القيامة في المفهوم الكتابي

يقول اللاهوتي الأب متى المسكين معلقاً على حدث القيامة «وبالنهاية اتضح بأجلى صورة أن المسيح مات ليقيمنا معه، وهذا هو غاية خطة الفداء؛ فقيامته ليست له لأنه هو قائم دائم في حضن أبيه بالمجد والكرامة التي له؛ ولكنه تنازل عن الكرامة المجد اللذين له ولبس صورة جنسنا وقبل عارنا عليه؛ ومات لنموت معه؛
وقام ليهبنا قيامته؛ وهي الخليقة الجديدة للإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في القداسة والحق؛ لشركة حياة لا تزول مع الأب وابنه يسوع المسيح».
وهذا القول هو واحد من تعليقات تفصيلية وكتابية كثيرة حول حقيقة القيامة يمكن تلخيص فحواها في العبارة أن عقيدة القيامة حقيقة جوهرية ومحورية في الإيمان المسيحي؛ حتى أن الرسول بولس يقول وبجلاء؛ «إِنْ كَانَ لَنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ.» (1كورنثوس 15 :19)؛ فقيامة المسيح ليست مجرد حدث تاريخي فقط ولكنه الحدث الروحي الحي الذي يشكل قوة الكنيسة فكراً وسلوكاً؛ عقيدة وعبادة؛ حاضرًا ومستقبلاً
*القيامة في العهد القديم:
لا نستطيع أن نجد فكراً كتابياً متكاملاً عن حقيقة القيامة في أسفار العهد القديم؛ وإن كنا بكل تأكيد نجد بعض الومضات المتعاقبة يمكن أن نلخصها في الآتي:
– يقدم العهد القديم فكرة القيامة في بعض الأحيان بمعنى توقع تجدد بني إسرائيل كأمة وشعب للرب؛ ولعل النموذج الذي يترجم هذا المعنى هو قول هوشع النبي: «هَلُمَّ نَرْجِعُ إِلَى الرَّبِّ لأَنَّهُ هُوَ افْتَرَسَ فَيَشْفِينَا ضَرَبَ فَيَجْبِرُنَا، يُحْيِينَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحْيَا أَمَامَهُ.» (هوشع 6: 1-2)، وأيضاً بصورة أجلى الرؤيا العظيمة التي تظهر تبدل حالة الأمة من موقف الموت والاندثار إلى موقف الحياة والانتصار في (حزقيال 37: 1-14) حيث يحول الرب العظام اليابسة إلى جيش عظيم كإشارة على فم حزقيال لما يستطيع الرب أن يفعله بشعبه الذي يعاني ويلات السبي.
– أما على المستوى الفردي فإننى أقدم موقفين يظهران الإيمان الشخصي بحقيقة القيامة من الأموات: الأول يأتينا في قول أيوب الذي قال بمنتهى الوضوح «أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ، وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ.» (أيوب 19: 25)؛ أما العبارة الأخرى فترد في سفر (دانيال 12: 2)، «وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ هَؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلاِزْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ»؛ ويعتبر البعض أن هذه العبارة أقدم عبارة واضحة عن الإيمان بالقيامة الطبيعية الفردية؛ وبالطبع أيها القارئ العزيز قد يطول البحث حول التطور الإيماني لشعب الله في العهد القديم حول القيامة بما لا يتسع له المجال الآن.
