هل الكنيسة تحارب الإرهاب؟

بعد ثورة 30 يونيو أَعلنت الدّولة مُحاربتها للإِرهاب، وعُرِفَ هذا في كُلِّ وسائل الميديا والإِعلام بـ “مصر تُحارب الإِرهاب»، لتُعلن عن أَهُبَّةِ استعدادها للتصدِّي لأَسلحة الإِرهاب الغادر والأَعمى. وَمن ثَمَّ تبادر إِلى ذهني بعض الأَسئلة مثل: هل للكنيسة دور في مُحاربة الإِرهاب؟ وكيف يُمكنها المحاربة؟ وما هي نوعيّة الأَسلحة الَّتي ستستخدمها الكنيسة لمُحاربة التَّطرُّف والمتطرّفين؟ فوجدت أَنَّ أَجوبة هذه الأَسئلة لا يُمكنني أَنْ أجدها إِلَّا عند شخص وحيد وهو شخص ربّنا يسوع المسيح، لأَنَّه هو الرَّأس والقائد للكنيسة، وهو الوحيد المُؤهّل قولًا وفِعلًا لمساعدة الكنيسة في هذه الحرب ضدّ الإِرهاب، الَّذي هو قديم بِقِدَمِ الإِنسانيَّة، فلا ننسى إِرهاب قايين لهابيل وقتلهُ، الَّذي كان في بداية الخليقة، لِنَعْلَم أَنَّ الإِرهاب ليس قضيّة العصر فقط، بل هو قضيّة البشريَّة مُنذ الْقِدَم.
لذلك سوف نُبْحِرُ ونتأمّل معًا في أَحد مُعجزات السَّيّد المسيح، والَّتي ستُساعدنا على فهم ماذا يُمكننا أَنْ نفعل في مُواجهة هذا الإِرهاب المليء بالكراهية للكنيسة وأَتباع المسيح، وماذا فعل المسيح في مُواجهة الإِرهاب والكراهية.
إِنَّ هذه المُعجزة هي مُعجزةُ شفاء أُذن عبد رئيس الكهنة المدعو مَلْخُس- والَّتي قُطِعَت بسبب فعلٍ طائشٍ غير واعٍ من أَحد تلاميذ الرَّبِّ يسوع وهو بطرس- وَهِي معجزة فريدة للغاية، عامرة بالمعاني والدّروس العميقة لحاضر الكنيسة اليوم، ولكنَّها تبدو باهتة لأَنَّها مُحاطة بأحداثٍ أَهَمّ، وهي أَحداث الصَّلب والقبض على المسيح، وأَخذه للمُحاكمة. وهي المعجزة الوحيدة الَّتي شفى فيها المسيح شخصًا أُصِيبَ بفعل فاعلٍ، كما أَنَّها آخر مُعجزة شفاء أَجراها المسيح عندما كان على أَرضِنَا مُتجسّدًا.
وردت هذه المعجزة في (متّ26: 47–54؛ مَر14: 43– 47؛ لُو22: 47-51؛ يُو18: 1-11)، فقد سُجِّلَت قصة هذه المُعجزة في كافّة الأَناجيل، وانفرد لُوقا الطَّبيب -الَّذي كان يُحبّ أَنْ يُظهر اهتمام المسيح ومحبّتهُ للنَّاس- بذكر أَنَّ المسيح شفى الأُذن المقطوعة. وانفرد يُوحنَّا بذكر اسم التَّلميذ الَّذي ضرب أُذن عبد رئيس الكهنة وهو بطرس، كما انفرد بذكر اسم الرَّجل الَّذي قُطِعَت أُذنهُ اليُمنى وهو مَلْخُس، ويرجِعُ السَّبب في ذلك إِلى أَنَّ يوحنا كان أَخرَ مَنْ دَوَّن سيرة المسيح، وكان بُطرس وقتها قد مات، فلم يَكُنْ هناك خطر على بطرس من ذكر اسمه، كما كان يُوحنَّا مُقرّبًا من الدَّوائر العليا، وكان معروفًا عند رئيس الكهنة فَعَرِفَ اسم عبد رئيس الكهنة ودوّنهُ لنا. ويُوحنَّا كَشاهدِ عَيَان يَعْرِفُ المسيح والضَّارب والمضروب، يُؤكّد لنا أَنَّ ما رآهُ حقٌّ وصدقٌ، لِنُؤمن نَحْنُ بالمسيح المُحبّ الغافر صانع المُعجزات. سجّل بقِيّة البشيرين مرقس ومتَّى بعضَ ما قالهُ المسيح من تعليمٍ خاصٍّ بهذه المعجزة، وسجّل متَّى أكثر مِمَّا سجّلهُ غيرهُ.
