الكالفينيةعقيدتنا

العشاء الرباني في فكر كالفن

إن العشاء الرباني، هو فِعْلُ النعمةِ المُستمرّ الذي فيه يَقَوتُنا الآبُ كأطفالٍ له حتى نَصِلَ إلى الخُلودِ السمائي. والعلامات signs هنا هي الخُبزُ والخَمْرُ اللذان يُمَثِّلان لنا الغذاءَ الرُوحي الذي نَنَالُهُ مِنْ جَسَدِ يسوع المسيح ودَمِهِ. إنَّ هذه الكيفية التي يَتِمُّ فيها اتحادُ المسيح بالمؤمنين به هي سِرٌّ mystery لا يُمْكِنُ استيعابُهُ،

وقد بَسَّطَهُ اللهُ لنا (أيضًا بَسَبب مَحدودية عقولنا وبَلادَتِهَا) في صورة خُبْزٍ وخَمْرٍ، كَعَلامَاتٍ مَرْئِيَّة، لكي يُمكنَ لأكثر العُقول بَلادَةً أَنْ تَفْهَمَ أنّ نَفْسَنَا تَتَغَذَّى بِجَسَدِ المسيح ودمه كَمَا أَنَّ جَسَدَنَا يَتَغَذَّى بالخبز والخمر. فهذا السرُّ يُؤَكِّدُ لَنَا أنَّ جَسَدَ المسيح قُدِّم مَرَّةً كذبيحةٍ لأَجْلِنَا. والتَغَذِّي من جسد المسيح يعني التغذّي من ذبيحة المسيح، والتي بالأكْل والشرب منها يمكننا اختبارَ فَعَّالِيَّتها efficacy (متّى٢٦:٢٦؛مرقس٢٤،٢٢:١٤؛ لوقا١٩:٢٢-٢٠؛ ١كورنثوس٢٤:١١-٢٥). إنّ موت المسيح يُعْطِي حياة.

وبِمُقْتَضَى هذا السرّ sacrament، يُمْكِنُنَا أن نَثِقَ بأنه قد تَمَّ ضَمُّنا في جَسَدِ المسيح وأنَّ كلَّ ما له هو لنا. وبما أنّ ما له هو الحياة الأَبدية، إذًا فيَمْكُننا التَيَقُّن بأنَّ مِيرَاثَنَا الأبدي لن يُمْكِنَنَا فَقْدَه لأنه هو لايُمْكِنُهُ فَقْدَه. وهذا الاتحادُ يَعْنِي أَيْضًا أنَّ مَا لَنَا يَصِيرُ له. أيإنه أَخَذَ ما لَنَا، أيْ الخطية والذنب. إنَّ التجسُّدَ يَعْني أنَّ هذاالتبادُلَ قَدْ حَدَثَ. فالمسيحُ أخَذَ مَوْتَنَا وخَطِيَّتَنَا إذْ صَارَ ابنَ الإنسان، وحَسِبَ لنا خُلُودَهُ وبِرَّهُ، جاعِلاً إيَّانا أبناءَ الله.

بما أنّ الكتاب يقول: «خُذُوا، كُلُوا، اشْرَبُوا هذا هو جَسَدِي المَبْذُولُ لأجْلِكُم، وهذا هو دمي المسفوك لمغفرة الخطايا،» إذًا يُمْكِنُنَا بثقةٍ أن نَعْتَبَرهُم حقًّا مُستَعْلَنِينَ لنا، وكأنَّ المسيحَ نَفْسَهُ مُقَدَّمًا لِعُيُونِنَا. فَبِأَمْرِهِ إيَّانَا أنْ نَأْكُلَ، يُدَلِّلُ signifies المسيحُ أنه لنا وأنه قدصار واحدًا في الجوهر مَعَنَا. وبِقَوْلِهِ «جَسَدِي مَبْذُول لأجلكم ودمي مسفوكٌ لغفران الخطايا» يُبينُ المسيحُ أنَّ جَسَدَهُ ودَمَه ليسا فقط خاصَّتَه، بل خاصَّتَنا لأنه أَخَذَهُما وَوَضَعَهُما، لا مِنْ أَجْلِ مَنْفَعَتِهِ هو، بل لأَجْل خَلاصِنَا. لذلك، فالعناصر المَادية في الأسرار تَقُودُنَا بشكلٍ قِيَاسِي analogically إلى الأشياء الروحية،فالخُبزُ والخمر هما رمزان symbols لِجَسَدِ المسيح ودَمِهِ، لذا فَهُمَا يُوَجِّهَاننا إليهما كَذَبِيحَةَ المسيح الذاتية لأَجْلِ خَلاصِنَا. وهكذا، فالسرُّ هو أولاً دعوةٌ لأنْ نَتَذَكَّرَ ذبيحة المسيح، وعندئذٍ نتغذَّى عليها لِفَائِدَتِنَا. كما يَجِبُعلينا أنْ نَحْذَرَ التقليلَ مِنْ شَأْنِ السر mystery المُرْتَبِط بهذهالعلامات، الأمر الذي يُؤدي إلى تهميش هذه العلامات في الحياة المسيحية. كما يَجِبُ علينا أنْ نَحْذَرَ من المُبالغة في تَمْجيد هذه العلامات، الأمر الذييُؤدي إلى التقليل من شأن السر mystery.

