هل حقاً قام المسيح من الموت؟

هل قام المسيح فعلاً من الموت، أم توهم تلاميذه أنه قام؟ هل يمكن أن يكونوا هم الذين سرقوا الجسد بعد موته وأعلنوا أنه قام؟ ما هو الدليل على قيامة المسيح من الموت؟ لماذا كل هذا الاهتمام بحدث القيامة؟ وماذا تعني قيامة المسيح؟
صدق من قال إن قيامة المسيح هي حجر الزاوية الذي تقوم عليه الديانة المسيحيّة، فالمسيحيّة هي المسيح، تستمد وجودها من ميلاده، وحياتها من حياته، واستمراريتها من قيامته، وقوتها من شفاعته، فلو لم يكن المسيح قد قام لما صار للمسيحية وجود أو كيان، ولأمسى المسيح نفسه غير صادق في نبوته وتعليمه لتلاميذه عن قيامته من الموت، وفي رسالته للخلاص للخطاة الهالكين، الموتى بالذنوب والخطايا، لأنه كيف لميت أن يقيم ميتاً نظيره؟ وفي دعواه بأنه ابن الله الذي له الحياة في ذاته (يوحنا 5: 26).
من أجل هذه الأسباب قامت معاول الكثيرين لتنال من حقيقة قيامة المسيح. فمن قائل أن المسيح لم يقم مطلقاً، إلي مدعٍ بأن قيامة المسيح كانت من إغماء طويل انتابه نتيجة لآلام الصلب الرهيبة، ومن معتقد أن المسيح قام في مبادئه وتعاليمه، إلي مؤمن بأن المسيح قام في عقول وتصورات التلاميذ، الذين آمنوا أن المسيح لابد وأن يقوم فكان إيمانهم هذا وراء قيامة المسيح من الموت.
حقيقة قيامة المسيح
لا يشُك أحد من المسيحيين في حقيقة قيامة المسيح، كما أن قيامة المسيح لا تُعتبر عقيدة مسيحيّة، بل هي حقيقة تقوم عليها المسيحية وبدونها تسقط، ولأن المسيحية تتمحور حول شخص المسيح، ولا توجد مسيحيّة بدون مسيح، فإن قيامة المسيح تؤكد أن الله كان في المسيح يُعلِن تبرير وبر الإنسان، وتؤكد أيضاً صدق كل ما أعلنه المسيح عن الله، وعلَّم به عن نفسه، أنه ابن الإنسان الذي جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك.
إن قيامة المسيح مسألة لاهوتية من حيث المعنى، ولكن حقيقتها مسألة تاريخية، وتظهر حقيقة قيامة يسوع مراراً وتكراراً في العهد الجديد. فتسجل الأناجيل تعليم يسوع بأنه ينبغي أن يسلم ويقتل ويقوم من الأموات مرة أخرى. وتشهد جميعها بأن قبره كان فارغاً وأنه ظهر لتلاميذه كما قال. ويسجل سفر الأعمال الكرازة بالمسيح المقام كحقيقة محورية. كما أن رسائل العهد الجديد وسفر الرؤيا تصبح بلا معنى دون يسوع المقام.
تأتي حقيقة الإيمان بقيامة المسيح، مباشرة من تعليمه الذي علَّم به تلاميذه، فقد سجلت الأناجيل تعليم المسيح لتلاميذه عن قيامته من الموت فبعد أن أُعلن لهم أنه هو المسيح ابن الله، «مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلَامِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إلى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ» (متى 16: 21)، ومرة ثانية أكدَّ لتلاميذه حقيقة قيامته من الأموات، إذ قال لهم: «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إلى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الْإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إلى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إلى الْأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» (متى 20: 18، 19).
ولقد تأكّد التلاميذ وشاهدوا بأم أعينهم كيف أُلقيّ القبض على المسيح كما قال، وكيف صُلب وكيف مات وقُبِرَ ودفن، لكن قيامة المسيح ظلت حتى تلك اللحظة، تعليمًا يحتاج إلى تأكيد وبرهان.
كان المسيح قد سبق وأخبر تلاميذه بأنه «سَوْفَ يُسَلَّمُ إلى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» (متى 17: 23)، لكنه أخبرهم أيضاً ألا يُخبروا أحداً عن شخصيته أو حقيقة كونه المسيا المنتظر إلا بعد أن يقوم من الموت، فبعد حادثة التجلي الشهيرة كلَّم تلاميذه وأوصاهم قائلاً: «لاَ تُعْلِمُوا أَحَداً بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ» (متى 17: 9). يكتب مرقس أن التلاميذ: «حَفِظُوا الْكَلِمَةَ لِأَنْفُسِهِمْ يَتَسَاءَلُونَ: مَا هُوَ الْقِيَامُ مِنَ الأَمْوَاتِ؟» (مرقس 9: 10)، وها قد صُلِب المسيح ومات ودفن، كما قال، وما بقيّ فقط هو التأكد من قيامته، وهذا ما أكدَّت عليه ظهورات المسيح المتتالية لتلاميذه بعد قيامته، حيث يُقدٍَم لنا كُتَّاب العهد الجديد بالروح القدس قائمة بعدد المرات التي ظهر فيها المسيح بدءاً من ظهوره لشخص واحد هو مريم المجدلية (يوحنا 20: 14، مرقس 16: 6)، وانتهاء بظهوره لأكثر من خمسمائة شخص (1كورنثوس 15: 6)، وقد شهد التلاميذ بما رأوه، وأعلنوا أن المسيح قام من الموت كما قال، حتى عندما تشكّك توما تلميذ المسيح في حقيقة قيامة المسيح، وأقوال التلاميذ، نرى أنّ المسيح يظهر لتوما وهو مجتمع مع التلاميذ ويؤكد لتوما والتلاميذ المجتمعين معه، أنه هو نفسه يسوع المسيح، الذي عاش معهم، وهو نفسه الذي صُلِب ومات، قائلاً: لتوما: «وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تلاَمِيذُهُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: «سلاَمٌ لَكُمْ». ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إلى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً» (يوحنا 20: 26، 27).
