إبراهيم في سلسلة نسب يسوع

يلفت الانتباه في سلسلة نسب يسوع في متى 1: 1–17 أمران، وهما محور تركيز هذه المقالة: (1) لقب “ابن إبراهيم،” و(2) الأربع النساء الواردة أسماؤهن في السلسلة. ماذا يعني لقب يسوع أنَّه “ابن إبراهيم”؟ ما هو دور ووظيفة إبراهيم والنساء الأربع في السلسلة؟ هل هناك أية علاقة بين إبراهيم والنساء الأربع؟
لقب “ابن إبراهيم”
تبدأ السلسلة بعبارة “كتاب ميلاد (تكوين) يسوع المسيح بن داود، ابن إبراهيم.” يعطي العلماء آراء مختلفة حول عبارة “كتاب ميلاد (تكوين)”: إما هي عنوان للإنجيل ككل، أو لمقدمة الإنجيل فقط (1: 1–4: 17)، أو لسلسلة النسب فقط (1: 1–17).[1] مع ذلك، الكل يتفق على أن العدد الأول هو عنوان لأنه يخلو من الأفعال.[2] إن العبارة “كتاب ميلاد (تكوين)” ترد أيضًا في تكوين 2: 4 و5: 1، الأمر الذي يعني أن متى يريد أن يؤكد على فكرة الخلق الجديد أو البداية الجديدة التي حدث/حدثت في ميلاد يسوع.[3] إنَّ فكرة البداية يمكن تطبيقُها أيضًا على لقب “ابن إبراهيم،” لكنَّ البداية المقصودة هنا هي بداية تاريخ شعب الله. يريد متى أن يضع يسوع في مقدمة تاريخ الشعب الذي يبدأ بإبراهيم، مؤسِّس الأمة اليهودية. بشكل أكثر تحديدًا، ينتمي يسوع للخط الملكي في هذا الشعب وهذا هو معنى اللقب أن يسوع هو “ابن داود.”[4]
إن الكلمات المفتاحية في هذه السلسلة هي المسيح، داود، وإبراهيم، الأمر الذي يتضح بتكرارها مرةً أخرى في عدد 17.[5] يريد متى أن يوضِّح أن التاريخ الذي يوشك على أن يرويه ما هو إلا قصة يسوع المسيح الذي تمَّم وعديْ الله لداود ولإبراهيم. كان وعد الله لداود أنه هو ونسله سيكونون على العرش للأبد (2صم 7: 12–16؛ 1أخ 17: 11–14؛ مز 89: 3؛ 132: 11؛ إش 11: 1–5، 10؛ إر 23: 5–6؛ 30: 9؛ 33: 14–18؛ حز 34: 23–24؛ 37: 24؛ حتى الكتابات غير القانونية تحتفي بهذا الوعد مثل سيراخ 47: 11؛ 1مكابيين 2: 57). في نفس الوقت، فإن وعد الله لإبراهيم كان أنه من خلاله سوف تُبارك كل أمم الأرض.[6] لذلك يستخدم متى اللقب “ابن داود” ليذكِّر بأن يسوع هو المسيا الملك وتأكيدًا على ذلك يذكر أسماء ملوك يهوذا. في نفس الوقت، يبيِّن متى أنَّ يسوع هو “ابن إبراهيم” من سوف يبارك أمم الأرض.[7]