لذا يُمكننا أَنْ نُلقي الضَّوء على هذه المُعجزة في ثلاثِ أَفكارٍ رئيسيَّة، كُلّ فكرةٍ تتكلّم عن شخصٍ من شخصيَّات المُعجزة الرَّئيسيّة وموقفهِ واتجاههِ والثَّقافة الَّتي يُعبّر عنها كُلّ شخصٍ من هذه الشَّخصيّات الَّتي ما زالت موجودة في وسطِنا حتَّى الآن.
1- مَلْخُس عبد رئيس الكهنة، وثَقَافة التَّطرُّف والتَّعصُّب.
معنى اسمه «ملك» ولكن تصرّفهُ كان تَصرّفَ عبدٍ للخطيَّة. لم يكن حُرًّا يُقرر لنفسهِ، بل خَضَعَ لأَمر سيّدهِ رئيس الكهنة، فهو عبدهُ. وهو يختلف عن الّذين جاءوا للقبض على المسيح، فقد كانوا جنودًا يتقاضون أُجورهم، أَمّا هو فقد جاء متطوعًا، مُنطلقًا ومندفعًا بآرائهِ المُتطرّفة والمُتعصّبة المليئة بالكراهية للمسيح دون فهمٍ عميقٍ ودون بحثٍ جَادٍّ، وهذا ما نراهُ اليوم في شباب تنظيم داعش وكُلِّ التَّنظيمات الإِرهابيَّة، الَّذي هو عبد لأَفكارِ غيرهِ الَّتي تبنّاها دون بحثٍ عميقٍ في مفهوم الدِّين الصَّحيح، ورُبَّما مُنقادًا لهذه الأَفكار المُتطرّفة لأَنَّه عبد لِمَنْ يُطعمهُ ويُسدّد احتياجاتهُ الماديّة. إِنَّ مَلْخُس صورةٌ قديمةُ حديثة لِسَمَّة شباب العصر واليوم في مِصر الَّذي يُريد كُلَّ شيءٍ بسهولةٍ وبدون تعب، فهو يُريد الجنَّة بدون مجهودٍ رُوحيّ مع الله، فإِنَّه إِذَا قَتَلَ أَحدًا وما أَسهلها فإِنَّه سيربح ليس فقط الجنّة بل كُلَّ ما لَذَّ وطاب بها من حُورِيّاتٍ وغيرها، مَلْخُس صورة لشابٍّ يُريد أَن يَغْتَنِي بطريقةٍ سريعةٍ بِغَضّ النَّظر عن الوسيلةِ ظنّا منهُ أَنَّ الغِنَى هو الحلّ لكُلِّ مشاكلهِ الَّتي يواجهها في الحياة.
أَغلبُ الظَّنِّ أَنَّ مَلْخُس سَمِعَ الكثير عن المسيح من سيّدهِ، فرآهُ وحَكَمَ عليهِ من وجهة نظر سيّدهِ رئيس الكهنة، وقرّر أَنَّ المسيح يُعرّض الدَّولة كُلَّها للخطر، فالشَّعب يُريد أَن يُنصّبهُ ملكًا، ولو حدث هذا سيعتبرهُ الرُّومان انقلابًا ضدّهم، فيهاجمون البلاد ويُدمّرونها، ولذلك قال رئيس الكهنة: «خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلَا تَهْلِكَ الْأُمَّةُ كُلُّهَا.» (يُو11: 50). فَلْيَمُت المسيح إِذًا! (وهُنَا نرى الخلطَ بين الدِّين والسِّياسة) ولمَّا اقتنع مَلْخُس هذا الشَّابّ الحماسيّ المُندفع بهذا رافق الجُنود لِيُلقي القبض على المسيح، بهدف خدمة كُلّ الأُمّة وخدمة الله. وما إِنْ رأى بُطرس المُهاجمين قادمين حتَّى اسْتلّ سيفهُ وضرب مَلْخُس ضربةً طائشةً فقطع أُذنهُ.
