكبر كان يريد جديًا ليفرح به مع أصدقائه، أما الصغير فأكل العجل مع أبيه. ” تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون رديًا لكي تنفقوا في شهواتكم. ولكن الله لا يمنع خيرًا ولا يحرمنا أبدًا ولكن سيعطينا معه كل شيء. لقد حل الصليب هذه المشكلة لله.
الصليب هو الحل لمشكلة الإنسان أيضًا. وما هي مشكلة الإنسان؟ إنني أستطيع أن أقرر كخادم للإنجيل وكطبيب نفسي أن مشكلة الإنسان نفسيًا وجسديًا وروحيًا هي في انفصاله عن الله. فأنا أتذكر سيدي عندما دلوا له على سرير رجلا مفلوجًا ورآه فقال له: “يا ابنى مغفورة لك خطاياك “. إنها عبارة عجيبة كانت كالقنبلة لرجال الدين. وكأنهم يقولون إن هذا الرجل الذي جئ به إليك لم يمسك وهو يزنى أو يسرق، ولكنه مفلوج، وهو محتاج لشفاء. هل يقول لهم: ” أنا متأسف لم آخذ بالى “؟ لا. إنه يفهم جيدًا، ويعرف جيدًا جدًا. إننا نبحث عن حلول كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد. وعندما قال له: “مغفورة لك خطاياك ” ابتدأوا يتذمرون فيما بينهم ويعترضون. فشعر أنهم هكذا يفكرون فسألهم سؤالًا بديعًا: ” ايما أيسر (بالنسبة لي) أن يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك أم أن يقال له قم احمل سريرك وامش؟ “. وإلى يومنا هذا هناك أناس يريدون مسيحًا يقول: ” قم احمل سريرك وامش “. وكان هذا بالنسبة للرب أيسر ملايين المرات، لأنه كان سيكلفه كلمة وقالها بالفعل وكأنه يقول: نعم من الأسهل أن أملأ الجيوب ذهبًا وأملأ الأجساد صحة واملأ العقول حكمة وأملأ الوجوه جمالًا، لو أننى أعرف أن سعادتكم في الذهب والصحة والمال والجمال والبيوت ما كنت أحرمكم منها أبدًا، ولكن مشكلتكم تكمن في شيء واحد هو خطاياكم. ولذلك أتيت أنا لأقول مغفورة لكم خطاياكم، مع الوضع في الاعتبار أنه لكي أقول لكم هذه العبارة فالأمر ليس سهلًا ابدًا، فينبغي ان أذهب إلى الجلجثة وهناك يستنزف كل دمى وأحمل هناك كل عار وهزء ويحترق في كل شيء.
لقد أتى المسيح أساسًا لكي يغفر الخطايا. فلكي يشفي كان يحتاج إلى كلمة، اما لكي يغفر فكان يحتاج لأن يصلب على الصليب. الذي إذ شتم لم يكن يشتم عوضًا، بل كان يسلم لمن يقضى بعدل. وهو الذي حمل في جسده خطايانا على الخشبة. كان الصليب هو الحل لمشكلة الإنسان الروحية، إذ بالصليب قُدم للإنسان غفران الخطايا. إن التعب الذي فينا نابع من الخطية، فأنت تحتاج أن تسمع من المسيح ” مغفورة لك خطاياك “. ربما سمعتها من أحد ولكنها لا تنفع لأنه لا يقدر أن يقولها إلا الذي دفع ثمنها. وأعتقد أن هذه أحلي كلمة سمعها المفلوج من الرب يسوع وهو يقول له يا بنى، يا غالى، مهما تكن خطاياك فيسوع يحررك. والآب أرسل ابنه الوحيد لكى يغفر لنا الخطية، فدم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية.