إذا كان الأمر كذلك، فإنَّ اللقب “ابن إبراهيم” نفسه لا يحمل أيَّ مدلولٍ مسياني. يقترح كينسبري Kingsbury أنَّ اللقب هو لقبٌ مسياني ضمن الألقاب الكرييستولوجية الصغيرة في الإنجيل بحسب متى.[8] يرفض كينر Keener هذا المقترح لأن اللقب “ابن داود” هو الذي يعبِّر عن المسيانية ولا يوجد أيُ داعٍ لتكرار معناه مرةً أخرى.[9] علاوةً على ذلك، فإن اللقب “ابن إبراهيم” هو لقبٌ شائعٌ في الأناجيل وعادةً يشير إلى الهوية اليهودية (مثل مت 3: 9؛ 8: 11–13؛ لو 13: 16؛ ويو 8: 33–41)، الأمر عينه نجده في أدب اليهودية المبكرة (مثل 4مكابيين 6: 17، 22؛ 18: 1).[10] بالتالي، إن فكرة لقب “ابن إبراهيم” هي أنَّ يسوع يهوديٌ؛ يسوع هو ابن الآباء، بالأخص إبراهيم. “هو ابن إبراهيم وكذلك هو المسيا الملكي وبالتالي هو حاملُ كلِّ الآمال الإسرائيلية المسيانية بالتوافق مع خطة الله. هذا هو التأكيد الأساسي لسلسلة النسب.”[11]
بإيجاز، بينما لا يحمل لقب “ابن إبراهيم” أيَّ مدلولٍ مسياني، إلا أنه يربط يسوع بإبراهيم مؤسِّس الأمة اليهودية، والذي من خلاله أبدأ الله شعبه. إن وظيفة إبراهيم في سلسلة النسب هي تأكيد يهودية يسوع. كذلك، يوضِّح أنه من خلال يسوع سوف تُبارَك كلُ الشعوب حيث أنه ابن إبراهيم المثالي.
وظيفة النساء الأربع
في دراسته للاختلافات بين سلسلة نسب يسوع في متى ولوقا، يلاحظ ستندال Stendahl أن “الملمح الأكثر تميزًا فيها هو ذكر الأربع النساء: ثامار، راحاب، راعوث، وبثشبع (“امرأة أوريا الحثي”).”[12] من المفترض أن سلاسل النسب تتضمن عادةً الرجال فقط أو على الأقل أمهات إسرائيل (سارة، رفقة، وراحيل)، بالتالي فأنْ يضع متى في السلسلة هذه النساء التي لا تتمتع بشهرة كبيرة يجعلنا نعتقد أن متى لديه سبب محدد لذلك.[13] لكن ما هو هذا السبب؟ كثيرٌ من الإجابات أعُطيت لهذا السؤال.[14]
إحدى هذه الإجابات هي أن متى يريد أن يوضح أن الخلاص الذي يقدمه يسوع مقدَّمٌ حتى للخطاة، الذين تُمثِّلهن الأربعُ النساء. كان جيروم هو أول من اقترح هذا التفسير.[15] بحسب هذا التفسير، إن هدف متى دفاعيٌ apologetic، وهو الدفاع عن مريم ضد الهجمات التي رأت أنها خاطئة أو زانية، وذلك بتوضيح أنه حتى في خط نسل المسيا هناك جدات خاطئات.[16] بالتالي فإن سلسلة النسب تحوي أربع زانيات: ثامار حيث عرضت نفسها على يهوذا (تك 38)، راحاب كانت زانية (يش 2)، راعوث ربما أغرت بوعز لكي يتزوجها (را 3: 4)، وبثشبع كانت على علاقة غير شرعية مع داود (2صم 11–12).[17] مع ذلك، إن مشكلة هذا التفسير هو أن الأربع النساء لا تُعتبرن خاطئات أو زانيات في الأدب اليهودي. على سبيل المثال، تُعتبر ثامار امرأة فاضلة في كتابات فيلو الإسكندري. في وجهة نظر فيلو، إذا كان إبراهيم هو نموذج المتحولين أو المهتدين proselytes عامةً، فإن ثامار هي نموذج للمهتدين من النساء على وجه التحديد.[18] يشير نولاند Nolland إلى الأدب الربيني الذي يتكلم عن أنبياء أتوا من نسل ثامار وراحاب.[19]
