القيامة

القيامة فرح

قيامة المسيح من الأموات مِن أهمّ وأخطر أحداث حياة المسيح، ولا يوجد حادث يهمنا إثبات صحَّته مثل قيامة المسيح. لأنه إذا كانت قيامة المسيح حقيقية، يكون الإنجيل حقيقي، وتكون الحياة الأبدية حقيقية، ويكون صلب وموت المسيح له قيمة كفَّارية خلاصية. لذلك يؤكِّد بولس ويُشدِّد على حقيقة قيامة المسيح على أنها تجعلنا نتمتَّع بفاعلية المصالحة بيننا وبين الله (1كو15).

 القيامة تفتح الأبواب المغلَّقة:

ظلَّ التلاميذ يجتمعون في العلية بعد موت معلِّمهم، خوفاً من مرارة عداوة اليهود. لأن مؤامرتهم ضدَّ يسوع قد نجحت، وقد يأتي الدور عليهم الآن، فاختبؤوا في العلية. لكن فجأةً ظهر لهم يسوع، ودخل والأبواب مغلَّقة، وحيَّاهم بالتحية الشرقية المألوفة “سلامٌ لكم”، ثمَّ أراهم يديه وجنبه مُبرهناً لهم أنَّه حقاً قام، وأنَّ قيامته ليست قيامة روحية فحسب، بل قيامة للجسد الذي أُصيب وتألَّم ومات ودُفِن. لأنها إذا كانت قيامة روحية فقط، تكون بذلك نصف انتصار على الموت. فكان يجب أن يرجع ذلك الجسد الذي مات من عالم الأموات، ليكون انتصاره على الموت وشوكته انتصاراً كاملاً. فكانت اليدان المثقوبتان، والجنب المطعون، هي الوثيقة الحية والحُجَّة الخالدة على صحَّة قيامته.

 لقد دخل يسوع العلية والأبواب مغلَّقة، ليفتحها أمامهم. لذلك فإنَّ عيد القيامة هو عيد الأبواب المفتوحة، والنفوس المتفتِّحة على الحياة، والقلوب المشتاقة للشهادة بالمسيح المقام. فلا مكان في عيد القيامة للأبواب المغلَّقة، والنفوس المنطوية على ذاتها. فحتى الطبيعة تؤكِّد لنا هذه الحقيقة، فعيد القيامة هو عيد الربيع، حيث تتفتَّح الزهور، وتفتح البراعم الصغيرة قلوبها للنسيم والربيع.

هناك من يخطؤون فهم عيد القيامة، عندما يذهبون إلى القبور ويُغلقون على أنفسهم بالبكاء والأحزان، وهم لا يدرون أنَّ القيامة فتَحَت أبواب القبور ليخرُج منها شُعاع الرجاء ونور الحياة الأبدية. فلنفتح قلوبنا لربيع نعمة الله وقوته، وربيع الانطلاق للخدمة والشهادة للرب المقام.

أما التلاميذ فقد أغلقوا على أنفسهم في العلية إلى أن جاء المسيح واخترق الأبواب، وفتح أمامهم باب الحياة الشاهدة السعيدة. فماذا كان وراء الأبواب المغلَّقة؟ وماذا حدث بعد أن اخترقها يسوع؟

خلف الأبواب المغلَّقة:

(1) الخوف من الأعداء:

الخوف من اليهود الذين حقَّقوا غايتهم وصلبوا يسوع رغم شعبيته الساحقة وبراءته الأكيدة وقُدرته الفائقة. فماذا سيفعلون بأولئك الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة؟ وماذا يفعل أولئك البسطاء الضعفاء أمام المؤامرات الخبيثة والقوة الغاشمة؟ هل سيتركهم اليهود في سلام؟

  ما أكثر المرات التي نغلق فيها الأبواب على أنفسنا خوفاً ممَّن على شاكلة اليهود. فنشعر بالضعف والخيبة وعدم الحيلة وعد القدرة، فنتقوقع على أنفسنا. فلا نرى العالم الخارجي، ولا يرى العالم الحقائق الثمينة التي ائتمن المسيح الكنيسة عليها.

