دافنشي كود كتاب وتعليق

ظهر بالولايات المتحدة الأمريكية كتاب بعنوان: The Da Vinci Code “دافنشي كود” (أي شفرة دافنشي) لمؤلفه دان براون Dan Brown ولاقى هذا الكتاب رواجًا كبيرًا إذ وُزّع منه الملايين وأصبح في عداد أكثر الكتب رواجًا best seller ويُسيء هذا الكتاب كثيرًا للرب يسوع ويطعن في ألوهيته كما يشكك في الكتاب المقدس.
وتلقف البعض رواج هذا الكتاب لينتجوا عنه فيلمًا سينمائيًا مع دعاية قوية معلنين أنه سيبدأ عرض الفيلم في دور السينما يوم 19 مايو 2006. كل هذا يحدث في الغرب الذي يحلو للبعض أن يقولوا عنه “الغرب المسيحي”!!
ردود فعل سلبية
قام كثيرون من البروتستانت والكاثوليك بأمريكا بالاحتجاج ضد الكتاب وضد الفيلم. وهنالك من فكروا في أن يستحثوا الناس لآن يقاطعوا دور السينما التي تقوم بعرض الفيلم. وهنالك من رأوا اتخاذ بعض الإجراءات ضد الكاتب والكتاب وضد الفيلم وغير ذلك من نزعات انفعالية!
كتابات وأفلام سابقة
لم يكن هذا الكتاب والفيلم الذي يروّج البعض له كثيرًا هو الأول من نوعه. فعلى سبيل المثال لا الحصر هنالك الأستاذ الدكتور جون هيك John Hick الذي نشأ في أحضان هيئة دينية مسيحية إنجيلية محافظة في المملكة المتحدة هي هيئة انتر فارستي Inter-Varisty وعمل لعدة سنوات أستاذًا للفلسفة المسيحية في كلية لاهوت برنستون المشهورة، وتعرّفت عليه شخصيًا عن قربٍ في الستينيات من القرن الماضي، ولكنه انقلب على الإيمان المسيحي وكان ضمن الكتابات التي ارتبطت باسمه كتاب “أسطورة الإله المتجسد” The Myth of God Incarnate وهو الكتاب الذي يقدم عدة مقالات تهاجم المسيحية بصورة استفزازية جدًا، بالإضافة لمؤلفات أخرى.
وهنالك من بلغ بهم التطاول حتى أنتجوا فيلمًا يقدم الرب يسوع في علاقة غرام وهيام بمريم المجدلية … بل أن جماعة الشذوذ الجنسي حاولوا أن يقدموا الكثير من قصص الكتاب المقدس لتأييد فكرهم المنحرف فقالوا مثلاً أن قول داود في رثاء يوناثان ابن شاول الملك “مَحَبَّتُكَ لِي أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ” (2صموئيل 1: 26) فيها دلالة على ممارسة الشذوذ الجنسي بين داود ويوناثان!! هكذا قالوا، وهكذا أشاعوا. وبلغ الحد بالبعض منهم ليعبثوا بالكثير من النصوص الكتابية وشرحها بأسلوبهم المنحرف، بل إن داعية إسلامي مشهور قام بتفسير مثل العذارى الحكيمات (متى 25: 1- 12) وفي تعليق بذيء على العبارة: “والمستعدات دخلن معه إلى العرس وأُغلق الباب” قال أمام الجمهور الكبير الذي يستمع إليه وأمام عدسات تليفزيون الدولة الذي يشاهده الملايين في كل البلاد، إن هذه العبارة تعني: أن المسيح تزوج من خمس عذارى دفعة واحدة!! ويا للأسف ويا للـ … وقد ظهر من وقتٍ قريبٍ فيلم “الإغواء الأخير للمسيح” بما له من شطحات مريبة، وكأن المسيح رَاجعَ نفسه بعد أن أقبل على الصليب!!
