شخصياتشخصيات كتابية

موسى

أعظم المرسلين بين البشر

يُعتبر مُوسَى؛ رجل الله، أكثر الشخصيات احتراماً وتوقيراً عبر كل التاريخ المقدَّس للشعب اليهودي في العهد القديم، وأيضاً في العهد الجديد. أعد الله مُوسَى ليكون “مخلِّصا” لشعب بني اسرائيل الذين عانوا الأمريْن من العبوديّة القاسيّة في “الطين واللبن وفي كل عمل الحقل الذي عملوه بالسُخرة” (خروج 1: 14) تحت سياط العنف الشديد. بعد أربعين سنة من “الهروب الكبير” جاء الله إلى مُوسَى ودعاه أن يعود إلى أرض مصر وأن يواجه فرعون القاسي حتى يُخرِج شعبَ الله من مصر.

بالطبع كان تجاوب فرعون مع دعوة مُوسَى مخيِّباً لكل الآمال إذ رفض طلبة مُوسَى، لكن الله حقَّق مشيئته في النهايّة وأخرج شعبه وملّكهم أرض كنعان، فبدأ التاريخ الحقيقي لأمة بني اسرائيل.

عودة إلى “دعوة مُوسَى”

لقد خاف مُوسَى جداً حينما دعاه الله في البريّة عند جبل الله حوريب. “ظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ. فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِالنَّارِ، وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ. فَقَالَ مُوسَى: «أَمِيلُ الآنَ لأَنْظُرَ هذَا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لاَ تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟». فَلَمَّا رَأَى الرَّبّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ الله مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: «مُوسَى، مُوسَى!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ».

ثُمَّ قَالَ: «أَنَا إِلهُ أَبِيكَ، إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ». فَغَطَّى مُوسَى وَجْهَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الله. فَقَالَ الرَّبّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزَّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. وَالآنَ هُوَذَا صُرَاخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَتَى إِلَيَّ، وَرَأَيْتُ أَيْضًا الضِّيقَةَ الَّتِي يُضَايِقُهُمْ بِهَا الْمِصْرِيُّونَ، فَالآنَ هَلُمَّ فَأُرْسِلُكَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَتُخْرِجُ شَعْبِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ» (خروج 3: 2 – 9).

عند هذه النقطة، حاول مُوسَى أن يتنصّل أو يتهرّب من المسؤوليّة. ولا شك أن المهمة التي دعا الله مُوسَى إليها كانت مهمةً ثقيلةً جداً، فلقد جمع “فرعون” في مصر القديمة كلَّ السلطات التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذيّة، وكان بالإجمال “ابناً للآلهة” فلا تُرفض له رغبة، ولا يُعصَى له أمر، بل إن “أحلامه كانت وحياً” من قبل الآلهة التي “ترشده وتقوده وتنصحه!”

في الأصحاحات 3، 4 من سفر الخروج نقرأ الحوار الطويل الذي حاول مُوسَى من خلاله التنصل من الدعوة الإلهيّة. (شكراً لله لأن محاولاته الخمس قد باءت بالفشل؛ فمُوسَى الذي صار مُنقِذا لبني اسرائيل من العبوديّة المرّة، وكاتباً للوحيّ، والمشرعَ الأنجب الذي عرفتْهُ البشريّة، وكليمَ الله الذي تمتّع بصداقته وصار يتكلم مع الله وجهاً لوجه؛ مُوسَى هذا لم يكن ليصل إلى تلك المنزلة العاليّة والمكانة الساميّة بغير الطاعة لإرادة الله. إن الطاعة لله، مهما بدتْ صعوبةُ الطريق، هي مفتاح البركة للخادم وسبب تتميم إرساليّة “الخلاص” للمخدومين. إن الطاعة هي الكلمة السحريّة في التعامل مع هذا الإله المحب الرحيم، المنقذ المخلّص!

والآن مع أعذار مُوسَى وكيف تعامل الله مع تلك الأعذار والمخاوف.

ما هي أعذار مُوسَى:

  1. الشعور بالنقص (الإحساس بالصغر)

                 «مَنْ أَنَا حَتَّى أَذْهَبَ إِلَى فِرْعَوْنَ، وَحَتَّى أُخْرِجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ؟» (خروج 3: 11)

             كيف عالج الله هذا الشعور بالنقص؟

  • بالوعد: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ.”
  • بإعطاء العلامة: “وَهذِهِ تَكُونُ لَكَ الْعَلاَمَةُ أَنِّي أَرْسَلْتُكَ: حِينَمَا تُخْرِجُ الشَّعْبَ مِنْ مِصْرَ، تَعْبُدُونَ الله عَلَى هذَا الْجَبَلِ» (خروج 3: 12).
  1. نقص المعرفة بالله: (من أنت يا من تدعوني لخدمتك؟)

           «هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟»

            (خروج 3: 13).

