المسيحيون العربتراثنا

المسيحيون العرب.. أصالة العرق ومشروعية الوجود

(1)

لا اخشى على الامة العربية من عدو خارجي، فهذه الامة مطعمة ضد الاندثار والانكسار .. ومهما طال الزمن ومهما بدت في حالة موات، الا انها في لحظة ما تنهض، فتعاد الامور الى نصابها .. عودوا الى التاريخ لتتيقنوا من صحة ذلك.

لكننا نخشى على الامة من اعداء الداخل، أولئك الذين يعملون لصالح اجندات خارجية، او من أصابهم الجهل فصدئت عقولهم واصيبوا بعمى الالوان ولم يعودوا يميزون ما بين الطارئ وما بين اصول وعمق حضارتنا العربية الاسلامية.

(2)

من هؤلاء من يهدم كنيسة، او يقتل مسيحيا في بغداد لاعتقاده بانه يدخل الجنة؟ او ذلك الذي يمايز في المواطنة بين مصري او لبناني مسلم ومصري او لبناني مسيحي، لاعتقاده بأنه بذلك يخدم الاسلام؟ فهؤلاء لم يقرؤوا عهدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين دخل القدس واستقبله بطريركها العربي صفرونيوس، .. ففي تلك العهدة اعطى ابن الخطاب للمسيحيين “اماننا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، ولا تسكن الكنائس ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم”، بل ورفض ان يصلي في كنيسة القيامة حتى لا يكون ذلك في المستقبل حدثاً يخلق الخلاف بين المسيحيين والمسلمين.

(3)

لقد أسست تلك العهدة لعلاقة العيش المشترك وذلك الاحترام المتبادل لأبناء الامة الواحدة، بل وأسست لمفهوم الحضارة العربية الاسلامية للعلاقة بين الأديان. وكان ذلك التأسيس الفضل الاكبر بالفتح العربي الاسلامي لمصر، ذلك ان بابا مصر بنيامين القبطي وجه رسالة الى الأقباط بأن يستقبلوا الفاتحين العرب في ضوء تلك العهدة وذلك التسامح والقبول الذي يحمله العرب المسلمون اتجاه المسيحية. ولكم ان تتخيلوا ان مصر على سعة جغرافيتها وأهميتها وعدد سكانها قد تم فتحها من قبل عمرو بن العاص بأربعة آلاف فارس فقط .. فقد كان للفكر الايجابي الدور الاكبر في ذلك الفتح.

(4)

نسأل اليوم هؤلاء الجهلة القتلة والمحبطين، هل علموا بعهدة عمر بن الخطاب؟ هل علموا بان المسيحيين العرب، ومنذ بدء حضارتنا العربية الاسلامية وهم مشاركون ومساهمون أساسيون في صناعة تلك الحضارة، وفي الدفاع عن الامة العربية وفي رسم ملامح الفكر العربي المعاصر، والسعي نحو وحدة الامة ونهوضها؟، وأني احيل هؤلاء الى وثيقة المدينة المنورة التي وضعها رسولنا العربي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حين أسس لمفهوم المواطنة وحقوق الانسان واحترام خياراته.. عسى ان يتعظوا ويعلموا بان الاسلام دين تسامح وقبول بالأخر.

وبعد: ألم يقل الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز “.. ومن شاء فليكفر”، أيوجد هناك حق ابعد من هذا الحق للإنسان في حرية الاعتقاد؟. لا تقتلوا علينا ديننا ودعونا نفهم معنى سماحة وسلامة وعمق رسالة الاسلام.

جريدة الدستور الأردنية

سمير حباشنة

وزير دولة ووزير الزراعة في الأردن (سابقًا).
شغل منصب وزير الداخلية (عام 2004).
تم انتخابه في دورتين متتاليتين لمجلس النواب الأردني.
زر الذهاب إلى الأعلى