نحن نحتاج أن نَتَفَادَى خَطَئَيْن. يَجِبُ علينا ألا نَفْصِلَ بين العلامة والسرالمرتبط بها. ولا يَجِبُ أنْ نُعَظِّم العلامة للدرجة التي فيها نُزِيحُ السر إلىالظل. كما إنه من الخطأ ألا نَرَى في السرِّ شَيئًا سِوَى تَعْليم، فَنَكُون بذلكمُتجاهِلِينَ أَمْرَ الرب بأنْ نَأْكُلَ جَسَدَهُ، كما إنه لا يُمكِنُنَا التفكيرَبِحُدُوث أيّ أَكْلٍ في السِرِّ سوى أَكْل روحي. ففي السر يَحْدُثُ شييءٌ حَقيقي real، وهو أننا نَشْتَرِكُ فيجسد المسيح المُعْطِي حَياةً، لَكِنَّنا لا نَأْكُل جَسَدَهُ حَرْفيًّا literally.

إنَّ جَسَدَ المسيح يُعْطِي حَيَاةً، ولكنْ لَيْسَ في ذَاتِهِ، إذْ إنَّه جَسَدٌ مَائِتٌ أَيْضًا. إنه يُعْطِي حَيَاةً بِمُقْتَضَى أَنَّه قد وُهِبَ خُلُودًا، إذْأَخَذَهُ الكلمةُ الذي له حياةٌ في ذاتِهِ بِمُقْتَضَى وحْدَتِهِ في الجوهر مع الآب الذي هو حياةٌ والمُعْطِي حياةً. وهكذا، فَجَسَدُ المسيحِ مثلُ يَنبوع غَنِيّ لا يَنْضَبُ، فَيَسْكُبُ فينا الحياةَ التي تَسْرِي مِنَ الطبيعة الإلهية إليه. ولذلك فإنَّ شَرِكَةَ الوحدةِ communion ضَرُورِيَّةٌ لِكُلِّ مَنْ يَرْجُو الحياةَ الأبديةِ. وشَرِكَةُ وِحْدَة المؤمنين مع المسيح هي سرٌّ عظيمٌ (أفسس٣٢:٥).

وبالرغم من أنه يبدو من غير المعقول لِجَسَدِ المسيح الذي تَفْصِلُهُ عَنَّا مسافةٌ بعيدةٌ أنْ يَنْجَحَ في الوصول إلينا صائرًا طَعَامًا لنا، دَعُونَا لا نُقَلّلُ مِنْ شَأْنِ قُدْرَةِ الروح الذي يَفُوقُ حَوَاسَّنَا. فَلْنَدَعْ إيمانَنَا يُدْرِكُما لا تُدْرِكُهُ عُقولُنا: إنَّ الروحَ القُدس حَقًّا يُوَحِّدُ الأشياءَ التيتَفْصِلُ المسافاتُ بَيْنَها. إنَّ حُضُورَ المسيح في السرِّ ليس تَصْوِيرِيًّا figurative. أنا أُقِرُّ بأنَّ كَسْرَ الخبز هو رَمْزٌ symbol، إذ أنَّه ليس الشيئَ ذاتَهُ. ولكن، بإظهار الرمْز، يُظْهَرَ أيضًا الشيءُ ذاتُهُ. فلو كان الرمزُ فارغًا، لَكَانَ اللهُ كاذبًا إذ أنه قال:«هذا هو جسدي.» وهكذا، بإعطاءِ الرمز، يُعْطَى أيضًا الجَسَدُ.

