
خدمة الشماس هي من أهم الخدمات الكنسية وأعمقها أثراً في حياة الكنيسة على مر التاريخ منذ بداية الكنيسة في عصرها الأول وأرى أنه لابد من استعادة التفكير في هذه الخدمة لأنها تعرضت في الفترة الأخيرة إلى نوع من التهميش الذي جعل تأثيرها ضعيفا بل والإقبال عليها قليلاً. وفي محاولة تشخيص المشكلة أرى أنها ترجع إلى عدد من العوامل التي اشتركت معاً لكي تأتى بتأثير سلبي على هذه الخدمة الرائعة:-
1- البعض يصنف الخدمات الكنسية تصنيفًا هرميًا وكأن خدمة الشموسية أقل أهمية من خدمة الشيوخ المدبرين، وخدمة الشيوخ المعلمين أهم من خدمة المدبرين. وبالتالي تأتى خدمة الشموسية في قاع التصنيف. وهذا تفكير خاطئ تجاه هذه الخدمة فليس هناك خدمة أهم من الأخرى ولا وظيفة كنسيّة أقل من الأخرى بل التصنيف يتم على أساس اختلاف المواهب والقدرات والوزنات التي يعطيها الله لأعضاء الكنيسة وكل عضو يوظّف موهبته في مجال خدمه معين. وعليه يكون التصنيف أفقيًا لا رأسياً.
2- اعتاد البعض –خطأ- أن يقلل من المواصفات التي يجب أن تتوافر في العضو ليكون شماساً، مقابل مواصفات الشيخ، أو القسيس. لكننا بالرجوع إلى الكتاب المقدس ودراسة مقارنة لمواصفات كل وظيفة، نرى أنّ جميعها متساوية ومتوازية وليس هناك إقلال في أي من هذه الخدمات التي لابد أن يتميز بها من يتقدم إليها.
3- البعض يسند هذه الوظيفة لصغار السن وكأن الشموسية للصغار والمشيخة للكبار دون أي سند كتابي لهذا الأمر.
4- البعض يتعامل مع هذه الخدمة كأنها “محطة انتظار” حتى يأتي الوقت المناسب لتتم رسامة الشماس شيخاً، وبالتالي يعتبرها البعض خطوة في طريق المشيخة. وهذا يعكس طريقة تفكير خاطئة في رؤية البعض –والكنيسة- لهذه الخدمة، وهو ما يحتاج إلى تصحيح.
بالقطع لا يوجد ما يعارض أن يترشح الشماس لخدمة المشيخة، ولكن ما يمكن اعتباره خطأ هو أن يتم التعامل مع هذه الخدمة بأنها ليست ذات أهمية؛ فيحتاج مَن يترشح لها وقتاً لينضج أو ينمو، وإذا ما حقق النجاح كشماس حينئذ يترقى إلى خدمة المشيخة، مع رفض كلمة ترقية كما سبق التوضيح.
5- بحسب دستور الكنيسة الإنجيلية؛ فإن خدمة الشمامسة ليست هي ما يقوم به الشمامسة واقعياً بل أحيانا نرى أن خدمة الشمامسة هي ما يقوم به الشيوخ وبالتالي لا يقوم الشمامسة بدورهم الذي يقوم به غيرهم وبالتالي أحيانًا يصبحون بلا عمل. ساوضح لاحقا دور الشمامسة في الكنيسة حسب الدستور.
6- عدم تفعيل مجلس الشمامسة الذي يمكن أن يكون له رئيسًا وأمينا للصندوق واجتماعات بصفه دورية لمتابعة الخدمة.
7- غياب دور التأديب الكنسي في التعامل مع قضايا هذه الخدمة ومن يقومون بها وهذه ليست مشكلة تضر بالشموسية فقط بل نرى تأثيرها على أعضاء الكنيسة كافة.
8- عدم تقديم التعليم الجيد الواضح والمتأني للتعريف بهذه الخدمة لمن يترشحون لها أو لأعضاء الكنيسة، مَن سيختارون هؤلاء الشمامسة “بالانتخاب”، وبالتالي نجد العضو يختار المرشح لهذه الخدم، ومن ثم يرتسم الشماس المنتخب دون أن يعرف جيدًا ما هي طبيعة هذه الخدمة ومجالاتها.