ولعله من الطريف أن نلاحظ أنه جاء من وكالة أنباء “الإسوشيتدبرس” مؤخرًا بإن شخصين قاما برفع قضية ضد “دان براون” اتهماه فيها بأنه “سرق” أفكارًا سبق لهما نشرها في كتابيهما “الدم المقدس” و”الكأس المقدسة” سنة 1982 ومن المثير أن الكتاب الأول ادعى أن المسيح تزوج من مريم المجدلية وأنجب منها طفلاً وبذلك فالدم لا زال ساريًا في العروق!! ولو نجح من قاما برفع الدعوى ضد “دان براون” فسوف يُمنع عرض الفيلم!
الإنجيليون والدور الإيجابـي
تطبيقًا للمبادئ الإنجيلية: “نُشتم فنبارك، .. يُفترى علينا فنعظ” (1كورنثوس 4: 12، 13)، لم يكن رد فعل الإنجيليين بالصورة السلبية التي أشرنا إليها أعلاه بل كان تعاملهم مع الموقف مختلفًا تمامًا:
(1) رأى كثير من الإنجيليين أن الفيلم يقدم فرصة رائعة، فلا شك أن الفيلم سيثير تساؤلات عن شخص المسيح، وعن الكتاب المقدس.
(2) إنطلاقًا من القناعة الكاملة بأن الفيلم سيثير تساؤلات في الأذهان، قرر الإنجيليون تشجيع كثيرين على مشاهدة الفيلم معتبرين أن هذه فرصة ذهبية يجب اقتناصها حيث أن هنالك شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي مسيحيتها مسيحية سطحية لا عمق فيها. وإذ يثير الفيلم التساؤلات الكثيرة عندهم، فإن هذا يُتيح الفرصة للمؤمنين لتقديم رسالة المسيح وعمل الفداء والخلاص، لهذه الشريحة الكبيرة التي لم تنشغل من قبل بأن تتعرف على الحقائق الأساسية في الإيمان المسيحي وتطبيقها العملي في الحياة الشخصية. وقال أحد الإنجيليين عن ذلك: “يا لها من فرصة رائعة لم يكن يحلم بها أكبر المتحمسين لتقديم المسيح للناس!”.
(3) لم ينتظر الإنجيليون حتى يبدأ عرض الفيلم ثم يتحركون بعد ذلك، فيكون دورهم هو “رد الفعل” لا “الفعل”. ولكنهم سارعوا بإصدار مجموعة من الكتب يتسلح بها المؤمنون ليعرفوا كيف يقدمون الردود الصحيحة والمقنعة لمن تساورهم الشكوك والتساؤلات بعد مشاهدة الفيلم، تطبيقًا للمبدأ الإنجيلي: “مُسْتَعِدِّينَ دَائِماً لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ” (1بطرس 3: 15).
كما أنهم رأوا أن هذه الكتابات تشجع المؤمنين أنفسهم ليثبتوا في الإيمان. فكثيرًا ما يهتز إيمان بعض المسيحيين أنفسهم عندما يشاهدون مثل هذه الأفلام بتأثيراتها القوية من إنتاج فني ودعاية قوية وغير ذلك … فاعتبروا أن هذه الكتابات يمكن أن تكون نوعًا من”الوقاية” لبعض من يشاهدون الفيلم ليكونوا “محصنين” ضد الأفكار المضللة التي يحاول الفيلم أن يبثها في عقول الجميع سيما الشباب.
عينات من الكتابات
(1) سيصدر قريبًا كتاب للمؤلف والمحاضر المشهور دوليًا جوش مكدول Josh McDowell بعنوان:
The Da Vinci Code: A Quest For Answers أي “كود دافنشي: بحث عن إجابات”، ليستخدمه المؤمنون في الشهادة للإيمان المسيحي السليم، في تفاعل إيجابي مع الموقف.
