تأملات

أسلام على الأرض؟

“الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّة» (لوقا 2: 14).

حينما وُلد المسيح هَتَفْتُ الملائكة منشدة: “الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ”، وكم كانت الأرض آنذاك –ومازالت-محتاجة للسلام. فما هو السلام الذي تغنت به الملائكة، وهل تحقق فحلَّ السلام على الأرض؟

كانت البشرية في عداوة مع الله، تلك العداوة التي صنعها الإنسان حينما تمرد على وصايا الله وعصاه، فاستحق الموت عقابًا على عصيانه، وكنتيجة لعصيان الإنسان فقد علاقته بالله، وبالتالي فقد سلامه مع الله، وأصبح يرى في الإنسان الآخر عدوًا له فطارده وقتله ففقد سلامه مع الآخر، وقد كانت للنفس البشرية نصيبًا من هذا ففقد الإنسان سلامه الداخلي، وأصبح السلام حُلْمًا يُراود الإنسان ويتمنى تحقيقه، وفشل الإنسان في محاولاته الحثيثة لتحقيق السلام.

لكن في ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، وقد كان هذا التجسد إعلانًا عن بدءِ حلول السلام على الأرض، فحين شدت الملائكة سلامًا على الأرض، إنما كانت تقصد أنَّ ملك السلام، ومانحه، بل إله السلام نفسه جاء متجسدًا ليحلَّ السلام على الأرض، ومن خلال رحلة خدمة المسيح وموته وقيامته صنع تبريرًا للإنسان، فأصبح لكل إنسان يقبل ويؤمن بعمل المسيح، سلامًا مع الله، يقول الرسول بولس: “فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (رومية 5 :1)، وبهذا السلام يمكن للإنسان أن يُصحح مسارات حياته المختلفة، فيبدأ في اختبار السلام مع النفس، ولن يُصبح الآخر عدوًا بل أخًا، وسيختبر السلام معه، وعندها سيتسع مفهوم السلام ليتخطى المعنى الضيق المتمثل في غياب الصراعات إلى تأصيل مجموعة من القيم والمواقف والتقاليد وأساليب الحياة التي تستند إلى الاحترام الكامل للنفس والأخر.

وإذا تحقق السلام انطلاقًا من هذا المعنى فيمكن للأرض أن تنعم ولو قليلًا بالسلام، ولنقل سلام على الأرض، أما البديل -الذي لا نتمناه-فهو القول على الأرض السلام.

يَا رَبُّ نشكرك لأنك إله السلام، وفي تجسدك وموتك وقيامتك صالحتنا لنفسك غير حاسب لنا خطايانا، فمنحتنا السلام معك، ومع أنفسنا، ساعدنا أن نحقق السلام مع الأخر، أخوتنا وأعدائنا كما أوصتنا. أمين.

د. القس نصرالله زكريا

* تخرج في كلية اللاهوت الإنجيلية في القاهرة 1989م.
* سِيمَ قسًا وراعيًا للكنيسة الإنجيلية المشيخية في أبو حنس المنيا
* المدير التنفيذي لمجلس الإعلام والنشر
* مدير تحرير مجلة الهدى منذ عام 2006
* مؤسس موقع الهدى، وموقع الإنجيليون المشيخيون.
* له من المؤلفات ما يزيد عن أربعين كتابًا.
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى