البيئة الإيمانية في قصة الميلاد

دعُونا ونحن نحتفل بعيد ميلاد الرَّبِّ يسوع المسيح -الحدث المتميّز والمختلف- أَن ننظر نظرةً شموليّة لأَحداث القصّة. لكي نخرج منها بقيمٍ حياتيَّة تُساعدنا في حياتنا المعاصرة. جاء المسيح في ملءِ الزَّمان، وهو الوقت المحدّد من الله ليعلن عن ذاتهِ بصورةٍ واضحةٍ، وليفدي أَيضًا الإنسان السَّاقط.
والرُّوح السَّائدة في العصر الَّذي جاء فيه المسيح اتَّسمت بالفساد بكُلِّ صورهِ، سواء على المستوى السياسيّ المتمثّل في هيرودس الملك، الَّذي حاول اغتيال المسيح، وهو طفلٌ، وهو مَنْ حاول أَن يُمكَّن كرسيّهُ على دماء الأَطفال، وعلى الجانب الدّينيّ نجد فسادًا من نوع آخر، وهو لامبالاة الكهنة والشّيوخ في الذِّهاب لرؤية المخلّص في المكان الَّذي كانوا يقرأون عنهُ في الكُتُبِ المقدّسة. رجال الدِّين والسِّياسة في ذلك العصر كانوا مشغولين بأُمورٍ أُخرى كثيرة غير ميلاد المسيح.
في المقابل ركَّز الكتاب المقدّس على مجموعاتٍ مُغايرة من البشر. وكُلٌّ من البشير متَّى ولوقا ركّزوا على شخصيّاتٍ كثيرةٍ ربطتهم روحٌ واحدةٌ، واتّجاهٌ واحدٌ، وآمنوا بإِعلان الله. هذا الرّوح الَّذي يربط كُلَّ أَطراف القصّة معًا هو روح الإِيمان، والاستجابة الظَّاهرة في الميلاد هي استجابة الإِيمان. فنجد مريم آمنت وصدّقت، ويوسف سَمِعَ واقتنع، والرُّعاة والمجوس آمنوا وصدّقوا أَنَّ الصَّبيّ المولود في مكانٍ مُتواضعٍ هو ملك إِسرائيل. بالإِيمان سِمْعَان الشَّيخ، وحنَّة النَّبيَّة صدَّقا وآمنا أَنَّ المولود هو مخلّص العالَم.
هذا الإيمان وَلَّد سلوكًا ظَهَرَ في تصرّفات الشّخصيّات الَّتي رسمت أَبعاد قصّة الميلاد: مريم تَقْبَلُ «فَقَالَتْ مَرْيَمُ: هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ.» (لوقا1: 38). على الجانب الآخر نجد يوسف يُصَدِّقُ وَيَقْبَلُ مريم ويأخذ الصَّبيّ وأُمَّهُ ويذهب إِلى مِصر «فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ.» (متَّى1: 24)، «فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ». (متّى2: 14)، المجوس يُقَدِّمون هدايا وعبادةً «وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ وَرَأَوُا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا.» (متَّى2: 11).
نحاول معًا ونحن نعيد قراءة قصة الميلاد أَنْ نكتشِف معًا العُمق الإِيمانيّ الواضح في كُلِّ مَنْ أَشترك في قصّة الميلاد.
أَوَّلًا: الإِيمان بُنِي على إِعلانٍ إِلهيٍّ واضح
لقد أَعلن الله عن نفسهِ بطرقٍ وأَنواع مختلفةٍ، مُتعدّدةٍ ومُتنوّعةٍ: في الطَّبيعة والخلق، وفي العقل البشريّ، والوحي. ولكنَّ الإِعلان الواضح في الأَيَّام الأَخيرة في المسيح كلمة الله «اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ – الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ.» (عبرانيّين1: 1، 2).
ولقد كان البشير متّى حريصًا في سردهِ لقصّة الميلاد أَنْ يربطها بالكُتُبِ المقدّسة، فَيذكر في الإِصحاحيْن الأَوَّليْن ستّة مواقف يقول فيها لكي يتمّ ما قيل بالنّبيّ القائل (متَّى1: 22؛ 2: 5، 15، 17، 23)، ومن خلال كافّة النُّبوَّات الَّتي وردت في العهد القديم، وتحقّقت في العهد الجديد، والَّتي كَان المقصود منها إِظهار أَنَّ المسيح هو إتمام النُّبوَّات الَّتي وردت في العهد القديم، ويكفي أَنْ نُشير على نبوَّةٍ واحدةٍ من العهد القديم، على سبيل المثال «وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ.» (إِشعياء7: 14). اسْتَدْعَى متَّى هذه النُّبوَّة في أَوَّل النُّبوَّات عن المسيح «وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا.» (متَّى1: 22).
ولعلّ استدعاء مثل هذه النُّبوَّات ساعدت في تصديق قصّة الميلاد العذْرَاويّ، فهي ولادةٌ غير عاديةٍ، ودور الإِيمان المبنيّ على المكتوب جعل مريم تَقْبَلُ بعد أَن تحيّرت وتساءلت كيف يكون هذا «فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟ فَأَجَابَ الْمَلاَكُ: اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ الله.» (لوقا 1: 34، 35). هذا الإيمان جعل مريم تُصدّق كلام الملاك: «لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ.» (لوقا 1: 37).