هناك تفسير آخر لدور الأربع النساء في سلسلة النسب تم اقتراحه بواسطة لوثر، حيث رأى أنهن يمثلن الأمم.[20] الاعتراض الرئيس على هذا التفسير هو أنه لايتناسب مع المرأة الأخرى في السلسلة، أي مريم، حيث تم اقتراح أن وظيفة ودور النساء الأربع لابد من رؤيته في ضوء دورها ووظيفتها في سلسلة النسب.[21]
السؤال المهم هنا هو لماذا يجب الربط بين النساء الأربع ومريم؟ إن الأسماء المفتاحية في السلسلة هي “المسيح، داود، وإبراهيم،” بينما لا تأخذ مريم تركيزًا أو اهتمامًا خاصًا. علاوةً على ذلك، إذا كان متى يريد أن يربط بين النساء ومريم، لماذا لم يذكر بثشبع باسمها بدلًا من الإشارة إليها بعبارة “التي لأوريا”؟
أعتقد أن التفسير الثاني هو الأفضل. إن الأربع النساء لسن يهوديات:[22] ثامار كانت أممية، راحاب كانت كنعانية، راعوث كانت موآبية، وربما كانت بثشبع أممية. يعرِّفهن التقليد اليهودي على أنهن مهتديات proselytes.[23] يعطي لوز Luz دليلًا إضافيًا على صحة هذا التفسير. يركِّز على عبارة “التي لأوريا” (عـ 6)، ويرى أن فيها يكشف متى عن هدفه. بينما كانت ثامار، راحاب، وراعوث أممياتٍ بالميلاد، أصبحت بثشبع أممية بالزواج من شخصٍ حثيٍ وهو أوريا، بالتالي فإن اسم زوجها هو الذي يُذكر بدلًا من اسمها.[24] يلاحظ نولاند أن هناك علاقةً ما بين إبراهيم وراعوث حيث أن راعوث قيل عنها إنها ذهبت من أرضها ومن بيت أبيها واحتمت تحت جناحي إله إسرائيل (قارن تك 12: 1 مع را 2: 11–12).[25] يلخِّص بوكيم Bauckham الأمر قائلًا: “إنني أستنتج أن تحديد نساء الكتاب المقدس العبري/العهد القديم الأربع كأمميات يعرض تفسيرًا لوضعهن في سلسلة النسب.”[26] أخيرًا، يلاحظ لوز أن اللقب “ابن إبراهيم” ليس واضحًا منذ الوهلة الأولى لظهوره في العدد الأول. إن معناه سوف يتضح فقط عندما يصل القاريء إلى أسماء النساء الأربع ليفهم أن خلاص يسوع خلاصٌ كوني. وبذلك يصبح واضحًا أن: “إبراهيم كان أبًا ليس فقط للإسرائيليين ولكن أيضًا للمهتدين–وبالتالي للأمم.”[27]
أعتقد أن النساء الأربع لابد أن ترتبط بإبراهيم وليس بمريم، للأسباب التالية: أولًا، إبراهيم رمزٌ أو اسم مفتاحي في سلسلة النسب وليس مريم؛ ثانيًا، هناك توازٍ بين إبراهيم وراعوث (قابل تك 12: 1؛ 15: 1 ورا 2: 11)؛ ثالثًا، لقد أعطى متى أمثلةً على أن يسوع هو متمم وعد الله لدواد بالمُلك، حيث أعطى مجموعة كبيرة من ملوك يهوذا. وأخيرًا، إن كان إبراهيم هو الشخص الذي من خلاله ومن خلال ابنه، يسوع، سوف يبارك الله الأمم، فإن متى يحتاج أن يعطي أمثلة، كما أعطى أمثلة في حالة اللقب “ابن داود،” لأممٍ تشاركوا بالفعل في هذه البركة.