مَلْخُس صورة للإِنسان المُتعصّب المُتطرّف الأَعمى «مَعْصُوب العينين والْفِكر حتَّى إِنَّهُ لا يُمكنهُ أَنْ يرى الحقيقة». كان عبدًا لرئيس الكهنة قَيَافَا ولم يستطِعْ أَنْ يُصبح عبدًا لله الحيّ الحقيقيّ. فالإِنسان المُتطرّف والأَعمى المليء بالكراهية والبُغض هو عبدٌ لأَفكارِ غيرهِ المُتطرّفة وعبدٌ لرغباتهِ ونزواتهِ الأَنانيَّة، الَّتي يُريد أَنْ يُشْبِعَها بطريقةٍ أَنانيةٍ، حتَّى لو قادتهُ للقتل والذَّبح، هو عبدٌ لإِلهٍ مريضٍ -يَخْتَلِقهُ بفكرهِ المريض- يَفْرَحُ بالقتلِ والذَّبح، وجنَّاتهُ لا يسكنها غير القاتلين وسفاكي الدِّماء.
2- بُطرس تلميذ المسيح، وثقافة العُنفِ والانتقام
كان التَّلاميذ مُمزّقين بين أَمرين: أَنْ يُدافعوا عن المسيح بالسَّيف، أَو أَنْ يبتعدوا عن العُنف كما علّمهم هو سابقًا عندما قال: «أَحِبُّوا أَعْدَائَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ». (متّ5: 44، 45). وعندما جاء الْجَمْعُ لإِلقاء القبض على المسيح في البُستان، سألهُ التَّلاميذ «يَا رَبُّ، أَنَضْرِبُ بالسَّيفِ؟» (لو22: 49).ولم ينتظر بُطرس الرَّدّ، لأَنَّه كان مُندَفِعًا كعادتهِ، فَلَمْ يَصْبِرْ بل استلّ سيفهُ بغير اتزانٍ وقَطَعَ أُذن مَلْخُس. لقد كانت دوافع بُطرس ليفعل ما فعلهُ كريمةً، وهي الدِّفاع عن المسيح البريء، لكنّ عملهُ كان خاطئًا بغير شكٍّ. وكثيرًا ما نتصرّف نَحْنُ تحت ضغط الإِلحاح فلا ننتظر حتَّى نسمع صوت الرَّبِّ، فنُخطئ. لذا يجب أَنْ يكون قلبنا دائمًا صابرًا أَمام الرِّبِّ مُنتظرًا تعليماتهُ، لنسألهُ سؤال بُولُس «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيد أَنْ أَفْعَلَ؟».