انطلقت خدمة الرسل وكرازتهم ودعوتهم على حقيقة قيامة المسيح، ولم ينْفِ واحد من اليهود ولا من رجال الدين اليهودي وقتئذ قيامة المسيح، بل ظلوا صامتين.
يسجل لنا لوقا عظة بطرس يوم الخمسين (أعمال 2) ولكن أحداً من اليهود لم يقاوم بطرس، ولا نفى ما أعلنه عن قيامة المسيح، إن صمت اليهود يتحدث بصوت أعلى من كلام المسيحيين مؤكداً على صدق القيامة. لقد كانت قصة القيامة أضعف ما في المسيحية، وكان يمكن للأعداء أن يُصيبوها في مقتل، لو أن القيامة لم تكن قد حدثت حقاً. ولكن الأعداء ظلوا صامتين من جهتها. كان يمكنهم أن يحطموا الكنيسة والمسيحيّة بمهاجمة أكبر عقائدها، وهي قيامة المسيح، لكنهم لم يفعلوا. لقد ضربوا المسيحيين وجلدوهم وقتلوهم بسبب إيمانهم، وكان من الأسهل أن يقارعوا حجتهم بحجة أقوى! ولكنهم لم يفعلوا. ولا شك أن اليهود بذلوا جهدهم في فحص القبر وموضوع القيامة. ولو وجدوا لهم منفذاً لدحض هذه الحقيقة لسجَّلوها وحفظوها لتظل حجَّة في أيديهم. إن سكوت الأعداء شهادة بالقيامة لا تقلٌ عن شهادة الرسل.
قيامة المسيح تؤكد حقيقة كونه ابن الله
إنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن أن تكون قيامة المسيح دليلاً على أنه ابن الله؟، لقد أكدّ المسيح مراراً في تعاليمه ومعجزاته على أنه الله الظاهر في الجسد، ابن الله الذي هو والآب واحد، وإن كانت أعماله أكدّت صدق دعواه أنه ابن الله، بقيّ تحقيق ما أعلّنه عن موته وقيامته من بين الأموات ليؤكد بما لا يدعُ مجالاً للشك في حقيقة كونه ابن الله، وأن الله قَبِل ذبيحته الكفارية وخلاصه الذي قدّمه للبشرية، وهذا ما حدث، فقد قام المسيح ظافراً منتصراً علي الموت فأكد بقوة أنه ابن الله لأن الكتاب المقدس يشهد بأنه، «َتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا» (روميه 1 : 4). وهذا معناه أن القيامة أكدَّت صدق دعوى المسيح أنه ابن الله. فبما أن المسيح أعلن صراحة أنه ابن الله، فإن قيامته من الأموات كانت ختم الله تصديقاً على هذه الحقيقة. ولو أنه بقى تحت سلطان الموت، لكان الله بذلك قد نفى إدِّعاءه بأنه ابنه.
لقد ثبّت المسيح دعواه بأنه ابن الله الذي له الحياة في ذاته، القادر أن يقيم من الموت كل من آمن به، أسمعه يقول: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا» (يوحنا 11 : 25). وهو القادر على أن يخلص من الخطية كل مؤمن به (لوقا 19: 9). وكل معترف بربوبيته وبقيامته من الموت، يقول رسول المسيحية بولس: «لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ خَلَصْتَ» (روميه 10: 9). وعندما تساءل حافظ السجن المودع فيه بولس وسيلا طالباً الخلاص قائلاً: مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟» كانت الإجابة آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أعمال الرسل 16، 30 -31).
كما أكدَّت لنا قيامة المسيح أن الله قَبِل ذبيحته الكفارية، وأنّ خلاص المسيح خلاص كامل، ففي قيامة المسيح أعلن الله قبوله لعمل المسيح الفدائي لأجل البشرية، فقد أُسلِم ومات من أجل خطايانا، فلو لم يقم المسيح لكنا مازلنا نرزح تحت وزر خطايانا، ولأصبح المسيح عندها كأي إنسان أو نبيّ أو رسول عادي مات وانتهى من الوجود، لكن المسيح قد قام، فهو قام لأجل تبريرنا، أي إعلاناً عن أننا أبرار فيه، يكتب الروح القدس بفم رسول المسيحية بولس مؤكداً أن المسيح «أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رومية 4: 25).
إنَّ المسيح الذي مات من أجل خطايانا، أُقيم من أجل تبريرنا، وهو مازال إلي يومنا هذا يخلص ويقيم من موت الخطية كل من يقبله بالإيمان في قلبه، ويعترف به وبصلبه وبموته وبقيامته، لأنه هو وحده الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا» (كولوسي 1 : 14).