ميلاديات

عيد الميلاد بين الشرق والغرب

يحتفل الأقباط بعيد الميلاد يوم 29 كيهك (الشهر الرابع حسب التقويم القبطي). وكان هذا اليوم يوافق 25 كانون الاول من كل عام، حسب التقويم الروماني ولقد تحدّد عيد ميلاد المسيح يوم 29 كيهك، الموافق 25 كانون الاول، وذلك في مجمع نيقية عام 325 م، حيث يكون عيد ميلاد المسيح في أطول ليلة وأقصر نهار (فلكيّاً). لكن في عام 1582 أيّام البابا غريغورى بابا روما، لاحظ العلماء أن يوم 25 كانون الاول (عيد الميلاد) ليس في موضعه، أي أنه لا يقع في أطول ليلة وأقصر نهار، بل وجدوا الفرق عشرة أيام، أي انه يجب تقديم 25 كانون الاول بمقدار عشرة أيام حتى يقع في أطول ليل وأقصر نهار.

وعرف العلماء أن سبب ذلك هو الخطأ في حساب طول السنة (السنة هي دورة كاملة للأرض حول الشمس)، إذا كانت السنة في التقويم اليوناني تُحسب على أنها 365 يوما و6 ساعات. ولكن العلماء لاحظوا أن الأرض تكمل دورتها حول الشمس مرّة كل 365 يوما و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، أي أقلّ من طول السنة السابق حسابها (حسب التقويم اليولياني) بفارق 11 دقيقة و14 ثانية، ومجموع هذا الفرق منذ مجمع نيقيا عام 325 محتى عام 1582 كان حوالى عشرة أيام، فأمر البابا غريغوري بحذف عشرة أيام من التقويم الميلادي (اليولياني) حتى يقع 25 كانون الاول في موقعه كما كان أيام مجمع نيقيا، وسمي هذا التعديل بالتقويم الغريغوري، إذ أصبح يوم 5 تشرين الاول 1582 هو يوم 15 تشرين الاول في جميع أنحاء إيطاليا. ووضع البابا غريغوريوس قاعدة تضمن وقوع عيد الميلاد (25 كانون الاول) في موقعه الفلكي (أطول ليلة وأقصر نهار)، وذلك بحذف ثلاثة أيام كل 400 سنة (لأن تجميع فرق الـ11 دقيقة و14 ثانية يساوي ثلاثة أيام كلّ 400 سنة)، ثم بدأت بعد ذلك بقية دول أوروبا تعمل بهذا التعديل الذي وصل إلى حوالى 13 يوما. ولكن، لم يعمل بهذا التعديل في مصر، إلّا بعد دخول الإنكليز إليها في أوائل القرن العشرين (13 يوماً من التقويم الميلادي) فأصبح 11 آب هو 24 آب. وفي تلك السنة، أصبح 29 كيهك (عيد الميلاد) يوافق يوم 7 كانون الثاني (بدلاً من 25 كانون الاول، كما كان قبل دخول الإنكليز إلى مصر، أي قبل طرح هذا الفرق) لأن هذا الفرق 13 يوماً لم يُطرح من التقويم القبطي.

أصل التقويم

قال هيرودوت المؤرّخ الإغريقي (قبل الميلاد بحوالى ثلاثة قرون) عن التقويم القبطي (المصري): إنّ قدماء المصريّين هم أول من ابتدع حساب السنة، وقد قسّموها إلى 12 قسماً وفق ما كان لهم من المعلومات عن النجوم. ويتضّح لي أنهم أحذق من الأغارقة (اليونانيين)، فقد كان المصريون يحسبون الشهر ثلاثين يوماً ويضيفون خمسة أيام إلى السنة لكي يدور الفصل ويرجع إلى نقطة البداية. ولقد قسّم المصريون السنة (منذ أربعة آلاف ومئتي سنة قبل الميلاد) إلى 12 برجاً في ثلاثة فصول (الفيضان – الزراعة – الحصاد)، وكان طول كل فصل أربعة شهور، وقسّموا السنة إلى أسابيع وأيام، وقسموا اليوم إلى 24 ساعة والساعة إلى 60 دقيقة والدقيقة إلى 60 ثانية وقسّموا الثانية أيضاً إلى 60 قسماً.