يبدو لأَوَّل وهلةٍ أَنَّ المُحتاج للمعجزة هو مَلْخُس، فقد قُطِعَت أُذنهُ اليُمنى، لكنّ المُحتاج الأَوّل للمُعجزة هو بُطرُس، ففي غضبٍ وحماسٍ طائشٍ استخدم العُنفَ في الرَّدِّ على العُنفِ. فقد كان يُريد قتلَ مَلْخُس، لكنّ العِناية أَنقذتهُ مِنْ أَنْ يقتِلَ إِنسانًا، فَأَكرم المسيحُ بطرس بنجاة مَلْخُس، كما أَكرم باقي التَّلاميذ. فلو مات مَلْخُس لأُلقِي القبض على بُطرس وعلى سائر التَّلاميذ الَّذين كانوا بِذَار الكنيسة الَّتي أَسّسها المسيح، ولكنّ المسيح مات على الصَّليب كمُتمرّدٍ سياسيّ وليس كَالْفَادِي والمُخَلِّص، ولكنَّ الرَّبّ حفظهم من الخطر. وأَكرم المسيح مَلْخُس، فلو أَنَّ بُطرس قتل مَلْخس لِمَاتَ دُون أَنْ ينالَ فرصةً ولو أَخيرة لِيتُوب عن خطاياه وكراهيتهِ. لقد رفض بُطرُس فكرةَ صلبِ المسيح. وكانت لبطرس غيرة شديدة على المسيح، لكنّها لم تَكُنْ حسب المعرفة. لقد استخدم العُنف مع أَنَّه ليس علاجًا، فهو بلا نتيجة ولا فائدة ولا ضرورة. فلنتعلّم كيف نُسلّم أَنفسنا لفكر المسيح، فيجب أَنْ نُعبّر عن محبّتنا للمسيح بطريقتهِ هو، وبحسب فكرهِ هو، فليكن فينا فكر المسيح.
بُطرُس هو صورةٌ لذلك الإِنسان الَّذي تملّكهُ شهوة الانتقام، فيُقرّر أَنْ يقتُلَ وينتقم كردِّ فعلٍ للقتل والإِرهاب (هل تتذكّروا تلك الشِّعارات الَّتي أَحيانًا نُردّدها كمسيحيّين بدون فهمٍ، وهي تُعبّر عن حُبِّ الانتقام والثَّأر مثل: بالرُّوح بالدَّم نفديك يا صليب، فهذا ما فعلهُ بُطرس)، وهذه هي ثقافة الثَّأر والانتقام المُنتشرة في بيئتنا المِصريّة. هذه هي ثقافة الْغَابِ وهي البقاء للأَقوى. هذه الثَّقافة هي ثقافة الكِبرياء الَّتي تعمل ضدّ الله ذاتهِ. وكُلُّنا نعلم أَنَّ الكبرياء أَي العيش باستقلاليّةٍ بدون الله هي سِرّ سقوط الشَّيطان الَّذي كان ملاكًا سابقًا، وسِرّ سقوط الإِنسان. فالانتقام في معناه هو أَنَّه من حقّي المُجازاة والقضاء، وهذا ليس من اختصاص الإِنسان بل من عمل الله الَّذي يقول: «لِي النَّقْمَةُ. أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ». (رو12: 19)، وكأَنَّنا بالانتقام والثَّأر نَجْعَلُ من أَنْفُسِنَا آلهةً يحقّ لنا أَنْ نقضي ونحكم ونُصدر الأَمر ونُنفّذهُ.
3- الرَّبُّ يسوع المسيح، وثقافة الحُبّ والتَّسامح
كان تعليق المسيح على ما عملهُ بُطرس: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لِأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِالسَّيْفِ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ». (مَتَّ26: 52). ولهذه الكلمة العظيمة معنيان:
الأَوَّل: لا تُعاقبهم أَنْتَ بل اتركهم لعدالة السَّماء. لقد حملوا السَّيْفَ وسيهلكون بِهِ «ساَفِكُ دَمِ الْإِنْسَانِ بَالْإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمَهُ». (تَكْ9: 6)، «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقْتُلُ بِالسَّيْفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ بِالسَّيْفِ». (رُؤ13: 10). وهذه ما يُعلّمهُ لنا المسيح اليوم، وهو أَنْ ندع الله يُحقّق العدالة بطريقتهِ وحكمتهِ هو عَزَّ وجلّ. وهذا لا يعني الاستسلام والخُنوع بل لِنُطالب بحقوقنا بشكلٍ سليمٍ بعيدًا عن العُنفِ والثَّأر والقتل، بطريقةٍ لا تُؤذي الآخر وتتناسب مع قِيَمِنا ومبادئنا المسيحيّة الرَّاقية.