(2) كما أن المؤلف الدكتور جيمس ل. جارلو Dr. James L. Garlow المعروف بكتاباته التي حصلت على توزيع واسع جدًا بلغ الملايين، أعد كتابًا يصدر في شهر إبريل 2006 بعنوان: The Da Vinci Code breaker أي “فك شفرة دافنشي” وهو يسعى في هذا الكتاب لأن يساعد القراء على التمييز بين “الحقائق” و”الخيال”، وبصفة خاصة لأن دان براون مؤلف الكتاب المبني عليه الفيلم السينمائي يردد كثيرًا في كتابه كلمة “حقائق” رغم كونها خيالات، مما يستحق الرد عليه.
كما أن جارلو لاحظ مع زميل آخر الحاجة الماسة لإيضاح بعض المفردات لذلك أعد الاثنان كتابًا بعنوان: Cracking Da Vinci’s Code أي “كسر شفرة دافنشي”. ويشمل هذا الكتاب المكوّن من حوالي 200 صفحة قائمة من المصطلحات، والمستندات والحقائق عن شعوب مختلفة تقدم إيضاحات “صحيحة تاريخيًا ولاهوتيًا”، وهو يشجع المؤمنين على قراءة الكتاب قراءة جيدة وحضور الفيلم ودعوة الأصدقاء سواء ممن يذهبون للكنائس أو من لا يذهبون. فالفيلم يمثل تحديًا كبيرًا للمسيحية وفرصة رائعة لتقديم الإيمان المسيحي في صورته الصحيحة. وهو يقول “ماذا لو أن الكنائس وأفراد المؤمنين اغتنموا فرصة الدعاية الواسعة للفيلم المزمع عرضه لدعوة الأصدقاء والزملاء والجيران ليتعرفوا على القصة الحقيقية عن يسوع”. كما قال أيضًا: “أليس من الطرافة بمكان أن الكتاب الذي حاول بكل قوة لأن يقضي على مصداقية المسيحية ينتهي به الأمر لأن يدفع أعدادًا لا حصر لها في رحلة روحية تدفعهم لمعرفة المسيح الحقيقي؟”
(3) كما أن الملحد السابق الذي آمن بالمسيح ستروبل Strobel بالتعاون مع جاري بول Gary Pool تعاونا معًا في إنتاج منهاج دراسي بأسلوبDVD للمجموعات الصغيرة لمناقشة الكتاب والفيلم المزمع عرضه ليكون المؤمنون مستعدين للمناقشة مع أصدقائهم عندما يتساءل هؤلاء ويبحثون بعد قراءة الكتاب أو مشاهدة الفيلم؟
ولعله من الجميل أن نلاحظ أن إنجيليين كثيرين يشجعون أخوتهم في الإيمان على مشاهدة الفيلم ودعوة الآخرين لمشاهدته باعتبارها فرصة لبناء المؤمنين في الإيمان وتقديم رسالة الإنجيل للآخرين.
ولعلنا نجد في الأسلوب الذي سلكه هؤلاء الإنجيليون نموذجًا به يمكن أن تتحول الأحجار التي تقف في سبيلنا أحيانًا لدرجات نصعد فوقها، ونساعد الآخرين ليصعدوا معنا في رحلة مباركة نحو آفاق ما كانت تتاح لنا الفرصة لأن ندعوهم إليها لولا تلك الهجمات الضاربة.
حقًا “كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ” (رومية 8: 28) أو كما قال يوسف لأخوته: “أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً” (تكوين50: 20).
إن تعامل الإنجيليين مع هذا الموقف لا يقدم لنا مجرد درس في السلوك الحضاري عندما نواجه الهجمات الشرسة، فهذا أقل درس يمكننا أن نتعلمه، فلسنا دعاة انفعالات سلبية. لكن أهم من كل هذا أنه يشجعنا لأن نثق في إلهنا الذي يستطيع أن يعطي لنا نعمة وحكمة لنحوّل كل هجوم مهما كان شرسًا ليصبح فرصة للشهادة ولإعلان غنى نعمته ومحبته، بل لتقديم شخصه المبارك للجميع. وليكن له وحده كل مجدٍ.