والصليب هو الحل أيضًا لمشكلة الإنسان النفسية. أهداني أحد الأحباء كتابًا جديدًا في الطب النفسي، ووجدت به فصلا ً عنوانه ” مفهوم الخطية ” فقلت في نفسي هذا أمر جيد جدًا أن يبتدئ الأطباء النفسيون يدخلون في موضوع الخطية. وبدأت أقرأ لكنني اكتأبت إذ وجدت الباحث العظيم يقول إننا اكتشفنا أن كل مشاكل الناس النفسية نابعة من شعورهم بالذنب، وأن الشعور بالذنب هو علة كل الأمراض النفسية وان علينا كأطباء نفسيين أن نعالج الناس بأن نجعلهم لا يشعرون بالذنب ولكن كيف؟ بأن نقول للناس أن ما يعملونه ليس خطية. ياللغباء!! وهل تعتقد أيها الطبيب النفسي أنك إذا قلت هذا الكلام لمريضك سيصدقك؟ إن الضمير صوته أقوى. ألم تقرؤا مرة في جريدة الأهرام عن هذا القاتل الذي سلم نفسه بعد جريمته ب 18 سنة – اسمه عبد الخالق – وقال: هربت من العدالة ولكنني لم أستطع أن أهرب من صوت الضمير. إن الضمير لن يهدأ بإقناع من طبيب نفسي. كيف يستريح الضمير؟ لا يمكن إلا من خلال صليب المسيح.
هناك قصة واقعية عايشتها وأحكيها كثيرًا عن شاب غير مسيحي مدمن وحاول الانتحار ونجا من الموت بأعجوبة، وبدا علاجًا نفسيًا معي، وأثناء العلاج قال لى لا تتعب نفسك معي، مهما عالجتني فسوف أنتحر، وحكى لي ما ارتكبه وسألني: هل أستحق أن أعيش؟ فقلت له أنت لا تستحق أن تعيش، أنت لابد أن تموت، ولكن لا تميت نفسك فهذا ليس من حقك ولكن الله هو صاحب الحق أن يميتك. وصحيح أن الله يميت الخاطئ ولكنه أيضًا يحب الخاطئ، وهو غفور رحيم. ابتدأ الكلام يعجبه فقلت له من الذي خلقك وأعطاك كل شيء، فصدق الكلام وأعجب بأن الله يحب ويسامح وابتدأ يأكل بعد أن كان رافضًا للطعام، وابتدأ يبتسم. ولكن بعد أيام عادت له الكآبة. سألته لماذا لا تريد أن تأتى إلى الجلسة؟ أجابني بالقول أنت تخدعني، سألته لماذا؟ فقال: أنت تقول إن الله يحبني، ولكن الذي ارتكبته من يدفع ثمنه؟ إن ضميره في داخله لم يقبل غفرانًا غير مدفوع الثمن، لكن صليب المسيح يعالج الإنسان نفسيًا لأنه لا يقول له: اذهب تركت لك كل شيء لأن الله طيب وعنده غفران كثير، ولا تفعل هذه الأمور ثانية. كلا! وإنما يقول له: مغفورة لك خطاياك، لأن المسيح دفع الثمن.
والصليب هو الحل لمشكلة الإنسان العملية. كيف؟ هو حل للفقر والجهل والمرض. إن الصليب قد أتى بيد القدير ووضعها في يد الضعيف، وأتى بيد الحكيم ووضعها في يد الجاهل، وأرجع الإنسان إلى الله. فهل أخاف على الضعيف وهو في يد القدير؟ وهل أخاف على الصغير وهو في يد الكبير؟ ولذا اقولها بكل ثقة أنه لا مشاكل على الإطلاق مادام الله معنا.
الصليب حل لمشكلة الله وحل لمشكلة الإنسان. هل قبلت عمل الصليب؟ وهل احتميت في المصلوب؟ هل هو يمثل لك كل شيء؟ هل هو أغلى شيء على قلبك؟ أم مجرد رمز تضعينه على صدرك؟ الصليب ليس حلية ذهبية نتحلى بها، وليس علامة نضعها على الأبنية، لكن الصليب بالنسبة لكل مؤمن هو موضوع الفخر والاعتزاز. هو حماي وهو ملجأي وفرحتي وفخري.