9- توجد فجوه بين الشمامسة ومجلس الكنيسة، حيث أنّ الشمامسة لا يعرفون الأهداف والرؤى والخطط التي يقررها المجلس؛ وبالتالى فهم لا يعرفون الخطة العامة لاتجاه الخدمة في الكنيسة وأهدافها. ولذلك يتحتم وباستمرار التواصل بين مجلس الكنيسة والشمامسة وأن يعهد إليهم المجلس أعمالاً معينة ويشاركهم الرؤية والهدف ويتابع خدمتهم.
دور الشمامسة في الكنيسة
خدمة الشموسيّة، خدمة حيويّة جدًا في كنيستنا الإنجيلية حيث أنه بحسب دستور الكنيسة فإن دور الشمامسة هو:-
– المعاونة في عمل الرب من زيارة المرضى وخدمة الفقراء وإعانة المجربين.
– الكرازة بالإنجيل.
– تدبير احتياجات الكنيسة المالية، وتقديم مشروع الميزانية السنوية لمجلس الكنيسة ليفحصه ويقرر ما يراه بشأنه.
– يمكن لمجلس الكنيسة أن يعهد إليهم أي خدمة محددة لإنجازها حسب رؤية مجلس الكنيسة.
صفات من يترشح لهذه الخدمة:
لعل أبرز ما في الكتاب المقدس من نموذج عملي عن خدمة الشماس هو أسطفانوس الذي يظهر في سفر الأعمال (الإصحاح السادس والسابع). وكيف كانت حياته ممتلئة بالروح القدس “أي يحيا في خضوع كامل لقيادة الله. ويحيا في خوف الرب وحسب مشيئته، “وممتلئ بالحكمة ومشهوداً لحياته بقداستها وطهارتها وتكريسها وإلمامه ومعرفته العميقة بالكلمة المقدسة في عهديها ويضيف أيضًا. دستور الكنيسة لهذه الصفات أن يكون الشماس ممتلئ من التقوى والعطف والحنو وروح السخاء وإكرام الرب حتى يكون قدوه للشعب.
كما أنه يجب أن يكون المرشح لهذه الخدمة، عارفًا بالعقيدة الإنجيلية المشيخيّة ومقتنعًا بها ويعيشها في حياته ولديه الاستعداد لكي يعلمها للآخرين قولاً وفعلاً.
بجانب هذه المواصفات فهناك أيضًا ملامح أخرى، أرى أنها ضرورية في تحديد ملامح شخصية واستعداد عضو الكنيسة الذي يتقدم لهذه الخدمة.
1- احذر أن تتخذ هذه الخطوة وأنت غير متأكد جيدًا من اختبار الحياة الجديدة بالميلاد الثاني وقبول الرب يسوع مخلصا شخصيا لحياتك لكي لا تكون ثقلا على الخدمة وعلى المخدومين وأنت أول الخاسرين.ولتكن الدعوة الإلهية هي الباعث الأول لتقدمك لهذه الخدمة.
2- لا تتعامل معها بنوع من التصغير لأهميتها أو دورها أو أنها خطوة على الطريق في انتظار خطوة أخرى.
3- لتدرك أنك قدوة للمؤمنين وهناك فارق بين أن تكون قدوة للآخرين وأن تكون قدوة للمؤمنين فان قدوة للمؤمنين تتطلب مقياسا أكثر حساسيةً وتدقيقاً لكي تكون علامة مميزة بين المؤمنين الآخرين يروا فيك نموذجا عمليا ومؤثرًا.
4- لتكن مستعدًا لكل عمل صالح في خدمة المسيح والكنيسة والاستعداد لا يعنى أنك تنتظر حتى يطلب منك أداء أمر معين أو خدمة معينة بل لتكن مبادرا ومقداما لديك اكتراث بما حولك ولديك قدرة على استشعار الاحتياج وتبادر لكي تسدده.
5- لا تكن محبَطاً تعلم أن تكون واثقا في إلهك صاحب العمل مهما بدا الواقع ومنتظرا و مشاركا لصنع مستقبل أفضل ولا تحاول أن تكون مصدراً لإحباط من حولك بل لتملأهم بالأمل والرجاء وتحمسهم وتملأهم بشحنةٍ من التشجيع والتحفيز لأن العمل متسع ولا يجب أن يكون لديك وقتا لأن تحبط أو لأن لا تعمل.
