لماذا الصليب؟

يقول قائل لماذا الصليب؟ ولماذا هذا الذل وهذه المهانة المخزية؟ كيف يري التلاميذ قائدهم وبطلهم العظيم يربط ويجلد ويهان ويستهان به ويسمر علي خشبة العار بين لصين حتى الموت.
ونحن نتساءل ونتعجب نسمع رد المسيح وهو يقول بلغة المرنم المختبر “صليبي كان بدالك وقبري كان مكانك. أنا بدمي فديتك وبموتي قد أحييتك”.
في الصليب أشرق يومًا جديدًا هو يوم الخلاص. بدل المسيح نفسه عنا نحن الخطاة لينقذنا من حريق هائل ومرعب أبدي لا مفر منه. بل وجعل المؤمنين باسمه شعبًا له يرث السماء ويحيا معه إلي الأبد. ولو أردنا أن نلخص بركات الصليب نلخصها في أربع كلمات:
أولا: الكفارة.
وهذا هو المجال الطقسي في الهيكل. عنما يغطي الدم المسفوك للذبيحة الخاطئ فيتحول غضب الله عن الأنسان المحتمي في الذبيحة. بينما تعلن السماء غضب الله على جميع فجور الناس وأثمهم” (رومية18:1). يعلن الصليب رأفة وخلاص الله العظيم لكل من يؤمن “مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ” (رومية 24:3). وهكذا قاسي المسيح أهوال الموت والدينونة الرهيبة المحكوم بها علينا لكي يموت بدلًاعنا ويقدم نفسه ذبيحة للتكفير عن خطايانا فيقبلنا الله. وحينئذ ينظر الله إلينا دون أستياء ونحن ننظر إليه دون خوف.
ثانيا: الفداء.
وهذا في المجال التجاري يفدي شيء أي يشتري ويمتلك شيئا كان ملكا له قبلًا. أن سلب العدو أرض سيناء نفديها بأن نستردها مهما كان الثمن. إذ لم يكن في طاقتنا نحن أن نفدي أنفسنا دفع المسيح الثمن ليفدينا ليس من محتل غاشم بل من عدو أشد وأقسى الخطية والموت والرعب الأبدي “فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّة”ِ (عبرانيين 2: 14-15)،الفداء أنقذنا من حالتنا التعيسة وفكنا من أسر الخطية وقيود الشيطان ونقلنا من تحت سلطان إبليس لنكون أولاد الله في النور.
لم يفدنا بحيوان أو نبات أو جماد بل دفع الدم الكريم “عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيح”(1ِبطرس 1: 18-19). تخلي عن حياته بالموت لتصبح حياته متاحة لنا. خطايانا كلفته أغلي ثمن.
بشرائه لنا صرنا ملكا له فلا نحيا لأنفسنا بل نحيا حياة القداسة “أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ”(1كورنثوس 6: 19-20).
ثالثا التبرير.
ومجاله قاعة المحكمة فبدل من حكم الدينونة الثابت علينا أخذ المسيح تهمنتنا على الصليب. غفر لنا خطايانا فأبطل مسئوليتنا القانونية بتحمله القصاص. لأنه حمل عنا أثامنا صار موقفنا سليم أما الله “طُوبَى لِلَّذِي غُفِرَ إِثْمُهُ وَسُتِرَتْ خَطِيَّتُهُ. طُوبَى لِرَجُلٍ لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً وَلاَ فِي رُوحِهِ غِشٌّ” (مزمور 1:32). وننال التبرير بالإيمان وحده لأننا نعجز أن نبرر أنفسنا بأعمالنا او مجهودنا.
رابعا المصالحة
وهذا يشمل البيت والعائلة. الخصومة والعداوة انتهت إلي الأبد وصرنا قديسين وأهل بيت الله. العمل قد أكمل علي الصليب وأعاد العلاقة والصداقة لأنه سدد ديوني وعفا عني. أغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. هذه الكلمات قالها المسيح وهو معلق علي الصليب وأعلن محبته الكاملة حتى لأشر العداء. وعندما توقف الكلام تدفقت المحبة من الجنب المطعون.
“وَلَكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَة” (2كورنثوس 5: 18-19).