بجانب الإِعلان الكتابيّ الواضح في قصّةِ الإِيمان نجد بعض الشّواهد الأُخرى تؤكّد ما ورد في كلمة الله مثل: الإِعلان للمجوس عن طريق «نجم» في الشَّرقِ «قَائِلِينَ: ««أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». (متّى2: 2). وقد ظهر الملاك للرُّعاة وليوسف، ولمريم موقفٌ آخر مع أَلِيصَابَاتَ حيث ارْتَكَضَ الجنين في بطنها. بالإِضافة إِلى أَنَّ سِمْعَان الشّيخ وحنَّة النَّبيَّة قد عرفوا أَنّ المولود هو مسيح الرَّبِّ.
إِنَّ إِيمان هؤلاء جميعًا مريم ويوسف، المجوس والرّعاة، سِمْعَان الشّيخ وحنَّة النَّبيّة، زكريَّا وأَلِيصَابَات، إِيمانٌ مبنيٌّ على إِعلانٍ واضحٍ، هذا الإِعلان قد أَقنعهم، بجانب شواهد أُخرى توافقت مع ما أُعلن لهم من قَبْل، وَتمشّت مع سياق الكتاب وكانت غيرَ خارجةٍ عليهِ.
ولذا يجب أَنْ يرجع إِيماننا نحن على ما قد أُعلن لنا في المسيح وفي الكتاب المقدّس، ولا ننتظر إِعلانات أُخرى أَو رُؤى تحت ادعاءاتٍ مُعيّنةٍ، لَكِنْ نطلب من رُوح الله أَنْ يفسّر لنا ما أَعلن لنا، وَهو الأَهمُّ.
ثانيًا: الإِيمان في قصّة الميلاد تأصَّل على الإِعلان الإِلهيّ، وينظر إِلى المستقبل
آمن هؤلاء بأَنَّ المسيح هو مخلّص العالَم قبل أَن يبدأ المسيح خدمتهُ الجهاريَّة ب 30 سنة، وقَبْل موتهِ، ودفنهِ، وقيامتهِ. هؤلاء عاشوا الإِيمان قَبْل أَن يكتب عنهُ كاتب الرِّسالة إِلى العبرانيّين: «وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى.» (عبرانيّين11: 1). رسالة الميلاد تُشجّعنا أَنْ نؤمن، وأَنْ يكون إِيماننا ورؤيتنا تتّجه إِلى المستقبل، فلا نقف كثيرًا وننظر تحت أَرْجُلنا بل تكون لدينا رؤية أَشمل وأَوسع.
ثالثًا: الإِيمان في قصّة الميلاد تُرْجِمَ إِلى أَفعالٍ واضحةٍ
هناك نصوصٌ كتابيَّة كثيرة في الكتاب المقدّس تتحدّث عن الإِيمان الأَصيل هو فِعْلٌ ومُنْتَجٌ «لِأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ.» (فيلبّي2: 13). إِنَّ رسالة يعقوب في مُجملها تتكلّم عن الإِيمان العامل، والرَّبُّ يسوع قد نبَّرَ مرارًا وتكرارًا على الثِّمار. الإِيمان ليس أَمرًا ساكنًا جامدًا لكنَّه يدفع إِلى العمل والحركة. نجد مريم قَبِلَتْ وكذلك يوسف الَّذي قَبِلَ ونَزِلَ إِلى مِصر. المجوس أَيضًا أَتوا إِلى المسيح بعد رحلةٍ طويلةٍ، وكذلك الرُّعاة أَيضًا ذهبوا حيث وجدوا الصَّبيّ، وأَلِيصَابَات اعترفت: فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ (لوقا 1: 43).
لقد أَظهرت قصّة الميلاد أَنَّ الإيمان هو مصدر كُلِّ تصرَّفٍ، ونستطيع أَنْ نُجْمِلَ ما سبق في ثلاثة اتّجاهات:
- الطَّاعة.
- العِبادة.
- الشَّهادة.
بالنِّسبة للطَّاعة نجد أَنَّ يوسف ومريم قد أَطاعا أَمر الرَّبِّ، والمجوس قد استجابوا لكلام الملاك، حيث أَرشدهم أَنْ لا يرجعوا إِلى هِيرُودُس بل أَنْ يذهبوا من طريق آخر.
أَمَّا موقف العِبادة فَظَهَرَ عند المجوس، الَّذين خَرُّوا وسجدوا مُقدّمين الولاء والإِكرام للرَّبِّ يسوع، والسُّجود هنا ليس من اليهود ولكن من غُرباءٍ قد صدّقوا وآمنوا بما رأَوا وبحثوا. إِنَّ العِبادة في مشهد الميلاد شملت الأَغنياء والفقراء الحكماء والجهلاء.