إنَّ سِرَّ العَشَاءِ المقدَّس يَتَكَوَّنُ من جُزْئَيْن: العلاماتُ المادية المرئّيَّة التي تُمَثِّلُ لنا الأشياءَ الروحيةَ، والحَق الروحي المَرموز له (المُمَثَّلُ) في العلامات. وهذا الحقُّ يَتَضَمَّنُ أشياءَ ثلاثة:

  1. الفعل الإشَارِي signification: والفعل الإشَارِي هو الوَعْدُ المَنْسُوجُ مع العلامة.
  2. الجوهر matter/substance:والجوهر هو المسيح بموته وقيامته.
  3. التأثير/الفعالية virtue/effect:والتأثير هو كل هبات المسيحالتي يُغْدِقُها علينا – أي الفداء والبر والتقديس والحياة الأبدية. وهذا التأثيرُيَعْتَمِدُ على المدلول والجوهر، ويَلِيهُمَا.

ففي سِرِّ العشاء وتحت رَمْزَيّ الخبز والخمر، المسيحُ حاضِرٌ لنا بالحَقِّ،بِجَسَدِهِ وبِدَمِهِ الذي فِيهِمَا أتَمَّ كل طاعةٍ لينال تَبْرِيَرنا. وهدف هذاالحضور هو أن نَتَّحِدَ مَعَهُ في جَسَدٍ وَاحِدٍ، ولكن باشْتِرَاكِنَا في جَوْهَرِهِ يُمْكِنُنَا اختبارُ قُوَّتِهِ بإعطائِنَا كل بَرَكَةٍ.

أنا أرْفُضُ عقيدةَ الاستحالة transubstantiation، والتي بِمُقْتَضَاها تُفَسِّرُ الكنيسةُ الكاثوليكيةُ حُضور المسيح مَكَانِيًّا local. فَبِحَسَبِ هذه العقيدة، نحن نَأْكُلُ  جَسَدَ المسيح حرفيًّا literally. … ولكن ما يَرْبِط المسيحَ بنا هو رُوحُ المسيح. فالمسيحُ يَسْكُنُ فِينَا بِرُوحِهِ (رومية ٩:٨).

إنَّ مَضمونَ عقيدة الاستحالة transubstantiation هو أن المسيحَ يُدَمِّرُ جَوْهَرَ essence الخبز، ويَحُل مَحَلَّه بدون تَغْيير عَوَارِضَهُ accidents، أي مَظْهَرَهُ. ولكن هذه العقيدة ليست أمينةً لِفَهْم اللاهوتيين القدماء عن حضور المسيح في الإفخارستيا Eucharist. إنَّ الحُضورَ الحقيقي للمسيح لَمْ يَعْنِي تَدميرَ العناصر، بل كان يَعْني أنَّ هذه العناصر صارَتْ صَنْفًا مُختلفًا مِنَ الطعام يَهْدُفُ إلى إطعام النَفْس. وهذا ما لا نَرْفُضُه. فلا يُمْكِنُ أن يَكُونَ هناك تَدميرٌ للعناصر. فلو كان المسيحُ الخبزَ النازلَ من السماء (يوحنا ٥١:٦)، إذًا فلابد للخبز المَرْئِي أن يَكُونَ وَسِيطًا يُمَثِّلُ الخُبْزَ السمائِيّ.

ويُوجَدُ رَأْيٌ آخَر يقولُ إنَّ حُضورَ جَسَدِ المسيح يَتِمُّ بمُقْتَضَى طبيعتِهِ الكُلَيَّة الحضور ubiquitous. فَهُمْ يقولون إنَّ المسيحَ حاضرٌ مع وفي وتحت الخبز. ولكنَّ المَعْنى النهائيّ لكل هذا هو نُسْخَةٌ أُخْرَى مِنَ الحُضُور المَكَانِيّ للمسيح. فَهُمْ لا يَفْهَمُون كيفيةَ نُزُولِهِ التي بها يَرْفَعُنَا إليه. إنَّهُمْ لا يَستطيعون التفكير في أيّ كيفية لتناول الجسد والدم، سِوَى بالمُصَاحَبَةِ المكانِيَّة local conjunction والتلامس، أو بشكل ما مِنَ الاحتواء.

ولكنْ إذَا كان جَسَدُ المسيح كُلِّيَّ الحضور، سَيَكُونُ حُضورُهُ مُجَرَّدَ ظُهُورٍ،مما يَجْعَلُ التجسُّدَ دُوسِيتَيًّا.

