ميلاد المسيح وكيفية مواجهة الضغوط في الأسرة والمجتمع؟

ما أكثر الضغوط والتحديات ولاسيما في هذه الأيام، فالكل مضغوطٌ سواء كان غنيًا أو فقيرًا، كبيرًا أم صغيرًا، رجلاً أو امرأةً. قد تكون الضغوط من الداخل (من النفس، أو الأسرة، أو بسبب احتياجات خاصة غير مشبَعة) أو من الخارج (العمل، أو المواصلات، أو حكامٌ جدد لهم توجهات مختلفة، أو غياب الأمن) وقد تكون الضغوط نتيجةً لطبيعة عصر التكنولوجيا، فعطل أحد الأجهزة الحديثة (موبايل – سيارة – كمبيوتر- دش)، قد يتسبب لنا في ضغط شديد وارتباك وحيرة.
هذه وغيرها ضغوطٌ لا يمكن تجاهلها، لكن علينا أن نتعلم كيف نتعامل معها بفكر الميلاد.
أولاً- هل واجه الرب يسوع، مولود بيت لحم، ضغوطًا وتحديات؟ نعم واجه الرب يسوع ضغوطًا وتحديات كثيرة منها:
- ضغط الفقر المادي، فيوسف ومريم أبواه كانا من فقراء القوم، فلم يستطيعا أن يوفرا له مكانًا مناسبًا ليولد فيه فولد في مذود حقير، ولم يستطيعا أن يقدما له إلا ذبيحة الفقراء فرخي يمام، ورغم ذلك لم نسمع عنه يومًا أنه تذمّر، ولم يكن كسولاً بل عندما كبر أخذ يعمل مع أبيه في دكان النجارة، لقد واجه ضغط الفقر بالرضى ثم العمل الجاد الشريف.
- ضغط الاضطهاد القاسي على يد هيرودس الملك، مما اضطر بأبويه أن يهربا به إلى مصر.
- ضغط الرفض والاحتقار من أهله «جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله»، وقالوا عنه مجنون أو مختل، لكنه لم يسمع لكلماتهم المحبطة، ولم يتوقف كثيرًا عند كلمات الرفض والإهانة بل استمر يقدم خدماته للجميع دون تمييز أو كلل أو ملل.
- ضغط عدم فهم حتى تلاميذه المُقربين لرسالته وأهدافه… لم يطردهم بل احتملهم واستمر معهم يعلِّمهم، ويُفهمهم، ويعالج ضعفاتهم، ويأخذ بأيديهم.
- ضغط مقاومة اليهود لشخصه وتعاليمه، والافتراء عليه، وسبّه، وظُلمه حتى سلَّموه للرومان وصلبوه، ورغم ذلك لم يكن يشتم عوضًا، بل سلَّم لمن يقضي بعدل، لأنه كان يدرك أنها ساعتهم وسلطان الظلمة (لو22: 53)
عزيزي القارىء إن كنت تواجه ضغوطًا معينة خاصة أو عامة، من الداخل أو الخارج، فلا تنس أن كثيرين قبلك عانوا ومرّوا بضغوطٍ كثيرة، فلا تعتقد أنك الوحيد الذي يعاني، أنت حلقة في سلسلة، فحتى رب المجد نفسه واجه الضغوط، واجتاز في كل ما تجتازه، لذا فهو قادرٌ أن يعينك «في ما هو قد تألم مجربًا يقدر أن يعين المُجربين» عب2: 18، كما أرجو ألا تنسَ أن الضغوط ملازمة لنا طالما كنا هنا على الأرض، فلا تدعها تعطل مسيرتك وتقدمك في الحياة، كن إيجابيًا كي تسطيع أن تحوّلها من خطرٍ إلى فرصة، ومن لعنةٍ إلى بركة، ومن عقبةٍ إلى سلَّم تصعد عليه لأعلى، وتكمل رسالتك في الحياة.
ثانيًا- كيف نواجه الضغوط بفكر الميلاد؟
1- المشاركة والمساندة:
نحن البشر نحتاج لبعضنا البعض باستمرار، فالإنسان لا يمكن أن يعيش بمفرده حتى في الظروف السهلة والعادية، فكم وكم وقت الأزمات والضيقات! وحدث الميلاد يُرينا كيف نواجه الضغوط والأزمات بالمشاركة على مستويين:
أ- مشاركة الله للإنسان: «والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا» يو1: 14، الله ذاته بكل جلاله وعظمته وقف بجوار الإنسان الخاطىء، لم يتركه أو يتخلى عنه وقت ضعفه وعجزه من أن يخلص نفسه مما لحق بها جراء الخطية، بل وقف إلى جواره، لا بالكلام بل بالعمل، فقد أخذ طبيعتنا البشرية «والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا» يو1: 14 لقد نزل إلينا حتى يرفعنا إليه، آخذًا صورة عبد مُهان «كي يرفعنا من درجة العبيد إلى درجة الملوك «جعلنا ملوكًا وكهنة لله أبيه» رؤ1: 6. ثق أنّ الله بجوارك، يشعر بك، لن يتركك أو ينخلى عنك.