خلاصة
إن يسوع هو المسيح الملك “ابن داود،” والرجال الملوك في القائمة دليلُ ذلك. كذلك، هو يهوديٌ هو “ابن إبراهيم،” الذي حقق وعد الله بالبركة لإبراهيم الذي فيه وفي نسله تُبارك كلُ أمم الأرض، والنساء الأمميات دليلُ ذلك، هو المسيح الكوني، غير المحدود بشعبٍ معين أو جنسٍ معين، هو يبارك شعوب الأرض، وقد جاء للكل.
————————–
المراجع:
[1] Ulrich Luz, Matthew 1–7: A Commentary on Matthew 1–7 (rev. ed.; ed. Helmut Koester; trans. James E. Crouch; Hermeneia: A Critical and Historical Commentary on the Bible; Minneapolis: Fortress, 2007), 69–70.
[2] Ibid, 69.
[3] R. T. France, The Gospel of Matthew (The New International Commentary on the New Testament; Grand Rapids, Mich.: Eerdmans, 2007), 29.
[4] John Nolland, The Gospel of Matthew: A Commentary on the Greek Text (The New International Greek Testament Commentary; Grand Rapids, Mich.: Eerdmans, 2005), 72.
[5] France, Matthew, 35.
[6] Warren Carter, Matthew and the Margins: A Sociopolitical and Religious Reading (London: Sheffield Academic Press, 2000), 16.
[7] Meier, The Vision of Matthew, 53–55.
[8] Jack Dean Kingsbury, Matthew: Structure, Christological, Kingdom (Minneapolis: Fortress, 1975), 84–86.
[9] Craig S. Keener, A Commentary on the Gospel of Matthew (Grand Rapids, Mich.: Eerdmans, 1999), 74.
[10] Ibid, 74.
[11] Luz, Matthew 1–7, 82.
[12] Krister Stendahl, “Quis et Unde? An Analysis of Matthew 1–2” pages 56–66 in The Interpretation of Matthew (ed. Graham Stanton; Minneapolis: Fortress, 1983), 56.
[13] Keener, Matthew, 78.
[14] يمكن دراسة الآراء المختلفة لدور النساء في سلسلة نسب يسوع في متى في الكتب التالية:
Raymond E. Brown, The Birth of the Messiah: A Commentary on the Infancy Narratives in Matthew and Luke (New York: Doubleday, 1977), 71–74 and Richard Bauckham, Gospel Women: Studies of the Named Women in the Gospels (Grand Rapids, Mic.: Eerdmans, 2002), 17–28.
[15] Carter, Matthew, 59, and Brown, The Birth, 71.
[16] Nolland, Matthew, 76.
[17] Donald A. Hagner, Matthew: 1–13 (Word Biblical Commentary 33A; Texas: Word Books, 1993),10.
[18] يتعرض فيلو الإسكندري (20ق.م.–50م) في كتابه “في الفضائل،” المقاطع 187–227 لإبراهيم وثامار كنماذج وأمثلة لأناسٍ كانوا أفاضل انحدروا من آباء وأجداد اشرار، على عكس قايين وآخرين ولدوا من أفاضل بينما كانوا هم أنفسهم خطاة.
[19] Nolland, Matthew, 74.
[20] John C. Huthison, “Women, Gentiles, and the Messianic Mission in Matthew’s Genealogy” pages 152–64 in Bibliotheca Sacra 158 (2001): 154, and Brown, Birth, 72.
[21] Sim, Matthew, 218–20, and Brown, Birth, 72–73.
[22] Luz, Matthew 1–7, 83.
[23] Nolland, Matthew, 75–76.
[24] Ulrich Luz, The Theology of the Gospel of Matthew (trans. J. Bradford Robinson; New Testament Theology; Cambridge: Cambridge University Press, 1995), 26.
[25] Nolland, Matthew, 74
يرى نولاند أنَّ راعوث 4: 18–22 هو مركز سلسلة نسب يسوع في متى (انظر ص 70).
[26] Bauckham, Women, 27.
[27] Luz, Theology of Matthew, 26.