(2) الشكّ في الزملاء:

لقد أغلقوا الأبواب على أنفسهم، لكن هل كانوا في سلام مع بعضهم البعض؟ كان الخوف من الخارج، وكان الشك والنزاع من الداخل. عندما كان يسوع معهم كان يحلّ مشاكلهم ويحسم مشاجراتهم ويجمعهم حوله، لكن الآن، تغيَّر الحال. ربما حاول بطرس أن يتزعَّم التلاميذ فقالوا له: كفاك أيُّها الجبان لقد أنكرت سيدك أمام جارية. فيردّ عليهم: لقد تتبَّعته من بعيد، لكنكم أنتم ترتكموه وهربتم عندما ألقوا القبض عليه. ويدور النقاش والنزاع وتبادل الاتهامات بينهم. ولعلَّ خيانة يهوذا كانت صدمة شديدة لهم جميعاً، هزَّت ثقتهم في بعضهم البعض. هكذا الحال دائماً عندما تُغلق الأبواب، فحيث لا يوجد المسيح المُقام، وحيث لا شهادة ولا خدمة، هناك النزاع والشقاق والشكّ.

(3) الفشل والانطواء:

أين المملكة العظيمة التي كانوا يحلمون بها؟ وأين الآمال الكبيرة التي وضعوها في معلِّمهم؟ لقد تبخَّر كل ذلك وسُمِّر معه ودُفِن معه. هل اجتمعوا معاً ليودِّعوا بعضهم بعضاً، ويعود كلٌّ منهم إلى عمله السابق؟ وهم يقولون مُتحسِّرين: وداعاً للتعاليم المُبهِرة.. وداعاً للمعجزات الفائقة.. وداعاً للجماهير المزدحمة. لقد ذهبت أحلامهم هباءً بعد هزيمة مُخجِلة لمعلِّمهم وميتة بشعة على صليب كمجرم أثيم. فلم يجدوا سبيلاً سوى التقوقُع والانطواء. هذا هو الحال دائماً خلف الأبواب المغلَّقة، الإحساس بالفشل الذريع، والانطواء والانسحاب من الحياة كحلٍّ وحيد.

  لكن المسيح المقام اخترق تلك الأبواب. فبينما كانوا في خوفٍ وشكٍّ وانطواءٍ، نظروا وإذا الأبواب المغلِّقة تنفجر انفجاراً بالنور والضياء، والمسيح يدخل ويقف في الوسط. لقد اكتسب جسده المبارك بعد القيامة صفات جديدة، حتى إنَّه يستطيع التنقُّل من مكان لآخر في لحظة واحدة، دون أن يخضع لقوانين الزمن والمادة. وهكذا تبدَّدت المخاوف والظنون، وشعروا بالأمان والاطمئنان، وتوحَّدت قلوبهم وأهدافهم وأشواقهم. فماذا أعطاهم المسيح المُقام؟

(1) أعطاهم السلام:

حيَّاهم بالتحية الشرقية المألوفة “سلام لكم”، وهي تحية غنيَّة بالمعاني، ومُحمَّلة بسلام عميق وغفران ويقين.. سلام لكم حتى لو استطاع الأعداء أن يصلبونكم، فالصليب ليس هو النهاية، بل بداية حياة النُّصرة وأمجاد القيامة. فإذا ثقبوا أيديكم وطعنوكم، انظروا إليَّ.. فهذه ليست دلائل هزيمة، بل وثائق انتصار عظيم.

  لقد ظهر لهم ووقف في الوسط، فتوحَّدوا فيه. قبلاً كانوا ينظرون لأنفسهم فييأسٍ ولبعضهم البعض في شكٍّ. لكن الآن قد انشغلت أفكارهم به هو، إذْ أعطاهم السلام والوحدة.

(2) أعطاهم الرسالة:

تكليف عظيم “كما أرسلني الآب أرسلكم أنا”، تكليف على مستوى تكليف الآب للابن. افتحوا الأبواب واخرجوا وأذيعوا الخبر لكل العالم. احملوا رسالة الحياة لعالم ميِّت، احملوا رسالة السلام لعالم مُضطرب، احملوا رسالة الوحدة لعالم مُنقسم. حتى لو كلَّفتكم هذه الرسالة آلام الصليب.