والسنة في التقويم القبطي هي سنة نجمية شعرية، أي مرتبطة بدورة نجم الشعرى اليمانية (Sirius)، وهو ألمع نجم في مجموعة نجوم كلب الجبار وكان المصريون يراقبون ظهوره الاحتراقي قبل شروق الشمس قبالة أنف أبو الهول التي كانت تحدّد موقع ظهور هذا النجم في يوم عيد الإله العظيم عندهم، وهو يوم وصول ماء الفيضان إلى منف (ممفيس) قرب الجيزة، وحسبوا طول السنة (حسب دورة هذا النجم) 365 يوماً. ولكنهم لاحظوا أن الأعياد الثابتة الهامّة عندهم لا تأتي في موقعها الفلكي إلّا مرّة كل 1460 سنة، فقسّموا طول السنة 365 على 1460، فوجدوا أن الحاصل هو 4/1 يوم، فأضافوها إلى طول السنة ليصبح 365 يوماً وربع، أي أضافوا يوماً كاملاً لكل رابع سنة (كبيسة). وهكذا، بدأت الأعياد تقع في موقعها الفلكي من حيث طول النهار والليل. وحدث هذا التعديل عندما اجتمع علماء الفلك من الكهنة المصريين (قبل الميلاد بحوالى ثلاثة قرون) في كانوبس Canopus(أبو قير حالياً بجوار الإسكندرية)، واكتشفوا هذا الفرق، وقرّروا إجراء هذا التعديل في المرسوم الشهير الذي أصدره بطليموس الثالث وسُميّ مرسوم كانوبس Canopus. وشهور السنة القبطية هي بالترتيب: توت، بابه، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، مسري، ثم الشهر الصغير (النسيء) وهو خمسة أيام فقط (أو ستة أيام في السنة الكبيسة). وما زالت هذه الشهور مستخدمة في مصر، ليس فقط على المستوى الكنسي، بل على المستوى الشعبي أيضاً، وخصوصا في الزراعة. وجعل الأقباط هذا التقويم (المصري) يبدأ بالسنة التي صار فيها دقلديانوس امبراطوراً (عام 284 ميلادية)،لأنه عذّب وقتل مئات الآلاف من الأقباط، وسُمي هذا التقويم بعد ذلك بتقويم الشهداء، وهو الآن في سنة 1715 للشهداء الأطهار.

التقويم الميلادي

كان يسمّى بالتقويم الروماني، إذ بدأ بالسنة التي تأسست فيها مدينة روما (حوالى 750 سنة قبل ميلاد السيد المسيح). وكانت السنة الرومانية 304 يوماً مقسمة إلى عشرة شهور، تبدأ بشهر مارس (على اسم أحد الآلهة الإغريق)، ثم أبريل (أي انفتاح الأرض Aperireبنموّ المزروعات والفواكه)، ثم مايو على اسم الآله (Maia)، ثم يونيو (أي عائلة أو اتحاد)، ثم كوينتليوس (أي الخامس)، ثم سكستس (السادس)، ثم سبتمبر أي (السابع)، ثم أكتوبر (الثامن)، ثم نوفمبر (التاسع)، ثم ديسمبر (العاشر)، ثم أضاف الملك نوما بومبليوس (ثاني ملك بعد روماس الذي أسس روما) شهري يناير على اسم الإله (Janus) وفبراير (Februa)Kأي احتفال لوقوع احتفال عيد التطهير في منتصفه، وبذلك أصبح طول السنة الرومانية 12 شهراً (365 يوماً).

في القرن الأول قبل الميلاد، لوحظ أن الأعياد لا تقع في موقعها الفلكي، فكلّف الإمبراطور يوليوس أحد أشهر علماء الفلك المصريّين، وهو سوسيجينيس Sosigene، لتعديل التقويم ليصبح مثل التقويم المصري في وقته، حتى تعود الأعياد الإغريقية الثابتة في مواقعها الفلكية، وذلك بإضافة ربع يوم إلى طول السنة الرومانية 365 يوماً وربع (مثل التقويم المصري)، وسمي هذا التقويم بالتقويم اليولياني، وذلك بإضافة يوم كل رابع سنة (السنة الكبيسة) لتصبح 366 يوماً. وهذا التقويم عُدِّل بعد ذلك في أيام البابا غريغوريوس الروماني بطرح 3 أيام كل 400 سنة، وسمي بالتقويم الغريغوري.

وفي القرن السادس الميلادي نادى الراهب الإيطالي ديونيسيوس أكسيجونوس بوجوب أن تكون السنة (وليس اليوم) التي ولد فيها السيد المسيح هي سنة واحدة، وكذلك بتغيير اسم التقويم الروماني ليسمّى التقويم الميلادي، باعتبار أن السيد المسيح ولد عام 754 لتأسيس مدينة روما، وفق نظرية هذا الراهب. وهكذا، ففي عام 532 ميلادية (أي 1286 لتأسيس روما)، بدأ العالم المسيحي باستخدام التقويم الميلادي بجعل عام 1286 لتأسيس مدينة روما هي سنة 532 ميلادية، (وإذا كان العلماء قد اكتشفوا أن المسيح ولد حوالى عام 750 لتأسيس مدينة روما وليس عام 754، إلّا انهم نهم لم يغيّروا التقويم حفاظاً على استقراره، إذ كان قد انتشر في العالم كله حينذاك).

وهكذا أصبح التقويم الميلادي هو السائد في العالم، وسمّيَت السنة التي ولد فيها السيد المسيح بسنة الرب، وهذه السنة هي التي تنبّأ عنها أشعياء النبي (أش 1:61،2) وسمّاها سنة الرب المقبولة (سنة اليوبيل في العهد القديم)، إشارة إلى سنوات العهد الجديد المملوءة خلاصاً وفرحاً بمجيء الربّ متجسّداً، ليجدّد طبيعتنا ويُفرح قلوبنا ويشفي مُنكَسري القلوب، وينادي للمأسوريين (روحيّاً) بالإطلاق وللعمي (روحيّاً) بالبصر، يرسل المنسحقين في الحرية. وهذه هي سنة الرب التي تكلّم عنها السيد المسيح نفسه قائلاً لليهود: “إنه اليوم قد تمّ (بميلاده) هذا المكتوب” (لو 16:4). فلنسبّح في ميلاد المخلّص قائلين مع الملائكة: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرّة” (لو14:2).

زر الذهاب إلى الأعلى