أَمَّا بالنّسبة إِلى الإِعلان والشَّهادة، فنجدهُ في الرُّعاة، الَّذين رجعوا يمجّدون الله ويسبّحونهُ، ثُمَّ في أَلِيصَابَاتَ وبهجة الميلاد: »وَأَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَتَمَّ زَمَانُهَا لِتَلِدَ فَوَلَدَتِ ابْنًا. وَسَمِعَ جِيرَانُهَا وَأَقْرِبَاؤُهَا أَنَّ الرَّبَّ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ لَهَا فَفَرِحُوا مَعَهَا.» (لوقا 1: 58-67). أَمَّا عن زكريّا فنجد هذه الشَّهادة: «وَامْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَتَنَبَّأَ قَائِلًا: مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ. كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ. خَلاَصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا. لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ الْمُقَدَّسَ الْقَسَمَ الَّذِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا: أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلاَ خَوْفٍ مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا نَعْبُدُهُ بِقَدَاسَةٍ وَبِرٍّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا. وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ. لِتُعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلَهِنَا الَّتِي بِهَا افْتَقَدَنَا الْمُشْرَقُ مِنَ الْعَلاَءِ. لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ» (لوقا 1: 67-80).
ونجد شهادة أُخرى لِسِمْعَان الشَّيخ: «وَكَانَ رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَانُ كَانَ بَارًّا تَقِيًّا، يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ وَالرُّوحُ الْقُدُسُ كَانَ عَلَيْهِ. وَكَانَ قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الرَّبِّ. فَأَتَى بِالرُّوحِ إِلَى الْهَيْكَلِ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ، أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ، وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: «الْآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لِأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلْأُمَمِ وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ.» وَكَانَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَانِ مِمَّا قِيلَ فِيهِ. وَبَارَكَهُمَا سِمْعَانُ وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ: «هَا إِنَّ هَذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضاً يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ. (لوقا2: 25-35).
كما نجد موقف رائع من حنَّة النَّبيَّة: «وَكَانَتْ نَبِيَّةٌ حَنَّةُ بِنْتُ فَنُوئِيلَ مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ وَهِيَ مُتَقّدِّمَةٌ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ قَدْ عَاشَتْ مَعَ زَوْجٍ سَبْعَ سِنِينَ بَعْدَ بُكُورِيَّتِهَا. وَهِيَ أَرْمَلَةٌ نَحْوَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، لاَ تُفَارِقُ الْهَيْكَلَ عَابِدَةً بِأَصْوَامٍ وَطِلْبَاتٍ لَيْلًا وَنَهَارًا. فَهِيَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَقَفَتْ تُسَبِّحُ الرَّبَّ، وَتَكَلَّمَتْ عَنْهُ مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً فِي أُورُشَلِيمَ.» (لوقا2: 36-38).
في الإِعلان والشَّهادة في الهيكل نجد سِمْعَان يتكلّم وحنَّة أَيضًا تُعلّم وتتكلّم عن المسيح، فالإِعلان عن المسيح مهمّة الرَّجل والمرأة معًا، فقصّة الميلاد تَلْغِي فكرة الفصلِ العُنصريّ بين الرَّجل والمرأة.
ما أَروع هذا الإيمان، الَّذي يطلّ علينا من قصّة الميلاد، ورغم تنوّع الحوادث، واختلاف المواقع، وتباين الشَّخصيّات، لكنّنا نجد تكاملًا وانسجامًا بين الكُلِّ من خلال الإِيمان.
في حدث الميلاد نجد الرّجل بجانب المرأة، المجوس مع الرُّعاة، يوسف وسِمْعَان الشَّيخ، العذراء وحنَّة النَّبيَّة. وإِنْ اختلفت الأَدوار والمكان والثَّقافة بين غنيٍّ وفقير، بَين جاهلٍ ومُتعلّمٍ، نجد أَنَّ القاسم المشترك هو الإِيمان، الَّذي لا وطنَ لهُ ولا ثقافة تحتويه، فهو موجودٌ في كُلِّ الأَوطان والثَّقافات.
في الميلاد خاطب الله النَّاس بِطُرقٍ متنوّعةٍ: من كلمةٍ عن طريق ملاك؛ ومن كلمةٍ في حُلْمٍ؛ ومن إِعطاء علامة، إلى توجيهٍ عبر نجمٍ. اختلفت طُرق الإِعلان ولكنّهم اشتركوا في الاستجابة، وأَن اختلفوا في طُرق التَّعبير.
إِنَّ روح الميلاد هي روحُ الإِيمان العامل، فقد قدّمت قصّة الميلاد قطعةً رائعةً للوحي وللإِعلان الإِلهيّ والإِيمان والتَّصديق لمجيء المسيح إِلى عالَمنا.
فليُعطنا الله أَن نحيا في رُوح الميلاد: رُوح الإِيمان المبنيّ على كلمةِ الله وحدها، والرَّبّ يسوع، هذا الإِيمان الَّذي يقودنا إِلى المستقبل بِخُطى ثابتةٍ، ويجعلنا نعيش حاضرنا في طاعةٍ وعِبادةٍ وشهادةٍ.