*القيامة في العهد الجديد:
1- مفردات اللغة اليونانية:
على نقيض أسفار العهد القديم التي لا تستخدم مفردات خاصة للقيامة نجد أسفار العهد الجديد تقدم فعلين يختصان بفكرة القيامة:
الفعل الأول: هو (katheudo) والذي يعنى ينهض أو يصحو من النوم ويستخدم الفكر اليوناني هذا الفعل للتعبير عن النهوض من النوم الجسدي ولكن الفكر المسيحي في العهد الجديد يستخدم الفعل في وصف القيامة من الموت أو الرجوع من الموت بالإضافة إلى الاستيقاظ من النوم
* الفعل الثاني: هو (egersis) وهو يرد مرة واحدة في (متى 27 :53) «وخرجوا من القبور بعد قيامته؛ ودخلوا المدينة المقدسة؛ وظهروا لكثيرين»
2- برهنة قيامة الرب يسوع:
لا شك لدى الدارسين أن قيامة الرب يسوع من بين الأموات هي حقيقة راسخة لا تقبل الشك حيث تجمعت كافة الأدلة على صحتها وبدءاً من اللحظة التاريخية الفارقة التي قال فيها الملاك للمريمات الذاهبات إلى القبر وهن خائفات «لماذا تطلبن الحي بين الأموات ليس هو هاهنا لكنه قام» (لوقا 24 : 5-6) صارت القيامة حقيقة حية تمنح أنفاس الحياة والنصرة للكنيسة أفرادا وجماعات وتأكيداً أو تثبيتاً لهذه الحقيقة يستعين الرسول بولس بأسلوب الشهادة الذي اشترطته الشريعة حيث لا تقوم الشهادة إلا على فم شاهدين أو أكثر؛ فيقول لكنيسة كورنثوس أن شخص المسيح المقام قد ظهر ليس لشاهد واحد فقط بل لأشخاص كثيرين؛ فقد ظهر لصفا على المستوى الفردي، وليعقوب أيضاً، ثم ظهر للإثنى عشر بل أكثر من هذا وبحد تعبير الرسول بولس ظهر لأكثر من خمسمائة أخ دفعة واحدة؛ ولا ينبغي لنا أن نغفل ظهوره لشخص الرسول بولس بعد صعوده إلى السماء، في المقابلة المشهورة في الطريق إلى دمشق (أعمال 9)
3- قيامة المسيح والدلالة اللاهوتية:
* قيامة المسيح هي الدليل الأبرز على لاهوته وقدرته فيقول الرسول بولس «وتعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات» (رومية 1: 4).
* بقيامة المسيح تم التبرير للمؤمنين فعند الحديث عن تأثير وتكامل عمل المسبح للمؤمنين قال الرسول بولس «أسلم لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا» (رومية 4: 25)، حتى انه يقول «إن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم…». (1كورنثوس 15 :12).
*بقيامة المسيح تأكدت حقيقة القيامة من الأموات فقد كتب الرسول بولس لكنيسة كورنثوس منتقدا الذين ينكرون قيامة الأجساد بالقول: «ولكن إن كان المسيح يُكرز به انه قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم انه ليس قيامة أموات؟» (1كورنثوس 15: 12)
* القيامة غيرت مفهومنا عن الموت فقيامة المسيح جعلت من الموت الجسدي جسرا ذهبيا يعبر من خلاله المؤمنون إلى السماء فتغيرت كلمة الموت من كلمة ثقيلة الوطأة على كل إنسان إلى أمر يظهر وكأنه شهوة يتمنى المؤمن إتمامها فنجد الرسول بولس يقول لي فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الاِثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً» (فليبي 2: 23) ويقول الرسول بطرس عن أمر موته واصفاً إياه ببساطة شديدة: «عالماً أن خلع مسكني قريب».
أيها القارئ العزيز ليكن احتفالنا بقيامة الرب يسوع احتفالاً عملياً بقبولنا اليومي لعمل فداء وقيامة المسيح؛ فنختبر يسوع المسيح الرب الحي في كل ما نجتاز فيه في حياتنا؛ فليس لدينا قبرُ نتبرك بلمسه فقبر مسيحنا هو قبر فارغ إذ أن ساكنه لم يلبث فيه سوى أقل من ثلاثة أيام إذ قام منتصراً على الموت ناقضا أوجاعه إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه. أيها الأحباء فليكن هتافنا المسيح قام بالحقيقة قام.