إنَ عَقِيَدتَيّ «الاستحالة» transubstantiation و»كُلِّيَّة حُضُور جَسَد المسيح» ubiquity لا تستطيعان أَنْ تُبَيِّنَا كَمَالَ جَسَدِ المسيح ودمه، الأمْرالذي يَتَطَلَّبُهُ مَسِيحٌ عليه أن يُعْطِينَا حياةً. إنَّ الحضورَ المكاني لايستطيعُ أنْ يَتَغَلَّبَ على هذه المشكلة، كما هي مُمَثَّلَة في حقيقةِ أنَّالعناصرَ يَتِمُّ تَقْدِيمُهَا مُنْفَصِلةً. وهذا سَبَبٌ آخَر لعَدَمِ صِحَّةِ هاتين العقيدتين. أمَّا الحَلُّ الذي أُقَدِّمُه أنا فهو أنَّ جَسَدَ المسيح ودمه حاضرين لنا إذْ نُرْفَعُ رُوحِيًّا لِنَشْتَرِكَ في المسيح بقوَّةِ الروح.

إنَّ حُضورَ المسيح في الإفخارستيا لا بُد أن يَتِمَّ وَصْفُهُ بكيفيةٍ تَحْفَظُ حقيقةَ لاهُوتِهِ وناسُوتِهِ. ولذلك،

  1. حضور المسيح لا يَجِبُ أن يُوصَفَ على أنه حَبِيسٌ لِحُدودِ العناصر المادِّيَّة، وإلا نَكُونُ قد سَلَبْنَاه مَجْدَه السمائي، وبالتالي نَكُونُ قد قَلَّلْنَا مِنْ طبيعته الإلهية.
  2. حضور المسيح لا يَجِبُ أنْ يُوصَفَ بدون أَبْعَادِهِ المادِّيَّة، أو بكيفيةٍ تَجْعَلُ جَسَدَه حاضرًا في مَكَانَيْن مُخْتَلِفَيْن في نَفْسِ الوَقْت، أو تَجْعَلُهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ أو كُلِّيَّ الحُضور في السماء والأرض. وإلا تَكُون طبيعةُ المسيحِ الإنسانيةُ غَير حقيقية، مما يُشَكِّلُ خُطُورَةً على خَلاصِنَا.

الضمير «هذا»، في «هذا هو جسدي» و»هذا هو دمي» (متّى٢٦:٢٦-٢٨؛ مرقس٢٢:١٤-٢٤؛لوقا١٩:٢٢-٢٠؛ ١كو٢٣:١١-٢٥)، يَفْهَمُهُ المؤمنون بعقيدة الاستحالة transubstantiation على أنه يُشيرُ إلىمَظْهَرِ الخبز والخمر. بينما يَفْهَمُهُ الحَرْفِيُّون literalists على أنه يُشيرُ إلى الجوهر، لكنهم عند شَرْحهمْ لوجهة نَظَرِهمْ، نجدهم يبتعدون عن فَهْمِهِمْ الحَرْفِيّ ويَقُولون إنَّ جَسَدَ المسيح هو مع وفِي وتَحْت الخبز.

ولكن كليهما خَطَأٌ، لأنَّهُما لا يَسْتَطِيعَان التفكيرَ في حُضُور جَسَد المسيح في العشاء بأيّ كيفيةٍ أُخْرَى، سِوَى في ارتباطه بالخبز. وبهذه الكيفية هُم لايُفْسِحُونَ مَكَانًا لِعَمَلِ الروح القدس السرِّي mysterious الذي يُوَحِّدُنَا بالمسيح. فَهُمْ يَفْتَرِضُون أنَّ المسيحَ لا يَستطيعُ أنْ يَكُونَ حَاضِرًا إلا بِنُزولِهِ إلينا، كما لو كُنَّا لا نَسْتطيع أن نَتَمَتَّعَ بِحُضورِهِ لو رَفَعَنَا هو إليه. وهكذا، فبالرغمِ من أننا نُوافِقُ على حَقيقةِ حُضُورِ المسيح،إلا إننا نَخْتَلِفُ حَوْلَ كيفيةِ هذا الحضور. فبينما هم يُحْضِرُون المسيحَ إلى أَسْفَل، أرَى إنَّه مِنَ الخَطَأ أنْ نْنْزِلَهُ من السماء. فبما أن هذا سرٌّ سمائيٌّ، فَلَيْسَتْ هناك ضرورةٌ لإنزالِ المسيحِ إلى الأرضِ لِكَيْ يَتَّحِدَبنا.

