اللغة العربية والخادم المسيحي

اللغة العربية هي اللغة التي نتكلمها ونتعامل من خلالها ونفكر بها. إنها وسيلة الاتصال التي تربطنا بالمجتمع الذي نعيش فيه. واللغة العربية لغة سامية مثل العبرية، تُكتب من اليمين إلى اليسار. وقد جعل القرآن من اللغة العربية لغة واسعة الانتشار، تتحدث بها 22 دولة كلغة أولى، ولغة ثانية في العديد من البلدان الإسلامية [أندونيسيا ـ الفلبين ـ أفغانستان ـ ماليزيا ـ أجزاء من روسيا، والصين …]. ولا شك أن اللغة العربية تعاني الكثير من الضعف في العصر الحديث، وبدأ الناس يهملون دراستها، ولا يهتمون بنطقها وكتابتها بشكل صحيح. وإذا كان ضعف اللغة مشكلة يعاني منها المجتمع بشكل عام؛ فإن المشكلة تتضاعف بالنسبة للمسيحيين الناطقين بالعربية، إذ يتضاءل اهتمامهم باللغة إلى شكل خطير.
أسباب ضعف اهتمام الخادم باللغة العربية:
- الاعتقاد بأن اللغة العربية ليست لغة العصر، وأنها لا تتناسب مع التطور الحادث في مجالات المعرفة والكومبيوتر والدراسات الأكاديمية، الأمر الذي يتطلب تعلم لغة أجنبية.
- ضعف مستوى مدرسي اللغة العربية، وإصرارهم على تدريس اللغة بالطريقة التقليدية الكتّابية، وعدم تمكنهم من اللغة نطقاً ونحواً وكتابة.
- طرق التدريس العقيمة للغة العربية، والاعتماد على التلقين والحفظ دون الفهم؛ جعل اللغة العربية غير جذابة للمتعلمين؛ فانصرفوا عنها.
- ربط اللغة العربية بالإسلام ربطاً وثيقاً؛ جعل الخادم المسيحي يشعر أن هذه اللغة ليست لغته. بالإضافة إلى صعوبة دراسة اللغة لغير المسلمين لاعتمادها على العلوم الإسلامية والفقهية بشكل مطلق.
- تشتت المتعلم بين اتجاهين سائدين في المجتمع، الأول يدعو إلى التقعير [اللغة المعقدة]، والثاني يدعو إلى التسطيح [اللغة العامية]، الأمر الذي أدى إلى وجود جيل بعيد عن الاهتمام باللغة العربية.
- اعتماد بعض الخدام على المراجع الأجنبية، إذ يرون أنها تحتوي على مادة أعمق وأغزر من تلك المراجع المتوفرة باللغة العربية. مع ندرة شديدة في المراجع المترجمة للغة العربية، وإن وُجدت فهي وعظية تأملية، بلا فائدة تُذكر في الدراسات الأكاديمية.
- لغة الخطاب الديني المسيحي تميل إلى التسطيح الشديد، واستخدام اللغة العامية التي تقترب من لغة الشارع، مجاراة للمجتمع من ناحية، وعدم التمكن من اللغة من ناحية أخرى.
خصائص وسمات اللغة العربية:
- لغة سامية [مثل الآرامية والعبرية والكلدانية].
- لغة القرآن، التي يتحدث بها الملايين في اثنتين وعشرين دولة عربية.
- تتميز اللغة العربية بظاهرة الإعراب، حيث أن تغيير حركة آخر الكلمة يُغني عن ترتيب الجملة [جاء بالقطار السريع عادلُ ـ إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ].
- قدرتها على الاشتقاق، وتوليد المعاني والألفاظ [لعب، ملعوب، لاعب، ملعب، لعبه، ألاعيب، تلاعب].
- سعة مفرداتها وتراكيبها؛ فمثلاً هناك مئات الأسماء للناقة؛ لكن لكل اسم مدلوله ومعناه الخاص.
- قدرتها على التعبير، من خلال النثر والشعر والخطابة والرسالة.
- تتميز بما بها من صور وأساليب بلاغية.
وليل كموج البحر أرخى سدوله
عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
كما تتميز بأنها لغة شعرية عامرة بالمجاز والاستعارة والكناية. كما في قول إمرئ القيس:
مكر مفر مقبل مدبر معاً
كجلمود صخر حطه السيل من علِ.
أهمية دراسة اللغة العربية للخادم المسيحي:
بعد كل ما سبق يمكن أن نوجز أهمية أن يدرس الخادم المسيحي اللغة العربية فيما يلي:
- اللغة هي الوعاء الذي تنتقل فيه الرسالة للمجتمع. ومهما كانت قيمة الرسالة؛ فإنها تفقد قيمتها إذا فشلنا في نقلها بوضوح للآخرين.
- نحن نعيش في مجتمع لا يتحدث في غالبيته إلا العربية، ولا يتعامل إلا بها؛ فكيف يمكن أن نتواصل مع المجتمع دون أن نتمكن من لغته.
- موقع الخادم المسيحي، يحتم عليه تمثيل الكنيسة في مواقف ومحافل متعددة، وقد يتطلب الأمر تقديم كلمة؛ فإذا لم يكن الخادم قادراً على التحدث بلغة سليمة، فإن رسالته تفقد قيمتها، ولا سيما أننا نعيش في مجتمع يرى أن اللغة الركيكة ذنب لا يُغتفر.
- يحتاج التعبير عن الفكر اللاهوتي أن يكون في أعمق وأدق صورة، وهذا يتطلب معرفة الخادم باللغة بصورة جيدة.
- احتياج الخادم الدائم إلى البحث في المترادفات والمعاني، والكشف في المعاجم، والبحث في القواميس، وهذا يتطلب معرفة جيدة بأصول اللغة [أصل الكلمة، المشتقات، الإعراب، الصرف..].
- احتياج الخادم إلى التعبير عن رأيه كتابة، لا يقل عن احتياجه عن التعبير شفاهاً. ولن يتأتى له ذلك دون فهم لأساليب اللغة، ومعرفة قواعدها وآدابها وأساليب الكتابة.
- اللغة العربية تتمتع بتراث غني رائع، نحتاج فقط إلى التعامل معه بصورة عصرية. هذا التراث يركز على الكثير من المبادئ الهامة في صور روائية جذابة [البخلاء للجاحظ، كليلة ودمنة لابن المقفع، ألف ليلة وليلة ……].
بناء على ما سبق، فإن تعلّم اللغة العربية والتمكن منها ليس ترفاً، أو عملاً لا طائل منه؛ ولكنه أمر في غاية الأهمية للخادم المسيحي، يتوقف عليه إلى حد كبير تأثير رسالته وفاعليتها.