القيامة فرح:

“ففرح التلاميذ إذْ رأوا الرب”، هذا الفرح هو أول تقليد كنسي روحي لاهوتي دخل إلى أعماق الكنيسة المسيحية. فرحة تعبِّر عنها الكنيسة في كل يوم أحد. فكلّ يوم أحد أصبح عيداً لقيامة المسيح، وكل يوم سابق له هو استعداد لهذا اليوم.

  فرحوا فرحة ملأت عواطفهم وحياتهم، فرحة أكَّدت ببرهان ملموس ومرئي حقيقة القيامة. فرحوا فرحة غطَّت على أحداث أسبوع الآلام، التي حُفِرت في ذاكرتهم ويصعُب نسيانها. فرحة غطَّت على جُبنهم وخوفهم وهربهم وتركهم معلِّمهم وحده يواجه مصيره يوم الخميس. فرحة غيَّرت لون يوم الجمعة من الأسود إلى الأبيض. فرحة قلبت معاني اليأس والفشل في يوم السبت إلى نجاح ومجد. فرحة بالتكليف العظيم بالإرسالية “كما أرسلني الآب أرسلكم أنا”. فرحة بقبول الروح القدس إذْ “نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس”. فكما نفخ الله قديماً في التراب فصار آدم نفساً حيَّة، نفخ المسيح في تلاميذه اليائسين البائسين، الخائفين المُختبئين، فخلق منهم رجالاً أحياء أقوياء، فتنوا المسكونة بقوة ذلك الروح الذي وهبه لهم. لقد فرحوا فرحاً غيَّر معنى الحاضر المؤلم إلى مستقبل مُشرق. فلنفرح فرحة القيامة التي تغيِّر الآلام إلى أمجاد، وتحوِّل الفشل إلى نجاح، وتحوِّل الخيبة واليأس إلى أمل ورجاء، بل وتحوِّل الموت إلى حياة. إنَّ القيامة حياة فرح.

قام منتصراً

(1) بحنوطٍ وبأطيابٍ جئنَ من أجل جسد الحبيب

حُزن قلبٍ ودمعُ عينٍ لا تبرحُ الفِكر ذكرى الصليب

هذا نورٌ.. هاملاكٌ.. يا له مِن منظرٍ عجيب

القرار

قام ربي قام منتصراً قام حقاً قام بالظفرِ

وبموته وقيامته يترنَّم قلبي بالفرحِ

فلسوف أشدو بنُصرته ولسوف أحيا بقوَّته

ولسوفً أهتفُ للأبدِ: قام ربي قام بالظفرِ

(2) بالأفراحِ وبالسرورِ نزُفُّ تلك البُشرى للأنام

قامربي، بالحقِّ قام، لا سُلطةٌ للموتِ والآلام

إذْ بالموتِ.. داسَ الموتَ.. مانحاً العِتق والسلام

(3) شُكر قلبي مدى حياتي أُهدي لمن فداني بدماه

لو لم تكُن تلكَ الدماءُ لكُنتُ هالكاً ولا نجاة

لكنه.. بعدَ موتٍ.. قام واهباً ليَّ الحياة

القس أمير إسحق

* تخرج في كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة ١٩٨٢م، وقد خدم راعيًا للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة في كلٍ من إسنا والعضايمة ١٩٨٤-١٩٩١م، ثم الكنيسة الإنجيليّة في الجيزة والوراق ١٩٩١-١٩٩٦م،
* بعدها أصبح راعيًّا للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة في اللاذقية-سورية ١٩٩٦-٢٠٠٥م،
* وأخيرًا خدم راعيًّا للكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة في صور وعلما الشعب-لبنان ٢٠٠٥-٢٠٢٠م،
* خلال تلك الفترة اُختير رئيسًا لمجلس الإعلام والنشر-سنودس سوريا ولبنان ولمدة ٢٠ سنة،
* ثم مسؤولًا عن مركز مرثا روي للعبادة ٢٠٢٠-٢٠٢٣م في كليّة اللاهوت الإنجيليّة في القاهرة.
زر الذهاب إلى الأعلى