ب- مشاركة الإنسان للإنسان: في قصة الميلاد نرى نموذجًا رائعًا للمشاركة الإنسانية، حيث نرى يوسف النجار يقف إلى جوار القديسة مريم (الحُبلى قبل أن يجتمعا) مُعلنًا ارتباطة المقدَّس بها مما شجّع العذراء والتي كانت تواجه ضغط الإعدام رجمًا من المجتمع، ومن رجال الدين.
إن وجود يوسف إلى جوار مريم في هذا الوقت العصيب أنقذها من الموت، كما ضمن لها الوضع القانوي الصحيح، إذ مثّل يوسف دور الأب الشرعي للطفل يسوع أمام السلطات الرومانية.
إن العائلة المقدَّسة تقدِّم لنا كأُسر في هذه الأيام نموذجًا فريدًا للأسرة المُترابطة التي يسند ويدعم أفرادها بعضهم بعضًا وقت المحن والأزمات، لا أن يُدمروا أحدهم الآخر. فالأسرة التي لا تتكاتف ولا يسند كل عضو رفيقه وقت المحن سوف تنهار سريعًا، وهكذا الحال في الأسرة الكبيرة، المدرسة، المستشفى، الشركة، الكنيسة، الدولة… إلخ. إن لم نساند ونعضد بعضنا بعضًا سنسقط جميعًا، فكل منّا يحتاج لغيره، كل فصيل يحتاج لغيره مهما كانت قوته، ومهما كان ضعف الآخر، فهل لنا كأفراد وأُسر ومجتمعات ودول أن نقف إلى جوار بعضنا، ولاسيما هؤلاء الذين يجتازون ضغوطًا وأزمات سواء روحية، أو نفسية، أو صحية، أو اقتصادية؟
أخاف أن تكون الحياة أضحت بحرًا كبيرًا مُخيفًا، وصرنا نحن البشر كالسمك يأكل الكبير الصغير، ويبتلعه. أخاف أن تكون الحياة قد تحوّلت إلى غابة، السيادة والسيطرة فيها للأقوى والأعنف.
2- الطاعة والخضوع لصوت الله:
لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك» (مت1: 20، 2: 13).
مواجهة الضغوط تحتاج منا إلى طاعة صوت الله ومعرفة إرادته كما حدث مع يوسف الذي سمع وميَّز وخضع لصوت الرب، أكثر من نفسه ومن تقاليد وعادات مجتمعه.
عزيزي القارىء عندما تواجهك أزمةٌ ما، تمهل قليلاً لتتعرف على فكر الله وإرادته. اسأل الرب ماذا تريد مني أن أفعل؟ قل له ارشدني يا رب، واجتهد أن تتعرف على أفكاره وطرقه وهو يرشد ويهدي خطواتك، كما حدث مع يوسف المُتمهل المُفكر فأرشده الله قائلاً «لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس»، مت1: 20 ثق أن لدى الله دائمًا حلولاً جديدة لم تخطر على بالنا، فانتظره واخضع ذاتك له.
3- العمل الجاد ودفع الثمن:
الضغوط لا تحتاج منا إلى البكاء والعويل، ولا انتظار معجزة، بل إلى المزيد من بذل الجهد والتضحية – سواء بالوقت أو المال أو… إلخ. فضغط الفقر نواجهه بالعمل والكفاح أكثر من التذمّر والشكوى، فالمسيح كان يعمل مع يوسف في دكان النجارة، وضغط الاضطهاد نواجهه بعدم المعاملة بالمثل بل بالصلاة «صلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم»، وهكذا نواجه الأحزان بتسليم أكثر وثقة تامة أنّ إلهنا أبٌ صالح قادر أن يملأ الفراغ ويضمّد الجراح مهما كانت سخونتها، كما أن ضغط وشبح الحروب يتطلب منا استنكارها من ناحية ومن ناحية أخرى الدعوة المستمرة للسلام والصلاة من أجله، ومساندة كل من يدعو إليه، حتى يعمّ السلام أرضنا.
الخاتمة:
إن كانت الضغوط أمرًا ملازمًا للحياة المعاصرة وأحد مكوناتها وسماتها الأساسية، فتعلّم فن مواجهتها أمر لا غنى عنه، لأنه إن لم نعرف كيف نواجه الضغوط بطريقة صحيحة فستبتلعنا وتقضي علينا، فمن يستسلم مثلاً لضغط الأحزان تبتلعه، ومن يستسلم للضيق والشعور الدائم بالظلم يبتلعه اليأس. لكن متى نظرنا للمسيح الإله المتجسد لأجلنا، وفكّرنا بفكر الميلاد، فستكون الضيقات والأزمات بمثابة أعظم مدرسة، وأفضل مُعلِّم يُخرّج أبطالاً عظماء للحياة وللوجود الإنساني كله. وبالتالي نكون قادرين على أن نحوّل الضغوط والأزمات من خطر إلى فرصة، ومن لعنة إلى بركة، ومن عقبة إلى سلَّم نصعد عليه لأعلى مُكملين رسالتنا في الحياة.