الثَّاني: ليس المسيح مُحتاجًا إِلى معونةِ البشر للدِّفاع عنهُ. فعندهُ أَكثر من اثْنَيْ عشر جيشًا من الملائكة يُمكن أَنْ يقوموا بذلك. ولابُدَّ من تحقيق العدالة الإِلهيَّة الَّتي تقول «لِي النِّقْمَةُ. أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ». (رو12: 19). فالله ليس في حاجةٍ لِمَنْ يُدافع عنهُ، بل هو مَنْ يُدافع عنَّا، لذلك يجب أَلَّا نُقيم مِنْ أنفُسِنا أَوصياء على الإِيمان المسيحيّ ونعيش في دورِ حُماة الإِيمان كما يفعل الدَّاعَشَيُّون.
لقد شفى المسيحُ أُذنَ مَلْخُس عدوّهُ المُتعصّب وتصرّف بكُلِّ حُبٍّ وغُفران، ولا يستطيع شخصٌ آخر غيرهُ أَنْ يشفي أُذن مَلْخُس. وبهذا يُعلّمنا أعظم درس أَلا وهو زرع ثقافة الحُبّ والغُفران والتّسامح، وأَنَّ هذه الثقافة هي الوحيدة الكفيلة بمُحاربة الإِرهاب. فعلينا ككنيسة أَنْ نُحِبَّ ونغفرَ ونزرع تلك الثَّقافة بالتَّعليم وبخدمة مُجتمعنا الإِنسانيّ بطُرقٍ عمليّة، وبمحبّةٍ عاملة لِنُحارب جذور الإِرهاب أَلا وهو الجهل والفقر والمرض. تلك الجُذور الّتي يستخدمها عدوّ الخير لينشر ثقافتهُ وسياستهُ لتدمير البشريَّة بالقتل والإِبادة والكراهية. تلك هي الطَّريقة الَّتي يُريدنا المسيح أَنْ نُحبَّهُ بها.
فصليب الحُبِّ هُو الحلّ ليس لمُشكلة الإِرهاب فقط بل لمُشكلة الإِنسان الحقيقيَّة أَلا وهي الخطيَّة.
فصليب الحُبِّ هو الطَّريقة الَّتي استخدمها الله لخلاص البشريَّة من براثن الخطيَّة، لذلك علينا ككنيسة أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هذا هو الطَّريق الحقيقيّ والفِعليّ لمُحاربة الإِرهاب والكراهية، وهو أَنْ نُعبّر ونُعْلِنَ ونكرز عن هذا الصَّليب الَّذي نرى فيه قُوّة الله وقُوّة الحُبّ الشَّافي لكُلِّ البشريَّة بالكلام وبالفِعل أَيضًا. وليكن الحُبّ هو شِعارنا والثَّقافة الَّتي نُريد أَنْ نزرعها كما زرعها المسيح بصليبهِ ليفدي كُلَّ البشريَّة من غَيَاهِبِ الظَّلام والجهل وبراثن الخطيَّة والكُره. ويا ليت لنا ككنيسة أَنْ نُصلّي مثل هذه الصَّلاة الَّتي ردّد كلماتها وصلّاها فرنسيس الأَسيسي، قائلًا:
يَا رَبُّ… اجعلني أَداةً لنشرِ السَّلام.
دعني أَزرع المحبَّةَ حَيْثُ الحِقد،
التَّسامح حَيْثُ الغضب،
الْوِفَاق حَيْثُ الخِصَام،
الحقيقة حَيْثُ الجهل،
الإِيمان حَيْثُ الشَّكّ،
الرَّجاء حَيْثُ اليأس،
والفرح حَيْثُ الخوف،
أَيّهَا المُعلّم الصَّالح….
لا تَجْعلني أَطلب عزاءً لنفسي، بل أَنْ أُعزّي الآخرين، ولا أَنْ يَتفهّمني النَّاس، بل أَنْ أَتفهّم أَنَا الآخرين، لأَنَّهُ بالعطاءِ نأخذُ، ببذلِ الحياة نجدهَا، بالمغفرةِ يُغفرُ لنا، وبالموتِ والتَّخلِّي نُبْعَثُ إِلى حياةٍ جديدةٍ!!