إن لم يكن المسيح قد قام؟

” وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ ” (1كورنثوس 15: 14) وأيضاً (يوحنا 20، 1كورنثوس 15: 1–28).
ظهرت طائفة من الناس في كنيسة كورنثوس أنكرت قيامة المسيح من بين الأموات.
ولا نعلم من أين دخل عليهم هذا الضلال، لذلك قصد الرسول بولس أن يذكر الكنيسة بأنَّ الإيمان بالقيامة من أهم عقائد الإنجيل الجوهرية التي نادى بها. وعلى القيامة يتوقف خلاصهم ولذلك نراه يبرهن على أن المسيح قام من الموت في اليوم الثالث، فتكلم عن ظهور المسيح بعد قيامته لبطرس ثم للاثنى عشر، ظهر أيضا لأكثر من خمسمئة أخ في وقت واحد – كان أكثرهم أحياء في ذلك الحين – وقد ظهر ليعقوب وظهر لكل الرسل، ثم ظهر لبولس أيضًا، وكان هذا الظهور نقطة التحول في حياته.
عقيدة القيامة من أهم العقائد ولا يمكن للإنسان أن يكون مسيحيًا مؤمنًا وينكر القيامة، فقيامة المسيح هي ضمان لقيامة شعبه. نعم قام هو أولاً وشعبه يقوم عند مجيئه، ونحن نشكر الله لأن قصة المسيح لم تنته بالصلب والموت، ولكن انتهت بالقيامة والحياة. فكان اللحن الأخير من حياة المسيح ليس القبر واللحد لكنه الانتصار ولذلك كتب بولس إلى الكنيسة في كورنثوس وفند الحجج وأظهر خطأ المعتقد بأن المسيح لم يقم وأظهر لهم فداحة الخسارة من عدم قيامة المسيح. ولذلك قال «إن لم يكن المسيح قد قام” لأصبح الطريق مخيفًا عليه ظلام الليل الدامس حيث الرعب والفزع والمخاوف والأخطار والأحزان. ونحن نفرض هذا الفرض ونرى عواقب هذا الفرض في بعض الملاحظات.
فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم:
أولًا: بطلان الكرازة إذا لم تكن القيامة حقيقة
«إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا «. أساس الكرازة هي قيامة المسيح من الأموات، والرسل كرزوا بأن المسيح قام وأنه الآن حي، وشهدوا له أنه قادر على الخلاص بالقيامة من بين الأموات. لكن لو كان المسيح لا يزال في قبره لا يستطيع أن يخلص لأن الميت لا يخلص الأحياء. لو كان المسيح لا يزال في القبر، فكل الكرازة
والتبشير يصير خاليًا من الحقيقة وتكون الكرازة عبارة عن أضاليل وأكاذيب والعظات عبارة عن خرافات مصطنعة لا أساس لها من الصحة.
إذا كانت القيامة باطلة فالكرازة أيضا باطلة، فإذا بشرت الناس بالسماء فليس لها أمجاد وإذا أنذرتهم بالجحيم فليس لها نار وإذا حدثتهم عن الصليب لم تجد فيه ذبيحة عن الخطية، وإذا بشرتهم بمجيء المسيح ثانية لا صدق في رجوعه، وإذا نظرت إلى المستقبل فلا عزاء والموت هو فراق وانقطاع إلى الأبد، والصلاة هي ممارسات غير نافعة مجدية، وإذ فعلت الخطية فهي بلا غفران.
إن لم يكن المسيح قد قام فالكرازة من أيام نوح إلى هذه الساعة باطلة. كرازة الأنبياء والرسل، كرازة مشاهير الوعاظ في مختلف الأجيال والدهور. وسحابة الشهود التي خدمت ونشرت وواجهت المتاعب والمصاعب وتحملت الاضطهادات والضيقات هؤلاء جميعًا كذبة أفاقون لأن مسيحهم لم يقم كما يقولون نعم «إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا، ونوجد نحن أيضًا شهود زور لله لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه»، وبذلك تصبح النتيجة أنه لا يكون في الكرازة بَلَسانٌ للأرواح الممزقة ولا رجاء للقلوب المتوجعة.
لكن شكرًا لله لأن المسيح قام كما قال وأظهر نفسه حيًا ببراهينَ كثيرةٍ. فالكرازة حق ولم تكن باطلة بالمرة، بل نجاح الكرازة في كل الأجيال والعصور أعظم دليل على قيامة المسيح من بين الأموات.
نعم قد قام وأوصى تلاميذه قائلاً: «أذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، وقال: «اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم”، وقال لتلاميذه: «وتكونون لى شهودًا في أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض”.
