الألقاب لا تصنع القادة

الكاتب نيكولاس ساتميجور – ترجمة القس أشرف شوق
اختبر صديقي وزميلي أقصى درجات الإحباط عندما لم يتم انتخابه لدور قيادي هام. كان معظم أعضاء اللجنة الذين لهم حق التصويت في الانتخابات يرغبون بشدة أن يخدم صديقي في هذا المنصب، لكن واحداً فقط منهم تكّلم ضده، فلم يُنتخَب. وكنتيجة لذلك، ذهبت الوظيفة إلى آخر، بينما أجهد صديقي ذهنه مجاهداً في محاولة فهم ما حدث معه. لقد استسلم لفكرة مفادها أن الألقاب الهامة هي التي تحَدد فاعليتنا وتأثيرنا في خدمة الله، بل لقد أُخِذَ تماماً بهذا التوجه. ولقد وجدت نفسي مضطراً لأن أذّكر أية خدمة فاعلة ومؤثرة قد أُنجزت على يديه في الماضي، وكيف أن الله لازال يستخدمه بقوة في الحاضر! بل وشجعته بأنني لا أشك مطلقاً أن الرب سوف يستخدمه بأكثر قوة في المستقبل أيضاً. ولقد أثمرت هذه الكلمات المشجعِّة فيه، فلم ينتفض من إحباطه فقط، بل أيضاً استمر في خدمته الرائعة لكنيسة الرب.
الألقاب الكثيرة:
نعيش اليوم في عالمٍ لم تَعُد الألقاب التقليدية فيه كافيةً لكي تصف أدوارنا التي نقوم بها. فلا يكفي، مثلاً، أن تكون أستاذاً جامعياً، بل يجب أن تطمح لكي تكون أستاذاً جامعياً محترماً ومرموقاً وناجحاً. منذ سنوات قليلة مضت أصبح نموذج سعى الكنائس الكبرى ليس دعوة الرعاة أو القسوس العاديين لرعايتها، بل يجب أن يكون الراعي المدعو راعياً أصيلاً في كنيسته الحالية Senior Pastor. إن ذلك معناه- بالنسبة للكنائس الكبرى- أنه استطاع أن يدير العمل الروحي مع مجموعة من الرعاة الآخرين، بما قد يعنى تَميّزه وتفوقَه عليهم. لكنني أجد الآن أن الرعاة الفرادى Sole Pastor(أي الرعاة الذين يرعى أحدهم كنيسته منفرداً وليس مع فريق من الرعاة الآخرين) هم أيضاً متميّزون وناجحون جداً، مثلهم في ذلك مثل الرعاة الأصلاء. لأجل ذلك فقد يصبح إلحاح الحصول على الألقاب الكثيرة بلا نهاية في حياة الرعاة. إن المؤتمرات واللجان والمجامع تكشف عن الكثير من الألقاب المستخدمة في العالم، وكيف استعارتها الكنيسة لتطلقها على القادة الدينيين الكبار الذين يعملون بها.
قبل أن أدخل إلى حقل خدمة الرب، كنت أعمل في شركة تجارية كبيرة. وكنا- في الشركة- نطلق على مديرها لقب “الرئيس”. لكن العالم يطلق اليوم على رؤساء الشركات لقب “المديرين التنفيذيين”. وقد يظن البعض أن هذا اللقب ربما يجب أن يطلق على قادة الكنيسة أيضاً. بالنسبة لى، يبدو هذا الشيء غريباً جداً، لأنني كنتُ، ولازلتُ، أعتقد أن الرب يسوع المسيح يجب أن يكون وحده “الرأس” في كنيسته.
وفي نفس الوقت، فإن كتباً عن الإدارة والقيادة الكنسيّة تقدم فكرة “القائد الخادم” على أنها المفهوم الكتابي الأكثر وضوحًا في القيادة الروحيّة، كما تصفها كلمة الله. وإنني الآن أتساءل عما إذا كان هذا المفهوم، للقائد الذي يخدم، لازال هاماً ومعروفاً وقابلاً للاستخدام بالفعل بين قادة الكنيسة جميعاً، بما فيهم الرعاة الأصلاءSeniors وسائر القادة الكبار.