6- الاستعداد الدائم للتعلم والقابلية للتوجيه والنقد وأيضا الاستعداد للتعلم من أخطاءك ومن أخطاء الآخرين لذلك استخدم كل ما حولك لكي تتعلم سواء كان كتبا أو مقالات أو تجارب آخرين أو أخطاءك أو أخطاء آخرين أو نجاح في أمر معين أو نجاح آخرين باختصار لتستخدم كل الوسائل المتاحة لتنمو في التعلم.
7- لتتعلم العمل مع الفريق وهذا تحدى كبير يواجهنا جميعا في المجتمع الشرقي فنحن نجيد أن نعمل منفردين ولكننا نجد صعوبة كبيرة في العمل مع آخرين وذلك لانتشار أمراض كثيرة وسطنا خاصة بهذا العمل مثلاً: التسلط، الأنانية، عدم تقدير الآخرين، حب الظهور، عدم قبول الآخر، رفض التبعية، عدم إدراك أن نجاح الفريق أعمق أثراً وأصلح للخدمة من نجاح الفرد.
8- ليكن صالح الخدمة ونمو الكنيسة في ذهنك دائما وقبل أن تبدأ في عمل أي شئ أو حتى التفكير فيه فكر أولا ماذا يعود هذا الأمر على خدمة السيد ونمو كنيسته قبل أن تفكر في ماذا يعود عليك شخصيا أو حتى على بعض الأفراد الذين حولك ولتقدر جيدا أن صالح الخدمة ونمو الكنيسة غير محصور فقط في تصورك أنت عنه بل هناك أفكار متنوعة وخبرات متعددة لابد من الاستعانة بها وتقديرها وليس الحل هو إلغاء الآخرين لمجرد أنهم يريدون إلغاؤك فلا تفكر في الآخرين بنفس الطريقة التي تكره أن يفكروا بها فيك بل لتنظر دائما إلى مجد الله في كنيسته من خلالك ومن خلال الآخرين حتى المخلتف معهم.
9- لتتعلم كيفيه التعامل مع الاختلاف. في تفكير البعض منا أن الاختلاف معارضة ومقاومة وتحزب وتمرد بدل من أن يكون تنوع وإثراء للفكر وجوانب أخرى للأمر قد لا أراها بمفردي. البعض يرى أن المختلف لابد من التخلص منه بدل من أن أشجعه ليكملني ويضيف إليّ. البعض يرى أن الاختلاف كارثة تحل بالعمل بدل من أنه نعمه أنعم بها الله لنا لكي تتعدد الرؤى وتتسع الأفكار وتتعدد الوسائل البعض يرى أن الاختلاف تعطيل وعبء على العمل بدل من أن يكون تعميق وتوسيع لأفاق العمل والخدمة.
اختلف ولكن باحترام للآخرين, اختلف لكن ليكن مجد الرب ونمو وبنيان الكنيسة هو المحرك لتفكيرك ,اختلف لكن ليس الحل هو إلغاء الآخرين المختلفين
10 – اعترف بخطئك عندما تخطى تعلم الاعتذار دون أن تحاول التنصل من مسئوليتك وكن صادقا دائما حتى عندما تكون مخطئا فان الجسد الواحد لا يمكن أن يعيش معا دون أن يدرك احتياجه ليس فقط لبعضه البعض بل أيضا للحياة الصادقة الأمينة التي تضع مصلحة الجسد فوق كل اعتبار.
- وأخيرًا
لا ترفض هذه الخدمة إذا كنت تشعر بدعوة إلهية لها وبأنك تملك وزنات لأداء دور فيها ولديك الاستعداد لكي تشارك في عمل الرب بطريقة منتظمة وملتزمة ورفض هذا الأمر يتساوى تماما مع قبولك لهذه الخدمة والترشح لها دون أن تكون صادقًا في سماع صوت إلهك فيها ودون استعداد حقيقي للمشاركة الايجابية في هذه المهمة المقدسة.
صلى وفكر وأدرس كلمة الله واستشير الآخرين وتعلم من خبراتهم ثم صلى مرة أخرى وكرس أوقاتًا ثم اتخذ قرارك.