ثانيُا: بطلان الايمان إذا لم تكن القيامة حقيقة
«إن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم، أنتم بعد في خطاياكم”، لقد آمن المؤمنون بأن المسيح قام وعلى أساس هذا الإيمان فهو ابن الله، والآن هو جالس عن يمين العظمة، يمين الله في السماء يشفع في المؤمنين. فإن كان المسيح لم يقم، يكون هذا الإيمان وهمًا باطلاً ولا فائدة منه.
لقد قام الرسول بولس: «قد آمنتم أنه مات لكي تموتوا معه وآمنتم أنه دفن لكى تدفنوا معه، آمنتم أنه حي وأنكم أحياء فيه وأمنتم أنه قام وأنكم قمتم معه فإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم وأنتم بعد في خطاياكم «. إن عدم قيامة المسيح معناه أن الله لم يقبل ذبيحته الفدائية ومعناه أن دم يسوع المسيح لم يطهر من كل خطية ومعناه أن سفك الدم لم يعطى الإنسان الحصول على المغفرة ويترتب على هذا أن الإيمان بالمسيح باطل لأنه عاجز عن أن يخلص.
إن كان المسيح لم يقم فنحن لم نتبرر ولا زلنا عبيدًا للخطية. لأنه لا كفارة ولا غفران وتظل الخطايا تعترض سبيل سلامنا، بل تبقى الخطايا كسم الأصلال، ويكون القول ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران، كلامًا مشكوكًا فيه. إن لم يكن المسيح قد قام، فلا يقدر أن يقول من يقبل إلى لا أخرجه خارجًا، إن لم يكن المسيح قد قام لا يمكن للمرنم أن يقول «كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا”، إن لم يكن المسيح قد قام نحن بعد في خطايانا ونحن أشقى جميع الناس ونحن تحت نير العبودية القاسية والحزن والليل، نكون في عذاب دائم.
لكن كم نشكر الله لأن المسيح قام، قام منتصرًا من بين الأموات وبقيامته نحن نتمتع بالخلاص، بالفداء، بالحياة الجديدة والقلب الجديد. نعم بقيامته قد تبررنا، وصرنا أولاد الله. فهو مات لأجل خطايانا وقام لأجل تبررنا، وآمنا به أنه هو القيامة والحياة ومن آمن به ولو مات فسيحيا.
ثالثًا : شقاوة جميع الناس
«إن لم يكن المسيح قد قام فإننا أشقى جميع الناس «فإن الذين يعيشون في التقوى يضطهدون، ونحن من أجله نمات كل النهار، نحن نتألم ونشقى ونتعب ونواجه المخاطر كل ساعة، ونحن نعلم أن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدى، لكن إن كان المسيح لم يقم فإن كل ما نعانيه من ضيق لا معنى له ولا مبرر – ونكون نحن أشقى جميع الناس لأننا نحتمل الألم ونحرم أنفسنا من اللذة بدون نتيجة وبلا منفعة.
نعم إنكار القيامة يستلزم خسارة المؤمنين الأحباء. «إن لم يكن المسيح قد قام»، فنحن بلا رجاء ونحن أشقى جميع الناس. فالمؤمن مكروه من الناس، مضطهد من الحكام والقادة، المؤمن في الأرض غريب ونزيل، المؤمن يعيش في العالم ناكرًا لنفسه، حاملاً الصليب، يحتمل المشقات والأرزاء من عار وسلب أموال، وسجن ورجم وتعذيب وقتل. فلو صح الفرض ولم يكن المسيح قد قام فنحن إذن بلا رجاء، ونحن أشقى جميع الناس. فتكون الخسارة في الدارين الدنيا والآخرة. إن آمال المؤمن وإيمانه في الأمجاد السماوية والراحة الابدية والحياة المجيدة مع مسيحه إلهه.
لكن كم نشكر الله، فإن المسيح قد قام. كل تعبنا ليس باطلاً في الرب. إننا أسعد جميع الناس، لأن المسيح قام. وقيامة المسيح كانت لازمة لإتمام عمل الفداء. هكذا قيامتنا ضرورية وكرازتنا ليست باطلة ولا إيماننا باطل. وكمؤمنين نحن لسنا في خطايانا لأننا أصبحنا أولاد النعمة الذين تحرروا. والذين رقدوا في المسيح لم يهلكوا، ولكنهم فتحوا عيونهم في حضرة المخلص.
إننا نضم أصواتنا مع الرسول بطرس قائلين: «مبارك الله أبونا ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات لميراث لا يفي ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لأجلكم، أنتم الذين بقوة الله محرسون لإيمان مستعد أن يعلن في الزمان الأخير».