الخدمة قبل الألقاب
إن أكبر ثلاثة مسئولين في مجلتنا هم خدامُ للإنجيل. والجميل أن اختيارهم لهذه المواقع لم يستند أبداً إلى الألقاب التي تمكنوا من الحصول عليها خلال حياتهم العمليّة، ولا حتى بسبب النجاح الذي حققوه في العالم. وفي مواجهة العقبات والتحديات، يتصرف هؤلاء الثلاثة في خضوع تام لمشيئة الله وسلطانه، حتى يتغلبوا على هذه العقبات بشكلٍ يجلبُ البركة للكنيسة وللعالم أجمع، من خلال إنجازهم في الخدمة المسيحيّة.
إن كلاً منا يقف متميّزاً وسط العالم، ليس بسبب الألقاب التي حصل عليها، بل بسبب التزامه نحو الرب يسوع المسيح الذى يمنح بروحه القوة والفاعليّة أثناء تقديم بشارة الإنجيل للعالم.
قبل سنواتِ خلت، دُعِىّ أحد المسئولين الثلاثة الكبار في مجلتنا لكى يحاضر في مؤتمر للخدام. وبينما كان أحد الحاضرين يستمع لأول مرة في حياته إلى ذلك المتكلم، التفت بعد دقائق من بداية المحاضرة قائلاً لى: “إنه واعظ قدير”. لاحظتُ أن الرجل لم يقل: “ربما يكون هذا الشخص يحتلُ مكانة مرموقة أو يتمتع بلقبٍ هام”. واضحُ إذاً أن اللقب لا يصنع واعظاً قديراً. وبالأولى، فاللقب لا يمنحُ التزاماً نحو الكلمة المقدسة، ولا نحو صاحب هذه الكلمة، ولا يعطى القوة أثناء تقديم الكلمة للعالم الذى يحتاج إليها بشدة!!
قيادتنا:
إن أولئك الذين دُعو للخدمة في كنيسة المسيح هم- بلا شك- قادة الكنيسة. وأياً ما كان اللقب الذى يُطلق علينا كخدام، فإنه- بحد ذاته- لا يجعل منا قادة أكفاء ولا مؤثِّرين وكذلك لا يجعل منا قادة سيئين!! إن صفاتنا الذاتية ومميزاتنا الشخصّية لا يظهرها اللقب مهما كان. لكن صفاتنا تظهر بواسطة الكيفيّة التي نتعامل بها مع وزناتنا الممنوحة لنا من الله. وعندما ينظر الآخرون إلى خدمتنا سوف لا يتذكرون الألقاب التي نحوزها، بل سيتذكرون الأعمال التي أنجزناها لمجد إلهنا.
فكر معي في السمات الكتابيّة التي مَيَّزت، تاريخّياً، كنيسة العهد الجديد. لم يكن الرسول بولس، مثلاً، معروفاً كأحد الرسل المتقدمين في الكنيسة، المعتبرين أعمدة. بل الأغرب أنه أشار إلى نفسه على أنه: “أول الخطاة” (1تيموثاوس1: 15). والآن نرى العالم كله قد بُورك جداً بسبب “أول الخطاة” هذا، وبواسطة التزامه نحو الرب يسوع المسيح، والتزامه في تقديم الإنجيل للعالم كله، حتى إن السجن نفسه لم يكن قادراً على منعه من إعلان الإنجيل الذي غَيَّر حياته!
والآن، فأياً كان اللقب الذي تحوزه، مهما كان عظيماً وقيّماً، أو صغيراً ومتواضعاً، فإن واجبك الأساسي هو خدمة السيد في المكان الذي حَدَّده لك؛ ففي نهاية كل يوم، لن يسألك الربُ إلهُك” “ما هو اللقب الذي تمكنتَ من الحصول عليه اليوم؟”، بل سيسألك: “ما الذي فعلته من أجلى”.