فهذا سِرٌّ لا يُمْكِنُ استيعابُهُ. وبصراحةٍ أكثَرَ، أنا أُفَضِّلُ أنْ أَخْتَبِرَهُ على أنْ أفْهَمَهُ. فَبِمَا أنَّ الربَّ يَقولُ «هذا هو جسدي ودمي»، وإنهما غذاءٌ وشَرابٌ يُنْعِشان الجسدَ والروحَ، فأنا أَثِقُ في كلمات الرب، وأؤمنُ أنه حَاضِرٌ بالحَقِّ في السرِّ. وبِتَنَاوُلِهِ، أنالُ تأكيدًا لقيامةِ وخُلودِ أجسادِنَا، إذْ يُحْيِي جَسَدُ المسيح الخالدُ أجسادَنَا ويُشْرِكُهَا في خُلُودِهِ.

ليس من المُهِمّ أنْ يَكُونَ الخَمْرُ أبْيَضًا أمْ أحْمَرًا، أو أنْ يَكُونَ الخُبْزُ مَكْسُورًا أو سَلِيمًا، أو أنْ يَكُونَ الخُبز مُخْتَمرًا أَمْ لا. فكل هذه الأمور مَتْرُوكَةٌ لِحُرِّيَّةِ الكنيسة. ولكن الإجراءَ السليم للعشاء يَكْمُنُ في مُمَارَسَتِهِ بِكَثْرَةٍ، على الأقل مَرَّةً أُسبوعيًّا. ويَجِبُ أَنْ تَبْدَأَ الخدمةُ بصلاةٍ عَلَنِيَّةٍ، تَلِيهَا عظةٌ، ثم تُوضَعُ العناصر على المائدة قَبْل أنْ يَتْلُو القسُّ كلماتَ التأسيسِ القانونية للعَشَاء، مُعْلِنًا الوَعْدَ الذي يُؤَكِّدُهُ، ومَانِعًا كُلَّ مَنْ يَمْنَعُهُمْ الربُّ من الاشتراك فيه. ثُمَّ يَجِبُ تقديمُ صلاةٍ لِكَيْ يَأْتِي السرُّ بِثَمَرِهِ في حَيَاتِنَا بِتَنَاوُلِهِ بإيمانٍ. ويَجِبُ الإقرارُ بِعَدَم استحقاقِنَا قَبْلَ تَرنيم بَعْض المزامير أو قراءة أجزاء من الكتاب المقدَّس. وعندئذ يَتِمُّ تَوزيعُ العناصر. وفي النهاية، لابد مِنَ الحَثّ على الإيمان الصادق وأَعْمَال المَحَبَّة. وأخيرًا، لابد من تقديم الشكر ورَفْع التسابيح لله.

إنَّ المعموديةَ هي سِرُّ الدخول للكنيسة والإقرارُ الأَوَّلِيّ بالإيمان. أمَّ االعشاءُ الرَبَّانِيّ فهو سِرُّ الغَذَاء المُسْتَمِر الذي يُغَذِّي به المسيحُ عائلَتَهُ رُوحيًّا. وبما أن هناك مَسيحٌ واحدٌ، هناك أيضًا معموديةٌ واحدةٌ. فالمعموديةُ لا يُمكنُ تكرارُهَا. أمَّا العشاءُ فَيَتَكَرَّرُ باستمرار. وحيثُ أنَّ هذه هي الأسرار التي أَسَّسَهَا الرَبُّ، لا يُمْكِنُ أن يَكُونَ هناك أَسْرَارٌ أُخْرَى. فَإِنَّ الأسرارَ يَتِمُّ تَعْيينُها مِنْ قِبَلِ الربَّ بِهَدَفِ تَوْجِيهِنَا لوعود الله وتأكيد مشيئته الصالحة مِنْ نَحْوِنَا. لذلك، لايُوجَدُ سِرٌّ لا يُصَاحِبُهُ وَعْدُ الخلاص. وحيثُ إَنَّه لا يُوجَدُ أَحَدٌ يُمْكِنُهُ تَحْقِيق الخلاص سِوَى الله وَحْده، لذا فَكُلُّ البَشَرِ مُجْتَمِعِين لا يَسْتَطِيعُونَ تَأْسِيسَ سِرًّا، لأنهم لا يَستطيعون أنْ يُقَدِّمُوا أَيَّ تَأكيدٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَةِ الله (إشعياء١٤:٤٠؛ رومية٣٤:١١).

[1]  JohnCalvin, Institutes of the Christian Religion, ed. Ford Lewis Battles (Louisville: WestminsterJohn Knox Press, 2006)

د. القس هاني يوسف

عميد كلية اللاهوت الإنجيلية سابقًا
زر الذهاب إلى الأعلى