           كيف عالج الله هذا الاحتياج؟

  • لقد متّع الله مُوسَى بإعلان جديد عن ذاته. يالها من بركة! ففي الطريق إلى خدمة الله نتمتَّع بعمق جديد في معرفته والعشرة معه: “فَقَالَ الله لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». وَقَالَ: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ» (خروج 3: 14).
  • ما معنى “أهيه؟”
  • كيف تدرجت معرفة الجنس البشري لله في سفر التكوين؟ (ذكر أسماء الله في سفر التكوين ومعاني هذه الأسماء).
  1. الخوف من الفشل ومن عدم تصديق الشعب له: «وَلكِنْ هَا هُمْ لاَ يُصَدِّقُونَنِي وَلاَ يَسْمَعُونَ لِقَوْلِي، بَلْ يَقُولُونَ: لَمْ يَظْهَرْ لَكَ الرَّبّ» (خروج 4: 1).
  • والعلاج الإلهي: “صنع الآيات والمعجزات”. لا معجزة واحدة ولا اثنتيْن، بل ثلاث معجزات. إحدى تلك المعجزات الثلاث هي معجزة دينونة؛ ففي تعاملنا مع الله إما أن نقبل بالنعمة أو نُواجَه بالنقمة، إما أن نتمتّع بالرحمة أو أن نُؤْخَذ بالندينونة؛ فالإنجيل، في الحقيقة، هو “لِهؤُلاَءِ رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ، وَلأُولئِكَ رَائِحَةُ حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ” (2 كورنثوس 2: 16). والتحذير القديم ما زال سارياً نافذ المفعول: ” اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ” (تثنية 30: 19).
  1. ضعف الإمكانات:
  • لا أستطيع لأنني بالفطرة لستُ خطيباً مفوهاً ولا واعظاً قديراً «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِين كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ» (خروج 4: 10).
  • والعلاج الذي يقدِّمه الله هو: “«مَنْ صَنَعَ لِلإِنْسَانِ فَمًا؟ أَوْ مَنْ يَصْنَعُ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى؟ أَمَا هُوَ أَنَا الرَّبّ؟ فَالآنَ اذْهَبْ وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَأُعَلِّمُكَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ» (خروج 4: 11، 12).
  • لا يحتاج الْمَسِيح إلى أكثر من خمس خبزات وسمكتيْن لإشباع الجموع.
  • الله يُؤهِّل المدعوين لكنه لا يدعو المؤهلِّين.
  • نماذج تاريخيّة ومعاصرة لخدام خدموا الله بإمكاناتهم الضعيفة ونجحتْ خدمتهم.
  1. الاعتذار بالمطلق (بدون إبداء الأسباب):
  • “فَقَالَ: «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلُ» (خروج 4: 13).
  • والعلاج الإلهي: خذ معك رفيقاً أو صديقاً”«أَلَيْسَ هَارُونُ اللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضًا هَا هُوَ خَارِجٌ لاسْتِقْبَالِكَ. فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ، فَتُكَلِّمُهُ وَتَضَعُ الْكَلِمَاتِ فِي فَمِهِ، وَأَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ وَمَعَ فَمِهِ، وَأُعْلِمُكُمَا مَاذَا تَصْنَعَانِ. وَهُوَ يُكَلِّمُ الشَّعْبَ عَنْكَ. وَهُوَ يَكُونُ لَكَ فَمًا” (خروج 4: 14 -16).
  • ثنائيات: مُوسَى وهارون، الرَّبّ يَسُوع أرسل تلاميذه اثنين اثنيْن، بُولُس وتِيمُوثَاوُس، بَرْنَابَا ومرقس.
  • الواحد بألف والاثنان بربوة: المتواليّة الهندسيّة.
  • من هو رفيقك في الخدمة؟
  • أخيراً: تعالوا نتخيّل حجم الخسارة التي كانت ستنجم لو استمر مُوسَى في رفض الدعوة الإلهيّة. تعالوا نتخيّل. (سؤال مفتوح لإثارة الذهن).

القس أشرف شوق بشاي

* تخرج في كليّة الإعلام جامعة القاهرة في 1994م، ثم تخرَّج في كليّة اللاهوت الإنجيليّة عام 1998م، وفي كليّة الحقوق جامعة القاهرة في 2005م،
* خدم راعيًا للكنيسة الإنجيليّة في المعادي لمدة 12 سنة.
* حصل على ماجستير في تاريخ الكنيسة في كليّة اللاهوت الإنجيليّة في القاهرة 2012م، ثم ماجستير الدراسات الكتابية من بنسلفانيا عام ٢٠١٥م،
* يدرس الأن الدكتوراه في فيرجينيا بالولايات المتحدة.
زر الذهاب إلى الأعلى