الصليب

اللاهوتي الإنجيلي بول تيليش، ومسألة الألم

عندما سئل اللاهوتي الانجيلي الألماني، بول تيليش، “لماذا حدثت هذه الآلام معنا؟”، أجاب “ليس لدي جواب. لكن لا تستطيع أن تسأل، لماذا حصل هذا الشيء معنا؟ فالآلام حصلت، ولا تزال تحصل مع الكثير من الناس. ليس لدينا أجوبة محدّدة، حول طبيعة العالم الذي نعيش فيه. فالفلسفة، قد تساعدنا في تحليل الأحداث التي نواجهها، لكن سؤالك الوجودي، إنما هو سؤال لاهوتي. الفلسفة تصيغ الأسئلة المتضمنة في الوجود الإنساني، واللاهوت يصيغ الأجوبة. إنها دائرة، تقود الانسان الى مرحلة، يصبح فيها السؤال والجواب، متحدين وغير منفصلين عن بعضهما. هذه المرحلة تصبح لحظة خارج الزمن، لأن السؤال الأساسي، هو الوجود الإنساني بنفسه. وبالتالي، يجب ألاّ نسأل لماذا يسمح الله بالألم؟ لكن علينا أن ندرك، أنه هناك شيء ما في أعماقنا، يدعونا، بل يؤهلنا لتحدّي الشر والتغلّب على الألم.

ان تفسير مشكلة الألم، تشكل التحدّي الأكبر والأصعب لمهمة الإيمان المسيحي. فكيف نفسّر للإنسان المؤمن آلامه، ونحن ندعوه للإيمان بالله الكلّي السيادة والكلّي القدرة والكلّي الخير؟ وهل هناك من اجابات من الكتــاب المقدس على أسئلتنــا الشائكــة هذه؟

يطلعنا إنجيل يوحنا في الاصحاح التاسع من انجيله، على اجابة المسيح لتلاميذه حول تساؤلاتهم عن ألم انسان ولد أعمى فاقد لنظره، محاولين معرفة سبب ذلك، فسألوه مستندين إلى الفكر السائد بين الشعب، “يا معلّم من أخطأ هذا أم أبواه حتى ولد أعمى؟” (يوحنا 9: 2). فأجاب المسيح قائلًا: “لم يخطئ هذا ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه”. وبالتالي فالمسيح لم يحمّل مسؤولية الألم لا لخطيئة الأب ولا لخطيئة الابن. ولكنه في نفس الوقت

لم يخبرنا عن سبب الألم، ولم يفسّر هذا السر اللغز لتلاميذه، إلا أن المسيح لم يقف مكتوف اليدين أمام ألم الأعمى، بل مدّ يده وساعده، فتفل على الأرض وصنع من التفل طينًا، وطلى بالطين عيني الأعمى، وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام. فمضى واغتسل، وأتى بصيرًا.”.

إن مشكلة الألم تطرق إليها عدد من آباء الكنيسة واللاهوتيين عبر التاريخ، أبرزهم القديس أوغسطينوس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي. في كتاباته حول “أصل وطبيعة وحلول مشكلة الألم والشر في العالم”، ذكر أوغسطينوس بأن خليقة الله جيدة في الجوهر لأن الله عندما خلق الكون (كما تقول قصة الخليقة في سفر التكوين)، فقد رأى ذلك أنه حسن، إنما بسبب الخطية المتمثلة في سقوط آدم وحواء، حدث تشوّه في الإرادة والحرية البشرية، مما أدى إلى إساءة الإنسان علاقته مع الله ومع نفسه، ومع الآخر، في المجتمع، وأيضا مع الطبيعة. ونتيجة لهذا التشوه الإرادي وتدهور العلاقة على كافة الأصعدة، ظهر ويظهر الشر بشكل متعاظم في العالم، يتجسد جزء منه في الحروب والقلاقل والمجاعات والآلام الأخرى التي يسببها الإنسان بسبب تشوه وفساد إرادته. لكن، بالرغم من محاولة القديس أوغسطينوس، وغيره تقديم تفسيرٍ جزئيّ لأسباب الألم في العالم، إلا أنه بالتأكيد لم يستطع سبر غور هذا اللغز الذي يبقى معرفته في سلطان الله. لقد تمنى الشاعر والفيلسوف عمر الخيام، الذي بعد تفكيره وبحثه في أسرار الحياة في القرن الحادي عشر، أمنية كبيرة مستحيلة التحقّق، فقال، ”إن رغبة قلوبنا لو نستطيع أن نعيد صنع الكون بدون ألم”.

القس سهيل سعود

* لبناني الجنسيّة، وهو راع للكنيسة الانجيلية المشيخية الوطنية في بيروت، ومسؤول رعوي لكنيستيّ الجميلية ومجدلونا المشيخيّة في الشوف.
*حاز على شهادتي: البكالوريوس في الأدب الإنجليزي، والدبلوم في التعليم من جامعة هايكازيان في بيروت عام 1986. وشهادة الماجستير في العلوم الإلهيّة من كليّة اللاهوت الانجيليةّ في الشرق الأدنى عام 1989.
* تولى العديد من المناصب في سينودس سوريا ولبنان،
*كاتب لأكثر من ستة عشر كتابًا يدور معظمها عن تاريخ الإصلاح الإنجيلي، كاتب صحفي في جريدة النهار اللبنانيّة. والعديد من المجلات المسيحيّة الأخرى.
زر الذهاب إلى الأعلى